تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

تأسيس الاصل

في

مقدمة الواجب

٢٣٥ ـ قوله : « في تأسيس الاصل ». (١)

فنقول : انّ البراءة لا مجرى لها عقلا لعدم العقاب على ترك المقدمة ، ولا نقلا لو كان مفاده التقرير. نعم لو كان مفاده مطلق الاثر الشرعي ـ ولو لم يترتب عليه العقاب ـ فلا بأس باجرائها في وجوب المقدمة. وامّا الاستصحاب فبالنسبة الى محل البحث ـ وهو الملازمة ـ فلا مجرى له :

امّا أولا : فلعدم الحالة السابقة لها ، لكونها على كل من تقديري وجودها وعدمها أزليا غير محتاج الى تحقق طرفيها فعلا.

وامّا ثانيا : فلعدم ترتب الاثر عليها شرعا.

وامّا بالنسبة الى اللازم ـ وهو وجوب المقدمة ـ فلا مانع عنه ، لكونه مسبوقا بالعدم قبل وجوب ذيها.

وتوهم : كونه لازما قهريا ـ على القول بالملازمة ـ لوجوب ذي المقدمة ، فيكون نظير لوازم الماهية غير قابل للجعل ، فلا يجري فيه الاصل.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٥ ؛ الحجرية ١ : ١٠٥ للمتن و ١ : ١١٠ العمود ١ للتعليقة.

٣٠١

مدفوع : بأنّه وان لم يتعلق به الجعل على حدة إلاّ أنّ تعلقه به ، بل تبعا لوجوب ذيها في جريان الاصل.

ودعوى : عدم جريانه بعد دعوى الملازمة إلاّ تبعا لجريانه في وجوب ذيها ، والفرض عدم جريانه فيه.

مدفوعة : بأنّ الملازمة ـ على القول بها ـ انما هي بين الوجوبين واقعا لا في المرتبة الفعلية ، فيمكن الانفكاك بينهما في هذه المرتبة ، كما هو كذلك بالنسبة الى مرتبة التنجز حيث انّه يحكم العقل ؛ وعدم العلم بأحدهما يكفي في عدم حكمه.

نعم لو كانت الملازمة عند القائلين بها في مقام الفعلية أيضا فتكون الدعوى صحيحة بالنسبة الى نفي وجوب المقدمة بنفسه ، لا بالنسبة الى الاثر الزائد من النذر ونحوه لو كان نظير الموجودات الخارجية المرتبة عليه أثرا شرعا ، حيث لا مانع عن جريان الاصل فيها بلحاظ أثرها ، فتأمل.

٢٣٦ ـ قوله : « لما صح التمسك بالاصل ». (١)

الثابت بحسب الدورة الاخيرة قوله : « لما صحّ » ، وعرفت وجه عدم جريان الاصل في الحاشية السابقة.

ولكن بحسب مباحثتي مع المصنف طاب ثراه [ سلّم ] (٢) انّه يصح ثبت قوله : « لصحّ » أي لصح التمسك بالاصل في اثبات بطلان الملازمة ، حيث انّ عموم دليل الاصل يكشف عن عدم المنافي له ومنه الملازمة الفعلية ؛ وهذا نظير [ نفي ] (٣) المخصص اللبّي بعموم الدليل عند الشك فيه كما يتمسك بعموم « لعن الله

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٦ ؛ الحجرية ١ : ١٠٥ للمتن و ١ : ١١٠ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( تسلّم ).

(٣) في الاصل ( النفي ).

٣٠٢

بني اميّة قاطبة » (١) على جواز لعن المشكوك.

٢٣٧ ـ قوله : « والأولى احالة ذلك الى الوجدان ». (٢)

فانّه بعد المراجعة اليه وملاحظة حال تعلق الارادة بشيء ـ مع ما عليه من توقفه على مقدمات بحيث لا يمكن الوصلة اليه بدونها مع خلوّ الطبيعة عن الاعوجاج واستفراغ وسعه على تخلية نفسه عن اللجاج وعن المطالب العلمية وعن إعمال المقدمات العقلية ـ يشهد انّ ارادته تستلزم الارادة المولوية بها بالارادة التفصيلية حين ملاحظتها كذلك والاجمالية البسيطة ، على نحو لو حاول كشفها لكان في قالب الارادة حين ملاحظتها تفصيلا.

وليعلم انّ الطلب المتعلق بها شرعا غير اللابدية العقلية المتعلق بها والوجوب الفرضي المنطبق عليها كما في لوازم الواجب ، ولكنه ليس في الوضوح بنحو يعدّ منكره مكابرا. نعم من تأمل وراجع نفسه لأنصف.

ثم انّ مشاهدة الوجدان ـ وان لم يكن اقناعيا ـ غير ملزم به الخصم ، إلاّ أنّ المقام ليس مما يثبت بالبرهان كما تشهد به المراجعة الى الادلة.

وقد استدل عليه أيضا باتفاق العقلاء الكاشف عن كونه أمرا واقعيا جزما ، وإلاّ لما تراكمت به العقول ولما تسالمت النفوس.

وفيه : مضافا الى عدم الاتفاق عليه الاّ بين المتأخرين ، أنه على تقدير التسليم لا يستكشف به الوجوب المولوي ، لاحتمال كون الاتفاق بملاحظة الوجوب اللابدّي والوجوب العرضي على ما عرفت.

__________________

(١) زيارة عاشوراء المعروفة.

