تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

ولو من أول المرحلة ، ويصير حينئذ من النقل التعييني لا التعيني بناء على ما عرفت من كفاية مثل هذا الاستعمال المقارن بمثل ذلك القصد في الوضع.

وامّا أن لا يختلف ، فيكون استعمالهم كالسابقة في ملاحظة التبعية للمعنى الحقيقي ، وعند ذلك كلما كثر الاستعمال في المعنى المجازي كثر ملاحظة المعنى الحقيقي معه أيضا ، قضية للتبعية ، فعند ذلك لا يوجب التساوي ما دامت تلك الملاحظة ، فضلا عن الترجيح ؛ إلاّ أن يهجر المعنى الحقيقي كي تنتفي التبعية بانتفاء الموضوع قهرا ؛ إلاّ أن يفرّق بين لحاظ المعنى من اللفظ وبين لحاظه مقارنا لاستعماله في معنى آخر ، بالمنع عن تحقق النقل في الاول دون الثاني.

ومما ذكرنا ظهر الاشكال في وصول اللفظ الى حد الاشتراك اللفظي بالوضع التعييني ، فلا بد أن يكون مجازا مرجوحا بالنسبة الى الحقيقة ، أو منقولا اليه تعيينا.

١٢٧ ـ قوله : « المبحث الثالث : هل الجمل الخبرية .... ظاهرة في الوجوب أو لا ». (١)

والأولى تأخير هذا المبحث عن المبحث الرابع كما قررنا ذلك في الحاشية [ السابقة ].

ثم انّه يقع الكلام في انّ الجمل الخبرية الواقعة في مقام الطلب هل هي مستعملة فيه أو في أحد فرديه من الوجوب أو الندب أم لا؟ بل كانت مستعملة في نفس معانيه الحقيقية من النسبة الإخبارية حكاية ، غاية الامر بداعي اظهار الطلب بأحد قسميه.

والتحقيق : هو الوجه الثاني ، فانها كما قد استعملت في أصل معناها بداعي

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٢ ؛ الحجرية ١ : ٥٩ للمتن و ١ : ٥٩ للتعليقة.

١٨١

افادة فائدة الخبر تارة ، ولازمها اخرى ، وغيرهما ثالثة ، من التحسّر كما في قوله : « هواي مع الركب اليمانين مصعد » (١) ، والتألّم كما في قولك : « الهواء حار » ، والتلذذ كما في قولك لصاحبك : « هذا الطعام لذيذ » وغير ذلك من الدواعي ، فكذلك قد تكون مستعملة فيها بداعي اظهار المحبوبية بمرتبتها الشديدة كي يصير واجبا ، أو الضعيفة كي يصير ندبا.

وفائدة العدول ـ عن انشائها بصيغة الامر الى الإخبار عن وقوع المطلوب ـ بيان شدة محبوبية صدور الفعل من المخاطب ، أو انّه ممن كان لم يترك بمجرد علمه بالطلب الواقعي المعبر عنه بالشوق المؤكد عقلا ، لا على مجرد انشائها كي يرد بعدم ترتب الفائدة المطلوبة حينئذ.

وتوهم : لزوم الكذب في كلام الحكيم حيث كان المخاطب تاركا للفعل معصية.

مدفوع : بأنّ الصدق انما كان بالنسبة الى ما هو المقصود الاصلي من سوق الكلام ، وهو ليس في المقام إلاّ الطلب ، فهما يدوران مداره وجودا وعدما ، لا مدار تحقق الفعل من المخاطب كما في الكنايات بالنسبة الى الغرض الاصلي من مثل ( زيد جبان الكلب ) أو ( كثير الرماد ) أو بالنسبة الى الإخبار عن السخاوة. هذا مضافا الى تبادر معانيها الإخبارية منها ولو في هذا المقام.

هذا كله مع انّ استعمالها في مثله امّا بتصرف في هيئاتها كما في ( زيد يمشي ) مقام ( امش ) خطابا أو في مرادها كما في هذا المثال مقام ( زيد مطلوب المشي ) بادراج الطلب في الهيئة أو في المادة بعد كون الانشاء نحو استعمال اللفظ

__________________

(١) صدر بيت لجعفر بن علبة بن ربيعة الحارثي المتوفى ١٤٥ من مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية ومن شعراء الحماسة لابي تمام ؛ ( الاعلام ٢ : ١٢٥ ). والبيت بتمامه :

هواي مع الركب اليمانين مصعد

جنيب وجثماني بمكة موثق

١٨٢

كالإخبار ؛ ولا علاقة ظاهرة بين معنى المادة والهيئة بلا طلب وبينه معه كما لا يخفى.

ثم انّ هذه الجمل ، هل هي ظاهرة في كون الداعي لاستعمالها هو الوجوب؟ بملاحظة كونه أقرب الى معناها وهو الثبوت وأشد مناسبة بالنسبة اليه ، من حيث انّ اظهاره بالجمل الخبرية يكون حملا للمخاطب على الفعل بآكد وجه.

أو الطلب المطلق؟ لكونه المتيقن بعد قيام القرينة على انّ الداعي غير الإخبار الحقيقي ، وعدم دليل على التعيين أو الندب لكونه المتيقن من مرتبتي الطلب.

