تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

جهة انّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ، فلا بد حينئذ في الامر بالطبيعة من تسريته الى الاشخاص مقدمة أو عرضا ؛ وامّا الترك فليس كذلك ، حيث انّ الشيء في عدمه لا يحتاج الى التشخص بل ينعدم بعدم علة الوجود [ وبعده ] (١) تكون نسبة العدم الى الطبيعة والى الفرد في عرض واحد بلا تقدم لاحداهما على الاخرى بنحو من التقدم ؛ وقضية مطلوبية ترك الطبيعة هو التكرار بالمعنى الاول لا الثاني كما عرفت.

نعم لو جرت مقدمات الحكمة ثانيا في نفس كيفية تعلق النهي بالطبيعة ـ وبعبارة اخرى : في افادة طلب تركها ولو بعد الاتيان من جهة استكشاف مبغوضية الوجود مطلقا بها ـ فله وجه ، إلاّ انه يسأل عن عدم اجراء مثل هذا في الاوامر.

وعلى كل حال فليس مجرد اطلاق الطبيعة كافيا في افادة التكرار بحسب الأزمان بالمعنى الثاني ؛ فما يظهر من الفصول (٢) من كفاية ذلك في تعلق النهي على الافراد الزمانية فليس في محله ، فراجع وتأمل.

٢٨٠ ـ قوله : « الاول : المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت عنوانين ». (٣)

وحينئذ يكون محط النزاع في المقام : انّ التعدد الطارئ في المجمع من جهة العنوانين : هل يصير موجبا لتعدد ذلك الواحد؟ كي لا يكون توجيه كل من الامر والنهي اليه بجهة غير جهة الآخر اجتماعا للضدين.

أم لا؟ بل يكون انطباق العنوانين على محل واحد موجبا للاتحاد ،

__________________

(١) في الاصل الحجري ( وبعد ).

(٢) الفصول الغروية : ١٢٢ السطر ٣٧ الى ص ١٢٣ السطر ٤.

(٣) كفاية الاصول : ١٨٣ ؛ الحجرية ١ : ١٣٠ للمتن و ١ : ١٢٨ العمود ٢ للتعليقة.

٣٦١

فتوجيههما اليه يكون من ذاك القبيل ولو كان ذاك المجمع كليا كالكون الكلي الجامع بين الصلاة والغصب وكالانسان الجامع بين الكاتبية والابيضية مثلا ؛ وانما كان ذاك الكلي مجمعا باعتبار وجوده السعي الخارجي على التحقيق من وجود الطبيعي في الخارج.

فلا يرد بلزوم كون المجمع شخصيا خارجيا بناء على تعلق الامر والنهي على الطبائع باعتبار وجوده الخارجي فتدبر.

وعلى كل حال فالاتيان بالواحد في محل النزاع انما هو لاخراج الكلي اذا تعلق الامر بأحد افراده والنهي بفرده الآخر كالسجود لله تعالى وللشمس مثلا ، ويسمّى ذلك واحدا بالجنس وبعبارة اخرى : واحدا بالعرض ؛ وما ذكر من كون المجمع كليا هو الواحد الجنسي ويكون واحدا حقيقيا ، والقيد لاخراج الاول لعدم كون المتعلق واحدا حقيقة.

٢٨١ ـ قوله : « كالصلاة في المغصوب ». (١)

والاولى عدم التمثيل للمجمع الكلي به حيث انه لا بد من اخراج عنوان المأمور به ، وللنهي عنه عن ذلك كما لا يخفى ؛ فالأولى في المثال قوله أخيرا : « كالحركة ».

٢٨٢ ـ قوله : « أمّا في المعاملات فظاهر ». (٢)

لعدم الامر فيها ، فيكون خروجها عن محل النزاع من باب التخصص. نعم لو تعلق بها أمر وجوبي أيضا فيكون وضوح خروجها عن مسألة الاجتماع على قول الفصول (٣) رحمه‌الله من جهة وحدة المتعلق فيها.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٨٣ ؛ الحجرية ١ : ١٣٠ للمتن و ١ : ١٢٩ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٨٤ ؛ الحجرية ١ : ١٣٠ للمتن و ١ : ١٢٩ العمود ١ للتعليقة.

(٣) الفصول الغروية : ١٤٠ السطر ٢٠.

٣٦٢

٢٨٣ ـ قوله : « الثالث : انّه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما يقع في طريق الاستنباط ». (١)

ولا يخفى انّ المسألة مما أمكن تحريرها فقهيا ، حيث انه يستفاد منها وجوب الصلاة وحرمة الغصب مثلا على الجواز ، أو أحدهما مع تغليب جانبه على الطرف الآخر على الامتناع ، أو مرجعية الاصول على التوقف ان لم يشكل برجوعه اليه باعتبار [ أنّ ] اللازم [ هو ] عنوان المبحوث عنه لا نفسه كما لا يخفى.

وأمكن جعلها من المبادئ الاحكامية أيضا من جهة كون جواز اجتماع الحرمة والوجوب مثلا من حالاتهما الموجبة لازدياد معرفة بالنسبة اليهما.

كما انه يمكن تحريرها كلاميا من جهة كون النزاع في حكم العقل بالجواز وعدمه ، مع التأمل في دخول مطلق الاحكام العقلية في المسائل الكلامية ، إلاّ أن يرجع الى فعله تعالى بأنه هل يصح منه تعالى تعميم طلبه الايجابي أو التحريمي بالنسبة الى مجمعها الواحد ، والثواب للعبد والعقاب عليه بفعله ذلك ، أم لا؟

ويمكن ادراجها في المبادئ التصديقية الاصولية أيضا لاجل اجلائها في تعيين التعارض بين الدليلين وعدمه.