(٢) كفاية الاصول : ١٥٦ ؛ الحجرية ١ : ١٠٥ للمتن و ١ : ١١٠ العمود ١ للتعليقة.

٣٠٣

٢٣٨ ـ قوله : « وجود الاوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات ». (١)

لا يخفى : انّه لو قطع بأنّ الاوامر الشرعية والعرفية انما هو بملاك مولوي فلا اشكال في كونه دليلا قطعيا على كون المقدمية موجبة للامر المولوي مطلقا ، وإلاّ فيكون دليلا ظنيا كاشفا عن ثبوت ما هو ملاكه ، لاصالة ظهور الاوامر في المولوية ، بضميمة القطع بأنّ هذه الاوامر غيرية لا نفسية ؛ وبملاحظة القطع باتحاد الملاك الغيري في جميع المقدمات يثبت المطلوب كلية ، ولكنه لما كان النزاع في الملازمة العقلية فيؤيد به المسألة الاثباتية.

٢٣٩ ـ قوله : « هو كالاصل لغيره ... الخ ». (٢)

حيث انّه قد أخذ منه ـ بتغيير ما فيه أو بذكر بعض اللوازم مقام بعض ـ ما اخذ في هذا الدليل ، فيكون كالاصل لغيرها.

٢٤٠ ـ قوله : « لو لم يجب المقدمة لجاز تركها ». (٣)

لا يخفى : انّ الجواز في الشرطية الاولى امّا بمعنى الاباحة بالمعنى الاخص أو بمعنى مجرد عدم المنع ، وعلى كل منهما : امّا شرعي ، أو كلاهما ، والملازمة في كل منهما ممنوعة ، إلاّ على تقدير ارادة عدم المنع الشرعي من الجواز.

ثم انّ المضاف اليه في قوله : « صحّ في [ الشرطية ] (٤) الثانية » (٥) امّا مجرد الجواز ، أو مجرد الترك ، أو الترك المستند الى الجواز ؛ والملازمة الثانية بين

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٧ ؛ الحجرية ١ : ١٠٦ للمتن و ١ : ١١٠ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٥٧ ؛ الحجرية ١ : ١٠٦ للمتن و ١ : ١١٠ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ١٥٧ ؛ الحجرية ١ : ١٠٦ للمتن و ١ : ١١٠ العمود ٢ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( الشرعية ).

(٥) مقصوده قول الآخوند في المتن بعد عدة سطور : « صدق القضية الشرطية الثانية ».

٣٠٤

المقدم وأحد شقّي التالي ممنوعة إلاّ على الاخير كما لا يخفى.

وملخص الجواب : انّ المضاف اليه لو كان مجرد الجواز فيختار الشق الاول ـ وهو كون التكليف باقيا ـ ولا يكون بما لا يطاق لعدم تأثير الايجاب في القدرة.

وان كان مجرد الترك ولو لا عن جواز فيختار الشق الثاني ـ وهو سقوط التكليف ـ ولا يلزم خروج الواجب المطلق عن وجوبه ، لانّ الخروج المذكور انما هو اذا كان الامر بلا موافقة ولا عصيان ، إلاّ ما اذا كان بالأول أو الثاني كما في المقام ، لانّ السقوط فيه انما هو بسبب مخالفة الواجب النفسي بترك مقدمته بعد حكم العقل بلزوم اتيانها مقدمة لامتثال الواجب النفسي مع قدرته عليه كما لا يخفى.

وان كان الترك عن جواز شرعا وحده مع حكم العقل بلزوم الاتيان فكذلك أيضا.

وان كان عن جواز شرعا وعقلا فيلزم أحد المحذورين ، إلاّ انّ الملازمة حينئذ في الشرطية الاولى باطلة كما في المتن.

فقد ظهر عدم صحة الاستدلال امّا من جهة بطلان الملازمة في الشرطية الاولى أو في الشرطية الثانية.

٢٤١ ـ قوله : « وارادة الترك عما أضيف اليه الظرف ». (١)

لا بمجرده ، بل مع الاستناد الى الجواز كما عرفت.

٢٤٢ ـ قوله : « وامّا التفصيل بين السبب وغيره ». (٢)

لا يخفى انّ السبب في الفعل التسبيبي :

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٥٧ ؛ الحجرية ١ : ١٠٦ للمتن و ١ : ١٠٦ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٥٨ ؛ الحجرية ١ : ١٠٦ للمتن و ١ : ١١٠ العمود ٢ للتعليقة.

٣٠٥

يكون تارة واسطة لايصال أثر الفاعل الى المسبب ، فيكون كالآلة.

ويكون اخرى مؤثرا بنفسه فيه حقيقة كالاحراق المستند الى النار.

ويكون ثالثة موجبا لاستعداد الموضوع لحلول عرض من كيفية مثل ( البياض ) و ( العلم ).

والتفصيل انما هو بين القسمين الاخيرين وبين سائر المقدمات ؛ [ و ] وجهه انّ اللازم في متعلق التكليف أمران :

أحدهما : انّه لا بد أن يكون مقولة الفعل والحركة ، والمسبب لم يكن من حركات المكلف وأفعاله.

ثانيهما : أن يكون صادرا من المكلف ، وفيما نحن فيه ليس إلاّ السبب فلا بد من توجيه الامر اليه.

وفيه : انّ اللازم في التكليف عقلا أن يكون لاختيار المكلف به بحيث ان شاء وجد وان لم يشأ لم يوجد ، ولا يلزم أن يكون صادرا منه بلا واسطة ، هذا.

