تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

ثم انّهم اختلفوا في ثبوت الوضع للمعاني المجازية بالوضع النوعي غير المتوقف على ملاحظة الهيئة والمادة بل على ملاحظة نوع العلائق ؛ والحقّ عدم ثبوت الوضع لها وإلاّ لكان كل لفظ مشتركا ، ولما احتاج المعنى المجازي الى القرينة الصارفة ، ولما اختلفت المجازات في الحسن وعدمه في العلاقات المعلومة المعهودة.

والقول : بأنّ اختلافها ، في شدة الارتكاز وعدمها.

مدفوع : بثبوته في المجازات الحادثة.

ويدل على ما ذكرنا صحة استعمال اللفظ في المعنى المجازي ولو مع نص الواضع بعدم الوضع له ، بل مع النص بعدم الترخيص وعدم صحته فيما لا يساعد الطبع عليه وان نص الواضع بجوازه في ضمن احدى العلاقات ؛ مع أنه لا دليل على ثبوت الوضع إلاّ النقل الناشئ من الاجتهاد في موارد الاستعمالات ، ولا دليل على حجيته ما لم ينته الى القطع.

فالحق : انّ دلالة اللفظ على المعنى المجازي بسبب القرينة وصحة الاستعمال انما هو بالطبع بعد تحقق المناسبة بين المعنى المجازي والحقيقي على مراتبها المختلفة حسب اختلاف الطبائع ، فالوضع لتحصيل هذا الحسن يكون تحصيلا للحاصل ولغوا بلا طائل.

وان أبيت إلاّ عن استناد الاستعمال الى الوضع فاعلم : انّ المستند هو الوضع للمعنى الحقيقي حيث انّ المعنى المجازي بعد ملاحظة المناسبة يدّعى انّه من مراتب وجوده ، فالاستعمال الذي هو من فوائد الوضع اذا حصل في المعنى المجازي يكون من شئون استعماله في المعنى الحقيقي بعد الادّعاء.

ثم الظاهر انّ الاختلاف في تعيين العلائق المجازية انما هو بسبب اجتهاداتهم في تعيين نوع المناسبات المركوزة في أذهان العقلاء المصححة للاستعمال ، لا

٦١

بسبب نص الواضعين عليها كما لا يخفى ؛ وعلى هذا فلا تنحصر العلائق فيما ذكر ، فتدبر.

١٤ ـ قوله : « والظاهر انّ صحة استعمال اللفظ في نوعه او مثله من قبيله ». (١)

يعني في عدم كونه بالوضع ، لا في كونه مجازيا بالمناسبة بينه وبين المعنى الحقيقي ، وإلاّ فالحق انّه لا حقيقة ولا مجاز.

امّا الاول : فيشهد عليه استعمال اللفظ في المهملات والالفاظ المؤلفة بهيئة جديدة مخترعة لم يسبق اليها أحد سابقا ، مع انّ انشاء الوضع بالنسبة اليه يكون لغوا بلا فائدة ، لانّ غايته حدوث العلقة بين اللفظ والمعنى بحيث يصير اللفظ من هذه الجهة وجودا لفظيا له ، وفيما نحن فيه تكون هذه العلقة بين طبيعة اللفظ ومصاديقه حاصلة بنفسها بلا حاجة الى الوضع ، بل أشد من العلقة الوضعية لانّ الطبيعي عين الفرد وجودا حقيقة لا اعتبارا.

وامّا الثاني : فيشهد عليه صحة الاستعمال في المهملات ، مضافا الى عدم العلقة بين المعنى الموضوع له واللفظ ، اذ غاية ما يمكن أن يدّعى أن يقال : انّ اللفظ بعد الوضع من مراتب وجود المعنى ، ولذا عد الوجود اللفظي من مراتب وجود الشيء.

وفيه : انّ اللفظ فيما يجعل حاكيا عن المعنى يكون من مراتب وجوده الفاني فيحتجب ولا ينظر فيه استقلالا إلاّ الى المعنى ، فاذا كان عينه فلا اثنينية حتى تلاحظ العلاقة بينهما ولا بد من ملاحظتها بين المتغايرين ؛ وامّا اذا لم يكن مستعملا فيه يكون النظر الاستقلالي بالنسبة اليه بنفسه بلا نظر الى المعنى أصلا ، فبهذا اللحاظ يكون وجوده مباينا للمعنى فلا تحصل المناسبة بينه وبين المعنى كما

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨ ؛ الحجرية ١ : ١٣ للمتن و ١ : ١٤ العمود ١ للتعليقة.

٦٢

لا يخفى. نعم المناسبة بين المستعمل والمستعمل فيه ، ولكنها غير كافية في المجازية.

ثم اذا عرفت انّه لا حقيقة ولا مجاز فاعلم : انّه مما يساعده الطبع ، وكل ما كان كذلك فهو صحيح لا تدور صحته مدار الحقيقة والمجاز ، فتدبر.

