تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

كل أمر فكذلك يتلازمان أيضا ؛ وامّا على القول بالعدم فالصحة عند المتكلم تكون أعم منه عند الفقيه ، كما انهما يتعاكسان في العموم والخصوص بناء على الاجزاء وتخصيص الامر في تفسير المتكلم بالامر الواقعي كما لا يخفى.

ثم انّ هذا كله في صحة العبادة ؛ وامّا في المعاملات فهي عند الكل عبارة عن كونها بحيث يترتب عليها آثارها المرغوبة منها ، من جهة اشتمالها على جميع ما يعتبر في ترتبها عليها من الاجزاء والشرائط.

ويظهر من تعريف الصحة تعريف الفساد أيضا لكونه عدم الملكة بالنسبة اليها.

٣٣٤ ـ قوله : « تنبيه : وهو انّه لا شبهة في أنّ الصحة والفساد عند المتكلم وصفان اعتباريان ». (١)

قد وقع النزاع في انّ الصحة والفساد قابلان للجعل الشرعي أم لا؟

فنقول :

امّا الصحة في العبادات عند المتكلم فليست بحكم حتى يكون مجعولا ، حيث انّ موافقة الامر عنوان ينتزع عن المأتي به مطابقا للمأمور به ، بلا حاجة الى جعل ، بل ولا قابلية له أصلا ؛ وامّا عند الفقيه ففي المأتي به بكل أمر بالنسبة اليه يكون من الاحكام المستقلة العقلية غير المجعولة بنفسها من قبل الشارع. نعم يكون موضوعها ـ وهو نفس الامر ـ مجعولا منه.

امّا الامر الاضطراري والظاهري بالنسبة الى الامر الواقعي فيمكن أن يكون قابلا للجعل كما لو اشتمل على مقدار من مصلحة الواقع ، فحينئذ يكون المقتضي للقضاء موجودا إلاّ انه يرفعه الشارع بجعل متابعة الامر الظاهري مانعا عن ايجابه ،

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٢١ ؛ الحجرية ١ : ١٥١ للمتن و ١ : ١٥١ للتعليقة.

٤٠١

للتسهيل على العباد ، كما انه يمكن أن يجعله لاستدراك باقي المصلحة. نعم لو اشتمل الامر الظاهري على تمام المصلحة لكان للقول بعدم مجعوليته وجه ؛ ولكنه لا يتم باطلاقه.

وتوهم : كون الاستدراك مع مصلحة التسهيل في الصورة الاولى علة تامة للسقوط ، فليست الصحة مجعولة أصلا.

مدفوع : بأنّ مجرد الحكمة لتشريع السقوط لا يكون دليلا على امتناع الجعل بعد امكان جعل الاثبات بمقتضيه ؛ وامّا مصلحة الجعل فلا محيص عنه في فعل الشارع مطلقا ، كما في نفس الاحكام التكليفية.

وامّا الصحة في المعاملات بمعنى جعلها بحيث يترتب عليها الآثار ، فهي قابلة للجعل بتشريع المعاملة تأسيسا وامضاء.

وتوهم : انّ جعل الصحة بهذا المعنى يكون راجعا الى جعل سببية المعاملة للملكية مثلا ، وقد قرر في غير المقام بعدم قابليته في مثل السببية للجعل أصلا ، أصالة وتبعا.

مدفوع :

أولا : بأنّ هذا مسلّم لو كانت نفس المعاملة بعد هذا الجعل سببا بعد ما لم يكن كذلك ، بل السبب نفس جعل الشارع متعلقا بهذه المعاملة ؛ وفرق بين كون المعاملة بنفسها سببا بعد الجعل ، وبين كونها بانضمام جعل الشارع سببا للملكية كما لا يخفى.

وثانيا : نقول : لا بأس بجعل السببية في المقام لانّ ما ثبت امتناع الجعل بالنسبة اليه هو السببية في الاسباب الواقعية المؤثرات في الخارج الناشئة

٤٠٢

[ عن ] (١) الارتباط الواقعي بينها وبين مسبباتها ، دون الاسباب في الامور الاعتبارية الناشئة من اعتبار من بيده الجعل مع المصلحة فيه ، كما في المقام.

وثالثا : نلتزم بأنّ جعل السببية للمعاملة كناية عن جعل الملكية مثلا عند المعاملة ابتداء ، ولا جعل للسببية أصلا.

ثم انّ ما ذكرنا من المجعولية وعدمها انما هو بالنسبة الى الكلي ، وامّا بالنسبة الى المصاديق فليست الصحة في جميعها مجعولة أصلا ، بل يكون تبعا للتطبيق العقلي كما لا يخفى.

تنبيه : قد اعتبر المحقق القمّي (٢) في محل النزاع وجود ما يقتضي الصحة لو لا النهي بحيث لو احرز عدم دلالة النهي على الفساد نقول بها ، وإلاّ فمع عدم ما يقتضيها فأصالة الفساد محكّمة ، فلا ثمرة في النزاع.

وقد أورد عليه في التقريرات (٣) [ بعدم ] (٤) تماميته على الاطلاق ، بل انما يتم في العبادات فقط لعدم معقولية العبادة بدون الامر ؛ وامّا في المعاملات فلا دليل على تخصيص النزاع بما له جهة صحة.

وثمرة النزاع فيها اثبات الفساد بالدليل الاجتهادي ، فيترتب عليه ما يترتب على الدليل الاجتهادي من المعارضة على الدليل المقابل لو كان ، وغيره.