والتحقيق : ظهورها في الوجوب فيما لم تقم قرينة ، لما ذكرنا من شدة المناسبة ، فانّها وان لم تكن موجبة لانصراف اللفظ اليه وظهوره فيه بنفسها إلاّ انّها يكفي في التعيين والظهور بضميمة مقدمات الحكمة ، فتأمل.

وتوهم : انّ جريانها كان منحصرا في تعيين مدلول اللفظ ، لا في تعيين الداعي لاستعماله.

مدفوع : بعدم الفرق في جريانها عقلا بينه وبين الكل ما كان بالنسبة اليه في مقام البيان مثل هذه المناسبات ، غاية الامر يسمى هذا الاطلاق بالاطلاق المقامي ، لا اللفظي.

١٨٣

التعبدي والتوصلي

١٢٨ ـ قوله : « احداها : الوجوب التوصلي ... الخ » (١).

وهو كما يطلق على ما في المتن كذلك قد يطلق على مطلق الوجوب غير المقدمي ؛ وبين الاطلاقين عموم من وجه كما لا يخفى.

١٢٩ ـ قوله : « فانّ الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ». (٢)

ولا فرق بين كون الغرض معلوما أم لا ؛ كما انّ المعلومية ليس بشرط في التوصلي.

١٣٠ ـ قوله : « كان مما يعتبر في الطاعة عقلا ... الخ ». (٣)

فاذا دار الخطاب بين كونه للوجوب التوصلي ـ كي لا يحتاج في امتثاله الى قصد القربة ـ أو التعبدي كي يحتاج اليه فالتحقيق عدم جواز التمسك لاثباته بالاطلاق اللفظي. ويحتاج توضيحه الى تمهيد مقدمة وهي :

انّ بعض القيود مما يمكن أخذها في المأمور به وتقييده بها ، كأجزائه وشرائطه ؛ وبعضها مما لم يكن كذلك ، كالقيود الناشئة من ناحية الامر كقصد الامتثال والوجه وتميز المأمور به عن غيره.

[ و ] حينئذ فنقول : انّ اطلاق اللفظ بضميمة مقدمات الحكمة انما يثمر في

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٤ ؛ الحجرية ١ : ٦٠ للمتن و ١ : ٦٠ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٩٤ ؛ الحجرية ١ : ٦٠ للمتن و ١ : ٦٠ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٩٥ ؛ الحجرية ١ : ٦٠ للمتن و ١ : ٦٠ للتعليقة.

١٨٤

نفي القيود الراجعة الى المأمور به مما يمكن أخذها فيه ، دون ما كان من قبيل القسم الثاني مما لم يمكن أخذه فيه ، لانّ جواز التمسك بالاطلاق فرع امكان التقييد وإلاّ لكان اطلاقه لعدم امكانه وعدم تقييده ، لا لاجل كونه هو المراد كما هو واضح.

ودعوى : كفاية الاطلاق الذاتي ، بمعنى كون المأمور به مرسلا في مرتبة ذاته وطبيعته بالنسبة الى القيد في جواز التمسك بالاطلاق اللفظي ، نظير التمسك به لعدم تقييد موضوع الامارات بالعلم بحكمه الواقعي مع كونه غير قابل لتقييده بالعلم والجهل لفظا ، ولا وجه له إلاّ بكفاية اطلاقه الذاتي.

مدفوعة : بأنّ الاطلاق ذاتا بمعنى أخذ الطبيعة مجردة عنه أو الاهمال ذاتا أو التقييد ، كلها متضايفة يتوارد كل واحد على ما كان قابلا لورود الآخر عليه ، وإلاّ فلا يتصف بواحد منها ؛ وما نحن فيه لما لم يكن الاطلاق والتقييد بالنسبة اليه فلا يتصف [ بالطبيعية ] (١) أو المهملة ؛ كما انّ المقيس عليه أيضا كذلك بالنسبة الى العلم والجهل ، حيث ان أخذ القضية طبيعية ولا بشرط أن يكون بالنسبة الى ما كان في مرتبة الطبيعة من القيود والعلم وبحكمه الجهل به مما كانا متأخرين عنه بمرتبتين ، لتوقفهما عليه وعلى حكمه ثم تعلقهما عليه ، فأخذ القضية الطبيعية بالنسبة اليهما ليس في محله بل العلم والجهل مما يتوقفان عليهما عقلا.

نعم لما كانت المرتبة الثالثة من الحكم وهو الفعلية مما يمكن تقييده بالعلم بالمرتبة الانشائية شرعا ـ كما انّ التنجيز كذلك عقلا ـ ففي موارد الاصول يلتزم [ بعدم ] (٢) فعلية الواقعي ، للزوم اجتماع الفعليتين بدونه فيكشف فعلية حكمها عن تقييده فعلية الحكم الواقعي بما ذكر. نعم يجوز التمسك بعدم التقييد بالاطلاق

__________________

(١) في الاصل الحجري ( بالطبيعة ).

(٢) في الاصل الحجري ( بعد ).

١٨٥

المقالي بعد احراز كون المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في الفعلية ، دون اطلاق المادة لفظا كما في المقام. هذا كله من حيث الكبرى.