ولكن التحقيق : انّ بحث الاصولي [ في ] (٢) تلك المسألة من جهة كونها من مقاصد الاصول ، حيث انه لا اشكال في كون نتيجة المسألة مما يمكن استنباط الحكم الفرعي منها من الوجوب والحرمة على الجواز ، وأحدهما على الامتناع ، وتغليب طرفه على الآخر ـ ولا أقل من استفادة حكم الاصول ـ على التوقف.

ومجرد تحقق ما لا تكون المسألة به من مسائل الاصول من الجهات لا

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٨٥ ؛ الحجرية ١ : ١٣١ للمتن و ١ : ١٢٩ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( من ).

٣٦٣

يوجب خروجها منها بعد تحقق ما يوجب دخولها فيها من المناط ، لما عرفت سابقا من كون تمايز مسائل علم عن آخر بتمايز جهات البحث ، لا باختلافها موضوعا أو غيره.

٢٨٤ ـ قوله : « الرابع : انّه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه : أنّ المسألة عقلية ». (١)

حيث انّ النزاع انما هو في حكم العقل بجواز اجتماع الحكمين في مجمع واحد بتعدد العنوان وعدمه بلا تفاوت بين ثبوتهما بالخطاب اللفظي أو اللبّي ، فلا وجه لجعلها من المباحث اللفظية وجعل ثمرتها التعارض بين الادلة وعدمه كما في التقريرات (٢) مع ما فيه من الاشكال كما سيأتي.

إلاّ أنّ التعبير بهما لاجل غلبة صدور الطلب بهما لا لخصوصية في الثبوت اللفظي ؛ حتى انّ تفصيل البعض (٣) في المسألة بين العقل والعرف ـ بالجواز على الاول والامتناع على الثاني ـ ليس مبنيا على دلالة اللفظ كما توهم ، بل مبناه كون الجمع اثنين بالنظر الدقيق العقلي ولو كانا موجودين بوجود واحد فيجوز ، وواحدا بالنظر المسامح العرفي فيمتنع ، بل يكون بنظر العقل أيضا [ كذلك ] (٤) بغير وجه الدقة ، فيتطابق مع العرف.

٢٨٥ ـ قوله : « الخامس : لا يخفى أنّ ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعمّ جميع اقسام الايجاب والتحريم ». (٥)

والضابط : انّ كل قسمين من أقسام الامر والنهي يكون اجتماعهما في المحل

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٨٦ ؛ الحجرية ١ : ١٣١ للمتن و ١ : ١٢٩ العمود ١ للتعليقة.

(٢) مطارح الانظار : ١٢٦ السطر ٢٢ ـ ٢٣ والطبعة الحديثة ١ : ٥٩٣ ـ ٥٩٤.

(٣) المقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٢ عند قوله : « نعم العقل يجوّز الصحة ... الخ ».

(٤) في الاصل الحجري ( كل ).

(٥) كفاية الاصول : ١٨٦ ؛ الحجرية ١ : ١٣١ للمتن و ١ : ١٢٩ العمود ٢ للتعليقة.

٣٦٤

الواحد بوحدة الجهة موجبا لاجتماع الضدين ، [ و ] يكون اجتماعهما فيه بتعدد الجهة داخلا في محل النزاع وهو يجري في كل من الاقسام ؛ فلا وجه للتخصيص إلاّ توهم انصراف الامر والنهي في محل النزاع الى خصوص العيني التعييني ، وهو ـ على تقدير الاغماض مما ذكر في المتن ـ انما كان في صيغتهما لا في مادتهما.

ولا يخفى انّ التضاد بين الوجوب والحرمة التخييريين فيما اذا كان الاجتماع بلوازمهما في المجمع ، بأن يكون الاتيان به امتثالا للامر وعصيانا للنهي كما في مثال المتن لا فيما اذا كان الاجتماع بأنفسهما فقط ، وإلاّ فلا بأس باجتماعهما في عنوان واحد ، كما لو أمر بتزويج احدى الاختين ونهى عن الاخرى ، فضلا عن العنوانين.

ثم انّ المراد بالجواز وعدمه ـ بعد ما عرفت من كون المسألة عقلية ـ هو الامكان والامتناع العقليان الذاتيان لا التكليفيان أو الوقوعيان ، حيث انّ النزاع انما هو في لزوم اجتماع الضدين من تعلق الحكمين على المحل الواحد بتعدد الجهة وعدمه ؛ ولا اشكال في كون الامتناع المنتسب الى اجتماع الضدين هو الامتناع الذاتي وان كان انتسابه الى كل من الضدين وقوعيا.

ولا فرق فيما ذكرنا بين القول المطلق أو التفصيل بين العقل والعرف بالجواز على الاول والامتناع على الثاني ، حيث انّ العقل ـ فيما اذا أخذ الموضوع بنظر العرف ـ يحكم بامتناع اجتماع الضدين ذاتيا أيضا.