مضافا الى [ أنّ ] ما ذكر ليس تفصيلا في الامر الغيري بين السبب وغيره ، بل هو قول بتوجيه الامر النفسي ـ المتعلق بالمسبب ظاهرا ـ الى السبب واقعا ، وهو مع فساده لا ربط له [ بالمقام ]. (١)

٢٤٣ ـ قوله : « وامّا التفصيل بين الشرط الشرعي وغيره ». (٢)

حاصله : انّه لو لم يجب الشرط الشرعي لم يكن بشرط ، حيث انّه أجنبي عن المشروط بنظر العقل ، وانما كانت شرطيته بأمر الشارع ، فلو انتفى الامر لانتفت الشرطية.

وفيه : مضافا الى ما عرفت سابقا من رجوع الشرط الشرعي الى العقلي ،

__________________

(١) في الاصل الحجري ( في المقام ).

(٢) كفاية الاصول : ١٥٩ ؛ الحجرية ١ : ١٠٦ للمتن و ١ : ١١١ العمود ١ للتعليقة.

٣٠٦

حيث انّ المأمور به وجود خاص اخترعه الشارع بخصوصيته لا يمكن تحققها بدون شرطه ، نظير الماهيات الخارجية المقترنة بالشرط ، والموجود الخاص بما هو كذلك لا يمكن عقلا إلاّ باتحاد ما يكون منشأ لخصوصيته.

انّ الامر الغيري بناء على تسليمه انما يترشح من الامر النفسي الى ما هو شرط بنفسه ، فيتوقف الامر الغيري على الشرطية فكيف يتوقف الاشتراط على الامر؟ فهل ذلك إلاّ دورا؟

وامّا تبعية الوضع بناء على انتزاعيته انما يكون بالنسبة الى الامر النفسي المتعلق بالمركب وهو المنتزع عنه ، لا الغيري. نعم يكون كاشفا عن الشرطية بقوله تعالى : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) (١) حيث يكشف عن الخصوصية الواقعية في المأمور به.

٢٤٤ ـ قوله : « لا عن الغيري ، فافهم » (٢).

لعله اشارة الى انّ الشرط من حيث دخله في مصلحة ذات الواجب التي تكون ملاكا للنفسي يكون مقدما عليه أيضا ، فلو كانت شرطيته لهذه المرتبة منتزعة عنه للزم الدور أيضا.

نعم شرط الواجب بوصفه العنواني يكون منتزعا عن الوجوب النفسي ، وحينئذ فلا وجه لجعل الشرطية منتزعة عنه مطلقا. وهكذا الامر في الجزئية.

٢٤٥ ـ قوله : « وامّا مقدمة الحرام والمكروه فلا تكاد تتصف بالحرمة أو الكراهة ». (٣)

فالظاهر انّه لا شبهة في نظر العقل بين أقسام الطلب ـ بناء على الملازمة ـ في

__________________

(١) سورة المائدة : ٦.

(٢) كفاية الاصول : ١٥٩ ؛ الحجرية ١ : ١٠٧ للمتن و ١ : ١١١ العمود ١ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ١٥٩ ؛ الحجرية ١ : ١٠٧ للمتن و ١ : ١١١ العمود ١ للتعليقة.

٣٠٧

استلزام طلب شيء طلب مقدماته على النحو الذي تعلق به من الرجحان مع المنع من النقيض وعدمه.

وكذا لا فرق بين مقدمة الحرام ومقدمة الواجب في عدم اعتبار قصد التوصل والاتصاف بالمطلوبية إلاّ في الاطاعة في الاول والتجري في الثاني.

نعم الفرق بينهما : انّ المطلوب الغيري في الواجب مطلق مقدماته وفي الحرام خصوص الموصل منها على نحو العلية التامة في الفعل التوليدي ، لا سائر مقدماته السابقة عليه فيه ولا جميعها في المباشري ، حيث انّ الطلب في الاول لما كان متعلقا بالوجود وكان لكل من المقدمات دخل في تحققه بحيث لا يوجد بانتفاء واحد منها فيكون محبوبيته مستلزما لمحبوبية كل منها ، لعموم الملاك ؛ وفي الثاني كان متعلقا بالترك وهو ـ سواء قلنا بافتقاره الى العلة أم لا ـ يحصل بعدم تحقق علة الوجود ويكفي فيه انتفاء واحد من الاجزاء ولو وجدت باقي اجزاء العلة ، فلا يتوقف المطلوب ـ وهو ترك الحرام ـ على ترك الجميع ، بل على ترك واحد منها وهو خصوص الجزء الاخير في الفعل التوليدي ، فيترشح النهي الغيري الى خصوص تركه لا الى ترك غيره ، لعدم ملاك الترشح ، فمحبوبيته توجب محبوبيته ومبغوضية نقيضه ـ وهو فعل الحرام ـ توجب مبغوضية نقيضه دون ترك غيره من المقدمات مما كان التمكن من ترك الحرام حاصلا مع فعلها وتركها ، لعدم توقف المطلوب على تركها.

نعم لو كانت العلة ذات اجزاء عرضية لكان الموقوف عليه ترك واحد غير معيّن منها أو الجامع [ بينها ] (١) وهو ترك العلة التامة المتحقق بكل منها. نعم لو لم تكن له مقدمة لا يبقى معها التمكن من الترك بل كان حاصلا مع جميع المقدمات

__________________

(١) في الاصل الحجري ( بينهما ).