وامّا الصغرى : فبوجوه :

امّا اولا : فبأنّ التزام دخول قصد امتثال الامر بالصلاة في متعلق ذاك الامر يستلزم تعلقه بسائر الاجزاء وخروجه عن متعلقه ، وإلاّ لا معنى لامتثال الامر الصلاتي ، لعدم تعلق الامر بها ، وما يلزم من دخوله خروجه فهو محال.

وامّا ثانيا : فلعدم تمكّن المكلف عن اتيان الصلاة مع قصد الامتثال بداعي الامر المتعلق بالمجموع ، حيث انّه لم يتحقق قصد امتثال آخر بالنسبة الى الامر غير ذلك القصد ، وتعلقه بنفسه مما لم يكن كما لا يخفى ، وذات الصلاة مما لم يتعلق أمر بها ، فكيف يقصد امتثال أمرها؟

و [ أمّا ] ثالثا : [ فبلزوم ] (١) الخلف ، حيث انّ معنى قصد امتثال الامر الصلاتي تعلقه بنفس الصلاة وحدها ، لا بهما مقيدة بغيرها ، فيلزم من فرض كون هذا القيد داخلا في متعلق الامر خروجه عنه ، وهو خلف فهو محال.

و [ أمّا ] رابعا : [ فبأنّ ] (٢) قصد الامتثال من دواعي أمر المولى ، لانّ الغرض منه احداث الداعي للعبد ، والغرض الباعث للامر بشيء لا يمكن أن يدخل في موضوعه ، لاستلزامه تعلق الامر بالارادة ، لانّ الداعي عبارة عن الارادة الخاصة ، وهو محال كما سيظهر.

لا يقال : انّ ما ذكرت من امتناع دخول قصد الامتثال في [ متعلق ] (٣) الامر انما هو بالنسبة الى الامر النفسي ، وامّا الامر الغيري بالصلاة الناشئ من تعلق الامر

__________________

(١) في الاصل الحجري ( بلزوم ).

(٢) في الاصل الحجري ( انّ ).

(٣) في الاصل الحجري ( تعلق ).

١٨٦

النفسي المتعلق بالمجموع منها ومن قصد الامتثال فلا يستلزم الخلف كما هو واضح ، لانّ قصد امتثال الامر الغيري بالصلاة لا يستلزم تعلق النفسي بها ولا كون المكلف ممن لا يقدر على الامتثال ، لعدم اشتراط القدرة السابقة ، وامّا حين الامتثال فهي حاصلة حيث انّه وان لم يتحقق أمر غيري بالنسبة الى الصلاة وقبل تعلق الامر النفسي بالمجموع ، إلاّ انّه بعد تحققه حين الامتثال واجتماع الشرائط يكون فعليا ، فيقصد امتثاله كما لا يخفى.

لأنه نقول : مضافا الى استلزامه الدور ـ لتوقف الامر الغيري على النفسي فكيف يؤخذ قصد امتثاله في متعلقه ـ والى عدم كون المقدمات الداخلية متعلقة للامر الغيري ، والى عدم كون الامر الغيري مناطا للثواب والعقاب ؛ انّه يصح بناء على كون قصد الامتثال جزءا للمأمور به كي يتعلق الامر بالجزء الآخر ، وامّا على تقدير كون ذلك قيدا له فلا ، لما سيأتي من عدم تعلق الامر الغيري بالاجزاء العقلية.

ولا يخفى انّ امتثال الامر بمعنى الداعي ـ كما هو محل النزاع ـ لما كان من [ خصوصيته ] (١) ارادة الفعل التي [ هي ] من مقدمات الاختيار الذي لا بد منه في تعلق التكليف بالفعل الاختياري [ فلا ] (٢) اشكال في كونها شرطا في المأمور به لا جزءا ، لوضوح عدم كونها نظير الاجزاء الخارجية في كون كل منها موجودا بوجود على حدة ، بل [ هي ] من الاجزاء التحليلية التي ليس المقيد بها في الخارج إلاّ نحو خاص بحيث يعدّ وجوده بلا قيد مباينا لوجوده معه ، لا نفسه أو مثله.

اذا عرفت ما ذكرنا ـ من كونه بناء على الاعتبار من الشروط لا الاجزاء ، وانّ

__________________

(١) في الاصل الحجري ( خصوصية ).

(٢) في الاصل الحجري ( لا ).

١٨٧

وجود المشروط بدونه يعدّ مباينا لوجوده معه ـ تعلم عدم تعلق الامر الغيري بالاجزاء العقلية ، بل انما يتعلق بالاجزاء الخارجية التي كان وجود كل بدون الآخر غير وجوده معه ـ كما سيأتي توضيحه في مقدمة الواجب ان شاء الله تعالى ـ فاذا لم تكن الصلاة المقيدة بقصد الامتثال متعلقة للامر النفسي ولا الامر الغيري فلا مجال لقصد امتثاله.

ان قلت : لا مانع من قصد القربة في بعض الاجزاء بالنسبة الى الامر النفسي المتعلق بالمجموع منه ومن الاجزاء الأخر ـ وان لم يقصد القربة ببعضها الآخر غفلة أو من باب عدم التمكّن رأسا ـ فيمكن قصد القربة بالصلاة مثلا وان لم يكن بالأجزاء الأخر ، بلا استلزام خلف من خروجه عن متعلقه واختصاصه بسائر الاجزاء ، ولا عدم التمكن ، لعدم تعلق قصد الامتثال بنفسه ، فلا مانع عن دخوله في متعلق الامر.

