تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

فظهر مما ذكرنا : انّ القول باشتراك الخطابات القرآنية والخطابات الواردة في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام للغائبين بل المعدومين مما لا بأس به ، غاية الامر تكون الخطابات الايقاعية بالنسبة الى المشافهين خطابا حقيقيا أيضا وبالنسبة الى غيرهم مجرد بيان انشاء الاحكام لهم ، كي يثمر في الفعلية بعد وجودهم واجتماعهم [ مع ] الشرائط.

نعم لو دل دليل على وضع الادوات للخطاب الحقيقي فلا مناص عن الالتزام باختصاص الخطابات القرآنية بالمشافهين ، لعدم القرينة على المجاز.

٣٨٥ ـ قوله : « الاولى : حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين ». (١)

لقبح الخطاب [ بما ] (٢) له ظاهر مع ارادة خلافه بلا قرينة ؛ دونه على القول بعدم الشمول ، فانّه لا يجوز لهم التأويل على الظهور لعدم قصد فهمهم منها ، بل يجب عليهم الفحص والاجتهاد في تحصيل ما فهمه الموجودون المخاطبون ثم العمل على ما هو حاصل الفهم عندهم بأدلة الاشتراك.

وفيه : اولا : انّه قد قرر في محله انّه لا فرق في حجية الظهور بين من قصد افهامه بالخطاب وبين غيره ؛ والفرق بينهما خارج عن منهج السداد وطريقة أرباب المحاورات عند كشف المقاصد عن الخطابات.

وثانيا : لا ملازمة بين اختصاص الخطاب بالمشافهة وبين كونه مقصودا بالفهم فقط ، وحينئذ فيمكن كون الخطاب مخصوصا بالمشافهين ، مع كون المقصود بالفهم أعم منهم ومن المعدومين ، فلا تظهر الثمرة.

٣٨٦ ـ قوله : « الثانية : صحة التمسك باطلاقات الخطابات القرآنية بناء على

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٦٩ ؛ الحجرية ١ : ١٨٦ للمتن و ١ : ١٩٠ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( لما ).

٥٠١

التعميم ». (١)

من غير فرق بين اتحادهم في الصنف مع الحاضرين وعدمه ، بل ولو كان فهمهم مخالفا لفهم المشافهين فيما لم يكن اختلاف الفهم مستندا الى اختلاف الوضع مثلا بالنقل ونحوه ؛ دونه على القول بالعدم فانّه يجب عليهم العمل بتكليفهم الثابت لهم مع اتحاد الصنف.

وامّا مع الاختلاف في الصنف أو الشك فيه فلا ، لعدم دليل على الاشتراك من الضرورة والاجماع في هذه الصورة ؛ والمفروض عدم تعرض الدليل لتكليف المعدومين أيضا.

وفيه : على تقدير اختصاص الحكم ـ المتضمن له الخطاب ـ بالمشافهين واحتياج الاشتراك الى احراز اتحاد الصنف ؛ انّه يثبت الاتحاد بعد نفي ما يشك دخله في الحكم في المشافهين باطلاق الخطابات ـ ولو على عدم الشمول لما عرفت من حجية الظواهر ـ لغير من قصد افهامه أيضا ، فعند اثبات الحكم لهم بالظواهر ونفي ما يشك دخله للحاضرين يستكشف الاتحاد ، فيثبت الحكم لهم بلا اشكال.

هذا انما هو في الادلة المتضمنة للاحكام الواقعية.

وكذا الكلام في الادلة المثبتة للاصول العملية من الاستصحاب وغيره ، حيث انّه بعد تعيّن ظهور اللفظ في مثل « لا تنقض » في خصوص الشك في الرافع أو الأعم منه ومن الشك في المقتضي بعد الحكم بسبب حجية الظهور بعدم دخل قيد آخر من الحضور ونحوه في الحكم ، يحكم بثبوت هذا الحكم للمعدومين في زمان الخطاب أيضا بأدلة الاشتراك ، فتدبر.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٠ ؛ الحجرية ١ : ١٨٦ للمتن و ١ : ١٩٠ العمود ١ للتعليقة.

٥٠٢

نعم ان قلنا بالعدم إلاّ لمن قصد افهامه بالخطاب كما عليه القمّي (١) رحمه‌الله فيشكل التمسك بالظواهر ويحتاج ثبوت التكليف للمعدومين الى دليل من الخارج على تعيين حكم الحاضرين ، ودليل آخر على الاشتراك من اجماع وضرورة ، وحينئذ فمجرد دليل الاشتراك لا يكفي في ثبوت التكليف لهم مع الشك في ثبوته للحاضرين مطلقا أو مشروطا بشرط كانوا واجدين له دون المعدومين.

