تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

حرمة الخروج فراجع. (١)

قلت : انك بعد المراجعة الى الوجدان تعرف انّ الخروج لا يوجد فيه عنوان آخر غير انه الحركة الخاصة في الغصب ، ولا يفترق عن الانحاء الأخر منها في كون جميعها تصرفا في الغصب إلاّ في كونه أقل محذورا وقبحا منها ، فيحكم به ارشادا حفظا عن الوقوع في المحذور الأشد.

ومجرد انتزاع عنوان التخلص عما هو معلوم بحقيقته وواقعيته ـ ما ليس إلاّ نحوا من الحركة الغصبية أقل محذورا من غيره ـ لا يوجب اشتماله على المصلحة.

وقياس ما نحن فيه بشرب الخمر لحفظ النفس مع الفارق.

بيان الفرق : انّ شرب الخمر من مقدمات حفظ النفس ولعله كان منشأ لتوهم الحسن فيه مطلقا ؛ بخلاف الخروج فيما نحن فيه بالنسبة الى البقاء في الغصب دهرا الموجب لزيادة الوقوع في المفسدة فانّ النسبة بينهما هي المضادة ، حيث انه يدور الامر بعد الدخول فيه : بين التصرف فيه في زمان قليل بارتكاب الخروج بحيث لا يتحقق معه الكون في الغصب الموجود ولو في الآن الثاني ، وبينه في زمان كثير باختيار البقاء ؛ والنسبة بينهما هي المضادة بلا توقف لعدم أحدهما على وجود الآخر ، بل يتوقف على عدم ارادته الملازم مع ارادة الآخر فحينئذ يكون بين كل منهما مع عدم الآخر التلازم ، لعدم الثالث بينهما ، كما هو كذلك في كل متضادين لا ثالث لهما.

نعم لا بأس بالالتزام بتوقف الكون في خارج الدار ـ الملازم لترك البقاء فيها ـ على الخروج.

فعلى تقدير المقدمية يكون مقدمة لملازم الواجب لا لنفسه وهو ليس

__________________

(١) مطارح الانظار : ١٥٤ السطر ١٨ ـ ١٩ والطبعة الحديثة ١ : ٧١١.

٣٨١

بواجب إلاّ بالعرض ؛ فاذا لم يكن مقدمة للواجب فلا وجه [ لوجوبه ] (١) الغيري بوجوبه ، والفرض انه لا جهة اخرى موجبة لحسنه.

فاذا عرفت ذلك فظهر فساد القول بكونه مأمورا به فقط.

وعلى تقدير تسليم المقدمية ـ كالمقيس عليه وهو شرب الخمر بالنسبة الى حفظ النفس ـ يسري الوجوب الغيري اليه في صورة الانحصار بغير سوء الاختيار.

وامّا مع عدم الانحصار فكما فيما قبل الدخول ، حيث انّ الواجب هو الترك المقدور او لا ترك مع كفاية القدرة عليه ـ ولو بالواسطة ـ في صحة التكليف به ، بلا تفاوت في ناحية الواجب بين قبل الدخول وبعده حتى يكشف عن اختلاف الخروج المطلوب الترك قبله أو بعده أو معه اذا كان بسوء الاختيار ، فلا يصير واجبا لكونه منهيا عنه مع كونه مبغوضا سابقا ومبغوضا فقط لاحقا.

وحدّ المبغوضية مخالفة النهي الفعلي قبل الاضطرار ؛ ومن المعلوم انّ الفعل الذي به تحصل المخالفة والعصيان يكون مبغوضا عليه وان سقط عنه الخطاب ، لعدم الفائدة ، وحينئذ فلا يتوجه الامر الى المبغوض.

فان قلت : انّ أهمية المقدمة ـ وهو حفظ النفس مثلا ـ يقتضي محبوبية ما يتوقف عليه. وان أبيت عن كونه محبوبا ـ لعدم تعلقه بالمبغوض ـ فلا أقل من تعلق الطلب به ، لعدم انفكاك طلب ذي المقدمة من طلبها عند عدم النهي الفعلي عنها ، لفرض سقوطه بانحصار الطريق الى ذي المقدمة بها ، ولو بسوء الاختيار.

قلت : مجرد عدم النهي الفعلي لا يكفي في تعلق الامر ، بل لا بد فيه من عدم المبغوضية ، بل من المحبوبية ؛ والمقدمة اذا كانت مبغوضة لا يتعلق الحبّ ـ ولو

__________________

(١) في الاصل الحجري ( بوجوبه ).

٣٨٢

غيريا ـ بها ، وإلاّ فلو كان مجرد الصلاح كافيا في تعلق الامر بها لكان كذلك في غير صورة الانحصار أيضا ، وليس كذلك ؛ ولا الطلب ، لعدم تعلقه بما ليس فيه الحب. هذا ما أفاده الاستاذ قدس‌سره لبيان عدم تعلق الامر بالمبغوض.

ولكن التحقيق : صحة الطلب به بعد الوقوع فيه ولو بسوء الاختيار ، مع دوران الامر بين ما فيه المفسدة الصرفة وبين ما فيه تلك المصلحة ، كما لو دار الامر في الحركة في الدار الغصبي بين الغصب المحض وبين الغصب المتوصل الى واجب آخر مشتمل على المصلحة ، فانّ العقل في هذه الصورة يلزم المكلف الى اختيار هذا الفرد بالنسبة الى غيره ـ وكذا الشرع ـ مولويا من باب الملازمة ؛ ولا يلزم في الامر المولوي أن يكون بملاك المحبوبية الموجبة ، بل يكفي تخفيف المبغوضية الموجب لتخفيف العقوبة. وهذا في التوصليات غير المتوقف صلاحها على قصد القربة لا اشكال فيه.

