تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

وان كان من قبيل الثاني ، فالظاهر انّه عند عدم القرينة على كل من الدخول والخروج هو الخروج ، كما يظهر بالتأمل في موارد استعمال كلمة ( حتى ) و ( الى ) في العرف ، بحيث يكون الدخول بدون القرينة خلاف الظاهر بالنسبة اليهما كما في قولك : « سرت الى باب الصحن » أو « باب فلان » أو « داره » أو « الى البصرة » حيث انّه تصدق هذه الاستعمالات ـ بلا عناية وقرينة ـ على مجرد السير الى مقارن الجزء الاول للمذكورات بلا دخول فيها.

بخلاف ما لو كان المراد هو الدخول فانّه يحتاج الى القرينة ولو من جهة كون المدخول هو الجزء الاخير ؛ إلاّ أن يدّعى عدم العناية في موارد الدخول أيضا ، فتكون الكلمتان للقدر المشترك بينهما وهو النهاية للمغيّا سواء كان ذلك بأول جزء من المدخول أو بآخر جزء منه ؛ ولو كان الظاهر عند الاطلاق هو الخروج.

٣٦٦ ـ قوله : « فصل : لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلبا أو ايجابا بالمستثنى منه ». (١)

أقول : كما لا شبهة في استفادة الحصر مما يدل عليه بمادته اسما من لفظ ( القصر ) و ( الحصر ) وغيرهما من افادتهما لغة ، أو من سائر اللغات ؛ كذلك لا شبهة في استفادته من كلمة الاستثناء ، يعني من كلمة ( إلاّ ) خلافا لابي حنيفة (٢) قائلا : بعدم تعرضه لحكم المستثنى نفيا واثباتا ، وانما يدل على خروجه من شخص الحكم في المستثنى منه ، مستدلا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٣) فانّه يدل على نفي الصلاة في صورة فقدان الطهارة لا على اثباتها بوجودها ، وإلاّ لزم صدقها عليها

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٧ ؛ الحجرية ١ : ١٧٠ للمتن و ١ : ١٧٨ للتعليقة.

(٢) شرح المختصر للعضدي ١ : ٢٦٤ السطر ٢٥ وص ٢٦٥ السطر ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٢٦١ أبواب الوضوء ، باب وجوب الطهارة عند دخول وقت الصلاة ، الحديث ١.

٤٦١

ولو لم يكن معها سائر الاجزاء والشرائط أصلا ، وهو باطل.

وقد اجيب : بكون الحصر في طرف الاثبات اضافيا ، بأن يكون المراد في طرف المستثنى اثبات الصلاة من حيث الطهارة لا مطلقا كي يدل على صدق الصلاة بمجرد الطهارة.

ولكنه مدفوع : بأنّ صدق المركبات بمجرد وجود جزء منها مع انتفاء اجزائها الآخر ركيك ، لصدق انتفائها ـ بقول مطلق ـ مع انتفاء جزء منها ، وهو ينافي صدقها اضافيا بمجرد جزء منها.

والأولى أن يجاب : بأنّ الموضوع في المركبات ـ في مقام اثبات جزء أو شرط لها ـ هو الواجد لجميع الاجزاء والشرائط ، غير ما اريد اثباته لها ولو بلسان بيان انتفائها بانتفائه كما هو الظاهر من تتبع الموارد ؛ واذا كان كذلك فيكون اثبات الصلاة ـ بنفسها على الصحيحي وبوصف صحتها على الأعمي ـ بعد تحقق جميع اجزائها وشرائطها بمجرد تحقق الطهارة حقيقية ، وانتفائها بانتفائها حقيقية أيضا كما هو ظاهر.

أو يجاب : بكون المستثنى هو الايجاب الجزئي في مقام السلب الكلي في طرف المنطوق ، كما في ما لم يحرز كون الشارع في مقام البيان إلاّ بالنسبة الى جملة المستثنى منه.

ولكن الظاهر انّ دلالة كلمة ( إلاّ ) على الحصر مما لا شبهة فيه ، ويدل عليه ـ مضافا الى التبادر ـ دلالة كلمة ( إلاّ ) الدالة على الاسلام المتوقف على التوحيد.

ودعوى : كون ذلك بالنقل شرعا أو مجازا ، مدفوعة : بكون الاستعمال في المقام وغيره بمعنى واحد بلا عناية في البين كما هو الظاهر.

