تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

٧٦ ـ قوله : « خامسها : انّ المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ». (١)

أقول : لو جعلنا عنوان المسألة هو جري المشتق على الذات فلا بد أن يكون المراد بالحال هو حال التلبس ، وان جعلناه كما عنون به المسألة قدس‌سره أولا فلا بد أن يكون المراد به حال الجري كما لا يخفى ، ولكن [ يفترق ] (٢) المضي والاستقبال في الوفاق والخلاف.

ثم انّ تعيين حال التلبس أو حال الجري انّما يجري في تعيين حال الاطلاق ، ولا ربط له بالمستعمل فيه في عنوان المشتق. نعم يتعين به توسعة عنوان المشتق وضيقه كما لا يخفى.

٧٧ ـ قوله : « فانّ الظاهر انّه فيما اذا كان الجري في الحال ... الخ ». (٣)

ويمكن الالتزام بالمجاز ولو مع كون كليهما في الاستقبال بناء على أخذ الزمان المعين في مفهوم المشتق ، حيث انّه بناء على تطابق زمان التلبس والاتصاف أيضا لا يدل المشتق على خصوصية الزمان ، فمع أخذه في مفهومه فلا بد أن يكون مجازا كما لا يخفى.

٧٨ ـ قوله : « لأنّا نقول هذا الانسباق ان كان مما لا ينكر ... الخ ». (٤)

يعني انّه لو اسند المشتق الى الذات وقيل : « زيد ضارب » بلا تعيين الزمان فينصرف الى زمان النطق ولو بمعونة الحكمة ، فيصح أن يقال بهذا الاعتبار : انّ الحال المدلول عليه بالمشتق هو زمان النطق.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٢ ؛ الحجرية ١ : ٣٦ للمتن و ١ : ٣٦ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( يتفكر ) لكن الظاهر ( يفترق ) هو الاصح كما نبه عليه هناك.

(٣) كفاية الاصول : ٦٢ ؛ الحجرية ١ : ٣٧ للمتن و ١ : ٣٦ للتعليقة.

(٤) كفاية الاصول : ٦٣ ؛ الحجرية ١ : ٣٧ للمتن و ١ : ٣٦ للتعليقة.

١٢١

إلاّ أنّ الاصوليين في هذا المقام بصدد بيان ما هو مدلوله بالوضع لا ما هو مدلوله بالقرينة ؛ ومن المعلوم انّ الحال المدلول عليه بالمشتق مع حفظ عدم دلالته على الزمان وضعا ليس إلاّ حال التلبس اجمالا الصالح للانطباق على كل من الازمنة بالقرينة ، هذا.

مع انّه لا بد للقائل بتبادر حال النطق أن يدّعيه بالنسبة الى الجري والتلبس كليهما دون خصوص الاول ، وإلاّ لا يجدي فيما هو المهم في محل النزاع كما لا يخفى.

٧٩ ـ قوله : « وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية ... الخ ». (١)

لا يقال : انّ لحاظ المعنى العام متيقن وانما الاشكال في لحاظ الخصوصية فلا وجه للمعارضة.

لانه يقال : نعم فيما اذا كان المعنى مرددا بين الجنس أو النوع المركب منه ومن الفصل ـ كما لو تردد لفظ بين وضعه للحيوان أو للحيوان الناطق ـ لا فيما كان كل من العام والخاص بسيطا غير مأخوذ أحدهما في الآخر ، وان كان أحدهما أعم صدقا من الآخر كما فيما نحن فيه بناء على ما سيجيء من بساطة المشتق مفهوما.

ثم انّه على تقدير جريان الاصل لا دليل على اعتباره : امّا بناء العقلاء فلعدم احرازه إلاّ تعيين المراد بعد العلم بالوضع لا في اثباته ؛ وامّا دليل الاستصحاب فلكونه في المقام كما لا يخفى.

٨٠ ـ قوله : « كما انّ قضية الاستصحاب وجوبه ». (٢)

أخذ الزمان في موضوع الحكم ظرفا لا مفردا ومكثرا له ، كما انّه يبتني

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٣ ؛ الحجرية ١ : ٣٧ للمتن و ١ : ٣٧ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٦٤ ؛ الحجرية ١ : ٣٨ للمتن و ١ : ٣٧ للتعليقة.

١٢٢

على حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي أيضا.

٨١ ـ قوله : « لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى ». (١)

أقول : اختلاف المبادئ امّا : بحسب أصل وضع المصادر من السيلان وغيره والتعدية وغيرها ؛ أو بحسب اختلاف ما يراد منه عرفا ولو في خصوص مشتق خاص مجازا ؛ أو بالوضع الثانوي كالملكية والشأنية واتخاذ الحرفة ونحوها.

وامّا اختلاف ما يعتري المشتق من الحالات فهو مثل وقوعه محكوما عليه ، أو محكوما به. ويمكن أن يكون منشأ التوهم أمرا ثالثا ، مثل دعوى كون الذات المنقضي عنه المبدأ من افراد المتلبس بنحو المجاز في الاسناد.

والتحقيق : عدم صلاحية واحد من الامور للتفصيل في محل النزاع.

امّا اختلاف المبادئ فلأنّ النزاع في ما نحن فيه في معنى الهيئة ولا ربط لها بالمادة ، غاية الامر تدل الهيئة على عنوان للذات من تلبسه بالمبدإ بأيّ معنى كان سواء كان ثبوتيا أو حدوثيا أو سيالا أم لا ، الى غير ذلك من الاختلاف.