وامّا العبادات فلا يخلو عن اشكال من حيث توقف صلاحها على قصد القربة المتوقف على محبوبيته ، غير المجتمع مع المبغوضية أصلا.

ولكن التحقيق : فيه أيضا ذلك : لانّ غاية الامر توقف صلاح العبادات على الاتيان بداع الهي ، وهو كما يحصل بفعل المحبوب كذلك يحصل بما يوجب تخفيف العقوبة ، حيث انه يمكن اختيار الفرد الذي يحصل به التخفيف بداع النهي به. نعم لو لم يكف في حصول الغرض من العبادات الفعلي مجرد التخفيف بل لا بد فيه من الاتيان بما يوجب القرب ليس إلاّ ، فيشكل ما ذكرنا فتدبر.

ثم على تقدير عدم الامر بالمقدمة فهل الامر بذي المقدمة باق في صورة الانحصار بالحرام بسوء الاختيار ، أم لا؟

الذي اختاره الاستاذ هو الثاني ، لعدم شرط الامر وهو القدرة على المكلف به شرعا وعقلا ؛ ومن المعلوم انه مع البغض ـ على طريقه المنحصر ـ يكون ممتنع

٣٨٣

الوصول اليه شرعا ، والامتناع الشرعي كالامتناع العقلي فلا يتوجه اليه الامر ، إلاّ أن تكون المقدمة المنحصرة مضطرا اليها بحيث خرجت عن الاختيار كالالقاء عن شاهق الواقع في طريق حفظ النفس فانه لا مانع حينئذ من الامر به ، لكونه من قبيل ما لم يكن له مقدمة أصلا.

ولكن التحقيق : هو الاول ، وانّ مبغوضية المقدمة ـ بعد سقوط النهي عنها وحكم العقل بلزوم اتيانها على أي حال ـ لا تكون مانعا من الامر بذي المقدمة ، لعدم التحريك اليها من قبل الامر بذيها بعد وقوعها اضطرارا وارشادا الى حكم العقل ، ولا ملازمة تامة بين الامر بها والامر بذيها ، فملاك المولوية فيه باق على ما كان عليه قبل الانحصار ، وانما المانع النهي بالنسبة الى المقدمة ـ لقبح البعث الى الشيء مع الزجر عما يتوقف عليه بل استحالته ـ لا مجرد المبغوضية.

ثم انه على ما ذكرنا ـ من الالتزام بالامر بالنسبة الى الخروج المتوصل به الى ترك الغصب الزائد بعد سقوط النهي عنه بالدخول ـ فالأولى ما ذهب اليه في الفصول (١) من كونه مبغوضا ومعصية بالنسبة الى النهي السابق ومأمورا به في الحال.

لا من أجل :

انّ الخروج من نحوين للترك أحدهما قبل الدخول يتعلق به الطلب بلحاظ المفسدة في الفعل بلا مفسدة في تركه حينئذ ، وثانيهما بعد الدخول ويكون مما فيه المفسدة لتفويته الأهم فيكون فعله حينئذ مما فيه المصلحة باعتبار المقدمية مع اضمحلال المفسدة ويتعلق النهي فلا اجتماع في متعلق الامر والنهي لا بذاته ولا من حيث المصلحة والمفسدة لاختلاف المحل.

__________________

(١) الفصول الغروية : ١٣٨ السطر ٢٥.

٣٨٤

حتى يدفع : بأن تمايز التروك وتعددها بلحاظ تعدد الوجود وتمايزه وبدون التميز فيه لا وجه لملاحظة التعدد فيه كما في المقام ، حيث انّ الخروج الذي لا يكون بعد الدخول واحد أزلا وأبدا ؛ مع انّ المصلحة والمفسدة انما تكونان في الفعل ، فهو : امّا يكون مما فيه المصلحة أبدا فيكون محبوبا لا غير ، وامّا أن يكون مما فيه المفسدة كذلك فيكون مبغوضا لا غير.

بل لاجل ما ذكرنا : من اشتمال الفعل بذاته على المفسدة ، وبخصوصيته المقدّمي على المصلحة ؛ ولكن لما كان التكليف سابقا في المندوحة ـ من جهة تمكنه من التحرز عن المفسدة واحرازه للمصلحة بمقدمة اخرى ـ فكان الخروج منهيا عنه ، وبعد الدخول مضطرا الى المفسدة فيؤثر مصلحته المقدمي في الامر ؛ وعرفت انّ أثره تخفيف العقوبة ؛ ولا تلزم المحبوبية في تعلق الامر ؛ ولا يرد عليه ما في المتن ، فتدبر.

٣٠١ ـ قوله : « وإلاّ لكانت الحرمة معلقة على ارادة المكلف ». (١)

يعني انه اذا اختار غير الدخول في الدار الغصبي يكون الخروج عنها حراما وامّا اذا اختاره فلا يكون محرّما ؛ والحال انّ التكليف لا بد أن يكون مطلقا حتى يصير داعيا الى الامتثال ، فلو كان طلب الترك فيما نحن فيه مثلا معلقا على حصول الترك بنفسه لكان من قبيل طلب الحاصل كما لا يخفى.

