تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

وكمباحث المبادئ اللغوية في مسألة البحث عن دلالة الصيغة على الوجوب وعدمها ؛ وكمبحث حجية الاجماع المنقول ؛ وخبر الواحد ؛ وحجية ظن المجتهد المتجزي ؛ وعدم حجية القياس ونحوها من المباحث الراجعة عن ثبوت الموضوع ، أو عن غير العوارض الثابتة له كما يظهر بالتأمل.

٦ ـ قوله : « صناعة يعرف بها القواعد ... الخ ». (١)

وجه العدول عن تعريف المشهور لعلم الاصول بأنّه : « العلم بالقواعد ... الخ » يحتاج الى بيان أمر وهو :

انّ العلم قد يطلق ويراد به : التصور ، أو التصديق ، أو الملكة ، والظاهر انّه في هذه الثلاثة بمعنى الانكشاف ، وانما كان الاختلاف بين الاولين في متعلق الانكشاف من حيث كونه مفردا تارة فيسمى بالتصور ، ومركبا اخرى فيسمّى بالتصديق.

وامّا الملكة : فهو الانكشاف الراسخ ولو على نحو البساطة. واطلاقه على التهيّؤ مجاز. وقد يطلق ويراد به المعلوم وهو المسائل ، واطلاقه عليه كاطلاق المصدر على المبني للمفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، وهو قد يكون حقيقيا اذا كان معنى المفعول متحد الوجود مع معنى المصدر وناشئا عنه كالمثال ، وقد يكون مجازيا اذا كان مختلف الوجود وكان المصدر واردا على متعلق غير متوقف عليه كاطلاق العلم على المسائل ، وحينئذ اذا كان بين المسائل جهة وحدة منتزعة عنها تسمّى تلك ـ باعتبار جهة الوحدة ـ بالفن ، ويطلق عليها بهذه الجهة في اصطلاح العلوم من باب الحقيقة المنقولة.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ العلم بهذا المعنى اسم للفن والصناعة ، فاطلاقه

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٣ ؛ الحجرية ١ : ٨ للمتن و ١ : ٨ للتعليقة.

٤١

على نفس الانكشاف تصورا أو تصديقا ـ كما هو الظاهر من تعريفات العلوم ـ ليس على ما ينبغي ؛ فلهذا وغيره من الوجوه عدل المصنف عن تعريف المشهور الى الصناعة ، فتدبر.

٤٢

الوضع

٧ ـ قوله : « الامر الثاني : الوضع ». (١)

يقع الكلام تارة في حقيقة الوضع ، واخرى في أثره ، وثالثة في سببه.

امّا الاول : فهو انّ الوضع ـ بمعنى اسم المصدر ـ نحو اضافة خاصة بين اللفظ والمعنى ، ويكون من الاعتبارات الصحيحة العقلائية التي هي منشأ انتزاع صحيح وليس لها ما بحذاء في الخارج حتى يكون من المحمولات بالضميمة ، وليس مجرد اختراع بلا منشأ حتى يكون من قبيل أنياب الأغوال ؛ فيكون من قبيل الخارج المحمول ومن قبيل القسم القابل للجعل من الاحكام الوضعية كالملكية والولاية ونحوها ، لا كالسببية ونحوها مما ليست بقابلة للجعل ، لانّ جعل الوضع من قبيل ايجاد السبب لا من قبيل ايجاد السببية للدلالة.

والحاصل : انّ حقيقته علقة وارتباط خاص منتزع من أسباب خاصة.

وأمّا أثره : فهو صيرورة اللفظ بحيث يكون وجودا لفظيا للمعنى يحصل بينهما نحو اتحاد بحيث يكون القاؤه الى المخاطب القاء المعنى اليه ، ولا ينفك تصور المعنى عن سماع اللفظ عند العالم بالوضع ، ولاجل غاية الاتحاد بينهما يتعاكس الحسن والقبح من كل منهما الى الآخر. وامّا الدلالة الفعلية التصديقية أو

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤ ؛ الحجرية ١ : ٨ للمتن و ١ : ٩ للتعليقة.

٤٣

مجرد خطور المعنى عند سماع اللفظ فليسا بمسندين الى الوضع الاول ، بل الى علم المخاطب بامور منها الوضع ، والثاني لازم أعم ، ولذا يتحقق ولو لم يكن وضع في البين ، كما لو نص الواضع على عدم وضع اللفظ المخصوص فانّه يخطر المعنى عند المخاطب العالم بهذا القول بمجرد سماع اللفظ.

وأمّا أسبابه :

فأحدها : جعل الواضع ابتداء طبيعة اللفظ موضوعا للمعنى الخاص ، بلا استعمال في البين ، بل وإن لم يلحقه استعمال أبدا.

وثانيها : استعمال شخص من اللفظ ـ الذي ليس موضوعا في معنى خاص ـ بقصد تحقق الوضع له بنفس هذا الاستعمال ، كما في استعمال لفظ ( المبارك ) في ولده في مقام التسمية فانّه في هذا المقام تتحقق التسمية بنفس هذا الاستعمال بلا سبق وضع ولا لحوقه أبدا ؛ ومن المعلوم انّ استعمال شخص اللفظ بهذا القصد يكون انشاء لوضع طبيعته الكلية ، ولا يكون هذا الاستعمال حقيقة لعدم سبق الوضع ، بل ولا مقارنا معه لتحققه بعد تمامية هذا الاستعمال ، ولا مجازا كما هو واضح ، ولا يضر ذلك في صحته بعد ما سيجيء من انّها بالطبع وان لم يكن وضع شخصا ولا نوعا كما في استعمال ( اللفظ ) في اللفظ.

