تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

ودعوى : انّ المراد من المصدر ـ المتفق على [ عدم ] (١) دلالته وضعا إلاّ على مجرد الماهية ـ ما هو المادة للمشتقات السارية فيها لفظا ومعنى ، ولذلك ادّعي الاتفاق من البصريين على كون المصدر أصلا لسائر المشتقات ؛ ومن المعلوم عدم ارادة هيئة المصدر ، لعدم كونه الاصل الجاري في واحد منها فضلا عن جميعها.

مدفوعة : مضافا الى القطع بعدم كون المادة هي المراد من المصدر ، بأنّ كلامهم لما كان فيما يثبت له الوضع [ تكون ] (٢) تلك الدعوى مسلّمة لو ثبت الوضع للمادة على حدة.

والتحقيق : عدم ثبوته لها ، لانّ وضعها بهيئة المصدر متضح الفساد ومقطعة بهيئة حروف الهجاء فكذلك لعدم سريانه بتلك الهيئة في المشتقات ولا بشرط بالنسبة الى الهيئات فمقطوع العدم ، وإلاّ لزم استفادة المعنى منه ولو لم يكن بتلك الهيئات المتعارفة ومشروطا بكونه في ضمن احدى الهيئات المعيّنة ، فبعد بعده لا دليل على ثبوته.

نعم غاية ما في الباب انّه لما كان من البيّن احتياج الوضع الى ملاحظة الموضوع والموضوع له سابقا فلو كان لهما حدود [ فـ ] لا بد من ملاحظتها ؛ وحيث انّ لكل من المشتقات حدّين باعتبار الموضوع من المادة والهيئة ، وحدّين باعتبار الموضوع له من الحدث وطلبه مثلا في مثل ( اضرب ) فلا بد من ملاحظتهما سابقا بحدّيهما.

وطريق تصورهما قبل الوضع يمكن بأن يكون قد عيّن الواضع مواد معلومة من ( الضرب ) و ( النصر ) و ( القتل ) وغيرها ومعاني معيّنة على طبق تلك المواد ، ثم

__________________

(١) في الاصل الحجري ( عدمه ).

(٢) في الاصل الحجري ( فيكون ).

٢٠١

لاحظ هيئة معيّنة مثل ( فاعل ) مثلا مرآة لملاحظة مصاديقها من ( الضارب ) و ( الناصر ) و ( القاتل ) وغيرها ووضع تلك المصاديق الملحوظة في ضمن الهيئة العامة سابقا ، فيحصل وضع المشتقات دفعة باعتبار المادة والهيئة معا ويكون ذلك نوعيا من جهة المادة ؛ ويمكن العكس كما لا يخفى.

ثم انّ اللحاظ السابق بالنحو الذي عرفت لا يدل بمجرده على تعدد الوضع ، حيث انّه لا بد منه في الوضع الواحد أيضا ، لما عرفت من لزوم ملاحظة الموضوع والموضوع له بحدودهما قبل الوضع.

ومما ذكرنا ـ من عدم ثبوت الوضع للمادة على حدة ـ ظهر : انّ المراد من المصدر المتفق على كونه لمجرد الهيئة وضعا ليس ما هو المادة في المشتقات بل ما هو بهيئته ، ومعها لا يكون مادة لها ، فلا تثبت الملازمة.

وامّا ما اشتهر بينهم من كونه أصلا لها فيمكن أن يكون المراد انّ المصدر يكون ما به المناسبة للمشتقات مثل ( ضرب ) و ( يضرب ) و ( ضارب ) وغير ذلك ، فانّها بسبب اشتراكها في مناسبتها للمصدر لفظا ومعنى لا يكون كل مع الآخر مثل المشتق من مادة اخرى من ( نصر ) و ( ينصر ) مثلا ، ولذا قد ادّعي كون الفعل أصلا للمصدر كما عن بعض النحاة مع عدم كونه مادة له قطعا.

١٤٥ ـ قوله : « مما جمعه معه مادة لفظ متصورة ... الخ ». (١)

بيان : قوله : « ومعنى كذلك ... الخ » عطف على قوله : « لفظ ».

يعني انّه كما يكون بين الاصل وسائر الصيغ المتفرعة عليه مناسبة واشتراك في مادة اللفظ ، كذلك يكون بينهما مناسبة في المعنى وهو الحدث اللابشرط ، وان كان كل من اللفظ والمعنى الموجود بينهما متخصصا في كل بخصوصية غير

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠١ ؛ الحجرية ١ : ٦٦ للمتن و ١ : ٦٧ العمود ٢ للتعليقة.

٢٠٢

موجودة في الآخر كما لا يخفى.

١٤٦ ـ قوله : « هو المصدر أو الفعل ، فافهم ». (١)

لعله اشارة الى انّ من المحتمل انّ مراد السكّاكي في المصدر ما هو المادة للمشتقات ، لا الاصطلاحي منه ، فحينئذ يجدي الاتفاق فيه هذا المعنى في تحصيل الاتفاق في مادة المشتقات ؛ ولكنه خلاف الظاهر ، فتدبر.