٣٠٨

أيضا كما في الفعل المباشري ، فلا يكون واحد منها محرّما أصلا ، لعدم توقف المطلوب على واحد منها كما لا يخفى.

وجهه : انّ ترك الحرام فيه يستند الى ما يسبق رتبته وهو وجود الصارف المتحقق بترك الارادة لكونه بمنزلة عدم المقتضي ، دون غيره من ترك سائر المقدمات لتأخرها رتبة في استناد الترك اليه كما لا يخفى. والارادة وجودا وعدما لا يتعلق بها الطلب ، لعدم كونه اختياريا ؛ فما يستند اليه ترك الحرام ليس اختياريا لا يستند اليه ترك ، فليس واحد من المقدمات حراما أصلا ، هذا.

مضافا الى انّ الوجدان يساعد في الحرام على مبغوضية الجزء الاخير من مقدماته الموصلة اليه قهرا ، لكفاية تركه في تركه ، وعدم افتقاره الى ترك سائر أجزاء العلة وان كان وجودها مما لا بد منه في وجوده ، فتدبر جيدا.

٣٠٩

مسألة الضد

٢٤٦ ـ قوله : « فصل : الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ، أولا؟ ». (١)

وليعلم : انّ هذه المسألة اصولية ، لترتب فائدتها ـ وهو استنباط الحكم الفرعي للضد ـ عليها ، لا فرعية ، أو من المبادئ الأحكامية وان كان فيها ملاكهما على اشكال في الاخير ؛ والأحسن أن تجعل عقلية لتشتمل الامر الثابت بالدليل اللبّي ، لعموم ثمرة النزاع.

ثم انّ موضوع هذه المسألة امّا أخص [ من ] (٢) موضوع المسألة السابقة بناء على انّ ترك الضد مقدم ، أو مباين بناء على كونه ملازما مع المأمور به.

ولكن النسبة عموم من وجه بحسب الاقوال ، بمعنى انّه يمكن أن يكون المثبت في كل منهما مثبتا في الاخرى أو نافيا ، حيث انّ المثبت في تلك المسألة يمكن أن يقول بالاقتضاء في الضد :

امّا من جهة كون هذه المسألة من صغرياتها بناء على المقدمية وعدم الفرق فيها بين كونها وجودية أو عدمية.

وامّا من جهة الملازمة مع سراية حكم أحد المتلازمين الى الآخر ، فيكون ترك الضد واجبا وفعله حراما.

والعينية بناء على وجه.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٦٠ ؛ الحجرية ١ : ١٠٧ للمتن و ١ : ١١١ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( عن ).

٣١٠

وأن يقول بعدمه فيها بناء على منع المقدمة وانكار العينية واتحاد المتلازمين في الحكم.

كما انّ المثبت في هذه المسألة يمكن أن يذهب اليه من جهة أحد الامرين الاخيرين ، لا من أجل المقدمية مع انكاره في تلك المسألة ، لعدم التلازم بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته.

٢٤٧ ـ قوله : « الاول : الاقتضاء في العنوان أعم من أن يكون بنحو العينية أو الجزئية ». (١)

ولا يخفى انّ الاقتضاء امّا بمعنى المتأثر في مقام الثبوت ، وامّا بمعنى الدلالة في مقام الاثبات ، أو الجامع بينهما بأن يؤخذ بمعنى التأثير ثبوتا أو كشفا.

ولكن النزاع في الاثبات في تعيين دلالة الدليل ـ من المطابقة أو التضمن أو الالتزام بالبيّن بالمعنى الاخص ـ يتوقف على تعيين انّ طلب الفعل عين الزجر عن الترك مفهوما أو مصداقا ، أو مشتمل عليه اشتمال الكل على الجزء ، أو مستلزم له خارجا بلا دخل له في قوامه ، غاية الامر يكون النزاع في الثبوت على هذا من مبادئ المسألة دونه بناء على الاول فانّه نفس المسألة ، وقد عرفت انّ المطلوب هو ذلك للتعميم.

ثم الظاهر انّ المطابقة أو التضمن أو الالتزام بالمعنى الاخص انما هو بالنسبة الى الضد العام ، واللزوم بالمعنى العام بالنسبة الى الضد الخاص.

٢٤٨ ـ قوله : « إلاّ انّه لمّا كان عمدة القائلين بالاقتضاء في الضد الخاص انّما ذهبوا اليه لاجل توهم مقدمية ترك الضد ». (٢)

لأنه قد ظهر مما ذكرنا من بيان النسبة انّ القول باقتضاء الامر بالشيء النهي

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٦٠ ؛ الحجرية ١ : ١٠٧ للمتن و ١ : ١١١ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٦١ ؛ الحجرية ١ : ١٠٧ للمتن و ١ : ١١٢ العمود ١ للتعليقة.

٣١١

عن ضده امّا من جهة مقدمية ترك الضد لفعل الضد المأمور به ، وامّا من جهة التلازم بينهما.

ولكن لما كان عمدة القائلين به قد ذهبوا اليه من جهة المقدمية وهي تحتاج الى اثبات الكبرى ـ وهو وجوب المقدمة ـ والصغرى وهي مقدمية الترك وقد ظهر حال الجهة الاولى في مبحث المقدمة ، فالعمدة في المقام الكلام في الصغرى وهو يتم بسوقه في مطلق الضدين وانّ أحدهما هل يتوقف على ترك الآخر أو العكس أم لا؟

فنقول : انّ فيه أقوالا :

أحدها : توقف الفعل على الترك فقط ، كما نسب الى المشهور.