وهل النزاع على كل حال يكون النزاع بالنسبة الى نفس عنوان المبحث وهو اجتماع الضدين صغرويا وان كان بالنسبة الى لازم المسألة ـ وهو تعيين الحكم الفرعي للمجمع ـ كبرويا؟

٢٨٦ ـ قوله : « نعم لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف

٣٦٥

بالمحال محذورا ومحالا ». (١)

وفيه : انّ اعتبار المندوحة عند من يرى التكليف بالمحال محذورا مطلقا لا يجدي في فعلية الحكم في المجمع وان كان مجديا في غيره ، لتحقق ملاك الاستحالة وهو عدم القدرة على امتثال النهي التعييني مع الامر التخييري بالمجمع ولو مع المندوحة.

نعم من يجوّز التكليف بالمحال اذا كان بسوء الاختيار [ كان ] (٢) ذاك القيد كافيا في الفعلية كما لا يخفى ، فتدبر.

٢٨٧ ـ قوله : « وأنت خبير بفساد كلا التوهمين (٣) ». (٤)

لجريان الامتناع ، وهو اتحاد الامر والنهي في الوجود الخارجي مع كونه هو المتعلق لهما في الحقيقة وعدم إجداء تعدد الجهة ؛ وكذا مناط الجواز جاريا على كلا القولين : امّا الاول فواضح ، وامّا الثاني فلانّ ملاكه على القول بالطبيعة.

امّا الطبيعتان ذهنا أو في الخارج اعتبارا بعد وضوح كون الطبيعة بلحاظ ذاك الوجود متعلقا للطلب ، حيث انّ الوجود الخارجي يضاف الى الطبيعة المأمور بها تارة ، والى الطبيعة المنهي عنها اخرى ، فيتعدد اعتبارا ، ويكفي هذا المقدار في تعلق الامر والنهي بهما.

وامّا تعددهما حقيقة بناء على امكان الماهيتين الحقيقيتين للشيء الواحد الخارجي انضماما كما في الهيولى والصورة على قول ، أو اتحادا كما فيهما على

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٨٧ ؛ الحجرية ١ : ١٣٢ للمتن و ١ : ١٢٩ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( لكان ).

(٣) نسبه الى بعضهم في هداية المسترشدين : ٣٢٧ السطر ٢ ـ ٤ ، والطبعة الحديثة ٣ : ٥٢ ؛ والفصول : ١٢٤ السطر ٢٥ ـ ٢٦ ؛ والقوانين المحكمة ١ : ١٤٠ السطر ٧ ـ ٨.

(٤) كفاية الاصول : ١٨٨ ؛ الحجرية ١ : ١٣٢ للمتن و ١ : ١٢٩ العمود ٢ للتعليقة.

٣٦٦

قول آخر.

ويجري كلا الوجهين بناء على التعلق بالفرد أيضا ، حيث انه يتعدد :

اما ذهنا أو خارجا اعتبارا لكونه ذا وجهين حيث انه يلحظ فردا [ لطبيعة ] (١) تارة ، ولاخرى ثانية ، فيتعلق به الامر من حيث كونه فردا لعنوان ويتعلق به النهي من حيث كونه فردا لعنوان آخر ، فهو وان كان مغايرا مع الطبيعة من حيث كون الخصوصية الخارجية من مقوماته الداخلية مع أنها من العوارض اللازمة للطبيعة ، إلاّ أنّ التعدد الاعتباري حاصل فيه أيضا من حيث اضافته تارة الى الصلاة معرّى عن خصوصية الغصب ، واخرى الى طبيعة الغصب معرّى عن الصلاة وهذا القدر يكفي في كونه متعلقا للامر والنهي.

وامّا حقيقة بناء على امكان كون الشيء الواحد فردين حقيقة للطبيعتين ، قياسا الى اجتماع الماهيتين في الشيء الواحد ، وكان تعدد فرديته لاشتماله على خصوصيتين متغايرتين كاشتماله على ماهيتين.

والحاصل : انه لا فرق في جريان النزاع بين القولين في متعلق الطلب ، حيث انّ القائل بالجواز يمكن ذهابه اليه على كل منهما ؛ وكذا القائل بالامتناع.

ولكنه يمكن الفرق بكون خصوصية الفردية وان لم يكن لعين كل من العنوانين إلاّ انه داخل فيهما جزءا ولو كان [ كل ] منهما معرّى عن الآخر ؛ وإلاّ فمع عدم لحاظ بعض الخصوصيات في كل من عنوان المأمور به والمنهي عنه لا يحصل الفرق بين القول بالطبيعة وبين القول بالفرد ، وحينئذ يشكل تقريب الجواز على الثاني حيث انه لا بد فيه من المباينة المفهومية رأسا بين المتعلقين كما لا يخفى.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( للطبيعة ).

٣٦٧

٢٨٨ ـ قوله : « الثامن : انّه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلاّ اذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا ». (١)

ولا يخفى انّ هذا دفع لما قد يتخيل : انّ من ثمرة مسألة اجتماع الامر والنهي وقوع التعارض بين روايتين كان مضمون احداهما الامر بالصلاة ومضمون الاخرى النهي عن الغصب مثلا وعدمه.

وحيث انه بناء على الجواز يحكم بعدم التعارض بينهما وعلى الامتناع يقع بينهما التعارض ، فلا بد من العلاج بالترجيح دلالة أو سندا لو كان وإلاّ فالتخيير أو التوقف أو التساقط والرجوع الى الاصل ، على الاختلاف في المتعارضين.

بيان الدفع : انّ التعارض وعدمه لا يبتني على ما نحن فيه أصلا حيث انه : امّا يعلم اجمالا بكذب احدى الروايتين عموما أو اطلاقا ، أو لا.