٣٠٢ ـ قوله : « لا انّه ما شرب الخمر فيها ». (٢)

مقصوده : انّ ترك الخروج عند ترك الدخول فيما نحن فيه وترك شرب الخمر عند ترك الوقوع في الهلكة ـ بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ـ يكون حاصلا بنفسه بلا استناد الى أحد ، ولا بد من كون المكلف به مستندا اليه حتى

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٠٥ ؛ الحجرية ١ : ١٤١ للمتن و ١ : ١٤٢ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٠٥ ؛ الحجرية ١ : ١٤١ للمتن و ١ : ١٤٢ العمود ٢ للتعليقة.

٣٨٥

يكون موردا للتكليف ، حتى لا يكون من قبيل طلب الحاصل كما لا يخفى.

فالخروج الذي يكون مستندا الى المكلف وجودا أو عدما انما يكون بعد الدخول ، ولا يكون حينئذ الاّ حسنا مأمورا به بلا سبق نهي بالنسبة اليه أصلا ، لانّ المانع على التقرير السابق هو المسبوقية به والمفروض عدمه ، فلا محذور في القول بكونه مأمورا به أزلا وأبدا. ولكن دفعه واضح كما في المتن.

٣٠٣ ـ قوله : « ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة ». (١)

هذا كله بعد تسليم كون الخروج مقدمة للتخلص عن الغصب كشرب الخمر بالنسبة الى حفظ النفس ؛ وقد عرفت الفرق بينهما : بأنّ نسبة الخروج مع البقاء ليس إلاّ نسبة المضادة ، بخلاف شرب الخمر فانه مقدمة للحفظ ، فلا يجري فيه حكم المقدمة كما يجري في الشرب.

٣٠٤ ـ قوله : « فمن ترك الاقتحام فيما يؤدي الى هلاك النفس ... الخ ». (٢)

والظاهر : انّ كلمة ( ما ) المجرورة موصولة ، وهي عبارة عن الفعل الذي يؤدي الى واحد من هلاك النفس أو شرب الخمر ، فيكون المراد انه قبل الارتكاب الى ما يؤدي الى أحدهما كان قادرا على تركهما بتركه ، مثل الافعال التسبيبية ، فهذا المقدار يكفي في صدق استناده الى المكلف وفي تعلق التكليف بتركهما قبل ذلك ، وعند مخالفته بارتكاب ما يؤدي الى أحدهما يسقط النهي عن الشرب.

إلاّ انه يبقى على ما هو عليه من المفسدة والمبغوضية السابقة وكونه موجبا لاستحقاق العقوبة ، فلا وجه لحسنه والامر المولوي به.

ولكنك عرفت عدم اعتبار الحسن الفعلي في الامر المولوي.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٠٦ ؛ الحجرية ١ : ١٤٤ للمتن و ١ : ١٤٢ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٠٧ ؛ الحجرية ١ : ١٤٤ للمتن و ١ : ١٤٢ العمود ٢ للتعليقة.

٣٨٦

٣٠٥ ـ قوله : « ضرورة منافاة حرمة شيء كذلك مع وجوبه في بعض الاحوال ». (١)

ولا يخفى انه لا يبتني على الترتب ، لانّ المتعلق واحد ، فهو باطل ولو على صحة الترتب.

ولا يخفى انّ المنافاة انما هو على فرض الحرمة والوجوب في زمان واحد ، وامّا مع وجود أحدهما في زمان سقوط الآخر كما في المقام فلا ، حيث انّ المضادة بين الحكمين انما هو اذا اجتمعا في زمان واحد في متعلق واحد ؛ ومع عدم الوحدة من جهة فلا تضاد.

٣٠٦ ـ قوله : « مع عدم تعددها هاهنا ... الخ ». (٢)

لما عرفت انّ الامر المقدّمي انما يتعلق بما هو مقدمة بالحمل الشائع. وبعبارة اخرى : بعنوانه الواقعي الذي تعلق به النهي ، لا بعنوان المقدمة.

٣٠٧ ـ قوله : « ثم لا يخفى : انّه لا اشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع ». (٣)

أقول : تفصيله : انه لا اشكال في الصحة على عدم اتحاد الصلاة باجزائها مع الكون الغصبي ؛ كما انه كذلك بناء على الجواز على اشكال فيه في سعة الوقت بناء على اعتبار قصد الوجه في العبادة ، حيث انه لا أمر بالصلاة الملازم مع الغصب.

لكنه لا وجه له بناء على كفاية قصد القربة ، بل ولو بناء على لزوم قصد الوجه لصحة اتيان ذاك الامر بداعي الامر بالطبيعة ؛ وكذلك على الامتناع في حال الخروج بناء على كونه مأمورا به ليس إلاّ ؛ وامّا بناء على كون الخروج منهيا عنه

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٠٩ ؛ الحجرية ١ : ١٤٥ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢١٠ ؛ الحجرية ١ : ١٤٦ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ١ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢١٠ ؛ الحجرية ١ : ١٤٦ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ١ للتعليقة.

٣٨٧

فقط أو القول باجراء حكم المعصية عليه سواء قيل بتعلق الامر به كما عن الفصول (١) أو لا ، فحكم الصلاة فيه هو حكمها في غير حال الخروج كما هو واضح.

ولا فرق في ذلك بين النافلة والفريضة ، لاشتراكهما في ملاك العبادة ، فالتفصيل بينهما كما عن بعض لا وجه له.

٣٠٨ ـ قوله : « أو مع غلبة ملاك الامر على النهي مع ضيق الوقت ». (٢)

ولكنك قد عرفت انّ الوجه هو الصحة ولو فيما غلب جانب المفسدة بعد الدخول فيما لم تستلزم الصلاة تصرفا زائدا في الغصب ، لعدم التفاوت حينئذ بين ارتكاب ذات المفسدة المحضة مع ايجاد ذي المصلحة في الخارج وبين ارتكاب المشتمل على كلتيهما حتى يخفف به عقاب المفسدة الغالبة اذا أتى به بداعي ذلك.