ولا يخفى انّ ما أورد عليه في المعاملات في محله ، ولكن قبوله في العبادات في غير محله ، حيث انه يصح ورود النهي فيها أيضا بعد توهم الصحة والامر ، بل مع عدم الامر يقينا ، كما اذا كان الامر والنهي في أول الشريعة بلا سبق ما يقتضي

__________________

(١) في الاصل ( على ).

(٢) القوانين المحكمة ١ : ١٦٠ السطر ٧.

(٣) مطارح الانظار : ١٦٠ السطر الاخير الى ص ١٦١ السطر ٣ ، والطبعة الحديثة ١ : ٧٣٩.

(٤) في الاصل الحجري ( بعد ).

٤٠٣

الصحة ابتداء كما لو أمر ابتداء بصوم غير العيدين ونهى عن صومهما في كل مقام يقطع بعدم الامر واقعا ؛ وما يتوهم منه قبله مجرد صورة لا واقعية له.

نعم لا بد فيما لم يكن أمر في البين من احراز كون المنهي عنه عبادة ، بمعنى انه لو تعلق به أمر لا يسقط إلاّ أن يأتي به قربيّا كي يكون من العبادات المنهي عنها ، وذلك امّا بعدم ورود الامر على سنخ المنهي عنه عبادة أو كون اختراعه للتعبد به ، لا أن يكون لمجرد كونه من الامور [ العبادية ] (١) في أثر.

٣٣٥ ـ قوله : « السابع : لا يخفى انّه لا أصل في المسألة يعوّل عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد ». (٢)

يعني لا أصل تثبت به المسألة الاصولية وهو الدلالة على الفساد وعدمه ؛ فما هو المعروف في المقام من كون الاصل في العبادات والمعاملات ـ بعد الشك في صحتها وفسادها ـ هو الفساد فمع عدم تماميته على الاطلاق ـ كما نشير اليه [ قريبا ] ـ (٣) يكون أصلا في المسألة الفرعية ، لا الاصولية.

وامّا الاصل المتوهم في المقام بحيث يكون مثبتا لدلالة النهي ، فلا يصح جريانه :

امّا أولا : فلانّ دلالة اللفظ على المعنى ـ بمعنى ظهورها فيه الذي لازمه انسباق المعنى منه الى الذهن ـ من الامور الوجدانية التي تكون مقطوعة العدم بمجرد عدم احرازها ، فلا يبقى مثلها ـ بعد عدم احرازها ـ موردا للاصل.

فان قلت : انّ الدلالة من صفات الالفاظ الثابتة لها عند العرف ، فقد يشك في واقعها فيحتاج في نفيها الى الاصل ، ولذلك قد ترى الاصوليين قد

__________________

(١) في الاصل الحجري ( العادية ).

(٢) كفاية الاصول : ٢٢٢ ؛ الحجرية ١ : ١٥٢ للمتن و ١ : ١٥٤ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( آنفا ).

٤٠٤

[ تنازعوا ] (١) في دلالة الصيغة على الوجوب مثلا ، وفي دلالة الامر عقيب الحظر على الاباحة وعدمها ؛ وذلك يكشف عن عدم كونها نظير الامور الوجدانية غير القابلة للشك أصلا.

قلت : انّ المسلّم أنّ الدلالة من الامور الاضافية التي قد توجد لشخص وتفقد لآخر ، إلاّ انّ أحدا من أهل العرف واللسان لو شك ابتداء في ثبوت دلالة اللفظ عندهم مع كونه منهم فبمجرد التأمل والمراجعة الى وجدانه ـ مع عدم احرازها ـ يقطع بعدمها عندهم بلا احتياج الى الاصل. وإن أبيت إلاّ عن شكه بثبوتها عندهم فلا أقل من قطعه بعدمها عنده ـ لو كان هو المخاطب بخطاب النهي ـ فلا يحتاج بالنسبة الى نفسه الى الاصل.

وامّا ما ترى من النزاع في دلالة صيغة الامر على الوجوب وعلى الاباحة لو وقعت عقيب الحظر فلا ينافي ما ذكرنا من عدم كونها قابلة للنزاع ، لانّ النزاع في مثل المذكورات انما هو في ثبوت الوضع أو وجود القرينة ، لا في نفس الدلالة.

نعم قد يتوهم مما ذكر ـ في الشك في الدلالة ـ في رفع الدور في مسألة التبادر : من كون الانسباق عند أهل اللسان ناشئا عن علمه الارتكازي بالوضع ، ولكنه قد يشك في ثبوت هذا العلم الارتكازي فيحتاج العلم به تفصيلا الى إعمال التبادر ، وحيث انّ ظهور اللفظ بنفسه عند أحد ـ مع عدم التفصيلي له بالوضع ـ يكون مستندا الى العلم الارتكازي ، فيدور معه وجودا وعدما ويكون الشك فيه موجبا للشك فيه ، فيثبت الشك في الدلالة.

ولكنه يدفع : بأنّ مثل هذا الشك ـ على تقدير التسليم ـ انما كان بدويا زائلا

__________________

(١) في الاصل الحجري ( نازعوا ).

٤٠٥

بعد التأمل بلا أصل في البين.

