تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

المقصد الخامس

المطلق والمقيد

و

المجمل والمبين

٥٢١
٥٢٢

المطلق والمقيد

٤٠٣ ـ قوله : « عرّف المطلق بأنه : ما دل على شائع في جنسه ». (١)

وما الموصولة صفة اللفظ.

والمراد من الشيوع هو الاشاعة الحقيقية والانتشار الواقعي على البدل ، مقابل العموم الاستغراقي ومقابل الاحتمال كما في قول بعض هو : « ما دل على حصة محتملة لحصص كثيرة » (٢) والمراد هو الاشاعة بحسب الصدق في نفسه لا من حيث الحكم.

والمراد من قوله : « في جنسه » بيان ما يسري اليه الاشاعة وهي الحصص التي تندرج في الجنس الجامع بين الحصص التي تكون تحت تلك الحصة الشائعة ، لا الحصص التي كانت في عرضها ، وإلاّ لما صدق عليها كما هو واضح.

وهذا التعريف أولى من سائر ما ذكر في تعريف المطلق ممّا ذكر لفظ ( الحصة ) فيه ويكون ظاهرا في لحاظ الاشاعة في الحصة ، لا في نفس الجنس ابتداء. ومما يظهر منه انّ المطلق صفة المعنى لا اللفظ ولكنه يتوقف على كون المطلق حقيقة في اللابشرط القسمي أو بشرط شيء ، لا المقسمي فقط ، وهو كما سيجيء غير ثابت.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨٢ ؛ الحجرية ١ : ١٩٥ للمتن و ١ : ١٩٦ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) معالم الدين : ١٥٠ والطبعة الحجرية : ١٥٤ ؛ شرح مختصر ابن الحاجب للعضدي ٢ : ٢٨٤ السطر ٦.

٥٢٣

والاولى كما في المتن الاعراض عن التحديد ، حيث انّ [ لفظ ] (١) المطلق ما ورد في آية أو رواية موضوعا للحكم الشرعي [ كي ] (٢) يحتاج الى بيان مفهومه لتعيين موضوع حكمه ، بل الموضوع للآثار الشرعية هو المصاديق الخاصة ، وغرض الاصولي [ من ] (٣) تعريفه تعيين معنى جامع لشتات المصاديق بحيث : ينعكس باشتماله لجميع ما يعدّ في الاصطلاح مطلقا ، ويطّرد بأن يخرج عنه ما ليس كذلك ؛ وحينئذ نقول : انّه ما من تعريف إلاّ ويرد عليه النقض طردا أو عكسا أو كليهما عند من صار بصدد التحديد ، أو عند غيره ممن صار بصدد النقض والابرام ، ولا ثمرة تترتب عليه ، لما عرفت من انّ المقصود معرفة حال الجزئيات الموضوعات للآثار ؛ فالأولى التعرض لبيان معانيها.

٤٠٤ ـ قوله : « فمنها : اسم الجنس ... الخ » الى قوله : « ومنها علم الجنس ... الخ ». (٤)

أقول مقدمة لتوضيحها : انّ كل معنى من المعاني على اختلاف أنحائه جنسا أو صنفا ، أو موضوعا أو عرضا :

قد يلاحظ من حيث هو هو من غير ملاحظة شيء معه من وجود ذهني ، أو خارجي ، أو قيد آخر يوجب تقييده بوجه ، حتى لا يلاحظ كونه متصورا في الذهن ، بل ينظر الى ذات المعنى من غير لحاظ كونه مقصودا ؛ ويسمى ذلك جنسا.

واخرى : يلحظ ذاك المعنى مقيدا بالوجود الذهني ؛ فيسمى مفهوما عقليا.

وثالثة : يلاحظ بشرط لا ، أي مقيدا بعدم ما عداه ، ولا تحقق له إلاّ بمجرد

__________________

(١) في الاصل الحجري ( اللفظ ).

(٢) في الاصل الحجري ( كما ).

(٣) في الاصل الحجري ( عن ).

(٤) كفاية الاصول : ٢٨٢ ؛ الحجرية ١ : ١٩٥ للمتن و ١ : ١٩٦ العمود ٢ للتعليقة.

٥٢٤

فرض الذهن لانّه كلما يلاحظ مجردا يصير ملحوظا مخلوطا.

وقد يلاحظ لا بشرط قسميا ، بحيث يصير مقيدا بالارسال وعدم اعتبار القيد معه ، ولا تحقق له بهذه الملاحظة إلاّ بمجرد الفرض أيضا لانه كلما يلاحظ مرسلا يصير مقيدا أيضا.

وقد يلاحظ بشرط شيء فيصير مشروطا ، وشرطه :

قد يكون هو الشيوع والسريان ، فيسمى مطلقا اصوليا.

وقد يكون هو الوحدة المفهومي ، فيسمى فردانا وفردا منتشرا ، وهو غير الفرد المردد واقعا أو احتمالا ، لكونه غير ملحوظة معه الخصوصية الفردية ، دونهما ، كما نشير اليه.