إلاّ أن يقال : بلزوم المحبوبية الصرفة مع الاتيان بذاك الداعي في العبادة ، مع عدم كفاية غيره فيها ولو بجعل ذات المفسدة الغالبة مانعا عن صحة الصلاة وحينئذ يشكل في صورة النسيان أو الجهل ، [ فكيف ] (٣) يحكم بالصحة معها ، فتدبر.

٣٠٩ ـ قوله : « فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة وإن لم تكن مأمورا بها ». (٤)

مطلقا على ما ذكرنا ، وفي صورة غلبة المصلحة بناء على ما ذكره الاستاذ قدس‌سره ؛ وحكمها ينتقض فيما كان الخروج مقدمة لحفظ النفس ولو بسوء

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١٣٨ السطر ٢٥.

(٢) كفاية الاصول : ٢١٠ ؛ الحجرية ١ : ١٤٦ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ١ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( كيف ).

(٤) كفاية الاصول : ٢١١ ؛ الحجرية ١ : ١٤٦ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ١ للتعليقة.

٣٨٨

الاختيار حيث انه اختار اجراء حكم المعصية بلا توجه أمر في البين مع حكمه بالصحة في المقام ، إلاّ أن يفرّق بين المصلحة النفسية والمصلحة الغيرية عقلا ، فيرتفع الاشكال ، فتدبر.

٣١٠ ـ قوله : « وإلاّ كان بين الخطابين تعارض فيقدم الاقوى منهما ». (١)

هذا ، ان كان كل واحد منهما ظاهرا في الفعلية ولم يعلم الغالب منهما من الخارج فيجمع بينهما بحمل غير الاقوى على الاقتضائي والاقوى على الفعلي لو كان.

٣١١ ـ قوله : « وإلاّ فلا محيص عن الانتهاء الى ما تقتضيه الاصول العملية ». (٢)

ومقتضاها ـ في مثل الصلاة في الدار الغصبي ـ البراءة عن الحرمة والاشتغال بالنسبة الى الصلاة ، لكون الشك في كون المأمور به هو المطلق أو الخاص ، ولا يجري في مثله البراءة.

وتوهم : انّ اجراء قاعدة الاشتغال مع البراءة عن الحرمة ينافي العلم الاجمالي في مورد العلم بالترجيح اجمالا بالوجوب التخييري أو الحرمة.

مدفوع : بأنه لا محذور في اجراء الاصل العملي اذا لم يستلزم المخالفة القطعية.

لا يقال : انه بعد الفراغ عن عدم تأثير المفسدة الغصبية في القبح تبقى المصلحة الصلاتية في تأثيرها في الحسن بعد قصد التقرب بها بلا مزاحم.

لأنّا نقول : انه لا بد في صحة العبادة ـ مضافا الى قصد التقرب ـ [ من ] (٣) احراز صلاحية حصول التقرب في المأتي به فعلا ، ومع الشك في غلبة المصلحة

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١١ ؛ الحجرية ١ : ١٤٧ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢١١ ؛ الحجرية ١ : ١٤٧ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) في الاصل ( الى ).

٣٨٩

على المفسدة فلم يحرز ذلك ، فالمرجع هو الاشتغال بالنسبة الى الامر بالصلاة ؛ والمانع انما يكون عقليا مزاحما مع أصل وجود المأمور به وليس من قبيل سائر الموانع الشرعية المأخوذة في المأمور به حتى يرجع فيه الى حديث الرفع ونحوه.

٣١٢ ـ قوله : « كما هو قضية التقييد والتخصيص ... الخ ». (١)

ربّما يتوهم ـ كما عن بعض المعاصرين ـ بأنّ العنوانين في مورد التصادق يصيران وجودا واحدا على الامتناع ، فلا بد أن يكون له أثر واحد امّا الصلاح أو الفساد ، فاذا كانت جهة الفساد غالبة فلا بد من تقييد مورد الامر ، فكيف يكون صحيحا ولو في بعض الحالات؟ مع انّ الوجود الواحد لا يصير مصداقا لهما.

ولكنه يدفع : بأنّ العنوانين وان كانا متحدين مصداقا إلاّ انه لا امتناع في تأثيره في الصلاح من جهة وفي الفساد من جهة اخرى ، وليس بين الامرين اتحاد كما كان كذلك بين جهتي المؤثر ، فلا بأس بتحققهما. نعم قد يكون بينهما المضادة ، أو يكون كل من العنوانين مقرونا بمانع الاثر للآخر ، وحينئذ فلا بد من التقييد كما في باب التعارض.

فقد ظهر انّ توهم التقييد لا وجه له على نحو الاطلاق ، وانما الكلام في مورد احراز عدمه ثبوتا واثباتا ، فلا وجه للاشكال.

٣١٣ ـ قوله : « المقتضي لصحة مورد الاجتماع ... الخ ». (٢)

صفة لقوله : « التخصيص العقلي » بعد توصيفه بقوله : « المختص » ، ويكون كل منهما مبيّنا لخصوصية من التخصيص العقلي المفارق له مع التخصيص اللفظي.

وحاصله : انّ الغالب في مورد الاجتماع لو كان هو النهي فهو ما دام كان فعليا لا يصح المورد لاسقاط الامر.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١١ ؛ الحجرية ١ : ١٤٧ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢١٢ ؛ الحجرية ١ : ١٤٧ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ٢ للتعليقة.

