تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

١٧٦ ـ قوله : « وربّما يشكل في كون الاجزاء مقدمة له وسابقة عليه بأن المركب ليس إلاّ نفس الاجزاء بأسرها ». (١)

ولا يخفى انّ الاشكال انما هو من وجهين :

أحدهما : في اتصافها بالمقدمية والفرق بينها وبين الكل.

ثانيهما : في اتصافها بالوجوب وعدمه.

امّا الاول : فالظاهر انّ الفرق انما هو بالاعتبار وانّها لا تتصف بالمقدمية. بيانه يحتاج الى تمهيد مقدمة وهي :

انّ الفرق بين الكل واجزائه الفرق بين أخذ الشيء بشرط شيء وبين أخذه لا بشرط فيكون بالاعتبار.

توضيحه : انّ الكل في الخارج عبارة عن نفس مجموع الاجزاء بشرط لحاظ هيئتها الاجتماعية التي تكون بمجرد الاعتبار ، وليست بخارجية ، وإلاّ [ لزاد ] (٢) على عدم الاجزاء في الخارج الى لا نهاية فيلزم محذور التسلسل كما لا يخفى ؛ فاذا لم تكن خارجية فما هو وجود الكل في الخارج انما هو نفس مجموع الاجزاء بالأسر ، والاجزاء نفس هذا المجموع بلا لحاظ الهيئة ، فالفرق بينهما وبين الكل بمجرد الاعتبار ، وامّا في الخارج فعينان.

ولا يخفى انّ التفرقة بينهما بما ذكر انما هو بين ما هو الكل والجزء بالحمل الشائع لا بين العنوانين حتى يشكل بثبوت التضايف بينهما ، فلا يعقل الاتحاد ، لانفكاك تصور أحدهما عن الآخر.

ثم انّه لا يشكل [ بـ ] المنافاة بين ما ذكر وبين ما هو المسلّم في المعقول من كون الاجزاء الخارجية ـ وهي المادة والصورة ـ بشرط لا في مقام جزئيتها

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٥ ؛ الحجرية ١ : ٧٥ للمتن و ١ : ٨٤ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( فلزاد ).

٢٤١

الخارجية ، لأنه : مضافا الى ما في المتن أنّ ملاحظة اللابشرط وبشرط لا في ذلك المقام انما هو بالنسبة الى الحمل المفيد للاتحاد في الوجود ، وعدمه في المقام انما هو بالنسبة الى الانضمام غير المنافي لعدم الصدق ، بل الانضمام يستلزم عدم الصدق كما لا يخفى ؛ فملاحظة اللابشرطية في الاجزاء الخارجية بالنسبة الى الانضمام في المقام لا يوجب صحة الحمل والاتحاد مع الكل كما في الجنس والفصل ؛ فتوهم صاحب التقريرات (١) ذلك ناش عن عدم التفرقة بين المقامين فراجع.

وامّا الثاني : وهو اتصاف الأجزاء بالوجوب فالتحقيق : عدم اتصافها إلاّ بعين الوجوب النفسي المتعلق بالكل على نحو الوحدة والبساطة لا بالوجوب الغيري ، [ و ] لا ان يكون كل من الاجزاء واجبا بوجوب على حدة بانحلال الامر بالكل الى أوامر متكثرة بعدد الاجزاء ، أو بالوجوب الضمني في ضمن وجوب الكل.

أمّا الاول : فبوجوه :

الاول : عدم وجود الملاك للامر الغيري في الأجزاء وهو كونها موقوفا عليها ومقدمة لوجوب الواجب. كما عرفت انّ الكل عين تمام الاجزاء في الخارج وجودا ؛ واعتبار الاجتماع انما هو في الذهن ، ولا يتصف الجزء الذهني بالوجوب ، والمتصف به هو الوجود الخارجي ، فبعد كونه عينها وجودا فلا مغايرة في الوجود حتى يكون أحدهما مقدمة للآخر ، فبدونه ينتفي الوجوب الغيري أيضا.

الثاني : عدم الغرض الباعث للامر الغيري المولوي وهو تحريك العبد وبعثه

__________________

(١) مطارح الانظار : ١٣٩ السطر الاخير الى ص ٤٠ السطر ٩ ، والطبعة الحديثة ١ : ٦٥٤ ـ ٦٥٥.

٢٤٢

الى الفعل لو لم يكن في نفسه محرك عقلائي ، حيث انّ الامر النفسي يكفي في تحريك المولى له نحو ايجاد الاجزاء ، ومعه لا يبقى مجال لبعث آخر مولوي كما لا يخفى.

الثالث : اجتماع المثلين في الاجزاء ـ لو قلنا بالوجوب الغيري فيها ـ مع الوجوب النفسي المتعلق بمجموع الاجزاء بالأسر ، ويكون من قبيل النهي في العبادة لا من قبيل اجتماع الامر والنهي حتى يبتني على جوازه ، لانّ الامر الغيري يتعلق بنفس ذوات الاجزاء لا بعنوان المقدمة ، لأنه بنفسه مقدمة ، والمفروض انّ الامر النفسي قد تعلق أيضا بنفس مجموع الاجزاء بالأسر فيلزم اجتماع المثلين بلا تعدد العنوان المعروض للوجوب.

وامّا الثاني : فلأنّ الانحلال يتوقف على قابلية الغرض للتجزية ، بحيث يحصل مقدار منه من جزء ومقدار آخر من الجزء الآخر وهكذا الى [ الأخير ] (١) ومن المعلوم انّ الغرض غير قابل للتفكيك بل بسيط يتوقف حصوله على تمامية الاجزاء ، فلا بدّ أن يكون الامر هكذا أيضا.