وثالثها : كثرة الاستعمال من شخص واحد أو من أهل المحاورة بحيث توجب الكثرة تحقق انس بين اللفظ والمعنى ، ويشتد ذلك الانس بكثرة الاستعمال الى حيث يصل الى حد العلقة الوضعية.

ولكنه يقع الكلام في انّ حقيقة الوضع وذاك الاتحاد هل يحصل بنفس الاستعمال بعد الكثرة قهرا ولو لم يتحقق بعد استعمال بهذا القصد؟ ولا بد بالأخرة من الاستعمال الكذائي وإلاّ لما وصل الى حد الحقيقة ، كما مال اليه المصنف في مجلس الدرس ، حيث انّ الاستعمالات المجازية السابقة الصحيحة لا بد أن تكون

٤٤

مع القرينة متصلة كانت أو منفصلة ؛ والاستعمال الكذائي وان بلغ من الكثرة ما بلغ لم يصل الى حد الحقيقة ، لانّ اللفظ مع القرينة لا يحصل فيه مرتبة الانس الحقيقي والارتباط الوضعي بين حاقّه والمعنى ، بل بينه مع القرينة وبين المعنى.

وما اشتهر من بلوغ الانس بسبب الكثرة الى حيث يتبادر منه معناه بلا قرينة ، ففيه انه :

إن اريد أنه يتبادر باشتهار القرينة فهي رجوع الى الانفهام مع القرينة.

وإن اريد أنّه يتبادر من حاقّه ، ففيه : انّ الاستعمال في المعنى ما لم يتكثر من نفس اللفظ وحده فكيف تحصل مرتبة الاتحاد بين اللفظ بحاقه وبين المعنى؟

وحاصل الاشكال يرجع الى أمرين :

أحدهما : من جهة احتياج المجاز الى القرينة ؛ ولازمه حصول الانس بين اللفظ مع القرينة وبين المعنى المجازي ، لا بين اللفظ المجرد وبينه ؛ ومن المعلوم انّ المجدي هو الثاني لا الاول.

والثاني : انّ لحاظ المعنى المجازي في عالم الاستعمال مسبوق بلحاظ الحقيقي حتى تلاحظ المناسبة بينهما ولو اجمالا ، وإلاّ لما صح الاستعمال ، فلا تصير ملاحظة المعنى المجازي أكثر من المعنى الحقيقي حتى يحصل الانس بينه وبين اللفظ.

ولكن الانصاف حصول الوضع التعييني بكثرة الاستعمال مجازيا ، ولا اعتناء بما ذكر من الاشكال.

امّا الثاني : فلأنّ اللحاظ الموجب للانس هو اللحاظ الاستعمالي من اللفظ ، لا اللحاظ السابق عليه مقدمة له كما لا يخفى.

وامّا الاول : فلأنّ دلالة اللفظ مع القرينة على المعنى المجازي :

تارة : تكون بارادته منهما مركبا بنحو يكون الدال مركبا والمدلول واحدا.

٤٥

واخرى : تكون بنحو تعدد الدال والمدلول ، كما في قولك : « رأيت أسدا يرمي » لو اريد من الاسد طبيعة الشجاع ومن قولك : « يرمي » خصوصية كونه في ضمن الرجل الشجاع ، ويكون المجاز من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للخاص في العام.

وثالثة : بنحو اتحاد الدال والمدلول ، بأن يراد تمام المعنى المجازي من اللفظ وحده وجئت بالقرينة لتفهيم المراد والمدلول منه.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّ الاشكال انما يتأتّى على الوجه الاول دون الآخرين كما لا يخفى. مع انّه على تقدير التسليم [ لا ] (١) مجال له في المجاز مع القرينة المنفصلة ، حيث انّه يحصل الانس بين اللفظ وحده والمعنى المجازي ويشتد ذلك الى أن يصل الى استعمال يكون ذلك جزءا أخيرا للوصول الى مرتبة الوضع ، وبعد ذلك تحصل تلك المرتبة قهرا بلا قصد في استعمال ابدا. إلاّ أن يقال : انّ العلم بتلك المرتبة وبأنّ أيّا من الاستعمالات يصير موجبا للوصول [ الى تلك ] (٢) المرتبة حتى يتّبع الوضع في الاستعمالات اللاحقة ، مستبعد جدا.

نعم ، التحقيق : حصول العلم به تفصيلا بعد التكرير والارتكاز ، نظير التبادر المتوقف على العلم بالوضع اجمالا الموجب للعلم به تفصيلا ؛ فظهر انّ الوضع الناشئ من الكثرة لا يتوقف على الاستعمال بالقصد المذكور وان كان ذلك في غاية القوة في الاستعمالات الشرعية بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية ، وفي الحقائق العرفية المختلفة مع الاوضاع ؛ فلا بد من نصب القرينة من الشارع ومن بعض أهل العرف على هذا القصد.