قلت : مضافا الى خروجه عن محل النزاع أيضا لكونه فيما كان المأتي به بقصد الامتثال مأمورا بالامر النفسي وحده حقيقة لا في ضمنه بالعرض والمجاز ، كما في المفروض انّه مبتن على اعتبار كل من الصلاة وقصد الامتثال جزءا للمأمور به ، وعرفت عدم جزئيته الخارجية ، بل بناء على اعتباره من الاجزاء العقلية ، مع انّه على تقدير جزئيته يلزم استحقاق المثوبة بالنسبة الى بعض اجزاء الواجب التعبدي دون الآخر وهو كما ترى ، فلا يصح ذلك ولو بناء على فرض [ كون ] الداعي طبيعته ؛ يكتفي فيه بوقوع بعض اجزاء الواجب بالداعي ولو بلحاظ الامر الضمني كما توهم. مضافا الى لزوم كون بعض اجزاء الواجب غير اختياري وهو قصد الامتثال ، لكونه من خصوصيات الارادة ، وحقق في محله انّ الارادة ليست بالاختيار.

هذا كله من باب المماشاة ، وإلاّ فمن الواضح كون حال الواجب التعبدي

١٨٨

حال التوصلي في خروج قصد القربة عن متعلق الامر واعتباره في مقام الاطاعة ، لاستحقاق المثوبة ؛ إلاّ أنّ الفرق اعتباره في رفع العقوبة أيضا في التعبدي دون التوصلي.

ومما ذكرنا في اعتبار قصد الامتثال في متعلق الامر ـ من استلزامه الخلف وعدم التمكن عن الامتثال لو اريد قصد الامتثال بالنسبة الى الامر النفسي الحقيقي لا الامر الغيري والامر النفسي المستند الى بعض الاجزاء بالعرض ـ تعرف حال قصد الوجه وتميز المأمور به عن غيره ، بل كل ما ينشأ من قبيل الامر لو اريد اعتبارها في متعلقه.

١٣١ ـ قوله : « ضرورة أنّه وان كان تصورها كذلك ... الخ ». (١)

وفيه : انّ لحاظ الامر وكلّما ينشأ من قبله لا يمكن في لحاظ الموضوع إلاّ بنحو القضية الطبيعية فلا يصح التسليم بنحو الاطلاق ؛ مع انّ القضية الطبيعية لا تجدي فيما نحن فيه لانّه يثمر فيما اذا تحقق بسبب الحكم فرد من الموضوع حقيقة حتى يسري الحكم اليه أيضا كما في كل خبريّ صادق.

وامّا في المقام فلا يحدث أمر بالنسبة الى ذات العمل حتى يقصد امتثاله ، وعلى فرض تصور الامر بالنسبة اليه خرج قصد الامتثال عن كونه قيدا للمأمور به.

ومن هنا يظهر عدم امكان أخذ طبيعة القربى أيضا.

١٣٢ ـ قوله : « قلت : مع امتناع اعتباره كذلك ... الخ ». (٢)

وجهه : مضافا الى ما ذكره في المتن ، ما عرفت من انّ الفعل الاختياري ـ مع الاختيار المتعلق به بأنحاء وجوده ـ واحد بسيط غير منحل الى وجودين حتى يكون الاختيار جزءا آخر في قباله ، ولا بد في الاجزاء الخارجية من تعدد الوجود

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٥ ؛ الحجرية ١ : ٦٣ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٩٦ ؛ الحجرية ١ : ٦٣ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ١ للتعليقة.

١٨٩

كما لا يخفى.

١٣٣ ـ قوله : « في ضمن اتيانه بهذا الداعي ... الخ ». (١)

فان قلت : يؤتى بها بداعي أمرها الغيري.

قلت : قد عرفت انّ المقدمات الداخلية ليست متعلقة للامر الغيري ، وانّ الامر الغيري ليس مناطا للعبادية والثواب والعقاب ، وانما المناط فيها هو النفسي.

١٣٤ ـ قوله : « ولا يكاد يمكن الاتيان بالمركب ... الخ ». (٢)

لعدم كون قصد الامتثال مقصودا بنفسه ولا بقصد آخر ، وما عداه بعض الواجب لا تمامه ، والامر بالكل لا يصير داعيا الى البعض عند عدم كونه داعيا الى البعض الآخر ؛ وعدم صحة التفكيك من حيث التعبدية والتوصلية.

١٣٥ ـ قوله : « قلت : مضافا الى القطع ... الخ ». (٣)

أقول : مضافا الى ما في المتن ، يلزم دوران المثوبة مدار الامر الاول والعقوبة على مخالفة الامر الثاني لا الاول ، والحال أنهما توأمان متلازمان في الترتب ، فتدبر جيدا.

١٣٦ ـ قوله : « لاستقلال العقل مع عدم حصول غرض الآمر ... الخ ». (٤)

لا يقال : يستكشف الامر الثاني من حكم العقل بالملازمة بين حكمه وبين حكم الشرع.