١٥ ـ قوله : « قلت : يمكن أن يقال : أنه يكفي تعدد الدال والمدلول ... الخ ». (١)

يعني يمكن الجواب باختيار كل من الشقين :

امّا على الاول : فبالتغاير الاعتباري ، حيث انّ لذلك اللفظ اعتبارين : أحدهما : من حيث كونه صادرا عن المتكلم ، وثانيهما : من حيث كونه بنفسه وجودا من الوجودات قد حكم عليه بشيء ، فيكون بالاعتبار الثاني مدلولا له بالاعتبار الاول.

ودعوى : انّ للمخاطب انتقالين : أحدهما الانتقال الى اللفظ ، وثانيهما الانتقال الى معناه منه ، ويكون ما هو المتعقل في ذهنه بالانتقال الثاني هو المعنى ـ وهو غير موجود ـ لا الاول كما انّه الموجود ؛ مسلّمة.

ولكنها مدفوعة : بتحقق الجهتين في شخص اللفظ المسموع ، أحدهما بما هو موجود في ذهنه بلا التفات الى غيره ، وثانيهما بما هو صادر عن المتكلم.

والاول هو المحكي اعتبارا.

وامّا [ على ] الثاني (٢) فيتوقف بيانه على دقيقة وهي : انّ القاء اللفظ :

تارة : يكون بنحو الحكاية وكشفه عن معناه ، ويكون من هذه الجهة مرآة حاكيا عنه غير ملحوظ الوجود في نفسه وغير محكوم عليه بحكم من هذه الجهة ،

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٩ ؛ الحجرية ١ : ١٣ للمتن و ١ : ١٤ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) الشق الثاني هذا ، هو المشار اليه بقول الآخوند : « مع أنّ حديث تركب القضية من جزءين ... الخ » بعد سطرين في الكفاية.

٦٣

بل يكون وجوده فانيا في معناه نحو فناء المرآة في المرئي.

واخرى : يجري المعنى به ؛ وبعبارة اخرى : يكون وجوده بما هو لفظ عين تحقق المعنى به ، فيكون وجوده الاستقلالي وجودا حقيقيا للمعنى [ لا ] (١) لفظيا له.

بيانه : انّ طريق افادة المقاصد واظهارها على أنحاء : فتارة : يكون بالاشارة ؛ واخرى : يكون بالكتابة ؛ وثالثة : يكون باحساس الوجود العيني للمقصود بالنسبة الى المخاطب ، كما لو وضعت النار على يد الأعمى في مقام افادة حرارتها فانّه بمجرد الاحساس يفهم الحرارة ؛ ورابعة : باللفظ الموضوع ، غاية الامر تكون الدلالة بغير اللفظ والكتابة طبيعية أو عقلية ، وبهما وضعية ، فاذا أحسّ واقع المقصود باحدى الحواس كان [ من ] وجوه الافادة والاستفادة.

فليعلم : انّ المقصود والموضوع اذا كان من الالفاظ فالتلفظ به خارجا احساسه بالسمع ، فاذا صار محسوسا بالسمع فيحكم عليه بحكم من الاحكام اللفظية بلا توسيط حاك عنه ، وحينئذ فالقضية المعقولة مشتملة على ثلاثة أجزاء وكذا ما يطابقها من الوجود العيني ؛ وامّا اللفظ فهو خال عن الموضوع ، ولا بأس به ، حيث انّ المستحيل تركب القضية المعقولة من جزءين ، لا اللفظية كما هو واضح.

ثم انّ الصواب الجواب بهذا الوجه لا الوجه الاول ، لأنه لو اريد من اللفظ شخص نفسه على نحو الحكاية لزم النظر الى شيء واحد في آن واحد فانيا واستقلاليا ؛ وبعبارة اخرى : حرفيا واسميا ، وهو محال.

بيان اللزوم : انّ اللفظ حين استعماله في شيء يكون النظر اليه فانيا في

__________________

(١) في الاصل الحجري ( ولا ).

٦٤

المستعمل فيه ، والنظر الاستقلالي انما هو بالنسبة الى المستعمل فيه ، وانما اللفظ في هذا النظر آلة للحاظه حتى يصير وجوده حينئذ وجودا للمعنى ، ولذا يصير مستهجنا ومستحسنا باستهجانه واستحسانه كما هو واضح. فاذا جعل المستعمل فيه شخص اللفظ الصادر لزم النظر اليه اسميا من هذه الجهة وحرفيا من حيث كونه مستعملا ، والحال انّه لا بد من المغايرة بين الوجود الحاكي والوجود المحكي عنه ، كالصورة المرآتية مع ذيها كما لا يخفى.

ثم انّ اطلاق اللفظ وارادة طبيعته منه يتصور فيه الوجهان المذكوران ، فتارة : يراد منه الطبيعة بما هي محكية به [ فيكون ] (١) المحمول حينئذ محكوما به على الطبيعة ويسري الى الفرد بما هو فرد لهما ، واخرى : بما هو وجود حقيقي للطبيعة وتتحد الطبيعة معه وجودا ، لا بما هو حاك.