ثانيها : توقف الترك على فعل الضد ، كما عن الكعبي. (١)

ثالثها : التوقف من الجانبين كما عن الحاجبي (٢) والعضدي. (٣)

والظاهر انّ استناد هذا القول اليهما من جهة كونه لازما لكلامهما ، من الاستناد ـ في عدم حرمة الضد في مقام وعدم وجوب المباح في رد الكعبي في مقام آخر ـ الى عدم وجوب المقدمة ، لا الى انكار المقدمية ، بحيث يظهر منهما التسليم لها من الطرفين ؛ فليس بصريح كلامهما.

رابعها : التفصيل : بين الضد الموجود فيكون رفعه مقدمة لتحقق وجود الضد اللاحق ، وبين عدم المعدوم فلا يكون مقدمة لضده ، مع انكار مقدمة الوجود

__________________

(١) شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي ١ : ٩٦ السطر ١١ ؛ الاحكام ١ : ١٠٧ المسألة الثانية ؛ المنخول : ١١٦ ؛ منتهى الوصول والامل : ٤٠ و ٩٦ ؛ مطارح الانظار : ١٠٨ السطر ٣٠ والطبعة الحديثة ١ : ٥١٨ ؛ فوائد الاصول ١ : ٣٠٦.

(٢) منتهى الوصول والامل : ٩٥ و ٩٧.

(٣) شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي ١ : ٩٦.

٣١٢

للعدم مطلقا ؛ وذهب اليه المحقق الخوانساري (١) مع استظهار ذلك من المحقق الدّواني. (٢)

خامسها : منع التوقف من الجانبين مطلقا ، كما اختاره السيد الكاظمي (٣) رحمه‌الله وتبعه السلطان (٤) والشيخ البهائي (٥) والفاضل الجواد (٦) والسبزواري ، (٧) وهو

__________________

(١) وهو الآقا حسين ( ١٠١٥ ـ ١٠٩٩ ) صاحب مشارق الشموس ، له رسالة في نفي مقدمة الواجب.

الرسائل ( يأتي التعريف بهذا الكتاب في التعليق على قوله : والسبزواري ) رسالة مقدمة الواجب : ١٤٩ ؛ وانظر مطارح الانظار : ١٠٨ السطر ١٨ و ١١٢ السطر ١ والطبعة الحديثة ١ : ٥١٧ ـ ٥٣٠ ؛ ودراسات في علم الاصول ١ : ٣٧٦ ؛ وبدائع الافكار : ٣٧٢ عند قوله : « وخامسها ... الخ ».

(٢) لكن يقول في اجود التقريرات ٢ : ١٧ أن ما نسبه الخوانساري الى الدواني واستظهره منه ، في غير محله واجنبي عن مختار الخوانساري.

(٣) وهو السيد محسن بن السيد حسن الحسيني الكاظمي المعروف بـ ( المحقق الاعرجي ) ، من العلماء المحققين والزهاد ، له عدة كتب ، منها : الوافي في شرح الوافية لـ التوني في اصول الفقه ، والمحصول في شرح وافية الاصول وهو مختصر كتابه السابق ، توفي ١٢٤٠ ؛ ( الكنى والالقاب ٣ : ١٥٦ ) بتصرف. لكن في نقباء البشر لآغا بزرگ الطهراني في القسم الاول من الجزء الثاني ( الكرام البررة ) : ٣٣٤ في الهامش ، يذهب الى ان وفاته هو في ١٢٢٧. والكتابان خطيان موجودان في مكتبة السيد النجفي المرعشي بقم. ثم ان المطلب الآنف موجود في كتابه الوافي في شرح الوافية ( المرقم برقم ١٩٢١ المشتمل على ٣٨٤ ورقة كل صفحة منه مشتملة على ٣٢ سطرا ) في الصفحة الاولى من الورقة ٧٠ السطر ١٢ ـ ٢٣. وقد بحثنا عن المطلب في كتابه الآخر ( المحصول ) المرقم برقم ١٨١٨ فلم نعثر عليه.

(٤) حاشية سلطان العلماء : ٢٨٤ عند التعليق على قول المعالم : « وجوابه يعلم مما سبق آنفا ... الخ ».

ومعالم الدين الطبعة الحجرية : ٦٧ حاشية السطر ١١.

(٥) زبدة الاصول : ١١٨ ، والطبعة الحجرية منه : ٨٢.

(٦) غاية المأمول للفاضل الجواد الكاظمي ، الورقة ١٩٩ الصفحة الثانية السطر ١٥. الفاضل الجواد من تلاميذ الشيخ البهائي له ( مسالك الافهام الى آيات الاحكام ) مطبوع ، وله ( غاية المأمول في شرح زبدة الاصول ) مخطوط موجود في مكتبة السيد النجفي المرعشي في قم ، وتوجد عدة نسخ خطية منه ، بعضها ناقص ، اكملها واوضحها خطا نسخة برقم ١٠٤٩٥ قد رقّمت المكتبة صفحاته كل ورقة برقم واحد.

