تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

حمل كل من الجنس والفصل على الآخر وبين حمل العرض على المعروض ومن ؛ المعلوم انّه لو لا اتحاد في الوجود لا يصح حمل أحدهما على الآخر كما بين المتغايرين في الوجود في موطن الحمل ، كما هو كذلك بين المادة والصورة الخارجيتين وبين العرض المأخوذ بشرط لا مع معروضه.

ثم انّ الاتحاد المعتبر في الحمل هو أن يكون كل من الموضوع والمحمول موجودا بوجود (١) الآخر بحيث لم يكن بينهما تغاير إلاّ في مجرد المفهوم. وامّا لو فرض التغاير بينهما في الوجود وفرضت الوحدة التركيبية للمجموع ـ بنحو يكون كل منهما جزءا لذاك المركب ـ فلا يصح حمل كل على المجموع ولا على الآخر ولا حمل المجموع على كل ، لانّ لحاظ التركيب في المجموع ولحاظ الجزئية في اجزائه هو عين لحاظ المغايرة المنافية للهوهوية المعتبرة في الحمل.

ومن الواضح انّ الوحدة التركيبية في المركب الاعتباري بين المتغايرين في الوجود لا تكون بأزيد من الوحدة التركيبية في المركب الحقيقي ؛ ومن المعلوم انّه ينافي الحمل فكيف به فيما نحن فيه؟ حتى انّ أهل المعقول صرحوا بأنّ لحاظ الجزئية يرفع الحمل لكل من الجنس والفصل على الآخر وعلى النوع ، فضلا عن الاجزاء الخارجية مثل الهيولى والصورة ؛ وعلى هذا فمعنى كون الجنس والفصل من الاجزاء الحملية انّهما جزءان للماهية باعتبار التحديد ومحمولان باعتبار آخر غير لحاظ الجزئية ، لا انّهما جزءان بعين لحاظ كونهما محمولين.

وعلى هذا فما ذكره صاحب الفصول (٢) في التنبيه الثاني في صحة حمل المتغايرين ـ من ملاحظة المجموع شيئا واحدا أوّلا ، ثم أخذ كل منهما لا بشرط ثانيا ، ثم لحاظ المجموع في طرف الموضوع ثالثا ، ثم بعد ذلك يصح حمل كل على

__________________

(١) بعين وجود. نسخة ؛ ( كذا في الحجرية ).

(٢) الفصول الغروية : ٦٢ السطر ٦ ـ ١١.

١٤١

المجموع وعلى الآخر عند تحقق الامور الثلاثة ـ فيه :

انّ اعتبار اللابشرط في الحمل مسلّم ؛ وامّا ملاحظة المجموع من المتغايرين واحدا واعتبار المجموع المركب في طرف الموضوع ممنوعان ، بل التركيب مع تفاوت اعتبار اللابشرط ، فانضمامه اليه يكون مخلاّ به فضلا عن الحمل ، ولذا لا معنى لاعتبار المجموع في الموضوع بالملحوظ فيه هو نفس الماهية لا المجموع كما لا يخفى. فقد ظهر انّ الحمل منحصر في المتحدين وجودا في الخارج لا في المتغايرين ، مع انّ الوحدة الاعتبارية بينهما تكون في موطن الذهن وهو ينافي اعتبار الاتحاد في موطن الحمل الشائع في الخارج.

ثم انّ جعل الانسان والناطق من قبيل المتغايرين في الوجود ـ كما يظهر من كلامه ـ خلاف التحقيق ، حيث انّ الجنس والفصل اذا أخذا لا بشرط يكون كل عين الآخر وعين الكل وجودا حقيقة لا اعتبارا ؛ ولعله ما لاحظ الفرق بين المتغايرين في الماهية ـ كما في الجنس والفصل ـ وبين المتغايرين في الوجود كما في المادة والصورة الخارجيتين فلا تغفل.

١٠٢ ـ قوله : « الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما ». (١)

بشهادة الوجدان يتبادر المفهوم الواحد من مثل العالم والقادر ونحوهما الجامع بين مورد كانت الذات مغايرة للمبدا وجودا ـ مضافا الى تغاير المفهوم أيضا كما في الممكن ـ وبين خصوص المتغايرين في المفهوم دون الوجود كما في الواجب ، هذا. مع اتفاق أهل المعقول على صدق الموجود على الوجود ـ بناء على أصالته ـ وصدق المتصل على الاتصال الجسماني الذي هو الصورة الجسمية ؛ ولا

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٦ ؛ الحجرية ١ : ٤٤ للمتن و ١ : ٤٨ العمود ١ للتعليقة.