وامّا ثانيا : فعلى تقدير التسليم [ لا ] (١) يجدي في اجراء الاصل فيها أيضا ، لعدم صحته من جهة اخرى ، لانّ النزاع :

إن كان في دلالة النهي على الفساد من جهة دعوى الملازمة بين الحرمة وبينه كما في العبادات ـ بعد الفراغ عن دلالته على الحرمة ـ فلا مجرى فيها للاصل ، لعدم سبقها بالعدم بمفاد كان الناقصة ، و [ أمّا ] بمفاد كان التامة [ فلا ] (٢) أثر له إلاّ بالمثبت.

وان كان في أصل دلالته على الفساد ، بدعوى ظهورها في الارشاد بقرينة عامة صارفة عن ظهوره الاصلي ـ بعد الفراغ عن عدم الملازمة المذكورة ـ وهي غلبة كون النهي في المعاملات لذلك بحيث صار ظاهرا فيه كما في ظهور الامر عقيب الحظر في الاباحة ، للقطع بعدم قرينة فيهما غيرهما وحينئذ يكون الشك في قرينية الشيء الموجود ، وحيث أنه لا حالة سابقة له فلا تجري أصالة عدم القرينة له ؛ وأمّا أصالة الظهور نوعا في معناه الاصلي ـ وهو ظهور الحرمة عند العقلاء ـ فهي محكّمة ، فلا يثبت الفساد أيضا.

هذا كله في جريان الاصل في نفس المسألة الاصولية.

وأمّا الاصل في المسألة الفرعية بعد الفراغ عن عدم جريانه فيها :

فامّا في المعاملات بعد الشك في تأثير المعاملة الواقعية للملكية مثلا : فأصالة عدم تحقق سببية هذه المعاملة فعلا ـ بناء على كون السببية مجعولة ـ لا بأس بها ، حيث أنّ تأثيرها لم يكن قبل تحققها متحققا ، فيشك في تحققها بعده فيستصحب عدمه بمفاد كان التامة ، بل تجري أصالة عدم جعل السببية من قبل

__________________

(١) في الاصل الحجري ( فلا ).

(٢) في الاصل الحجري ( لا ).

٤٠٦

الشارع.

وإن أبيت إلاّ عن عدم كون السببية مجعولة فأصالة عدم تحقق سبب أصلا للملكية لا بأس بها أيضا ؛ ومع رفع اليد عنها فأصالة عدم حصول الملكية محكّمة.

وأمّا في العبادات : فالشك في صحة عبادة وفسادها على أنحاء ، حيث أنّ الشك في صحة عبادة :

امّا أن يكون من جهة الشك في ثبوت المقتضي للامر به وعدمه فحينئذ فأصالة عدم الامر وعدم المقتضي له يقضي بعدم عباديته. مضافا الى أنّ الشك في المقتضي للعبادية كاف في عدم جواز اتيانه عبادة. نعم يمكن أن يؤتى برجاء كونه عبادة باحتمال كونه راجحا في الواقع.

وتوهم : انه يدور الامر حينئذ بين المحبوبية والمبغوضية فيه واقعا.

مدفوع : بأنّ احتمال كونه مبغوضا مثلا وذا مفسدة واقعا لا [ يتنافى ] (١) مع اتيانه برجاء المحبوبية ، وانما المنافي المبغوضية الفعلية ، وهو مقطوع العدم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وأمّا أن يكون من جهة الشك في المانع وهو على قسمين :

أحدهما : أن يكون المانع المشكوك على تقدير وجوده رافعا للامر عن الممنوع من جهة كونه أهم بلا مزاحمة له في أصل مصلحته ومحبوبيته ، بل هو على ما كان عليه من المصلحة والمحبوبية ، إلاّ أنه لا أمر به فعلا ، للابتلاء بالمزاحم الأهم.

ولا يخفى أنّ هذا القسم من المانع لا ترتفع ما به عبادية الممنوع حيث أنّ المشكوك منه لا يزيد على المتيقن ؛ ومن المعلوم صحة الاتيان به عبادة مع المزاحم

__________________

(١) في الاصل الحجري ( ينافي ).

٤٠٧

المتيقن على ما تقرر في كفاية الرجحان في العبادة بلا [ افتقار ] (١) الى الامر.

وثانيهما : أن يكون المانع على تقدير وجوده موجبا لزوال الرجحان عن الممنوع وخروجه عن المحبوبية : أمّا لزوال [ مصلحته ] (٢) بالمفسدة الغالبة ، أو لخروجه عن قابلية تأثيره في المطلوبية ، وحينئذ :

فان كان المانع المشكوك من قبيل ما يوجب زوال المصلحة ، فلا اشكال في كونه من قبيل القسم الاول الكافي في عدم جواز اتيانه عبادة بمجرد الشك في المقتضي.

وأمّا ان كان من قبيل ما يوجب زوال تأثيره وحينئذ :

فان قلنا : بعدم التزاحم بين الجهات في مقام اقتضائها لانشاء الحكم على طبقها واقعا ـ وانما التزاحم في مقام التأثير في فعلية الحكم وهو فيما اذا حصل العلم بها والالتفات اليها ـ فيكون من القسم الاول من المانع فيصح اتيان المشكوك عبادة ، للقطع بالمقتضي واحراز عدم المانع يقينا ، حيث أنّ المانع هو المفسدة الملتفت اليها المؤثرة في فعلية الحكم وحيث انها على تقدير وجودها لم يلتفت اليها فيما نحن فيه ، فيقطع بعدم فعليتها بمقتضى قبح العقاب بلا بيان بل [ بمقتضى ] (٣) البراءة الشرعية.

والحاصل : أنّ الامر بمقتضى المصلحة بعد عدم العلم بالمفسدة يكون حينئذ فعليا بلا اشكال.

