فهو من قبيل الشهادة لا يعدل عنه إلى غيره إلاّ بدليل.
لأنّا نقول : أحكام الكتاب كلّها من قبيل خطاب المشافهة ، وقد مرّ أنّه مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب ، وأنّ ثبوت حكمه في حقّ من تأخّر إنّما هو بالإجماع وقضاء الضرورة باشتراك التكليف بين الكلّ ، وحينئذ فمن الجائز أن يكون اقترن ببعض تلك الظواهر ما يدلّ لهم على إرادة خلافها ، وقد وقع ذلك في مواضع علمناها بالإجماع ونحوه ، فيحتمل الاعتماد في تعريفنا بسائرها على الأمارات المفيدة للظنّ القويّ وخبر الواحد من جملتها ، ومع قيام هذا الاحتمال ينتفي القطع بالحكم ، ويستوي حينئذ الظنّ المستفاد من ظاهر الكتاب والحاصل من غيره بالنظر إلى إناطة التكليف به ، لابتناء الفرق بينهما على كون الخطاب متوجّها إلينا وقد تبيّن خلافه ، ولظهور اختصاص الإجماع والضرورة الدالّين على المشاركة في التكاليف المستفادة من ظاهر الكتاب بغير صورة وجود الخبر الجامع للشرائط الآتية ، المفيد للظنّ الراجح بأنّ التكليف بخلاف الظنّ الظاهر » (١). انتهى.
فإنّ ما ذكره في جواب « لا يقال » من منع قطعيّة الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب ، كما نصّ عليه بقوله : « ومع قيام هذا الاحتمال ينتفي القطع بالحكم » وإن كان في محلّه ، نظرا إلى أنّ المقدمة الخارجيّة الّتي جعلها السائل واسطة في قطعيّة الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب ـ وهي قبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه من غير قرينة لكونه إغراء بالجهل ـ إن سلّمنا تمكّن المخاطب المشافه من إجرائها ، كما لو كان الخطاب بما له ظاهر في وقت الحاجة إلى البيان وانتفى معه احتمال وجود مصلحة مرجّحة لإخفاء القرينة مقتضية لحسن عدم البيان.
لا نسلّم تمكّن غيره ممّن ليس بمخاطب ولا مقصود إفهامه من إجرائها حتّى في حقّ المخاطب ، لقيام احتمال وجود قرينة مع الخطاب حين نزوله مفيدة لإرادة خلاف ظاهره قد اختفت علينا ، وإن التفت إليها المخاطب أو غفل عنها ، وغاية ما هنالك إعمال الأصل لنفي القرينة أو نفي الغفلة عن القرينة الموجودة ، غير أنّ الأصل واسطة لإحراز الظاهر ، ولا ينفي الاحتمال وهو مانع من القطع بإرادة الظاهر.
ولكن قوله : « ويستوي حينئذ الظنّ المستفاد من ظاهر الكتاب والحاصل من غيره
__________________
(١) معالم الدين : ١٩٣.