وامّا اختلاف الحالات الطارئة فلكونها من قبيل الهيئة التركيبية الكلامية ، ولا يكاد يؤخذ في المعنى المفردات وضعا ، هذا ؛ مع استلزامه الاشتراك اللفظي في كل من المشتقات.

وامّا المجاز في الاسناد فلانّه توسعة في التلبس نظير أخذ المبدأ بمعنى الملكة مثلا ، وبعد ذلك يكون صدق المشتق حقيقيا ولو كان لخصوص المتلبس.

فقد ظهر انّ المسألة ذات قولين كما بين المتقدمين ولا وجه لاحداث التفاصيل.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٤ ؛ الحجرية ١ : ٣٨ للمتن و ١ : ٣٧ للتعليقة.

١٢٣

٨٢ ـ قوله : « ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال ». (١)

كما يشهد عليه تبادر اتصاف الذات بصفة الكمال حين جري مثل ( العالم ) والفاضل والمؤمن عليه ، واتصافه بصفة النقص حين جري ما يضادها عليه ، وتبادر خصوصية وجودية في الصفات المحمولة بالضميمة أو اضافية في الخارج المحمول ؛ ومن المعلوم انّ تبادر ما ذكر لا يكاد يكون إلاّ اذا كان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس ، خصوصا بناء على ما هو التحقيق من كون المشتق عين المبدأ وعدم الفرق بينهما إلاّ باعتبار اللابشرط وبشرط لا.

ثم انّه لا يرد على التبادر بمثل اطلاق القاتل والسارق والمكّاس على ما انقضى عنه المبدأ ، لما سيجيء في الجواب عن أدلة الأعمي.

٨٣ ـ قوله : « وصحة السلب مطلقا ... الخ ». (٢)

أي بالحمل الشائع. وامّا بالحمل الأوّلي فلا يدل على المجازية ، لوضوح صحة سلب المعنى العام بالحمل الأوّلي عن فرده الحقيقي.

٨٤ ـ قوله : « ويقال : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة ». (٣)

والفرق بين التمسك بالمضادة ـ بين الصفات المأخوذة من المبادئ المتضادة ـ وبين التمسك بالتبادر : انّ اثبات المفهوم في الثاني يكون بلا واسطة وفي الاول يكون مع الواسطة من باب الانتقال من اللازم الى الملزوم ، حيث انّ التضاد ليس خصوصية المتلبس ؛ ومن أورد على التمسك به فانّما هو لاجل تخيله انّ احراز التضاد متوقف على احراز المفهوم ، فيكون التمسك به شبه المصادرة ، أو دوريا.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٤ ؛ الحجرية ١ : ٣٨ للمتن و ١ : ٣٨ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٦٤ ؛ الحجرية ١ : ٣٨ للمتن و ١ : ٣٨ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٦٥ ؛ الحجرية ١ : ٣٨ للمتن و ١ : ٣٨ للتعليقة.

١٢٤

ولكن التحقيق : انّ التضاد متوقف على مقام الثبوت ، وامّا في مقام الاثبات فيكون الامر بالعكس ، فلا اشكال كما لا يخفى.

٨٥ ـ قوله : « قلت : لا يكاد يكون لذلك ، لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ». (١)

حاصل الجواب : انّ التبادر : امّا لاجل الوضع للمعنى المنسبق الى الذهن ، وامّا لاجل كثرة الاستعمال بالنسبة اليه من غيرها ، أو لاجل كثرة الوجود وقلة غيرها بحيث يكون نادرا لا ينسبق الى الذهن ؛ والأخيران فيما نحن فيه ـ بالنسبة الى الفرد الذي انقضى عنه المبدأ ـ مفقودان ، فتعين الاول وهو المطلوب.

٨٦ ـ قوله : « ان قلت : على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الاغلب مجازا ». (٢)

حاصله : انّ ما ذكر من كثرة الاستعمال في مورد الانقضاء يستلزم كثرة المجاز ، فينافي حكمة الوضع. ولا يجديه القول بكون أكثر لغات العرب مجازات ، لأنه باعتبار كثرة المعاني المجازية ، لا في معنى مجازي واحد.

وحاصل الدفع : مضافا الى انّه مجرد استبعاد غير مضر ، بأنّه يلزم لو كان الاستعمال في حال الانقضاء بلحاظ ذاك الحال لا بلحاظ حال التلبس ، فما دام الحمل على المعنى الحقيقي يكون ممكنا لم يحمل على المعنى المجازي ، [ و ] هذا بخلاف ما اذا قيل بالأعمية ، فانّ الاستعمال فيه يكون على نحو الحقيقة في حال الانقضاء بلحاظ نفس تلك الحالة ، فلا داعي لملاحظة ما له التلبس فانّه بلا طائل ، كما انّه بخلاف الاستعمال في معنى لا يمكن إلاّ على نحو المجاز.

٨٧ ـ قوله : « حقيقة كما لا يخفى ، فافهم ». (٣)

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٥ ؛ الحجرية ١ : ٣٨ للمتن و ١ : ٣٩ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٦٥ ؛ الحجرية ١ : ٣٨ للمتن و ١ : ٣٩ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٦٦ ؛ الحجرية ١ : ٣٩ للمتن و ١ : ٣٩ للتعليقة.