لأنّا نقول : انّ الملازمة انما هو فيما كان ملاك الحكم المولوي للشارع موجودا في البين من ايراثه العقوبة والمثوبة على المخالفة والموافقة ، لا في مثل ما

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٦ ؛ الحجرية ١ : ٦٣ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٩٦ ؛ الحجرية ١ : ٦٣ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ١ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٩٦ ؛ الحجرية ١ : ٦٣ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ١ للتعليقة.

(٤) كفاية الاصول : ٩٧ ؛ الحجرية ١ : ٦٤ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ١ للتعليقة.

١٩٠

نحن فيه الذي كان كل منهما موجودا فيه بالامر الاول ، بلا حاجة الى أمر مولوي آخر.

نعم لا بأس بالامر الارشادي على طبق العقل ، وانما النزاع في المولوي الجدي.

١٣٧ ـ قوله : « إلاّ أنّه غير معتبر فيه قطعا ... الخ ». (١)

توضيحه : انّه لو كان التقرب بأحد هذه المعاني قيدا للمأمور به لما كان ذات العمل مأمورا به ، فاتيانه بداعي أمره لا يصح ، لعدم الامر به حتى يقصد امتثاله ، فمن صحته قطعا واجماعا يستكشف عدم أخذ واحد منها فيه.

١٣٨ ـ قوله : « فلا مجال للاستدلال باطلاقه ... الخ ». (٢)

حيث انّه يصح التمسك بالاطلاق فيما لو كان مراد المتكلم القيد [ ليمكن ] (٣) التقييد ، لا فيما لم يكن ، لاحتمال انّ الاطلاق حينئذ لعدم امكان التقييد ولو كان هو المراد ، لا لكون المراد هو الاطلاق كما عرفت.

١٣٩ ـ قوله : « فاعلم انّه لا مجال هاهنا إلاّ لاصالة الاشتغال ». (٤)

فلا تجري البراءة العقلية ، لكونها متوقفة على عدم تمامية البيان كي يحكم بقبح العقاب بدونه ، وما نحن فيه مما قامت عليه الحجة ونهضت عليه البينة وهو العلم باشتغال الذمة بالامر المعلوم المتعلق بالمأمور به المعيّن جزءا أو شرطا ، مع حكم العقل القطعي بلزوم اسقاطه واطاعته ، فمع الشك ـ في فراغ الذمة عن ذلك الامر المعلوم باتيان متعلق ما بدون داعي ذلك الامر ـ لا بد من قصد الامتثال

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٧ ؛ الحجرية ١ : ٦٤ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٩٧ ؛ الحجرية ١ : ٦٤ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( لأمكن ).

(٤) كفاية الاصول : ٩٨ ؛ الحجرية ١ : ٦٤ للمتن و ١ : ٦٢ العمود ٢ للتعليقة.

١٩١

تحصيلا للقطع بالبراءة بحكم العقل.

فان قلت : انّ الاشتغال بالامر وان كان معلوما ـ وكذا حكم العقل باطاعته ـ إلاّ أنّ تعيين كيفيتها دائر مدار تعيين الغرض [ من ] (١) ذلك الامر ، فمع الشك في تعلقه بأزيد من اتيان نفس المأمور به يكون مدخلية قصد الامتثال مشكوكا ، فالعقاب عليه بالاخلال به يكون بلا بيان.

قلت :

أولا : انّ المناط في الاشتغال وتمامية البيان هو العلم بنفس التكليف شرعا أو عقلا ، مع حكم العقل بلزوم اطاعة شخص الامر المعلوم بمتعلقه لا العلم بملاكه ، فتحصيل البراءة القطعية عنه يكون لازما عقلا.

وثانيا : على تقدير ارجاع الامر الى ملاك الامر نقول : انّ الملاك ـ وهو الغرض الداعي الى الامر ـ بسيط ، نظير ازالة الصفراء في أمر الطبيب بشرب الدواء وان لم يكن شخصه معلوما تفصيلا في الاوامر الشرعية ، فبعد العلم بمثل ذلك الغرض البسيط المتعلق بشخص الامر وانّ الامر لا يسقط بدون تحصيله ـ لاستحالة تخلف المعلول عن علته ـ لا بد عقلا من تحصيل شخص الغرض [ من ] (٢) هذا الامر بالقطع ، كي يحصل القطع بسقوطه.

ومع دوران تحصيله بين الامرين ـ ولو كانا من قبيل الاقل والاكثر ـ لا اشكال عقلا في لزوم الاحتياط كي يتيقن معه تحصيله ، كما في جميع موارد الشك في المحصل ولو كان بالنسبة الى المأمور به ، فضلا عن الغرض.

مضافا الى دورانه بين المتباينين فيما نحن فيه ، لكون اتيان المأمور به بداعي الامر واتيانه بدونه نحوين من الوجودين ، لا يكون أحدهما جزءا من

__________________

(١) في الاصل الحجري ( عن ).

(٢) في الاصل الحجري ( عن ).

١٩٢

الآخر كي يكونا من قبيل الاقل والاكثر ، ولا خلاف في لزوم الاحتياط في المتباينين.