٣٩٠

ولكنه اذا سقطت عنه الفعلية بوجه يصير اتيانه صالحا لاسقاطه ، ولتحصيل غرضه مع تحقق الامر لو قلنا بانشاء الاحكام على طبق الجهات الواقعية وفعليتها بفعلية الجهة ، وبدونه لو قلنا بتبعيتها للغالب من الجهات واقعا ، فانه حينئذ يصح المورد بداعي المحبوبية بدون الامر كما لا يخفى.

٣١٤ ـ قوله : « لكنه من الواضح انّ العموم المستفاد منهما كذلك إنما هو بحسب ما يراد من متعلقهما فيختلف سعة وضيقا ». (١)

أقول : يمكن أن يقال : بتقديم النهي ولو على تقدير تسليم كون دلالة متعلق النهي على تعيين الحقيقة المنفية في ضمن الاطلاق القسيمي مقابل التقييد بمقدمات الحكمة كدلالة متعلق الامر على ذلك ، حيث انّ الفرق انّ سريان النفي والنهي الى جميع افراد الطبيعة المطلقة استيعابا انما هو بالالتزام العقلي بحيث لا يمكن نفي تلك الطبيعة إلاّ على نحو السريان ، بخلاف الامر ، فانّ دلالته على اثبات العموم البدلي أيضا بقرينة الحكمة فيكون احتياج الامر الى مقدمات الحكمة من وجهين ، بخلاف النهي فانه يحتاج اليها من جهة واحدة ، وهذا المقدار يكفي في الاظهرية ، هذا.

مع انّ دلالة النهي عقلا على السريان يكفي في اثبات الاطلاق في المادة عرفا بلا افتقار الى مقدمات الحكمة نظير لفظ ( كل ) مثلا ، وذلك لم يستلزم المجازية على تقدير القرينة على التقييد بتعدد الدال والمدلول ، بخلاف الامر ، فانه يحتاج اليها بقول مطلق.

ولعل [ الامر بالتدبّر ] (٢) في آخر كلامه اشارة الى الوجه الاول الذي ذكرنا.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١٣ ؛ الحجرية ١ : ١٤٨ للمتن و ١ : ١٤٣ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( التدبر ).

٣٩١

٣١٥ ـ قوله : « بل ربّما يكون العكس أولى ». (١)

ولا يقال : انّ المفسدة غالبة على المصلحة غالبا ، لأنه على تقدير التسليم لا يوجب إلاّ ظنا خارجيا لا يعتنى به في المشكوك.

٣١٦ ـ قوله : « فانّه فيما اذا دار بين الواجب والحرام ». (٢)

وبعبارة اخرى : فيما كان داعيا لترجيح المكلف في مقام العمل فيما لم يمكن له الجمع بينهما ، لا فيما كان سببا لتشريع الحكم على طبق الحسن والقبح الواقعيين التابع للراجح عقلا لا لموافقة الغرض النفساني.

ومن هنا ظهر الجواب عن مثل قوله عليه‌السلام : « ما اجتمع الحلال والحرام إلاّ غلب الحرام على الحلال » (٣) فانّ مورده المال الحلال المختلط ، لا المردد بين كونه حلالا أو حراما.

٣١٧ ـ قوله : « فانما يجري فيما لا يكون هناك مجال لاصالة البراءة أو الاشتغال ». (٤)

وفيه : انّ مجرد نفي فعلية الحرمة بأصالة البراءة لا يكفي في صحة العبادة ، لما عرفت من اشتراطها ـ مضافا الى قصد التقرب ـ بكون الفعل صالحا للتقرب به بأن يعلم بكونه ذا مصلحة غير مزاحم بالمفسدة.

وامّا اذا علم بهما ولم يحرز الغالب منهما فلا يحرز صلاحيته ، من جهة عدم العلم بالغلبة ، وهو وان صار مجرى لاصالة البراءة إلاّ انّ اشتماله على المصلحة الغالبة أيضا مشكوك ، فلا يحرز ما هو شرط العبادة وان قصد به التقرب.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١٤ ؛ الحجرية ١ : ١٤٨ للمتن و ١ : ١٤٤ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢١٤ ؛ الحجرية ١ : ١٤٨ للمتن و ١ : ١٤٤ للتعليقة.

(٣) الموجود في المصادر هو بدون كلمة « على » ، مستدرك الوسائل ١٣ : ٦٨ باب عدم جواز الانفاق من الكسب الحرام ... الخ الحديث ٥. وبحار الانوار ٦٥ : ١٤٤ ؛ وكذلك ٢ : ٢٧٢ كتاب العلم باب ٣٣ الحديث ٦.

(٤) كفاية الاصول : ٢١٤ ؛ الحجرية ١ : ١٤٨ للمتن و ١ : ١٤٤ للتعليقة.

٣٩٢

ومن هنا ظهر ما في ما ذكره في الحاشية (١) بقوله : « وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة لو أتى به بداعي الامر المتعلق ... الخ ». وليس واحد من العبادات يكفي فيه مجرد قصد القربة مع عدم المبغوضية بلا مصلحة في البين ، فضلا عن جلّها كما لا يخفى.

٣١٨ ـ قوله : « فأصالة البراءة غير جارية بل كانت ... الخ ». (٢)

وفيه : ما عرفت انّ مجرد العلم بالمفسدة مع مقارنته بالعلم بالمصلحة غير المعلوم غلبة واحدة على الاخرى غير مانع عن أصالة البراءة ؛ واجراؤها غير مانعة الجمع مع أصالة الاشتغال أيضا.