ثم انّه هل تحتاج كلمة ( لا ) الى تقدير خبر لها من مثل ( موجود ) و ( ممكن ) ونحوهما بناء على أن يكون للنفي الربطي بمعنى ليس الناقصة أو لا؟ بناء على قول

٤٦٢

الصحيحي على أن يكون للنفي المحمولي بمعنى ليس التامة غير المحتاجة الى الخبر ، بأن يجعل اسما معنى وان استعمل حرفا لفظا وعملا؟ وجهان.

لا يبعد الثاني منهما في استعمالاتها في غالب الموارد عرفا في مثل ( لا رجل ) و ( لا مال ) ونحوهما.

٣٦٧ ـ قوله : « والاشكال في دلالتها عليه بأنّ خبر ( لا ) اما يقدر ( ممكن ) أو ( موجود ) ». (١)

أقول : يرد عليه هذا الاشكال بناء على عدم الخبر أيضا ، نظرا الى كون مادة القضية هو الامكان أو الفعلية.

ولكنه يدفع : بأخذ الإله اسما لمفهوم واجب الوجود واسم الجلالة علما للشخص الواجب الوجود المستجمع لجميع الكمالات ، ولا اشكال في أنّ انحصار مفهوم واجب الوجود وحقيقته في شخص واحد على أي التقديرين يدل على نفي امكان وجوب الوجود عن غيره تعالى وإلاّ لكان ضروري الوجود ؛ كما أنه يستلزم الفعلية لذلك الشخص وإلاّ لكان ممكن الوجود كما لا يخفى.

ثم [ هل ] انّ دلالة كلمة ( إلاّ ) على ما ذكرنا بالمنطوق؟ بناء على أن تكون بنفسها دالة على قضية اخرى مخالفة لقضية المستثنى منه منضمة اليها ، وعرفت انّ المفهوم هو المعنى اللازم لمعنى خاص آخر ، لكونه في طوله لا في عرضه.

أو بالمفهوم؟ بناء على دلالة مجموع القضية على كون الحكم الثابت في المستثنى منه متخصصا بخصوصية وهو اختصاص الحكم الايجابي أو السلبي فيه للموضوع المأخوذ فيه المستلزمة لثبوت خلاف ذاك الحكم للمستثنى ؛ وجهان.

أظهرهما الثاني ، حيث انّ ظاهر كلمة « لا إله إلاّ الله » بمجموعها اختصاص

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٨ ؛ الحجرية ١ : ١٧١ للمتن و ١ : ١٧٩ للتعليقة.

٤٦٣

نفي الالوهية بغير الله تعالى فيدل على ثبوتها له تعالى بالمفهوم.

ولا يخفى يمتنع ان ما ذكرنا من جهة كلمة ( إلاّ ) مرادفة الاختصاص من جهة دلالتها على نحو ترتب الحكم على موضوعه يكون حاصله الاختصاص به على الحصر كلمة ( بل ) الآخر فيه.

٣٦٨ ـ قوله : « وربما يعدّ مما دل على الحصر كلمة ( بل ) الاضرابية ». (١)

أقول :

قد يكون العطف في الاثبات فيدل على كون الحكم ثابتا للمعطوف مثل المعطوف عليه.

وقد يكون في النفي فيدل على ثبوت ضد الحكم وهو الاثبات للمعطوف عليه مثل قولك : « ما قام زيد بل عمرو ».

وقد يكون للترقي كما هو واضح.

وقد يكون للاضراب بمعنى الإعراض عن اثبات الحكم للسابق في الذكر والقصد الى اثباته للمذكور بعدها ؛ وحينئذ يكون ذكر السابق :

تارة : لمجرد الغلط سواء كان منشؤه سبق اللسان أو النسيان ، فلا اشكال في عدم دلالته على الحصر.

واخرى : توطئة للاضراب وهو قد يكون أيضا لمجرد تحقق الحكم وتثبيته في مدخول كلمة ( بل ) بهذا التعبير في مقام الاثبات بلا تعرض للنفي عن غيرها ثبوتا.

واخرى : يكون لاثبات حصر الحكم فيه واقعا فيدل على الحصر.

وحينئذ فيختلف الحكم بحسب اختلاف الموارد ، فلا بد في تعيين خصوصية

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٩ ؛ الحجرية ١ : ١٧١ للمتن و ١ : ١٨٠ العمود ١ للتعليقة.

٤٦٤

[ الحصر من ] (١) قرينة اخرى من مقام أو لفظ ونحوهما لا مطلقا.