١٤٢

بأس بعدم فهم أهل العرف ومشاهدتهم من المصاديق إلاّ صورة التغاير بين الذات والمبدأ ، لانّ فهمهم يكون مرجعا في تعيين المفاهيم الكلية لا في تعيين المصاديق ، بل المرجع فيها هو الدقة. فقد ظهر مما ذكرنا أمران :

أحدهما : كفاية [ اختلاف ] (١) المفهومين ـ الذات والمبدأ ـ في صدق المشتق وجريه عليها.

ثانيهما : كون الصفات متحدة مفهوما كمباديها فيه تعالى ، وغيرها ، وان لم يكن كذلك عينا.

وتوهم : استحالة انتزاع المفهوم الواحد عن المختلفين فلا ينتزع معنى ( العالم ) منه تعالى وغيره.

مدفوع : بأنّه كذلك لو لم يكن في البين جهة مشتركة مع غيره في كونه تنكشف لديه الاشياء وان كان الانكشاف فيه بنحو أشد.

ولا ينافي ذلك ما ورد في بعض الاخبار على ما حكي عن الكافي : « اشتراكنا معه في الاسم وافتراقنا في المعنى » (٢) لانّ الاسم بمعنى العلامة ليس مجرد

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الاختلاف ).

(٢) المشكيني ينقل الرواية هكذا : « اشتركنا معه في الاسم وافترقنا في المسمى » في ١ : ٢٩٢ من الطبعة المحققة و ١ : ٨٥ من الحجرية الموشحة بحاشية المشكيني. وعلى كل حال فهذا المضمون ورد اكثر من مرة في حديث عن الرضا عليه‌السلام في الكافي ١ : ١٢٠ الحديث ٢ في باب طويل الاسم يأتي بعد ( باب معاني الاسماء واشتقاقاتها ) واسمه ( باب آخر وهو من الباب الاول إلاّ ان فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت اسماء الله تعالى واسماء المخلوقين ). فالمضمون السالف في المتن قد ورد اكثر من مرة في هذه الرواية ، خاصة عند قوله عليه‌السلام في عدة مواضع منها : « فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى » وغيره من التعبيرات. وذكرها الصدوق ايضا في التوحيد : ١٨٦ في ( باب اسماء الله تعالى والفرق بين معانيها وبين معاني اسماء المخلوقين ) الحديث ٢ ؛ مع اختلاف كثير وزيادات عما في الكافي.

١٤٣

اللفظ ، بل هو بمفهومه الحاكي والمعنى هو ذاته المقدسة التي عين صفاته ، ولا شبهة في مغايرته مع [ الممكن ] (١) ذاتا وصفة لأنه واجب الوجود من الجهتين والنور البسيط البحث فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى شدة ومدة وفي عين بساطته جامع لجميع الكمالات ، ولكنه باعتبار جامعيته كلي للمفاهيم الكمالية يصدق عليه جميع صفات الجمال ، فباعتبار كونه بحث الوجود يصدق عليه الموجود وباعتبار انكشاف الاشياء لديه يقال : انّه : « العالم » وبلحاظ افاضة الموجودات الامكانية يطلق عليه « القادر » كذا وغيرها من الصفات.

فان قلت : يلزم حينئذ صدق المختلفات بما هي كذلك على كل شيء واحد ، وهو كانتزاع المفهوم الواحد عن المختلفات غير جائز.

قلت : انّه كذلك لو لم يكن باختلاف الحيثيات والجهات باعتبار الذهن ولا شبهة في اختلافها فيه تعالى ، كما انّ التلبس بالصفات مستلزم لمغايرة ما اعتبارا بين الذات وبينها ، حيث انّ الملحوظ يكون :

تارة : هو الذات المقدسة مع قطع النظر عن تجلياته بصفات الكمال ، فيعبر عنه حينئذ بـ « عالم الأحديّة » و « غيب الغيوب » و « السرّ المكنون ».

واخرى : يكون هو الذات بلحاظ تجلياته بصفاته الذاتية المختلفة ، ويعبر عنه حينئذ بـ « عالم الأحديّة » و « عالم الأسماء والصفات » فيصدق اتصاف الذات بالصفات باختلاف المرتبتين والحيثيتين ، وان كان ما بحذائهما المقصود بهما هو ذاته البسيطة.

ولعل توهم لزوم اختلاف الذات والصفات مصداقا في الصدق أوجب الاشاعرة ـ غير الشاعرة ـ بذهابهم الى زيادة الصفات ؛ وامّا أهل الحق حيث التفتوا

__________________

(١) في الاصل الحجري ( التمكن ).