١٦ ـ قوله : « لكن الاطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست كذلك ... الخ ». (٢)

الثاني مفتقر الى عناية زائدة عن الاول وهي : ملاحظة القاء خصوصيات شخص ذاك اللفظ بعد ملاحظة الطبيعة ، بخلافه ، لعدم احتياجه ـ مضافا الى ملاحظة الطبيعة والحكم عليها ـ الى شيء آخر ولحاظ زائد كما لا يخفى ، ولكن الصواب ما عرفت.

١٧ ـ قوله : « فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه ». (٣)

حيث انّ محل النزاع هي الارادة الشخصية المتحقق بها الاستعمال ، لا مفهومها ، فلو اخذت في المستعمل فيه لزم الدور.

ولا يكاد يجدي أخذ اللحاظ السابق على الاستعمال بعين هذا المحذور ،

__________________

(١) في الاصل الحجري ( يكون ).

(٢) كفاية الاصول : ٣١ ؛ الحجرية ١ : ١٦ للمتن و ١ : ١٦ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٣١ ؛ الحجرية ١ : ١٦ للمتن و ١ : ١٦ للتعليقة.

٦٥

للزوم المطابقة بينهما ، مع استلزامه عدم لحاظ المستعمل فيه بتمامه قبل الاستعمال ، لانّ الملحوظ فيه ذات المعنى والمستعمل فيه انما هو المقيد ـ كما لا يخفى ـ وصار الموضوع له في عامة الالفاظ خاصا بعد ما عرفت انّ المأخوذ في معانيها اشخاص الارادة لا مفهومها ، فتكون متضمنة للمعنى الحرفي المستلزم لكونها مبنية ، على ما هو القاعدة في النحو من كون الاسم المشبّه بالحروف مبنيا ، فتدبر.

١٨ ـ قوله : « بل ناظر الى أنّ دلالة الالفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية ». (١)

اعلم : انّ مراتب دلالة اللفظ ثلاثة :

احداها : تصورية ، وهي خطور المعنى وانسباقه الى ذهن السامع بمجرد سماع اللفظ.

وثانيها : دلالته على ارادة المتكلم لمعناه بحيث يصير سببا لتصديق السامع بارادته ، وتسمى هذه دلالة تصديقية.

وثالثها : دلالته على النسبة الكلامية لما في الخارج من النسبة العينية ، وبعبارة اخرى : دلالته على تحقق المعنى في الخارج ، وتسمى تصديقية أيضا.

ثم انّه لا بد في دلالة شيء على شيء من مناسبة وعلقة بينهما توجب حكايته عنه ، وهي : امّا ذاتية كصورة المرآة الحاكية عن المرئي ؛ وامّا جعلية وضعية كما في اللفظ بالنسبة الى معناه ، حيث انّ السنخية الذاتية بين اللفظ والمعنى مفقودة فيحتاج الى سنخية جعلية.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الدلالة الخطورية يكفي فيها مجرد وضع اللفظ ، مع العلم به ، ولو لم يكن اللافظ قاصدا وشاعرا للمعنى بل ولا اللفظ ؛ ويتحقق في

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٢ ؛ الحجرية ١ : ١٦ للمتن و ١ : ١٦ للتعليقة.

٦٦

المفرد والمركب كما هو واضح ؛ ولا يكون ذلك غرضا للوضع لوضوح انّه للتفهيم واظهار المقاصد بالنسبة الى المخاطبين ، لا لمجرد خطور المعاني في الذهن وان لم يكن عن اللافظ الشاعر.

وامّا الدلالة التصديقية بكلتا مرتبتيها فلا يكفي فيها مجرد ذلك ، لعدم تحقق السنخية المعتبرة بين اللفظ والوجود الذهني أو العيني بهذا المقدار ، بل لا بد في التصديق بالارادة ـ مضافا الى ذلك ـ من امور ، منها العلم بشعور المتكلم بالنسبة الى اللفظ والمعنى وانّه بصدد البيان واظهار مقصوده ؛ وفي التصديق بمطابقة المراد للخارج لا بد ـ مضافا الى ما ذكر ـ من كون المتكلم معصوما من الكذب ، أو من قرينة اخرى موجبة للعلم بصدق كلامه ولو كان ذلك تواطؤ المخبرين على ذلك ؛ فاذا حصلت المقدمات الاولى تمت الدلالة أولا بالنسبة الى الارادة ثم بعد تمامية المقدمات الثانية حصل التصديق بالمطابقة.

ثم من المعلوم انّ الدلالة على شيء في مقام الاثبات متوقفة على ثبوت ذلك الشيء في نفسه نوع توقف الكاشف على المكشوف ، حيث انّ الكاشف الواقعي يتوقف على المكشوف الواقعي وبنظر [ شخص ] (١) يتوقف على ثبوته بنظره ولو كان جهلا مركبا واقعا ، غاية الامر الدلالة الكذائية لا تكون واقعا بدلالة بل يتراءى أنّها دلالة ، فتكون واقعا ضلالة وجهالة.

اذا عرفت ما ذكرنا فظهر : انّ القول بتبعية الدلالة التصديقية للارادة مطلب واقعي حقيق بالتصديق ولا ربط له بأخذ الارادة في الموضوع له.