فعلى الاول يقع بينهما التعارض ولو لم يكن بينهما مجمع أصلا ، أو كان وبنينا على الجواز في المسألة.

وعلى الثاني فلا تعارض بينهما ولو في المجمع ؛ ويدخل في مسألة [ الاجتماع ] (٢) مع وجود ما يوجب دخولهما فيهما وهو احراز المقتضي في كليهما من مدلولهما المطابقي لو كانا متعرضين للحكم الاقتضائي ، ومن مدلولهما الالتزامي لو كانا متعرضين للحكم الفعلي بناء على ما تقرر في محله من حجية المتعارضين في دلالتهما الالتزامية غير المعلوم كذبها.

ولا ينافي ذلك تبعيته للمطابقة لأنه في مقام الدلالة لا في مقام الحجية ، فلا [ يعامل ] (٣) معهما معاملة التعارض.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٨٩ ؛ الحجرية ١ : ١٣٢ للمتن و ١ : ١٣٠ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( الاجماع ).

(٣) في الاصل الحجري ( يعمل ).

٣٦٨

٢٨٩ ـ قوله : « فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا اشكال ». (١)

ولا يخفى انه يقع الكلام تارة في الغلبة وعدمه ، واخرى في أصل ثبوت المقتضي.

امّا الاول : فان أحرز ذلك بالعلم فلا اشكال في تقديمه والعمل على طبقه وان كان الدليل الدال عليه في مقام الاثبات أضعف من الآخر دلالة وسندا ، ويحمل الدليل على مقام الاقتضاء فيرتفع التعارض بينهما.

وكذا لو احرز بالظن المعتبر الخارجي بلا اعتناء في قباله بظهور الدليل غير الأهم في الفعلية الكاشف عن عدم مزاحم أقوى.

٢٩٠ ـ قوله : « ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين ». (٢)

ربما يجاب : بأنّ القائل بالجواز يقول برجوع النهي في تلك الموارد الى العنوان الخارجي عن متعلق الامر ، فيصير الجواز فيها لتعدد الجهة كما عن المحقق القمّي (٣) رحمه‌الله في مثل الصلاة في الحمّام وغيره بتوجه النهي الى الخارج.

ولكنه مندفع : بأنّ النقض بمثل ذلك على تقدير التسليم انما هو فيما له البدل من العبادات ؛ وامّا فيما لا بدل له منها فلا يجدي ، لعدم تجويز ـ القائل بالجواز ـ الاجتماع فيما يمكن له البدل بناء على اعتبار المندوحة ، فيبقى الاشكال فيها على القولين ، فلا يصح التمسك بمثله.

٢٩١ ـ قوله : « امّا لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك ، فيكون الترك

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٩٠ ؛ الحجرية ١ : ١٣٣ للمتن و ١ : ١٣١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٩٧ ؛ الحجرية ١ : ١٣٧ للمتن و ١ : ١٣١ للتعليقة.

(٣) القوانين المحكمة ١ : ١٤٢ السطر ١٣ ـ ١٥.

٣٦٩

كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض » (١).

أو لاجل مصلحة في نفس الترك بلا حاجة الى عنوان آخر منطبق عليه.

أو أمكن اشتمال كل من الفعل وتركه على مصلحة في نفسه بلا حاجة الى اعتبار آخر ، كما احتمله قدس‌سره في درسه.

وليعلم : انّ الكراهة في المقام ليس بمعناها الاصطلاحي حيث [ أنها ] (٢) ناشئة من مفسدة في الفعل ، ويقع الكسر والانكسار بين المصلحة والمفسدة ، فالحكم للغالب منهما ، ومع عدمه يكون الحكم هو الاباحة ؛ وامّا في المقام فهي ناشئة من مصلحة في الترك وتكون المصلحتان من قبيل المتزاحمين بلا كسر وانكسار بينهما.

فان قلت : انّ الترك نقيض الفعل ؛ ومن المعلوم انّ رجحان كلا من طرفي النقيض مستلزم مرجوحية الآخر بل عينه فيجتمع الرجحان والمرجوحية في طرف واحد فلا بد من الكسر والانكسار بينهما ، لا التزاحم فقط.

قلت : انّ النقيض انما هو العدم لا الترك ؛ مع انّ الترك فيما نحن فيه انما نلتزم برجحانه اذا وقع بقصد التقرب ، والترك المتقرب به ليس نقيضا له وإلاّ للزم في صورة الترك ـ بدون التقرب به ـ ارتفاع النقيض ، ولا يكون العدم الصرف والترك المطلق قابلا لعروض التشخص عليه كي يكون الترك المتشخص بالتقرب مصداقا له ؛ ومن المسلّم أنّ نقيض الفعل العبادي مجرد عدمه غير الملحوظ معه عنوان وجودي أصلا ، سواء كان هو التقرب أو غيره.

فان قلت : هب انّ الترك الملحوظ معه وجودي ـ جزءا أو شرطا ـ ليس مقتضيا للفعل المتقرب به ، إلاّ أنّ الترك العبادي ليس كذلك حيث انّ قصد القربة

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٩٨ ؛ الحجرية ١ : ١٣٧ للمتن و ١ : ١٣٢ للتعليقة.

(٢) في الاصل ( هنا ).

٣٧٠

ليس جزءا للفعل العبادي أو شرطا له ، فكيف بالنسبة الى الترك المأتي به؟ وإلاّ فلو كانت المصلحة من قبل التقرب فيلزم الدور ، بل من كيفيات الاطاعة فيكون الترك الراجح هو النقيض ، فيلزم المحذور من وقوع الكسر والانكسار.