وأمّا ان قلنا : بتزاحمها في مقام التأثير في انشاء الحكم واقعا بحيث يكون

__________________

(١) في الاصل الحجري ( اقتصار ).

(٢) في الاصل الحجري ( مصلحة ).

(٣) في الاصل الحجري ( مقتضى ).

٤٠٨

الحكم الواقعي على طبق أقوى الجهتين [ فبمجرد ] (١) الشك في وجود المفسدة الغالبة لا يعلم بتحقق تمام المقتضي للامر ، فيكون نظير الشك في المقتضي الموجب للشك في العبادية ؛ والفرض أنّ مزاحمته حينئذ بوجودها الواقعي لا بوجودها الفعلي كي يقطع بالعدم بمجرد عدم العلم بها.

وأصالة عدم المانع لا تجدي لاثبات الامر ، لعدم كونه من الآثار الشرعية لعدم المفسدة الغالبة بل هو بالنسبة اليه من آثاره العقلية ؛ وأمّا صحة التقرب فبطريق أولى.

هذا ما قرره الاستاذ دام ظله في درسه في هذا المقام.

ولكن مقتضى التحقيق الذي ذكره ـ في مبحث اجتماع الامر والنهي (٢) من كفاية حصول المصلحة فيما أتى بالفعل بداعي حصولها ، مع عدم فعلية المفسدة الغالبة في اسقاط الامر ولو قلنا بتأثير أقوى الجهتين في الحكم الواقعي في المقام وسقوط الامر فيما أتى به بداعي حصول المصلحة ، مع عدم العلم بالمفسدة ولو كانت غالبة ـ فيما لم تضمحل المصلحة ، دون ما اذا اضمحلت كما هو واضح.

إلاّ أن يقال : أنّ المفروض في تلك فيما اذا أحرزت المصلحة غير المضمحلة بحسب الواقع ، فبمجرد عدم فعلية المفسدة تكفي المصلحة في اسقاط الامر ، وهاهنا لم يحرز وجود المصلحة كذلك فتأمل.

هذا كله مقتضى الاصل فيما لم يكن أمر في البين.

وأمّا اذا كان هناك أمر فيكون الشك :

تارة : في كون المشكوك عبادة من افراد المأمور به أم لا؟ من جهة دوران عنوان المأمور به بين كونه عنوانا خاصا مغايرا للمشكوك أو عنوانا عاما شاملا له ،

__________________

(١) في الاصل الحجري ( فمجرد ).

(٢) كفاية الاصول : ١٩٨ ؛ والفوائد المطبوعة حجريا في ذيل حاشية الآخوند على الرسائل : ٣٤٦.

٤٠٩

مثل ما اذا شك في تعلق الامر بـ ( زيد ) أو بـ ( الرجل ) الشامل لـ ( عمرو ) مثلا حيث أنه من قبيل دوران الامر بين التعيين والتخيير ؛ فالاقوى أنه لا أصل في البين يعيّن كون المشكوك مأمورا به أم لا ، لا عقلا ولا نقلا كما حقق في مسألة البراءة.

ويكون اخرى : من جهة الشك في كون المشكوك مشتملا على جميع ما اعتبر في المأمور به شرطا أو جزءا ، كما في دوران الامر بين الاقل والاكثر بعد العلم بتعلق الامر بالطبيعة المركبة ؛ ويتوقف كون الاقل من افراد المأمور به على البراءة عقلا أو نقلا في تلك المسألة.

ولكنه على البراءة العقلية : لا تثبت الصحة بالمعنى الذي عند المتكلم وهو موافقة الامر ، لعدم العلم بكون الامر النفسي متعلقا بالاقل ؛ وأمّا بمعنى اسقاط الاعادة والقضاء فتثبت الصحة ما لم ينكشف الخلاف ، وأمّا بعده فلا. ولكنه يمكن اثبات القضاء قبل انكشاف الخلاف أيضا بمقتضى « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت » (١) لو قلنا بكون الفوت هو مجرد عدم الاتيان في الوقت حيث أنه يمكن اثباته بالاصل ، بخلاف ما لو قلنا بكونه أمرا وجوديا.

وأمّا على البراءة النقلية : فيدور اثبات الصحة بكلا المعنيين ـ ولو بعد كشف الخلاف ـ على تحكيم أدلة البراءة من حديث الرفع وغيره على أدلة الاجزاء والشرائط الواقعية ، حيث أنه :

بناء على حكومته عليها يكون المكلف به بالنسبة الى الجاهل بها هو الاقل

__________________

(١) العبارة الصحيحة هي : « ... كما فاتته ». ومع ذلك فهي ليست بعبارة الرواية ، بل هو بيان من المجلسي رحمه‌الله في البحار ٨٩ : ٩٢ عند قوله : « السابع ... ». والتعبير الصحيح للرواية هو : « ... يقضي ما فاته كما فاته ... الخ » ، تهذيب الاحكام ٣ : ١٦٢ باب احكام فوائت الصلاة ، الحديث ١١.

٤١٠

بلا أمر بغيره ، فيصدق على فعله الصحة بمعنى اسقاط [ الاعادة ] (١) والقضاء بمعنى موافقة الامر أيضا.