١٤٧ ـ قوله : « وتوهم : أنّه لو اريد بالمرّة الفرد ... الخ ». (٢)

والمتوهم هو صاحب الفصول (٣) قدس‌سره حيث انّه قد اختار فيه التفسير الاول وهو الدفعة والدفعات ، لما ذكره ـ مضافا الى ظهور كلمات الاصوليين فيه ـ من انّ اللازم بناء على التفسير الاول « ان يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من انّ الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال [ عند ذلك : و ] على تقدير تعلقه بالفرد ، هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو [ المتعدد ] (٤) أو لا يقتضي شيئا منهما؟ ولم يحتج الى إفراد كل [ منهما ] (٥) بالبحث » (٦) فجعله مبحثا على حدة يؤيد كون النزاع في المعنى المذكور ؛ ولكن الوجه عدم تمامية ما ذكر.

امّا ظهور كلمات العلماء ففيه : مضافا الى كون تلك الاستفادة من بعضهم لا من الجلّ ، انّ عدم جعل النزاع في شيء لا يدل على عدم صحته فيه.

وامّا لزوم جعل النزاع على التفسير الثاني من تتمة المبحث الآتي ، ففيه : انّه لا وجه للابتناء عليه ، لصحة النزاع على كل من القولين في المبحث الآتي ، امّا على

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠١ ؛ الحجرية ١ : ٦٦ للمتن و ١ : ٦٧ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٠١ ؛ الحجرية ١ : ٦٦ للمتن و ١ : ٦٧ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) الفصول الغروية : ٧١ السطر ٢٤ ـ ٢٥.

(٤) في الاصل الحجري ( الافراد ).

(٥) في الاصل الحجري ( منها ).

(٦) هذا نص الفصول : ٧١ السطر ٢٩ ـ ٣٠ ؛ وقد نقله الكفاية حرفيا تقريبا ؛ انظر الكفاية : ١٠١.

٢٠٣

التعلق بالفرد فواضح كما ذكره ، وامّا على التعلق بالطبيعة فلأنّ تعلق الطلب على ذلك القول ليس [ بالطبيعة ] (١) [ بما ] (٢) هي بل [ بما ] (٣) هي موجودة ، فيصح النزاع في انّ المراد هل هو الطبيعة الموجودة بوجود واحد أو بوجودات كثيرة؟ أو لا هذا ولا ذاك بل المراد الموجود المطلق الأعم من الوحدة والتعدد.

نعم حيث انّه لم يتحقق وجود الطبيعة إلاّ في ضمن احدى الخصوصيات وان كانت خارجة عنه فالوحدة والتعدد فيه تستلزم الوحدة والتعدد فيها بهذه الملاحظة ، فيصح جعل النزاع في دلالة الامر على اتيان المأمور به في ضمن الفرد الواحد أو المتعدد أو عدم دلالته على واحد منهما. ويستكشف منه حال الطبيعة بالنسبة الى دلالة الامر على ايجادها بالوجود الواحد أو المتعدد وعدمها.

فالحاصل : لا شهادة لما ذكره على عدم صحة التفسير الثاني كما عرفت ، فيصح النزاع بذاك التفسير كما يصح بناء على تفسيرهما بمعنى الدفعة والدفعات ، وان كان الحق عدم دلالته على واحد منهما بواحد منهما.

١٤٨ ـ قوله : « تنبيه : لا اشكال بناء على القول بالمرة في الامتثال ... الخ ». (٤)

والتحقيق : على القول به يكون مثل القول بالطبيعة في مسألة التبديل الآتي.

١٤٩ ـ قوله : « وأمّا على المختار من دلالته على طلب الطبيعة ... الخ ». (٥)

يقع الكلام فيه تارة : في مقام الثبوت ، واخرى : في مقام الاثبات.

امّا الاول : فتحقيق الكلام فيه على نحو الايجاز ، انّ الامر ـ بناء على تبعية

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الطبيعة ).

(٢) في الاصل الحجري ( ما ).

(٣) في الاصل الحجري ( ما ).

(٤) كفاية الاصول : ١٠٢ ؛ الحجرية ١ : ٦٦ للمتن و ١ : ٦٨ العمود ١ للتعليقة.

(٥) كفاية الاصول : ١٠٢ ؛ الحجرية ١ : ٦٦ للمتن و ١ : ٦٨ العمود ١ للتعليقة.

٢٠٤

الاحكام للغرض الكائن في الافعال ـ يدور معه وجودا وعدما وحدوثا وبقاء كما مر في مسألة قصد القربة تبعية سقوط الامر لتحصيل الغرض ، فما دام لم يحصل وكان ممكن التحصيل لم يسقط الامر ، ويكون امتثاله الخارجي بالفرد والمحصل له فعلا ، ويكون المكلف قبل اتيان المأمور به مخيرا في امتثاله بتحصيله الغرض في ضمن أي فرد شاء ، وبعد الاتيان بفرد منه قبل حصوله يكون مخيرا فيه أيضا بناء على عدم تبدل الامر بعد الشروع الى أمر آخر مثل الامر بالاتمام ونحوه ، غاية الامر بنحو التخيير بين ابقاء المأتي به الاول وعدم افساده عن قابلية حصول الغرض كي يستقر الامتثال الخارجي في ضمنه وبين اتيان الفرد الآخر كي يحصل الغرض في ضمنه فيحصل الامتثال به ، ويكون حينئذ من قبيل تبديل الامتثال بالامتثال الآخر أي تبديل الامتثال في ضمنه مستقرا بفرد آخر يحصل في ضمنه ابتداء ، كما لو أتى المأمور بالماء المأمور باتيانه ثم اهرق قبل شرب المولى وأتى بالماء الآخر الأبرد أو المساوي فانّه لا شبهة في حصول الامتثال بالثاني ؛ وقد يحصل بالمجموع كما لو أتى بما يشمّ به أولا ثم بالآخر ثانيا وقد حصل الاستشمام بهما معا ؛ وقد يحصل بالاول دون الثاني كما لو كان الثاني فاقدا لبعض ما يعتبر في المأمور به واقعا أو كان حصول الغرض مساوقا للاتيان بالمأمور به ، فانّه لا يبقى مجال للامتثال بعد حصول الغرض ، لامتناع تحصيل الحاصل.