٣٦٩ ـ قوله : « ومما يفيد الحصر ـ على ما قيل ـ تعريف المسند اليه باللام ». (٢)

ولا يخفى : انّ المدّعى دلالته عليه في غير ما كان في البين قرينة لذلك من مبالغة في المدح واثبات الكمال كما في ( أنت الرجل ) بحيث يستكشف منه الحصر الادّعائي.

ثم انّه لو كان المراد من تعريف المسند اليه الاستغراق فالظاهر عدم الاشكال في افادته الحصر الحقيقي ـ لو لا القرينة على كونه لمجرد الادّعاء ويكون التعبير بالمعرّف للتوسع والتفنن في العبارة ـ كما انّه يكون حمل المعرّف الاستغراقي قرينة لعدم فرد له غير المحمول.

واما لو كان المراد الجنس فلا يدل على العموم ، إلاّ اذا اريد من الجنس ـ المشار اليه بالاشارة الذهنية ـ المتحد معه وجوده السعي ، وإلاّ فلو اريد من الحمل مجرد الاتحاد مع وجود الطبيعة المهملة فلا يدل على العموم ، ضرورة عدم دلالة مجرد الاتحاد على الحصر.

واما ارادة الحمل الذاتي من هذه الموارد وان كان يفيد الحصر أيضا إلاّ أنه لا يخفى فساده ، ضرورة ظهور كون الحمل فيها شائعا لا ذاتيا.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الحصرين ).

(٢) كفاية الاصول : ٢٤٩ ؛ الحجرية ١ : ١٧١ للمتن و ١ : ١٨٠ العمود ١ للتعليقة.

٤٦٥
٤٦٦

المقصد الرابع

العام والخاص

٤٦٧
٤٦٨

المقصد الرابع

في

العام والخاص

٣٧٠ ـ قوله : « فصل : قد عرّف العام بتعاريف ... الخ ». (١)

الظاهر عدم الاحتياج الى تعريفه لانّه ـ مضافا الى وضوح معناه المتعارف عند الاصولي بالنسبة الى الاستيعاب الشمولي مثلا ـ لا يترتب على تعريفه ما يترتب على تعريف غيره من الالفاظ المصطلحة بينهم ، من كونه ضابطا لجزئيات محدودة وموجبا لمعرفة افرادها وتميّزها عن غيرها ، حيث انّ معرفة الالفاظ الدالة على العموم معلومة ومحصورة بنفسها من غير حاجة الى الضابط.

وعلى تقدير الشك فيها لا يرتفع ذلك ببيان الضابط بل يبقى على ما هي عليه من الشك في الافادة وعدمها ، وحينئذ فلا مقصود لهم من التعريف إلاّ بيان جامع بالنسبة الى الموارد المعلومة ، وهو غير مفيد فائدة مهمة كما لا يخفى.

٣٧١ ـ قوله : « فصل : لا شبهة في انّ للعموم صيغة تخصه لغة وشرعا ». (٢)

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥٢ ؛ الحجرية ١ : ١٧٢ للمتن و ١ : ١٨٠ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٥٣ ؛ الحجرية ١ : ١٧٣ للمتن و ١ : ١٨٠ العمود ١ للتعليقة.

٤٦٩

أقول : ان ما يمكن أن [ يتنازع ] (١) فيه مقامان :

الاول : في وجود صيغة خاصة له ، بلا اشتراك بينه وبين الخاص وضعا وعدمه.

والثاني : في ظهورها ، مما يثبت وضعه له في موارد الاستعمال وعدمه ، من جهة قرينة عامة صارفة أو موجبة لعدم انعقاد الظهور فيه.

امّا المقام الاول : فالظاهر انّه لا ريب في ثبوت الوضع بالنسبة الى بعض الالفاظ بخصوصه بلا اشتراك بينه وبين الخصوص بلا احتياج في اثباته الى التبادر ونحوه ، لما عرفت في محله من لزوم انتهاء التبادر ـ المفتقر اليه في اثبات الوضع ـ الى العلم اجمالا وارتكازا ، وامّا مع العلم به تفصيلا مقام الاجمال فلا يحتاج اليه بل هو مقدم عليه كما لا يخفى.

وما نحن فيه من هذا القبيل ، لوضوح العلم التفصيلي بالوضع بالنسبة الى بعض الالفاظ بحيث لا تعتريه شبهة أصلا.

وامّا المقام الثاني : فقد قيل بعدم ظهور الفاظ العموم فيه ، لغلبة التخصيص وشيوعه حتى قيل : « ما من عام إلاّ وقد خص » فيكون غير ما علم فيه التخصيص في معرضه أيضا ، فلا يتحقق له ظهور فيه أصلا.