وامّا بناء على عدم التحكيم فالصحة بمعنى موافقة الامر واقعا منتفية بعدم الامر الواقعي بالنسبة الى المأتي به بعد كشف الخلاف. نعم لا بأس بالقول به ظاهرا قبله ؛ وأمّا بمعنى اسقاط الاتيان به ثانيا فلا بأس بها قبل كشف الخلاف ، وأمّا بعده فيبتني على أخذ فوت الفريضة ـ في دليل القضاء العيني ـ فوت مصلحتها مع التزام التدارك بالامر الظاهري مطلقا ؛ وبدون واحد منهما فلا صحة بهذا المعنى أيضا كما لا يخفى.

٣٣٦ ـ قوله : « أو وصفها الملازم لها ... الخ ». (٢)

ولا يخفى أنّ الملازمة لو كانت بمعنى عدم امكان انفكاك الجهر أو الاخفات عن قراءة خاصة فلا ريب في بطلانه لوضوح انفكاك كل منهما عنها بل عن مطلق القراءة كما لا يخفى.

نعم لو كانت بمعنى أن كلا منهما صفة ، بل متحد الوجود معها ، بل وجود خاص منها فلا اشكال في صحته ؛ وبهذا يفترق عن الوصف المقارن ولو بناء على الجواز.

٣٣٧ ـ قوله : « وكذا القسم الثاني بلحاظ انّ جزء العبادة عبادة ». (٣)

فيفسد بناء على التحقيق فيها من الفساد ؛ وأمّا فساد الكل بفساده من حيث هو فلا.

نعم قد يذهب اليه لو لم يتدارك الجزء بعده ، وعلى تقدير التدارك أيضا من

__________________

(١) في الاصل الحجري ( العبادة ).

(٢) كفاية الاصول : ٢٢٢ ؛ الحجرية ١ : ١٥٢ للمتن و ١ : ١٥٧ العمود ١ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢٢٣ ؛ الحجرية ١ : ١٥٢ للمتن و ١ : ١٥٧ العمود ١ للتعليقة.

٤١١

حيث القران بين السورتين المانع عن صحة العبادة ، أو من جهة الزيادة في الفريضة ان قلنا بشمولها لمثل هذه الزيادة.

٣٣٨ ـ قوله : « وأمّا القسم الثالث : فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة ». (١)

أقول : لا اشكال في عدم سراية النهي عن الشرط ـ بما هو كذلك ـ الى المشروط ؛ ولا في عدم لزوم اجتماع الامر والنهي في نفس الشرط أيضا.

أمّا الاول : فلخروج الشرط عن المشروط وهو الصلاة ، حيث أنّها عبارة عن الافعال والحركات الخاصة من القيام والركوع وغيرها ؛ ولا اشكال في خروج الصوم عنها كما هو واضح.

فان قلت : انّ المأمور به بالامر النفسي ليس مجموع تلك الافعال والحركات بوجوداتها المطلقة بل بوجوداتها الملحوظة معها الشرط ، فيكون الشرط حينئذ نظير الاجزاء في كونه داخلا في المجموع الذي تعلق به الامر النفسي ، فيسري النهي [ من ] (٢) الشرط الى المأمور به.

قلت : هب انّ المأمور به ليس نفس مجموع الاجزاء بوجوداتها المطلقة بل [ بوجوداتها ] (٣) الخاصة ، إلاّ أنه لا يجدي في ترشح الامر النفسي الى الشرط أيضا ، حيث أنّ المأمور به حينئذ تلك الوجودات الخاصة المقترنة بالشرط بحيث يكون الشرط خارجا عنها. نعم تقيدها به وان كان داخلا إلاّ أنّ التقييد من الاجزاء الذهنية وليس من مقولة الفعل الخارجي كي يتعلق به الامر.

كما أنه ليس بمنهي عنه بالنهي عن الشرط وان كان معلولا له في الحصول ،

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٢٣ ؛ الحجرية ١ : ١٥٢ للمتن و ١ : ١٥٧ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( عن ).

(٣) في الاصل الحجري ( وجوداتها ).

٤١٢

لعدم سراية النهي من العلة الى المعلول وان قلنا بالسراية في طرف العكس. فقد ظهر أنّ النهي عن الشرط لا يسري الى المشروط بناء على عدم تعلق الامر بتقيده به ، بل وكذلك بناء عليه كما لا يخفى.

وأمّا [ الثاني : وهو ] عدم لزوم اجتماع الامر والنهي ـ ولو قلنا بوجوب المقدمة ـ فلتوجه الامر الغيري الى المقدمات المباحة دون المحرمة وان كان يحصل منها الغرض وهو التوصل الى ذي المقدمة كما حقق في محله.

ثم انّ عدم سراية النهي عن الجزء والشرط [ الى ] (١) الخارج الذي ظرفه العبادة بما هي كذلك اليها [ هو ] فيما لم يستفد منه مانعيتها لها ؛ وامّا بناء عليه فلا اشكال في الفساد.

٣٣٩ ـ قوله : « كما في القسم الخامس فانّ النهي عنه لا يسري الى الموصوف ». (٢)

ولا يخفى أنه ان لم تكن مندوحة في البين فلا اشكال في ارتفاع الامر إلاّ على تقدير غلبة المصلحة على المفسدة فيرتفع النهي ؛ ومعها فيبتنى على مسألة اجتماع الامر والنهي على الاختلاف.

٣٤٠ ـ قوله : « الاول : في العبادات فنقول : وعلى الله الاتكال : أنّ النهي المتعلق بالعبادة ». (٣)

لا يخفى أنّ النهي في هذه الصورة يمكن أن يكون ارشادا الى فسادها لفقدانها لما يعتبر في صحتها جزءا أو شرطا ، وكونه كذلك : امّا باستعماله في مجرد طلب الترك انشاء بداعي الارشاد بلا لزوم مجاز كما لا يخفى ، أو بداعي الحرمة

__________________

(١) في الاصل الحجري ( أو ).

