تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

للوجهين الاوّلين ، بل يكون ذلك مما لا بد منه فيهما ، أيضا لانّ ارادة الجامع ليس من لوازم المفهوم بل من لوازم استقلال كل من الشرطين في التأثير وان لم نقل به.

نعم بناء على الوجه الثالث من جعل كل من الشرطين جزء المؤثر فلا داعي الى هذا التصرف ؛ وحينئذ فالأحسن هو ارادة الجامع مع بقاء المفهوم بحاله ، لعدم التعارض حينئذ.

٣٥٦ ـ قوله : (١) « وبقاء الآخر على مفهومه ... الخ ».

لا يخفى انّ مجرد رفع اليد عن المفهوم في أحدهما مع بقاء الآخر على مفهومه لا يجدي في رفع التعارض ، بل لا بد من تقييد اطلاق المنطوق في ذلك أيضا حتى يرتفع التعارض في البين كما أشرنا الى هذا الوجه وأشار اليه الاستاذ طاب ثراه في حاشيته (٢) في هذا المقام بقوله : « ولازمه تقييد منطوقها بمفهوم

__________________

(١) هناك مقطع من متن الكفاية بعد قول الآخوند : « بعنوانه الخاص فافهم » ( الآنف ) وقبل قوله : « الامر الثالث » ( الآتي ) لم يرد في بعض النسخ المعتمدة من الكفاية وورد في نسخ اخرى معتمدة ايضا. وهذا المقطع عليه تعليقة للمحقق القوچاني ـ وهي المشار اليها برقم ٣٥٦ ـ وتعليقتين للمشكيني ، فاحببنا ان نورد هنا هذا المقطع المحذوف اتماما للفائدة.

المتن المحذوف :

« واما رفع اليد عن المفهوم في خصوص احد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لأن يصار اليه إلاّ بدليل آخر ، الاّ ان يكون ما أبقى على المفهوم أظهر ، فتدبر جيدا ».

راجع الكفاية الحجرية المحشاة بحاشية القوچاني ١ : ١٦٢ للمتن و ١ : ١٦٦ العمود ١ للحاشية ؛ وكذلك راجع الكفاية الحجرية المحشاة بحاشية المشكيني ١ : ٣١٤ والطبعة الحديثة ٢ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧. واما الكفاية طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام : ٣٠٢ وطبعة جماعة المدرّسين : ٢٣٩ فلم تذكرا المتن الآنف ، فهو محذوف من هاتين الطبعتين. ولعل الانسب حذفه ، فالاصفهاني قدس‌سره في نهاية الدراية ٢ : ٤٢٢ يذهب الى انه قد شطب على هذه الفقرة في النسخة المصححة ، على ان السيد الحكيم قدس‌سره لم يذكرها اصلا في حقائق الاصول ، اضف الى ذلك ان هذا المقطع هو وجه خامس من وجوه تعدد الشرط قالوا بسقوطه ، ونسبوه الى السرائر ( السرائر ١ : ٣٣١ ).

(٢) لا توجد حاشية للآخوند على هذا الموضع من نسخ الكفاية المتداولة ، ولعلها على نسخة مصححة بقلم الآخوند رحمه‌الله نفسه اطلع عليها القوچاني وكذلك المشكيني ( راجع الكفاية مع حواشي المشكيني الطبعة الحديثة ٢ : ٢٩٦ ) ؛ ولعل قوله : « ولازمه تقييد منطوقها بمفهوم الآخر » هو من جملة الفقرة التي شطب عليها الآخوند في النسخة التي يقول عنها نهاية الدراية في ٢ : ٤٢٢.

٤٤١

الآخر » أي بسبب مفهوم الآخر.

إلاّ أنّ الأحسن أن يقال : « بمنطوق الآخر » ، مع عدم الالتزام بالعلية أيضا ، بأن يكون مفاد احدى القضيتين ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط عند وجود الشرط الآخر وتأثيره في الجزاء كما عرفت ؛ ولكنه تصرف لا يصار اليه إلاّ بالدليل.

٣٥٧ ـ قوله : « الامر الثالث : اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ... الخ ». (١)

أقول : انّ الجزاء :

ان لم يكن مما يقبل التعدد كقتل شخص زيد المسبب عن ارتداده وعن المقاصّة وغيرهما ، أو لم يكن أيضا مما يقبل الشدة والضعف ولو في خصوص مقام ، فلا اشكال في تداخل الاسباب في التأثير عند التوارد دفعة واستقلال السابق عند التعاقب ؛ وان كان قابلا لذلك ، فيكون الوجوب الشديد ـ مثلا ـ الى الجميع عند التوارد ، وأصل الوجوب الى السابق وشدته الى اللاحق عند التعاقب ، ويكون كل منهما مؤثرا حينئذ.