قلت : هب انّ قصد القربة ليس جزءا في العبادة أصلا إلاّ انّ الوجودي الذي يكون عنوانا للترك ليس هو قصد القربة ، بل انما هو عنوان آخر وجودي راجح منطبق على الترك وهو مثل ( مخالفة الاعداء ) في صوم يوم عاشوراء و ( اجابة المؤمن ) في الصوم المندوب مثلا ، وحيث انّ ذاك العنوان مما يمكن أن يكون قصديا وقربيّا وغير حاصل إلاّ به فلا بد من قصد القربة إلاّ لاجل ذلك.

فالحاصل : انه بعد انطباق العنوان الوجودي على ترك العبادة المكروهة التي لا بدل لها ، يكون كل من فعلها وتركها ذات مصلحة ويكون كل من الامر والنهي بالنسبة اليها حينئذ مولويا حقيقيا لا ارشاديا ، غاية الامر يكون الفعلي هو الواحد منهما على التخيير ، أو خصوص [ المتعلق ] (١) بالغالب من الطرفين في المصلحة.

٢٩٢ ـ قوله : « إلاّ أن التنزيهي غير كاف ، إلاّ اذا كان عن حزازة فيه ».

وفيه : (٢) أنه لا فرق في مطلوبية الترك ـ الموجب لعدم الرجحان والصحة في العبادة ـ بين ان يكون تحريميا أو تنزيهيا ، ولا يجتمع رجحان الفعل مع رجحان نقيضه.

بل الجواب : ما عرفت من عدم كون الترك العبادي نقيضا للفعل ، فراجع.

٢٩٣ ـ قوله : « نعم يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد الى

__________________

(١) في الاصل الحجري ( التعلق ).

(٢) تعليقة القوچاني هذه ليست تعليقة على متن الكفاية ، بل هي تعليقة على حاشية الآخوند على متن الكفاية. راجع كفاية الاصول : ١٩٨ ؛ والطبعة الحجرية ١ : ١٣٨ للمتن والحاشية كليهما.

٣٧١

الترك » (١).

الأحسن أن يحمل في كليهما على المولوي خصوصا في الاخير ، لانّ الطلب الارشادي اذا تعلق بشيء لا بد أن يكون لاجل منقصة في فعله كالصلاة في الحمّام لا أن يكون من أجل رجحان في فعل آخر ملازم لترك ما تعلق به وإلاّ لكان الطلب الارشادي عرضيا أيضا ، فيلزم ارتكاب خلاف الظاهر من وجهين : من حمله على الارشادي ؛ والعرضي.

ومن المسلّم انّ ارتكاب مجرد الحمل على العرضي فقط مع مراعاة المولوية أولى من ذلك.

٢٩٤ ـ قوله : « وامّا القسم الثاني : ... الخ ». (٢)

وهي العبادات التي لها بدل كالصلاة في الحمّام مثلا ، فمع امكان أن يكون النهي عنه لاجل ما ذكر في القسم الاول من الوجهين طابق النعل بالنعل يمكن أن يكون أيضا لاجل حزازة في الطبيعة المأمور بها ويكون ثواب تلك الطبيعة لاجل تلك الحزازة أنقص منه لو لم يكن معها ، وذلك فيما لو كان للطبيعة المأمور بها ـ مع قطع النظر عن طرو خصوصية عليها ـ مقدارا من المصلحة والرجحان ؛ وربّما تنقص تلك المصلحة لاجل طرّ خصوصية وجودية عليها لاجل المنافرة بينهما كالصلاة في الحمّام بلحاظ اتحادها مع الكون في الحمّام غير الملائم مع ما هو « فسطاط الدين » و « معراج المؤمن » وهو الصلاة وان لم يكن في ذلك الكون ـ في نفسه ـ حزازة أصلا ، بل قد لا يكون واجبا ؛ وربّما تزداد تلك المصلحة لاجل طروّ خصوصية على الطبيعة لشدة الملاءمة بينهما كالصلاة في المسجد ؛ وربّما لا تزداد ولا تنقص تلك المزية بل تبقى على حالها كما في الصلاة في الدار ، لعدم المنافرة

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٩٩ ؛ الحجرية ١ : ١٣٨ للمتن و ١ : ١٣٣ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٩٩ ؛ الحجرية ١ : ١٣٨ للمتن و ١ : ١٣٣ للتعليقة.

٣٧٢

ولا شدة الملاءمة بينهما.

وبما ذكرنا تعرف انّ طلب الترك في هذا القسم ليس لاجل انطباق عنوان وجودي ذي منقصة عليه كما في الوجه الاول ، بل لاجل خصوصية وجودية لفرد خاص من الطبيعة فيكون ذلك الفرد بما هو طبيعة خاصة أقل مصلحة من الطبيعة في حد نفسها مع قطع النظر عن الخصوصيات ، ويكون تعلق النهي على ذلك الفرد لاجل تلك الحزازة لكنه ليست بحدّ يوجب النقص من حدّ الوجوب ، بل تبقى المصلحة على مقدار من المصلحة يكون كافيا في الايجاب وان نقصت عن مصلحة الطبيعة لامكان اشتمالها على أزيد من المقدار المقتضي للوجوب ، ويبقى بعد طروّ الحزازة على الحد الكافي في الوجوب فيكون الفرد واجبا وذلك النهي يحمل على الارشاد نصحا للمطلوب منه واراءة للطريق بالنسبة اليه الى اختيار الفرد الكامل للتوصل به الى الفوز بأعلى مراتب الثواب المقرر لتلك الطبيعة.