ولا يلزم من ذلك هدم أساس الشريعة على ما توهم ، للعلم بعدم اعتبار كثير مما ربما يتوهم اعتباره مطلقا أو في غالب الاحكام ، كمجرد الحضور في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فانّه يقطع بعدم اعتباره في الغالب ؛ ففي النادر لو شك فيه لم يلزم منه بأس. نعم بناء على حجية الظواهر لغير من قصد افهامه بالخطاب أيضا ، يرتفع الشك بالاخذ بظاهر الخطاب المتوجه اليهم من عموم واطلاق ونحوهما.

فان قلت : ربما يشكل احراز الاطلاق فيما كان الشك في اعتبار شيء في التكليف كانوا واجدين له دون غيرهم ، لعدم جريان مقدمات الحكمة مع كون الصفة المحتملة هو المتيقن في مقام التخاطب بل مطلقا ـ بناء على عدم قبح توجيه الخطاب المشروط مطلقا فيما كان المكلفون المخاطبون بجميعهم واجدين للشرط ـ فمع احتمال ذلك لا يتمّ الاطلاق بمقدمات الحكمة في اثبات الصغرى.

نعم لو كان ظهور عموم وحقيقة في البين لا بأس بالتمسك بهما ، وامّا في موارد الاطلاق فلا يجدي دليل الاشتراك إلاّ في بعض الصور.

قلت : انّ المشكوك الاعتبار الثابت للحاضرين دون من عداهم على أنحاء :

منها : ان يشك في دخل مجرد زمان الحضور في الحكم بلا دخل للحاضرين

__________________

(١) القوانين المحكمة ١ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

٥٠٣

فيه بحيث لو كانوا في زماننا أيضا لم يثبت لهم ، كما انّ المعدومين لو كانوا في زمانهم لثبت لهم أيضا. وفي الحقيقة يرجع هذا الشك الى الشك في انتهاء أمد الحكم وانقضاء مصلحته ، وحينئذ فان كان اطلاق بحسب الزمان ، وإلاّ فلا يجدي مثل قوله [ عليه‌السلام ] : (١) « حلال محمد حلال [ ابدا ] الى يوم القيامة وحرامه حرام [ ابدا ] الى يوم القيامة » (٢) لظهور كونه في مقام بيان عدم نسخ شريعته المشتملة على مجموع الاحكام في قبال نسخ الشرائع الاخرى ، لا في مقام عدم نسخ كل شخص من الحكم. نعم استصحاب عدم النسخ مما لا اشكال فيه.

ومنها : أن يشك في اعتبار عنوان خاص من مثل صفة الحضور ـ أي حضور الامام ـ ونحوها المتحقق للحاضرين دون غيرهم بلا دخل خصوصية فيهم ولا لزمانهم ، بحيث لو كانوا في زمان الغيبة لم يثبت الحكم لهم ، كما انّ المعصوم عليه‌السلام لو كان حاضرا في زماننا هذا لثبت الحكم لنا أيضا.

ومنها : أن يشك في اعتبار عنوان مجمل ثابت لهم دون غيرهم بلا خصوصية فيهم ولا لزمانهم أيضا.

والفرق بينه وبين سابقه [ هو ] بمجرد معلومية العنوان المشكوك الدخل وجهالته.

وهذان القسمان بعد اشتراكهما في عدم كفاية دليل الاشتراك في رفع الشك يجدي فيهما الاطلاق لو كان ، ومع عدمه فالمحكّم استصحاب بقاء الحكم الثابت في السابق بناء على المسامحة في الموضوع بجعله نوع المكلفين لا اشخاصهم.

ومنها : أن يشك في اختصاص الحكم باشخاص الحاضرين بخصوصهم بلا دخل لعنوان خاص أو عام ممكن الزوال عنهم ، بل المخصص نفس وجوداتهم

__________________

(١) في الاصل الحجري ( تعالى ).

(٢) الكافي ١ : ٥٨ باب البدع والرأي والمقاييس الحديث ١٩.

٥٠٤

الخاصة بحيث لم يكن الحكم ثابتا للمعدومين ولو كانوا في زمانهم أيضا ، كما أنه لا ينفك عنهم ولو كانوا في زمان المعدومين أيضا ؛ ولا يصح التمسك لنفي القيد المشكوك بالاطلاق ، لرجوعه الى الاطلاق بالنسبة الى وجود الموضوع وعدمه.

وهذا القسم وان كان راجعا بالدقة الى الشك في دخل خصوصية غير منفكّة عنهم وغير متحققة في غيرهم أيضا ، إلاّ أنه من المورد المتيقن لجريان الاشتراك من العقل والضرورة والاجماع بلا حاجة الى اطلاق للدليل ، وإلاّ لم يبق مورد لادلة الاشتراك كما لا يخفى ؛ بخلاف غيره من الاقسام فانّه يحتاج ـ مضافا الى أدلته ـ الى اطلاق وعموم ، ولا أقل من الاستصحاب كما عرفت.