١٢٥

لعله اشارة الى انّ ملاحظة حال التلبس في حال الانقضاء ـ حذرا عن لزوم المجاز في المشتق كثيرا ما على الاشتراك ـ يستلزم خلاف الظاهر في الكلام فيما كان ظرف الفعل المسند الى المشتق بعد التلبس كما اذا قيل : « جاء الشارب » اذا كان المجيء بعد الشرب ، حيث انّ ظاهر الهيئة التركيبية اتحاد ظرف المسند والمسند اليه ، فلا بد من رفع اليد عن أحد الظهورين ، وليس أحدهما أولى من الآخر.

نعم فيما كان المجيء في ظرف الشرب أو كان المسند اليه هو الموصوف كما اذا قيل : « أكرم هذا العالم » وجيء بالوصف اشارة الى تعينه فلا اشكال ، وامّا في مثل أكرم العالم أو اجلد السارق فيما كان الحكم بعد التلبس فيلزم بأنّ الحكم يكون استقلاليا بالنسبة الى الوصف مع الالتزام باسناده الى المتلبس ، مع كون التطبيق مستلزما لمضي التلبس بالنسبة الى الحكم الاستقلالي بنحو الوجوب التعليقي ، وحينئذ فيرتفع الاشكال.

٨٨ ـ قوله : « فصحة سلبه وان لم تكن علامة ... الخ ». (١)

ظاهره : تسليم الاشكال فيما اذا كان القيد راجعا الى المسلوب.

ولكنه يمكن أن يفصّل :

بين أن يكون القيد راجعا اليه بلحاظ المبدأ ، فلا يكون صحة السلب علامة على المجاز فيما انقضى عنه المبدأ كما لا يخفى.

وبين أن يكون راجعا اليه بلحاظ المعنى الجزئي فيكون علامة حينئذ ، حيث انّ الذات التي تلبست بالمبدإ يكون فيما يطلق عليه المشتق مطلقا على الأعم ولو في حال الانقضاء ولو مع كونه مقيدا بتلك الحالة ، فاذا صح السلب

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٦ ؛ الحجرية ١ : ٣٩ للمتن و ١ : ٤٠ للتعليقة.

١٢٦

يكشف عن أخصية المعنى كما لا يخفى.

وما قيل : من عدم التناقض بين الوقتيتين أو بين الوقتية والمطلقة فانّما هو فيما لم يكن كل منهما موقتا [ بما ] (١) وقّت به الآخر ، وإلاّ فلا اشكال في حصول التناقض كما هو واضح.

٨٩ ـ قوله : « ثم لا يخفى انّه لا يتفاوت في صحة السلب ... الخ ». (٢)

حيث انّ الاختلاف في الموارد انما يكون من حيث المادة ، وامّا بحسب الهيئة فالوضع واحد في جميع الموارد ؛ مع انّ التفصيل بين كون المشتق محكوما عليه أو محكوما به يستلزم الاشتراك اللفظي في كل من المشتقات ، وأن يختلف الوضع بحسب الحكم المتعلق به في الاستعمالات ، وهو واضح الفساد.

٩٠ ـ قوله : « الثاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ». (٣)

يحمل بالحمل الأوّلي بالنسبة الى نفس المفهوم الجامع ابتداء ، وبالحمل الشائع بالنسبة الى تعيين الفرد الذي انقضى عنه المبدأ من كونه من افراد المعنى حقيقة أم لا ، حيث انّه لعدم صحة السلب بذاك الحمل يستكشف أعمية معنى المشتق ثانيا.

ويستدل للعموم أيضا بالمشتقات المستعملة في موارد النداء والاستغاثة حال الانقضاء مثل قوله : « يا قالع الباب » و « يا فاتح خيبر » و « يا قاتل عمرو » الى غير ذلك من الامثلة.

ولكن الجواب عن ذلك : انّ مجرد الاطلاق حال الانقضاء لا يدل على كونه موضوعا للأعم إلاّ اذا كان الاطلاق بلحاظ حال الانقضاء بلا عناية في البين ؛ وامّا

__________________

(١) في الاصل الحجري ( بين ما ).

(٢) كفاية الاصول : ٦٧ ؛ الحجرية ١ : ٣٩ للمتن و ١ : ٤٠ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٦٧ ؛ الحجرية ١ : ٤٠ للمتن و ١ : ٤٠ للتعليقة.

١٢٧

اذا كان الاطلاق بلحاظ حال التلبس بأن جعل النسبة بلحاظ ظرف التلبس ، أو كان المبدأ بمعنى [ ما ] له قرار وثبات لا مجرد السيال الذي لم يكن كما في مثل ( مقتول ) اذا جعل المبدأ فيه مجرد معدوم الروح بسبب سابق ، أو كان الاطلاق في حال الانقضاء تنزيلا للغائب منزلة الحاضر وللزمان الماضي بمنزلة الحال ، فلا دلالة على أعمية المعنى كما لا يخفى ، ولا أقل من احتمال ذلك احتمالا مساويا مانعا عن الاستدلال.