١٤٤

الى انّ الواحدية في مقام الذات تكون أشد مراتب الكمال والتلبس فقد ذهبوا الى العينية ، فتأمل جيدا.

١٠٣ ـ قوله : « ومنه قد انقدح ما في الفصول (١) من الالتزام بالنقل ... الخ ». (٢)

لما عرفت من انّ اختلاف الواجب والممكن انما هو في المصداق لا في المفاهيم الكلية العامة ، والعرف لا يكون مرجعا في المصاديق حتى يلتزم بالنقل أو التجوز ، لاجل عدم فهمهم منها إلاّ المغايرة بين الذات والمبدأ.

١٠٤ ـ قوله : « الخامس : انّه وقع الخلاف ... الخ ». (٣)

قد ذهب الاشاعرة الى اعتبار قيام المبدأ بالذات قياما عرضيا في مقابل العينية وقد فرعوا زيادة الصفات ، وفي مقابل عدم القيام رأسا وقد فرعوا عليه الكلام النفسي زائدا على اللفظي لعدم القيام إلاّ في الاول ، ولكنك عرفت ما على الاول.

وامّا الثاني : فالتحقيق : ما ذهبوا اليه من اعتبار القيام دون الثمرة ، لوضوح اعتبار التلبس بالمبدإ في صدق المشتق على الذات بنحو على اختلاف أنحائه من القيام : صدورا ، أو حلولا ، أو وقوعا ، أو الانتزاع عنه مع عدم التحقق خارجا إلاّ لمنشا الانتزاع كما في الاضافات والاعتبارات التي تكون من الخارج المحمول لا المحمول بالضميمة.

وامّا في مثل الضارب والمؤلم والخالق والمتكلم في حقه تعالى ـ من عدم قيام المبدأ بالذات ـ انما هو لتوهم كون المبدأ فيهما ما هو الحاصل من المصدر الذي هو اسم المصدر ، وليس كذلك ، بل هو التأثير والايجاد ، ولا قيام له إلاّ على

__________________

(١) الفصول الغروية : ٦٢ السطر ٢٦ ـ ٣١.

(٢) كفاية الاصول : ٧٦ ؛ الحجرية ١ : ٤٤ للمتن و ١ : ٤٨ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٧٦ ؛ الحجرية ١ : ٤٤ للمتن و ١ : ٤٨ العمود ٢ للتعليقة.

١٤٥

الذات التي تكون مصداقا لهذه الصفات ، فانّ التأثير انما هو في الضارب والمؤلم ؛ وكذا الايجاد يكون قائما بذات الباري وانّ الحاصل منه قائم بذاته في الخارج كما في الخلق ، أو قائم بغيره تعالى كما في الكلام اللفظي فلا يثبت ـ بمجرد صدق المتكلم عليه ـ الكلام النفسي كما لا يخفى.

وكذا يكون المبدأ في مثل التامر واللاّبن هو بيع التمر واللبن ، وهو لا يكون إلاّ قائما بذات التامر واللابن ، وما هو القائم بالذات لا يكون إلاّ ما يقع عليه المصدر المذكور وهو واضح.

١٠٥ ـ قوله : « الناشئة من اختلاف المواد تارة ... الخ ». (١)

كما في المصادر المتعدّية واللازمة ، وما يراد منه الفعلية ، أو الملكة ، أو الاخذ حرفة وصنعة ، الى غير ذلك من الاختلافات.

١٠٦ ـ قوله : « فانّ غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلاّ بما يقابلها ... الخ ». (٢)

هذه علة للزوم صرف اللقلقة في جري الصفات عليه تعالى لو لا ارادة عين المفاهيم الجارية في غيره تعالى ، بأنّ غير تلك المفاهيم العامة غير مفهوم من الفاظ تلك الصفات ، حيث انّه لا يتبادر من لفظ العالم غير مفهوم من لديه تنكشف الاشياء ، مع انّ غير تلك المفاهيم غير معلوم في حقه تعالى إلاّ بما يقابلها ، من باب عدم امكان ارتفاع النقيضين ، فيلزم من عدم صدق هذه المفاهيم صدق نقيضهما وهو باطل ، فيلزم من عدم ارادتها مجرد اللقلقة.

وفيه : انّه يلزم ذلك من عدم ارادة هذه المفاهيم من المشتقات الجارية عليه تعالى لو لم يرد عين مفهوم المبادئ من العلم والقدرة ونحوهما ، وامّا معه فلا يلزم

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٧ ؛ الحجرية ١ : ٤٤ للمتن و ١ : ٤٩ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٧٨ ؛ الحجرية ١ : ٤٥ للمتن و ١ : ٤٩ للتعليقة.