والحاصل : انّه لا مانع من ايجاد الامتثال في ضمن الفرد غير المأتي به ما دام لم يحصل الغرض به كما كان له ذلك التخيير ابتداء ؛ وهذا ليس من قبيل الامتثال عقيب الامتثال ، بل تبديل امتثال بالآخر ؛ وليس منافيا لما هو التحقيق من إجزاء الامر الواقعي لو أتى بالمأمور به من سقوط التعبد به كما سيأتي في مسألة الإجزاء.

وليعلم ان ليس المراد من بقاء التخيير التخيير بين الايجادين كما كان كذلك

٢٠٥

قبل ، وإلاّ لزم تحصيل الحاصل ، مع انّه لا يعقل بقاء التخيير بعد تعين الوجوب في ضمن المأتي به بمجرد الشروع وحرمة الابطال ، ولا التخيير بمعنى جواز تبديل ما كان صالحا لحصول الغرض بفرد آخر صالح للغرض وان لم يكن أمر في البين ، وإلاّ فلا اشكال في جوازه.

بل بمعنى التخيير بين الاقتصار على المأتي به وابقائه على قابلية حصول الغرض منه ، وبين الاتيان بفرد آخر أوفى ، بناء على أن يكون متعلق الامر ثبوتا أعم من الايجاد والابقاء على القابلية وان لم يكن كذلك اثباتا ، نظير التخيير بين الاقل والاكثر الارتباطيين وان لم يكن من قبيله ؛ هذا كله في مقام الثبوت.

وامّا الثاني : وهو مقام الاثبات ، فيحتاج الى استكشاف انّ الغرض من المأمور به مما يمكن تحصيله بفرد آخر منه بعد اتيان فرد منه بطريق أوفى كما يظهر من ملاحظة أدلة أفضلية اعادة الصلاة بالجماعة وملاحظة حالات العلماء الأبرار الذين كان من عادتهم اعادة العبادات مرارا ، ولا يثبت ذلك باطلاق المأمور به في الادلة تمسكا بمقدمات الحكمة ، لعدم التفاوت بحسب التعبير : بين ما يمكن الامتثال بعد الاتيان بفرد من المأمور به كما لو كان الغرض [ تدريجي ] (١) الحصول ولم يكن مساوقا لاتيانه ، وبين ما لم يكن كذلك ، فلا يصح التمسك له بالاطلاق كما يظهر من الفصول (٢) لو لم يدّع انّ لازم الاطلاق هو السقوط وعدم جواز التبديل ، إلاّ ان يستكشف كيفية الغرض من الخارج كما عرفت.

ثم انّ تبديل الامتثال وان لم يحرز تحققه عند عدم احراز المصلحة في المأتي به إلاّ انّه لا يخلو من ثمرات ، مثل كون المأمور في مقام الاطاعة والانقياد

__________________

(١) في الاصل الحجري ( تدريج ).

(٢) الفصول الغروية : ٧٢ السطر ٣٤.

٢٠٦

مع المولى ، بل به يدخل في درجات المقربين ، كما يظهر حال العلماء في أفعالهم ووصولهم بها الى ما لا وصول اليه بدونها.

١٥٠ ـ قوله : « فالمرجع هو الاصل ... الخ ». (١)

والظاهر عدم التفاوت بين صورة الاهمال والاطلاق في عدم وجوب الزائد على الدفعة وجواز الاتيان به برجاء حصول التبديل ، إلاّ أن يعلم بكيفية الغرض من الخارج ، ولا يبعد احراز العلية التامة من الاطلاق ، فتدبر.

تنبيه : لا يخفى انّ الامر بالشيء بناء على افادته التكرار ينحل الى أوامر متعددة بتعدد افراده ، وباتيان كل منها يحصل الامتثال والاطاعة لأمره المتعلق به دون غيره ، كما انّه بعدمه تحصل المخالفة لخصوص أمره وان حصلت الاطاعة لغيره باتيان متعلقه ، فلا يناط اطاعة كل منها ومخالفته على اطاعة غيره ومخالفته ، فلو كان اطاعة كل منها منوطا باطاعة غيره كما لو كان الغرض من الامر بحيث يحصل من المجموع ولم يكن لكل منها غرض على حدة ، خرج ذاك الامر عن التكرار بل كان أمرا واحدا بالمجموع المركب من الأمثال كما لو كان متعلقا بمادة التكرار.

نعم لو كان التكرار المتعلق للامر بعدد معلوم لكان داخلا فيها بالنسبة الى المكرر الآخر بذاك المقدار.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٢ ؛ الحجرية ١ : ٦٩ للمتن و ١ : ٦٨ العمود ٢ للتعليقة.