(٢) كفاية الاصول : ٢٢٣ ؛ الحجرية ١ : ١٥٣ للمتن و ١ : ١٥٧ العمود ٢ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢٢٤ ؛ الحجرية ١ : ١٥٣ للمتن و ١ : ١٥٧ العمود ٢ للتعليقة.

٤١٣

المولوية المتعلقة بملتزماتها تشريعا ؛ ويستكشف حينئذ بطريق الإن نقصانها جزءا أو شرطا ان يكون ... (١) لحرمته الذاتية ... (٢) بمفسدة ذاتية في العبادة.

٣٤١ ـ قوله : « لا يقال : هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية ولا يكاد يتصف بها العبادة ». (٣)

... (٤) وان كانت العبارة قاصرة في الجملة ، انّ العبادة متوقفة على المقربية الفعلية التي لا تكون إلاّ بالامر الناشئ من المصلحة الذاتية في الشيء ، فلا يعقل أن يكون مبغوضة ذاتا ؛ ومع عدم الامر وملاكه فلا يمكن أن يؤتى به عبادة بداعي الامر إلاّ على نحو التشريع ، ومعه فيكون حرمته من جهة التشريع الناشئ من اتيان غير العبادة عبادة ، حيث انّ المحرّم من العبادات كالصلاة في أيام الاقراء لو اتي بها بغير قصد القربة لداع آخر من التعليم وغيره لا تكون محرّمة واذا انضمت اليها القربة تكون محرمة ، فيكشف عن أنّ المحرّم هو استنادها الى الشارع مع عدم الاستناد اليه واقعا ، ومع الحرمة التشريعية فلو كان حراما ذاتا أيضا يلزم اجتماع المثلين وهو محال.

ولكن التحقيق : انه لا مانع من الحرمة الذاتية في العبادة :

امّا اولا : فلانّ العبادة غير متوقفة على الامر بل تكون بعض الافعال كذلك ولو لم يكن في البين أمر ، حيث انها من ذاتيات بعض الافعال بحيث لا توجد في الخارج إلاّ عبادة كالتعظيم والتذلل والتخضع في الركوع والسجود ـ بناء على كونهما من العناوين التي لا تتحقق بدون القصد ـ وكما في الالتزام كما في النذر ، فالعبادية في مثلها لا تتوقف على الامر بل لا تقع موجودة في الخارج إلاّ عبادة ؛ وفي بعض آخر معنى العبادة تعليقية ، بمعنى انه لو تعلق به أمر لكان أمرا عباديا ، وهو لا ينافي

__________________

( ١ و ٢ و ٤ ) كلمات غير واضحة في الاصل الحجري ، لتلف في هذا الموضع.

( ١ و ٢ و ٤ ) كلمات غير واضحة في الاصل الحجري ، لتلف في هذا الموضع.

(٣) كفاية الاصول : ٢٢٤ ؛ الحجرية ١ : ١٥٣ للمتن و ١ : ١٥٧ العمود ٢ للتعليقة.

( ١ و ٢ و ٤ ) كلمات غير واضحة في الاصل الحجري ، لتلف في هذا الموضع.

٤١٤

كونه حراما ذاتا بالفعل ولو لم يؤت بداعي الامر.

وثانيا : انّ الجمع بين الحرمة الذاتية مع التشريعية لا يكون جمعا بين المثلين ، لتعلق أحدهما بالفعل الخارجي والآخر بالجانحي.

وثالثا : انّ المصالح والمفاسد ليستا من ذاتيات الافعال كي لا تتخلفا عنها بالوجوه والاعتبار ، فقد يكون الفعل ذا مصلحة لعروض جهة اعتبارية من صدورها من شخص دون آخر وفي حال دون آخر ، ويصير ذا مفسدة بصدوره عن شخص آخر أو من ذاك الشخص في حال آخر كما في العبادات التي تقع رياء ـ بناء على كون الرياء من قبيل الداعي الى داعي ـ فانّ العبادة معه بداعي الرياء تكون بنفسها مبغوضة ومحرّمة مع عدم قصور في المتعلق جزءا أو شرطا بناء على عدم اخذ الخصوصيات المتوقفة على الامر في المأمور به وجودا أو عدما ، ومع ذلك تكون فاسدة ومبغوضة لاجل نقصان في كيفية الاطاعة فهو عبادة بقصد الامر الشرعي لا التشريعي ومحرّمة.

والحاصل : أنه لا اشكال في الحرمة الذاتية في العبادات ، وكون المحرّمات منها من هذا القبيل.

ثم انه لو قامت قرينة على كون النهي في العبادات لواحد منهما فلا اشكال ومع عدمهما فهل الاصل كونه للحرمة الذاتية أو تشريعا؟

من أصالة الظهور ، ومن كون النهي عقيب الامر أو توهمه نظير الامر عقيب الحظر في عدم الظهور في الحرمة ، بل في مجرد الارشاد الى الفساد ، لعدم اشتمال المنهي عنه على مصلحة العبادة فتكون حرمتها تشريعية ؛ وجهان ؛ الاظهر هو الثاني.

وان أبيت إلاّ عن ظهورها في الحرمة الذاتية فلا أقل من ارادة الارشاد أيضا ولا يلزم بناء على ذلك استعمال اللفظ في المعنيين من الارشاد والحرمة الذاتية ،

٤١٥

حيث انّ الاستعمال انما هو في معنى واحد وهو طلب الترك.