٩١ ـ قوله : « ثانيها : أن يكون لاجل الاشارة الى علّية المبدأ للحكم ». (١)

وهو أيضا على قسمين :

أحدهما : أن لا يكون متعلق الحكم ممكن الاجتماع مع المتلبس بالمبدإ كما في القاتل المحكوم بالقصاص أو السارق المحكوم بالقطع ، فانّ الذات حين تلبسه بالمبدإ لا يصدق عليه العنوان حتى يترتب عليه القصاص والقطع بمجرد اتصافه به ، وبعده انقضى عنه المبدأ ، فلا بد في مثل هذه الصورة أن يكون الموضوع محكوما بأمر استقبالي ، غاية الامر يكون حدوث الحكم حال حدوث العنوان متعلقا بأمر مستقل بالاضافة الى المبدأ نظير الواجب التعليقي كما في آيتي السارق والزنا ، ولا بد من كون الوصف علة للحدوث لا للبقاء.

ثانيهما : أن يكون الحدوث علة للحدوث لا للبقاء ، مع امكان اجتماع المحكوم به مع زمان التلبس حدوثا كأصل الحكم وان لم يكن البقاء دائرا مداره كما في الظالم المحكوم بعدم نيل الولاية والخلافة ، فانّ عدم قابلية النيل متحقق من حين حدوث الظلم ويكون باقيا حال زواله أيضا.

اذا عرفت ذلك فتكون الأوصاف المأخوذة في العناوين مع القسم الاول

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٩ ؛ الحجرية ١ : ٤٠ للمتن و ١ : ٤١ للتعليقة.

١٢٨

والاخير على أقسام أربعة ؛ وما يمكن الاستدلال به للقول بالأعم هو القسم الاخير لا بقية الاقسام.

٩٢ ـ قوله : « وامّا اذا كان على النحو الثاني فلا كما لا يخفى ». (١)

أقول : لا يخفى انّ الامام عليه‌السلام بصدد اثبات عدم قابلية الخلفاء للتصدي حين انقضاء عبادة الاصنام ظاهرا عنهم احتجاجا على المخالفين ؛ فان كان المراد من الآية هو القسم الثالث صح الاحتجاج بها عليهم ولكنه لا يتم إلاّ بناء على كون المشتق موضوعا للأعم ؛ وامّا على النحو الثاني فلا يحصل الاحتجاج عليهم ؛ لامكان ردّهم الاستدلال على الامام بأنّ المتيقن منها هو عدم القابلية حين التلبس ولم تكن قرينة في الآية تدل على عدم قابليتهم مطلقا ولو حال الانقضاء.

إلاّ أن يقال : هذا الايراد مشترك الورود على النحو الثالث أيضا ، لأنه بناء عليه وان صدق عليهم عنوان ( الظالم ) حال الانقضاء إلاّ انّه ليس ملاك عدم نيل الخلافة مجرد صدق العنوان عليهم ، بل العلة هو التلبس بعبادة الوثن ، فيمكن لهم دفع الاحتجاج بامكان كون التلبس علة حدوثا وبقاء فيدور عدم النيل مداره ، فبعد الانقضاء يرتفع الحكم بعدم اللياقة ، غاية الامر يكون المدار عليه هو التلبس وحده ؛ وعلى النحو الثاني هو مع صدق العنوان.

ولكن التحقيق : صحة الاحتجاج بهذه الآية على المخالفين على عدم قابلية الخلفاء للخلافة مطلقا ولو بعد الانقضاء ـ على القول بكون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس فضلا عن القول بالأعم ـ بوجوه :

الاول : انّ المنصب تارة : يكون مشتركا في الجعل بين الخالق والمخلوق كالقضاوة والتولية ونحوهما ، واخرى : يكون الجعل مختصا به تعالى كالنبوة

__________________

(١) كفاية الاصول : ٦٩ ؛ الحجرية ١ : ٤٠ للمتن و ١ : ٤١ للتعليقة.

١٢٩

والامامة ؛ والمراد من العهد في الآية ذلك بقرينة اضافته اليه تعالى بقوله : ( لا يَنالُ عَهْدِي ) (١) مع سبق قوله : ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) (٢) ، ومن المعلوم انّه لا بد من مزية لمثل هذا المنصب على غيره حتى يختص الجعل به تعالى ، وذلك يقتضي عقلا عدم لياقة من تلبس بالظلم لمثله وان انقضى عنه المبدأ بخلاف غيرها ، فانّ عدم اللياقة ينحصر بزمان التلبس دون غيرها. (٣)

الثاني : العموم الحالي الزماني المستفاد من صيغة المضارع وهو قوله تعالى : ( لا يَنالُ ) فانّه يدل على استمرار عدم النيل ولو بعد الانقضاء ، ولا يختص بخصوص زمان التلبس للاطلاق اليها في المقتضي لذلك بعد تعارف كل من القسمين في القضايا المتعارفة.

الثالث : صحة الاستثناء بقوله مثلا : « ولا ينال عهدي الظالم الاّ حال الانقضاء » المفيد لعموم المستثنى منه لو لا الاستثناء كما استشهد بذلك المحقق اللاهيجي قدس‌سره (٤) في الكلام في الجواب عن اشكال السيد الشريف (٥) والتفتازاني (٦) [ على ] استدلال الخاصة بهذه الآية لعدم لياقة الخلفاء للمنصب ؛ وحاصل الاشكال : احتمال كون المشتق لخصوص المتلبس فلا يدل على أزيد من حال التلبس ، فتدبر.

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة : ١٢٤.

(١ و ٢) سورة البقرة : ١٢٤.

(٣) الصحيح تذكير الضمير ، لرجوعه الى ( زمان التلبس ).