٢٠٧

الفور التراخي

١٥١ ـ قوله : « المبحث التاسع : الحق انّه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخي ». (١)

خلافا لجماعة من المحققين حيث ذهبوا بافادتها الفور ، والسيد (٢) قدس‌سره حيث ذهب باشتراكها بينه وبين التراخي ، وتوقف آخرون وهم بين قائل بحصول القطع بالامتثال بالتأخير دون التعجيل وبين قائل بالعكس.

ثم انّ النزاع وان أمكن جعله في المادة مرة وفي الهيئة اخرى في مقام الاثبات ، إلاّ أنه لما كان الفور والتراخي من قيود المادة في مقام الثبوت فالأولى [ جعلهما ] (٣) ـ على القول بكل واحد منهما ـ مدلولا للمادة وضعا أو اطلاقا حسب اختلاف الاقوال ، خلافا للفصول (٤) فانّه جعل النزاع في الهيئة.

ولكن الحق انّه لا دلالة لكل من المادة والهيئة على واحد منهما وضعا واطلاقا ، لعدم تبادرهما ، مع تبادر غيرهما وهو مطلق الطبيعة كما يظهر بالتأمل في موارد استعمال الصيغة مجردة عن القرينة الخارجية ، فيثبت الاطلاق بالنسبة الى القدر المشترك بينهما بمقدمات الحكمة بعد كون الصيغة للطبيعة المهملة وضعا.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٣ ؛ الحجرية ١ : ٦٩ للمتن و ١ : ٦٨ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) الذريعة الى اصول الشريعة ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٣) في الاصل الحجري ( جعلها ).

(٤) الفصول الغروية : ٧٥ السطر ١٦.

٢٠٨

ثم ان ما ذكرنا من اثبات الاطلاق وعدم ترجيح أحدهما على الآخر انما هو مع عدم القرينة ، فلا ينافي ثبوت خصوص الفور بالدليل الخارجي بنحو الافضلية بحيث يكون اتيان المأمور به في أول الوقت أو ثانيه له خصوصية زائدة على اتيانه في آخره كما في اوقات الفضيلة للصلاة ، أو بنحو الوجوب كما في الحج في السنة الاولى بالنسبة الى غيرها.

نعم قد يدّعى الفورية مطلقا بدلالة العقل بحسن المسارعة والاستباق الى اطاعة المولى بعد العلم بمطلوبه لكشفه عن حسن سريرة العبد مع المولى ورغبته الى انقياده ، بخلاف التأخير فانّه يكشف عن خبث سريرته وكونه غير راغب باطاعته ومتهاونا ؛ فيه ولا اشكال في كون الاول ممدوحا عند العقلاء كمذمومية الثاني عندهم.

ثم انّ الظاهر من آية المسارعة والاستباق الارشاد الى ما حكم به العقل من حسن المسارعة في الاطاعة فيتبع ما يرشد اليه من الوجوب والاستحباب ، لا الحكم به عن مولوية وجوبا ، وإلاّ لزم تخصيص الكثير أو الاكثر ، نظرا الى شمول آية الاستباق لكل الخيرات من الواجب والمستحب لكون الخيرات جمعا محلّى باللام مفيدا للعموم ؛ وكذا آية المسارعة نظرا الى كون النكرة وهو ( مَغْفِرَةٍ ) (١) الموصوفة بصفة الجنس وهو ( مِنْ رَبِّكُمْ ) دالة على العموم ، مع إباء المسارعة الى المغفرة عن التخصيص.

ثم انّ ما ذكرنا من حكم العقل بحسن المسارعة غير ما هو ظاهر القائلين بالفورية ، حيث انّ الظاهر منهم استفادة الفور قيدا للمادة واقعا بحيث يكون الاتيان في أول أزمنة الامكان بخصوصية ملزمة للاتيان معجلا ، لا مجرد الحسن في

__________________

(١) في آية « وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » من سورة آل عمران : ١٣٣.

٢٠٩

المسارعة في الاطاعة وان لم يكن فرق في المادة بحسب الاحوال.

ولكن ذلك كله انما يثبت به حسن المسارعة في الاطاعة عقلا ، لا وجوبها ؛ لأنه بعد ثبوت الاطلاق في المادة ولو بمقدمات الحكمة وامكان حصول الغرض ولو باتيان المأمور به في آخر أزمنة الامكان وعدم قصد العبد التهاون في أمر المولى بتأخير امتثاله ، لا يلزم عليه عقلا المسارعة وان كان حسنا بحكمه.

ثم انّ ما ذكرنا من ظهور المسارعة والاستباق في مجرد الارشاد الى حكم العقل هو ما يدفع به الاستدلال بهما لكون الاوامر للفور وجوبا ، لا ما ذكره البعض في وجهه من عدم دلالتها على الفور لعدم صدق مادة المسارعة لو لم يكن للمأمور به توسعة بحسب الوقت ، فانّ وجوب المسارعة لا ينافي التوسعة في الوقت بناء على تفسير الفور بوجوب المسارعة في أول أزمنة الامكان وإلاّ ففي الثاني وهكذا نحو التعدد المطلوبي في كل آن. نعم على تفسيره بوجوب المسارعة في أول الوقت وسكوته عن غيره لا يتأتّى صدق المسارعة.