ويكشف عنه ـ مضافا الى وضوحه في نفسه ـ عدم ثبوته إلاّ في المركبات ، وافتقاره الى شعور المتكلم وكونه بصدد البيان والافادة. نعم وضع اللفظ لمعناه في

__________________

(١) في الاصل الحجري ( احد ).

٦٧

نفسه له دخل في التصديق بارادة خصوصه ؛ فهذه الدلالة لا وضعية وحدها ، ولا عقلية كذلك ، بل تكون مركبة منهما حيث انّ سبب هذه الدلالة ـ التي لا تكون إلاّ في المركبات ـ يتركب من الوضع ومقدمات اخرى منها الاستعمال ، فاستنادها الى الوضع يكون نظير استناد المعلول الى جزء العلة ؛ فمن هنا قيل في المقام أنّ الدلالة تابعة للوضع ، وفي مقام آخر انّها تابعة للارادة مع صحة كل منهما في نفسه كما عرفت.

١٩ ـ قوله : « وتتفرع عليها تبعية مقام الاثبات للثبوت ». (١)

وليعلم انّ الارادة المتوقف عليها الدلالة مقامين :

مقام الاثبات وهو احرازها.

و [ مقام ] الثبوت ، وهو نفس وجودها واقعا.

وقد جعل الموقوف عليه هو الثاني ، وقد عدل عما قيل بأنّ الموقوف عليه هو الاول ، لكونه مستلزما للدور حيث انّ احراز الارادة يتوقف على الدلالة فلو توقفت عليه لدار. نعم يمكن ان يفرّق بالاجمال والتفصيل ، بأن يكون الموقوف على الدلالة هو احراز الارادة تفصيلا والموقوف عليه هو احرازها اجمالا ، لاجل احراز كون المتكلم بصدد افادة المقصود ، فلا دور حينئذ ، فتدبر.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٢ ؛ الحجرية ١ : ١٦ للمتن و ١ : ١٥ العمود ١ للتعليقة.

٦٨

وضع المركبات

٢٠ ـ قوله : « لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات ». (١)

التحقيق أن يقال : كلما كان من المعاني المقصودة من المركبات في مقام افادتها للسامع لا يكفي في استفادتها وضع المفردات ، فلا بد من اثبات وضع لفظ لها بذاته أو بهيئته وبخصوصيته الطارئة عليه من الإعراب أو التعريف أو تقديم ما حقه التأخير ونحوها.

بيان ذلك : انّ المعاني المفردة يكفي فيها وضع المفردات ، لافادتها تصورها ، ولكنه لا يجدي في مقام الافادة لما عرفت من عدم تعلق الغرض في ذاك المقام إلاّ بالمعاني المركبة ، وأقل ما يحصل منه التركيب والارتباط هو النسبة الحقيقية. والموضوع له نوعا بالوضع الحرفي هيئة الفعل وهيئة الجملة الاسمية ؛ وامّا هيئة المشتقات الاسمية فالحق انّه لا يكفي فيها حيث انّها دالة على النسبة الناقصة ، وبعبارة اخرى : على عنوان بسيط منتزع من الذات باعتبار تلبسه بمبدإ ما.

وامّا النسبة المفيدة لفائدة الخبر فالقالب اللفظي لها ما عرفت من الهيئتين ، والدال على خصوصيات النسبة من الفاعلية والمفعولية بأقسامها ، والاضافية ، والحصر ، والتأكيد ، ونحوها.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٢ ؛ الحجرية ١ : ١٦ للمتن و ١ : ١٥ العمود ١ للتعليقة.

٦٩

امّا الهيئة الخاصة المشتملة على الإعراب وتقديم الخبر والتعريف أو تلك الخصوصيات وضعا أو علامة ، على جهتين في الحرف.

ثم بعد استفادة المجموع المركب من معاني المفردات بخصوصيتها المذكورة ـ من مجموع الالفاظ المفردة التي يحصل منها التركيب بخصوصياته على نحو التوزيع وتعدد الدال والمدلول ـ فلا حاجة الى ثبوت وضع للمجموع المركب من المفرد والهيئة من حيث هو كذلك للمجموع المركب من المعاني بما هو كذلك ، لانّ الوضع ان كان بلا غرض الافادة والاستفادة فيلزم اللغو ، وان كان لذلك فان كان لعين تلك الاستفادة التي يحصل من وضع المفردات فيلزم تحصيل الحاصل ، وان كان لغيرها فيلزم استفادة المركب مرتين : تارة : من وضع المفردات ، واخرى : من وضع المركب ، وكل ذلك باطل ، فثبوت وضع على حدة للمركب المذكور باطل.

وامّا الثمرة المترتبة عليه من ثبوت المجاز في المركب ـ كما في الاستعارة التمثيلية ـ فهو على تقدير كونه مجازا في المركب فيكفي فيه وضع المفردات ، فتدبر حتى يظهر لك حقيقة الحال.

ولعل القائل بالوضع في المركب انما أراد منه وضع الهيئة التركيبية مضافا الى وضع المفردات ، لا المجموع المركب منها على ما عرفت.