١٤٦

ذلك ؛ ولا بأس بالالتزام بالتجوز والتعقل حينئذ لو لا ما قلنا من تبادر نفس المشتقات من العالم والقادر لا المبادئ.

١٠٧ ـ قوله : « والعجب انّه جعل ذلك علة لعدم صدقها في حق غيره وهو كما ترى ». (١)

وفيه : انّه كما ترى من المحذور لو كان مراده من عدم صدق الصفات في حق غيره تعالى هو ألفاظ المشتقات من مثل العالم والقادر ونحوهما ، فانّ اعتبار المغايرة بين الذات والمبدأ موجب لعدم صدق هذه الصفات [ في ] (٢) حقه تعالى لا [ في ] (٣) غيره.

وامّا لو كان المراد من الصفات غير الصادقة في حق غيره تعالى هو ألفاظ المبادئ من العلم والقدرة فلا محذور في كلامه ، ويكون مراده حينئذ انّ مفاهيم هذه المبادئ لما كانت عين الذات فيه تعالى وزائدا في غيره تعالى فتصدق على نحو الحمل فيه تعالى ولا تصدق في غيره ؛ ولعل قوله : « فتأمل » اشارة الى ما ذكرنا.

١٠٨ ـ قوله : « السادس : الظاهر انّه لا يعتبر في صدق المشتق ... الخ ». (٤)

اعلم : انّه لما كان معنى المشتق عنوانا بسيطا جاريا على الذات منتزعا عنها بلحاظ تلبسها بالمبدإ فيكون مغايرا للذات ـ لتلبسها بالمبدإ ـ تغاير المنتزع عن المنتزع عنه ، ولا يلزم من كون التلبس والاسناد مجازيا عقليا أن يكون استعمال المشتق في مفهومه الكلي مجازا في الكلمة وان كان تطبيقه على الذات وحمله

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٨ ؛ الحجرية ١ : ٤٥ للمتن و ١ : ٥٠ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( على ).

(٣) في الاصل الحجري ( على ).

(٤) كفاية الاصول : ٧٨ ؛ الحجرية ١ : ٤٥ للمتن و ١ : ٥٠ للتعليقة.

١٤٧

عليها مجازيا أيضا بعين المجاز في الاسناد ، حيث انّ الصدق عليها عين الاسناد.

نعم يكون استعماله في مفهومه الكلي على نحو الحقيقة ، ويكون صدقه على الذات المتصف بالمبدإ بالواسطة من قبيل اطلاق الكلي على الفرد وهو غير استعماله في ذلك المفهوم.

ومما ذكرنا قد ظهرت المسامحة في تعبير المتن ، فتدبر.

١٤٨

المقصد الأول

الأوامر

١٤٩
١٥٠

المقصد الاول

الاوامر

مادة الامر

١٠٩ ـ قوله : « ومنها : الغرض ... الخ ». (١)

أقول : ومنها : القدرة ، ومنها : الصفة أيضا.

١١٠ ـ قوله : « ولا يخفى ان عدّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ... الخ ». (٢)

أقول : لا يخفى انّ الامر امّا مشترك لفظي بين الكل ، أو مشترك معنوي كذلك ، أو حقيقة في واحد ومجاز في تمام الباقي ، أو حقيقة في الاثنين وهما : الشأن والطلب كما عليه الفصول (٣) أو الشيء والطلب كما عليه الاستاذ قدس‌سره (٤) أو حقيقة في الثلاثة وهي : الشيء والشيئان والطلب المخصوص وهو التحقيق.

بيان ذلك : انّ الاشتراك في الكل لا دليل عليه غير دعوى الاستعمال في كل شيء وهو مع انّه أعم من الحقيقة لا يكون بثابت ، حيث انّه يمكن ارجاع بعض منها

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨١ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٨١ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥١ للتعليقة.

(٣) الفصول الغروية : ٦٢ السطر ٣٥ ـ ٣٦.

(٤) كفاية الاصول : ٨٢.

١٥١

الى بعض آخر وجعله مصداقا له ، كما في الفعل والقدرة والصفة الى الشأن ، والغرض والحادثة الى الشيء كما لا يخفى ؛ كما انّ مفهوم الشيء باطلاقه ليس من معانيه الحقيقية لانّه وان كان مستعملا فيه في موارد من الآيات وغيرها كما في قوله تعالى : ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (١) وقوله تعالى : ( أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) (٢) وقولك : « شغلني اليوم أمر ».