ومنه انقدح عدم اتصاف الاجزاء بالوجوب الضمني أيضا لو كان المراد منه تكثر الوجوب بتكثر وجوداتها ، غاية الامر على نحو يكون بين أمثالها الارتباط حيث [ انّها ] (٢) تتبع تجزئة الغرض ولو على نحو الارتباط ، فلا معنى للوجوب الضمني فيها أيضا.

فقد ظهر مما ذكرنا انّ الوجوب في المركب واحد بسيط غير متكثر بالنسبة الى الاجزاء ، بل هي متصفة به بعين اتصاف الكل ، غاية الامر يكون استناده اليه أصليا واستناده اليها تبعيا.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الآخر ).

(٢) في الاصل الحجري ( انه ).

٢٤٣

ثم انك اذا عرفت وحدة الوجوب فلا بد أن يكون امتثاله واحدا أيضا. ولكنه يقع الكلام في انّ الشروع في اتيان الاجزاء هل هو شروع في الامتثال بحيث يضعف الامتثال ويقصر تدريجا الى أن يتحقق الجزء الاخير فيتم عنده؟

أو انّ الامتثال أتى دفعة عند تحقق الجزء الاخير؟

أو انّ كون الاتيان بالجزء شروعا في الامتثال مراعى بلحوق الجزء الاخير بنحو الشرط المتأخر ، ومع عدمه فيكشف انّ المأتي به لم يكن شروعا في الامتثال أبدا؟ وجوه.

أقواها : الاخير ، بمقتضى بساطة الغرض وكون الاتيان بالجزء شروعا في وجود الواجب ، فاللازم انّ الاتيان به شروع في الامتثال مع كونه مراعى بلحوق الجزء الاخير ، وإلاّ لزم :

اما سقوطه عن الاجزاء مع عدم حصول الغرض اصلا ، كما على الاول.

او عدم دخالة الاجزاء في الامتثال الواجب أصلا ، كما على الثاني.

ثم انّ ما ذكرنا من وحدة الوجوب بالنسبة الى اجزاء المركب انما كان منحصرا في النفسي ، لعدم حصول الغرض إلاّ بالمجموع من حيث المجموع ؛ وامّا بالنسبة الى اجزاء المقدمات المجتمعة تحت عنوان واحد كالعلة المركبة والشرط وغيرهما فلا اشكال في تعدد الوجوب واتصاف كل منها به ، لتحقق ملاكه وهو توقف ذي المقدمة عليه ، مع تأمل في اجزاء العبادة اذا كانت مقدمة لغيرها بعنوان كونها عبادة ، فانّه لا يبعد وحدة الوجوب الغيري بالنسبة اليها كالوضوء المجعول مقدمة لغيره ونحوه.

٢٤٤

١٧٧ ـ قوله : « والحلّ : انّ المقدمة هي نفس الاجزاء بالأسر ». (١)

قد عرفت كما ذكرنا ويشير اليه في حاشيته (٢) رحمه‌الله انّ هذا الفرق لا يجدي في كونها من مقدمات وجود الواجب بعد عينيتها معه وجودا. نعم [ كون ] عدمها من مقدمات الماهية ومقوماتها لا بأس به ، فتدبر.

١٧٨ ـ قوله : « لا بالاضافة الى المركب ، فافهم ». (٣)

اشارة الى انّه ليس الفرق بين المعنيين مجرد ملاحظة الاجزاء الخارجية بالقياس الى الاجزاء الذهنية في أحدهما وبالقياس الى المركب في الاخير.

و [ الى أنه ] (٤) كما تؤخذ بشرط لا بالاضافة الى الذهنية في أحدهما ، كذلك تؤخذ بالاضافة الى المركب بشرط لا أيضا دون الاجزاء الذهنية ، فانّ كلا منها لا بشرط بالقياس الى الآخر والى المركب ، ولذلك لا تصدق كل من الاجزاء الخارجية على الآخر وعلى المركب ، والاجزاء الذهنية يصدق كل منها على الآخر وعلى المركب.

بل الفرق : انّ اعتبار لا بشرط وبشرط تلحظ :

تارة : بملاحظة الصدق والحمل كما في المقام الاول.

واخرى : بملاحظة عدم الإباء عن الاجتماع مع الآخر ، أو إبائه ، أو اشتراطه به ولو لم يكن صدق وحمل في البين ، بل كان كل منها موجودا بوجود على حدة كما في المقام الثاني ، فتدبر.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٥ ؛ الحجرية ١ : ٧٥ للمتن و ١ : ٨٥ العمود ١ للتعليقة.

(٢) اي في تعليق الآخوند على كلام نفسه في الكفاية عند قوله : « فتأمل » ص ١١٦.

(٣) كفاية الاصول : ١١٥ ؛ الحجرية ١ : ٧٥ للمتن و ١ : ٨٥ العمود ١ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( لأنه ).

٢٤٥

١٧٩ ـ قوله : « ومنها : تقسيمها الى العقلية والشرعية والعادية ». (١)

ولا فرق في ذلك بين السبب والشرط.

و (٢) امّا العقلية فهي ما يستحيل انفكاك ذي المقدمة عنها عقلا ويكون حصولها بدونها مساوقا لانفكاك المعلول عن العلة.