٧٠

أمارات الوضع

أو

علائم الحقيقة والمجاز

٢١ ـ قوله : « والتفصيل : انّ عدم صحة السلب عنه ... الخ ». (١)

هذا فيما اطلق اللفظ ـ بما كان له من المعنى الموضوع له ارتكازا ـ على معنى كلي يشك تفصيلا انّه عين معناه أو غيره وقد اطلق عليه مجازا ، فبعدم صحة السلب يستكشف انّه عينه.

ولكنه يرد عليه : انّه ان اريد الحمل الذي كان بين المترادفين من حمل الشيء على نفسه كما يقال : « الانسان بشر » فمع انّه غير صحيح ، مستلزم للدور وهو غير مرتفع بما يأتي من الجواب كما لا يخفى.

وان اريد الحمل الذي كان بين الحد والمحدود فهو لا يجدي في استكشاف نفس الموضوع له ، وان كان يجدي في تعيين الحقيقة والطبيعة المفترقة معه بالاجمال والتفصيل كما يقال : « الانسان حيوان ناطق ».

٢٢ ـ قوله : « وبالحمل الشائع الصناعي ... الخ ». (٢)

كما فيما اذا اطلق اللفظ باعتبار معنى كلي على الجزئي من باب اطلاق الكلي على الفرد مع الشك في انّه من مصاديقه الحقيقية أو المجازية ، ولكن يكون

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٤ ؛ الحجرية ١ : ١٧ للمتن و ١ : ٢٠ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٣٤ ؛ الحجرية ١ : ١٧ للمتن و ١ : ١٧ للتعليقة.

٧١

الشك :

تارة : لاجل التردد في نفس ذاك الكلي كما لو اطلق ( الانسان ) باعتبار الحيوان الناطق على ( زيد ) بحيث يكون الشك في زيد لاجل عدم احراز الحيوان الناطق ، وحينئذ لا بد أن تحمل العلاقة في نفس الكلي بالحمل الأوّلي.

واخرى : لاجل الشك في نفس المصداق الجزئي وعدم احراز حاله بنفسه كما لو اطلق ( الانسان ) بالاعتبار المذكور على البليد مع الشك في انّه من مصاديق الحقيقة للحيوان الناطق أم لا ، وحينئذ يستعلم الحال في نفس الجزئي بالحمل الشائع ، فلا وجه للكلية كما لا يخفى.

٢٣ ـ قوله : « ثم انّه قد ذكر الاطّراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا ». (١)

والمراد من الاطّراد : أن يستعمل اللفظ باعتبار معنى على مورد خاص ويكون كلما تحقق ذاك المعنى في هذا المورد أو في غيره يصح الاطلاق ؛ وعموم صحة الاطلاق بهذا الاعتبار عبارة عن الاطّراد ، كما لو اطلق ( الرجل ) بلحاظ الرجولية على ( زيد ) فانّه باعتبار معنى الرجولية يصح الاطلاق في جميع الموارد ، فيكشف عن كون لفظ الرجل حقيقة في تلك الطبيعة دون اطلاق ( الحمار ) باعتبار البلادة على ( زيد ).

والمراد من عدم الاطّراد ان لا يكون الاطلاق على مورد بلحاظ معنى مطّردا في جميع الموارد ، كما في اطلاق ( الاسد ) على ( زيد ) بلحاظ علاقة المشابهة ، فانّه لا يطّرد بلحاظ طبيعة أشباهه في جميع الموارد كما لا يخفى.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٤ ؛ الحجرية ١ : ١٧ للمتن و ١ : ١٧ للتعليقة.

٧٢

الحقيقة الشرعية

٢٤ ـ قوله : « التاسع : انّه اختلفوا في ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على أقوال ». (١)

اعلم : إنّ موضوعات الاحكام الشرعية على أقسام ثلاثة : خارجية محسوسة كالغنم ونحوها ، واعتبارية عرفية يرجع في تعيينها الى العرف كالبيع ونحوه ، ومخترعة شرعية.

وانما النزاع في الالفاظ المستعملة في لسان الشارع في القسم الثالث ، فبناء عليه لا يجري النزاع على ما نسب الى الباقلاني (٢) من انكار المخترع الشرعي أو استعمال اللفظ فيه ، بل الالفاظ انما هي مستقلة في المعاني اللغوية حيث انّ هذا النزاع انما يجري بعد تسليم هاتين المقدمتين كما لا يخفى.

٢٥ ـ قوله : « فدعوى الوضع التعييني في الالفاظ المتداولة في لسان الشارع ». (٣)

بملاحظة مئونة وتتبع حال كل من كان من أهل الصنائع وجاعل القوانين وحكمة وضع اللفظ ، فانهم بملاحظة الحكمة لا يزالون يضعون الالفاظ المستعملة عندهم في المعاني المصطلحة المخبر عنه عندهم تسهيلا للامر في مقام الإخبار عن

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٥ ؛ الحجرية ١ : ١٨ للمتن و ١ : ١٨ للتعليقة.

(٢) التقريب والارشاد الصغير ١ : ٣٨٧ باب : القول في ان جميع اسماء الاحكام والعبادات لغوية غير مغيّرة ولا منقولة.