ولكنه يدفع : بأنّ ذلك مسلّم لو كانت الغلبة في المخصصات المتصلة امّا لو كانت في المنفصلات كما هو كذلك فلا ، حيث انّه لا يوجب عدم الاستعمال فيه ولو لضرب القاعدة كما قرر في محله ، وحينئذ نقول : انّ الفاظ العموم مستعملة فيه غالبا ـ ولو كان المراد منها خاصا ـ بالارادة الجدّية لا الاستعمالية ، لكون المراد منها هو العموم ضربا للقاعدة.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( ينازع ).

٤٧٠

والذي يثمر في الظهور هو غلبة التخصيص بالارادة الاستعمالية وهو منفي في المقام ، مع أنه يمكن أن يقال بذلك في التخصيص بالمتصل أيضا ، بناء على كون ارادة الخاص بتعدد الدال والمدلول في مدخول مثل ( كل ) و ( اللام ) ويكونان مثلهما مستعملين طبيعة مقيدة ، وفي المنفصل طبيعة مطلقة ؛ إلاّ أنّ كلمة ( اللام ) و ( كل ) باقيان على العموم والشمول إلاّ أن تقوم قرينة على ارادة البعض من لفظ ( كل ) مثلا فتكون مجازا في الخاص.

ومجرد ذلك في بعض الاحيان لا يصلح قرينة عامة صارفة لظهورها في العموم كما هو واضح.

٣٧٢ ـ قوله : « ولا الى انّ التخصيص قد اشتهر وشاع ... الخ » (١).

اشارة الى النزاع في المقام الثاني الذي عرفته.

٣٧٣ ـ قوله : « فصل : ربما عدّ من الالفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي ». (٢)

لما فرغ عن اثبات أصل الوضع في الجملة شرع في الصغريات.

ولا اشكال في وضع كلمة ( كل ) والجمع المحلى باللام للعموم ، وامّا غيرهما : من الجمع المضاف والمفرد المحلى باللام والنكرة في سياق النفي ، فالظاهر عدم وضعها للعموم وان كانت مفيدة له بالحكمة في بعض الموارد لعدم ثبوت أمارة الوضع من التبادر ونحوه في المذكورات ، امّا في الاولين فواضح ، وامّا في الاخير فكذلك حيث انّ المتيقن في مدخول النفي في مثل ( لا رجل ) ونحوه هو الوضع للجنس ، وفيه هو الوضع للنفي ، وامّا العموم فلا دليل عليه.

نعم يمكن اثباته فيه عقلا بعد اثبات كون المدخول هو الطبيعة المرسلة

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥٣ ؛ الحجرية ١ : ١٧٣ للمتن و ١ : ١٧٣ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٥٤ ؛ الحجرية ١ : ١٧٣ للمتن و ١ : ١٨٠ العمود ٢ للتعليقة.

٤٧١

بالحكمة لا المهملة والمقيدة ، لمنافاتهما لها ، لعدم صدق نفي الطبيعة المطلقة إلاّ بنفي جميع افرادها ، فدلالة النكرة المنفية على العموم انما هو بمقدمات الحكمة ـ في المدخول ـ وحكم العقل على عدم صدق النفي إلاّ بنفي الجميع ، لا بالوضع ، هذا.

مع انّ افادة لفظ ( كل ) العموم تحتاج الى مقدمات الحكمة بالنسبة الى مدخوله أيضا باثبات كونه هي الطبيعة المرسلة ، لا المهملة والمقيدة وان كان الفرق : بكون الدلالة على العموم بعد ذلك بالوضع في كلمة ( كل ) وبالعقل في كلمة ( النفي ) كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال : بعدم الاحتياج الى الحكمة بالنسبة الى مدخولهما ، بدعوى : كون كلمة ( كل ) وكلمة ( لا ) للعموم بالنسبة الى ما يصلح أن يراد من المدخول في الاولى ونفيه كذلك في الثانية ، ولكنه محل تأمل.

وعلى أي حال ، فلو ثبت العموم في لفظ وضعا كما في الجمع أو حكمة كما في غيره يكون المخصص الوارد عليه :

امّا بالمنفصل ، فلا يوجب المجاز بالنسبة اليه ولا صرف ظهوره المنعقد فيه بالاستعمال كما سيأتي.