والشرعية ما يتوقف عليه شرعا ولكنه يرجع الى العقلية أيضا ، حيث انّ المأخوذ به بعد اشتراطه بشيء شرعا يكون وجوده الخاص الذي يكون مأمورا به لا يتحقق بما هو كذلك بدونه عقلا.

هذا بناء على كون الاحكام الوضعية من الجزئية والشرطية قابلة للجعل ، وامّا بناء على عدمه والقول بكون البيان الشرعي كاشفا عن الربط الواقعي فالامر واضح.

١٨٠ ـ قوله : « إلاّ انّ العادة جرت على الاتيان به بواسطتها ». (٣)

سواء كانت العادة في أصل توسيط المقدمة بعد ما لم يكن التوسيط عقليا ذاتا ، كغسل شيء من العضد مقدمة لغسل المرفق.

أو في توسيط خصوصيتها وان كان التوقف بالقدر المشترك بينه وبين غيره عقليا ، كنصب السلّم ونظائره بالنسبة الى الكون على السطح في مقابل الطيران ، مع تأمل في رجوع الاخير الى العقلية بالنسبة الى الخصوصية ، حيث انّ حكم العقل بالتوقف انما هو بالنسبة الى الجامع وان كان منحصرا في الفرد كما في سائر الطبائع المنحصرة في الفرد في الواجبات النفسية ، لوضوح اتحادهما وجودا ؛ فليس الخصوصية مقدمة للواجب ولا المقدمة وان كان ملازما لها.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٦ ؛ الحجرية ١ : ٧٥ للمتن و ١ : ٨٥ العمود ١ للتعليقة.

(٢) الظاهر زيادة الواو.

(٣) كفاية الاصول : ١١٧ ؛ الحجرية ١ : ٨٠ للمتن و ١ : ٨٥ العمود ١ للتعليقة.

٢٤٦

ولعله أشار الى ما ذكرنا بقوله : « فافهم ».

١٨١ ـ قوله : « ولا اشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع ». (١)

حيث انّه قبل وجود الشرط لا وجوب للواجب حتى يترشح منه وجوب غيري الى مقدماته ، وبعده يكون الطلب بالنسبة اليه طلب الحاصل ، هذا بالنسبة الى الشرط المتقدم واضح.

وامّا بالنسبة الى الشرط المتأخر فلأنّ الوجوب فعلا بملاحظة فرض وجود الشرط في الزمان اللاحق ، وبعد فرض وجوده كذلك يكون الطلب بالنسبة اليه طلب ايجاد الشرط بعد وجوده ، وهو طلب الحاصل.

نعم لو فرض كون بقاء الشرط بعد حدوثه من مقدمات وجود الواجب لكان داخلا في محل النزاع بلحاظ البقاء.

١٨٢ ـ قوله : « وكذلك المقدمة العلمية وإن استقل العقل بوجوبها ». (٢)

اعلم : انّ مقدمة العلم تلحظ :

تارة : بالنسبة الى أصل الواجب الذي يكون متعلقا للعلم ، كالصلاة الى أربع جوانب بالنسبة الى الصلاة الى القبلة الواقعية.

واخرى : بالنسبة الى نفس تحصيل العلم بالواجب.

امّا باللحاظ [ الاول ] (٣) فان كانت المقدمة من المقدمات العادية أيضا كغسل جزء من العضد بالنسبة الى المرفق فيدخل في المقدمات الوجودية كما مرّ ، وان لم يكن كذلك فلا شبهة في خروجه عن محل النزاع ، لعدم تحقق ما هو الملاك للوجوب الغيري وهو التوقف الوجودي كما هو واضح.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٧ ؛ الحجرية ١ : ٨٠ للمتن و ١ : ٨٥ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١١٧ ؛ الحجرية ١ : ٨٠ للمتن و ١ : ٨٥ العمود ١ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( الأولي ).

٢٤٧

نعم ربّما يتوهم المنافاة بين ما ذكر وبين قولهم بوجوب معرفة الاحكام ومقدماتها غيريا ، حيث انّهما ليسا من المقدمات الوجودية للواجب فكيف الحكم بوجوبهما غيريا. نعم لا اشكال بناء على ما ذهب اليه صاحب المدارك (١) على الوجوب النفسي للتعلم.

ويدفع ذلك : بأنّ المعرفة لو رجعت الى مقدمة الوجود كما لو كان تركه سببا للغفلة الموجبة لترك الواجب فلا اشكال ، وان لم يكن كذلك فلا بد أن يلتزم بوجوب المعرفة طريقا كوجوب الاحتياط ؛ ويفرّق بين الوجوب الطريقي والوجوب المقدمي : بأنّ الوجوب في الاول للتوصل الى مصلحة الواجب النفسي وفي الثاني لكون المقدمة مما يتوقف عليها وجود ذي المقدمة.

وامّا باللحاظ الثاني فيكون مقدمة العلم من المقدمات الوجودية له ومحكومة بحكمه فان كان واجبا شرعيا كالاحتياط في الشبهة التحريمية ـ على قول الأخباريين وفي أطراف العلم الاجمالي بناء على ثبوته بالادلة النقلية ـ [ فتكون ] (٢) مقدمته كذلك.

وان كان واجبا عقليا كالمعرفة بالنسبة الى الاعتقادات وتحصيل العلم باتيان الواجب في أطراف العلم الاجمالي ـ بناء على التحقيق من كون وجوب الاحتياط عقليا محضا بلا كشف حكم الشارع مولويا بوجوبه ـ تكون مقدمته أيضا كذلك.