ولا يخفى انّ ما ذكرنا من وجوب الاحتياط ـ فيما لو رجع الشك في المحصل للغرض ـ مما لا خلاف فيه ، ولذلك يظهر من شيخنا العلاّمة قدس‌سره في مبحث الاشتغال (١) في مسألة اجراء البراءة العقلية ـ في الاقل والاكثر ـ في الاجزاء المأمور بها انّه من المسلّميات ، حيث انّه بعد ما اختار البراءة عن الزائد عقلا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان أورد على نفسه بابتناء الاحكام الفرعية على مصالح وأغراض في المأمور به وبحسب تحصيلها بحكم العقل ، ولا يتأتّى إلاّ باتيان الاكثر.

وأجاب :

تارة : بمنع الابتناء ، باختيار مذهب الاشعري في تلك المسألة في الاجزاء.

واخرى : بعدم التمكن من تحصيل الغرض ولو على اتيان الاكثر ، للاخلال بقصد الوجه أو قصد التميز المعتبر بتصريح بعض القائلين بتبعية الاحكام للمصالح ، فيختار البراءة من تلك الجهة.

مضافا الى عدم البيان بالنسبة الى الجزء.

ولم يظهر منه قدس‌سره عدم لزوم تحصيل الغرض على تقدير التمكن ، ولو احتمالا.

وامّا البراءة النقلية فلا مجرى لها في المقام أصلا ، حيث انّ أدلتها من حيث الرفع وغيره الواردة في مقام الامتنان انما تجري فيما كان قابلا للوضع والرفع ، نظير جريان أدلة الاستصحاب فيما كان كذلك دون ما لم يكن كذلك في كليهما ؛ ومن

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٣١٩ ـ ٣٢٠.

١٩٣

المعلوم انّ قصد الامتثال لما كان من كيفيات الاطاعة التي استقل العقل بلزومها وعدمه ـ على حسب استكشاف المصالح في الامر ولا تنالها يد الشرع نفيا واثباتا كنفس الاطاعة ـ فلا يكون منفيا بالبراءة النقلية.

مضافا الى مساوقة تصرف الشارع فيه تصرفه في الغرض ، مع انّه لا شبهة في عدم قبوله للجعل تشريعا وان كان كذلك تكوينا.

فان قلت : ما ذكرت ـ من عدم قابلية كيفية الاطاعة من قصد الامتثال وغيره للجعل لرجوعه الى التصرف في الغرض شرعا ـ ينافي اجراء البراءة في الاجزاء وشرائط المأمور به ، لدخلها في حصول الغرض منه ، فيكون نفي جزئيتها وشرطيتها مستلزما لرفع الغرض المتعلق بتمام المركب ، وإلاّ فيلزم تخلف المعلول عن علته.

قلت : انّ المرفوع في تلك المسألة نفس الاحكام الوضعية من الجزئية والشرطية ، حيث انّهما ـ كما قرر في محله ـ كالاحكام التكليفية مما تنالها يد الجعل من الشرع و [ لو ] بالواسطة ، فيكون حديث الرفع ـ بناء على عمومه ـ لجميع الآثار ، إلاّ على عدم الجزئية في صورة النسيان وغيره ـ كما دل الدليل الاجتهادي عليه مطلقا أو في تلك الصور ـ ويكون حاكما على دليل الجزئية ومقدما عليه ، ويكون الحكم الفعلي للمركب متعلقا بغير المرفوع.

ويستكشف إنّا انّ الغرض المتعلق بالمجموع كان على نحو الاقتضاء كالحكم المتعلق به ، لامتناع اجتماع المتضادين من الاحكام في المرتبة الفعلية ؛ أو انّ ذلك الغرض يحصل من المركب الناقص أيضا ؛ لا انّ فعلية ذلك الغرض قد رفعت بحديث الرفع ولو بالواسطة كي يورد : انّه مما لا تناله يد التصرف.

١٩٤

فالحاصل : ان ليس فيما نحن فيه ما يقبل الجعل من البدء الى الختم [ في ] (١) كيفية الاطاعة والغرض ، بخلاف تلك المسألة ، كالحكم الوضعي بلا تصرف في الغرض ـ ولو بالواسطة كما عرفت ـ بعد احراز كون الشارع في مورد من الموارد بصدد بيان تمام ما له دخل في غرضه ومع ذلك قد سكت عن المشكوك.

ويومي اليه ما عن شيخنا العلاّمة في مقدمات الانسداد في الجواب عن من أورد على الاحتياط بمخالفته للاحتياط ، لاستلزامه الاخلال بقصد الوجه من قوله :

« وفيه : أولا : انّ معرفة الوجه مما يمكن ـ للمتأمل في الادلة [ و ] في اطلاقات العبادة وفي سيرة المسلمين و [ في ] سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام مع الناس ـ الجزم بعدم اعتباره حتى مع التمكن من المعرفة العلمية ... الخ » (٢) لوضوح عدم ارادته الاطلاق اللفظي لما عرفت.

ولما ذكره الشيخ قدس‌سره ـ في العلم الاجمالي في عدم وجوب الاحتياط بالتكرار وغيره ـ بمنافاته لقصد التميز بقوله :

« مع امكان أن يقال : انّه اذا شك ـ بعد القطع بكون داعي الامر هو التعبد [ بالمأمور به ، لا حصوله بأيّ وجه اتفق ـ في ان الداعي هو التعبد ] (٣) بايجاده ولو في ضمن أمرين أو أزيد ، أو التعبد بخصوصه متميزا عن غيره ، [ فالاصل ] (٤) عدم سقوط الغرض الداعي إلاّ بالثاني ، وهذا ليس تقييدا في دليل

__________________

(١) في الاصل الحجري ( و).