٣٨٧ ـ قوله : « وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد معه ». (١)

اشارة الى دفع ما قيل من انّه لا يصح التمسك بالاطلاق فيما كان المشافهون واجدين لما شك في دخله في الحكم ، حيث انّه يدفع القيد بالاطلاق فيما لو كان المراد هو المقيد واقعا لزم نقض الغرض ، لا فيما ليس كذلك كما لو كان المشافهون واجدين للقيد.

وحاصل الدفع : انّ القيد المشكوك ان كان مما يتطرق اليه الفقدان لا يصح الاطلاق مع ارادة القيد ، للزوم نقض الغرض أيضا كما لا يخفى. نعم لو كان الوصف لازما للحاضرين بحيث لا ينفك عنهم لا بأس بالاطلاق حينئذ مع كون المراد في الواقع مقيدا ، ففي مثله لم يثبت الاتحاد بمجرد الاطلاق.

٣٨٨ ـ قوله : « لما افاد دليل الاشتراك ... الخ ». (٢)

وقد عرفت التفصيل ، والكفاية في بعض دون بعض.

٣٨٩ ـ قوله : « كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٠ ؛ الحجرية ١ : ١٨٦ للمتن و ١ : ١٩٠ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٧١ ؛ الحجرية ١ : ١٨٦ للمتن و ١ : ١٨٦ للتعليقة.

٥٠٥

الضمير ». (١)

لا لما في التقريرات (٢) من كون الشك في كون الضمير حقيقة أو مجازا مسببا عن الشك في الحقيقة والمجاز في المرجع بحيث لو عيّن المعنى الحقيقي فيه باجراء اصالة عدم القرينة لتعيّن المجاز في الضمير ، فيكون الاصل في المرجع سببا رافعا للشك في الضمير ومقدما على الاصل فيه كما في الاصل السببي والمسبّبي في الاستصحاب.

لانّه ـ مضافا الى عدم تسبب الشك في أحدهما عن الآخر بل الشك فيهما مسبب عن العلم الاجمالي بارادة خلاف الظاهر في أحدهما ، والى عدم صحته في الظواهر أصلا حيث انها اما منعقدة للالفاظ الواقعة في الكلام عرفا بعد تماميتها أم لا بلا تعليق في انعقادها على شيء آخر ـ يكون المدار في حجية الظواهر هو بناء العقلاء فلا بد من تعيين بنائهم فيها بالرجوع اليهم في الشك السببي والمسبّبي فيها ؛ ولا دليل لفظي فيها كي يقال بتقديم السببي لاستلزامه التخصيص بالنسبة الى المسبّبي ، دون العكس لاستلزامه التخصيص بلا وجه أو على وجه دائر كما في الاستصحاب.

بل لما في المتن (٣) من كون المتيقن من بناء العقلاء على حجية أصالة الظهور انما هو فيما شك في أصل المراد من اللفظ كما في المقام بالنسبة الى المرجع حيث انّه لا يعلم انّ المراد منه العموم أو الخصوص ، لا فيما شك في كيفية الاستعمال من انّه على نحو الحقيقة أو على نحو المجاز بعد القطع بالمراد كما في الضمير في ما نحن فيه ، فانّه لا شبهة في كون المراد منه هو بعض افراد العام ولكنه

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٢ ؛ الحجرية ١ : ١٨٧ للمتن و ١ : ١٩٠ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) مطارح الانظار : ٢٠٨ السطر ٣٦ ـ ٣٧ وص ٢٠٩ السطر ١ ـ ٤ والطبعة الحديثة ٢ : ٢١٠.

(٣) كفاية الاصول : ٢٧٢.

٥٠٦

يشك في كون ذلك البعض تمام المراد من المرجع كي يكون استعمال الضمير فيه حقيقيا ، أو بعضه كي يكون استعماله فيه مجازيا.

إلاّ أن يقال : بكون الشك فيما نحن فيه راجعا الى خصوصية المراد ـ من كونه واجدا لخصوصية كونه تمام المراد من المرجع ـ المعتبرة في الموضوع له أو فاقدا لها. ويلتزم بأصالة الظهور في تعيين الخصوصية أيضا.

ولا يخفى انّه بناء على تمامية ما ذكر ـ من عدم جريان أصالة الظهور في طرف الضمير ـ لا فرق فيه بين كون ظهوره مساويا مع ظهور المرجع ، أو أقوى منه.

ثم انّه بناء عليه لا تلزم المجازية في الكلمة أو في الاسناد في الضمير ، بل يمكن بقاؤه على ظهوره في الرجوع الى تمام المراد من المرجع ، لمصلحة ضرب القاعدة ، غاية الامر يلتزم بعدم الحجية في المقدار المتيقن من الخروج وفي الزائد عليه يكون هو المرجع لو شك في التخصيص ؛ وهذا بخلافه بناء على الاستخدام ، حيث انّه بناء عليه يكون حجة في المتيقن المراد ، لا في المشكوك كما لا يخفى.