فان قلت : ما الفرق بين القرينة في هذا الاستعمال وبينها في المجاز؟

__________________

(١) في الاصل الحجري ( فلا ).

(٢) في الاصل الحجري ( بتلك ).

٤٦

قلت : مضافا الى احتياج المجاز الى لحاظ العلاقة والمناسبة بينه وبين المعنى الحقيقي دون المقام ، أنّ القرينة في المجاز لافادة المعنى المستعمل فيه وفي هذا المقام لافادة انشاء الوضع كما لا يخفى ، وامّا أصل هذا الاستعمال فقد عرفت انّه لا حقيقة ولا مجاز.

ثم انّ الوضع بالمعنى الاسمي الذي هو الربط الخاص لا يختلف باختلاف أسبابه ، فالتقسيم الى التعييني والتعيّني انما هو باعتبار سببه بناء على المشهور ، وبناء على القول الآخر انما هو بالمسامحة بلحاظ كون الكثرة داعيا الى التعيين فكأنّه صار الوضع متعينا به.

٨ ـ قوله : « ثم انّ الملحوظ حال الوضع ... الخ ». (١)

لا يخفى انّ حقيقة الوضع لما كانت من الاعتبارات والاضافات القائمة بالطرفين وكان أمرا مجعولا فلا بد في الوضع التعييني من لحاظه ولحاظ طرفيه من اللفظ الموضوع والمعنى الموضوع له.

وينقسم باعتبار الاخير الى أربعة أقسام : حيث انّ المعنى الملحوظ عند الوضع ، امّا معنى عاما فوضع له اللفظ تارة ، ولمصاديقه وجزئياته المندرجة تحته المنطبقة عليها اخرى ؛ وامّا معنى خاصا فيوضع له اللفظ تارة ، وللعام الكلي الجامع بينه وبين غيره اخرى.

ولا اشكال بحسب الامكان في الوضع الخاص والموضوع له الخاص ، وكذا في الوضع العام والموضوع له العام ، ولا في الوضع العام والموضوع له الخاص ، حيث انّ الكلي لما كان متحدا في الخارج مع الجزئيات ويكون حاكيا عنها بوجه فيصح أن يكون آلة للحاظ الموضوع له حيث انّ تصوره لا يلزم أن يكون على

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤ ؛ الحجرية ١ : ٩ للمتن و ١ : ٧ العمود ٢ للتعليقة.

٤٧

وجه التفصيل ، بل يكفي التصور بالوجه ، وتصور وجه الشيء يكون تصورا له بوجه ما ، وهذا المقدار يكفي في المعرفة ، ولولاه للزم التعطيل عن معرفة الله تعالى كما لا يخفى.

لا يقال : إنّ العنوان الكلي إنّما يحكي عن الجهة المشتركة لا عن الخصوصيات الفردية فكيف يكون آلة للحاظ الخصوصيات؟

لأنّا نقول : انّ الكلي لما كان متحدا مع الفرد ـ بل هو عينه بحسب الوجود ويكون عنوانا ـ له فيصح أن يحكي عنه به ، لصحة الحكاية عن الشيء بعنوانه كما في معرفة جميع الاشياء بالوجه. نعم لو كان الموضوع له الخصوصيات بمفهومها لا بوجوداتها لأشكل الامر ، لعدم كون العام عنوانا لمفهوم الخاص كما لا يخفى.

والذي يسهل الخطب انّ الموضوع له الخصوصيات بوجوداتها ، فتدبر.

وامّا الوضع الخاص والموضوع له العام فالتحقيق : عدم امكانه ، لعدم كون الخاص بخصوصيته عنوانا ومرآة للمعنى العام حتى يكون آلة للحاظه حين الوضع ، خلافا لبعض المحققين من المتأخرين حيث يتوهم صلاحية كون الخاص ـ ولو باعتبار تحليله الى الاجزاء التحليلية التي منها المعنى العام ـ مرآة للعام.

وفيه : انّه حين لحاظ الخاص ، ان التفت الى الكلي الجامع بينه وبين غيره بنفسه كالانسانية أو بعنوان يشار اليه كالنوعية والجنسية ونحوهما بالتجريد عن الخصوصيات أو بالانتقال من الجزئي الى الكلي على ما هو المحقق في محله ـ من كون العلم بالجزئيات أحد طرق العلم بالكليات ـ وبعد الانتقال يجعل نفس ذلك الكلي آلة للحاظ العام ، فلا اشكال في كون هذا القسم داخلا في الوضع العام ؛ وان لم يلتفت الى الكلي بوجه أبدا بل كان الملحوظ نفس الخاص بخصوصيته فلا اشكال في عدم كونه آلة للحاظ العام ، وهو واضح.

٤٨

والتحقيق : انّ في الصورة السابقة إن جعل الموضوع له نفس الجزئيات بوجوداتها فهو كما تقدم ، وامّا إن جعل الموضوع له نفس الخاص بعنوانه وبمفهومه فهو كما في الوضع الخاص والموضوع له العام في عدم امكانه. ومجرد اعتبار العام بنحو اللابشرط المقسمي ، لا يوجب كون العام عنوانا لعنوان الخاص كما لا يخفى ؛ إلاّ أنّ ما يسهل الخطب انّ المشهور في الوضع العام والموضوع له الخاص هو نفس المصاديق بوجوداتها لا بعناوينها.