(٢) فرائد الاصول ١ : ٤١٧.

(٣) في الاصل الحجري ( و) ، وقد صححناه من فرائد الاصول.

(٤) في الاصل الحجري ( ان الاصل ).

١٩٥

تلك العبادة حتى [ يدفع ] (١) باطلاقه ... الخ » (٢) وهو وان كان منافيا لمذهبه [ من ] (٣) اعتبار قصد التميز إلاّ أنه كان مجديا في المقام كما لا يخفى.

نعم لو لم يحرز كونه بصدد جميع ما له دخل في تحصيل غرضه في مورد لا وجه للتمسك بالاطلاق المذكور.

١٤٠ ـ قوله : « نعم يمكن أن يقال : انّ كل ما ربّما يحتمل بدوا دخله في الامتثال ». (٤)

حيث انّه لا التفات اليه غالبا كي يستقلّ العقل باتيانه ، من جهة لزوم تحصيل البراءة اليقينية عن الاشتغال اليقيني كما عرفت ، ولو بيّنوا ، لنقل ، لتوفر الدواعي اليه كما هو واضح ، ثم يحصل القطع بضميمة تلك المقدمة للملتفت أيضا بعدم دخله.

والفرق بينه وبين غير الملتفت مما يقطع بعدمه في مثله.

١٤١ ـ قوله : « المبحث السادس : قضية اطلاق الصيغة ... الخ ». (٥)

توضيحه : انّه لا اشكال في حمل الخطاب على الواجب المطلق النفسي التعييني العيني [ فيما ] (٦) لو دار الامر بين كل من هذه القيود ومقابله : من المشروط والغيري والتخييري والكفائي ، حيث أشرنا سابقا انّه لو لم يمكن ارادة القدر المشترك ـ كما في المقام ـ ودار الامر بين فردين : يكون بيان أحدهما بعدم ذكر قيد الآخر في مقام الاثبات بأن لم يحتج الى بيان مئونة قيد في التعبير دون الآخر ، وان لم يكن كذلك في مقام الثبوت لكونهما فردين من المطلق المتخصص

__________________

(١) في الاصل الحجري ( يرفع ).

(٢) فرائد الاصول ١ : ٧٥.

(٣) في الاصل الحجري ( عن ).

(٤) كفاية الاصول : ٩٨ ؛ الحجرية ١ : ٦٥ للمتن و ١ : ٦٤ للتعليقة.

(٥) كفاية الاصول : ٩٩ ؛ الحجرية ١ : ٦٥ للمتن و ١ : ٦٥ للتعليقة.

(٦) في الاصل الحجري ( فما ).

١٩٦

كل واحد بخصوصية لم تكن في الآخر ؛ يكون المتعيّن الحمل على ذلك الفرد ـ دون الآخر ـ بضميمة مقدمات الحكمة.

والواجب المذكور بالنسبة الى القيود المذكورة كذلك ، حيث انّ عدم ذكر قيد للمقابلات من الشرط ووجوب الغير وذكر البدل واسقاطه بفعل الغير ، يكفي بيانا دون العكس ، فيكون مع مقابلاتها نظير المطلق في تعيينه بمقدمات الحكمة وان لم يكن من ذلك الباب ، لعدم كون الآخر من أقسامه كما كان المقيد بالنسبة الى المطلق كذلك كما لا يخفى. نعم لا يبعد أن يكون متعلقها من حيث عمومه الحالي في أحدهما ـ دون الآخر ـ من قبيل المطلق والمقيد ، فتدبر.

ثم انّ نقض الغرض الجاري في المقام أعم من تأخير البيان عن وقت الحاجة الموجب لترك أصل المكلف به في الواقع ، ومن ترك بيان ما هو مقصود المتكلم واقعا لو كان في ذلك المقام تبرعا ، فلا يرد بعدم نقض الغرض في البين لو كان المراد في المقام واحدا من هذه المتقابلات كما لا يخفى.

١٤٢ ـ قوله : « فالحكمة تقتضي كونه مطلقا ... الخ ». (١)

بل يمكن أن يقال : بعدم الحاجة الى مقدمات الحكمة بعد تعارف التعبير عن الواجب المطلق عرفا بالصيغة المجردة عن القيود ، فكأنها عبارة عنها وضعا بلا مئونة ، فتدبر.

١٤٣ ـ قوله : « المبحث السابع : انّه اختلف القائلون بظهور صيغة الامر في الوجوب ». (٢)

بيانه : انّه ـ بعد ثبوت دلالة الصيغة على الوجوب وضعا أو من باب الانصراف بأحد الوجوه المتقدمة ـ هل وجدت في مورد قرينة عامة توجب

__________________

(١) كفاية الاصول : ٩٩ ؛ الحجرية ١ : ٦٥ للمتن و ١ : ٦٥ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٩٩ ؛ الحجرية ١ : ٦٥ للمتن و ١ : ٦٦ للتعليقة.

١٩٧

انصرافها عن ذاك الظهور ، سواء أوجبت تعينها في معنى خاص أو صارت مجملة بعد عدم انعقاد ظهورها في المعنى الاول أو لا؟ بل تدور مدار خصوصية القرائن حسب اختلافها باختلاف الموارد.