إلاّ انّه يمكن ارجاعه في تلك الموارد الى الفعل والصنع الراجع الى الشأن امّا باستعماله فيه ابتداء حقيقة وانطباقه على تلك الموارد بلحاظه باعتبار كون الموجودات صنعا وفعلا لله تعالى وللمتكلم في الاستعمال الاخير ، أو في الشيء مجازا باعتبار كونه متعلقا لفعله وغيره تعالى.

وجعله جامعا بين المعاني حتى يصير الامر مشتركا معنويا بينهما ، يبعّده عدم صحة اشتقاق التصاريف منه بمعناه الحقيقي حينئذ ، وصحته منه بمعناه المجازي في موارد استعماله في بعض افراده مثل الطلب لا في موارد اطلاقه على افراده مطلقا.

ولا يخفى ما فيه ، حيث انّ ذلك يحتاج الى عناية في المشتقات منه ، والمتراءى خلافه ، هذا. مع عدم علاقة بين الشيء وأفراده إلاّ بالعموم والخصوص وهو ليس بمعتبر مطلقا ، خصوصا في مثل المقام مما كان العام من الامور العامة متساوي الشمول لافراده مفهوما ، مضافا الى عدم مساعدة العرف على اطلاق الامر على الاعيان الخارجية مطلقا ، ولذلك [ لا ] يقال : « رأيت أمرا » في مقام رؤية زيد. نعم لا يبعد كون اطلاقه على الحقيقة على بعض الأشياء عند أرباب التصانيف لكثرة اطلاقهم بقولهم : « وينبغي التنبيه على امور ».

__________________

(١) سورة القدر : ٤.

(٢) سورة الشورى : ٥٣.

١٥٢

وجعل اللام حقيقة في خصوص الطلب ومجازا في غيره مطلقا ، يبعّده صحة استعماله في غيره بلا عناية ولا قرينة ، واختلاف جمعه بالنسبة اليه والى غيره.

وجعل الشأن خارجا عن معناه الحقيقي يبعّده صحة استعماله بلا عناية فيه مثل قوله : « أمر فلان مريب » أو « معجب » أو « مستقيم » وعدم صحة تبديله بالشيء في هذه المسألة ، فلا يبعد أن يكون مشتركا لفظيا بين الثلاثة وهي : الشيء في الجملة والشأن والطلب ، لعدم امكان ارجاع كل الى الآخر ، لعدم العلاقة ، ولاختلاف جمعه فيها كما عرفت.

ويستكشف ظنا ـ من عدم العناية في اطلاقه على كل منهما عرفا ـ عدم الاشتراك بينهما معنويا بلحاظ معنى آخر ، مع عدم القدر المشترك الاشتقاقي بين المعنى الجامدي والاشتقاقي ، وعرفت ما في الاشتقاق هكذا من الجامد بمعناه المجازي.

١١١ ـ قوله : « نعم يكون مدخوله مصداقه ، فافهم ». (١)

لعله اشارة الى انّه كذلك اذا استعمل بلا اضافة الى شيء ، وامّا اذا استعمل معها كقوله : « جئتك لامر كذا » فلا يبعد استعماله في مفهوم الغرض لأنه بمنزلة أن يقال : « لغرض كذا » أو « نكتة كذا » ، مع [ أنّ ] ذلك أعم من الحقيقة كما لا يخفى.

١١٢ ـ قوله : « وكذا في الحادثة والشأن ... الخ ». (٢)

لكنك قد عرفت انّ التحقيق ما ذهب اليه الفصول (٣) ان كان مراده من ( الشأن ) متحدا مع ( الشغل ) في الجملة ، وانّ ( الشيء ) بمفهومه المطلق ليس من

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨١ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٨١ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥٢ للتعليقة.

(٣) وهو كون الامر بمعنى الشأن والطلب. الفصول الغروية : ٦٢ السطر ٣٥ ـ ٣٦.

١٥٣

معناه الحقيقي فراجع.

١١٣ ـ قوله : « وامّا بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق ... الخ ». (١)

أقول : لم يكتف بذلك بعضهم حتى ادّعى الاتفاق على كونه حقيقة عرفا في ( القول ) الدال على ( الطلب ) ، بل على كونه حقيقة في خصوصه ومجازا في غيره.

لكن الظاهر كما عن الفصول (٢) انّ القول يكون معناه الاصطلاحي ، ويكفي فيه النقل من بعض الاساطين (٣) في الفن ، ولا يعتبر فيه الاجماع ؛ واسناده الى العرف لعله لكونه حقيقة في ( الطلب المخصوص ) الآتي ، وعلته حصوله بالقول ، فتخيل كونه حقيقة فيه غفلة عن انّه لاكثرية افادته ، لا لاجل كونه حقيقة كما لا يخفى ، هذا.