٩ ـ قوله : « وأمّا الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم أنّه وضع الحروف ». (١)

اختلف الأعلام في وضع الحروف ونظائرها من المبهمات وهيئات الافعال :

بين قائل بكون الوضع عاما والموضوع له والمستعمل فيه خاصا.

وبين ذاهب [ الى كون ] (٢) الموضوع له فيها كالوضع عاما والمستعمل فيه خاصا.

وبين ثالث بعدم المعنى للحروف أبدا ، بل هي لمجرد الربط اللفظي غاية الامر كانت قرينة لخصوصيته في معاني الاسماء.

والتحقيق : انّ الموضوع له والمستعمل فيه فيها ـ كالوضع ـ عامّان. (٣)

والداعي للقائل بكون الموضوع له فيها خاصا هو عدم لزوم مجاز بلا حقيقة من جهة تخيله انّ المستعمل فيه فيها كان خاصا دائما ، وامّا لو ثبت انّ المستعمل فيه فيها عام فلا وجه للالتزام بخصوصية الموضوع له بعد وضوح ظهور كلمات

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٥ ؛ الحجرية ١ : ٩ للمتن و ١ : ١٠ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( بكون ).

(٣) تبعا لهداية المسترشدين : ٣٤ السطر ٣٩ ـ ٤٠ ؛ والطبعة الحديثة ١ : ١٩١ ـ ١٩٣.

٤٩

القدماء (١) في كون الموضوع له عاما.

[ ثم ] (٢) انّ مراد القائلين بكون المستعمل فيه خاصا :

ان كان هو الخصوصية والجزئية الخارجية ، ففيه : انّ في غالب الاستعمالات يكون المستعمل فيه قابل الصدق على كثيرين ولو بالعموم البدلي كما في قولك : « سر من البصرة » و « كن على السطح » و « سر من صقع كذا الى صقع كذا » حيث انّ المخاطب لو جعل ابتداء سيره من أيّ نقطة من نقاط البصرة ومن ذلك الصقع لكان ممتثلا للمأمور به ، وليس ذلك إلاّ من حيث كون المعنى الابتدائي المدلول عليه بالحروف مأخوذا بنحو يصدق على كثيرين ؛ وامّا الجزئي في مثل قولك : « سرت من البصرة » أو في مثل قولك : « سر من نقطة معيّنة بخط مستقيم الى نقطة كذا » فانّما هو بتعدد الدال والمدلول ، بل الجزئية الاضافية في الامثلة السابقة هكذا أيضا كما لا يخفى.

وان كان مرادهم من الجزئية هي الجزئية الذهنية ، ففيه : ما يظهر الآن من فساده.

امّا بيان مرادهم فتوضيحه : انّه كما انّ الموجود الخارجي على قسمين : أحدهما : ما كان موجودا في نفسه ، وبعبارة اخرى : موجودا لا في موضوع كما في الجوهر ، وثانيهما : ما كان موجودا في غيره وهو الموضوع كما في الاعراض ؛ كذلك الموجود الذهني الذي كان متقوما باللحاظ ، حيث انّ الوجود الذهني الذي كان عبارة عن نفس لحاظ الذهن ، تارة : قد يكون موجودا في نفسه ومستقلا بالمفهومية بحسب اللحاظ ، و [ اخرى ] قد يكون موجودا في غيره غير مستقل

__________________

(١) المقصود هو القدماء من علماء العربية ، وإلاّ فالقدماء من الاصوليين لم يبحثوا المعنى الحرفي بحثا واسعا كالمتأخرين. راجع شرح الكافية للرضي الاسترابادي ١ : ١٠.

(٢) في الاصل الحجري ( و).

٥٠

بالمفهومية بحسب اللحاظ ، أي يكون لحاظ الذهن إيّاه في ضمن لحاظ الغير لا بلحاظ بالنسبة اليه على حدة وملتفت اليه ، فتكون المفاهيم على سنخين :

أحدهما : ما كان في عالم المفهومية متصورا في نفسه ومتعقلا على حياله ؛ وهذا القسم هو معاني الاسماء.

وثانيهما : ما كان في ذلك العالم متصورا في غيره ومتعقلا من حيث كونه حالة لغيره ، بحيث لا يلتفت الى نفسه بحسب اللحاظ ، بل ليس ملحوظا إلاّ بلحاظ معنى آخر ؛ وهذا القسم هو معاني الحروف.

اذا عرفت ذلك فنقول : انّ الظاهر من كلمات القائلين بجزئية المعنى هو جزئيته باللحاظ لا بمفهوم اللحاظ بل بمصداقه في مقام الاستعمال بحيث يكون داخلا في المستعمل فيه امّا شطرا أو شرطا ، ومن المعلوم انّ اللحاظ المصداقي جزئي حقيقي ذهني والمقيد به يكون كذلك ، وبناء عليه لو استعمل الحرف في معناه من شخص واحد مرارا ولو في مجلس واحد لكان مستعملا في كل منها في غير ما كان مستعملا فيه في استعمال آخر كما لا يخفى ؛ واذا كان المستعمل فيه في الحروف جزئيا فلا وجه لكلية الموضوع له ، لاستلزام المجاز بلا حقيقة ، لعدم تحقق الاستعمال في نفس ذلك الكلي أبدا ، هذا في الحروف.