وليعلم : انّ الفور بأي من معانيه غير التوقيت ، حيث انّ أمد المأمور به محدود في الثاني ، فلو أتى به فيه وإلاّ لفات وقته وان لم يكن عن عصيان ، وانما يختلف باختلاف حالات المكلفين في التمكن وعدمه ، بخلاف الاول لعدم كونه محدودا إلاّ بأول أزمنة الامكان المختلف بحسب حالات المكلفين من حيث التمكن وزمانه وعدمه ، وان كان بحيث يفوت بمجرد التأخر عن أول أزمنة الامكان بناء على أحد تفاسيره ولكنه غير الموقت أيضا لما فيه من الاختلاف بحسب الحالات ، دون الموقت.

٢١٠

١٥٢ ـ قوله : « كان البعث التحذير ، فافهم ». (١)

لعله اشارة الى انّ عدم استكشاف الوجوب انما هو من جهة حكم العقل المتحقق في البين لا من جهة عدم التحذير بالترك ، ولو لا ما ذكرنا فلا اشكال في الوجوب من جهة دلالة الصيغة عليه ؛ ولا فرق في الحثّ عليه بين ذكر ما في الواجب من الفائدة الملزمة وبين ذكر ما في مخالفته من العقاب لو لم نقل بكون الاول أنسب من جهة افادة تأكد الداعي.

١٥٣ ـ قوله : « كما هو الشأن في الامر الارشادي ، فافهم ». (٢) (٣)

لعله اشارة الى انّ حكم العقل بحسن المسارعة انما ينافي الحكم المولوي لو لم يكن إلاّ بملاك حكم العقل ، وامّا لو كان بملاك آخر ولو احتمالا آخر فلا بأس باستكشاف الحكم المولوي من باب الملازمة. نعم في خصوصية الوجوب أو الندب يتبع ما يطابقه من حكم العقل كما لا يخفى.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٣ ؛ الحجرية ١ : ٦٩ للمتن و ١ : ٧١ للتعليقة.

(٢) في طبعة مؤسسة آل البيت « الاوامر الارشادية ».

(٣) كفاية الاصول : ١٠٤ ؛ الحجرية ١ : ٦٩ للمتن و ١ : ٧١ للتعليقة.

٢١١

الإجزاء

١٥٤ ـ قوله : « أحدها : الظاهر انّ المراد من « وجهه » في العنوان ... الخ ». (١)

ولا يخفى انّه امّا بمعنى اجتماعه للشرائط والأجزاء ، وامّا بمعنى اشتماله على العنوان المتميز به عن غيره كالظهرية والعصرية ، حيث انّ الاخلال بكل منهما فيه يوجب عدم الاتيان بما هو المأمور به واقعا.

ولكن تفسيره بكلّ من المعنيين منفردا يوجب تأتّي بحث مسألة الاجزاء ولو مع الاخلال بالآخر ، ولا اشكال في عدمه بمجرده.

مضافا الى لزوم خروج العبادات عن عنوان البحث أيضا ، حيث انّه لا اشكال في عدم الاجزاء بالنسبة اليها مع الاخلال بقصد الامتثال ، مع عدم دخول ذلك في وجه المأمور به بكل من المعنيين لما عرفت من كونه من قيود مقام الامتثال الناشئة من قبل الامر.

وكذا لا يصح أن يراد منه الوجه المعتبر عند بعض المتكلمين ، لأنه مع عدم اعتباره عند آخرين يلزم خروج التوصليات عن حريم النزاع كما لا يخفى.

فالأولى أن يفسر بكون المأمور به على وجه ينبغي بأن يؤتى بذاك الوجه فيكون المراد وجهه في مقام الاتيان والامتثال ، سواء كان من قبيل الاجزاء والشرائط أو من قبيل العناوين الواقعية المخيرة للمأمور به عن غيره ، أو من قبيل

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٥ ؛ الحجرية ١ : ٧٠ للمتن و ١ : ٧١ للتعليقة.

٢١٢

القيود الناشئة من الامر المعتبرة في الاطاعة.

١٥٥ ـ قوله : « قلت : نعم لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما ... الخ ». (١)

وتوهم الأعمية : بأخذ الاقتضاء بمعنى التأثير أعم من أن يكون تأثيرا في الواقع أو في العلم ، مدفوع :

بأنّ مجرد احتياج أحد الامرين الى اثبات كيفية بدلية بحسب دليله ـ كي يكون ذاك الاثبات من مبادئه التصديقية وعدم احتياج الآخر اليه ـ لا يوجب تفاوتا في البحث كي يفتقر الى ارادة القدر المشترك ، بل لا يمكن ارادته في عنوان البحث بلحاظ لفظ الاتيان كما لا يخفى.

فلا بد أن يكون النزاع في انّ موافقة الامر باتيان المأمور به الذي يحصل به تمام ما هو الموجب للامر الواقعي من الغرض ـ كما في اتيان نفس متعلقه أو الأعم منه ومن مقدار منه بحيث لا يمكن استيفاء الباقي بعد استيفاء ذاك المقدار كما في اتيان بديله الاضطراري أو الظاهري بامتثال الامر المتعلق بهما ـ هل يجزي بأحد معنييه أم لا؟ غاية الامر يحتاج إجزاء الثاني عن الاول الى اثبات انّ أمره البدلي يدل على بدليته بنحو يحصل الغرض من الاول بأحد من النحوين.