والفرق بين الارشاد في هذا القسم والقسم الاول في كمال الوضوح ، لكون المنشأ في المقام هو المنقصة في أصل ما تعلق به النهي ، بخلافه في السابق فانه لمجرد الارشاد الى عنوان راجح بلا حزازة فيما تعلق به كما لا يخفى ؛ فتكون الكراهة بمعنى أقلية الثواب للمنهي عنه بالنسبة الى ما أعد للطبيعة من المصلحة في حد نفسها ؛ فلا يرد بلزوم القول بالكراهة بالنسبة الى كل مرجوح بالنسبة الى شيء آخر.

٢٩٥ ـ قوله : « وأمّا القسم الثالث : ... الخ ». (١)

وهي العبادات التي تعلق بها النهي لاجل اتحادها مع عنوان يكون بينهما

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٠٠ ؛ الحجرية ١ : ١٣٩ للمتن و ١ : ١٣٤ للتعليقة.

٣٧٣

وبينه عموم من وجه كالصلاة في بيت الظلام مثلا ، أو لاجل ملازمتها مع مثل هذا العنوان.

ففي صورة [ الاتحاد ] (١) يكون من أمثلة مسألة اجتماع الامر والنهي ، فعلى القول بالامتناع وترجيح جانب الامر ـ كما هو المفروض ـ يحمل النهي فيها على مجرد الانشاء على طبق ما هو ملاكه من المنقصة من دون أن يصير فعليا لاجل [ اتحاد ] (٢) المنهي عنه مع ما هو الاغلب منه مصلحة من عنوان المأمور به.

ويمكن ابقاؤه على ما هو الظاهر فيه من الفعلية ، بحمله على الارشاد الى أقلية ثواب الفرد المنهي عنه وحسن تركه الى ما ليس فيه تلك الحزازة.

وامّا بناء على الجواز فيكون النهي عن الصلاة في مواضع التهمة بالعرض ، لكون المنهي عنه حينئذ ذلك العنوان غير المتحد مع المأمور به ؛ وكذا الحكم في صورة المقارنة مع العنوان المنهي عنه.

ويمكن أيضا حمله على الارشاد الى ترك هذا الفرد باختيار الفرد الآخر غير المقارن لما فيه الحزازة.

اذا عرفت ما ذكرنا ظهر انّ تفسير الكراهة بمعنى قلة الثواب انما هو في القسم الثاني على بعض الوجوه ، وفي القسم الثالث في صورة الاتحاد بناء على الامتناع لا على الجواز كما لا يخفى.

٢٩٦ ـ قوله : « كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها ». (٣)

لا يخفى : انّ الاستحباب لو كان :

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الايجاد ).

(٢) في الاصل الحجري ( ايجاد ).

(٣) كفاية الاصول : ٢٠١ ؛ الحجرية ١ : ١٣٩ للمتن و ١ : ١٣٥ للتعليقة.

٣٧٤

لانطباق عنوان مشتمل على مصلحة غير ملزمة على الواجب يكون اقتضائيا مولويا.

ولعنوان ملازم غير منطبق كذلك يكون مولويا عرضيا.

ولو كان لشدة المناسبة بين الطبيعة المأمور بها والخصوصية المتحدة معها يكون ارشاديا حقيقيا.

٢٩٧ ـ قوله : « ولا يخفى انّه لا يكاد يأتي القسم الاول هاهنا ». (١)

ولا يخفى جريانه فيها لو كان الامر الاستحبابي لاجل عنوان آخر سواء كان منطبقا على الواجب أو كان ملازما له ، غاية الامر يكون الاستحباب حكما اقتضائيا ما دام الواجب فعليا ؛ وفعليا لو خرج الوجوب عن الفعلية لغفلة ونحوه ؛ مع انه لا وجه للتأكد في صورة عدم الانطباق كما لا يخفى.

٢٩٨ ـ قوله : « وفيه : مضافا الى المناقشة في المثال ، بأنه ليس من باب الاجتماع ». (٢)

حيث انّ من الواضح في المثال المذكور هو عدم اتحاد المأمور به سواء كان هو الاثر الحاصل في الثوب ، وكذا لو كان عبارة عن حركة الخياط والإبرة فيه.

نعم يشكل ذلك لو كان عبارة عن الحركة القائمة بنفس العضو ، فانه لا يبعد اتحاده مع الكون التخييري الذي هو من ضروريات الجسم.

٢٩٩ ـ قوله : « بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا ». (٣)

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٠١ ؛ الحجرية ١ : ١٣٩ للمتن و ١ : ١٣٥ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٠٢ ؛ الحجرية ١ : ١٤٠ للمتن و ١ : ١٣٥ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢٠٢ ؛ الحجرية ١ : ١٤٠ للمتن و ١ : ١٣٦ للتعليقة.

٣٧٥

ولعل وجهه : انّ متعلق الامر والنهي يكون متعددا بالنظر الدقيق العقلي بناء على تعلقهما بالطبائع ، حيث انّهما متعددان ذاتا وفي مقام تعلق الاحكام. ولو كانا موجودين بوجود واحد يكون واحدا بالنظر المسامحي العرفي في مقام صدورهما عن المكلف بلحاظ كونهما موجودين بوجود واحد.

