وعلمنا بأنّ الحكم في حقّنا غير الإباحة ، ولكن شككنا في أنّه الحرمة أو غيرها من الوجوب أو الاستحباب أو الكراهة ، فلا شبهة في أنّ مقتضى الأصل هو الاشتراك ، لأنّ عدمه يوجب تعدّد الجعل وهو مشكوك فيه والأصل ينفيه.
وكذلك لو كان الثابت له وجوب شيء وعلمنا بأنّ حكمنا غير الإباحة ، وشككنا في أنّه الوجوب ليلزم الاشتراك ، أو غيره من الحرمة أو الكراهة أو الاستحباب.
وكذلك لو ثبت له استحباب شيء أو كراهته ، وشككنا في وجوب الأوّل وحرمة الثاني علينا ، فيحكم بالاشتراك لأصلي البراءة والإباحة ، مضافا إلى أصالة عدم تعدّد الجعل ، وأمّا لو ثبت له حرمة شيء وشككنا في حرمته علينا أيضا أو إباحته لنا ، فيحكم بالإباحة للأصل.
وكذلك لو ثبت له وجوب شيء وشككنا في وجوبه علينا أيضا وعدمه ، فيحكم بالعدم للأصل.
وهذا التفصيل كما ترى خال عن التحصيل ، لابتنائه على انتفاء الجعل في الإباحة ، وهذا تحكّم بل الأحكام الخمس الواقعيّة بأسرها مجعولة ، فلا يتفاوت الحال فيها من حيث جريان أصالة عدم الجعل ، وافقها أصل البراءة وأصل الإباحة أو لا ، لكون الجميع في الافتقار إلى الجعل على حدّ سواء ، وإلاّ كانت الواقعة كوقائع البهائم خالية عن الحكم.
فظهر أنّ الأصل من جهة أصالة عدم تعدّد الجعل هو الاشتراك ، ويؤيّده ندور المختصّات وغلبة المشتركات ، والظنّ يلحق الشيء بالأغلب.
والمناقشة فيه تارة : بمنع الظنّ باللحوق من الغلبة ، لأنّ العلم بالمخالفة في الحكم بين النبيّ والامّة ، كما في المختصّات مانع من حصوله.
واخرى : بمنع اعتبار الظنّ الحاصل منها ، لعدم الدليل عليه.
يدفعها : في المنع الأوّل عدم كون مبنى التمسّك بها على الاستقراء المنطقي المفيد للعلم ، أو الظنّ بالملازمة بين الحكم والكلّي ليثبت بها كبرى كلّيّة قطعيّة أو ظنّيّة ، حتّى يمنعه العلم أو الظنّ بوجود الفرد المخالف للأفراد الغالبة في الحكم ، بل على كون الغلبة في نفسها أمارة ظنّيّة كسائر الأمارات ، مثل الشهرة والإجماع المنقول والأولويّة ونحوها ، فالعلم بمخالفة النادر للغالب في الحكم لا يمنع من إفادتها الظنّ باللحوق.
وفي المنع الثاني البناء على حجّيّة الظنّ المطلق وهذا منه ، مع أنّ في بعض الأخبار إشارة إلى حجّيّة الغلبة من باب الظنّ الخاصّ ، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار عن العبد