وان شئت سمّ ذلك تداخلا من جهة استناد الوجود الى الجميع ، وان شئت سمّه بعدمه من جهة التأثير الفعلي من كل واحدة مرتبة من الاثر. نعم لا بأس بتسميته تداخلا في المسبب.

وامّا ان كان الجزاء مما يقبل التعدد ، فان كان المسبب عن كل وجوب عنوان غير العنوان المسبب عن آخر فان كان كل منهما مطلقا بلا تقييد بعدم

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٣٩ ؛ الحجرية ١ : ١٦٢ للمتن و ١ : ١٦٦ العمود ١ للتعليقة.

٤٤٢

اجتماعه مع الآخر كما في ( اكرام العالم ) المسبب عن سبب و ( اكرام الهاشمي ) المسبب عن الآخر ، فلا اشكال في جواز تداخلهما وسقوط أمرهما باكرام الجميع ، لا من جهة اجتماع الوجوبين فيه فعلا كي يرد بعدم امكان اجتماع المثلين ، بل من جهة انطباق الطبيعتين عليه وكونه متصفا بوجوب واحد مؤكد ، مع صدق الامتثال بكل منهما في مقام الخروج عن العهدة.

نعم لو قلنا بالتقييد في كل من العنوانين بغير مورد الاجتماع فلا بد من عدم التداخل ، إلاّ انّه خلاف ظاهر اطلاق القضية الشرطية ؛ ولا ينافي ذلك ظهورها في تأثير الشرط في وجوب الطبيعة فعلا كما لا يخفى ، ولكن النزاع في غير هذا القسم.

وامّا ان كان الجزاء طبيعة واحدة فيقع الكلام فيه في مقامين :

الاول : مقام الثبوت.

ولا اشكال في كون الوجوب في تلك المرحلة واحدا ولو تعدد الشرط ؛ كما انّه يمكن أن يكون متعددا في هذه الصورة غاية الامر امكان كل على وجه.

بيانه يظهر بمقدمتين :

احداهما : انّه لو كان كل من الشرطين مؤثرا فعليا في الجزاء لحصل من كل منهما ايجاب على حدة ، فيتحقق وجوبان.

وثانيهما : لم لا يمكن كون الطبيعة الواحدة بما هي واحدة قابلة لتعلق ايجابين فعليين ؛ حيث انّ [ للواحد ] (١) الجنسي ولو لوحظ في متعلق الامر وجودها السعي بلا تصرف فيه كما للواحد الشخصي في عدم القابلية للحكمين الفعليين ـ كانا متماثلين أو متضادين ـ مع وحدة الزمان.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الواحد ).

٤٤٣

اذا عرفت ذلك : فمع حفظ المقدمتين لا بد على تقدير تعدد الايجاب الفعلي :

امّا من جعل الجزاء في كل منهما عنوانا مغايرا مع عنوان الآخر.

وامّا من التصرف في الجزاء الواحد بجعله في الشرط الثاني وجودا من الطبيعة غير الوجود الحاصل بالشرط الاول.

كما انّه لا بد ـ بناء على ابقاء الجزاء على ظهوره في الطبيعة الواحدة بما هي واحدة ـ من التصرف في المقدمة الاولى بعدم جعل كل من الشرطين مؤثرا في الايجاب بل الشرط الاول فقط على تقدير التعاقب ، أو الجامع بينهما على تقدير التوارد دفعة ، أو غير ذلك من وجوه التصرف.

الثاني : مقام الاثبات.

أقول : انّ للقضية الشرطية جهات من الظهور :

احداها : ظهورها في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، سواء كان بنحو التأثير ، أو بنحو المعرّفية والامارة على حدوث الجزاء بسببه الواقعي عند حدوثه.

ثانيتها : ظهور كل من القضايا مستقلا في المؤثرية أو في المعرّفية ، لا أن يكون جزءا مؤثرا أو جزء معرّف.

وثالثتها : ظهور كل منها في حدوث أصل الطبيعة عند حدوث الشرط ، لا [ مرتبته ] (١) هاهنا أو فرد منها.

ورابعتها : ظهور الجزاء في كل منها في الطبيعة المرسلة بوجودها السعي ، بلا تقييد فيه بوجود غير وجودها الحاصل بالشرط الآخر.

اذا عرفت ذلك ؛ فلو كان الجزاء في القضايا الشرطية متعددا طبيعة بنحو

__________________

(١) في الاصل الحجري ( مرتبة ).

٤٤٤

يكون كل منها مصادما مع الطبيعة الاخرى فيمكن القول بالتداخل في المجمع مع حفظ ظهور القضية الشرطية من جميع الجهات المذكورة ؛ وان كان المجمع بسبب انطباق العنوانين عليه لا يتصف إلاّ بوجوب واحد مسبب عن الانشائين ، ولازمه كون كل منهما جزءا مؤثرا بالنسبة اليه.