والحاصل : انّ مقدمة العلم بالنسبة الى تحصيل المعرفة من المقدمات الوجودية فلا يكون قسيما لها. نعم بناء على الاعتبار الاول يظهر انّه بالنسبة الى نفس العلم تكون داخلة في محل النزاع.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٢ : ٣٤٥ و ٣ : ٢١٩.

(٢) في الاصل الحجري ( فكون ).

٢٤٨

وربّما يتوهم : انّ المقدمة على هذا متحدة مع ذيها وجودا بارجاع الامر بايجاد العلم ـ لعدم تعلق القدرة به ـ الى مقدماته ، غاية الامر يفرّق بينهما بتغاير العنوانين كما يظهر من التقريرات. (١)

ويدفع : بأنّ تحصيل المعرفة مقدور بالواسطة ، وهو كاف في تعلق الامر به كما في مطلق الافعال التوليدية ؛ ولولاه لما كان تعدد العنوان مجديا في تعدد الامر الغيري والنفسي بالنسبة الى المصداق ، لما عرفت من انّ ملاك الامر الغيري انما هو في ما هو المقدمة بالحمل الشائع ، لا بعنوانه ، لعدم كونه مما يتوقف عليه الواجب كما لا يخفى.

١٨٣ ـ قوله : « ومنها : تقسيمها : الى المتقدم والمقارن ، والمتأخر بحسب الوجود بالاضافة الى ذي المقدمة ». (٢)

لما كان الشرط من اجزاء العلة التامة ـ وقضية العلية تقدمها بجميع اجزائها على المعلول ذاتا ومقارنتها معه زمانا بحيث يستحيل وجوده حال عدمها ولو بانتفاء بعض اجزائها ، لأنه : ان لم يكن لذات الجزء دخل في الطبيعة أصلا فيلزم امّا الخلف لو لم يكن ذلك بجزء العلة وامّا وجود المعلول بلا علته وهو محال ، وان كان له دخل فيه فيلزم استناد الموجود الى المعدوم لأنه حال وجوده غير مؤثر شيئا وانما التأثير حال عدمه وهو محال ـ فاللازم عدم صحة الشرط المتأخر.

ولا فرق في ذلك بين العلة التامة وجزئها ، ولا بين المعدوم الصرف الذي سيوجد ، للعلم بالملاك وهو دخل المعدوم حال التأثير في المعلول بحيث لو قلنا بجواز ذلك لزم سدّ باب اثبات الصانع ، لانّ عمدة الدليل على الاثبات هو لزوم الدور والتسلسل.

__________________

(١) مطارح الانظار : ٤٢ السطر ١٨ ـ ٢١ ، والطبعة الحديثة ١ : ٢٢٠.

(٢) كفاية الاصول : ١١٨ ؛ الحجرية ١ : ٨٠ للمتن و ١ : ٨٥ العمود ٢ للتعليقة.

٢٤٩

ووجه فساد الاول هو : تقديم الشيء على نفسه اللازم من لزوم تقدم العلة ومع فرض جواز تأخره فلا يلزم ذلك كما لا يخفى. والثاني انما هو في السلسلة السابقة وامّا السلسلة اللاحقة فلا دليل على فساده ، بل الحكماء قائلون بصحته ؛ ومع جواز استناد الموجود الى المعدوم فلا بأس بالتسلسل التعاقبي اللاحقي ، فيلزم عدم اثبات الصانع بالطريق العقلي.

ثم لا فرق أيضا بين العقليات ، أو بين الامور الاعتبارية الحقيقية لو قلنا بأنّ لها حظا من الوجود ، لانّ العلة الفاقدة لمثله كيف تكون موجدة له. فما في حاشية المكاسب (١) من السيد اليزدي في باب كاشفية الاجازة من تجويز الشرط المتأخر بتجويز تأخر العلة التامة التي ستوجد ثم تجويز ذلك في الاعتباريات بطريق التنزل ، عجيب منه ، ولم يأت في كلامه ما يعتمد عليه إلاّ مجرد المصادرة فراجع.

ثم انّه لا فرق أيضا بين تقدم الاثر والتأثير على العلة وبين تقدم الاثر وحده بأن نقول : انّ العلة تكون مؤثرة حال وجودها في الزمان السابق كما في الاجازة على قول ، لأنه على الثاني يلزم انقلاب الشيء عما وقع عليه وكون الزمان السابق ظرفا للنقيضين أو المتضادين كما لا يخفى.

كما لا فرق أيضا بين المتأخر والمتقدم المتصرّم حال وجود المعلول ، لتساويهما في الاشكال المذكور ؛ ومع ذلك فقد ورد في الشرع موارد توهم انخرام القاعدة العقلية في الطرفين كما في المتن.

والتحقيق على ما يقتضيه النظر الدقيق أن يقال : انّ الشرط على قسمين :

أحدهما : ان يكون شرطا للحكم التكليفي أو الوضعي.

__________________

(١) حاشية المكاسب : ١٤٩ السطر ٣٥ الى ص ١٥٠ السطر ١٧ ، والطبعة الحديثة ٢ : ١٧٣ ـ ١٧٤.

٢٥٠

وثانيهما : أن يكون شرطا لذات المأمور به.

امّا الاول : فيحتاج دفع الاشكال فيه على بيان امور :

أحدها : انّه لا بد بين كل علة ومعلول من السنخية بينهما ، وإلاّ لزم استناد كل شيء الى كل شيء وهو واضح البطلان.