ثم انّ الدوران على تقدير تسليمه انما هو بناء على كون الضمير موضوعا للرجوع الى المراد من المرجع بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص بأخذ الارادة في طرف المرجع في ما وضع له الضمير بلا لزوم محذور الدور في أخذ الارادة فيه ، وامّا بناء على كونه موضوعا لما وضع له المرجع فلا دوران كما هو واضح فتأمل.

٣٩٠ ـ قوله : « إلاّ أن يقال : باعتبار أصالة الحقيقة تعبدا ». (١)

هذا انما يصح بناء على المجازية في المخصص المتصل ؛ وامّا بناء على

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٢ ؛ الحجرية ١ : ١٨٧ للمتن و ١ : ١٩١ العمود ١ للتعليقة.

٥٠٧

الحقيقة فيه كما عرفت فلا تجري أصالة الحقيقة مطلقا.

نعم الأولى أن تبدّل أصالة الحقيقة بأصالة عدم القرينة ولو مع الشك في قرينية الموجود كما لا يخفى.

٣٩١ ـ قوله : « فالدلالة على كل منهما ان كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع ». (١)

نعم بعد ما عرفت سابقا من عدم كون المفهوم بالوضع بل بالاطلاق المختلف بحسب المقامات فالتحقيق :

تقديم العام لو كان بالوضع ، لصلاحيته للبيان المتوقف على عدمه الاطلاق لو لا احتفاف المنطوق بما يوجب خصوصية فيه مستلزمة للمفهوم ، وإلاّ فلا بد من متابعة الظهور المنعقد معهما الكلام ولو بخلاف العموم ، ومع عدمه فالمتبع هو ما قرر للكلام المجمل من الحكم.

وامّا لو كانا في كلامين لا يصلح أحدهما طرف ظهور [ للآخر ] (٢) فالمناط في التقديم حينئذ ملاحظة الاظهر منهما مطلقا [ سواء ] كانا بالوضع أو بالحكمة أو مختلفين ؛ فعلى تقدير وجوده لا بد من التصرف في الآخر :

امّا في العام ، بحمله على خلاف العموم.

وامّا في المفهوم ، بالتصرف في منطوقه بنحو لا يدل على الخصوصية المستتبعة له.

لا فيه ابتداء ، كي يرد بعدم قابليته للتصرف لكونه عقليا تبعا للمنطوق على ما قرر في محله.

وعلى تقدير عدمه فيعامل معهما معاملة الكلام المجمل في مقدار

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٣ ؛ الحجرية ١ : ١٨٧ للمتن و ١ : ١٩١ العمود ١ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( لآخر ).

٥٠٨

التعارض.

٣٩٢ ـ قوله : « خارج عن طريقة أهل المحاورة ... الخ ». (١)

فلا يذهب اليه في كلمات الشارع.

وأمارته هل تختص بها الاخيرة أو يشترك معها الباقي؟

[ فيه ] : (٢) خلاف بل أقوال ؛ [ و ] يمكن أن يقع النزاع في مقامين :

الاول : في مقام الثبوت : بأن يكون النزاع في امكان رجوع الاستثناء الى الجميع وعدمه ، كما يظهر ذلك من صاحب المعالم (٣) رحمه‌الله : حيث انّه أوقع النزاع في معنى الاداة ووضعها ، وذكر من باب المقدمة أقسام الوضع من كونه مع الموضوع له خاصين أو عامين أو خصوص الوضع عاما مع كون الموضوع له خاصا ، وجعل بعد ذلك وضع الحروف من قبيل الاخير ، ثم اختار امكان رجوع الاستثناء الى الجميع بعد صلاحية المستثنى لذلك من جهة كون الاخراج من الجميع حينئذ فردا خاصا من مطلق الاخراج فيكون من الموضوع له الاداة.

وكأنّ المتوهم في قباله ـ لعدم الامكان ـ زعم : أنّ الاستثناء من الجميع يستلزم استعمال أداته في اخراجات متعددة ، فيكون في أكثر من معنى واحد ، وهو الممتنع.

والتحقيق ، كما ذكره : انّ معنى الاداة لا يختلف ـ ولا يحصل التفاوت فيه في صورة الاستثناء من الجميع ـ عن حالها اذا كان المستثنى منه واحدا ، ولا يلزم تعدد الاخراج بتعدد المستثنى منه بل الاداة مستعملة في اخراج المستثنى من المستثنى منه ولو كان متعددا ، كما نشاهد بالوجدان عدم حصول التفاوت بعد الاتيان بجمل

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٣ ؛ الحجرية ١ : ١٩٢ للمتن و ١ : ١٩١ العمود ٢ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( ففيه ).

(٣) معالم الدين : ١٢٤.

٥٠٩

متعددة بين قولنا : « إلاّ الفساق » من واحد منها ، أو من الجميع.