(٣) كفاية الاصول : ٣٦ ؛ الحجرية ١ : ١٨ للمتن و ١ : ١٨ للتعليقة.

٧٣

المعاني المصطلحة عندهم ؛ وحيث انّ الشارع في مخترعاته كان كأحدهم في اطلاق اللفظ استعمالا ووضعا ، فيقطع بوضع الالفاظ المستعملة عنده فيها.

٢٦ ـ قوله : « في خصوص لسانه ممنوع ، فتأمل ». (١)

لعل وجهه : انّ مجرد ثبوت الوضع في زمانه ـ أعم من كونه في لسانه أو لسان متابعيه ـ لا يجدي في ثبوت الحقيقة الشرعية ، حيث انّه عبارة عن الوضع المستند الى الشارع في مخترعاته.

٢٧ ـ قوله : « إلاّ على القول بالأصل المثبت ». (٢)

هذا ، مضافا الى العلم الاجمالي بكون بعض الاستعمالات قبل الوضع ، فتتعارض أصالة تأخر الاستعمال في كل منهما مع الاصل في الآخر.

٢٨ ـ قوله : « لا في تأخره ، فتأمل ». (٣)

لعل وجهه : انّ أصالة عدم النقل على فرض جريانها لا تجدي في اثبات تقدم الاستعمال عليه :

امّا أولا : فللعلم الاجمالي بكون بعض الاستعمالات بعده ، فيتعارض الاصل في كل منهما مع الاصل في غيره.

وامّا ثانيا : فلأنّ تقدم الاستعمال عليه من لوازمه الاتفاقية ، وليس بناء العقلاء على العمل بالمثبت فيها ولو كان متحققا في الملازمات العقلية والعادية.

وامّا ثالثا : فلأنّ ثبوت استعمال اللفظ قبل النقل ليس بموضوع للاثر الشرعي بنفسه. نعم يكون حاكيا عن المعنى الذي يكون موضوعا له ؛ ومن المعلوم انّ مجرد اثبات الحاكي لما هو الموضوع شرعا للآثار بالاصل مشكل ولا أقل من عدم احراز بناء العقلاء على العمل عليه ، وهو كاف في عدم الحجية كما هو واضح.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٧ ؛ الحجرية ١ : ١٨ للمتن و ١ : ١٨ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٣٧ ؛ الحجرية ١ : ١٩ للمتن و ١ : ١٨ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٣٧ ؛ الحجرية ١ : ١٩ للمتن و ١ : ١٩ للتعليقة.

٧٤

الصحيح والأعم

٢٩ ـ قوله : « وفي جريانه على القول بالعدم اشكال ». (١)

لا يخفى : انّ تصويره حينئذ في الحقيقة الشرعية ولو في زمان الصادقين عليهما‌السلام بمكان من الامكان ؛ وكذا بناء على كون هذه الالفاظ في هذه المعاني حقائق لغوية بناء على ثبوت حقائق العبادات في الشرائع السابقة ووضع هذه الالفاظ لها ، غاية الامر الاختلاف في الكيفية مع هذا الشرع كالاختلاف في نفس هذه الشريعة بالنسبة الى الحالات والاشخاص.

٣٠ ـ قوله : « وغاية ما يمكن أن يقال في تصويره : انّ النزاع ... الخ ». (٢)

بأن يقال : انّه جرت عادة الشرع واستقر بناؤه على استعمال هذه الالفاظ مع العلاقة في واحد من الصحيح أو الأعم بنحو تكون تلك العادة قرينة نوعية منه على ارادة ذاك المعيّن عند القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي ، بحيث لو أراد غير ذاك المعين لكان مع نصب قرينة شخصية معينة له حينئذ ، فمع عدم قرينة شخصية لا بد أن يحمل على الاول بالقرينة العادية النوعية ، ثم بعد احراز ذلك البناء يبحث عن القرينة النوعية هل هو في الصحيح او في الأعم؟ وأما مع عدم احراز ذلك البناء فلا مجال لهذا النزاع كما لا يخفى.

ثم عند القرينة الشخصية :

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٨ ؛ الحجرية ١ : ١٩ للمتن و ١ : ١٩ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٣٨ ؛ الحجرية ١ : ١٩ للمتن و ١ : ١٩ للتعليقة.

٧٥

فيمكن أن تلحظ العلاقة بين ذاك المعنى غير العادي وبين المعنى المجازي النوعي حتى يصير الاستعمال من قبيل سبك المجاز عن المجاز كما هو ظاهر عبارة المصنف في المتن.

ويمكن أن تلحظ بينه وبين المعنى اللغوي ابتداء حتى لا يحتاج الى سبك المجاز عن المجاز.

ولكن الظاهر هو الثاني ، لعدم احتياجه في مقام الاستعمال إلاّ الى عناية واحدة وهو لحاظ العلاقة بين المستعمل فيه وبين المعنى اللغوي أو بين المجاز الاول ، والثاني بين المجازيين كما لا يخفى. ولا فرق في كلا الوجهين بين كون العلاقة بالنسبة الى المعنى المخالف للاصل أضعف بالنسبة الى العلاقة الاوّلية ، أم لا.