وقد يكون غيره ، فيسمى مقيدا ، أو صنفا ، أو شخصا.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ اسم الجنس موضوع للطبيعة بالاعتبار الاول وهو اللابشرط المقسمي غير الملحوظ معه قيد أصلا ، لا للمفرد المنتشر أو غيره مما لوحظ معه قيد. وأما علم الجنس فالمشهور انّه موضوع للطبيعة المذكورة مقيدة بوجودها الذهني بأن يكون معنى ( أسامة ) هو طبيعة الاسد المتعينة بالتصور الذهني بحيث لو اعتبرت نفس الطبيعة بما هي هي لم تكن مفهوما لعلم الجنس بل لاسم الجنس ؛ وإنما ذهابهم اليه لما رأوا من معاملة النحويين معه معاملة المعرفة لفظا ، فقد قيل : انّ ذلك من جهة التغاير المعنوي.

ولكنه [ عقيدة فاسدة ] (١) وبيانه يحتاج الى مقدمة وهي :

انّ الطبيعة اللابشرط المقسمي ـ غير المرهونة عند قيد وغير المصطادة بتعيين ما يقبل لأن ينضم اليه التعيين الخارجي فيتحد معه ولأن يطرأ عليه التعيين

__________________

(١) في الاصل الحجري ( فاسدة العقيدة ).

٥٢٥

الذهني فيصير مفهوما ذهنيا ، فالمقصود انّه ـ لا تأبى عن قيد ولا تتعصى عن تعيين أصلا.

وامّا اذا لوحظت مقيدة بالخارج فهي غير قابلة للصدق على كثيرين ولا لأن توجد في الذهن ؛ فلو قيل : انّها تكون معلومة فليس معناه انّ الموجود الخارجي صار مقيدا بالوجود الذهني غير الصادق إلاّ بتحقق الخارج في الذهن ، بل معناه انّه صارت محكية بالصورة الذهنية ومعلومة بالعرض كما ؛ انّ تقييد موضوع بعض الاحكام الشرعية أحيانا بالعلم ـ بأن يكون المعلوم من الشرب مثلا هو المحرّم دون غيره ـ معناه انّ الشرب الخارجي يكون موضوعا للحكم الشرعي اذا حصلت مماثلة في الذهن لا مطلقا ، لا انّ الخارج يتحد مع صفة العلم ، وإلاّ فليس بقابل للامتثال.

واذا لوحظت مقيدة بالوجود الذهني ، لا يمكن أن تحصل في الخارج ولا أن تحمل على المصداق الخارجي ، وإلاّ لا نقلب الذهن خارجا ؛ فلو قيل : انّ المعلوم هو زيد الخارجي ، لا يمكن إلاّ بالتجريد.

فان قيل : اذا لم يصدق الموجود في الذهن المقيد به على الخارجي ، فكيف تكون الطبيعة الموجودة في الذهن كليا عقليا قابل الصدق على كثيرين.

قلت : انّ الكلي هو ذات الملحوظ في الذهن ، لا مشروطا باللحاظ ، إلاّ أنّ لحاظ الكلية له [ هو ] حال كون الطبيعة في الذهن ولم تلحظ في غير تلك الحال ؛ بخلاف الكلي الطبيعي فانّ لحاظ الكلية له غير ملحوظ بكونه في حال لحاظ الذهن وان كان في ذاك الحال.

اذا ظهر ذلك فاعلم : انّ علم الجنس ـ على المشهور ـ موضوع للطبيعة المقيدة بالذهن ، وهو مع مخالفته للوجدان ـ الشاهد على عدم الفرق بين المتبادر من أسد واسامة إلاّ بمجرد المعاملة مع أحدهما في اللفظ معاملة التعريف دون

٥٢٦

الآخر ـ غير صحيح بالبرهان وهو ما عرفت من عدم معقولية اتحاد الموجود الذهني بوصفه مع الموجود الخارجي ، فيلزم منه عدم معقولية حمل مثل ( اسامة ) على الفرد الخارجي إلاّ بعناية التجريد في المحمول باستعماله في جزء معناه ، وهو غير خال عن التعسف عند العقول كما اعترف به في الفصول (١) ، فهو ـ مع عدم الدليل عليه بل الدليل على عدمه ـ غير محتاج اليه.

ويمكن أن يقال : بكون التعريف بملاحظة تعيينه الجنسي في نفسه لا تعيينه في الذهن حتى يرجع الى ما ذكر ، وحينئذ فالفرق بين علم الجنس واسمه لحاظ التعيين في الموضوع له في أحدهما دون الآخر.

ثم انّه لا فرق في عدم صحته في مقام الحمل : بين كون القيد داخلا في المحمول ، أو القيد خارجا والتقييد به داخلا ، لعدم معقولية التقييد بالوجود الذهني إلاّ بأن يكون نفس المقيد في الذهن ، فيستحيل الحمل.

