فعلى الأوّل : ينهض الدليل الاجتهادي الموجود مرجّحا لذلك الشطر ، ويتبعه الشطر الآخر لملازمة شرعيّة بينهما أثبتها الإجماع ، فإنّ مرجع الإجماع على نفي القول الثالث ـ وهو التفصيل بين المسألتين في الحكم ـ إلى الإجماع على الملازمة المذكورة ، فمرجع الاستدلال إلى الإجماع المركّب النافي للقول بالفصل ـ الّذي يقال له : الإجماع على عدم الفصل أيضا ، وقد يعبّر عنه مسامحة بعدم القول بالفصل ـ إلى الاستدلال بهذه الملازمة ، وذلك كما في مسألتي تقصير الصلاة وإفطار الصوم بالمسير إلى أربعة فراسخ المختلف فيهما عند الامّة على قولين ، وجوب كلّ منهما ، وعدم جواز كلّ منهما ، مع اتّفاق الفريقين على نفي الفصل وهو وجوب الأوّل وعدم جواز الثاني أو بالعكس ، ومعناه الإجماع على الملازمة بين وجوب التقصير ووجوب الإفطار ، والملازمة بين عدم جواز الإفطار وعدم جواز التقصير ، فلو ورد نصّ في إحدى المسألتين كقوله : « قصّر صلاتك بأربعة فراسخ » مثلا دلّ بالمطابقة على وجوب التقصير وبالالتزام على وجوب الإفطار ، ودليل الملازمة هو الإجماع المركّب ، فلو ورد نصّ على عدم جواز الإفطار إنعكس الأمر ، ولو وجد النصّان معا وقع التعارض بينهما بالعرض من جهة الملازمة المذكورة الثابتة بالإجماع المركّب لا بالذات لتعدّد موضوعيهما ، فلابدّ من العلاج بما هو طريقة المقرّر في باب التعادل والتراجيح.
وعلى الثاني : فإن وجد أصل فقاهي في أحد الطرفين مؤدّاه إثبات الوجوب أو نفيه ، فلا إشكال أيضا في أنّه يلحق به الطرف الآخر استنادا إلى الملازمة بينهما في كلّ من الإثبات والنفي ، لئلاّ يلزم طرح قول الإمام والمخالفة القطعيّة للواقع بلا مسوّغ لها ، وإن وجد الأصل الفقاهي في كلّ من الطرفين فإن اتّفقا في المؤدّى فلا إشكال أيضا إذ لا يلزم من إعمالهما مخالفة ، وإن اختلفا في المؤدّى ففي إعمالهما والعدم إشكال ، من عموم أدلّة الاصول المقتضي لإعمالهما ، ومن لزوم مخالفة العلم الإجمالي في العمل ، فإنّ إعمالهما يوجب الفصل بين المسألتين ، وهو مخالفة قطعيّة وطرح لقول الإمام في إحدى المسألتين ، ومبنى الإشكال على أنّه كما أنّ القطع بمخالفة قول الإمام في مرحلة الواقع غير جائزة ، فهل هي في مرحلة الظاهر أيضا غير جائزة أو جائزة؟
وقد يقال : بأنّه لا ضير فيه عملا بالأصلين ، وغايته لزوم مخالفة العلم الإجمالي وجوازه في الشريعة غير عزيز بل كثير ، وعزي إلى شريف العلماء وصاحب الفصول.
ويزيّفه : أنّ جواز مخالفة العلم الإجمالي إنّما ثبت في الشبهات [ الموضوعيّة ]