كونه مولاه أو غيره ، فإنّه لا يرفع اليد عن عموم خطاب المولى بمجرّد الاحتمال ، ونحوه ما لو قال المولى بعد العامّ : « لا تكرم زيدا » ، وكان زيد مشتركا بين عالم وجاهل ، وكذلك ما لو قال بعد العامّ في المثال : « أكرم الاشتقاقيّين » بحيث احتمل ذلك كونه قرينة كاشفة عن المراد بالعامّ ، وأنّه خصوص الاشتقاقيين.
ولقد أجاد من (١) قال بما حاصله : « أنّ الكلام إن كان مقرونا بحال أو مقال يصلح أن يكون صارفا عن المعنى الحقيقي فلا يتمسّك فيه بأصالة الحقيقة ، وإن كان الشكّ في أصل وجود الصارف ، أو كان هناك أمر منفصل يصلح لكونه صارفا فيعمل فيه على أصالة الحقيقة ».
كما حكاه شيخنا عن بعض معاصريه واستحسنه ، وقال : « بعدم كونه تفصيلا في حجّيّة الظهور اللفظي ، بل مرجعه إلى تعيين الظهور العرفي وتمييزه عن موارد الإجمال ، فإنّ اللفظ في القسم الأوّل يخرج عن الظهور إلى الإجمال بشهادة العرف ، ولذا توقّف جماعة في المجاز المشهور والعامّ المتعقّب بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، والجمل المتعدّدة المتعقبة للاستثناء ، والأمر والنهي الواردين في مظانّ الحظر والإيجاب إلى غير ذلك ، ممّا احتفّ اللفظ بحال أو مقال يصلح لكونه صارفا ، ولم يتوقّف أحد في عامّ بمجرّد الاحتمال في دليل منفصل يحتمل كونه مخصّصا له ، بل ربّما يعكسون الأمر فيحكمون بنفي ذلك الاحتمال وارتفاع الإجمال لأجل ظهور العامّ ، ففي نحو ما لو قال المولى : « أكرم العلماء » وقال في خطاب آخر : « لا تكرم زيدا » ، مع اشتراك زيد بين عالم وجاهل لا يرفع اليد عن العموم بمجرّد الاحتمال ، بل يرفع الإجمال بواسطة العموم ، فيحكم بإرادة زيد الجاهل من النهي » (٢).
وأمّا ما قيل : من أنّ احتمال إرادة خلاف مقتضى اللفظ إن حصل من أمارة غير معتبرة فلا يصحّ رفع اليد عن الحقيقة ، وإن حصل من دليل معتبر فلا يعمل بأصالة الحقيقة ، ومثّل له بما إذا ورد في السنّة المتواترة عامّ ، وورد فيها أيضا خطاب مجمل يوجب الإجمال في ذلك العامّ ولا يوجب الظنّ بالواقع ، فلا دليل على لزوم العمل بالأصل تعبّدا ، ولا يمكن دعوى الإجماع على لزوم العمل بأصالة الحقيقة تعبّدا ، فإنّ أكثر المحقّقين توقّفوا فيها إذا تعارض الحقيقة المرجوحة مع المجاز الراجح » (٣).
__________________
(١) هو الشيخ محمّد تقي في هداية المسترشدين ١ : ٢١١.
(٢) فرائد الاصول ٢٤ : ١٧١.
(٣) هذا التفصيل للسيّد المجاهد في مفاتيح الاصول : ٣٥ ـ ٣٦.