بشرط عدم الظنّ على الخلاف عن الحجّيّة ، وانحصر الحجّة على الثاني في الخبر الموافق للظنّ المفروض ، وصار كالخبر السليم عن المعارض.
وتحرير المسألة : أنّ الظنّ الغير المعتبر إذا حصل على وفق مضمون أحد الخبرين كشف ظنّا عن صدوره ، أو صدور مرادفه عن الإمام ، فيكشف كذلك عن وجود خلل في الخبر الآخر ، إمّا في صدوره أو جهة صدوره أو دلالته ، فهل يوجب ذلك الظنّ استحقاق الأوّل لأن يقدّم على الثاني؟ بحيث يستحقّ الطرح على التقدير الأوّل ، أو الحمل على التقيّة ، أو غيرها على الثاني ، أو التأويل فيه على الثالث.
وبعبارة اخرى : أنّ موافقة الخبر الموافق مضمونة للظنّ المفروض ، هل تعدّ في نظر الشارع مزيّة فيه موجبة لتقديمه على معارضه أو لا؟
فقد يقال : بالمنع استنادا إلى الأصل الأوّلي في الظنّ ، إذ كما أنّ الأصل فيه عدم الحجّيّة المستقلّة ، فكذلك الأصل فيه عدم المرجّحيّة ، سواء جعلنا مدرك ذلك الأصل عموم الآيات الناهية عن اتّباع الظنّ ، والأخبار الناهية عن القول بما لا يعلم ، أو جعلناه قاعدة التشريع المحرّم بالأدلّة الأربعة ، بناء على الأخذ بمضمون الخبر الموافق لذلك الظنّ على وجه التديّن به ، والالتزام به على أنّه الحكم الشرعي الواقعي ، من غير دليل قطعي يدلّ عليه ، أو جعلناه مخالفة القواعد أو الاصول القطعيّة الموجود في المورد الّتي هي المرجع على تقدير عدم وجود هذين الخبرين ، فإنّ هذه الوجوه متساوي النسبة إلى الحجّيّة والمرجّحيّة جارية بعينها في الترجيح أيضا ، وقد عرفت في الترجيح بالقياس أنّ المرجّح يحدث حكما شرعيّا لم يكن مع عدمه ، وهو وجوب العمل بما يوافقه بعينه ، وحرمة العمل بمعارضه ، مع كون الحكم بدونه هو التخيير أو الرجوع إلى الأصل الموافق للآخر ، وقيل بالترجيح بسببه ، نسبه شيخنا إلى ظاهر كلمات المعظم قائلا :
« ولكنّ الّذي يظهر من كلمات معظم الاصوليّين هو الترجيح بمطلق الظنّ » (١) ، ويمكن أن يستدلّ عليه بوجوه :
أوّلها : قاعدة الاشتغال ، لدوران الأمر بين التعيين والتخيير ، من الشكّ في كون الموافقة للظنّ المفروض مزيّة موجبة لتعيين العمل بالخبر الموافق ، وعدمه المقتضي للتخيير بينه وبين الخبر المخالف في العمل.
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٦٠٥.