الموجودين في زمن الخطاب الغائبين عن مجلسه ، أو على جهة العموم كما في الوصايا والكتب المصنّفة ونحوهما ، أو هي عامّة لمن لم يقصد إفهامه خصوصا ولا عموما أيضا.
وقد ذكرنا سابقا أنّ التشكيك في هذا المقام قد حصل لبعض الأعلام بل التتبّع في تضاعيف عباراته ـ في بحث حجّيّة الكتاب (١) وفي بحث حجّيّة أخبار الآحاد المستدلّ عليها بأدلّة حجّية مطلق الظنّ (٢) ، وفي باب الاجتهاد ـ يعطي كونه منكرا لحجّيّة الظواهر مطلقا في حقّ من لم يقصد إفهامه من باب الظنّ الخاصّ ، بل لا بدّ في حجّيّتها له من إثبات انسداد باب العلم وفتح باب حجّيّة مطلق الظنّ ، استنادا إلى دليل الانسداد وغيره ، ليندرج فيه الظواهر في حقّ من لم يقصد إفهامه بها من غير فرق في ذلك بين ظواهر الكتاب وظواهر الأخبار.
ومستنده في هذا التفصيل ـ على ما ينساق من تضاعيف عباراته في الأبواب المذكورة ـ عدم الدليل على الحجّيّة بالخصوص لغير من قصد إفهامه من إجماع ولا غيره ، إذ الإجماع على حجّيّة الظواهر ـ إن سلّمناه مع مخالفة الأخباريّين في ظواهر الكتاب ـ فإنّما يسلّم بالنسبة إلى متفاهم المشافهين المخاطبين ومن يحذو حذوهم.
قال ـ في تضاعيف باب الاجتهاد في تعليل ما ادّعاه من اختصاص المسلّم من الإجماع بمتفاهم المشافهين ـ : « لأنّ مخاطبته كأنّ معهم ، والظنّ الحاصل للمخاطبين من جهة أصالة الحقيقة والقرائن الخارجيّة حجّة إجماعا ، لأنّ الله تعالى أرسل رسوله وكتابه بلسان قومه ، والمراد بلسان القوم هو ما يفهمونه ، وكما أنّ الفهم يختلف باختلاف اللسان فكذلك يختلف باختلاف الزمان وإن توافق اللسان ، فحجّيّة متفاهم المتأخّرين عن زمن الخطاب وظنونهم يحتاج إلى دليل آخر غير ما دلّ على حجّية متفاهم المخاطبين المشافهين ، لمنع الإجماع عليه بالخصوص » انتهى (٣).
ومراده : من « اختلاف الفهم باختلاف اللسان » ما هو المعلوم بالضرورة من أنّ العجمي مثلا لا يفهم من الألفاظ العربيّة بمثابة ما يفهمه العربي ، بل بينهما تفاوت واضح في أصل الفهم وكيفيّته ومقداره وكذلك العكس ، ومن « اختلافه باختلاف الزمان » ما يرشد إليه الضرورة أيضا من أنّ ما يفهمه المتأخّرون عن زمن الخطاب ليس بمثابة ما يفهمه
__________________
(١) قوانين الاصول ١ : ٣٩٨ ـ ٤٠٣.
(٢) قوانين الاصول : ١ / ٤٤٠.
(٣) قوانين الاصول ١ : ٣٩٨ و ٢ : ١٠٣.