ثانيها : انّ السنخية في الموجود الذهني وفعل النفس انما هو بينه وبين وجود ذهني آخر لا بينه وبين الموجود الخارجي ، إذ لا ربط بين المجرد الذهني وبين الخارجي المادي كما هو واضح.

ثالثها : انّ التكليف والوضع انما هو فعل النفس ، وبعبارة اخرى : فعل الجارحي لا الجارحة ، وانّ علة الاختيار ـ تكوينية أو تشريعية كما قرر في محله ـ تنحصر في الداعي وهو التصديق بفائدته بعد تصور الفعل المطلوب مع ما هو عليه من الحدود والقيود التي لها دخل في صلاح الفعل ولو كانت من الوجوه والاعتبارات كي يحصل للنفس الرغبة ثم الجزم والارادة الموجبة لتحريك العضلات.

فاذا كان صدور التكليف محتاجا الى هذه التصورات ، بحيث لولاها لما صدر من المكلف ومعها يصدر ولو لم يكن وجود خارجي ، فيكشف انّ ما له الدخل هو الوجود العلمي لا الوجود الخارجي ، لما عرفت من عدم السنخية بينه وبين فعل النفس الذي هو من الموجودات الذهنية ، وبدونها لا يمكن الاستناد.

فان قلت : بناء على ذلك يلزم التكليف بمجرد تصور الشروط وان لم يكن لها واقع أبدا.

قلت : انّ الشرط ليس هو التصور الساذج ، بل المقرون منه بالإذعان ، ولا

٢٥١

يلاحظ بما هو [ نفسه ] (١) بل بما هو مرآة [ و ] حاك عن الخارج ، بحيث يكون وجوده فانيا فيه ويسري حكمه اليه كما في تعلق العلم به بواسطته ويقال : انّه معلوم.

والحال انّ معنى هو الحضور لدى الملاك (٢) وهو بنفسه لم يحضر بل بتوسيط صورته الحاكية السارية حكمها اليه ، فحينئذ تكون الشرطية سارية أيضا الى الخارج بتوسيط وجوده العلمي ؛ فيجمع بين ما هو ظاهر الادلة من كون الشرط هو الموجود الخارجي وبين ما هو قضية العقل من لزوم المقارنة والسنخية بين العلة والمعلول بجعل الشرط هو العلم الفاني في الخارج كما لا يخفى.

وامّا الثاني : فيحتاج الى امور :

الاول : انّ الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في الافعال كما هو واضح عند العدلية.

والثاني : انّ العنوان العارض ـ الصادق بالحمل الشائع على الفعل ـ امّا ذاتي وهو ما كان منتزعا عن مقام الذات والذاتي كالنوع والجنس والفصل ؛ وامّا عرضي وهو ما كان منتزعا بملاحظة أمر خارجي كما هو واضح أيضا.

الثالث : انّ الحسن والقبح يختلفان بالوجود والاعتبار كما في الانحناء الواقع للتعظيم تارة ، وللاستهزاء اخرى ، ولرفع شيء من الارض ثالثة ، مع عدم اختلاف في حقيقته وصفاته الذاتية في شيء مما ذكر كما لا يخفى.

الرابع : انّ العنوان العارض يعرض للشيء تارة بمقارنة شيء مع المعروض ، واخرى بملاحظة أمر سابق ، وثالثة بملاحظة أمر لاحق ، بحيث لو لا المقارنة في

__________________

(١) في الاصل الحجري ( نفس ).

(٢) يستظهر المصحح المجهول ( او الناسخ ) للطبعة الحجرية أنّ جملة « معنى هو الحضور لدى الملاك » الآنفة لا بد أن تكون هكذا : « معناه الحضور لدى النفس ». الطبعة الحجرية : ٨٦ أواخر العمود الاول.

٢٥٢

الاول والسبق واللحوق في الاخيرين لما صح الانتزاع ، كما في عنوان الهدية المنتزع عن ارسال الفاكهة بشرط وضعها في الاناء وتغطيتها بمنديل ونحوه ؛ والجواب المنتزع عن الكلام المسبوق بالسؤال ؛ والاستقبال المنتزع عن الحركة الملحوقة بمجيء العالم.

الخامس : انّ دخل هذه الامور في الشيء انه بلحاظها ينتزع العقل ذاك العنوان ، وليس من قبيل دخل شيء في الامور الخارجية المتأصلة.

اذا عرفت ما ذكرنا من الامور ، فاعلم :

انّ المراد بالشرط المتأخر أو السابق ما كان له دخل في انتزاع العنوان ، وبالاضافة اليه يصح اختراع عنوان عارضي للشيء كما في الامثلة المتقدمة ؛ وليس من قبيل الشرط [ المتأخر ] (١) في الامور التكوينية المتأصلة ، فلا بأس بالمتقدم ولا بالمتأخر كما في غالب أطراف الاضافات كما لا يخفى.

وان شئت قلت : انّ الشرط بالنسبة الى الاختراع الفعلي للعنوان هو الوجود العلمي وبالنسبة الى العنوان الاضافي الثاني هو الوجود الخارجي ، ولا بأس به بعد ما عرفت انّ المراد بالشرطية مجرد كونه طرف الاضافة ، وهو كما يتحقق في المقارن كذلك يتحقق في المعدوم والمتأخر بلا تفاوت اصلا ، وكأنّه قد اشتبه الشرط في الامور الشرعية بالشرط في الامور المتأصلة.