وكذا الحال فيما يشابهها في الوضع والمستعمل فيه ولو في جزء معناه ، كما في الافعال بحسب مفاد هيئتها الدالة على النسبة الخبرية أو الانشائية ، وكما في المضمرات ، وأسماء الاشارة ، والموصولات ؛ امّا جزئية معنى هيئة الافعال فلكونها مثل الحروف ملحوظا على غير استقلال في ضمن المادة والفاعل ؛ وامّا في أسماء الاشارة فلكون المستعمل فيه والموضوع له فيها هو المشار اليه بالاشارة الحسية المصداقية ، وهو بما هو كذلك يكون جزئيا حقيقيا ؛ وامّا في المضمرات فلتقييد معانيها بالاشارة الى الغائب ، أو بمشافهة المخاطب ، أو بالاشارة الى المتكلم ؛ وامّا

٥١

في الموصولات فلتقييد معانيها بالتعيين بالصلة.

اذا عرفت ما ذكرنا ، فالجواب على ما قرر المصنف : [ من ] انّ المستعمل فيه في الحروف يكون كليا طبيعيا غير مأخوذ فيه اللحاظ الآلي المصداقي وان كان متحققا في مقام الاستعمال :

امّا نقضا : فباللحاظ الاستقلالي في الاسم ، حيث انّه لا فرق بينهما إلاّ في مجرد اللحاظ في الاستقلالية في الاسم والآلية في الحرف ، فلو كان ذلك قيدا فيها فليكن ذاك قيدا في المستعمل فيه أيضا.

وامّا حلا : فبأنّ لحاظ المعنى بكلا نحويه من الاستقلالية والآلية يكون من مقومات استعمال اللفظ في المعنى ، حيث انّه قصد المعنى من اللفظ على اختلاف أنحائه ، فاذا كان كذلك فلا يكاد يمكن ادخاله في المستعمل فيه ، للزوم تقدم المستعمل فيه على الاستعمال ، والتغاير بينهما لازم.

فلو كان المأخوذ في المستعمل فيه عين اللحاظ من اللفظ الذي يحصل به الاستعمال لزم الدور كما لا يخفى.

وان كان هو اللحاظ السابق عليه الذي يكون من مبادئ الاستعمال ، ففيه :

مضافا الى أنّ السابق هو الذي يستمر الى حين التلفظ ويحصل به الاستعمال لا غيره حتى يغايره في الحكم ؛ انّه كما اعترف به يكون من مبادئ الاستعمال فلا بد أن يتعلق بما يستعمل فيه اللفظ ، وحينئذ :

فامّا أن يتعلق على نفسه أيضا [ فيلزم ] (١) الدور بعد ما عرفت من لزوم المغايرة بين اللحاظ والملحوظ بقيوده.

وامّا أن يتعلق على ذات المعنى وحده [ فيلزم ] (٢) تحقق الاستعمال بدون

__________________

(١) في الاصل الحجري ( للزم ).

(٢) في الاصل الحجري ( فلزم ).

٥٢

اللحاظ السابق بالنسبة الى قيد المستعمل فيه. ولا فرق بين كونه كذلك بتمامه أو ببعض قيوده كما لا يخفى.

هذا مع انّ ظاهر المشهور انّ جزئية المعنى انما هو باللحاظ الاستعمالي لا بالسابق عليه ، كما انّ الآلية المعتبرة انما هي فيه ، وإلاّ لصح اللحاظ الاستقلالي حين الاستعمال وهو باطل.

نعم يمكن أن يقال : انّ المستعمل فيه لما كان حين الاستعمال واجدا لخصوصية المقصودية فيصدق عليه انّه خاص وان لم يلتفت الى خصوصيته كما ذهب اليه بعض الاصحاب.

وفيه : انّ الشيء بمجرد مقارنته مع المستعمل فيه لا يكون داخلا فيه ، وإلاّ للزم أيضا أن يكون متخصصا بخصوصيات اخرى كما هو أوضح من أن يخفى.

هذا ما حققه المصنف من معاني الحروف.

ولكن التحقيق : أنّها بنفسها متمايزة عن معاني الاسماء ، لا بمجرد اللحاظ المحقق للاستعمال.

بيانه : انّ الوجودات الخارجية على أقسام ثلاثة :

أحدها : الوجود النفسي كما في الجوهر.

وثانيها : الوجود الرابطي كما في وجود العرض في الموضوع اذا لوحظ في نفسه بمفاد كان التامة.