١٥٦ ـ قوله : « ثالثها : الظاهر انّ الإجزاء هاهنا بمعناه لغة وهو الكفاية ». (٢)

وقد فسّر في الاصطلاح :

تارة : بكون الفعل المأتي به مسقطا للتعبد بالامر المتعلق به مع قطع النظر عن اسقاطه الاعادة والقضاء بالنسبة الى أمر آخر ، بل ولا نظر له الى الوجود الثاني من نفس طبيعة المأمور به المأتي به وان كان سقوطه لازما لسقوط التعبد به ، وذاك في اتيان المأمور به بالنسبة الى الامر المتعلق بنفسه ، ويختلف ذلك باختلاف المأتي

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٥ ؛ الحجرية ١ : ٧٠ للمتن و ١ : ٧٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٠٦ ؛ الحجرية ١ : ٧٠ للمتن و ١ : ٧٣ للتعليقة.

٢١٣

به حسب اختلاف الامر المتعلق به من الواقعي أو الاضطراري أو الظاهري.

واخرى : باسقاط القضاء بمعنى مطلق التدارك أعم من الاعادة والقضاء ، وذلك كما في المأتي به بالنسبة الى الأعم من الامر المتعلق بنفسه أو بمبدإ له كما في الامر الاضطراري أو الظاهري مقيسا الى نفسهما والى الامر الواقعي ، والنسبة بين المعنيين عموم مطلق كما لا يخفى.

والظاهر أولوية أخذ الإجزاء بالمعنى اللغوي في الصورتين كما في المتن ، بأن يكون المراد كفاية المأتي به من التعبد بأمره وعن الاتيان بالمأمور به بأمر آخر أعم من الاتيان في الوقت أو في خارجه ؛ فمجرد اختلاف متعلق الكفاية من المأمور به بالامر الواقعي تارة والظاهري والاضطراري اخرى لا يوجب الاختلاف في معنى الاجزاء أو نقله عن المعنى اللغوي ، حيث انّ الظاهر عدم أخذ خصوصية في متعلقه كي يحتاج الى النقل اصطلاحا.

فما ذكر من التفسيرين [ انما ] هو محصل ما اريد منه بحسب الموارد مصداقا بدال آخر لا من نفس الاجزاء حتى يلزم المجاز.

مضافا الى انّه على تقدير تسليم النقل لا بد من الاقتصار بالتفسير الثاني ، إذ اختلاف الفرد الساقط ـ بكونه من افراد الطبيعة المأتي بها تارة أو عن غيرها اخرى ـ لا يوجب الاختلاف في معنى الاسقاط أيضا كما لا يخفى.

ثم انّ المراد بالمأتي به في غير المأمور به بالامر الواقعي لا بد أن يكون بالامر الظاهري الشرعي دون الامر العقلي ، كما في الغافل المعتقد بالخلاف ، و [ كذلك ] في المعتقد بالظن المطلق بناء على تقدير الحكومة ، فانّه لا اشكال في عدم إجزائهما عن الامر الواقعي بعد كشف الخلاف.

٢١٤

١٥٧ ـ قوله : « بخلافه في تلك المسألة ... الخ ». (١)

مقصوده : انّ النزاع في مسألة المرة والتكرار في الصغرى وهي تعيين أصل مقدار الاشتغال من الوحدة والزائد ، والنزاع فيما نحن فيه انّما هو في الكبرى وهي بيان انّ الاتيان بنفس ذاك المقدار الثابت به الاشتغال هل يحصل به الاجزاء بأحد معنييه أم لا؟

فيتأتّى النزاع على جميع الاقوال في تلك المسألة كما لا يخفى.

١٥٨ ـ قوله : « فانّ البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها ». (٢)

مع انّ البحث فيها يشمل صورة عدم الاتيان بالمأمور به أصلا ، بخلاف البحث في المقام ؛ كما انّ البحث في الإجزاء بالمعنى الاول لا نظر له الى الوجود الثاني ، بخلافه في مسألة التبعية ، فانّ المبحوث عنه فيها هو الوجود الثاني في خارج الوقت ، مع انّ القول بالتبعية لا يلزم القول بعدم الإجزاء كما في صورة مخالفة الامر الظاهري للواقع مع كون المأتي به وافيا بالغرض فانّه لا اشكال ، مع انّ مقتضى الامر الواقعي هو الاتيان في خارج الوقت بناء على التبعية.

١٥٩ ـ قوله : « الاول : انّ الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ... الخ ». (٣)

حيث انه باتيان المامور به على وجهه المعتبر فيه جزءا أو شرطا مع كونه وافيا بتمام ما هو الموجب للامر من الغرض لو لم نقل بالاجزاء ـ وقلنا بوجوب الامتثال ثانيا ـ للزم طلب تحصيل الحاصل في كل من الطبيعة المأتي بها والغرض

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٦ ؛ الحجرية ١ : ٧١ للمتن و ١ : ٧٤ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٠٦ ؛ الحجرية ١ : ٧١ للمتن و ١ : ٧٤ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ١٠٧ ؛ الحجرية ١ : ٧١ للمتن و ١ : ٧٤ للتعليقة.

٢١٥

[ منها ] (١) معا ، مع عدم الاجزاء بالمعنى الاول وهو سقوط التعبد بالامر.