فان قلت : انّ الاضافة لها حظ من الوجود الضعيف ولذلك قيل انّها خارجية بمعنى كونها ظرفا لنفسها فكيف تستند الى الامر المتأخر؟

قلت : على تقدير تسليم ذلك لا بد أن يلتزم بالتلازم من وجود ظرفي التضايف على نحو الخصوصية ، بمعنى انّ الوجود الخاص المتقدم في ظرفه يتلازم

__________________

(١) في الاصل الحجري ( التأثر ).

٢٥٣

مع الخاص المتأخر ، كل يلازم لاصلها للآخر.

ان قلت : انّ المؤثر في المصلحة ان كان هو الشرط بوجوده المتأخر كما هو ظاهر الادلة فلزم محذور تقدم المعلول على العلة ، وان كان نفس العنوان الانتزاعي فيلزم تأثير الاعتباري في المتأصل.

قلت : انّ المتأخر لا دخل له إلاّ في مجرد انتزاع العنوان ، واطلاق الشرط عليه ليس إلاّ بهذه الملاحظة ؛ وامّا بالنسبة الى المصلحة فان قلنا انّه مجرد الحسن ـ الذي بنفسه من الاعتبارات أيضا ـ فلا بأس باستناده الى العنوان ، وان قلنا انّه من المتأصلات فالمتأصل فيه هو الوجود المعنون الذي هو الموضوع للحكم الشرعي محدودا بذاك العنوان لا نفس المتأخر ولا المنتزع منه من العنوان ، فلا بأس أبدا في الشرط المتأخر.

وظهر أيضا : اندفاع توهم انّ المؤثر لو كان نفس العنوان فيلزم كونه هو المأمور به بنفسه ، ويلزم منه جواز اجتماع الامر والنهي.

وربّما يجاب عن الشرط المتأخر : بأنّ الاشكال انما هو على تقدير كون المتأخر شرطا بنفسه لا بوصفه ، وامّا على تقدير ذلك فلا.

وفيه : انّ الاشكال لو كان في تأخره عن محل الشرط فيدفع بذلك ، وامّا ان كان في تأخره عن المعلول فلا يرتفع الاشكال بذلك كما هو واضح.

وعن السيد الشيرازي (١) قدس‌سره القدوسي :

انّ الشرط في هذه الموارد ليس المتقدم أو المتأخر بوجوده الكوني بل بوجودهما الدهري المثالي ، بمقتضى ما دل من العقل والنقل من انّ لكل شيء في هذا العالم الطبيعي صورة مثالية في عالم العقل وهو مناط علمه الحضوري السابق

__________________

(١) حكاه الآخوند في فوائد الاصول : ٥٨ ، والطبعة الحجرية : ٣٠١ بقوله : « ثالثها : ما افاده سيدنا الاستاذ ».

٢٥٤

على وجود المعلوم ؛ ومن المعلوم انّ المتفرقات في الزمان مجتمعات في وعاء الدهر ، فالشرط والمشروط في ذاك العالم مقارنان بلا تقدم وتأخر فارتفع الاشكال.

وقد أورد عليه الاستاذ العلاّمة أطال الله بقاه بقوله : « قلت : لا يخفى انّ ذلك وان كان لطيفا في نفسه إلاّ انّه لا يكاد أن يكون شرطا للزماني إلاّ الزماني ، مضافا الى وضوح انّ الشرط في الموارد حسب دليله انما هو الشيء بوجوده الكوني » الى آخر ما أفاد في فوائده. (١)

ولكنه يمكن أن يقال : برجوع ما أفاده قدس‌سره الى ما حققه الاستاذ (٢) دام ظله : من انّ الشرط بالنسبة الى التكليف والوضع انما هو الشيء بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، فحينئذ التكليف والوضع منه تبارك وتعالى مشروط بالوجود العلمي السابق ؛ ومن المعلوم انّ الوجود العلمي السابق على الاشياء تفصيلا انما هو الصور المثالية منها في عالم العقول الذي يسمى بعالم الدهر ، والمراد بشرطية الوجود الخارجي هو ما عرفت.

بل يمكن أن يقال : بناء على العلم الحضوري انّ الوجود العلمي عين الوجود الخارجي ، أو الاشياء بما هي به علم له تعالى لا تأخر فيها ، وانما التأخر فيها بما هي مضافة الى القابل وبما هي معلومة ، فلا اشكال.

وعن الفصول (٣) ما حاصله : انّه ليس المتأخر أو المتقدم شرطا كي يلزم منه المحذور ، بل الشرط هو الامر المنتزع عنه المقارن لشروطه ، فالشرط في صحة

__________________

(١) فوائد الاصول : ٥٨ ، والطبعة الحجرية : ٣٠١.

(٢) فوائد الاصول : ٥٩ ، والطبعة الحجرية : ٣٠٢.

(٣) الفصول الغروية : ٨٣ السطر ٢٤ ـ ٢٥ ؛ وحكاه الآخوند عنه في فوائده : ٥٨ وفي الحجرية منه : ٣٠١ بقوله : « رابعها : ما افاده في الفصول ... الخ ».

٢٥٥

العقد في الفضولي مثلا كونه بحيث يجيزه المالك وهو مقارن للعقد وان كان المنتزع عنه ليس كذلك.