وامّا بالمتصل ، وهو يكون :

تارة : من قبيل القيود والصفات الراجعة الى مدخول أدوات العموم ولا اشكال في كونها مانعة عن انعقاد الظهور في العموم ، إلاّ أنها لا توجب المجاز أصلا امّا بالنسبة اليها فواضح بعد ما عرفت من كونها لعموم مدخولها مطلقا كان أو مقيدا كما فيما نحن فيه ، وامّا بالنسبة الى المدخول فلكون الخصوصية مرادة من نفس القيود بتعدد الدال والمدلول لا من المدخول ، بدعوى كون القيود قرينة لارادة الخصوصية منه أيضا لعدم الاحتياج اليه ، فلا تنثلم أصالة الحقيقة فيه.

٤٧٢

واخرى : يكون من قبيل الاستثناء وما يشابهه فيكون قرينة على عدم ارادة العموم من أدواته ، بل البعض مجازا فيوجب المجازية فيها على اشكال فيه ، بل يمكن اجراء حكم القرينة المنفصلة ودعوى الظهور في العموم كما سيظهر [ قريبا ]. (١)

وما ذكرنا من الوجهين في ذكر القيود لا فرق فيه بين المفرد المحلى باللام ، و ( كل ) ، والنكرة المنفية ، والجمع المحلى باللام كما لا يخفى.

٣٧٤ ـ قوله : « فصل : لا شبهة في أنّ العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقي ». (٢)

ويذكر في وجه الحجية امور :

منها : ما قيل بكونه من جهة كون تمام الباقي أقرب المجازات الى المعنى العام.

وفيه : أنّ الاقربية المعتبرة في تعيين المعنى المجازي [ هي ] ما كانت موجبة لشدة الانس بينه وبين اللفظ [ و ] توجب انصرافه اليه عند القرينة على عدم ارادة الحقيقة ولا يحصل ذلك إلاّ بكثرة الاستعمال ؛ ولا الاقربية الاعتبارية التعمّلية غير الموجبة لذلك كما في المقام.

مضافا الى اختلاف الباقي بعد التخصيص في العمومات ؛ فلا مرتبة خاصة للاقربية يدّعى انصراف لفظها اليه عند صرفها عن العموم كما هو واضح.

ومنها : ما قيل : بأنّ الظهور فيما بقي [ هو ] من جهة كونه معنى حقيقيا أيضا ، حيث انّ العام الاستغراقي بمعنى العموم والشمول.

وفيه : مضافا الى بطلانه بعد البناء على كون صيغة العام حقيقة في العام

__________________

(١) في الاصل الحجري ( آنفا ).

(٢) كفاية الاصول : ٢٥٥ ؛ الحجرية ١ : ١٧٤ للمتن و ١ : ١٨١ العمود ١ للتعليقة.

٤٧٣

الاستغراقي ومجازا في غيره ؛ انّه يستلزم كون العام حقيقة لو استثني منه جميع افراده الى أن يبقى أقل مراتب الشمول من اثنين أو ثلاثة ، وحينئذ فيكون بعد الاخراج مجملا أيضا ، لتعدد الحقائق كما لا يخفى.

ومنها : ما حكي عن الشيخ (١) قدس‌سره ـ بعد تسليم مجازية الباقي ـ وهو : انّ دلالة العام على كل فرد من افراده غير منوط بدلالته على فرد آخر ولو كانت مجازية ، إذ هي انما هو بواسطة عدم شموله للفرد الخارج ، لا بواسطة شموله للباقي ، فالمقتضي للحمل عليه موجود وهو الدلالة الاصلية والمانع انما هو بالنسبة الى الخارج وحده ، فيبقى في دلالته على تمام الباقي بحاله.

وفيه :

انّه مجمل المراد ، حيث انّ المراد :

لو كان هو الدلالة المستندة الى الوضع لكل واحد ، فلا وجه له بعد تسليم المجازية واختصاص الوضع بخصوص الاستغراق ؛ مع أنه على تسليمه يكون الصالح لدلالته عليه بالوضع متعددا ، فلا يرتفع الاجمال.

هذا مضافا الى عدم الاشكال في فساد القول بدلالة مستقلة لكل واحد بعد تسليم الوضع للعموم ، حيث انّه معنى اجمالي يشمل جميع افراده استغراقا ويكون الوضع والدلالة على كل من افراده في ضمنه تبعا [ فتناط ] (٢) الدلالة عليه على الاستعمال فيه والدلالة عليه ، وبعد انتفاء تلك الدلالة في مورد التخصيص فكيف تبقى الدلالة التبعية بالنسبة اليها؟

وإن كان المراد : انّ الدلالة على كل واحد انما كانت موجودة حين الدلالة على المعنى العمومي فيبقى بعد ارتفاعه بالنسبة اليها.