مضافا الى عدم صحة الاشتقاق من الامر بمعنى القول ، إلاّ أن يلتزم بالاشتراك اللفظي بينه وبين الطلب المخصوص فيكون صحة الاشتقاق بلحاظ المعنى الثاني ، وهو بعيد عن الاعتبار ، للزوم الانفكاك بينه وبين سائر اشتقاقاته حينئذ في الاستعمال ، مع عدم الفرق بينها في موارد الاطلاقات.

ولكن الالتزام بعدم دخل ( القول ) في الموضوع له للامر بنحو أصلا ، يبعّده دعوى كثير من العلماء بل المشهور على كونه حقيقة فيه ، فيمكن أن يقال : انّه للطلب المنشأ بالقول ، حتى انّ الطلب بالاشارة أو الكتابة ليس من مصاديقه ، فيكون معنى الامر الطلب الحاصل بالقول ؛ ولما كان بين الدال والمدلول نحو اتحاد ـ بحيث يكون الاول وجودا لفظيا للثاني ومرتبة منه ـ فتوهم من ذلك كون القول معنى حقيقيا للامر وادّعي التبادر وسائر علائم الحقيقة بالنسبة اليه غفلة من

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٢ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥٢ للتعليقة.

(٢) الفصول الغروية : ٦٣ السطر ١.

(٣) مقصوده صاحب الفصول في : ٦٣ السطر ١.

١٥٤

انّ تبادره منه على تقدير التسليم انما هو لاجل ما عرفت ، لا لما ذكروه.

ولعل وجه جعل مبحث الامر من مباحث الالفاظ ذلك ايضا كما لا يخفى.

نعم يبقى الاشكال بناء على كونه حقيقة في الطلب المنشأ بالقول في مثل « أمرت انشاء » حيث انّ خصوصية معنى مادته تحصل بنفس ذلك اللفظ كما لا يخفى ، فلا بد من تجريده عن تلك الخصوصية.

ولكن يمكن أن يقال : انّ المنشأ هو طبيعة الطلب المنشأ بطبيعة اللفظ لا بشخصه كي لا يمكن انشاؤه به ، أو انّ المنشأ هو نفس الطلب الخاص ، لا بأن يكون خصوصيته مرادا من اللفظ بل نفس الخاص. ولكن الخصوصية لم تكن منفكة عنه ، حيث انّ نفس اللفظ يتحقق لها فلا يلزم المجاز في المادة أيضا كما في البيع الايجابي الحاصل بعده القبول بناء على أن يكون معناه الايجاب المتعقب بالقبول ، ولكن فيه ما فيه.

والأولى أن تؤتى بتلك الخصوصية في معناه الاصطلاحي لا العرفي ، مع توجيه تحديده به بما عرفت [ من ] انّ أخذه فيه لاجل الاتحاد بين الدال والمدلول.

١١٤ ـ قوله : « لا بالمعنى الآخر ، فتدبر ». (١)

لعله اشارة الى كفاية ثبوت معناه الاصطلاحي بتصريح بعض الاساطين (٢) بذلك.

وامّا صحة الاشتقاق فيصح ـ باعتباره ـ معناه العرفي لا الاصطلاحي ، وعلى

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٢ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥٣ العمود ١ للتعليقة.

(٢) الفصول الغروية : ٦٣ السطر ١.

١٥٥

تقدير التسليم فلا ضير في صحة الاشتقاق اذا اخذ بمعنى التلفظ بالصيغة. نعم اذا اخذ بمعنى اسم المصدر وهو مجرد اللفظ الخاص فلا يصح منه الاشتقاق كما هو واضح.

نعم الأولى أن يجعل معناه الاصطلاحي الطلب بالقول ، ويكون التحديد بالقول لما عرفت من الوجه.

١١٥ ـ قوله : « ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب بالقول ... الخ ». (١)

ظاهرة : تسليم صحة الاشتقاق وقابليته للانشاء اذا اخذ ( القول ) في معناه قيدا.

وفيه : ما لا يخفى ، حيث انّ المتقيد بالقول ـ كنفسه ـ غير قابل للانشاء ، وانما القابل له هو نفس الطلب مجردا عنه رأسا ، فالأحسن أن يجعل ذلك قيدا لمعناه الاصطلاحي مع الالتزام بكون الاشتقاق والانشاء بالنسبة الى معناه العرفي المجرد عن ذلك كما عرفت.

١١٦ ـ قوله : « لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص ». (٢)

حيث انّ اللفظ نحو وجود للمعنى من باب الاتحاد بينهما ، فلا يتوهم انّ اللفظ يكون بنفسه مصداقا لمعنى الامر.