ولا فرق في ذلك بين كون الحروف موضوعة لطبيعة الاخراج أو بخصوصياتها التي منها الاخراج عن الجميع ؛ مع انّه قرر في محله انّ المراد من الخصوصية المرادة في معاني الحروف أخذها مقيدة بكونها آلية في اللحاظ لا جزئية في الخارج ؛ ومن المعلوم انّ الآلية في اللحاظ لا يتفاوت فيها بين كون ما يرتبط به معنى الحروف واحدا أو كثيرا.

غاية ما يمكن أن يقال في المحذور : انّ معنى الحرف كان متقوما بآلية اللحاظ وهو لا يتحقق إلاّ باللحاظ الاستقلالي ، ومع تعدده بتعدد الجمل فيما نحن فيه يلزم لحاظات متعددة بنحو الآلية في أداة الاستثناء وهو بحكم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، فلا شبهة في لحاظاته.

ولكن الدفع : انّ لكل من الجمل المستثنى منها لحاظين : أحدهما : لحاظه التفصيلي حين التلفظ به ، وثانيهما : لحاظه ارتكازا عند الاستثناء ، حيث انّ الارتكاز منه باق عنده وإلاّ لم يحصل الارتباط ، ولا يخفى انّ الجميع اجتمع في اللحاظ الارتكازي في الذهن عند الاستثناء ، وهو انما يكون آلة لهذا اللحاظ الارتكازي الاسمي بالنسبة الى الجميع وهو واحد كما في الظرف بعد أفعال متعددة في قولك : « نمت وأكلت وشربت في الدار » ، فلا وجه للاشكال أصلا.

المقام الثاني : في مقام الاثبات فنقول : على تقدير وجود القرينة بالنسبة الى البعض أو الكل لا اشكال فيه ، ومع عدمها فالمتعين هو الاخيرة لعدم الظهور في [ غيرها ]. (١) ومجرد الصلاحية لا يكفي في الظهور.

نعم يشكل أصالة العموم في غير الاول ، لما مرّ مرارا من عدم حجيتها مع

__________________

(١) غير واضح في الاصل.

٥١٠

وجود ما يصلح للقرينة كما فيما نحن فيه ، بل ولو على تقدير جريان أصالة الحقيقة تعبدا ، لعدم المجاز في الاستثناء ؛ إلاّ أن يقال بالتعبد في اجراء أصالة عدم القرينة.

٣٩٣ ـ قوله : « فصل : الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص ». (١)

اختلفوا فيه على أقوال ، أوجهها الجواز ، بعد الفراغ عن حجيته من باب الظن الخاص ؛ ويظهر ذلك بعد دفع ما استدل به للمنع ، وهو وجوه :

الاول : انّ الكتاب قطعي وخبر الواحد ظني ، والقطعي لا يعارض بالظن.

والجواب : انّ المعارضة لم تكن بين سند الكتاب وسند الخبر بل بين دلالة الاول وسند الثاني ، وقد قرر في محله حكومة دليل اعتبار سند الخاص أو وروده على أصالة العموم في العام ـ فيما كان بحسب الدلالة ـ نصا أو أظهر منه.

الثاني : انّ دليل حجية الخبر هو الاجماع ، ولا يشمل ذلك للمخالف للكتاب. والجواب يظهر مما في المتن.

الثالث : الاخبار المانعة عن العمل بالخبر المخالف للكتاب وانّه « باطل » (٢) كما في بعض منها وانّ « كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف » (٣) و « فلم أقله » (٤)

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٤ ؛ الحجرية ١ : ١٩٢ للمتن و ١ : ١٩٢ للتعليقة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٨٩ كتاب القضاء ، باب وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة ، الحديث ٤٨ ؛ بحار الانوار ٢ : ٢٤٤ كتاب العلم ، باب علل اختلاف الاخبار وكيفية الجمع بينها ، الحديث ٥٢.

(٣) الكافي ١ : ٦٩ باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، الحديث ٣. وقد صححنا الفاظ الرواية حسب المصدر.

(٤) الكافي ١ : ٦٩ باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، الحديث ٥. وقد صححنا الفاظ الرواية حسب المصدر.

٥١١

كما في بعض آخر منها ، وانّ الخبر المخالف لا يؤخذ به (١) في بعض آخر ، الى غير ذلك من هذه المضامين.

والجواب :

مضافا الى مخالفة هذه الاخبار المانعة مع ظاهر آيتي النبأ والنفر الدالتين على حجية الاخبار مطلقا فتطرح لكونها مخالفة للكتاب.

والى النقض بالخبر المتواتر اذا كان مخالفا لعموم الكتاب.

وبالمخالف المعلوم الصدور اجمالا من أخبار الآحاد.

انّ هذه الاخبار على طائفتين :

احداهما : ما وردت في مقام العلاج في المتعارضين ، ولا شبهة في كون هذا المقدار من موافقة أحدهما لظاهر الكتاب ومخالفة الآخر مرجحا له عليه ـ بناء على عموم الترجيح بمثله ـ فلا دخل له بما نحن فيه أصلا.