وفيه : انّ حكم العرف بالامتناع لو كان في موضوع حكم العقل بالجواز فلا اشكال في انّ الحاكم بالامتناع والامكان هو العقل ، ولا طريق للعرف بالنسبة اليه إلاّ بملاحظة عقولهم ؛ مع انّ حكم العقل هو الامتناع بعد ما عرفت من تعلق الاحكام بالطبائع بلحاظ الخارج وهو واحد وجودا وماهية ، فالجواز لو كان لكان بحكم العرف ، نظرا الى تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه غفلة عن وحدة المحكي عنه والمعنون ؛ ولكنه لا يتّبع أيضا بعد القطع على كون حكمه من باب الخطأ في التطبيق.

وان كان حكم العرف بالامتناع في غير موضوع حكم العقل بالجواز ، كأن يستفيد العقل من الامر والنهي اللفظيين معنيين يمكن اجتماعهما في مورد واحد ، ويستفيد العرف معنيين لا يمكن اجتماعهما كذلك.

ففيه : مع ما عرفت من عدم اختصاص النزاع بمدلولي الامر والنهي اللفظيين بل في مطلق الوجوب والحرمة ؛ انه على تقدير التسلّم يكون المحكّم في استفادة المعنى [ من ] (١) الخطاب هو فهم العرف لا العقل ، وبعد استفادته يتطابقان في الحكم بالجواز والامتناع فلا يختلفان بعد ذلك ، هذا.

مع انّ اختلاف موضوع حكمهما ليس من باب مخالفتهما في الحكم ؛ فالظاهر انّ مراد المفصل انما كان في وحدة الموضوع ، وعرفت انّ الحكم فيه هو

__________________

(١) في الاصل الحجري ( عن ).

٣٧٦

العقل لا العرف.

٣٠٠ ـ قوله : « الاول : انّ الاضطرار الى ارتكاب الحرام ... الخ ». (١)

لا يخفى انه لو اضطر الى ارتكاب الحرام :

فان لم يكن بسوء اختياره فلا اشكال في ارتفاع القبح والمذمة على ما ارتكبه ، عقليا كان الاضطرار كما لو أدخله الغير على الدار الغصبي قهرا ، أو شرعيا كما لو كان ذلك لحفظ النفس المحترمة ، فحينئذ يبقى العنوان الآخر مؤثرا في الحسن بلا مزاحم كما لو صلى في ذلك الحال وان كان مغلوبا في المصلحة لو لا الاضطرار ، وذلك لحصول ما هو شرط العبادة من اشتمال الفعل على جهة الحسن فعلا مع صدوره من الفاعل متقربا به.

وامّا ان كان بسوء اختياره فلا اشكال في استحقاقه العقوبة عليه بصدور الفعل منه مبغوضا عليه ـ وان كان يسقط عنه الخطاب عصيانا له بعد الاضطرار اليه بالاختيار لقبح توجه الخطاب الفعلي اليه بعد ذلك ـ ولا يتعلق به الايجاب لصدوره عنه مبغوضا عليه بالنهي السابق ، ولا يجتمع الامر مع المبغوضية. هذا في الجملة ليس مما فيه الارتياب.

وانما الاشكال فيما كان ما اضطر اليه ـ بسوء الاختيار ـ مما انحصر به التخلص عن الحرام كالخروج فيمن توسط في الأرض المغصوبة كذلك ؛ فبعد الاتفاق على انّ حكمه عقلا ـ بعد دوران أمره بين الخروج بمقدار قليل من الزمان والبقاء فيها كثيرا مع عدم التخلص بوجه آخر ـ هو الخروج ، اختلف الأعلام في اتصافه بالحسن وعدمه وتعلق الامر والنهي به معا أو أحدهما وعدمه على أقوال :

أحدها : انه مأمور به فقط كما في التقريرات (٢) عن الشيخ.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٠٣ ؛ الحجرية ١ : ١٤٠ للمتن و ١ : ١٣٧ للتعليقة.

(٢) مطارح الانظار : ١٥٣ السطر ٣٣ والطبعة الحديثة ١ : ٧٠٩.

٣٧٧

وثانيها : انه منهي عنه قولا فقط.

وثالثها : انه مأمور به ، مع جريان حكم المعصية بالنهي المتوجه اليه سابقا مع انقطاعه عنه فعلا كما هو مختار صاحب الفصول. (١)

ورابعها : انه مأمور به ومنهي عنه ، كما اختاره المحقق القمّي (٢) رحمه‌الله وهو المحكي عن أبي هاشم. (٣)

والحق : انه يقع مبغوضا عليه بالنهي السابق ـ الساقط عنه بارتكاب ما يؤدي اليه ـ بنحو المتحتّم العقلي بلا توجه الامر الشرعي المولوي بالنسبة الى الخروج أصلا ، ولو لم يمكن التخلص عن الغصب إلاّ به.

امّا كونه منهيا عنه سابقا فلكون التصرف في الغصب بجميع أنحائه قليلة وكثيرة ـ ومنها التصرف الخروجي ـ تصرفا في ملك الغير وضررا عليه ذا مفسدة.