٤٠٥ ـ قوله : « ومنها : المفرد المعرف باللام ». (٢)

أقول : يقع الكلام في أنه هل تدل اللام على الاشارة الذهنية الى معنى مدخوله حرفيا كما عليه المشهور كلفظ ( هذا ) للاشارة الحسية مع الاختلاف أيضا :

بين كونه مشتركا معنويا موضوعا لخصوص الاشارة الى الجنس ؛ الجامع بين المجرد عن اعتبار تحققه في ضمن الفرد وبين المأخوذ باعتبار تحققه : اما في ضمن جميع الافراد في الاستغراق ، أو في ضمن فرد ما في الذهني ، أو الفرد المعيّن في العهد الخارجي ، أو الحضوري ، أو الذكري ، مع كون الخصوصيات بالقرائن الخارجية باختلاف المقامات.

__________________

(١) الفصول الغروية : ١٦٥ الفصل الثاني من العام والخاص السطر ٣١ ـ ٤٠ وص ١٦٦ السطر ١ ـ ٣.

(٢) كفاية الاصول : ٢٨٤ ؛ الحجرية ١ : ٢٠٠ للمتن و ١ : ١٩٧ العمود ١ للتعليقة.

٥٢٧

وبين كونه مشتركا لفظيا بين الاشارة الى كل منها بالخصوص لكل بوضع على حدة.

وبين القول بعدم الدلالة على شيء أصلا ، بل يكون اتيانها في اللفظ بمجرد التعريف اللفظي بلا دلالة على شيء كما في الحسن والحسين كما اعترفوا به في العهد الذهني ؛ و [ تكون ] الخصوصيات بالقرائن الخارجية على اختلاف المقامات كما هو عليه الاستاذ (١) مستدلا ـ مضافا الى عدم الانسباق الى الذهن من لفظ ( الرجل ) إلاّ نفس الطبيعة ـ بأنّ في البين بناء على تسليم ما قيل به أمران : أحدهما : الاشارة الذهنية الى معنى المدخول ؛ ثانيهما : الخصوصيات الاخرى من الجنسي أو الفردي على أنحائه.

والحق : عدم دلالة اللام على كل منهما أصلا.

اما الاول : فبما عرفت في علم الجنس من أنّ المقيد بالامر الذهني ولو بنحو التقيد لا يكون إلاّ في الذهن ، فلا يعقل أن يقال : « زيد الرجل » إلاّ بعناية التجريد غير الخالي عن التعسف كما مر حرفا بحرف.

واما الثاني : فبأنّ الخصوصيات لو كانت هي التعيين الذهني الجنسي أو الفردي المبهم ، فيرد عليه ما مرّ. وان كانت هي الخصوصيات الثابتة للمدخول في نفس الامر من الجنسي أو الفردي مثلا ولو لم تكن في الذهن ، ففيه :

انّ المعرّف ـ بنفسه ـ لا دلالة له على واحد منها إلاّ بقرينة اخرى ، مختلفة بحسب الموارد ، فهي الدال ، لدوران الدلالة مدارها ، فلا وجه لاستنادها الى اللام ؛ وامّا الاشارة الخارجية في العهد الخارجي والذكري ـ على فرض التسليم ـ [ فهي ] بقرينة اخرى أيضا.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

٥٢٨

والحاصل : انّه لا دلالة على كون اللام موضوعا لمعنى إلاّ لمجرد التزيين ـ كما حكى نجم الائمة (١) ـ في جميع الاقسام إلاّ في خصوص العهد الذهني ، ذاهبا الى كون الاشارة الذهنية الى فرد ما مستندة الى اللام ، لعدم دلالة المدخول عليه ؛ ولكنه غفلة عن انّه بواسطة القرينة الخارجية أيضا كما في بعض الكتب البيانية. (٢)

ولكن يمكن أن يقال : بأنّ خصوصية التعريف الذهني لو كان داخلا في المحمول لورد عليه ما ذكر من عدم صحة الحمل إلاّ بالتجريد.

وامّا لو كان لمجرد الاشارة الى ما هو المحمول ـ كما لو قيل : « زيد » متحد مع الطبيعة التي تشار اليها في الذهن لا بما هو في الذهن كما في الاشارة في مثل ( زيد هذا الرجل ) الخارجة عن المحمول ، وان كان بينهما فرق بأنّ الاشارة في اسم الاشارة جاء من قبل الاستعمال وفي اللام داخل في المستعمل فيه ، إلاّ أنّه لا يوجب فرقا فيما هو المهم ؛ أو كان المراد من المعروفية هو المعلومية بالعرض لا المعلوم بالذات ـ لما كان به بأس.

إلاّ أنّ الانصاف عدم ثبوت الوضع بعلائم الحقيقة.

٤٠٦ ـ قوله : « وذلك لتعيّن المرتبة الاخرى ، وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى ». (٣)

هذا الكلام دفع لما قيل من أنّ دلالة الجمع المعرّف على الاستغراق الافرادي مستندة الى اللام حيث انّها للتعريف ، ولا تعريف في الجمع إلاّ بارادة جميع الافراد.