ومن جملة ما ادّعي كونه قرينة عامة : وقوع الامر عقيب الحظر أو ظنه أو وهمه فقد اختلف في دلالته على الوجوب أو الندب أو الاباحة ، أو التفصيل بين ما كان الحكم السابق على النهي هو الوجوب أو الندب أو الاباحة ، أو التفصيل (١) بين ما كان الحكم السابق على النهي هو الوجوب أو الندب فيرجع اليه وبين ما لم يكن فإلى الاباحة ، وغير ذلك من التفصيل.

ومرجع الاختلاف بين الوجوب وغيره الاختلاف في قرينية الموجود وهو وقوع الامر عقيب الحظر بعد قابليته لصرف اللفظ عن الظهور وعدمه.

والظاهر عدم انعقاد الظهور مع جميع القرائن المتصلة المشكوك كونها قرينة فلا تجري أصالة عدم القرينة ، لعدم جريانها فيما لم يحرز الظهور ، مع انّ المتيقن في مواردها الشك في وجود القرينة فقط. نعم لو كان المتيقن من الامر الواقع عقيب الحظر الطلب المشترك بين الوجوب والندب ـ كما في الامر بالصلاة والصوم ـ فلا يبعد اثبات الوجوب تمسكا بمقدمات الحكمة كما لو لم يكن حظر سابقا.

وتوهم : كون المتيقن هو الندب ، مدفوع : بعدم كونه مرادا في ضمن الوجوب ، [ فلم ] (٢) يتيقن ارادته على كل حال كما في المتيقن في الموارد الأخر والقدر المشترك بينه وبين الوجوب مما لم يمكن ارادته في الطلب الخارجي كما لا يخفى.

__________________

(١) كما ذهب اليه الفصول : ٧٠ السطر ٢٧ ـ ٢٩.

(٢) في الاصل الحجري ( فكم ).

١٩٨

وامّا اذا لم يكن كذلك كما في قوله تعالى : ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا ) (١) [ و ] ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا ) (٢) [ و ] ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ ) (٣) وغير ذلك فالظاهر صيرورته مجملا بين غير الحرمة من الاحكام فيما لم تكن قرينة خاصة كما كانت في أكثر الموارد.

وامّا اثبات الاباحة بمقدمات الحكمة من جهة كونها القدر المتيقن في كل حال ، ولغلبة ارادتها من ذاك الامر ، ففيه :

انّه فرد خاص مباين للافراد الأخر ، غير متيقن الارادة على كل حال كما لا يخفى. والاجمال في المقام لا ينافي كون المتكلم في مقام البيان ، إذ الاجمال المنافي هو الاجمال في أصل الخطاب الناشئ من قبل الشارع ، لا الطارئ من جهة عدم العلم بما وضع له اللفظ والقرينة بما كانا ظاهرين فيه عرفا كما لا يخفى.

والغلبة المدعاة في الفصول (٤) بالنسبة الى ما ذكر من التفصيل ، فيه : انّه ـ بعد استخراج ما يستفاد بواسطة الاحتفاف بالقرائن الشخصية في الموارد الخاصة ـ لا يبقى غالب يستفاد منه ظهور الامر في شيء كما لا يخفى.

__________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) سورة الجمعة : ١٠.

(٣) سورة البقرة : ٢٢٢.

(٤) الفصول الغروية : ٧٠ السطر ٣٠ ـ ٣١.

١٩٩

المرة والتكرار

١٤٤ ـ قوله : « ثم لا يذهب عليك انّ الاتفاق على انّ المصدر ... الخ ». (١)

اشارة الى ما في الفصول (٢) حيث انّه جعل النزاع في الهيئة دون المادة مستندا الى دعوى السكّاكي اتفاقهم على انّ المادة ـ وهو المصدر المجرد عن اللام والتنوين ـ موضوعة للماهية من حيث هي فلا يبقى مجال لجعل النزاع فيها.

وفيه : انّه على تقدير تسليم ثبوت الاتفاق في المصدر بدعوى السكّاكي ، لا يجدي في جعل النزاع في الهيئة ، لعدم كون المصدر مادة للمشتقات ، لكونه ذا هيئة مقابلة لها ليست بسائرة في غيرها كي يكون مادة لها ؛ كما انّ المعنى المصدري ذات خصوصية مباينة للمعاني الخاصة الاخرى ، ولا بد من كون المادة متحدة مع سائر الخصوصيات وسائرة فيها.

فظهر : انّ جعل المصدر مادة كسائر المشتقات ليس في محله ، فلا ملازمة بينه وبين مادة المشتقات ، فيمكن ملاحظة المرة أو التكرار بكل من تفسيريهما في معنى المادة بناء على مغايرة وضعها لوضع الهيئة أو مغايرة لحاظها للحاظها في الوضع الواحد ، لوجوب ملاحظة الموضوع والموضوع له بحدودهما سابقا على الوضع وان لم يندرجا في المعنى المصدري بالاتفاق.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٠ ؛ الحجرية ١ : ٦٦ للمتن و ١ : ٦٧ العمود ١ للتعليقة.

(٢) الفصول الغروية : ٧١ السطر ٢٢.

٢٠٠