لمّا بلغ ذا الحليفة (١) فهل هي أفعال عاديّة وقعت منه في هذه المواضع لضرب من الاتّفاق أو أنّها من الشرعيّات لرجحانها باعتبار الخصوصيّة؟
وقد اضطربت كلمة الأصحاب في حكم هذا القسم ، فإنّ منهم من رجّح كونه من الطبيعيّات استنادا إلى أصالة عدم التشريع.
ومنهم من رجّح كونه من الشرعيّات استنادا إلى ظاهر حاله عليهالسلام من حيث إنّه بعث لبيان الشرع.
ومنهم من يظهر منه التوقّف في القول حيث ذكر الوجهين من غير ترجيح.
ومنهم من أرجع المقام إلى مسألة تعارض الأصل والظاهر ، فمن قدّم فيها الأصل كالمشهور يرجّح هنا الطبيعيّة ، ومن يقدّم الظاهر لزمه هنا ترجيح الشرعيّة.
ومنهم من اعترض على التمسّك بالأصل لترجيح الطبيعية برجوعه إلى الاصول المثبتة ، لأنّ أصالة عدم التشريع معناها أصالة عدم جعل الوجوب وعدم جعل الاستحباب ، ويقصد بها الحكم على مورد الشكّ من فعل المعصوم بكونه من أفعاله الطبيعيّة ، وهذا إثبات توصل إليه بالأصل ، وحيث إنّ الاصول المثبتة باطلة وليست بحجّة ، فلا يجوز التعويل على الأصل المذكور ويكون وجوده بمثابة عدمه ، فيبقى الظاهر سليما عن المعارض ، ومقتضاه كون الأصل بمعنى القاعدة في كلّ فعل للمعصوم كونه شرعيّا إلاّ ما خرج بالدليل ، وحيث لا دليل على خروج مورد الشكّ من أفعاله فيدخل في المستثنى منه ويحكم عليه بكونه من الشرعيّات.
وفيه : ما لا يخفى ، لمنع الظهور المدّعى في هذا المقام لولا غلبة يستند إليها الظهور ، ومجرّد كونه عليهالسلام بعث أو نصب لبيان الشرعيّات لا يوجبه ، لأنّ معنى ذلك أنّ بيان الشرعيّات لا يتأتّى إلاّ منه من حيث إنّه منصبه ووظيفته وهو المقصود من بعثه ونصبه ، لا أنّ كلّما يتأتّى منه من الأفعال فهو بيان للشرع ، فإنّه ليس إلاّ كغيره من بني نوع البشر في أنّ له أيضا أفعالا عاديّة هي من لوازم تعيّشه كغيره من رعيّته وتابعيه ، ونحن إن لم ندّع الغلبة في أفعاله العاديّة الّتي لم يقصد بها بيان الشرع ، فلا أقلّ من منع دعوى الغلبة في كونها شرعيّة ، على معنى قصده فيها بيان الشرع الدائر بين الوجوب والاستحباب ، فالوجه هو التعويل على أصالة عدم التشريع لنفي الوجوب والاستحباب في حقّنا في نحو هذه
__________________
(١) القواعد : ١ / ٢١٢.