(٧) الرسائل : ٥٩. هذا الكتاب يشتمل على ستة عشر رسالة لعلماء مختلفين طبع بمناسبة مؤتمر أقيم في سنة ١٤٢٠ قمري و ١٣٧٨ شمسي في ذكرى المحقق الآقا حسين الخوانساري ، ويحتوي الكتاب على عدة رسائل له وعدة رسائل لغيره كتبت نقدا على بعض رسائله ، ومن جملتها ( رسالة في مقدمة الواجب ) للمحقق السبزواري كتبها نقدا على ( رسالة مقدمة الواجب ) للمحقق الخوانساري. وكذلك انظر مطارح الانظار : ١٠٨ السطر ٣٥ والطبعة الحديثة ١ : ٥١٩ ؛ وبدائع الافكار : ٣٧٢ قوله : « وثالثها ... الخ » وص ٣٧٤ قوله : « الثاني ... الخ » وص ٣٧٥ السطر ٥. ودرر الفوائد للحائري ١ : ١٢٧ ؛ وتقريرات الشيرازي للروزدري ٢ : ٤١٣.

٣١٣

المختار عند الاستاذ (١) دام ظله.

ويساعده التحقيق على ما يقتضيه النظر الدقيق :

امّا اولا : فلكون الملاءمة بحسب الوجدان بين عدم أحدهما مع وجود الآخر في الرتبة الناشئة من المعاندة بين الوجودين بلا توهم التنافر في انكار المقدمية ، حيث انّها متوقفة على تقدم العدم عليه ، لأنه بناء عليه من اجزاء علة الوجود ، ولا اشكال في تقدمها بجميع اجزائها على المعلول رتبة ، ومع الملاءمة بينهما في الاجتماع فلا تقدم لاحدهما على الآخر ، ولا أقل من عدم العلم بتحققه ، فعلى مدّعيه الاثبات.

وامّا ثانيا : فلوضوح اتحاد المرتبة بينهما ، لانّ عدم الضد المعدوم نقيض ومتقابل لوجوده المضاد المتقابل مع وجود الضد الموجود ؛ ومن المعلوم انّ بين كل متقابلين من أقسام التقابل اتحاد وتكافؤ في المرتبة ، حيث انّ الاولى منه ما هو المحقق بين الوجود والعدم ، وألاّ خفاء في انّ النقيض للوجود هو العدم البدلي الكائن في رتبته لولاه ، غير المجتمع معه ، لا السابقي ولا اللاحقي المجتمع معه في دار التحقق حتى لو فرض سابقا عليه أو لاحقا بحسب الرتبة ، وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين في مرتبة سلب أحدهما مقدمة للآخر ، ولما كان الوجود عين الرفع لعدمه النقيض كما لا يخفى ، ولما كان متنافيا معه في التحقق ذاتا.

فقد ظهر انّ هذا النحو من التعاند لا يقتضي إلاّ تبادلهما في التحقق وعدم

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٦١.

٣١٤

اجتماعهما معا ، لا ارتفاع أحدهما أولا ثم تحقق الآخر ثانيا.

واذا عرفت ذلك في النقيضين ؛ فكذلك المتقابلان الوجوديان حيث انّ المضادة انما هو بين الوجودين في الرتبة الواحدة ، فالضد للوجود هو الوجود البدلي الثابت في رتبته لولاه ، فاذا قام مقام أحدهما عدمه النقيض له فيكون ذلك في رتبة وجود الآخر أيضا لما عرفت من انّ النقيض هو العدم المتحد في الرتبة مع الشيء المتحد مع ضده في الرتبة ، وحينئذ فلا تقدم ولا مقدمية.

وحيث عرفت انّ الضد هو التبديل للآخر لا اللاحق والسابق عليه ظهر لك عدم الفرق بين الضد الموجود وغيره في عدم توقف وجود أحدهما على عدم الآخر.

وامّا ثالثا : فلانتهائها في عرض واحد بتوسيط علة واحدة مع علة الآخر كذلك الى الارادة الأزلية الى احدى السلسلتين ، وعدم الارادة الأزلية بالنسبة الى الاخرى.

ومن الواضح انّ كل واحد من سلسلة العلة لاحدهما مع واحد من سلسلة علة الآخر الى علة العلل اذا كان متحد الرتبة بلا تقدم [ رتبة ] (١) أحدهما على الآخر ، فكذلك المعلولان الاخيران من السلسلتين وهما وجود أحد الضدين مع عدم الآخر ، فلا مقدمية وهو المطلوب.

مثلا لو فرض كون الصلاة والازالة في أول الزوال متعاندين ، فحيث انهما متضادتان غير مجتمعتين في الوجود فلا بد من تعلق الارادة باحداهما دون الاخرى ، لمرجح من غلبة داعيه على داعي الآخر لاهميته له بالنسبة اليه ، وحينئذ يستند وجود أحدهما الى الارادة وعدم الآخر الى عدمها ، والاول يستند الى غلبة

__________________

(١) في الاصل الحجري ( رتبتي ).

٣١٥

الداعي والآخر الى مغلوبيته بلا تقدم في السلسلتين لواحد من الوجود والعدم الى الانتهاء الى الارادة الأزلية وعدمها ، فاذا لم يكن تقدم بينهما فلا توقف كما هو واضح.

وامّا رابعا : فلاستلزام التوقف ـ على ما ذهب اليه المشهور ـ للدور كما أورده السلطان. (١)

بيانه : كما في المتن ؛ انّ مقدمية ترك أحد الضدين للآخر ليس إلاّ من جهة كون وجوده مانعا مع كون عدم المانع من جملة المقدمات ، ومن المعلوم انّ المانعية من جهة الضدية وهي تقتضي التمانع من الطرفين فيكون وجود الآخر مانعا أيضا ، وحيث انّ وجود المانع علة لعدم الآخر فيلزم الدور ، للتوقف من الطرفين ، من أحدهما بنحو الشرطية ومن الآخر بنحو العلية.