__________________

(١) الكافية مع شرح الرضي الاسترآبادي ٢ : ١٢٩ السطر ٢ ـ ٤.

(٢) شرح المختصر للتفتازاني ١ : ٧٨ عند الكلام ( في احوال المسند اليه ) حول التعريف باللام.

(٣) كفاية الاصول : ٢٨٥ ؛ الحجرية ١ : ٢٠١ للمتن و ١ : ١٩٧ العمود ٢ للتعليقة.

٥٢٩

بيان الدفع : انّه لو قلنا بكون هيئة الجمع المعرّف موضوعا على حدة للاستغراق الافرادي ـ كما هو الظاهر من دلالته عليه لو لا القرينة في البين ـ فلا ربط له بما هو ذكر أصلا كما هو واضح ، وإلاّ فالتوهم المذكور مدفوع بعدم كون التعاريف في المقام هو التعريف الحقيقي كما اعترفوا به في العهد الذهني ؛ وحينئذ فلو كانت الدلالة بخصوص اللام فأقل الجمع هو القدر المتيقن فلتكن الاشارة اليه كي يفيد ـ بمقدمات الحكمة ـ العموم البدلي ، وهو غير صحيح ، وحينئذ فالقول بالوضع مما لا بأس به.

كما انّه يذهب اليه في المفرد على تقدير عدم المناص عن دلالته على الاستيعاب.

وثمرة الوضع بهذه الهيئة التميز عن الهيئات الاخرى من مثل النون وغيره الدال على خصوصية اخرى.

ولكن يمكن أن يقال : انّ مقصودهم من كون اللام للتعريف أنه للاشارة الى المدخول كما في لفظ « هذا » وان كان بينهما فرق بالاسمية والحرفية ، ومن المعلوم انّ الاشارة لا تتحقق بالنسبة الى الافراد المبهمة كما في أقل الجمع المردد بينهما كالنكرة ، بخلاف جميع الافراد ؛ ولا يقاس بالعهد الذهني لتصريحهم بكون التعريف فيه لفظيا دون غيره. نعم في تعريف الجنس غير المقصود تحققه في ضمن الافراد تكون الاشارة الى مجرد الطبيعة في الذهن ، فلا يستلزم التعريف الخارجي.

٤٠٧ ـ قوله : « ومنها : النكرة ... الخ ». (١)

ولا يخفى ان المعنى الذي يمكن أن يكون مفهوما للنكرة ـ سواء كانت

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨٥ ؛ الحجرية ١ : ٢٠١ للمتن و ١ : ١٩٨ العمود ١ للتعليقة.

٥٣٠

الدلالة مستندة الى التنوين في مثل كلمة ( رجل ) أو الى نفس النون ـ يدور بين امور ثلاثة :

أحدها : الفرد المعيّن واقعا غير المعين عند المخاطب ، بحيث يحتمل عنده الانطباق على كل واحد من الخصوصيات. وبعبارة اخرى : تكون النكرة الفرد المجهول في قبال المعلوم.

ثانيها : الفرد المردد ، بمعنى انّ معناها فرد من الجنس مرددا ، فشيء من الخصوصيات غير معتبر فيه على التعيين وان اعتبر أحدها فيه لا على التعيين. ولا يخفى انّ الترديد حينئذ معتبر في واقعه فلا واقع له غير الترديد ، دون القسم الاول كما هو واضح.

وثالثها : الطبيعة المأخوذة فيها الوحدة المفهومية لا المصداقية فيكون معنى النكرة فردا ، كليا [ لا ] (١) جزئيا ، حيث انّ ضم المفهوم الكلي الى الكلي لا يفيد تشخصه غاية الامر يوجب ضيقه في الجملة فيصير [ محصّلا ] (٢) من [ الطبيعة ] (٣) المهملة.

ولا يبعد القول بكون النكرة بالمعنى الثالث ؛ ويشهد على ذلك مقام الامر والطلب ، ويحتاج ذلك الى مقدمتين :

احداهما : انّه مما لا اشكال في صحة الامر بالنكرة بمعناها المذكور عند الاذهان بلا ارتكاب خلاف الظاهر بتجريد ونحوه.

ثانيتهما : انّه لا اشكال في حصول امتثال أمرها بفرد معين من [ زيد أو

__________________

(١) غير واضح في الاصل.

(٢) غير واضح في الاصل.

(٣) غير واضح في الاصل.

٥٣١

عمرو ] (١) ولا اشكال أيضا في عدم حصول الامتثال إلاّ باتيان ما ينطبق عليه عنوان المأمور به.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ الفرد المردد بقيد الترديد المعتبر في الثاني كما هو الظاهر من الفصول بقوله : « [ فتقييده تقييد ] (٢) ترديدي لا تعييني » (٣) لا يمكن انطباقه على الفرد المعين الخارجي ، لوضوح عدم صدق الترديد عليه ، فحينئذ لو كان معنى النكرة هو الفرد المردد للزم عدم حصول الامتثال ، لما عرفت من عدم الانطباق ، فيتعين كونه بمعنى فرد ما لكونه معنى انطباقيا.