٣١٩ ـ قوله : « إنما يكون لقاعدة الامكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا ». (٣)

يعني لكلتا القاعدتين بطريق القضية مانعة الخلو ، فلا ينافي جريانهما معا تارة كما في ما بعد العادة ، أو خصوص القاعدة كما في أول رؤية الدم المشكوك.

٣٢٠ ـ قوله : « أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب ». (٤)

إلاّ انه لا يوجب التنزل الى التيمم للصلاة ، حيث انه يمكن له العلم بالصلاة مع الطهارة من الحدث والخبث فيما لو صلى بعد التوضي من الاول ثم [ يطهّر ] (٥) مواضع الملاقاة منه بالاناء الثاني ثم يصلي بعد ذلك. نعم لو لم يمكن له تكرار الصلاة كان لما ذكره وجه ، فتدبر.

__________________

(١) اي في تعليق الآخوند على كلام نفسه في الكفاية : ٢١٥.

(٢) كفاية الاصول : ٢١٥ ؛ الحجرية ١ : ١٤٨ للمتن و ١ : ١٤٥ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢١٥ ؛ الحجرية ١ : ١٤٩ للمتن و ١ : ١٤٥ للتعليقة.

(٤) كفاية الاصول : ٢١٦ ؛ الحجرية ١ : ١٤٩ للمتن و ١ : ١٤٥ للتعليقة.

(٥) في الاصل ( يتطهر ).

٣٩٣

٣٢١ ـ قوله : « فلا مجال لاستصحابها ... الخ ». (١)

بناء على ما هو التحقيق عنده من عدم جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ.

٣٢٢ ـ قوله : « الظاهر لحوق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات ». (٢)

ولا يخفى انّ الموضوع في تعدد الاضافات انما هو العنوان المضاف لا الاضافة ، وهو واحد فلا يصير من قبيل الاجتماع ؛ وعلى تقدير دخولها فلا يكون تمام الموضوع بل المضاف داخل فيه أيضا ، فيصير تعدد الاضافة نظير القول بتعلق الحكم بالفرد الذي أشكلنا دخوله في محل النزاع ، فتدبر.

٣٢٣ ـ قوله : « بناء على الامتناع أو عدم المقتضي لأحد الحكمين ». (٣)

أقول : بل خصوص الاخير لا الاول ، لأنه بناء على الامتناع لا يعامل التعارض مطلقا ـ ولو في مورد الجهل ـ بالغالب أو النسيان كما لا يخفى.

٣٢٤ ـ قوله : « فانّ البحث فيها في انّ تعدد الجهة ». (٤)

نعم بناء على عدم الإجداء وتغليب جانب النهي تكون تلك من فروع هذه ، فالفرق بما ذكر ، لا بسائر ما ذكر في البين.

٣٢٥ ـ قوله : « الثاني : انّه لا يخفى انّ عدّ هذه المسألة من مباحث الالفاظ ... الخ ». (٥)

أقول : يقع الكلام في انّ النزاع في المسألة هل هو لفظي في دلالة صيغة

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١٦ ؛ الحجرية ١ : ١٤٩ للمتن و ١ : ١٤٩ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢١٦ ؛ الحجرية ١ : ١٤٩ للمتن و ١ : ١٤٥ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢١٧ ؛ الحجرية ١ : ١٤٩ للمتن و ١ : ١٤٦ للتعليقة.

(٤) كفاية الاصول : ٢١٧ ؛ الحجرية ١ : ١٥٠ للمتن و ١ : ١٤٦ للتعليقة.

(٥) كفاية الاصول : ٢١٧ ؛ الحجرية ١ : ١٥٠ للمتن و ١ : ١٤٦ للتعليقة.

٣٩٤

النهي ، سواء قلنا بدلالتها على الحرمة أيضا ، أو عقلي؟ واقع في المنافاة بين الحرمة والصحة وان لم يكن لفظ في البين ، ويكون التعبير بالنهي لكونه الغالب في ورود التحريم به.

وجهان :

يشهد للثاني قول أبي حنيفة (١) بدلالة النهي على الصحة ، فانه لاجل انّ الحرمة لا تتعلق بالمقدور ولا يكون كذلك إلاّ أن يكون متعلقه صحيحا وإلاّ لكانت الحرمة متعلقة بغير المقدور وهو كما ترى.

ولكن الاقوى جعل النزاع لفظيا ، كما يشهد به ملاحظة أدلتهم وجعل الدلالة لغة في عداد الاقوال ، وتكون دعوى الملازمة بين الحرمة والفساد في العبادات من مبادئ اثبات الدلالة الالتزامية اللفظية ، ويكون اثبات الفساد باللفظ في المعاملات بحمله على الارشاد وفي العبادات بحمله على الأعم منه ومن الحرمة الذاتية ، لثبوت الفساد فيها على كلا النحوين ؛ فعلى ذلك يكون اثبات الفساد في العبادات ـ فيما كانت الحرمة بدليل لبّي ـ من باب الاستطراد.

وان أبيت إلاّ عن كون النزاع في العبادات عقليا ـ ولا أقل فيما اذا ثبتت الحرمة فيها بدليل لبّي ـ فالأولى التفصيل في محل النزاع : بين كون المنهي عنه من العبادات فالنزاع في الأعم من كون الدلالة لفظية أو عقلية ، وبين كونه من المعاملات فالنزاع من جهة دلالة اللفظ فقط.