وامّا لو كان بالمعنى الثاني ـ وهو سقوط القضاء ـ فحينئذ لو كان الامر بالاعادة أو القضاء بلا غرض فيلزم اللغو ؛ وان كان للغرض الاول فان كان غير حاصل من المأتي به لقصوره عن افادته فهو خلف ، وان كان حاصلا فهو تحصيل الحاصل ؛ وان كان لغرض آخر فهو ممكن خارج عن محل النزاع.

ومخالفة عبد الجبار (٢) لا يعلم بتحققها ، فيمكن حمل كلامه على الغرض الاخير ، بأن يكون الامر باتيان مثل المأتي به ثانيا ـ في الوقت أو في خارجه ـ لمصلحة اخرى ؛ ولا مشاحّة في تسميته اعادة للامر الاول أو قضاء.

١٦٠ ـ قوله : « ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي اليه ... الخ ». (٣)

أقول : بقاؤه بنحو [ التخيير ] (٤) بين امتثاله بالمأتي به أولا ابقاء وبالفرد الآخر احداثا ، لا التخيير بينهما احداثا كما كان من أول الامر ، لكونه راجعا الى طلب الحاصل أيضا بعد تعلق الامر بالطبيعة ، بخلاف التخيير بين ابقاء الفرد الاول على القابلية بعدم الاتيان بالمزاحم وبين الاحداث ، لعدم تعلق الطلب حينئذ بعين ما تعلق به أولا ، فلا يلزم طلب الحاصل في نفس الطبيعة لاختلاف عدلي التخيير ثانيا مع طرفيه أولا ، ولا في الغرض لعدم حصوله بعد على الغرض بل لا بد من بقاء الامر بالمعنى المذكور وإلاّ للزم عدم تبعيته للغرض وهو خلف ؛ فكما انّ حدوثه

__________________

(١) في الاصل الحجري ( عنها ).

(٢) الاحكام ٢ : ٣٩٥ ـ ٣٩٦ في البحث الرابع في مقتضى صيغة الامر ، في المسألة السابعة ؛ والجزء ٢ يبدأ من صفحة ٢٤٥ ؛ فواتح الرحموت المطبوع بذيل المستصفى ١ : ٣٩٣ السطر ١٥ و ٣٩٤ السطر ١٦ ؛ منتهى الوصول والامل : ٩٧. ثم ان كثيرا من الاصوليين قد نسبوا المخالفة الى ابي هاشم ايضا ، منهم العلامة في مبادئ الوصول : ١١١ والرازي في المحصول ٢ : ٤١٥ المسألة الثالثة.

(٣) كفاية الاصول : ١٠٧ ؛ الحجرية ١ : ٧١ للمتن و ١ : ٧٥ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( التأخير ).

٢١٦

علة للحدوث فعدم حصوله علة للبقاء ، مع كون الامر على هذا النحو من الاول لبا.

وتوهم المنافاة بين ما نحن فيه وبين ما يرد من المقدمة الموصلة في باب المقدمة بسقوط الامر بالمقدمة بمجرد ايجاد ما هو الصالح للغرض وان لم يحصل فعلا.

مدفوع : بأنّ ما به الدفع هو انّ الغرض في المقدمة هو التمكن الى ذي المقدمة وقد حصل ، بخلاف المقام فانّ الغرض هو فعلية الغرض الاصلي وهو غير حاصل ، مع انّ الكلام في ذاك الباب في دفع الانحصار وهاهنا في اثبات التخيير ، فتدبر جيدا.

١٦١ ـ قوله : « فاعلم : أنّه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري ... الخ ». (١)

حاصله : انّ البدل الاضطراري :

امّا أن يكون وافيا بتمام المصلحة للمبدل الاختياري أو لا بل يبقى مقدار منها.

[ و ] على الثاني و (٢) امّا ان يكون الباقي قابلا للتدارك بعد استيفاء ذلك المقدار الحاصل بالاضطراري.

أو لا.

وعلى كل منهما فامّا أن يكون الباقي بحدّ اللزوم.

أم لا.

فتصير الاقسام خمسة.

ولا اشكال في الإجزاء في صورة الكفاية.

وكذا في صورة عدم امكان تدارك الباقي مطلقا ـ لعدم بقاء المصلحة للمبدل

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٨ ؛ الحجرية ١ : ٧١ للمتن و ١ : ٧٦ العمود ١ للتعليقة.

(٢) الظاهر زيادة الواو.

٢١٧

الواقعي ، أو لعدم امكان التدارك.

ويتصور ما ذكرنا بالنسبة الى الاعادة والقضاء معا غاية الامر يلزم اشتمال صورة عدم الامكان اذا كان الباقي بحدّ اللزوم على مصلحة ـ في جعله وأمره من مثل التسهيل على النوع وغيره ـ لازمة المراعاة وأهم من المصلحة الفائتة بترك المبدل كي لا يوجب فوت المصلحة عن الامر الاختياري بلا موجب فيلزم نقض الغرض على المولى.

وان كان الباقي ممكن التدارك فلا اشكال في عدم الاجزاء لزوما اذا كان الباقي بحد اللزوم ، وندبا في غيره قضاء مطلقا ، واعادة على تقدير جواز البدار بمجرد العجز عن المبدل في أول الوقت ولو مع العلم بتمكنه منه في آخره أو مع اليأس عنه.