وتوهم : كون الفرد المردد قابلا للامتثال بفرد معيّن كما في الواجب التخييري بين الافراد.

مدفوع : بأنّ الواجب في التخييري هو كل فرد معينا.

وكفاية الامتثال بفرد واحد إنما هو من نحو تعلق الامر التخييري الموجب [ امتثال ] (٤) الكل باتيان فرد واحد.

كما انّ توهم : انّ الامر بالنكرة بالمعنى الثالث نظير الامر التخييري.

مندفع : بأنّ المعلوم فيها الامتثال بتمام ما هو المأمور بلا سقوط بعض منه ، فيخالف الواجب التخييري.

والحاصل : انّ جعل النكرة بمعنى الفرد المردد غير صحيح ، لما هو المعلوم من حالها من صحة تعليق الامر بها بما لها من المفهوم ، مع التمكن من الامتثال المذكور. نعم الظاهر صدقها على الفرد المجهول المعين واقعا وهو :

__________________

(١) غير واضح في الاصل.

(٢) في الاصل الحجري ( فالتقييد بقيد ).

(٣) الفصول الغروية : ١٦٣ السطر ٩.

(٤) غير واضح في الاصل.

٥٣٢

اما لكونها للجامع بينه وبين فرد ما.

واما لخصوص الثاني بأن يقال : انّ الاستعمال فيه أيضا في فرد ما المحتمل انطباقه على فرد بدلا عند المخاطب ؛ والخصوصية إنما كانت بالقرينة.

٤٠٨ ـ قوله : « اذا عرفت ذلك فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة ». (١)

مقصوده : انّه بعد بيان مفهوم بعض مصاديق المطلق فلا بد أن نشير الى بيان ما يطلق عليه لفظ المطلق بمادته وهو امور :

الاول : معنى اسم الجنس ـ وهو الماهية المهملة غير الملحوظ فيها إلاّ الطبيعة ـ معنى لحاظ كونها بهذا اللحاظ بنحو عدم الاعتبار ، لا اعتبار العدم ، ويسمى ذلك باللابشرط المقسمي ، ولا اشكال في قابليته لانضمام القيود اليه واتحاده مع كل منها.

الثاني : هو الطبيعة المأخوذة معه السريان والشياع كالعموم البدلي الصادق على كل فرد بدلي ، لا المقيدة بالارسال المنطقي عن كل قيد بنحو لا يكون له موطن إلاّ في الذهن كما لا يخفى.

الثالث : الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية مطابقة لمعنى النكرة.

والظاهر عدم طريق الى واحد منها اصطلاحا ؛ والتعريفات مختلفة ؛ فيحتمل عدم اصطلاح جديد من لفظ المطلق بل كان باقيا في معناه اللغوي ، فيصح اطلاقه على كل من المعاني المذكورة ، على كل بالاضافة الى جهة كما لا يخفى.

كما انّه يطلق في مقابلة المقيد في كل منها بالاضافة الى ما اطلق عليه الاطلاق ، غاية الامر اذا كان بمعنى اسم الجنس والنكرة يقبل لطريان القيد عليه ،

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨٦ ؛ الحجرية ١ : ٢٠١ للمتن و ١ : ١٩٨ العمود ١ للتعليقة.

٥٣٣

دونه اذا كان بمعنى الشياع والسريان فانه يقابل المقيد ويعانده ، لا أن يكون مقسما له كما لا يخفى.

٤٠٩ ـ قوله : « ولا يخفى ان المطلق بهذا المعنى لطروّ القيد غير قابل ». (١)

أي : بمعنى الشمول ، لما عرفت من مقابلته مع المقيد.

٤١٠ ـ قوله : « وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق ». (٢)

اختلفوا في كون التقييد موجبا للمجازية في المطلق وعدمه على أقوال ، ثالثها التفصيل بين التقييد بالمنفصل ، فالاول ؛ وبالمتصل فالثاني. وبيان المختار يحتاج الى توضيح ـ معنى اسم الجنس الوارد عليه التقييد والمفاهيم [ المحتملة وصفه بواحد ] (٣) منها امور :

الاول : الطبيعة المهملة ، وقد عرفت انها مجرد المعنى بلا لحاظ شيء ، أو مطلقا بنحو عدم الاعتبار.

وثانيها : الطبيعة المرسلة المسماة باللابشرط القسمي ، وعرفت عدم قابليته لطريان قيد عليه أصلا ، ولا موطن له إلاّ الذهن إلاّ بالتجريد ، كما انّ الاول يقبل ذلك بلا عناية وتجريد.