الثانية : ما وردت في مطلق الخبر المخالف ؛ وهذا القسم :

منه ما يدل على عدم صدوره عنهم عليهم‌السلام وانّه زخرف.

ومنه ما يدل على عدم جواز العمل به والتوقف فيه.

ولكنهما بعد عدم كون المعارضة بالعموم والخصوص مخالفة عرفا ، وبعد العلم بمخالفة بعض الاخبار ـ المتواترة والمعلومة الصدور من الآحاد ـ للكتاب مخالفة العموم والخصوص ، لا بد من حملهما :

امّا على بعض الاخبار المنسوبة اليهم عليهم‌السلام الواردة في اصول الدين مثل مسائل الغلو والجبر والتفويض.

أو على صورة المعارضة أيضا.

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٩ باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، الحديث ١ ، وما بعده عدة احاديث.

٥١٢

أو على أنّ المراد انّهم عليهم‌السلام ليسوا بصدد تشريع شرع على حدة في قبال الشرع الالهي ، بل المراد انّه كما يمكن أن تكون بعض الآيات بيان المراد الواقعي لبعض الآيات الأخر كذلك يكون كلامهم عليهم‌السلام المخالف لظاهرها شارحا لها لخفاء دلالتها على غيرهم عليهم‌السلام.

أو على صورة المخالفة بنحو التباين.

الى غير ذلك من الاحتمالات المنافية للاستدلال بها على المنع عن التخصيص.

وان أبيت إلاّ عن ظهورها في المنع عن العمل بالخبر المخالف لظاهر الكتاب فلا أقل من الحمل على أحد هذه الوجوه توفيقا بين الادلة وقطعا لمحذور القطع بصدور الاخبار المخالفة.

ويكشف عما ذكرنا كله جريان السيرة على العمل بخبر الواحد في مقابل العمومات القرآنية.

الرابع : انّه لو جاز التخصيص بخبر الواحد لجاز النسخ به ، واللازم مخالف للاجماع.

بيان الملازمة : اشتراك النسخ معه في كونه تخصيصا في الأزمان ومخالفا لظاهر اطلاق دليل المنسوخ في الاستمرار كخبر الواحد المخصص لعموم الكتاب ؛ هذا مع جريان وجه الجواز من كونه جمعا بين الدليلين فيه أيضا.

والجواب : المنع عن قيام الاجماع على عدم جواز النسخ به ، حيث انّه متقوم [ بما ] (١) كان سنده الوجوه الضعيفة المذكورة في منع التخصيص ؛ وعلى تقدير التسليم فان كان الاجماع شاملا للتخصيص فالأولى التمسك به ، لا القياس ؛

__________________

(١) في الاصل الحجري ( بمن ).

٥١٣

ومع عدم الشمول فهو الفارق ؛ مضافا الى الفارق في نفسه وهو ما قيل من ندرة النسخ وشيوع التخصيص ، فيكون أولى.

٣٩٤ ـ قوله : « وبيانا لمراده من كلامه ، فافهم ». (١)

لعله اشارة الى انّ جعل المخالفة بهذا المعنى ينافي جعله ضابطا للمخاطبين في مقام العمل ، فلا بد من حمل المخالف على معنى يمكن للمخاطب تعيين مصاديقه.

٣٩٥ ـ قوله : « وذلك لانّ الخاص ان كان مقارنا مع العام ». (٢)

كأن كان صدور كل منهما من امام أو كانا من امام واحد ، مع كون الخاص بالفعل أو التقرير. ولا اشكال في هذه الصور في الحكم بتخصيص العام بلا وجه للنسخ.

٣٩٦ ـ قوله : « أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به ». (٣)

ولا يخفى : انّ تعيين التخصيص في هذه الصورة انما هو بناء على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإلاّ ـ كما هو التحقيق ـ فيكون حاله كما بعد الحضور في حصول الدوران.

ووجه جوازه : انّه يمكن أن يكون المقتضي للحكم الواقعي في وقت ثابتا ولكن مع وجود المانع ؛ ومن المعلوم انّه يمكن أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عالما بوجود المقتضي و [ أنشأ ] (٤) الحكم على طبقه واختفى عليه المانع لمصلحة من المصالح ثم ينكشف له المانع أو ينكشف له انّ المصلحة في مجرد الانشاء لا في مرتبة

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٦ ؛ الحجرية ١ : ١٩٣ للمتن و ١ : ١٩٣ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٧٦ ؛ الحجرية ١ : ١٩٣ للمتن و ١ : ١٩٤ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ٢٧٦ ؛ الحجرية ١ : ١٩٣ للمتن و ١ : ١٩٤ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( انشاء ).

٥١٤

الواقع فيخبر ( بالفتح ) من هذه الجهة ، بل يمكن أن يكون عالما بهذه الكيفية ولكن كانت المصلحة في الاخفاء ، كما سيجيء في النسخ بعد حضور وقت العمل.