٣٢٦ ـ قوله : « إلاّ انّ ملاك البحث يعم التنزيهي ». (٢)

وهو عدم صلاحية المبغوض لأن يتقرب به اليه تعالى ، وهو يجري في غيره من النهي الغيري والتنزيهي أيضا ، لمكان عدم اجتماع الرجحان العبادي مع

__________________

(١) منتهى الوصول والامل : ١٠١ ؛ شرح تنقيح الفصول : ١٧٣.

(٢) كفاية الاصول : ٢١٨ ؛ الحجرية ١ : ١٥٠ للمتن و ١ : ١٤٧ للتعليقة.

٣٩٥

المرجوحية بل مع الاباحة أيضا فكيف عن غيرها؟ فالنهي عنها بجميع أقسامه داخل في النزاع ، دون المعاملات ، لعدم دلالة النهي الغيري والتنزيهي فيها على الفساد بلا كلام.

ومما ذكرنا من تقرير النزاع ـ عقلية مرة ولفظية اخرى ـ ظهر انّ المراد من الاقتضاء أعم من أن يكون ثبوتيا كما في العبادات ، أو اثباتيا كما فيها أيضا وفي المعاملات.

٣٢٧ ـ قوله : « الرابع : ما يتعلق به النهي إما أن يكون عبادة أو غيرها ». (١)

وقد عبّر عنه في كلمات القوم بالعبادة والمعاملة وعرّف كل منهما بتعريفات غير خالية عن الخلل ، مثل تعريف العبادة بما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء والمعاملة بما علم فيه ذلك ؛ واخرى بما في المتن وغير ذلك بما ذكر في الحد ، مع ما في كل من المناقشة.

وحيث انه ما ورد لفظهما في آية ولا في رواية ولا في معقد اجماع [ بل ] انما يكون التعبير بهما لكون كل منهما جامعا لشتات أحد قسمي متعلق النهي ، فالأولى التعبير عن كل بما لم يرد فيه خلل [ بأن ] (٢) تجعل العبادة بالمعنى اللغوي و [ عند ] (٣) الفرس ( پرستش ) ؛ ويكون ذلك : في بعض الافعال لازما لاصل حقيقته بحيث لا يتحقق إلاّ عباديا بالمعنى اللغوي ولو كان حراما كالسجود مثلا ؛ وفي بعض الافعال تعليقيا ، بمعنى انه لو تعلق به أمر لكان عباديا.

ويمكن أن يقال بنحو آخر : وهو انّ متعلق النهي :

يكون تارة : بحيث يتوقف حصول الاثر المرغوب منه ـ لو لا النهي عنه ـ

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١٨ ؛ الحجرية ١ : ١٥٠ للمتن و ١ : ١٤٧ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( أن ).

(٣) في الاصل الحجري ( في ).

٣٩٦

على اتيانه قربيا ، كما لو كان الاثر المقصود حصول القرب وسقوط القضاء والاعادة ، حيث انّ كل ذلك لا يحصل إلاّ باتيانها بقصد التقرب ، ويسمى ذلك بالعبادة.

ويكون اخرى : بحيث لا يتوقف حصول الاثر المرغوب منه على ذلك ـ كما في غالب الافعال ـ ويسمى ذلك بالمعاملة.

ويكون ثالثة : بحيث يشتمل على أثرين يتوقف حصول واحد منهما بالاتيان بداعي التقرب ولا يتوقف الآخر عليه ، كدفن الموتى مثلا ؛ فبلحاظ أثر يكون من العبادات وبلحاظ آخر من المعاملات. وان شئت قلت : يطلق عليه العبادات بالمعنى الأعم بلحاظ أثر ، والمعاملات بالمعنى الأعم بلحاظ آخر.

والظاهر جريان النزاع في دلالة النهي على الفساد في كل من الاقسام ، غاية الامر يكون القسم الثالث بلحاظ أثره القربي داخلا في النزاع في العبادات وبلحاظ أثره الاخير داخلا في النزاع في المعاملات.

ويشهد لعموم النزاع في المعاملات بالمعنى الأعم استدلال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط لعدم حصول الطهارة بالاستنجاء بالمطعوم ونحوه ، للنهي عنه في الاخبار قال : « [ و ] كلما قلنا [ انه ] لا يجوز استعماله [ في الاستنجاء اما لحرمته او لكونه نجسا إن ] (١) استعمل في ذلك ونقى به الموضع [ ينبغي ان يقول : انه لا يجزي ] لأنه منهي عنه ، والنهي [ يدل على فساد المنهي عنه (٢)] ». (٣)

فما توهم : من اختصاص النزاع بغير المعاملة وارجاع كلام الشيخ ذلك الى العبادات بالمعنى الأعم ، فيه ما لا يخفى ؛ مضافا الى كونه تخصيصا بلا وجه.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( في الخبث فان ).

(٢) في الاصل الحجري ( يقتضي الفساد ).

(٣) المبسوط ١ : ١٧.

٣٩٧

٣٢٨ ـ قوله : « أو ما لو تعلق الامر به كان امره أمرا عباديا ». (١)

لا يخفى انّ هذين التعبيرين انما هو في العبادة بالمعنى الاخص ، وامّا بالمعنى الأعم فأعم منهما.

ثم انّ اختلاف التعبير في المعنى الاخص انما هو باختلاف الموارد ، حيث انّ قسما منها تكون عباديتها ذاتية بمعنى أن وجودها يتقوم بالخضوع والانقياد كالسجود وان لم يحصل به القرب بالفعل.

وقسم آخر ليس كذلك ، نظير الصوم فانه الامساك المخصوص ، ولا يعتبر في أصل وجوده التذلل ، ولكنه يكون بحيث لو تعلق به الامر لا يسقط أمره إلاّ بقصد التقرب.