١١٧ ـ قوله : « الجهة الثانية : الظاهر اعتبار العلو في معنى الامر ... الخ ». (٣)

الكلام في هذا المقام تارة في اعتباره بنفسه ، واخرى في كفاية استعلاء الداني منه ، وثالثة في اعتباره مع العلو الحقيقي.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٢ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥٣ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٨٢ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥٣ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٨٣ ؛ الحجرية ١ : ٤٦ للمتن و ١ : ٥٣ العمود ٢ للتعليقة.

١٥٦

امّا الكلام في الجهة الاولى : فالظاهر انّه لا اشكال في اعتباره ، للتبادر عند اسناد الامر الى من هو يعلم حاله من العلو وعدمه وهو قرينة على اعتباره في مفهومه ، وصحة السلب عن طلب الداني [ من ] (١) العالي فلا يقال انّه : « أمره بكذا » بل يقال لطلبه عنه أنه : « دعاء منه » ولطلب المساوي انّه : « التماس » لا أمر.

وامّا الجهة الثانية : فالظاهر انّ الاستعلاء لا يقوم مقام العلو الحقيقي في الكفاية عنه ، ولذا يصح السلب عن غير طلب العالي وان استعلى فلا يقال انه : « امر حقيقة » في الكلمة أو ادّعاء بعد تنزيل غير العالم منزلته.

وامّا توهم : انّ استهجان العقلاء لامر الداني في مقام استعلائه على العالي بقولهم : « أتأمر الامير » يدل على كفاية الاستعلاء ولو لم يكن علو حقيقة ، حيث انّهم يطلقونه عليه بعده بلا عناية وتجوز فيه.

مدفوع : بأنّ الاستهجان لعله باعتبار الاستعلاء ، أو تنزيل نفسه منزلة العالي وتخيل العلو في حقه ، لا باعتبار كون طلبه أمرا حقيقة ، وإلاّ فلا معنى لاستهجانه على امره بعد كونه أعم وضعا كما لا يخفى ، لعدم القبح في طلبه وانما هو في أحد الامرين من الاستعلاء أو التنزيل.

ثم اطلاق الامر على طلبه يحتمل أن يكون لاستعلائه فيدل على كفايته فيه ، ويحتمل أيضا أن يكون حقيقة باعتبار العلو ولكن لا واقعا بل باعتبار الداني بتخيل العلو في حقه باستعلائه ، أو مجازا بعلاقة مشابهة القاء الداني ـ طلبه باستعلائه ـ بالقاء العالي ؛ فمع هذه الاحتمالات لا دلالة له على كفاية الاستعلاء فيه كما لا يخفى ، هذا.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( عن ).

١٥٧

مضافا الى انّ الالتزام بالاشتراك اللفظي فيه بين طلب العالي وطلب المستعلي كما ترى ، ولا جامع بينهما بالخصوص حتى يلزم بالاشتراك المعنوي للجامع بينهما إلاّ مطلق الطلب وهو يستلزم عدم كل منهما معنى حقيقيا له كما لا يخفى.

وامّا الجهة الثالثة : فالظاهر كفاية الطلب عن العالي فقط ولم يعتبر صدوره عنه استعلاء أيضا ، لتبادر المطلق وصحة اطلاقه عليه بلا عناية فيه ، بل وان صدر عن العالي تذللا عند الملتفت [ الى علوّه ] (١) وان لم يلتفت العالي [ الى علوّه ] (٢) بنفسه ، ولذا يصح العقاب عند العقلاء على المخالفة معللا بمخالفته لامره ؛ وحينئذ فكما لا يكون الاستعلاء شرطا في صحة الاطلاق الحقيقي لا يكون التذلل منه بمانع أيضا.

١١٨ ـ قوله : « لانسباقه عنه عند اطلاقه ». (٣)

في موارد اطلاقاته العرفية كما لا يخفى على المتتبع ، وصحة سلبه عن الطلب الندبي ، هذا. مضافا الى اطلاقاته في خصوص الوجوب في موارد كثيرة بلا قرينة كما أشار اليها رحمه‌الله. (٤)

لا يقال : انّ مجرد الاستعمال أعم من الحقيقة كما مرّ مرارا في كلامه. لأنّا نقول : نعم لو لم يكن المجاز بدون القرينة مع ارادة المعنى خلاف المحاورة.

وما قيل : انّ الاطلاق أعم من الحقيقة انما هو اذا احتمل الاستناد اليها ، مع انّ ذكر هذه الاطلاقات انما هو لمجرد التأييد.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( بعلوّه ).

(٢) في الاصل الحجري ( بعلوّه ).