__________________

(١) مطارح الانظار : ١٩٢ السطر ١٧ ـ ٢١ والطبعة الحديثة ٢ : ١٣٢.

(٢) في الاصل الحجري ( فينوط ).

٤٧٤

ففيه : انها كانت تابعة للدلالة عليه فكيف تبقى بعد ارتفاع المتبوع؟

وان كان المراد ما نذكره في المخصص [ قريبا ] (١) ففيه : انّه مناف للتصريح بالمجازية كما سيظهر.

والأولى أن يجاب :

بأنّ المخصص ان كان منفصلا فلا يوجب المجازية في دليل العام ولا ارتفاع ظهوره [ الاستغراقي ] (٢) حيث انّه كان المراد في العموم بالارادة الاستعمالية لضرب القاعدة كي يكون دليل العام حجة من المولى للعبد ، وعليه في المورد المشكوك والمنفصل انما يصادم الارادة الجدّية بمقدار دلالته ، وفي غيره تبقى الارادة الاستعمالية والظهور بحالهما في كونهما طريقين الى الارادة الجدّية ما لم تقم حجة اخرى على الخلاف ، والمفروض انتفاؤها في غير الخاص ؛ والحجية في كل ما يشمله ظهوره ليس من منوط بالحجية في غيره كما كان كذلك في أصل الظهور. ولعل ما ذكرناه من الحجية في المنفصل هو مراد الشيخ رحمه‌الله لكنه عرفت عدم انطباق كلامه عليه.

وامّا ان كان المخصص متصلا : فان كان من قبيل القيود والصفات الموجبة لتقييد العام فينعقد ظهوره فيما بقي بلا مجاز فيه أصلا لكون التضييق بتعدد الدال والمدلول لا في ارادة العام ، لكونها دالة على العموم بالنسبة الى افراد الطبيعة المقيدة.

وان كان من قبيل الاستثناء فيحتمل أن يكون نظير القيود الأخر قرينة على تقييد العام بلا انثلام في العموم المستفاد من الادوات ، غاية الامر يكون العموم في افراد الطبيعة المقيدة لا المرسلة ، فلا مجاز فيها أيضا.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( آنفا ).

(٢) في الاصل الحجري ( الاستقراري ).

٤٧٥

ويحتمل أن يكون حاله حال المخصص المنفصل في كون لفظ العام مستعملا في العموم توطئة للاخراج بالاستثناء ، ولكنه يكون الاستثناء فيما نحن فيه قرينة على كون الموضوع هو الباقي بعد ما خرج عنه بأن يكون الاسناد والحكم بعد الاخراج عن العام المستعمل في العموم توطئة ، بخلاف المنفصل ، لكون الحكم فيه مستندا الى العام بعمومه كما هو ظاهر.

ويحتمل أن يكون كالمنفصل حتى في اسناد الحكم الى العام ، لضرب القاعدة ، ولكنه بعيد.

وعلى أي حال فلا مجاز في العام بعد التخصيص بالنسبة الى ما بقي بعد أصلا.

٣٧٥ ـ قوله : « فصل : اذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا بأن كان دائرا بين الاقل والاكثر ». (١)

أقول : امّا ان كان المخصص المجمل من قبيل القيود المتصلة بالعام فيوجب سراية الاجمال اليه حيث انّه يكون العام بقيده المتصل به ، لما عرفت من صيرورته مجملا وغير قابل للحجية أصلا.

وامّا ان كان من قبيل المنفصل فلا يوجب سراية الاجمال بالنسبة اليه بعد ما عرفت من عدم ايجابه لارتفاع ظهوره ، بل العام باق على ظهوره في العموم ؛ وكذا لو كان المخصص معلوما من حيث المفهوم اذا كان مشتبها.

نعم يكون المنفصل موجبا لتضييق دائرة حجيته ، وهو انما يصح بالنسبة الى ما كان حجة فيه لا بالنسبة الى ما كان مجملا فيه ، كما لو كان المخصص بلفظ ( الفاسق ) المردد بين المرتكب للكبيرة فقط أو المرتكب للصغيرة أيضا ، فيشك

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥٨ ؛ الحجرية ١ : ١٧٥ للمتن و ١ : ١٨١ العمود ٢ للتعليقة.

