وقد يحتمل أيضا حمل الاولى على العزم المجرّد ، وحمل الثانية على العزم مع التلبّس بما يكون من مقدّمات المعصية ، أو حمل الاولى على ما كان المنويّ من الصغائر والثانية على ما كان المنويّ من الكبائر.
ثمّ يبقى الإشكال في العفو المستفاد من رواياته ، فإنّ الإخبار بعدم العقاب على المحرّم ينافي اللطف الواجب عليه تعالى ، ضرورة أنّ الوعد على الثواب والوعيد بالعقاب لطف ، لكون الأوّل مقرّبا إلى الطاعة والثاني مبعّدا عن المعصية فيكون واجبا عليه تعالى ، فكيف يصدر منه ما ينافيه وهو الإخبار بالعفو.
ويمكن الذبّ : بأنّ العقاب على ذي المقدّمة ـ الّذي هو أصل الفعل المقصود ـ والوعيد بالعقاب عليه كاف في الردع ، ويتمّ به اللطف ولا حاجة معه إلى الوعيد بالعقاب على فعل المقدّمات ، ولا على العزم على فعل
ذي المقدّمة ، فإنّ المكلّف إذا علم بأنّ أصل الفعل ممّا أوعد الله عليه العقاب يبعثه ذلك على عدم الإقدام عليه ، ولا على مقدّماته وعلى ترك العزم عليه إن كان مع ربّه في مقام الإطاعة والانقياد ، وإلاّ فلا ينفعه الوعيد على العزم وعلى فعل مقدّماته بالعقاب أيضا ، كما لم ينفعه الوعيد على أصل الفعل ، فالإخبار بالعفو عن معصية العزم ـ كما ورد في الأخبار ـ لا ينافي اللطف.
ثمّ إنّ العزم على المعصية وإن كان معصية إلاّ أنّه معصية مستقلّة ، لا أنّه المعصية المنويّة ، لكونه في نفسه منهيّا عنه.
ثم إنّ المحقّق من أقسام التجرّي ثلاث :
أحدها : مجرّد القصد على المعصية.
وثانيها : القصد إليها مع الاشتغال بما يكون من مقدّمات المعصية.
وثالثها : القصد إليها مع التلبّس بما اعتقد كونه معصية.
وقد يذكر أقسام ثلاث اخر :
منها : التلبّس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقّق المعصية به.
ومنها : التلبّس به لعدم المبالات بالمعاصي.
ومنها : التلبّس به برجاء أن لا يكون معصية ، ولكن كون هذه من التجرّي مبنيّ على قيام احتمال المعصية ، وهو مبنيّ على عدم كون الجهل عذرا عقليّا أو شرعيّا ، وإلاّ فمع كونه عذرا بأحد الوجهين ـ كما في موارد أصل البراءة من الشبهات الوجوبيّة بل التحريميّة