(٤) گوهر مراد : ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٥) شرح المواقف ٨ : ٣٥١ ، فانه لم يعلق على كلام ( المواقف ) حول الآية. ويراجع ايضا ( لوامع الاسرار في شرح مطالع الانوار ) المسمى بـ ( شرح المطالع ) : ١١ السطر الاول من الحاشية في اعلى الصفحة ، اي تعليق السيد على قول شارح المطالع : « إلاّ ان معناه شيء له المشتق منه ... الخ ».

(٦) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٨ ، وهو قوله : « ... ومنع دلالة الآية على كون من كان كافرا ثم أسلم ظالما ... الخ ».

١٣٠

[ تنبيهات المشتق ]

٩٣ ـ قوله : « الاول : انّ مفهوم المشتق ـ على ما حققه الشريف في بعض حواشيه ـ بسيط منتزع عن الذات ». (١)

انّ بساطة المفهوم تكون :

تارة : بمعنى وحدته ادراكا وتصورا بحيث لا يرتسم في الذهن عند تصوره إلاّ صورة واحدة بسيطة وان انحلّ بتعمّل من العقل الى شيئين كانحلال الانسان الى الحيوان [ و ] الناطق ـ بل جميع الانواع بالنسبة الى الجنس والفصل ـ ولا ينافي مثل هذا الانحلال البساطة ، ولذا [ هناك ] ترادف بين النوع وبين الجنس والفصل ، والى ذلك يرجع الاجمال والتفصيل [ وأنّهما ] فارقان بين الحد والمحدود.

واخرى : بمعنى عدم أخذ الشيء في مفهومه ولو بالتحليل كما لو قيل في المقام : « انّ الذات ليست مأخوذة في مفهوم المشتق لا ابتداء ولا تحليلا ».

وبعض أدلة المقام يقتضي البساطة بالمعنى الثاني كما هو مقتضى دليل المحقق الشريف. (٢) وظاهر الاستاذ (٣) أعلى الله مقامه بمقتضى تحقيقه في

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٠ ؛ الحجرية ١ : ٤١ للمتن و ١ : ٤٣ للتعليقة.

(٢) لوامع الاسرار في شرح مطالع الانوار المسمى بـ ( شرح المطالع ) : ١١ السطر الاول من الحاشية في اعلى الصفحة ، عند تعليق المحقق الشريف على قول شارح المطالع : « إلاّ ان معناه شيء له المشتق ... الخ ».

ثم ان ( المطالع ) هو لسراج الدين الارموي المتوفى ٦٨٢ ، وشرحه هو لقطب الدين الرازي المتوفى ٧٦٦ ، وهو استاذ المحقق الشريف ؛ واما الحاشية على الشرح فهي للمحقق الشريف المتوفى ٨١٦.

(٣) كفاية الاصول : ٧٤.

١٣١

الارشاد الذي ذكره في ذيل التنبيه ، هو الاول. إلاّ أن يقال : انّه من باب الفرض والتنزل أو من باب ذكر الفرد الخفي من البساطة ، لا أن يكون ذلك مختاره في المقام.

والتحقيق : عدم أخذ الذات في المشتق ولو على نحو التحليل ، لأنه ـ مضافا الى لزوم ما ذكره المحقق الشريف بناء عليه أيضا ولزوم تكرار الذات دقة أيضا في بعض الامثلة ـ يلزم دخوله امّا في مدلول المادة ولازمه دلالته عليه في ضمن كل مشتق ولو ضمن المصدر وهو واضح البطلان ، وامّا في مدلول الهيئة وهي لا تدل إلاّ على مجرد الربط والاضافة بين الحدث والذات لا على نفس الذات ، مع دخول المعنى الاسمي في مدلول الهيئة التي هي من قبيل الحروف في الموضوع له.

ومن هنا يظهر اشكال آخر وهو : عدم صحة جعل المشتق مبدأ بل مسندا اليه مطلقا ، لانّ النسبة لا تكون مسندا اليه وطرفا للنسبة ، مع وضوح صحة جعله مسندا اليه ، فان التزم بأنّ المشتق قد أخذ فيه الذات أو ما يساوقه فقد عرفت بطلانه. نعم لا بأس بأن يلتزم بأنّ المشتق هو نفس عنوان المبدأ قد أخذ [ فيه ] المفهوم على نحو يكون متحدا مع الذات وظهورا وجلوة له بلا مغايرة بينهما في الوجود ؛ وان كانت بتحققه بين المبدأ والذات فلا اشكال في جعله مسندا اليه وحمله على الذات.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الغرض متحد الوجود مع الموضوع أم لا ، وعلى هذا لا بأس بانحلال المشتق [ الى ] (١) تعدد الدال والمدلول من حيث

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الاّ ).

١٣٢

الهيئة والمادة ، حيث انّ نفس الحدث ـ بلا خصوصية أخذه على نحو الانطباق والاتحاد مع الذات ـ يكون مفاد المادة ، وخصوصيته الكذائية مفاد المفهوم ، وسيظهر ذلك في بيان الفرق بين الحدث والمشتق.

٩٤ ـ قوله : « وقد أفاد في وجه ذلك : أنّ مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا ... الخ ». (١)

ولا بد أن يكون المراد في الشق الاول هو العنوان الكلي للذات مع التقيد بالوجود السعي ، وإلاّ لما صح اثبات المبدأ له وتلبسها به بقولك في تفسيرها : « هو ذات ثبت له المبدأ ».