ويمكن تقريره من نفس مقدمية العدم ، لانّ المقدمة ما يلزم من عدمه عدم ذي المقدمة ؛ ومن المعلوم انّ عدم الضدين وجوده فيلزم منه عدم الآخر ، وهو عين علية الوجود للعدم ، والمفروض انّ ذاك العدم من جملة مقدمات الوجود أيضا فقد جاء الدور.

واجيب عن الدور : بأنّ توقف فعل الضد على الترك وان كان فعليا إلاّ أنّ توقف الترك على الفعل شأني ، لعدم استناده فعلا الى أسبق العلتين بالنسبة اليه وهو عدم الارادة ، ولا يلزم في الترك انتفاء جميع اجزاء علة الوجود بل يكفي انتفاء جزء منها ويكون هو المستند فقط على تقدير سبقه ؛ ومن المعلوم انّه في المقام عدم ارادة الضد واستناده الى الضد الآخر ليس إلاّ على تقدير تحقق جميع مقتضيات الوجود بحيث لا وجه لتركه إلاّ وجود الضد الآخر ، وحيث انّ جميع مقتضيات الوجود لا

__________________

(١) حاشية سلطان العلماء : ٢٨٤ عند التعليق على قول المعالم : « وجوابه يعلم مما سبق آنفا ... الخ ».

ومعالم الدين الطبعة الحجرية : ٦٧ حاشية السطر ١١.

٣١٦

تجتمع مع مقتضيات وجود الآخر فدائما يكون استناده الترك الى انتفاء المقتضي ، فلا وجه لاستناده الى وجود الضد إلاّ شأنا ، فلا دور ، لعدم التوقف الفعلي من الطرفين.

فان قلت : إنّا ننقل الكلام الى علة الترك وهو عدم ارادة الوجود ولا وجه له إلاّ ارادة الآخر ، فيلزم الدور لمكان ، المضادة بين الارادتين أيضا.

قلت : انّ عدم الارادة يكون مستندا امّا الى عدم المقتضي فيما لم يشتمل فعل الضد على مصلحة أصلا ، وامّا الى مغلوبية داعيه فيما اذا اشتمل عليها بالنسبة الى مصلحة الآخر ، وتكون الارادة وعدمها في كلا القسمين في عرض واحد بلا استناد لاحدهما الى الآخر.

هذا كله في أفعال الممكن المستندة الى الارادة الجزئية ؛ وكذا الكلام في الافعال المستندة الى الارادة الأزلية عن الواجب تعالى ، لانّ فعل أحد الضدين وترك الآخر مستندان الى ارادة أحدهما وعدم ارادة الآخر المستندين الى الترجيح الاول الحاصل لاحدهما ومرجوحية الآخر ، بلا تقدم لاحدهما على الآخر.

فان قلت : انّ ما ذكرت من عدم توقف فعل أحد الضدين على ترك الآخر انما هو بالنسبة الى الافعال المستندة الى ارادة الشخص الواحد ، وامّا لو كانت ارادتان من شخصين تعلقت احداهما بفعل أحد الضدين مع تمام المصلحة له ، والاخرى بالآخر كذلك ، وحينئذ فمع غلبة أحدهما في التأثير لا وجه لترك الآخر إلاّ وجود ضده فيستند الترك مع تمام المقتضي الى وجود الضد ، فيدور.

قلت : انّ الاستناد في هذه الصورة أيضا الى عدم الشرط وهو القدرة على دفع المعاند ، فعدم القدرة والمغلوبية هو مما يتوقف عليه الترك لا نفس الضد الآخر ؛ وان شئت قلت : استناده حينئذ الى عدم ارادة الآخر القوي المستند ذلك ـ مع ارادته

٣١٧

الاخرى ـ الى غلبة داعيه على داعي الآخر.

والحاصل : انّه ما من مورد إلاّ ويستند فيه الترك الى عدم المقتضي لا الى وجود ضده ، بل وكذا الافعال من الطبيعة من الحرارة والبرودة فانّ عدم أحدهما في مورد التزاحم يستند الى مغلوبية علته وغلبة علة الآخر المنتهيين الى العلة الواحدة بالأخرة وهو الترجيح الأزلي لأحد الضدين على الآخر.

هذا كله غاية ما يمكن أن يقال في رفع الدور مع تسليم المذهب المشهور من توقف الوجود على ترك الضد.

ولكن التحقيق أن يقال : انّ المجيب ان أراد من عدم توقف العدم على الوجود عدم التوقف الفعلي ، لسبق عدم المقتضي وكفايته ولكن مع صلاحية وجود الضد واستعداده للتأثير في العدم على تقدير تمامية المقتضي ، غاية الامر انّ عدم التأثير الفعلي لعدم القابلية في المعلول لا لقصور في المانع ؛ ففيه :

انّ ذلك وان كان كافيا في رفع التوقف الفعلي ، إلاّ انّه لا يرتفع فيه المحال ، لاستلزامه استعداد كون الشيء [ مقدما ] عليه لنفسه وتقدم الشيء على نفسه رتبة كما هو واضح ، ولا اشكال في استحالته ؛ ومجرد عدم التوقف الفعلي غير كاف في رفع الاستحالة.