٣١ ـ قوله : « وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نسب الى الباقلاني ». (١)

حيث انّه بعد قوله باستعمال هذه الالفاظ في المعاني اللغوية لا ينكر كون المطلوب الشرعي مركبا أو مقيدا ، فلا بد من نصب قرينة دالة على باقي القيود والاجزاء. (٢)

فان كانت الدلالة بتعداد باقي القيود تماما أو بعضا فلا اشكال.

وان كانت على انّ المطلوب هو المركب أو المقيد في الجملة بلا تعداد في البين ، فحينئذ يمكن أن يقع النزاع في انّ القرينة المنضبطة ـ ولو كانت هي البناء الشرعي ـ هل هي بالنسبة الى الصحيح أو الأعم؟ أو لا بناء في البين؟ فيختلف بحسب الموارد ، فلا يكون أحدهما أصلا كي يحمل عليه عند الشك في المراد في

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٨ ؛ الحجرية ١ : ١٩ للمتن و ١ : ٢٠ للتعليقة.

(٢) التقريب والارشاد الصغير ١ : ٣٩٥.

٧٦

مورد الاستعمال.

ثم على تقدير جريان النزاع بناء عليه انما هو مجرد التصوير ، لا انّه داخل في عنوان نزاع الاصوليين من كون ألفاظ العبادات هل هي أسامي للصحيحة أو للأعم ، حيث انّها بناء عليه ليس مستعملا إلاّ في المعنى اللغوي ، فيكون محل النزاع في القرينة لا فيها كما هو واضح لا يخفى.

٣٢ ـ قوله : « لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الانظار ». (١)

أي مصاديقه ومحققاته ، وإلاّ فنفس مفهوم الصحة ـ وهو التمامية من حيث الاجزاء والشرائط بحيث يترتب عليه الآثار ـ ومفهوم الفساد وهو عدم التمامية كذلك لا يختلفان بالانظار كما لا يخفى.

ومن هنا ظهر انّ التقابل بينهما انما هو تقابل العدم والملكة لا التضايف كما توهم من عبارة المتن [ من قوله ] : « انّ الصحة والفساد أمران اضافيان ».

وكونهما اضافيين ـ مع انّه ليس بمعنى التضايف ـ انما هو نظرا الى المصاديق من حيث انّ كلا منهما يختلف بحسب الانظار وبحسب الاشخاص ، فربّ صلاة تكون صحيحة [ لشخص ] (٢) وفاسدة بالنسبة الى آخر ، أو بحسب الحالات لشخص واحد من الحضر والسفر ، أو بحسب الأزمان كالصلاة المشروعة في هذا الشرع معها في الشرائع السابقة بناء على كونها حقيقة واحدة وانّ الاختلاف بحسب الكيفية.

ثم لا يخفى انّه لو لا كون النزاع في المعنى العرفي للصحة ـ وهو التمامية كما عرفت بل فيما ذكره الفقهاء في تعريفه وهو اسقاط القضاء والاعادة ـ لأشكل الامر فيه ، حيث انّ الصحة بذاك المعنى انما تتوقف على الامر ، وما هو كذلك لا

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٩ ؛ الحجرية ١ : ١٩ للمتن و ١ : ٢٠ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( لواحد ).

٧٧

يمكن اعتباره في مقام التسمية المقدم على مقام الطلب كما هو واضح ، فلا بد أن يكون النزاع في المعنى الذي عرفت.

٣٣ ـ قوله : « ومنها : انّه لا بدّ على كلا القولين من قدر جامع في البين ». (١)

لوضوح عدم ذهاب كل منهما الى الاشتراك اللفظي بل الى المشترك المعنوي فلا بد من تصوير قدر مشترك أولا ثم اثبات كونه هو الموضوع له ثانيا.

وتصويره (٢) بناء على الصحيح ـ بعد العلم بترتيب الشارع بعض الآثار على جميع افراد الصلاة من كونها ناهية عن الفحشاء ومعراجا للمؤمن وعمودا للدين وغيرها من الآثار ، مع العلم بأنّها بوحدتها لا يمكن استنادها الى الشتات بجهاتها المختلفة لعدم استناد الواحد الى المختلفات بما هي كذلك لاستلزامه عدم المناسبة والسنخية بين العلة والمعلول المخالف للبداهة والوجدان ، بل الى الجامع المشترك بين المصاديق ـ ممكن.

ولا يلزم العلم به تفصيلا في مقام التسمية والوضع ، بل تكفي الاشارة اليه اجمالا ، لما عرفت من كفاية تصور الشيء بوجه ما في هذا المقام ، وحينئذ فيشار اليه بتلك الآثار أو بعنوان المطلوب والمبرئ للذمة ونحوها ، فيكون الملحوظ اجمالا حين الوضع ما هو المؤثر واقعا ، الساري في جميع الافراد ، ويكون الموضوع له نفس ذلك حتى يكون الوضع والموضوع له عامّين ، أو مصاديقه ، على خلاف التحقيق من كون الوضع عاما والموضوع له خاصا.