٤٧٦

في فسق المرتكب للثاني بعد العلم بفسق المرتكب للاول ، فحيث لم يكن المخصص حجة بالنسبة اليه فيبقى ظهور العام حجة بالنسبة اليه بعد بقاء ظهوره في عمومه لافراده.

وامّا الاستثناء فالظاهر انّه من قبيل المتصل لا المنفصل فيوجب الاجمال في العام لو كان المستثنى مجملا ، فلا ينعقد له ظهور في العموم.

هذا كله في المردد بين الاقل والاكثر.

وامّا المردد بين المتباينين فلا اشكال في عدم حجية العام بالنسبة اليه مطلقا ، للاجمال ، أي سواء كان متصلا أو منفصلا وهو واضح.

وامّا لو كان المخصص مشتبها مصداقا لا مفهوما :

فان كان بين المتباينين فلا اشكال في عدم الحجية أصلا.

وان كان بين الاقل والاكثر ، فان كان بالمتصل فواضح ، لعدم احراز جزء العنوان المأخوذ في موضوع الحكم كما لو كان أصل عنوان العام مجملا في نفسه.

وامّا لو كان بالمنفصل ، فقد يتوهم الحجية ، لعدم حجية الخاص بالنسبة الى الفرد المشكوك دخوله تحته كي يوجب تخصيص العام.

ولكنه وهم حيث انّ المخصص وان لم يكن حجة في الفرد المشكوك ، إلاّ أنه حجة في بيان مراد المولى من العام بأنّ الارادة الجدّية [ هي ] في غير ما انطبق عليه عنوان الخاص ، فيعلم انّ المراد الجدي فيه غير عنوان الخاص.

والمراد الاستعمالي وان كان أوسع من ذلك إلاّ انّه خرج عن الحجية بمقدار عنوان الخاص ، فالفرد المشكوك لم يحرز انه من العنوان الباقي أو الخارج ، فلا يكون حجة فيه.

ومجرد بقاء الظهور لا يجدي في الحجية بعد تضييق دائرة الحجية ؛ ولا يرد ذلك في المخصص المجمل مفهوما ، لعدم خروج العام بسببه عن الحجية إلاّ في

٤٧٧

المقدار الذي كان الخاص في نفسه حجة في مفهومه وهو المقدار المتيقن.

وامّا المخصص المشتبه مصداقا المبيّن مفهوما فهو حجة في نفس عنوانه الكلي فيوجب تخصيص العام بغير عنوانه ، فلا بد من احراز الباقي حتى يتمسك به.

والسرّ : انّ عنوان الخاص يكون أظهر عند العرف في تعيين المراد الواقعي [ من ] (١) العام ، فيوجب التوقف عن التمسك في الفرد المشكوك مصداقا عندهم ، إلاّ مع العلم بدخوله في الباقي ؛ وليس كذلك المخصص المشتبه المفهوم لعدم العلم بمفهومه وطريقيته الى الواقع ، فكيف يتوقف عن ذلك بعد انعقاد ظهوره؟ وحيث انّه ليس للشارع طريقة اخرى في مباحث الالفاظ فتكون طريقته طريقة العرف في جميع ذلك.

فان قلت : انّ توقف العرف عن التمسك بالعام لعله من جهة عدم جعلهم حكما ظاهريا في المشكوك ، بخلاف الشارع فلعله يكون ظهور العام في الفرد المشكوك حكما ظاهريا من قبله حتى يعلم المخصص.

قلت :

أولا : ان الحكم عند العرف هو التوقف ؛ ولو كان عندهم حكما ظاهريا أيضا عن بعض مواليهم بالنسبة الى عبيدهم فيكون ذلك طريقة الشرع أيضا.

وثانيا : انّ مجرد جعل الشرع حكما في غير المورد لا يدل عليه فيه أيضا.

ومجرد امكانه لا يدل على حجية العام في المشكوك مع عدم حجيته عند العرف ، بل تحتاج الحجية الى دليل صريح من قبله على ذلك ، وإذ ليس فليس.

فان قلت : عموم « العلماء » في عنوان العام وشموله لجميع افراده ـ حتى

__________________

(١) في الاصل الحجري ( عن ).