ولما لم تكن جميع العبادات [ بالمعنى ] الاخص مثل القسم الاول ، فالأولى التعبير الثاني فانه أعم كما هو واضح. وأولى منه ما ذكرنا حتى يعم النزاع العبادي [ لغير ] (٢) الاخص أيضا ، لانّ تخصيصه به يكون بلا مخصص كما لا يخفى.

٣٢٩ ـ قوله : « لا ما أمر به لاجل التعبد به ». (٣)

وجه النفي : انّ هذه التعبيرات انما توهم انّ عنوان العبادة انما يتقوم بالامر أو القرب الفعليين بحيث لولاها في فعل لما كان عبادة ، وذلك يستلزم التنافي بين عنوان العبادة والنهي كما لا يخفى ؛ فلاجل ذلك انما عدل عن مثل هذه التعبيرات الى ما ذكرنا.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١٩ ؛ الحجرية ١ : ١٥٠ للمتن و ١ : ١٤٩ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( بغير ).

(٣) كفاية الاصول : ٢١٩ ؛ الحجرية ١ : ١٥٠ للمتن و ١ : ١٤٩ للتعليقة.

٣٩٨

٣٣٠ ـ قوله : « بأن يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الاثر ». (١)

في هذه العبارة إيماء الى ما ذكرنا من انّ الأولى [ أنّ ] تميّز كل من العبادة والمعاملة عن الآخر انما هو بملاحظة الاثر.

ثم انّ تخصيص محل النزاع بما كان يتصف بالصحة والفساد واضح ، حيث انّ ما لا يتصف بهما وان كان تترتب عليه الآثار الشرعية كلما وجد كالغصب الموجب للضمان ونحوه ، لا يتصور فيه النزاع في المقام كعدم الفساد فيه كي ينازع فيه.

ثم ما ذكرنا من اعتبار الاتصاف بهما على الأعمي فواضح ؛ وامّا على الصحيحي فلا بد من المسامحة في الفاسد بجعله صورة العبادة ـ التي تترتب عليه الآثار التي يفسد معها ـ حقيقة واحدة بنظر العرف كما لا يخفى.

٣٣١ ـ قوله : « عقدا كان أو ايقاعا أو غيرهما ، فافهم ». (٢)

لعله اشارة : الى انه لا وجه لتخصيص الشيء في العنوان بالعبادة بالمعنى الذي ذكره سابقا ، لما عرفت من اشتمال بعض الاشياء على أثرين يدخل بملاحظة واحد منهما في العبادة وبملاحظة الآخر في المعاملات ، بحيث لا يصير داخلا في الاخير بلحاظ أثره الاول ، فالأولى ارادة المعنى العام.

ثم انه بناء على ما ذكرنا تكون النسبة بين العبادة والمعاملة عموما من وجه بخلاف ما ذكره قدس‌سره فانّ النسبة ـ بناء عليه ـ هي التبادر ، فتدبر.

٣٣٢ ـ قوله : « فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر ، وفاسدا بحسب آخر ». (٣)

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢١٩ ؛ الحجرية ١ : ١٥١ للمتن و ١ : ١٥٠ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٢٠ ؛ الحجرية ١ : ١٥١ للمتن و ١ : ١٥٠ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢٢٠ ؛ الحجرية ١ : ١٥١ للمتن و ١ : ١٥٠ للتعليقة.

٣٩٩

كما في القسم الثالث الذي ذكرنا ، فانه يتصف :

بالفساد ، بالنسبة الى أثره القربي اذا لم يؤت به بداعي القربة.

وبالصحة ، بالنسبة الى أثره المعاملي اذا اتي به مشتملا على جميع ما اعتبر في ترتبه عليه جزءا أو شرطا.

وامّا فيما يختلفان بالنسبة الى شخصين بالنسبة الى أثر واحد كما في العبادات بالامر الظاهري ، ملحوظة بالنسبة الى الامر الواقعي على الخلاف في الاجزاء وعدمه ، وكما في المعاملات بالنسبة الى [ العقد ] (١) الفارسي مثلا على الخلاف في صحتها وفسادها. بل ربّما يختلفان كذلك بالنسبة الى شخص واحد باختلاف نظريه.

٣٣٣ ـ قوله : « ومن هنا صح أن يقال : انّ الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف ». (٢)

هذا اشارة الى انه وان فسّرت الصحة عند المتكلم بموافقة الامر أو موافقة الشريعة ، وعند الفقهاء باسقاط التعبد به ثابتا ، أعم من القضاء والاعادة فيما كان له شأنية الثبوت ، لا أن يكون ثابتا بالفعل كي يرد النقض بصحيح العيدين مثلا ؛ إلاّ انه لا يكشف عن اصطلاح خاص في معنى الصحة والفساد ، بل تعبير كل بما ذكره انما هو بملاحظة ما هو المهم من الاثر عنده.

ثم انّ هذين التفسيرين يكونان متلازمين في المأتي به بالامر الواقعي ، بل وفي كل أمر بالنسبة الى نفسه لحصول موافقة الامر وسقوط القضاء والاعادة بالنسبة الى نفس الامر بالمأتي به. وامّا الامر الاضطراري والظاهري بالنسبة الى الامر الواقعي فعل القول بالاجزاء وتعميم الامر في تفسير المتكلمين بالنسبة الى

__________________

(١) في الاصل الحجري ( القصد ).

(٢) كفاية الاصول : ٢٢٠ ؛ الحجرية ١ : ١٥١ للمتن و ١ : ١٥١ للتعليقة.

٤٠٠