الثالث : الطبيعة المأخوذة بشرط شيء سواء كان هو السريان والشيوع بحسب وجوده الخارجي ويسمى مطلقا اصطلاحيا ، أو قيدا آخر يوجب التقييد في الجملة كالرقبة المتصفة بالمؤمنة أصلا ويسمى مقيدا.

اذا عرفت ذلك فالحق كما ذهب اليه السيد السلطان (٤) رحمه‌الله : [ من ] انّ

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨٦ ؛ الحجرية ١ : ٢٠٢ للمتن و ١ : ٢٠٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٨٦ ؛ الحجرية ١ : ٢٠٢ للمتن و ١ : ١٩٨ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( المحتمل أو صفة لواحد ).

(٤) حاشية سلطان العلماء : ٣٠٥ عند التعليق على قول المعالم : « فلأنه جمع بين الدليلين ... الخ » ؛ معالم الدين الطبعة الحجرية الموشحة بحاشية السلطان : ١٥٥.

٥٣٤

أسماء الاجناس موضوعة للطبيعة المهملة اللابشرط المقسمي ، خلافا لما نسب الى المشهور من كونها موضوعة للطبيعة بشرط السريان والشيوع.

ويدل على ما ذكرنا ـ مضافا الى تبادر ذلك من لفظ « رجل » مجردا كما في مقام التعداد ، وسائر علائم الحقيقة ـ صحة الحمل على فرد معيّن خارجي بلا لحاظ تجريد وغاية ، فلو كان موضوعا لما نسب اليه المشهور لما صح ذلك بدونه ، وهو خلاف الوجدان في مقام الحمل. وامّا اللابشرط القسمي الاوّلي فلم يذهب اليه ، كما انّه عليه لا يقبل [ طريان ] (١) قيد عليه أصلا ، ولما فيه من المنافاة من اعتبار عدم التقييد بشيء.

فما في التقريرات (٢) : من جعله أيضا قابلا لطريان القيد عليه وانّ الفرق بينه وبين المقسم بمجرد الاعتبار :

ان كان مراده القابلية مع التقييد بالارسال ، ففي غاية الفساد.

وان كان القابلية بدون أخذه مقيدا بالارسال وان كان ملتفتا الى انّه ملحوظ في تلك الحال دون القسم ، لعدم الالتفات اليه فيه أصلا كما يظهر من قوله : « وملخصه انّ القسم بمائز المقسم بالالتفات الى أنّه [ وكذلك الحال لو كان المراد بالاطلاق هو الشياع والسريان فانه لا يصلح لطرو القيد عليه ايضا في الجهة التي لوحظ فيه السريان كما يشهد عليه ] (٣) في تلك الحالة كذلك وهو غير ملتفت اليه في المقسم وان كان هو أيضا كذلك ... الخ ».

ففيه : انّه خلط لما اصطلح عليه في المعقول من كون القسم هو المقيد

__________________

(١) في الاصل الحجري ( لطريان ).

(٢) مطارح الانظار : ٢١٦ السطر ٢٢ الى آخر الصفحة والطبعة الحديثة ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٥٢.

(٣) نسخة. ( كذا في الاصل الحجري ).

٥٣٥

باللابشرطية في كلام السلطان رحمه‌الله في مقام عدم مجازية المقيد وهو قوله رحمه‌الله : « انّه يمكن العمل بالمطلق والمقيد من دون اخراج عن حقيقته بأن يعمل بالمقيد ويبقى المطلق على حاله فلا يجوز (١) ارتكاب مجاز حتى يجعل ذلك وظيفة المطلق ، فانّ مدلول المطلق ليس صحة العمل بأي فرد كان حتى ينافي مدلول المقيد ، بل هو أعم منه ومما يصلح للتقييد ـ بل المقيد في الواقع ـ ألا ترى انّه معروض للقيد كقولنا : « رقبة مؤمنة » وإلاّ لزم حصول المقيد بدون المطلق ، مع أنّه لا يصلح لأي رقبة كانت ؛ فظهر انّ مقتضى المطلق ليس ذلك ، والاّ لم يتخلف فيه » (٢) انتهى.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : انّه اذا ورد قيد على المطلق متصلا أو منفصلا ، ففي مقام الثبوت يمكن بقاؤه على حقيقته ، ويكون مع القيد من قبيل تعدد الدال والمدلول بحيث يكون الدال على كل جزء من المقصود جزءا من الدال ، ويمكن مجازيته بأن يكون القيد قرينة على ارادة الخصوصية من لفظ المطلق.

وتوهم : عدم صحته من جهة استلزامه التكرار في القيد.

مدفوع : مضافا الى امكان تبديله بقيد ملازم له يفيد الخصوصية بلا اتيانه في اللفظ ؛ انّه على تقدير التسليم إنما يصح فيما لو اريد من المطلق المعنى التركيبي ، لا ان يراد منه الخاص بنحو يكون التقيد داخلا والقيد خارجا كما لا يخفى.

واما في مقام الاثبات : فالظاهر انّ الاستعمال على نحو الحقيقة حمله ذلك

__________________

(١) يجب. نسخة ، ( كذا في الاصل الحجري ).