والفرق بينه وبين المختار انّ الشرط الشرعي عنده ـ على ما هو الظاهر ـ كالشرط في الامور العقلية بالنسبة الى الامور التكوينية في كونه مؤثرا حقيقيا وعلى ما ذكرنا انّ معنى الشرط هو كونه طرف الاضافة الموجبة لحسن الفعل وليس من قبيل الشرط في العلة الحقيقية فيرد عليه :

أولا : انّ ارجاع الشرطية الى الامر الانتزاعي خلاف ظاهر الادلة.

وثانيا : يلزم تأثير الامر الاعتباري في المتأصل الخارجي كما هو ظاهر الادلة وهو محال.

وثالثا : انّ الحسن والقبح وان كان بالوجوه ، إلاّ انّ كل وجه ليس من العناوين المحسّنة والمقبّحة ، حيث انّ العقل يستقل بأنّ بعض العناوين لا اقتضاء له بالنسبة الى التحسين والتقبيح ومنها عنوان التعقب بالاجازة كما هو واضح.

١٨٤ ـ قوله : « إنّما يكون لاجل كونه طرفا للاضافة ». (١)

قد عرفت انّ الشرط بالنسبة الى فعلية العنوان انما هو الوجود العلمي ؛ وبالنسبة الى شأنية انتزاعه انما هو الوجود الخارجي كما في جميع أطراف الاضافات.

١٨٥ ـ قوله : « منها : تقسيمه الى المطلق والمشروط ». (٢)

منها : ما عن القمّي (٣) رحمه‌الله انّ الواجب المطلق ما لا يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده ، والمشروط ما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٢٠ ؛ الحجرية ١ : ٨١ للمتن و ١ : ٨٧ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٢١ ؛ الحجرية ١ : ٨٢ للمتن و ١ : ٨٧ العمود ١ للتعليقة.

(٣) القوانين المحكمة ١ : ١٠٠ السطر ٤ ـ ٥.

٢٥٦

وقد اورد عليه : ـ طردا في المطلق وعكسا في المشروط ـ بالحج بالنسبة الى الاستطاعة.

ويمكن أن يجاب : بأنّ الحجة الاسلامية لها خصوصية واقعية لا يمكن حصولها بدون سبق الاستطاعة وان لم يكن مطلق الحج كذلك.

ولكن مع ذلك لا يرتفع الايراد عن التعريفين ، لوضوح كون بعض الواجبات غير متوقفة على ما هو شرط الوجوب فلا يكون من مقدمات الوجود فيصدق عليه حد المطلق مع انّه ليس كذلك.

ومنها : انّ المطلق ما لا يتوقف وجوبه ـ بغير الشرائط العامة من العقل والبلوغ والقدرة والعلم ـ على شيء كالمعرفة ، والمشروط ما يتوقف على شيء آخر أيضا كما عن العميدي (١) ؛ ولا بأس به اذا كان الاطلاق حقيقيا لا اضافيا كما نشير اليه [ فيما يأتي ]. (٢)

ومنها : ما في الفصول من انّ المطلق : « ما لا يتوقف تعلقه بالمكلف على [ حصول ] أمر غير حاصل » (٣) ، والمشروط : « ما يتوقف [ تعلقه بالمكلف ] على [ حصول ] أمر غير حاصل ». (٤)

__________________

(١) هو السيد عبد المطلب بن مجد الدين الاعرج الحسيني ، ابن اخت العلامة الحلي. له ( منية اللبيب في شرح التهذيب ) وهو شرح ( تهذيب الاصول ) للعلامة ، توفي ٧٥٤ ( الكنى والالقاب ٢ : ٤٨٧ ) بتصرف.

توجد عدة نسخ خطية منه في مكتبة السيد النجفي المرعشي ، فاخترنا للمراجعة نسخة واضحة برقم ٢٠٠ مرقمة كل ورقة منها برقم واحد. والمطلب الآنف يكون عنوانه في الورقة ٦٣ في الصفحة الثانية ( في بداية البحث عن وجوب المقدمة ) السطر الاول ، فانه يقول : « اعلم ان الواجب على قسمين احدهما ما يكون وجوبه مشروطا بامر زائد على الامور المعتبرة في التكليف ... الخ ».

(٢) في الاصل الحجري ( آنفا ).

(٣) الفصول الغروية : ٧٩ السطر ٢٣.

(٤) الفصول الغروية : ٧٩ السطر ٢٥.

٢٥٧

ولا يخفى أنّ ظاهر تحديدهما [ هو ] بملاحظة حالات المكلفين ، بحيث ان كان الوجوب فعليا على المكلف ومنجزا عليه بحكم العقل فمطلق وإلاّ فمشروط.

ولكن الظاهر انّهما عند الاصوليين ليسا بملاحظة الحالات ، بل بملاحظة كيفية ورودهما في أصل الشرع في مقام الاثبات معلقا على شيء تارة ، وغير معلق اخرى.

كما انّ الظاهر عدم اصطلاح جديد لهم فيهما أيضا بل هما عندهم على ما هما عليه في العرف من كونهما حقيقيين تارة اذا لوحظا بالنسبة الى جميع الاشياء ، واضافيين اخرى اذا لوحظا بالنسبة الى كل شيء على حدة.

فعلى الاول فالوجه ما عن العميدي ، حيث انّ الاشتراط بالشرائط العامة مما لا بد منه ، فلا بد من أن يلحظا بالقياس الى غيرها من الاشياء.

وعلى الثاني فالوجه ما ذكره الاستاذ (١) دام ظله في المتن.

وامّا ملاحظة الاطلاق والاشتراط بالنسبة الى خصوص المقدمات الوجودية كما عرفت من القمّي فلا وجه له ؛ كتعريف الفصول.