٤٧٨

المشكوك الدخل منها في المخصص ـ يكون قرينة على ارادة الحكمين منه : الواقعية بالنسبة الى الافراد المعلوم الخروج من المخصص ، والظاهرية بالنسبة الى المشكوك فيه ؛ نظير ما قرر في مثل : « كل شيء طاهر » (١) في استفادة الحكم الواقعي منه بالنسبة الى العنوان الواقعي ، والظاهري بالنسبة الى العنوان المشكوك الثانوي ، من جهة عموم ( الشيء ) لكلا العنوانين.

قلت : فرق بين ( الشيء ) الشامل [ للواقعي ] (٢) وبين عنوان العام الذي هو العنوان الواقعي فقط ، فالحكم الثابت له لا يكون إلاّ حكما واقعيا بحسب دليله وان كان يحكم بدليل حجية سنده أو ظاهره انّه يكون حكما ظاهريا.

والحاصل : انّ المخصص لما كان أقوى ظهورا في تعيين المراد الواقعي بمقدار عنوانه فتكون طريقة العرف العام العمل بالعام في المورد المتيقن بقاءه تحته والتوقف في المشكوك ، ولم يصل من الشرع ـ على الخلاف ـ بيان ، مع انّ الشك في الحجية كاف في عدمها ، فلا بد في العمل بالعام من احراز عدم كون الفرد المشكوك داخلا في المخصص ولو بأصل معتبر يدل على كونه من العناوين الباقية.

ثم انّه هل يحرز ذلك في جميع الموارد حتى فيما لم يكن لواحد من العناوين الباقية أو الخارجة حالة سابقة أم لا؟ فنقول :

__________________

(١) ليس من كلام المعصوم ، وانما هو عنوان مذكور في كتب الحديث في بعض ابواب كتاب الطهارة ؛ وقد حكاه مستدرك الوسائل عن الصدوق رحمه‌الله ؛ مستدرك الوسائل ٢ : ٥٨٣ الباب ٣٠ باب ان كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه. نعم هناك رواية بلفظ : « كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر » ؛ تهذيب الاحكام ١ : ٢٨٥ باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات الحديث ١١٩ أواخر الحديث ؛ ووسائل الشيعة ٢ : ١٠٥٣ أبواب النجاسات ـ باب ان كل شيء طاهر حتى يعلم ورود النجاسة عليه ... الخ الحديث ٤.

(٢) في الاصل الحجري ( الواقعي ).

٤٧٩

فيه تفصيل وهو : انّ المخصص لو كان قيدا وجوديا موجبا لتقييد عنوان العام كما لو كان عنوانه مثل ( العدالة ) فلا أصل لاحرازه فيما ليس له حالة سابقة ؛ وامّا ان لم يكن كذلك بأن يكون عنوانه وجوديا مباينا للعناوين الباقية كما لو كان المخصص ( لا تكرم الفساق ) مثلا فلا يبعد أن يقال : الاصل عدم تحقق الفسق أو النسبة بينه وبين الشخص المشكوك بمفاد كان التامة ، حيث انّه لم يكن قبل وجوده فسقه الخاص والنسبة الخاصة ويشك في تحققهما بعد وجوده فالاصل عدمها المحمولي في نفسه ، لا اثباته للشخص بمفاد ليس الناقصة كي يرد بعدم الحالة السابقة له.

فان قلت : انّ المخصص الافراد المتصفة بصفة الفسق بمفاد كان الناقصة ، فما دام لم يحرز عدمه كذلك فكيف يتمسك بالعام؟

قلت : هو ذلك إلاّ أنه يكفي في التمسك به احراز العنوان الباقي المنوط به الحجية ، ولا شك في انّ العام لم يضر المتحقق معه صفة الفسق من العناوين الباقية غير عنوان الخاص ، فبمجرد احراز العنوان الباقي يكون العام حجة فيه وان لم يثبت الاتصاف بعدم الفسق بليس الناقصة.

والسرّ : انّ التوقف عن التمسك بالعام أولا كان للشك في دخول العناوين الباقية وان كان ذلك للشك في دخوله في عنوان المخصص ، فبعد احراز واحد منها لم يكن وجه للتوقف.

وان أبيت إلاّ عن لزوم احراز عدم المخصص في جواز التمسك ، قلت : في التعبد بعدمه التعبد بعنوان الباقي المنافي معه ، بناء على كون المنافاة بينهما أعم من وجودهما الواقعي والظاهري ، فيحكم بعدم أحد المتنافيين بمجرد احراز الآخر بلا أصل مثبت ، كما يكفي احرازه في الحكم بثبوت لازمه ـ كوجوب الاطاعة ـ الأعم كما قرر في محله.

٤٨٠