وامّا الارشاد والتوصل الى تركه خارجا للمبغوضية الذاتية فهما من قبيل الداعي ، لا المستعمل فيه كما لا يخفى. كما أنه لو انضم اليهما عدم حصول الجزء والشرط للعبادات باتيانهما في ضمن المنهي عنه في النهي عن الجزء والشرط لا يصير استعمالا في الزائد عن المعنى الواحد أيضا.

ثم انّ الفساد في المقام يكون أشد في عدم الصلاحية للتقرب من الفساد في مسألة اجتماع الامر والنهي ، حيث انّ المفروض أنّ النزاع هناك لما كان بعد احراز العنوان المشتمل على المصلحة والعنوان الآخر المشتمل على المفسدة ويكون التزاحم في مقام الفعلية فبعد عدم الفعلية في أحد الطرفين ولو كان غالبا وكان هو المفسدة ، يكون الآخر في تأثيره في فعلية الحكم المطابق بلا مزاحم ، فيصح اتيانه عبادة لو كان هو الملتفت اليه ، لاشتماله على ما يصير به الشيء عبادة ؛ بخلافه في المقام حيث انّ الكلام فيه فيما اذا تعلق النهي بنفس عنوان العبادة فيكشف ـ عن عدم اشتماله على المصلحة بل عن اشتماله على المفسدة أيضا ـ عن الحرمة الذاتية ، فلا يكون في البين ما يصلح للتقرب على عدم تقدير صيرورة عدم النهي فعليا.

ومن هنا ظهر أنه على الحرمة الذاتية تكون العبادة المنهي عنها [ بنفسها ] (١) أبعد [ من ] (٢) صلاحيتها للتقرب عن صورة الارشاد.

فما في التقريرات (٣) من الحكم بعدم الفساد مع الغفلة عن النهي في صورة كون النهي للحرمة الذاتية لكون الفساد حينئذ تابعا للنهي لا العكس ، فيه : ما لا

__________________

(١) في الاصل الحجري ( لنفسها ).

(٢) في الاصل الحجري ( عن ).

(٣) مطارح الانظار : ١٦٣ السطر ١٤ ـ ١٥ والطبعة الحديثة ١ : ٧٥٠.

٤١٦

يخفى من الخلط بين مسألة اجتماع الامر والنهي ومسألتنا هذه التي لم يحرز فيها ذلك.

ولا ينافي ذلك ما ذكرنا من كون مورد الاجتماع في تلك المسألة ـ بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي ـ من صغريات مسألة النهي في العبادات ، حيث توهم انه لا بد امّا من الالتزام بالصحة في المقام في صورة الغفلة عن النهي ، أو على عدمها هناك أيضا.

ووجه عدم المنافاة : انّ ما ذكرنا هناك يكون من قبيل المنهي عنه لوصفه ، وما هو محل الكلام في المقام ـ من عدم القابلية للصحة أصلا ـ انما هو في المنهي عنه لذاته الكاشف عن المفسدة ولو لخصوصية تعليلية ، ولا أقل من عدم المصلحة ، فكيف الفرق بين المقامين؟

وظاهر النهي المتعلق بعنوان العبادة الخاصة انّ مطلقها الموجود في ضمنها خال عن المصلحة ـ ولو لاضمحلالها بواسطة الخصوصية ـ وإلاّ لكان الأولى تعليقه على العنوان الخارج كما في مسألة الاجتماع.

٣٤٢ ـ قوله : « المقام الثاني : في المعاملات ، ونخبة القول ... الخ ». (١)

أقول : انّ النهي فيها على أقسام :

الاول : أن يتعلق بها من حيث كونها فعلا من الافعال بلا ملاحظة جهة فيها من حيث النقل والانتقال.

ولا اشكال في عدم دلالة هذا القسم على الفساد ، غاية الامر يدل على كونها مبغوضة ذاتا أو لجهة طارئة كما في البيع وقت النداء وهو لا ينافي أن تكون مؤثرة : امّا بناء على عدم جعل السببية فواضح ؛ وامّا بناء عليه لحكمة داعية الى جعل

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٢٥ ؛ الحجرية ١ : ١٥٤ للمتن و ١ : ١٥٩ للتعليقة.

٤١٧

المبغوض سببا على تقدير الوجود ، ويحصل اللطف الملازم للمنهي عنه.

الثاني : أن يكون النهي عنها من جهة مبغوضية المضمون الحاصل هنا الذي يكون فعلا تسبيبيا ، كما في النهي عن بيع المسلم والمصحف للكافر بحيث أن تملك الكافر لهما يكون مبغوضا فيكون التمليك مبغوضا.

ولا يدل هذا القسم أيضا على الفساد ، لامكان اشتمال الجعل وتأثيره في الخارج ـ على تقدير الوقوع ـ على المصلحة وان كان ما يتوصل به اليه مبغوضا.

الثالث : أن يكون النهي عنها من جهة مبغوضية التسبب بها الى الاثر وان لم يكن في وجودها ـ من حيث كونها فعلا ولا في السبب منها ـ مفسدة أصلا بل كان مشتملا على المصلحة من هذه الجهات ، إلاّ أنّ التسبب به الى المبغوض يكون مبغوضا.