ولما كان المكلف متمكنا منه فعلا وتركا ولو بتوسط الدخول ـ لكفاية توسيط مقدمة اختيارية في كون ذي الواسطة اختيارية وان لم يكن كذلك بلا توسيط كما في الافعال التوليدية ـ فكان منهيا عنه قبل الدخول ، لاجل التمكن من امتثال خطاب النهي بترك الدخول ومخالفته بارتكابه اختيارا ، فيستحق المثوبة على الاول ولو فيما اضطر اليه بالاختيار ، والعقوبة على الثاني ولو فيما انحصر به التخلص عن الحرام كذلك ، وذلك لحصول ما هو شرط الاطاعة والعصيان من توسيط الاختيار.

ولا ينافي الاضطرار اليهما بعده ، وذلك لانّ الايجاب أو الامتناع بالاختيار لا

__________________

(١) الفصول الغروية : ١٣٨ السطر ٢٥.

(٢) القوانين المحكمة ١ : ١٥٣ السطر ٢١ ـ ٢٢.

(٣) شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي ١ : ٩٤ السطر ١٣ و ١٧ ـ ١٨ ؛ مطارح الانظار : ١٥٣ السطر ٢٤ ـ ٢٥ والطبعة الحديثة ١ : ٧٠٧ ؛ المنخول : ١٢٩ ؛ البرهان ١ : ٢٠٨ ؛ المعتمد ١ : ١٩٥.

٣٧٨

ينافي الاختيار ؛ ولكنه يسقط الخطاب عن المكلف عما اضطر اليه عقلا كالخروج بعد الدخول مع عدم التخلص عن الحرام بوجه آخر ، لكون النهي عنه حينئذ ـ بعد حكم العقل باختياره لاجل كونه أقل المحذورين ـ سفها ولغوا ، ولو كان ذا مفسدة فعلية.

والحاصل : انّ الخروج عن الدار الغصبي بعد دخولها بسوء الاختيار يكون مبغوضا عليه بالنهي السابق ، مع سقوطه عنه فعلا لما عرفت.

ودعوى : عدم توجه النهي اليه فعلا أصلا لا قبل الدخول لعدم القدرة عليه حينئذ ، ولا بعده لحكم العقل بلزوم اختياره.

مدفوعة : بما عرفت من القدرة عليه قبله ولو بالواسطة ، وكفايته في تعلق الخطاب به ، فبعد سقوطه عند بالاضطرار اليه بالاختيار يكون البغض منه باقيا ؛ وامّا عدم الامر لعدم الملاك له وهو المصلحة المقتضية للحسن الباعث للامر فلما عرفت من كون الخروج في حال الصدور مبغوضا عليه بالنهي السابق ، فكيف يكون محبوبا وحسنا؟

وامّا حكم العقل بلزوم اختياره بعد الدخول فلا يدل على تحقق المصلحة المقتضية للحسن فيه ، حيث انّ العقل ـ (١) بعد ما لاحظ التصرف في الغصب وانه بجميع أنحائه ذا مفسدة فعلية قد تعلق النهي به كذلك قبل الدخول فعليا ، وانّ المكلف بعد دخوله في الدار الغصبي بسوء اختياره قد أوقع نفسه في مفسدة الحرام ومخالفة النهي ، مع دوران أمره حينئذ بين الخروج منها في زمان قليل وبين بقائه فيها كي يكون أبدا في مفسدة الحرام ومرتكبا لما يبغضه المولى دائما ـ يحكم بالخروج ، من جهة كونه أقل محذورا في ارتكاب المبغوض من البقاء المستلزم

__________________

(١) جملة معترضة مؤلفة من عدة اسطر.

٣٧٩

لارتكابه دائما ، لا من جهة اشتماله على الحسن كي يستتبع حكم الشرع مولويا على طبقه.

نعم لا مانع من حكمه ارشادا على طبق ارشاد العقل الى أقل القبيحين وأخف المحذورين.

والحاصل : أنه بعد صيرورة النهي بالنسبة الى الدخول فعليا في زمان ـ وان سقط عنه بعده عصيانا ـ لا وجه لاشتماله على ما هو ملاك الامر ، لعدم اجتماعه مع المبغوضية الفعلية ، وبدونه لا يتعلق به.

نعم لو لم يكن الاضطرار بسوء الاختيار ـ كما في صورة إلجاء الغير إيّاه على الدخول ـ فلا يكون الخروج منه مبغوضا عليه ، لعدم مخالفة النهي ، لدخوله فيه قهرا.

فان قلت : انّ الخروج من الغصب وان لم يكن بنفسه مشتملا على المصلحة أصلا إلاّ انه لاجل انطباق عنوان التخلص عن الغصب عليه يكون حسنا ، لوضوح محبوبية التخلص عنه الموجب لتحقق الحسن في مصاديقه ، بل يوجب انطباقه عليه حسنه أزلا وأبدا لكونه مما ينطبق عليه التخلص كذلك ولو قبل تحقق الموضوع معلقا على وجوده ، بل كلما تفرض الحركة الخروجية من حيث كونها حين وجودها لا تتحقق إلاّ مقدمة لترك الغصب الزائد ـ ولا تتصف إلاّ معنونا بالتخلص عن الغصب ـ فيحكم العقل بحسن مثل هذه الحركة أزلا وأبدا ؛ نظير شرب الخمر الذي يكون مقدمة لحفظ النفس بعد الوقوع في المهلكة.

مضافا الى عدم تعلق النهي عن الحركة الخروجية قبل الدخول ـ لكونه منتفيا بانتفاء الموضوع ـ وبعده ، لما ذكر.

والى ذلك يرجع ما في تقريرات شيخنا العلاّمة الانصاري قدس‌سره في وجه عدم

٣٨٠