وثالثها : الوجود الرابط وهو النسبة بين العرض والمعروض ؛ وبعبارة اخرى : الوجود الذي يكون مفاد كان الناقصة ولا يكون متحققا بنفسه إلاّ بمنشإ انتزاعه وهو طرفا القضية.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ أجزاء القضية اذا تحققت في الذهن فطرفاها يوجدان بالوجود الاستقلالي الذي يكون عبارة عن اللحاظ بنفسه [ ولكن النسبة

٥٣

بينهما يمكن أن تلحظ بنفسه فيكون موجودا على حياله في الذهن ويخرج حينئذ عن كونه رابطا بين الطرفين ، بل يكون موجودا في عرضها ولا يكون حينئذ حاكيا عن الربط الخارجي كما انّ الطرفين لا يكون احدهما مرتبطا بالآخر بل يكونان مفردين كما لا يخفى ]. (١)

ويمكن أن تلحظ في الذهن على نحو يطابق الخارج بأن يلحظ الطرفان استقلالا لا مرتبطا احدهما بالآخر ، بحيث يكون لحاظ النسبة فانيا في لحاظهما ويكون الوجود الذهني ـ الذي يكون عين اللحاظ ـ مندكا في وجود الطرفين.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الربط من الامور الاعتبارية الواقعية التي لا تحقق لها إلاّ بوجود منشأ انتزاعها ، وانّه اذا تحقق في الذهن مطابقا لما في الخارج لا يكاد يكون إلاّ آليا ؛ ومن هذا يظهر انّ آلية اللحاظ فرع آلية الملحوظ في نفسه ، وانّ المعنى الحرفي متميز بنفسه عن المعنى الاسمي ، لا بمجرد اللحاظ كي يرد بعدم معقولية دخوله في المستعمل فيه بالبيان الذي عرفت.

نعم ذكر ذا الفرق بينهما باللحاظ اشارة الى الفرق بينهما بنفسهما ، وحينئذ فيسقط عنهم ما أورده عليهم المصنف من حيث دخول اللحاظ في المعنى.

نعم يبقى عليهم ما أورده عليهم من حيث الجزئية حيث انّ كلّيتهما وجزئيتهما تابعة لطرفيها ، ومن المعلوم انّ النسبة في مثل ( زيد قائم ) قابل الصدق على كثيرين باعتبار تعدد القيام العارض على زيد من حيث كونه في الدار أو في المسجد أو في غيرهما على اختلاف أنحائه من الانتصاب ونحوه في كل منها ، ولا

__________________

(١) الانسب ان تكون العبارة هكذا : « ولكن النسبة بينهما يمكن أن تلحظ بنفسها فتكون موجودة على حيالهما في الذهن وتخرج حينئذ عن كونها رابطا بين الطرفين ، بل تكون موجودة في عرضهما ولا تكون حينئذ حاكية عن الربط الخارجي ، كما انّ الطرفين لا يكون أحدهما مرتبطا بالآخر بل يكونان مفردين كما لا يخفى ».

٥٤

يخفى انّ نسبة المدلول عليها بهيئة ( زيد قائم ) يكون مطابقا لجميع هذه المصاديق فتكون كلية.

١٠ ـ قوله : « ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف في الخبر والانشاء ايضا كذلك ... الخ » (١).

بيانه : انّ المفاهيم على قسمين :

أحدهما : ما يكون وجوده الحقيقي من الامور المتأصلة المسببة عن أسباب تكوينية ولا يوجد بمجرد الانشاء.

ثانيهما : ما يكون وجوده الحقيقي من الامور الاعتبارية التي تكون واقعيتها بالجعل والاختراع ممن بيده الجعل كالملكية ، والولاية والحجية ونحوها من الامور الاعتبارية. وهذا القسم تارة : يكون متحققا في الخارج ويقصد الحكاية عن تحققها في موطنه ، واخرى : لا يكون متحققا في الخارج بل يقصد ايجادها بالانشاء.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ اللفظ المستعمل في هذه الامور الاعتبارية الجعلية اذا قصد منه هذه على نحو الحكاية عن التحقق الخارجي فيسمى بهذا اللحاظ خبرا ، واذا قصد منه على نحو الانشاء والاختراع فيسمى بهذا الاعتبار انشاء ومن المعلوم انّ أصل المفهوم المقصود في المقامين واحد وهو التمليك المنسوب الى المتكلم في مثل ( بعت ) ، والفارق انما هو القصد والارادة من حيث تعلقه بالايجاد تارة وبالحكاية عن تحقق الوجود اخرى ؛ وقد عرفت انّ الارادة بأنحائها لا تكاد تمكن أن تكون داخلة في المستعمل فيه ، فهي فيهما واحدة ، غاية الامر قد لا يشترط في وضع اللفظ الدال عليه ان يستعمل بأحد الاستعمالين فيكون مشتركا بين الخبر والانشاء ، وقد يشترط فيه احدهما فيختص امّا بالخبر أو بالانشاء ،

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧ ؛ الحجرية ١ : ١٢ للمتن و ١ : ١١ العمود ١ للتعليقة.

٥٥

فيكون الفارق بينهما في مجرد الارادة المقومة للاستعمال.