ويمكن أن تكون حرمة الظهار من هذا القبيل بناء على أن لا تكون الحرمة من جهة كونها فعلا كما في الاجنبية مثلا ، ولا في أثرها وهو حرمة الزوجة كما في منذورة الترك ، بل من جهة التوصل اليها من هذا الطريق.

وهذا القسم لا دلالة له على الفساد ايضا ولا ملازمة بينهما عقلا وعرفا. هذا ما أفاده الاستاذ دام ظله العالي.

إلاّ انّ جعل السببية مع كون التسبب بالسبب مبغوضا محل اشكال ، إلاّ أن تكون حرمة التسبب به عارضية لا لازمة لها في جميع الموارد ، وإلاّ : فامّا ان لا تجعل السببية أصلا لو كان السبب مبغوضا دائما ؛ أو لا يكون التسبب مبغوضا أيضا. وهذه الملازمة تكون عرفية لا عقلية.

الرابع : أن يكون النهي من جهة حرمة الآثار المطلوبة [ منها ] (١) بحيث

__________________

(١) في الاصل الحجري ( عنها ).

٤١٨

تكون حرمتها ثابتة لها بقول مطلق غير مختصة بوجه دون آخر كالنهي عن بيع الكلب لحرمة ثمنه ، وحيث انّ حرمة الآثار ثابتة على جميع التقادير فيستكشف منه عدم تأثير المعاملة في الملكية بحيث لو كانت مؤثرة لما كانت هذه الآثار محرّمة.

ولا يقاس بالقسم الثاني ، فانّ المبغوض هناك هو نفس الملكية الحاصلة وفيما نحن فيه هو آثارها من جهة عدم حصول ما كان مترتبا عليها. ومن هنا ظهر الفرق بين القسمين واستلزام أحدهما الفساد دون الآخر.

الخامس : أن يكون النهي ارشادا الى فقدان المعاملة لبعض ما يعتبر في صحتها جزءا أو شرطا ، وناظرا الى اطلاق دليل الصحة ، فلا محالة يكون مقيدا لاطلاقه ؛ ولا ريب في كشفه عن الفساد.

اذا عرفت ما ذكرنا من الاقسام فاعلم : أنه مع عدم القرينة على [ أحد ] (١) الوجوه يكون النهي ظاهرا في القسم الاول من حرمة المعاملة من جهة كونها من جملة الافعال. إلاّ أنه لا يبعد دعوى الغلبة في المعاملات على دلالته على فسادها ، امّا لظهورها في القسم الثالث من تعلقه بها من حيث التسبب بها الى الاثر ـ مع الالتزام بالفساد حينئذ ـ للملازمة بين النهي عن التسبب تحريما وفساد المعاملة عرفا ؛ أو في القسم الخامس ـ من كونه للارشاد الى الفساد ـ بقرينة كون النهي في المعاملة في سياق الامر الظاهر في الارشاد الى النفوذ. وعلى أي حال فدعوى كشف النهي عن فساد المعاملة ليست ببعيدة.

نعم هذه الدعوى انما كانت مسلّمة في خصوص المعاملات بالمعنى الاخص لا المعاملات بالمعنى الأعم ، كما ربّما يظهر من استدلال الشيخ (٢) لعدم حصول

__________________

(١) في الاصل ( حد ).

(٢) المبسوط ١ : ١٧.

٤١٩

الطهارة بالاستنجاء ببعض الاشياء على النهي عنه بها بحيث يظهر منه العموم ، لأنه ـ مضافا الى عدم تسليمه في خصوص الاستنجاء لاحتمال كون النهي عن الاستنجاء ببعض الاشياء للحرمة الذاتية من جهة الاحترام وغيره لا الارشاد ـ لا يصح في غيره قطعا ، لعدم القرينة في غير الاخص ، وهو ما عرفت من كون النهي في سياق الامر الظاهر في الارشاد لعدم الامر فيها كذلك ، ولا أقل من عدم الاستقصاء ، فكيف يدّعى كون النهي للارشاد عموما؟ هذا اذا تعلقت صيغة النهي بالمعاملة.

والظاهر جريان النزاع فيما تعلق لفظ الحرمة أيضا ، وان أمكن دعوى أظهريته في خصوص الحرمة الذاتية ساكتا عن الفساد وعدمه عن الصيغة ، لغلبة استعمالها بدواعي أخر غير داعي الوصلة الى مجرد الترك خارجا ـ خصوصا في المعاملة ـ دونه بغلبة استعماله بداعي الوصلة الى الترك خارجا مطلقا.

٣٤٣ ـ قوله : « فاذا أجاز فهو له جائز (١) ». (٢)

أقول : ومنه ما رواه الكليني (٣) بطريق فيه موسى بن بكير والصدوق (٤) عن زرارة مرسلا عنه عليه‌السلام : « سألته عن رجل تزوج عبده امرأة بغير اذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك الى مولاه ان شاء فرق بينهما وان شاء أجاز نكاحهما ، فان فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلاّ أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، وان أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الاول. فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فانه في اصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : انما أتى

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٧٨ باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ، الحديث ٣ ؛ من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٥٠ باب طلاق العبد ، الحديث ٤.

(٢) كفاية الاصول : ٢٢٦ ؛ الحجرية ١ : ١٥٥ للمتن و ١ : ١٦١ للتعليقة.

(٣) الكافي ٥ : ٤٧٨ باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ، الحديث ٢ ، لكن باختلاف يسير بينه وبين من لا يحضره الفقيه.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٨٣ باب المملوك يتزوج بغير اذن مولاه ، الحديث ١.

٤٢٠