(٢) مطارح الانظار : ٢١٧ السطر ١ ـ ٤ والطبعة الحديثة ٢ : ٢٥٢. ثم ان هذه السطور التي نقلها التقريرات عن السلطان كأنما هي نقل بالمضمون ، لوجود اختلاف كبير بينها وبين الفاظ السلطان. راجع حاشية السلطان : ٣٠٥ ؛ معالم الدين الحجرية : ١٥٥.

٥٣٦

على تعدد الدال والمدلول ، بناء على اجراء أصالة الحقيقة فيما لو علم المقصود وشك في كيفية الاستعمال ، مضافا الى استبعاد الالتزام بالمجاز فيما لو كان القيد متصلا ، بحمله على كون الغرض من اتيانه هو القرينية لا افادة معناه ، فتدبر.

٤١١ ـ قوله : « ثالثتها : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ». (١)

وليعلم : انّ القدر المتيقن من خصوص مقام ، أو مقال ، أو انس ذهن ببعض الافراد يوجب تيقنه ـ غير القرينة المصطلحة ـ حيث انّ القرينة توجب تعيّن كون ذلك البعض هو تمام المراد من اللفظ بلا حاجة الى اجراء مقدمات الحكمة ؛ بخلاف القدر المتيقن فانّ القرينة المذكورة إنما دلت على كون البعض متيقن الارادة ، اما انّه تمام المراد فلا ، لعدم لزوم ذلك على المتكلم ، بل المتعين عليه هو بيان موضوع الحكم بحيث لا يقع المخاطب على خلاف الواقع ، لا دفع جميع ما يشك فيه.

نعم يمكن اثبات كون ذاك البعض المتيقن هو تمام المراد ثابتا بالحكمة ، من جهة انّه لو كان المراد هو الاطلاق مع عدم دلالة اللفظ عليه فعليه بيانه على حدة ، ومع عدمه فالمتعين هو ذاك البعض المتيقن ، فيكون التيقن مثل القرينة في النتيجة ؛ ولعله أشار اليه بقوله : « فافهم ».

ثم انّ المتيقن لا بد أن يكون في مقام التخاطب ، بحيث يكون الانسباق الى الذهن من اللفظ مع ما يحف به من القرائن ، لا أن يكون بالمقدمات الخارجية العقلية بحيث لا يستند الى اللفظ ، وإلاّ يحكم بالاطلاق ، للزوم نقض الغرض بدونه ، حيث انّ المراد من كون المتكلم في مقام البيان كونه بصدد بيان المقصود باللفظ ، لا بأمر خارج كما هو ظاهر.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨٧ ؛ الحجرية ١ : ٢٠٢ للمتن و ١ : ١٩٩ العمود ١ للتعليقة.

٥٣٧

٤١٢ ـ قوله : « ثم لا يخفى عليك انّ المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ... الخ ». (١)

اشارة الى دفع ما ربما يستشكل على التمسك بالمطلق فيما يظفر بقيد منفصل ، حيث انّ الظفر به يكشف عن عدم كون المتكلم الحكيم في مقام بيان مقصوده الواقعي بهذا اللفظ ، ومن هنا يشكل التمسك به ولو قبل الظفر به ، للعلم بتقييد الغالب من المطلقات فلا يحرز مع ذلك كونه في مقام البيان ؛ مع أنّ السيرة المستمرة [ هي ] على التمسك به ولو بعد الظفر بالف مقيد ، فكيف ذلك؟

فقيل : بكشف القيد عن عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة ويبنى على الاحراز من سائر الجهات كما في التقريرات (٢) ، فعلى ذلك يكون ظهور المطلق في الاطلاق معلقا على عدم ورود قيد أصلا ، ومعه فيكون المحكّم هو المقيد ولو كان ظهوره ضعيفا ، لكونه واردا على المطلق ؛ كما هو مبنى تقديم ظهور العام على المطلق ، لكون ظهوره تنجيزيا وغير معلق دونه.

إلاّ انّ هذا الجواب لا يغني من جوع ، حيث انّ ظهور المطلق تنجيزي أيضا ، لكون مقدمات الحكمة بمنزلة القرينة المتصلة فبعد تمامية الكلام مع تماميتها يستقر له الظهور ، فلا بد أن يكون تقديم المقيد عليه من باب تقديم المعارض الاقوى ، فربما ينعكس الامر لو كان ظهور المطلق أقوى.

وامّا بالحمل على عدم البيان من هذه الجهة دون جهة اخرى [ وهذا ] على فرض التسليم إنما هو في القيود العرضية المتباينة ، لا في القيود الطولية أو المشتركة في جامع قريب ، فانّ حمله حينئذ على البيان ـ من الجهة الخاصة دون حيثية اخرى ـ مستبعد في مقام المحاورات غير المبتنية على الدقائق.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٨٨ ؛ الحجرية ١ : ٢٠٢ للمتن و ١ : ١٩٩ العمود ١ للتعليقة.