كما انّ المراد به في الشق الثاني هو مصداق ما ، نظير النكرة أو الحصة للكلي حتى لا [ يتنافى ] (٢) مع عموم مفهوم المشتق وضعا ولا مع كونه مفهوما في ما اذا أخذ محمولا ؛ وإلاّ فلو اخذ الشخص الخارجي الجزئي الحقيقي :

فان كان المراد واحدا من الاشخاص دون غيرها يلزم أن يكون اطلاقه على غيرها مجازيا.

وإن [ كان ] المراد كلا منهما يلزم الاشتراك اللفظي ، أو الوضع العام والموضوع له الخاص ، والاستعمال في أكثر من معنى فيما اذا اريد منه العموم كما في قوله : « أكرم العالم ».

٩٥ ـ قوله : « وانّما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه اذا لم يعلم نفسه ». (٣)

لا يقال : يلزم على هذا انحصار الكليات في المنطق في أربعة بل في اثنين

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٠ ؛ الحجرية ١ : ٤١ للمتن و ١ : ٤٤ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( ينافي ).

(٣) كفاية الاصول : ٧١ ؛ الحجرية ١ : ٤١ للمتن و ١ : ٤٤ للتعليقة.

١٣٣

بناء على ارجاع النوع والجنس الى العرضي ، لعدم العلم بحقيقتهما أيضا لغير علاّم الغيوب ، فلا بد من أن يؤخذ مكانهما أظهر خواصهما حتى يوضع مكانهما في المنطق ولازم ذلك انحصار الكليات في العرض العام والخاص.

لأنّا نقول :

أولا : انّه على تقدير تسليم ذلك في جميع الذاتيات ، انّ الفرق هو انّ العناوين العرضية قد تؤخذ تارة : عن نفس مقام الذات ، بحيث يكفي في انتزاعها ولو مع قطع النظر عن جميع ما سوى الذات ، واخرى : عن الذات بلحاظ أمر خارجي عرض أو عرضي معها ، بحيث لا يكفي نفس ملاحظتها في الانتزاع.

وحينئذ فيسمى القسم الاول « دائما » وينقسم الى ثلاثة باعتبار انتزاع المفهوم عن تمام الذات أو عن جزئها الأعم أو الاخص ؛ ويسمى القسم الثاني « عرضيا » وينقسم الى قسمين بلحاظ الاختصاص بالنوع الخاص وعدمه.

وثانيا : انّ هذا الاشكال غير وارد بغير الفصل بناء على التحقيق في محله من انّ حقيقته في كل شيء هو المرتبة الخاصة من الوجود ، ومن المعلوم انّ حقيقة الوجود غير معلومة لغير علاّم الغيوب إلاّ بالمفهوم الانتزاعي ، وينقسم الفصل حينئذ الى حقيقي ومنطقي ، ويفرّق بين الفصل المنطقي والعرض الخاص بما ذكرنا باقي الكليات ، فهي من سنخ الماهية وهي معلومة الكنه مطلقا إذ لا كنه لها غير صرف مفهومها ، فلا ينقسم غير الفصل الى قسمين كما هو واضح ، غاية الامر يكون جزء مفهوم النوع هو الفصل المنطقي لا الحقيقي.

٩٦ ـ قوله : « فانّ المحمول ان كان ذات المقيد ... الخ ». (١)

لا يخفى انّ المقصود بالذات من المحمول :

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٢ ؛ الحجرية ١ : ٤٢ للمتن و ١ : ٤٥ للتعليقة.

١٣٤

ان كان هو الذات وكان اعتبار التقييد للاشارة الى تعيين ما هو المقصود في الحمل فلا اشكال في كون القضية ضرورية في صورة التركب ، مع انّها ممكنة على البساطة ، ولعل فيه اشارة الى هذه الصورة.

وان كان المقصود بالذات هو الخاص بما هو خاص بأن كان التقييد ملحوظا فلا ترجع القضية الى الممكنة وان كان يشكل في صحة تقييد المصداق الخارجي ، لأنه مع عدم اطلاق له حتى يقيد يلزم سلب الشيء عن نفسه في مورد فقدان القيد ، ففي مثل ( زيد ضاحك ) كأنّه قيل : « زيد زيد ما دام له الضحك وليس بزيد ما لم يكن كذلك ».

هذا كله لو كان القيد خارجا ، وامّا لو كان داخلا فانحلال مثل ( الانسان ناطق ) الى قضيتين يتصور على وجهين :

أحدهما : أن تكونا عرضيتين كما يظهر من كلامه قدس‌سره ، فكأنّ ( الناطق ) المشتمل على جزءين احدهما ( الانسان ) والآخر ( له النطق ) وقد حمل كل منهما على ( الانسان ) الموضوع بعبارة واحدة. ولا اشكال في كون أحدهما ضرورية والآخر ممكنة ، مع انّ هذه القضية بما كان لها من المعنى تكون ممكنة صرفة ، فيلزم انقلاب الممكنة المحضة الى الممكنة والضرورية.

ثانيهما : أن تكونا طوليتين ، بأن كان المحمول قضية على حدة كما هو مقتضى الوصف الواقع فيه لاشتماله على النسبة الناقصة تضمنا على التركيب والتزاما على البساطة ، فهو في حكم الخبر لافادته فائدته قبل العلم به.