ولا فرق بين الاعادة والقضاء إلاّ في كون الامر الاضطراري في الاول تخييريا في جميع الصور بين المبدل الاختياري في آخر الوقت وبين عدله وهو البدل في أول الوقت وحده في بعض الصور ، أو هو مع المبدل في آخر الوقت في بعضها الآخر كما لا يخفى.

وكونه تعيينا في الثاني إلاّ فيما كانت مصلحة الوقت مساوية مع المقدار الفائت بترك المبدل في الوقت مع كونه لازما ، غير ممكن التدارك ، فيكون تخييريا كما لا يخفى.

١٦٢ ـ قوله : « لو لا مراعاة ما هو فيه من الأهم ، فافهم ». (١)

اشارة الى انّه كذلك فيما لو كان الباقي الفائت لازم التدارك على تقدير الامكان ؛ وامّا لو كان بحد الندب فيسوغ البدار ولو بلا مصلحة اخرى أصلا ، فلا

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٩ ؛ الحجرية ١ : ٧٢ للمتن و ١ : ٧٦ العمود ١ للتعليقة.

٢١٨

يصح اطلاق الكلام بعد تسويغ البدار في صورة عدم امكان التدارك.

١٦٣ ـ قوله : « وأما ما وقع عليه فظاهر اطلاق دليله ... الخ ». (١) أي دليل الاضطرار. ولا يخفى انّ المراد اطلاقه في بيان تمام الوظيفة من انّه والبدل وحده أو هو مع المبدل ؛ ومن المعلوم انّ الاقتصار على ذكره وحده يدل على إجزائه في مورد تشريعه وامّا اطلاقه بالنسبة الى تشريع البدار بمجرد طروّ الاضطرار مطلقا ، أو مع اليأس عن طروّ الاختيار ، أو في خصوص آخر الوقت فيختلف حاله بحسب اختلاف الادلة في الموارد :

فقد يستفاد منها جعله على تقدير العجز عن وظيفة المبدل رأسا ، ولا يتحقق إلاّ بالعجز عن اتيانها في جميع وقتها الموسع لتحقق القدرة عليها بالقدرة على فردها معها ، ومع اهمال الادلة فيأتي ما هو مقتضى الاصل.

وقد يستفاد جعله بمجرد العجز عن اتيان المبدل في أول الوقت حقيقة لا صورة ، كما لو قطع المكلف بعدم التمكن في جميع الوقت أو ظنه بمقتضى الدليل الظاهري ثم انكشف الخلاف فانّ الاول داخل في الامر العقلي والثاني في الامر الظاهري ، وقد مرّ عدم إجزاء الامر العقلي وسيجيء ما هو التحقيق في الامر الظاهري.

ثم انّ مجرد تشريع الامر الاضطراري في الصورة الاولى والثانية لاولي الأعذار واقعا لا يكفي في سقوطه قضاء في الاولى وأداء في الثانية بعد التمكن منه ، لا مكان عدم ادراك تمام المصلحة منه ، بل منه ومن الاتيان بالمبدل أداء وقضاء.

وتوهم اللغو في جعله حينئذ ، مدفوع : بما عرفت في مقام الثبوت.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٠٩ ؛ الحجرية ١ : ٧٢ للمتن و ١ : ٧٦ العمود ١ للتعليقة.

٢١٩

نعم لو استفيدت البدلية المطلقة من الخارج أو من نفس الادلة بالنحو الذي عرفت ، يتم الاجزاء ويكون المكلف في صورة التشريع في أول الوقت مخيرا بين الاتيان بالبدل في الاول والاتيان بالمبدل في الآخر.

١٦٤ ـ قوله : « وبالجملة : فالمتبع هو الاطلاق لو كان ، وإلاّ فالاصل ». (١)

ظاهره كفاية عدم الاطلاق في دليل البدل في الرجوع الى الاصل ، وهو ممنوع باطلاقه ، إذ مع الاطلاق في دليل المبدل مثل قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) (٢) يكون المرجع بعد اهمال دليل البدل ـ وهو التيمم ـ هو اطلاق المبدل حيث انّه يدل على اعتبار الطهارة المائية في صحة الصلاة مطلقا في صورة الاختيار المحض والاضطرار المستوعب وغير المستوعب وقد خرج عنه صورة الاستيعاب وبقي صورة عدمه مشكوك الخروج.

ومجرد تشريع صحة الصلاة مع كونه لا يدل على سقوط شرطية الماء في أصل الطبيعة ، إذ المتيقن منه ثبوت الترخيص مع الطهارة الترابية لا الاكتفاء بها من المائية.

ولا فرق فيما ذكرنا بين ملاحظة الزمان [ فردا ] (٣) للعام أو ظرفا للاستمرار كما فصل الشيخ الانصاري (٤) قدس‌سره بينهما ، إذ الشك فيما نحن فيه في أصل التقييد كما لا يخفى.

نعم بعد اهمال الدليلين فالمرجع البراءة عقلا ونقلا.

أمّا الاولى : فلحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بالنسبة الى تعيين المبدل

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٠ ؛ الحجرية ١ : ٧٢ للمتن و ١ : ٧٦ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) سورة المائدة : ٦.

(٣) في الاصل الحجري ( مفردا ).

(٤) مطارح الانظار : ٢٠ السطر ٣٣ ، والطبعة الحديثة ١ : ١٢١.

٢٢٠