(٣) كفاية الاصول : ٨٣ ؛ الحجرية ١ : ٤٩ للمتن و ١ : ٥٣ العمود ٢ للتعليقة.

(٤) كفاية الاصول : ٨٣ ـ ٨٤.

١٥٨

١١٩ ـ قوله : « قوله تعالى : ( « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ ... » ... ) ... الخ ». (١)

تمامية الاستدلال بهذه الآية انما هو بناء على كون المخالفة مجرد عدم العمل على طبق الامر ، وان يكون المراد من الامر هو الجنس لا العموم الاستغراقي ، وإلاّ فلا يتم ، فتدبر.

١٢٠ ـ قوله : « وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لا أن أشق على امتي ... » ... الخ ». (٢)

وجه الاستدلال : انّه يدل على الملازمة الارتكازية بين المشقة وبين جنس الامر ، فيدل حينئذ على كونه حقيقة في الوجوب لا على الملازمة بينهما وبين نوع منه ، فتدبر.

١٢١ ـ قوله : « الجهة الرابعة : الظاهر أنّ الطلب الذي يكون هو معنى الامر ... الخ ». (٣)

فليست مادة الامر مرادفة للطلب كي يصح اطلاقها على جميع مراتبه التي نشير اليها [ قريبا ] (٤) بل حقيقة في خصوص الطلب الانشائي ، دون سائر مراتبه : من مفهومه الذهني ـ وهو مفهوم الشوق المؤكد ـ ، ومصداقه الحقيقي القائم بالنفس ـ وهو الشوق المؤكد عقيب الداعي ـ ؛ للتبادر ، وصحة السلب عن غيرها.

وما يتراءى من صحة اطلاقه على الطلب بلا تقييد بالمرتبة الانشائية فهو لكون الطلب كثير الاستعمال في تلك المرتبة بحيث يتبادر عند اطلاقه ، لا لكونه بمعنى الطلب المطلق كي يكون مرادفا له ، كما سيأتي عند التوفيق بين الاشاعرة والمعتزلة في الاختلاف في اتحاد الطلب والارادة ، واختلافهما من انّ تخيل

__________________

(١) سورة النور : ٦٣. كفاية الاصول : ٨٣ ؛ الحجرية ١ : ٤٩ للمتن و ١ : ٥٤ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٨٣ ؛ الحجرية ١ : ٤٩ للمتن و ١ : ٥٤ العمود ١ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٨٤ ؛ الحجرية ١ : ٤٩ للمتن و ١ : ٥٤ العمود ١ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( آنفا ).

١٥٩

الاختلاف لتبادر مرتبة الانشاء من الطلب لكثرة الاستعمال فيه وتبادر الصفة القائمة بالنفس من الارادة لذلك.

١٢٢ ـ قوله : « هو اتحاد الطلب والارادة ... الخ ». (١)

وجودا ومفهوما ، خلافا للاشاعرة (٢) في كليهما. وقبل الشروع في محل النقض والابرام لا بد من تمهيد مقدمة وهي :

انّه لا بد من العلم بأنّ المفاهيم التي يتعلق الانشاء بها ـ منها الطلب والاستفهام والترجي والتمني ونظائرها مما كانت من الصفات القائمة بالنفس ـ لها أنحاء من التحقق :

أحدها : تحققها بحسب وجودها العلمي ، فاذا تعلق بها التصور تكون من الموجودات الذهنية فتنطبق المفاهيم عليها بالحمل الأوّلي لا بالشائع الصناعي. نعم يصدق العلم عليها بهذا الحمل ، وهي من هذه الجهة تكون من الكيف النفساني ـ ان كان العلم من هذه المقولة ـ إذ يترتب عليها ما هو آثار الوجود العلمي للمفاهيم.

ثانيها : تحققها بحسب وجودها الحقيقي الذي تكون هذه المفاهيم لاجل ذلك من الكيفيات القائمة بالنفس أيضا ، وتكون بحسبه من المحمولات بالضميمة. مثلا يكون الطلب بوجوده الحقيقي عبارة : عن الشوق المؤكد الموجود في النفس عقيب الداعي ؛ وهو بهذا الوجود يصدق عليه الارادة بالحمل الشائع فيكون من الأعراض المتأصلة ، وله بهذا الوجود آثار مخصوصة ما كانت له باعتبار الاول ، فهو غيره. وأيضا يكون الوجود الثاني من مصاديق حقيقة الطلب ، لا الاول كما عرفت.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٨٥ ؛ الحجرية ١ : ٥٠ للمتن و ١ : ٥٤ العمود ١ للتعليقة.

(٢) المحصول لـ الرازي ١ : ٢٥٢.

١٦٠