فإن كان المقابل للظنّ القياسي ممّا اعتبر شرعا أو عرفا من باب الظنّ النوعي ، فالذي ينبغي أن يقطع به هو عدم توهينه له ، وعدم تأثيره في وهنه ، فلو حصل الظنّ من القياس في مورد على خلاف مدلول الخبر الصحيح الموجود فيه ، أو على خلاف مؤدّى الظهور اللفظي الموجود فيه ، كان الخبر والظهور على اعتبارهما من دون خلل فيه باعتبار مخالفة القياس لهما ، لأنّ نهي الشارع عنه المعلّل بغلبة مخالفته الواقع ، وأنّ ما يفسده أكثر ممّا يصلحه يقتضي نفي جميع الآثار المترتّبة عليه ، فكما أنّه باعتبار هذا النهي لا يؤثّر قوّة للضعيف ، فكذلك لا يؤثّر باعتباره ضعفا للقويّ ، لأنّ كلاّ من القوّة والضعف من الآثار المنفيّة بحكم النهي المذكور المعلّل بالعلّة المذكورة.
ويؤيّده بل يدلّ عليه أيضا استقرار السيرة المستمرّة بين العلماء فيما دلّ على اعتباره الشرع ، وبين أهل العرف فيما دلّ على اعتباره بناء العرف ، على عدم التوقّف عن العمل حتّى يفحصوا عن وجود القياس على الخلاف ، مع أنّ العلماء يوجبون الفحص عن المعارض في العمل بالدليل ، والفحص عن الموهن على تقدير ثبوت الموهنيّة كالفحص عن المعارض ، وكما أنّ الثاني واجب فكذلك الأوّل ، والسيرة المستمرّة تنفيه في الأوّل ، وإمضاء الشارع لبناء العرف في الظهورات اللفظيّة حصل على هذا الوجه.
ولا ريب [ أنّ ] السيرة النافية لوجوب الفحص عن الموهن في النوعين كاشفة عن عدم الموهنيّة ، وأيضا فلو كان القياس ممّا ثبت له في نظر الشارع صفة الموهنيّة ، لكان على أصحابنا الإماميّة أن يدوّنوه ، ويتعرّضوا لضبط أقسامه ، ويذكروا شرائطه في كتبهم الاصوليّة أو الفقهيّة على حسبما صنعه العامّة العاملين بالقياس ، لينتفعوا به ويرجعوا إليه في مقام توهين الدليل ، والتالي باطل لإعراضهم الكلّي عن القياس المعلوم بضرورة من مذهبهم.
وأقوى ما يشهد بما ذكرنا ، أنّ العاملين بالقياس في الأحكام ذكروا لحجّيّته شروطا ، منها : خلوّ الواقعة عن النصّ من كتاب أو سنّة ، بل خلوّها عن خبر الواحد ، وهذا صريح في نفي صلاحيّة القياس لتوهين الدليل من آية أو رواية معتبرة حتّى عند العاملين به ، وكذا الكلام فيما كان المقابل له ما اعتبر على وجه التعبّد مطلقا بل الأمر فيه أوضح.
وأمّا لو كان المقابل له ما اعتبر على وجه التعبّد المقيّد ، أو من باب الوصف فهل يوجب وهنا فيهما أو لا؟ وجهان ، من أنّه يوجب انتفاء القيد العدمي في أوّلهما ، وانتفاء الشرط في ثانيهما ، فخرجا عن الاعتبار ضرورة أنّه إذا انتفى القيد انتفى المقيّد ، وأنّه إذا