وتوهّم أنّ العقل يلزم المكلّف على العمل بمعتقده ، ويخاطبه بقول : « إعمل بمعتقدك » فإنّه خطاب عقلي يتولّد منه الحكم الإلزامي ، فكيف ينكر استقلال العقل بذلك؟
يدفعه : أنّ هذا الخطاب العقلي المتوجّه إلى المكلّف ممّا لا كلام فيه ولا مجال لإنكاره ، ولكنّه لا يشمل ما نحن فيه ، فإنّ ما ذكر إلزام للمكلّف على العمل بمعتقده على أنّه الواقع لا من حيث أنّه معتقده ، فإذا انكشف الخلاف تبيّن أنّ الحكم العقلي لم يصادف محلّه ، أو عدم اندراج المورد في موضوعه ، وهذا أوجه حذرا عن تخطئة العقل.
واستدلّ للقول الآخر بوجوه :
منها : الإجماع على ما حكي ادّعائه عن جماعة في مسألة ظانّ ضيق الوقت على العصيان بالتأخير مع انكشاف الخلاف ، كما تقدّم.
ومنها : أنّ مخالفة الاعتقاد ما يستقلّ العقل بقبحه ، وكلّما يستقلّ العقل بقبحه محرّم شرعا ، فمخالفة الاعتقاد محرّم شرعا.
أمّا الكبرى : فبحكم الملازمة بين الحكم العقلي والحكم الشرعي المعبّر عنها بأنّ كلّما حكم به العقل حكم به الشرع.
وأمّا الصغرى : فلأنّه تجرّي والتجرّي قبيح ، مضافا إلى أنّه بالنسبة إلى المولى ظلم والظلم قبيح ـ فإنّ الظلم وضع الشيء على غير مستحقّه ـ والمولى من حيث مولويّته يستحقّ الإطاعة والانقياد لا المخالفة والعصيان ، ومخالفة الاعتقاد تعريض للنفس على معصية المولى فيكون ظلما.
ومنها : بناء العقلاء على الذمّ على معنى كون القاطع المخالف لاعتقاده مستحقّا للذمّ عند العقلاء مطلقا من غير توقّف إلى [ ان ] يظهر لهم المصادفة.
ومنها : أنّه مكلّف بالعمل على قطعه وقد خالفه فيكون عاصيا ، يظهر التمسّك به من بعض الأعلام (١) في مسألة ظانّ ضيق الوقت ، حيث إنّه ثمّة بعد ما اختار القول ببقاء المعصية بعد تبيّن الخلاف استدلّ عليه بأنّه مكلّف على العمل بظنّه وقد خالفه فيكون عاصيا ، ونحوه يجري فيما نحن فيه أيضا.
__________________
(١) وهو المحقّق القمّي في القوانين ١ : ١٢٠.