٣٩٧ ـ قوله : « وان كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا ». (١)

واذا لم يعلم انّ صدور العام لبيان الحكم الواقعي أو لبيان الحكم الظاهري فيدور الامر بين كون الخاص ناسخا أو مخصصا ، ولا يبعد أن يقال : بتقديم النسخ في هذه الصورة بايداع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الناسخ عند الامام بأن يظهره عند تمامية أمد الحكم الواقعي ، حيث انّه بناء على النسخ يكون ظهور العام ـ في كون وجه صدوره لبيان الحكم الواقعي الأولي ـ مع ظهوره في الاستيعاب باقيا بحاله ، بخلافه بناء على التخصيص.

لا يقال : بناء عليه يكون ظهوره في العموم الاستمراري بالنسبة الى الافراد التي تكون محكومة بحكمه باقيا بحاله ، فيتعارض الظهوران في طرف العام.

لأنّا نقول : انّ أصالة الظهور في الاستمرار الزماني ليست بحجة بالنسبة الى الفرد الخاص ، للعلم بعدم ارادته من العام بعد الظفر بالخاص من حين وروده أو من أول الامر فتبقى أصالة الظهور في العموم الافرادي بحالها. نعم لو كان الخاص ظاهرا في ثبوت حكمه من ابتداء الشريعة لكان أقوى من العام فيحكم بالتخصيص.

ففي الحقيقة يقع التعارض بين ظهور الخاص في ثبوت حكمه من أول الشريعة وظهور العام في كون جهة الصدور هو بيان الواقع ، وبين ظهوره في العموم الافرادي ، ولا اشكال في تقدم التخصيص حينئذ على النسخ مع ما هو المسلّم من غلبة التخصيص على النسخ ارتكازا ، فيوجب أظهرية الخاص انشاء. نعم في مورد

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٦ ؛ الحجرية ١ : ١٩٣ للمتن و ١ : ١٩٤ للتعليقة.

٥١٥

عدم ظهور الخاص إلاّ على ثبوت حكمه من حين وروده ، فيتوقف بينهما كما لا يخفى.

ثم انّه لا بأس بالتخصيص من جهة استلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة ، حيث انّ القاء الكلام بنحو العموم ـ مضافا الى كونه ذا صلاح في نفسه من جهة ضرب القاعدة ـ يكون مشتملا على المصلحة في افادة الحكم الظاهري على طبق العام ، من مثل التسهيل والترغيب في الاسلام في صدر الاسلام كما في غالب الاحكام ؛ ثم اذا ارتفع الصلاح أو المانع عن اظهار الحكم الواقعي فيظهر التخصيص ، كما في غالب المخصصات الواردة في كلمات الائمة عليهم‌السلام بالنسبة الى العمومات الصادرة في الكتاب والسنة النبوية.

٣٩٨ ـ قوله : « وإلاّ لكان الخاص أيضا مخصصا له ». (١)

يعني على تقدير ورود العام لبيان الحكم الظاهري أيضا بالنسبة الى بعض الافراد لتأتّى الدوران بين التخصيص والنسخ ، والرجوع الى الاكمل لو كان ، والقواعد الاخرى مع عدمه.

٣٩٩ ـ قوله : « وان كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص ... الخ ». (٢)

فانّ الخاص في دلالته على ثبوت حكمه في جميع الازمان أظهر من دلالة العام على ثبوت حكمه لجميع الافراد حتى الخاص ، أو العكس ؛ فلا اشكال في التخصيص في الاول والنسخ في الثاني.

ومن أسباب الاظهرية غلبة التخصيص ، وندرة النسخ لو كان ارتكازيا ، ومع عدمه فيعامل معه معاملة المجمل بلا ترجيح للتخصيص على النسخ ، لكونه نحو تخصيص في الازمان أيضا ، مع اشتراكهما في ارتكاب خلاف الظاهر في كل منهما ؛

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٦ ؛ الحجرية ١ : ١٩٣ للمتن و ١ : ١٩٦ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٧٦ ؛ الحجرية ١ : ١٩٣ للمتن و ١ : ١٩٥ للتعليقة.

٥١٦

ولكن الاظهر هو التخصيص.

وتوهم : لزوم تقديم البيان بناء عليه.

مدفوع : بعد استلزامه المرجوحية ، حيث انّ صفة البيانية في الخاص تكون متأخرة عن العام وان كانت ذاته متقدمة عليه ؛ ولا محذور في ذلك.

ثم لو كان ورود العام قبل حضور زمان العمل بالخاص فيأتي الدوران أيضا بناء على جواز النسخ قبل الحضور كما عرفت.

٤٠٠ ـ قوله : « وأما لو جهل وتردد ... الخ ». (١)

ولا فرق بين أن يكون كلاهما مجهولي التاريخ أو أحدهما ، لعدم جريان أصالة التأخر في المجهول التاريخ : امّا اولا : فلما تقرر في الاستصحاب من عدم جريانه في المجهول التاريخ ؛ وامّا ثانيا : فلعدم ترتب أثر شرعي عليه.