ثم انّ الانشاء لو تعلق بالطلب كما في قولك : « اضرب » يحصل منه فائدة الاخبار في مثل قولك : « أطلب منك الضرب اخبارا » حيث انّ انشاء بعث المخاطب الى فعل يكشف عن كونه طالبا له قلبا ، ولذلك قيل انّ الانشاء في حكم الاخبار الخ ؛ ويقع الكلام في انّ دلالته عليه وضعية أم لا؟

أقول : انّ بعض المفاهيم له مصاديق حقيقية متأصلة غير قابلة للجعل التشريعي ، ومصاديق اخرى اعتبارية مجعولة تشريعا كـ ( بعث ) مثلا فانّ له مصداقا في النفس يكون من الصفات النفسانية يسمى بالارادة ، ومصداقا آخر في الخارج وهو قد يكون فعلا تكوينيا للطالب كتحريك المولى للعبد خارجا نحو الفعل المطلوب ، وقد يكون بعثا انشائيا اختراعيا في عالم اللفظ كما في قولك : « اضرب » اذا استعمل بقصد تحقق البعث انشاء بأن يجعل اللفظ بهذا القصد بعثا تشريعيا بازاء البعث الخارجي التكويني ؛ ومن المعلوم انّ التحريك الخارجي يدل على الارادة القلبية نوع دلالة اللازم على الملزوم عقلا ، فكذا ما هو بحكمه من البعث الانشائي.

اذا عرفت ذلك فيظهر : انّ دلالة مثل « أطلب إخبارا » يكشف عن الارادة النفسانية بلا واسطة وانّ دلالة مثل قولك : « اضرب » عليه انما هو بتوسط دلالته على ايجاد البعث انشاء خارجا فيكون دلالة عقلية لا وضعية ، فبهذا الاعتبار قد قيل انّ الانشاء يفيد فائدة الاخبار عن الارادة القلبية بل يكون أبلغ ، لدلالته على كون الارادة النفسانية بنحو يبعث المولى العبد نحو الفعل فيصير كأنّه معدّ ، دون مجرد الاخبار فانّه ليس بهذه المثابة كما لا يخفى.

ثم انّه مع ذلك يكون المفهوم الجامع بين المخبر به والمنشأ هو طبيعة البعث والارادة المتحققة حقيقة في القلب تارة ، واعتبارا في عالم الانشاء اللفظي

٥٦

اخرى ، ويكون استعمال اللفظ مختلفا بنحو الحكاية عن تحققه في موطن النفس تارة فيسمّى خبرا ، وبنحو الانشاء وارادة الايجاد بنفس اللفظ اخرى فيسمى انشاء ؛ وفي كلا المقامين يكون المستعمل فيه طبيعيا ، وانما يكون التشخص من ناحية الاستعمال.

وما قيل : انّ الانشاء بمعنى الايجاد والكلي بما هو كلي ليس بقابل له ، لانّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد.

ففيه :

أولا : انّ التشخص الناشئ من قبل الاستعمال الانشائي لا يصير موجبا لجزئية المستعمل فيه.

وثانيا : على تقدير التسليم يكون موجبا لتشخصه بالمشخصات الانشائية ؛ وتشخص المعنى في موطن لا ينافي كليته بالنسبة الى موطن آخر خارجا عنه ، فتدبر.

١١ ـ قوله : « وان اتفقا فيما استعملا فيه ، فتأمل ». (١)

لعله اشارة الى مناقشة لفظية ، فانّ قوله : « فيكون الخبر موضوعا ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه والانشاء ليستعمل في قصد تحققه ... الخ » يوهم خلاف المقصود من كون المستعمل فيه فيهما واحدا ، وانّ أنحاء القصد خارج عنه فيهما ؛ أو الى ما ذكرنا ـ في دفع توهم انّ الانشاء كالإخبار في الحكاية عن المعنى القلبي ـ من انّ دلالة الخبر وضعية وبلا واسطة ودلالة الانشاء عليه عقلية مع الواسطة.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧ ؛ الحجرية ١ : ١٢ للمتن و ١ : ١٢ للتعليقة.

٥٧

١٢ ـ قوله : « حيث انّ أسماء الاشارة وضعت ليشار بها الى معانيها ... الخ ». (١)

لا يخفى انّ الاشارة المأخوذة فيها ليس مفهومها الكلي وإلاّ لكان معنى اسميا غير مشابه بالحروف ، فلا بد أن يكون القيد مصداق الاشارة ، وحينئذ :

فان كان مصداقها الذهني فيكون كالحروف ناشئا من قبل الاستعمال ، لانّ الاشارة الذهنية لا تكون إلاّ مجرد اللحاظ ، ولا يتأتّى أن تؤخذ في المستعمل فيه طابق النعل بالنعل.

وان كان مصداقها الحسّي ، فلا بد أن يكون بآلة من حركة يد ونحوه ، ولا يحصل باللفظ.

نعم يمكن أن يكون حاكيا عنه تضمنا ، بأن يكون موضوعا للذات المشار اليها بالاشارة الحسية ، ولا [ يتأتّى ] (٢) من قبل الاستعمال. فما في المتن من كونها ناشئة من قبل الاستعمال فيه ما فيه ، فتدبر.