وان أراد عدم استعداد وجود الضد للمانعية أصلا ، بل مانعيته على تقدير محال وهو اجتماعه مع وجود مقتضي الضد الآخر ؛ ففيه :

مضافا الى عدم صحة الاشتراط لعدم اقتضاء المقتضي للشيء لاعطاء المانعية للضد عن تأثير ، انّه انكار لمانعيته رأسا حيث انّ المانعية على تقدير محال ، فمع عدم المانعية كيف يتوقف على تركه وجود الضد الآخر؟

والحاصل : انّ هذا الجواب لا يخلو : امّا عن انكار التوقف ، وامّا عن تسليم الدور ، فلا أقل من تسليم تقدم الشيء على نفسه رتبة ، فلا شبهة في فساده.

٣١٨

ثم انّه يظهر من التقريرات جواز اجتماع ارادة الضد مع مقتضي ارادة الضد الآخر ، فيكون عدم الارادة مستندا الى ارادة الآخر فيدور فعلا على تقدير توقف الوجود على العدم ، حيث انّه بعد نقل كلام المحقق الخوانساري في جواب الدور والايراد عليه قال في الجواب بقوله : « ففيه : انّ المقتضي لارادة الصلاة تعلق أمر الشارع وكونها ذات مصلحة مجتمعة وهو أمر قائم بنفس الصلاة ، ومقتضي ارادة الزنا ما فيه من اللذة وحفظ النفس وذلك متعلق بنفس الزاني ، ولا استحالة في اجتماع هذين المقتضيين في الحكمين المختلفين ، فيمكن حينئذ اجتماع ارادة الصلاة مع مقتضي ارادة الزنا ... الخ » (١).

وقال أيضا في الاعتراض في جواب المحقق المزبور عن الدور في مقام آخر بقوله : « وهذا انما يتم اذا قلنا باستحالة تمام مقتضي أحد الضدين مع الضد الآخر حتى يكون عليه فعله لترك الآخر في زمان واحد مستحيلا ؛ وقد عرفت منع هذه الاستحالة ، وانّه يجوز أن يجتمع أحد الضدين مع تمام مقتضي الآخر ، وحينئذ يرد الدور على فرض التمانع ». (٢)

ولكن التحقيق ما عرفت في رفع الدور من عدم استناد الترك الى وجود الضد سواء فرض الضدان هما الفعلان [ أو ] (٣) الارادتان ، بل نقول باستحالة اجتماع العلة التامة للضد مع العلة التامة للآخر ، لاستلزامه اجتماع الضدين المستحيل ، فدائما تكون العلة التامة لاحدهما مع عدم تماميتها للآخر ، فيستند عدم أحد الضدين الى انتفاء علته ولو ببعض اجزائها ، فلا دور فعلا ولو مع التزام قول المشهور ، ومع ذلك نقول بعدم التوقف من طرف أصلا.

__________________

(١) مطارح الانظار : ١٠٩ السطر ٣٠ ـ ٣٢ والطبعة الحديثة ١ : ٥٢٢.

(٢) مطارح الانظار : ١١٠ السطر ٢٣ ـ ٢٥ والطبعة الحديثة ١ : ٥٢٥.

(٣) في الاصل الحجري ( و).

٣١٩

٢٤٩ ـ قوله : « وحيث لا منافاة اصلا ». (١)

هذا اشارة الى اول الوجوه التي ذكرناها في منع المقدمية.

٢٥٠ ـ قوله : « فكما ان قضية المنافاة ». (٢)

اشارة الى الوجه الثاني من الوجوه المذكورة.

٢٥١ ـ قوله : « كيف ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء ». (٣)

اشارة الى الوجه الرابع.

٢٥٢ ـ قوله : « بداهة ثبوت المانعية في الطرفين ». (٤)

حيث ان وجه المانعية هو الضدية ، ومن الواضح انه امر قائم بالطرفين ، فلا بد ان تكون المانعية كذلك.

٢٥٣ ـ قوله : « لما كاد يصح ان يستند فعلا اليه ». (٥)

لاستلزامه تقديم الشيء على علته رتبة المستلزم لتقدم الشيء على نفسه كذلك ، وهو ضروري الاستحالة.

٢٥٤ ـ قوله : « مساوق لمنع مانعية الضد ». (٦)

وان شئت قلت في الجواب : انّ المعلق على الشرط في هذه القضية ان كان هو التأثير الفعلي فيلزم بقاء الاستحالة ، لكفاية صلاحيته فيه.

وان كان المعلق عليه هو أصل الصلاحية ، ففيه :

مضافا الى عدم صدق الشرطية لعدم افادة وجود المقتضي للضد اعطاء

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٦١ ؛ الحجرية ١ : ١٠٨ للمتن و ١ : ١٠٨ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٦١ ؛ الحجرية ١ : ١٠٨ للمتن و ١ : ١٠٨ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ١٦١ ؛ الحجرية ١ : ١٠٨ للمتن و ١ : ١٠٨ للتعليقة.

(٤) كفاية الاصول : ١٦١ ؛ الحجرية ١ : ١٠٨ للمتن و ١ : ١٠٨ للتعليقة.

(٥) كفاية الاصول : ١٦٢ ؛ الحجرية ١ : ١٠٨ للمتن و ١ : ١٠٨ للتعليقة.

(٦) كفاية الاصول : ١٦٣ ؛ الحجرية ١ : ١٠٨ للمتن و ١ : ١١٥ للتعليقة.

٣٢٠