واثبات صفة التأخر حتى يثبت به النسخ ـ مع انّه مثبت ـ ليس بذي أثر شرعي كما لا يخفى.

٤٠١ ـ قوله : « وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع الى الاصول العملية ». (٢)

وفيه : اولا : انك عرفت تقدم التخصيص على النسخ في جميع الصور المحتملة ، سواء كان الخاص مقدما على العام أو كان مؤخرا عنه فيما كان ظهور الخاص في ثبوت الحكم له من ابتداء الشريعة ، فلا وجه للتوقف. نعم لو لم يكن ظاهرا في ذلك فله وجه.

ثم انّه فيما علم تأخر الخاص وتردد بين كونه قبل حضور زمان العمل بالعام أو بعده لا وجه للرجوع الى الاصول العملية ، للعلم بأنّ الفرد الخاص محكوم بحكمه سواء كان ناسخا أو مخصصا. نعم فيما لو تردد بين كونه مقدما على العام

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٧ ؛ الحجرية ١ : ١٩٤ للمتن و ١ : ١٩٦ العمود ١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٧٧ ؛ الحجرية ١ : ١٩٤ للمتن و ١ : ١٩٦ العمود ١ للتعليقة.

٥١٧

أو مؤخرا عنه ـ وما قدمنا التخصيص على النسخ ـ فللرجوع اليها وجه ، فتدبر.

٤٠٢ ـ قوله : « أو مع عدم اطلاعه على ذلك ... الخ ». (١)

لما ورد في الاخبار كما في اصول الكافي « انّ لله تعالى علمين علم مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ الله وعلم علّمه أنبياءه وملائكته » (٢) ففي مثل هذا ينشأ الحكم على طبق المقتضي أو المصلحة في نفسه بلا علم لنفسه الشريفة بوجود المانع ثم بعد ذلك يظهر له المانع فيخبر بالناسخ.

ويمكن أن يكون عدم اطلاعه على ذلك ببعض مراتب نفسه الشريفة المتوجهة الى الخلق والمدبرة للعالم العنصري وان كان عالما ببعض مراتبها الاخرى المتوجهة الى الخلق والمتصلة بالعقل الفعال ، بل يكون في تلك المرتبة أشرف من جميع ما سوى الله تعالى وأول ما يستفيض من الواجب ـ بقاعدة الاشرف ـ واسطة في الفيض التي يكون جبرئيل متعلما بتعليمه. نعم يكون الروح الامين واسطة لنزول الوحي على قلب سيد المرسلين ببعض مراتب نفسه الشريفة المدبرة للكائنات الناسوتية ، فلا ينافي نزول الفيض من الملك الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقاعدة نزول الرحمة أولا الى الاشرف ، للزوم الطفرة بدونه.

وحينئذ فلا بأس بالالتزام بخفاء الاحكام الواقعية ببعض مراتب نفسه الشريفة وان كان عالما ببعض مراتبها الاخرى ، ويلتزم بالبداء الحقيقي بالنسبة اليه صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلاّ بالنسبة اليه تعالى والى المقام العالي له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يلزم الجهل فيه تعالى ولا تغيير الارادة ، بل الارادة الحقيقية منه تعالى كانت على وفق الناسخ ؛ والموافق للمنسوخ ليس إلاّ مجرد الحكم الصوري ؛ كما انّ المصلحة

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٧٨ ؛ الحجرية ١ : ١٩٤ للمتن و ١ : ١٩٦ العمود ١ للتعليقة.

(٢) الكافي ١ : ١٤٧ كتاب التوحيد باب البداء ، الحديث ٨ ؛ باختلاف يسير.

٥١٨

الواقعية في الفعل انما كانت على طبق الناسخ في زمان النسخ ، والمصلحة في المنسوخ انما كانت في انشاء الحكم الصوري ؛ فلا استحالة في النسخ لا ثبوتا ولا اثباتا.

ثم انّ بعض إخبارات الانبياء المنكشف الخلاف بالنسبة الى التكوينيات انما كان من قبيل النسخ في التشريعيات في تمام الجهات حرفا بحرف بلا محذور و [ استحالة ]. (١)

كما انّ النسخ مطلقا انما هو بالنسبة الى لوح المحو والاثبات الذي يعبر عنه بالقضاء القدري ، وامّا بالنسبة الى اللوح المحفوظ الذي يعبر عنه بالقضاء الحتمي فالمحفوظ فيه هو المطابق للارادة الحتمية منه تعالى التي اذا تعلقت بشيء يكون ، ولا يمكن التخلف [ عنها ]. (٢)

ويمكن أن يقال : انّ اللوح المحفوظ هو النفس النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المقام الأعلى أيضا.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( استحالته ).

(٢) في الاصل الحجري ( منها ).

٥١٩
٥٢٠