ومما ذكرنا من ملاحظة المعنى العام الساري في جميع المصاديق ولو اجمالا ظهر انّه لا وجه ـ بناء على الصحيح ـ للقول بالاشتراك اللفظي أو اختصاص الوضع ببعض المصاديق دون بعض.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٣٩ ؛ الحجرية ١ : ١٩ للمتن و ١ : ٢١ العمود ١ للتعليقة.

(٢) يأتي خبره بعد عدة سطور وهو قوله : « ممكن » في نهاية الفقرة.

٧٨

كما انّه اذا انضمّ الى ذلك : انّ المراد من التعبير عن الجامع بالمطلوب وغيره بيان ما صدقت عليه تلك العناوين بالحمل الشائع ، لا الاتحاد المفهومي ـ ويكون تصويره محض الاشارة به الى ما هو الموضوع له بنفسه أو بمصاديقه ـ ظهر سقوط ما اورد على الصحيحي بلزوم كون الصلاة متحدة مع مفهوم المطلوب ، وهو خلاف الوجدان ، مع لزوم الدور في مثل قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) (١) لتوقف تحقق موضوعه ـ وهو المطلوب ـ على الامر المتوقف على تمامية موضوعه مع قطع النظر عنه كما لا يخفى ؛ حيث أنك عرفت انّ الموضوع له ما صدق عليه بالشائع لا نفس مفهومه.

وامّا توهم انّ الجامع لا يخلو :

امّا أن يكون مركبا ، فلا يكون جامعا للمصاديق الناقصة والزائدة بنحو يكون كل منها تمام وجود الجامع بلا زيادة ونقيصة ، حيث انّ كل مركب فرض من عدة اجزاء لا يطّرد في جميع الموارد ، فقد يكون المأمور به أنقص منه فلا يكون الجامع بتمامه موجودا ، وقد يكون أزيد منه فلا يكون ذلك بتمامه تمام وجود الجامع.

وامّا أن يكون بسيطا ، فيكون المركب الخارجي محصلا له ، لا نفسه ، كما في الطهارة الحاصلة من اجزاء الوضوء ، فلا بد من الالتزام بالاشتغال مطلقا على الصحيحي كما هو شأن الشك في المحصل في جميع الموارد ؛ والمحققون منهم قائلون بالبراءة.

فمدفوع : بأنّ الجامع يلتزم ببساطته حقيقة وماهية ، ولكن لا أن يكون مغايرا في الوجود مع الاجزاء الخارجية وحاصلة منها ـ كالطهارة ـ بحيث لا يصدق

__________________

(١) سورة الانعام : ٧٢.

٧٩

عليها بالحمل الشائع ، بل كالطبائع النوعية المتحدة مع الاجزاء خارجا ـ كالمواليد مع العناصر الاربعة ـ بحيث تصدق عليها بالحمل الشائع ، ويكون وجودها عين وجودها ، ويكون قوام وجودها بمجموع الاجزاء ؛ وبعد ما كان وجود الطبائع النوعية عين وجود الاجزاء فيكون الامر بها بحسب الوجود الخارجي عين الامر بها ؛ فاذا شك في جزئية شيء للمركب الخارجي يكون شكا في نفس ما هو المأمور به بحسب قلة الافراد وكثرتها ، لا فيما هو محصله كما لا يخفى. وبناء على القول بكون الموضوع له خاصا فالامر واضح.

فالحاصل : انّه بناء على المذهب الصحيحي يكون الجامع المشار اليه اجمالا نظير العناوين الانتزاعية عن حقيقة المأمور به من مثل مفهوم الغصب ونحوه في كونها حدا لما هو المأمور به حقيقة ، وتكون متحدة في جميع الافراد من جهة وحدة الاثر ؛ ولا يضر في اتحادها معها سريانا زيادتها ونقصانها اجزاء وشرائط ، ولا في بساطتها تباينها اجزاء ، وان كان قوام وجودها بالمتباينات كما في الحقائق الخارجية من المعدنيات والنباتات ونحوها فانّها مع تباين اجزائها حقيقة ـ من العناصر الاربعة ـ واحدة بحسب صورها النوعية وكانت تلك الصور متحدة مع نفس الاجزاء ومتقومة بها بحيث لو لا واحدة منها لارتفعت الصورة النوعية ، فكذلك في المركبات الاعتبارية يكون في الواقع صورة نوعية اعتبارية مؤثرة في الحسن والقبح ـ بناء على كونهما بالوجوه والاعتبارات ـ وقائمة بالاجزاء والشرائط ومتحدة معها عند تأليفها بوجه خاص ، فحينئذ يكون الشك في الاجزاء والشرائط عين الشك في الحقيقة المأمور بها ، لا في تحصيلها ، فتبتني البراءة على جريانها في الاجزاء الارتباطية وعدمه.

فان قلت : انّ ما ذكرت ـ من الاشارة الى الجامع بالاثر الذي هو النهي عن الفحشاء ونحوه ـ لعله يكون أعم من الصحيحة ، باحتمال وجوده في بعض الافراد

٨٠