ثم هذا المحمول الذي تكون قضيته صغرى يكون ثابتا للموضوع فتصير جملة كبرى ، والظاهر رجوع ذا الى المحمول المقيد وبالذات فيه ثبوت القيد فلا تكون ضرورية ، كما انّ الظاهر عدم صحة القسم الاول لأنه مع عدم كون الجزءين في المشتق في عرض واحد يكون أحدهما في طول الآخر وقيدا له [ و ] لا يصح

١٣٥

حمل قوله : « له الضحك » على الانسان على نحو الحمل الاتحادي. نعم يصح على نحو اسناد الفعل لأنه في حكم ( ضحك ) لا في حكم ( ضاحك ) وإلاّ لزم التسلسل.

فاذا عرفت ذلك فظهر عدم تصحيح الانقلاب الى الضرورية في المحمول المقيد ، ردا على صاحب الفصول (١) ؛ ولعل قوله : « فتأمل » اشارة الى بعض ما ذكرنا.

نعم يمكن أن يقال : في الصورة التي ذكرناها من كون المحمول قضية ثانية في طول القضية الاولى ، انّ الثانية بما لها من الجهة والكيفية ثابتة للموضوع بالضرورة.

٩٧ ـ قوله : « لأنّ الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلا ... الخ ». (٢)

ومراده (٣) من الذات المقيدة بالوصف مرة وبعدمه اخرى هو الموضوع ، ويكون بالضرورة في قوله : « لا يصدق زيد كاتب بالضرورة » قيدا للمنفي ، وعدم الصدق حينئذ لأخذ الموضوع مطلقا ، مع دورانه بين ما كان المحمول ضروري الثبوت له وبين ما كان المحمول ضروري السلب له ، فالحكم بالثبوت ربّما لا يطابق الواقع.

ويحتمل قويا أن يكون قيدا للمنفي بأن يكون مثالا لما كان ذات الموضوع مقيدا بعدم المحمول ، وعدم الصدق حينئذ لضرورة السلب وهو واضح ؛ ويكون قوله : « زيد الكاتب ... الخ » مثلا مثالا لضرورة الايجاب بحذف المحمول.

وعلى أي حال فيكون المحمول امّا ضروري الايجاب للموضوع إن اخذ

__________________

(١) الفصول الغروية : ٦١ السطر ٣٤.

(٢) كفاية الاصول : ٧٢ ؛ الحجرية ١ : ٤٢ للمتن و ١ : ٤٧ العمود ١ للتعليقة.

(٣) أي صاحب الفصول ؛ راجع الفصول الغروية : ٧١ السطر ٣٨.

١٣٦

بشرطه ، أو ضروري السلب ان أخذ بشرط عدمه ، فتنقلب مادة الامكان الى الضرورية ؛ ولكنه يرد عليه ما في المتن.

٩٨ ـ قوله : « وقد عرفت حال الشرط ، فافهم ». (١)

لعله اشارة الى انّه يرد عليه : ـ فيما ذكره من كون المفهوم للقيد ثابتا بالامكان [ عند ] (٢) عدم أخذ الموضوع بشرط المحمول ـ بما أورد على الفصول في صورة أخذ المصداق في المشتق مقيدا بانحلاله الى قضيتين احداهما ضرورية والاخرى ممكنة.

ويمكن التفرقة بين الصورتين بالمأخوذ في المشتق :

ان كان هو المصداق فلا مناص عن الانحلال ، لعدم تقيد المصداق الخارجي كما عرفت.

وان كان هو المفهوم فلا بأس بالتقييد ، فتكون القضية ممكنة على حسب امكان القيد كما في المتن.

٩٩ ـ قوله : « ثم انّه يمكن أن يستدل على البساطة ... الخ ». (٣)

كما انّه يمكن الاستدلال عليه بأنّ أخذ الذات امّا في المادة أو في الهيئة وكل منهما باطل ، لانّ الاولى لم تدل إلاّ على مجرد الحدث والثانية لم تدل إلاّ على مجرد الارتباط بينه وبين الذات ، مع انّ الذات معنى اسمي لم يكن مأخوذا في مدلول الحرف وما يشبهه إلاّ على مذاق من يذهب [ الى تعدد ] (٤) الوضع في المشتق هيئة ومادّة.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٣ ؛ الحجرية ١ : ٤٣ للمتن و ١ : ٤٧ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( عقد ).

(٣) كفاية الاصول : ٧٤ ؛ الحجرية ١ : ٤٣ للمتن و ١ : ٤٧ العمود ١ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( بتعدد ).

١٣٧

ولكن التحقيق هو : وحدة الوضع وان كان يمكن تعدد الجهة في كل من اللفظ والمعنى تحليلا ، ولحاظ كل جهة من جهتي اللفظ بازاء جهة من جهتي المعنى ، وامّا ابتداء فهو موضوع بالوضع الوحداني للعنوان الجاري على الذات المنطبق عليه انطباق الوجه على ذي الوجه لا بنحو يكون الوجه مأخوذا في مفهومه ، لعدم أخذ كل محكي في مدلول الحاكي ، كما في غير المشتقات من الجوامد أيضا.

ومما ذكرنا يظهر عدم تركب المشتق من النسبة والمبدأ أيضا ـ ويشهد عليه جعله مبتدأ ومسندا اليه ـ لوضوح عدم صحته كذلك لو كان مركبا من النسبة والمبدأ.