١٨٦ ـ قوله : « كما نسب ذلك الى شيخنا العلاّمة أعلى الله مقامه مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعا ». (٢)

الوجوه بعضها راجع الى مقام الاثبات وبعضها راجع الى مقام الثبوت.

أحدها : انّ هيئة الافعال وضعها وضع الحروف ، فيكون الموضوع له والمستعمل فيه جزئيا حقيقيا ، وهو ليس بقابل للتقييد وانما القابل له هو المطلق.

ثانيها : انّ صيغة ( افعل ) موضوعة لأن يستعمل على نحو الانشاء وهو الايجاد في الامور الاعتبارية التشريعية مقابل الايجاد في التكوينية ، والشيء ما

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٢١.

(٢) كفاية الاصول : ١٢٢ ؛ الحجرية ١ : ٨٢ للمتن و ١ : ٨٧ العمود ٢ للتعليقة.

٢٥٨

لم يتشخص لم يوجد ، فلا بدّ أن يكون المنشأ جزئيا ، وعرفت عدم قابليته للتقييد.

ثالثها : انّ معاني الحروف وما يشابهها ملحوظة باللحاظ الآلي ، وحيث انّ التقييد يتوقف على القصد والالتفات فهي غير قابلة.

رابعها : انّه لو كان القيد شرطا للهيئة لتخلف المنشأ عن الانشاء ، حيث انّه لا طلب قبل الشرط مع وجود الانشاء قبله.

خامسها : انّ التعليق في الطلب يستلزم التعليق في الانشاء ، وهو محال.

سادسها : انّه يمتنع أن يرجع القيد الى الارادة والطلب لبا ، بل لا بد أن يرجع الى المادة والمطلوب ثبوتا.

بيانه : انّ الاحكام الشرعية عند العدلية تابعة للمصالح والمفاسد في الافعال ، وانّ الخطابات الانشائية التشريعية كاشفة عن الارادة الذاتية ، بل هي مقدر اظهارها وجرها الى مقام اللفظ والخارج ؛ فاذا كان كذلك فنقول :

انّ الارادة في الواجب ـ تكوينية أو تشريعية ـ عين العلم بالصلاح ، فتعليق الطلب على شيء يستلزم التعليق في علمه تعالى ، وهو محال ؛ وعلى تقدير عدم كونها عينه لكنها تابعة له عند العدلية ، وعلى هذا فلا بد في تعلق الطلب بشيء من سبق تصورها مع ما له من الفائدة والمصلحة ، فامّا أن يكون ذات الصلاح على جميع التقادير ، أو بعضها ، أو لا يكون ذات الصلاح أصلا ، فعلى الاخير لا يتعلق به طلب أصلا ، وعلى الاولين يتعلق الطلب المطلق امّا بالفعل المطلق ، أو المقيد.

وعلى كل حال فالقيد لو كان فانّما هو بالنسبة الى الفعل لا الطلب ، غاية الامر تكون قيود المطلوب مأخوذة :

تارة : على نحو تكون داخلة في حيّز الارادة كما اذا رجعت الى المادة اثباتا أيضا.

واخرى : على نحو لم تكن داخلة في حيّزه كما اذا رجعت الى الهيئة فتكون

٢٥٩

ثمرته نفي سراية الطلب اليه ، لا لدلالته على عدم كون الفعل مطلوبا في ظرف عدم تحقق القيد ، فكأنه لا طلب قبل حصوله ، وبعده يكون الطلب بالنسبة اليه طلبا للحاصل.

ولكن التحقيق : عدم تمامية شيء من هذه الوجوه لاثبات امتناع التعليق في الطلب.

امّا الاول : فلما عرفت في معاني الحروف من كلّيتها وضعا واستعمالا ، وانما التشخص من قبل الاستعمال ، فلا يصير قيدا للمستعمل فيه.

وامّا الثاني : فلما عرفت أيضا في ذاك المبحث من انّ الانشاء والإخبار من كيفيات استعمال اللفظ في المعنى دون المنشأ فهو أيضا كلي قابل لورود التعليق عليه ؛ مع انّ التشخص في موطن الاستعمال ـ وهو الذهن ـ لا ينافي الكلية بحسب الخارج الذي يكون التعليق بلحاظه ؛ مع انه انما يسلّم الامتناع لو كان التعليق بعد تحقق الانشاء بأن أنشأ المعنى ثم يقيّد ، لا قبله ، بأن يقيّد ثم ينشئ المقيد كما لا يخفى.

وامّا الثالث : فلما حقق في محله من قابلية معاني الحروف لورود التقييد والمجازية عليها بنفسها بالنظرة الثانية بعد استعمال الحرف وقبل تمامية الكلام الانشائي ، أو يتبع المتعلقات كأن يلحظ الضرب الخاص المطلوب موضوعا للتقييد لا ذاته لا بشرط ؛ ومن المعلوم انّ القيد الراجع الى الخاص يكون قيد الخصوصية حقيقة كما في القيود الراجعة الى النسبة الكلامية بتوسط رجوعها الى أطرافها كما في مثل ( زيد قائم في المسجد ) ونظائره.

وامّا الرابع : فلما حقق انّ التأخير الزماني مع مطابقة الواقع لما قصد في الانشاء ليس من التخلف أصلا ، وانما التخلف فيما اذا كان مخالفا للمقصود وان كان مترتبا على الانشاء بلا فصل كما لا يخفى.

٢٦٠