(٢) مطارح الانظار : ٢٢٠ السطر ١ ـ ٣ والطبعة الحديثة ٢ : ٢٦٧.

٥٣٨

فالتحقيق : في الجواب ان يقال : انّ البيان يطلق على معنيين :

أحدهما : البيان الواقعي في مقام العمل والحاجة ، بحيث لو كان المراد هو المقيد ولم يبيّن عند ذلك فيلزم عليه ارتكاب القبح ، وهذا ما يقال : « تأخير البيان عن مقام الحاجة قبيح ».

ثانيهما : البيان في قبال الاهمال والاجمال في الكلام ، بمعنى انّ المتكلم صار بصدد افادة السامع تمام مقصوده الواقعي واظهاره بهذا الخطاب ، في مقابل أن يهمل أو يجمل ، بحيث لو كان مراده المقيد ولم ينصب قرينة عليه يلزم منه نقض الغرض المتعلق بايراد تمام مقصوده بهذا الكلام.

والاول يحصل ببيان مقصوده الواقعي الجدي الى حال العمل ؛ بخلاف الثاني ، فانّه يحصل باظهار انّ مقصوده ليس هو الاهمال أو الاجمال ، بل هو الاطلاق من جهة أو من جهات.

اذا عرفت ذلك فاعلم : انّ البيان المعتبر احرازه في المطلق هو الثاني ، لا الاول ؛ ولا شبهة في انّ الظفر بالمقيد لا يكشف عن عدم كونه في مقام البيان وارادة الاطلاق من الكلام بعد استقرار ظهوره ، غاية الامر بعد تمامية المقدمات يحكم بارادته لضرب القاعدة كي يكون مرجعا للمخاطب عند الشك في المقيد ؛ كما لو كان الظهور مستندا الى الوضع كما في العام وفي المطلق على ما نسب الى المشهور بأنّ المصادفة بالقيد على هذا القول لا يكشف عن عدم ارادة ظاهره ولا عن عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة بل يبقى على ظهوره ، غاية الامر لو كان ظهور الخاص والمقيد أقوى من ظهور العام والمطلق فيقدم عليهما ، كما في كل معارض أقوى ويدل على كون المراد الجدي على طبقهما ؛ ومع ذلك فلا يكشف عن عدم ارادة الظهور بل يحمل على كون ارادته لمصلحة ضرب القاعدة عند الشك ؛ فالظفر بالقيد وعدمه سواء في عدم الكشف عن عدم البيان بالمعنى

٥٣٩

الثاني.

ومن هنا ظهر انّه ربما يقدم ظهور المطلق لو كان أقوى على المقيد والعام خلافا للشيخ رحمه‌الله كما عرفت. (١)

٤١٣ ـ قوله : « بقى شيء : وهو أنه لا يبعد أن يكون الاصل ». (٢)

أقول : بعد ما عرفت من توقف التمسك بالاطلاق على كون المتكلم في مقام البيان وعدم نصب القرينة ، فان أحرز ذلك بالقطع فلا اشكال.

وان شك في أحدهما :

فان كان في الثاني ، فلا شبهة في أنّ الرجوع الى أصالة عدم القرينة المعتبرة عند العقلاء في محاوراتهم ، ويستكشف بها عدم القيد وان كان في الاول ، فمع عدم الطريق اللمي القطعي يكون الطريق منحصرا في الإنّي وهو المراجعة الى بناء العقلاء ، وحيث انّ بناءهم على التمسك باطلاق كلام المتكلم مع عدم ما يوجب الاهمال أو الاجمال ـ مع انّ بناءهم ليس جزافيا ـ فيكشف عن كون المرتكز عندهم في محاوراتهم كونهم بصدد افادة تمام ما هو المقصود للمخاطب بهذا الكلام ، فيحصل عندهم الظن بكون المتكلم الخاص كذلك ، فيبنون على حجيته.

ولا اشكال في كون بنائهم أصلا معتبرا لا بد من الرجوع اليه في مقام استكشاف مراد المتكلم ، والتمسك بالاطلاق ، بلا اعتراض منه بأنّ مرادي لعله المقيد ، بل يستند اليه نقض الغرض عند ذلك.

وتوهم : عدم البناء على ذلك وعدم الاحتجاج عند العمل والحاجة.

مدفوع : بعدم الفرق عندهم في صحة التمسك بالاطلاق ولو لم يكن مقام الحاجة بعد ، كما يظهر بالمراجعة الى الوجدان عند المحاورة فانّه لا يبقى تحير في

__________________

(١) مطارح الانظار : ٢٢٠ السطر ١ ـ ٥ والطبعة الحديثة ٢ : ٢٦٧.

(٢) كفاية الاصول : ٢٨٨ ؛ الحجرية ١ : ٢٠٢ للمتن و ١ : ١٩٩ العمود ٢ للتعليقة.

٥٤٠