١٠٠ ـ قوله : « الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما ... الخ ». (١)

وتحقيقه : انّ العارض القائم بالموضوع يلاحظ على قسمين :

أحدهما : أن يلحظ كونه مرتبة بروز الذات وجلوته ، كأنّه قد تجلى في هذه المرتبة وصار وجوده شديدا بحيث صار وجود العارض مندكا ومنطويا فيه ، وعلى هذا لا نشاهد وجود كل مغايرا مع الآخر بل يكون عين الآخر ولكن بنحو يكونان مفهومين متحدي الوجود لا مفهوما واحدا مركبا ، فيكون لفظ كل منهما حاكيا عن ذاك الوجود بمفهوم غير مفهوم اللفظ الآخر ، والاتحاد والجري في كل من المفهومين على الآخر يكون من خصوصيات ذاته المفهومية فتكون اللابشرطية حينئذ ذاتية له بمعنى كونها لازم تلك الخصوصية.

ثانيهما : أن يلحظ كونه مغايرا مع الذات وجودا كما كان كذلك مفهوما ، بأن ينظر الى كون المبدأ عرضا زائدا مغايرا مع الذات ـ وان كان قائما به ـ ويكونان

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٤ ؛ الحجرية ١ : ٤٣ للمتن و ١ : ٤٧ العمود ١ للتعليقة.

١٣٨

حينئذ موجودين بوجودين لا بوجود واحد.

وعدم الجري والحمل لازم خصوصية المغايرة والاثنينية فيكون القيد بشرط لا ذاتيا بهذا المعنى ، فما دام المعنى المصدري محفوظا لا يمكن أن يحمل على الذات وان اخذ لا بشرط بالنسبة الى سائر الطوارئ والحالات ، حيث انّ هذه الخصوصية ذاتية للمصدر والذاتي لا ينفك. نعم يتصور العقل معنى مشتركا بين المشتق والمصدر ـ بلا وضع لفظ له ـ يكون كل من اللابشرط وبشرط لا عرضيا بالنسبة اليه ، لوضوح كون خصوصية القسم عرضيا للجامع وان كان ذاتيا بالنسبة الى القسم.

وما ذكرنا جار في الجنس والمادة والفصل والصورة أيضا ، حيث انّ الجنس والفصل قد أخذا على نحو لازمه اتحاد كل مع الآخر والحمل عليه ؛ والصورة والمادة قد أخذتا على نحو لازمه مغايرة كل مع الآخر وعدم الحمل عليه ؛ فاللابشرطية في الاولين وبشرط اللائية في الآخرين لازمان لذات المفهوم. نعم يكونان عرضيين بالنسبة الى ما يتصوره العقل جامعا بين مفهوم الجنس والمادة وبين مفهوم الفصل والصورة.

اذا عرفت ما ذكرنا فقد ظهر سقوط ما أورده الفصول (١) على أهل المعقول ، من الفرق بين المبدأ والمشتق بأخذ الاول بشرط لا والثاني لا بشرط مع عدم صحة حمل المصدر على الذات وان اخذ لا بشرط. [ و ] وجهه أنه : انما يرد بناء على كون قيد كل منهما عرضيا كما هو أحد الاصطلاحين في هذين اللفظين ، لا ذاتيا كما هو الاصطلاح الآخر فيهما.

ثم انّ اللابشرط وبشرط لا أمران اضافيان فتارة : يكون الشيء لا بشرط

__________________

(١) الفصول الغروية : ٦٢ السطر ٢ ـ ١٨.

١٣٩

بالنسبة الى شيء وان كان بشرط لا بالقياس الى شيء آخر ، وكذلك العكس كما فيما نحن فيه ، حيث انّ المشتق يكون لا بشرط بالقياس الى الذات وان كان بشرط لا بالنسبة الى سائر الخصوصيات الموجودة في ضمن سائر المشتقات ، فلا يرد جريان معناه في ضمن غيره أو صحة حمل المشتق الفعلي على الذات أيضا ، وهو واضح البطلان ، حيث انّ المادة بشرط لا في ضمن الافعال بالنسبة الى الذات أيضا.

١٠١ ـ قوله : « الثالث : ملاك الحمل كما أشرنا اليه هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر ». (١)

لا يخفى انّ الاتحاد بين الشيئين لا يتحقق إلاّ بوحدة بينهما من وجه في موطن الحمل من خارج أو ذهن ، ومغايرة بينهما من وجه في موطن الذهن بحيث تكون المغايرة بينهما واقعيا ولو اعتبارا ، غاية الامر يكون الذهن مجرد الموطن لها لا انّه يفرضها بلا واقعية لها أصلا كما يظهر من صدر كلام الفصول (٢) في هذا المقام.

ثم انّ الاتحاد :

تارة : يكون ماهية ووجودا مع كون المغايرة بالاجمال والتفصيل كما بين الحد والمحدود ، أو بأخفى من ذلك كما في قولك : « هذا زيد » و « الانسان انسان ».

بمعنى أن يلاحظ العقل في الموضوع المصداق وفي المحمول المفهوم ، وانّه لا يفقد ماهية نفسه ، في قبال تجويز فقدان الشيء نفسه عند الغفلة والذهول عن عدم امكان فقدان الشيء لنفسه.

واخرى : وجودا فقط في موطن الحمل ، كما في الحمل الشائع المتحقق بين

__________________

(١) كفاية الاصول : ٧٥ ؛ الحجرية ١ : ٤٤ للمتن و ١ : ٤٧ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) الفصول الغروية : ٦٢ السطر ٤ ـ ٦.

١٤٠