١٣ ـ قوله : « الثالث : صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هو بالوضع أو بالطبع؟ ». (٣)

لا بد قبل تحقيق الحق من تقسيم الوضع باعتبار الموضوع ، حيث انّ اللازم أن يلاحظ اللفظ الموضوع قبل الوضع لكونه نسبة بينه وبين المعنى فلا بد للواضع من ملاحظتها حينه ، فاللفظ الملحوظ :

امّا أن يكون خاصا بمادته وهيئته نحو ( زيد ) مثلا ويوضع ذلك لمعناه فيكون الوضع والموضوع خاصا لخصوصية اللفظ ، والمراد من خصوصيته كونه بمادته وهيئته معلومتين وان كان الموضوع طبيعة اللفظ ، لا كونه جزئيا حقيقيا

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧ ؛ الحجرية ١ : ١٢ للمتن و ١ : ١٢ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( ينافي ).

(٣) كفاية الاصول : ٢٨ ؛ الحجرية ١ : ١٢ للمتن و ١ : ١٢ للتعليقة.

٥٨

وإلاّ يلزم أن يكون الموضوع الشخصي الملحوظ للواضع فقط وهو ظاهر البطلان. نعم يمكن أن يكون الموضوع ـ بعد لحاظ الطبيعة ـ الاشخاص المندرجة تحتها وتكون تلك مرآة لها ؛ ولكنه خلاف الظاهر ، حيث إنّا نعلم بالوجدان عدم الالتفات الى الاشخاص حين وضعنا علما لشخص كما لا يخفى.

وامّا أن يكون عاما وهو ان لا يكون كذلك ، سواء كان بهيئته فقط كما في المشتقات على المشهور ، أو بمادته فقط كما في مبادئها ، أو لا يكون معلوما أصلا كما في المجازات بناء على الوضع فيها وان كان معلوما اجمالا في ضمن العلاقات.

ثم انهم اختلفوا في المشتقات بأنّ الوضع فيها من حيث المادة والهيئة هل هو واحد كما في الجوامد لمعنى مركب من الحدث والنسبة؟ أو متعدد بأن تكون المادة موضوعا للحدث ، والهيئة للنسبة؟ وجهان ، بل قولان.

وليعلم انّ المراد من وحدة الوضع لا يمكن إلاّ أن يلاحظ فيه لكل من اللفظ والمعنى جهتان ، كل من [ جهتي ] (١) اللفظ بازاء احدى جهتي المعنى ، حيث انّ معناها مركب من جزء اسمي استقلالي ومن جزء حرفي آلي متأخر اللحاظ عن الاسمي الحدثي وعما أسند اليه الحدث ، فلا يمكن لحاظهما عرضا كما في اجزاء سائر المركبات ، ولا افادتهما في عالم الاستعمال بدال واحد ، فلا بد أن تكون احدى جهتي اللفظ ـ وهي المادة ـ لاحدى جهتي المعنى وهو الحدث والاخرى وهي الهيئة للاخرى وهي النسبة ولو كان الوضع بانشاء واحد ، وليكن هو المراد بوحدة الوضع كما في الجوامد بحيث لا يلاحظ فيها تعدد الجهة لا لفظا ولا معنى كما لا يخفى.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( جهة ).

٥٩

وامّا تعدد الوضع فالظاهر عدم كفاية معلومية الهيئة فقط بأن لا تكون المادة معلومة أصلا بأن تكون هيئة ( فاعل ) مثلا من كل مادة لمن قام به المبدأ ، حيث انّ ما وجدت هيئة كانت جارية في جميع الموارد ـ لا في الافعال ولا في غيرها ـ من المشتقات كما يظهر بالمراجعة ، فيشكل نوعية الوضع فيها.

اللهم إلاّ أن يقال : بأنّ الواضع لاحظ مواد كثيرة في ضمن مصادر معينة كثيرة ثم وضع كلا من الهيئات المخصوصة ـ التي لاحظ جريانها في تلك المواد من هيئة الفاعل والمفعول ونحوهما ـ بازاء معانيها المعينة بوضع واحد شامل لجميع مصاديق الهيئة في ضمن المواد ، فيكون وضع المشتقات بهذا الاعتبار نوعيا ولا غرو فيه أصلا.

وامّا المواد فالظاهر انّها نظير الهيئة في عدم تعلق الوضع بها مع قطع النظر عن ملاحظة الهيئة أصلا بأن يقال : انّ المادة الفلانية موضوعة في ضمن كل هيئة للمعنى الفلاني حيث انّ المادة ليست مطردة في جميع الهيئات ، على انّ وضعها في ضمن هيئة المصدر ليس بجار في غيرها ؛ وبدونها ـ بأن تلاحظ مادة الضاد والراء والباء مثلا وتجعل في ضمن أي هيئة موضوعة للمعنى الفلاني ـ مستبعد جدا.

اذا عرفت ما ذكرنا فظهر : انّ تعدد الوضع في المشتقات في كل من الهيئة والمادة على حدة بلا ملاحظة الآخر فيه أصلا غير صحيح ، وانما الصحيح اشتراط هيئات معينة في وضع المادة بنحو الاشارة اليها في وضعها واشتراط مواد معينة في وضع كل من الهيئات بنحو الاشارة في وضعها اليها. ولكن المحقق وضع المادة في ضمن المصادر لمعان معيّنة أولا ثم وضع كل من الهيئات لمعنى خاص مشروطا بطروّه على مواد معلومة على حسب اختلافها قلة وكثرة باختلاف الهيئات ، فتأمل جيدا.

٦٠