العبارة عن قصور الفهم ، فأورد عليه : بأنّ العدول عن الظنون الاجتهاديّة إلى الأخذ بالبراءة الأصليّة فيها ليس من موجبات الكفر إجماعا ، بل عدم التديّن بما علم كونه نزل به جبرئيل من الأحكام والشرائع والسنن.
وإن شئت قلت : لزوم المخالفة القطعيّة ، للعلم بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة فيما بين المظنونات ، وهي قبيحة عقلا محرّمة شرعا.
لا يقال : هذا مشترك الورود فيما إذا أدّى الظنّ في جميع الوقائع المظنونة إلى موافقة الأصل ، فإنّ المناط هو مخالفة العلم الإجمالي سواء لزمت من العمل بالظنّ الموافق للأصل أو من العمل بالأصل نفسه.
لأنّا ندفعه : بأنّ هذا غير ممكن للزوم التناقض ، فكما أنّ الإيجاب الجزئي يناقض السلب الكلّي ، فكذلك العلم بالإيجاب الجزئي أيضا ـ كما هو معنى العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة ـ يناقض الظنّ بالسلب الكلّي.
ولو سلّم إمكانه فهو غير واقع ، لأنّ أكثر الأدلّة الغير العلميّة الموجودة بأيدينا مخالفة للأصل.
ولو سلّم وقوعه نمنع جواز الأخذ حينئذ في جميع تلك الوقائع ، بل يعمل بالاحتياط في الظنّ الضعيف وبمؤدّى الأصل في الظنّ القوي ، ولو تساوت الظنون في القوّة والضعف فيعمل بالظنّ الموافق للأصل إلى أن يبقى مقدار لو عمل فيه بالظنّ أيضا حصل العلم بالمخالفة فيؤخذ فيه بالاحتياط ، أو أنّه يعمل بالاحتياط إلى أن ينفي من المظنونات ما خرج عن طرف العلم الإجمالي حذرا في الجميع عن المخالفة القطعيّة.
وأمّا الثاني : فلمنع جريان أصل البراءة فيما نحن فيه ، لاختصاص أدلّته بالشكّ في التكليف إيجابا أو تحريما ، لا الشكّ في تعيين مورده بعد العلم بثبوت أصله ، فلو شككنا في وجوب غسل الجمعة يوم الجمعة يجرى فيه الأصل ، بخلاف ما لو شككنا في أنّ الواجب يوم الجمعة هل هو غسل أو صلاة الجمعة بعد العلم بوجوب شيء فيه فلا مجرى للأصل فيه ، وما نحن فيه من هذا الباب لأنّا نعلم إجمالا أنّ في المظنونات واجبات كثيرة ومحرّمات كثيرة ، ولكنّها اشتبهت بين المظنونات بحيث يحتمل في كون كلّ ما ظنّ وجوبه أو حرمته أو عدم وجوبه منها.
وربّما ردّ الرجوع إلى أصالة البراءة ، بأنّ اعتبارها من باب الظنّ ، والظنّ منتف في