وامّا لو كان الجزاء طبيعة واحدة كما هو المفروض كأن يقال : « اذا نمت فتوضأ واذا بلت » فلا يمكن العمل بتلك القضيتين بما لهما من جهات الظهور المذكورة سواء قلنا بالتداخل أو بعدمه ، حيث انّ القول بالعدم بملاحظة عدم امكان اجتماع الحكمين في الطبيعة الواحدة مستلزم للتصرف في الجزاء بتقييده في كل من الشرطين بوجود غير الوجود الحاصل بالشرط الآخر ، كأن يقال في المثال : « اذا بلت فتوضأ وضوءا آخر مغايرا للوضوء النومي ».

كما انّ القول بالتداخل مستلزم للتصرف في احدى جهات الظهور :

امّا في ظهور القضية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، بأن يحمل على مجرد ثبوته عند حدوثه أعم من الحدوث كما في الشرط الاول أو البقاء كما في الشرط الثاني ، مع رفع اليد أيضا عن ظهور الشرطية في تأثير الشرط فعلا في الجزاء ، لعدم امكانه بالنسبة الى الشرط الثاني بعد حدوثه عند الشرط الاول.

وامّا عن ظهورها في حدوث أصل طبيعة الجزاء عند حدوث الشرط ، بحملها على الأعم منه ومن حدوث مرتبة منها ، كما لو لم يحدث بالشرط الثاني إلاّ تأكد الوجوب الحاصل بالسبب الاول.

وامّا في ظهورها في فعلية التأثير بحملها على الأعم منه ومن التأثير الثاني ، كما في الشرط الثاني.

والحاصل : انّه لا يمكن العمل بالقضية الشرطية عند تعددها بما لها من جهات الظهور كما يمكن الاخذ بها كذلك عند وحدتها ، فلا بد من التصرف.

٤٤٥

وتوهم : صدق الامتثال بالفعل الواحد ولو مع تسليم تعدد الاشتغال بفردين من الطبيعة الواحدة.

مدفوع : بعدم امكان اتحاد الفردين من الطبيعة الواحدة في الوجود الواحد كما هو واضح.

وعدم حفظ الوحدة بجعل الجزاء عند كل سبب عنوانا على حدة كي يمكن تصادقهما ؛ فمع استلزامه الخلف من كون النزاع في الطبيعة الواحدة ـ مع ظهور القضيتين فيها أيضا ـ لا يجدي في التداخل ، اذ لعل العنوانين مما لا يتصادقان في المجمع الواحد.

فقد ظهر مما ذكرنا انّ ظهور الجزاء في نفسه في الطبيعة بما هي طبيعة واحدة ـ الذي لازمه عدم تعلق ايجابين عليها فعلا ـ مما لا ينكر كما في التقريرات (١) ومتن الكفاية (٢) من الالتزام بعدم الظهور في الجزاء في الوحدة والكثرة أصلا ، وانما يكون تابعا للشرط في ذلك [ وهو ] انما يصح في الشرطيات المتصلة ، حيث انّ ظهور الجزاء في ذلك انما هو بمقدمات الحكمة ومنها عدم البيان ـ على الخلاف ـ ، ومع ظهور الشرطية في التعدد فلا تتم المقدمات [ الاّ ] (٣) في الشرطيات المنفصلة التي هي محل النزاع في المقام كما هو واضح.

نعم لا يبعد ان يقال : انّ ظهور الشرط فيما ذكرنا من الجهات أقوى فيكون قرينة على التصرف في ظهور الجزاء في الطبيعة بحمله في كل من الشرطيتين على فرد دون فرد حادث بالشرط الآخر ، ولذلك ترى العرف يبنون على تعدد الجزاء عند تعدد الشرط مع عدم قرينة أصلا ، كما يظهر بالمراجعة اليهم في مقام امتثال

__________________

(١) مطارح الانظار : ١٧٧ السطر ١٢ ـ ١٦ والطبعة الحديثة ٢ : ٥٧ ـ ٥٨.

(٢) كفاية الاصول : ٢٤٠.

(٣) في الاصل الحجري ( لا ).

٤٤٦

الاوامر العرفية.

وامّا بناء على التداخل :

ففي صورة التعاقب لا بد من رفع اليد عن جميع ما للقضية الشرطية الثانية من جهات الظهور.

وفي صورة التوارد عن ظهور كل منهما في الاستقلال في التأثير.

وقد عرفت اقوائية الشرطية في جميع ما لها من الظهور من ظهور الجزاء في الطبيعة. نعم قد يصير الامر بالعكس بالقرينة.

فظهر مما ذكرنا انّ القاعدة عدم التداخل.

٣٥٨ ـ قوله : « لا مجرد كون الاسباب الشرعية معرّفات لا مؤثرات ». (١)

لاجل توهم انّه بناء على المعرّفية لا يستلزم اختبار التداخل التصرف في القضية الشرطية أصلا ؛ ولكنه لا وجه له.

بيانه : انّه لما تقرر في محله من تبعية الاحكام ـ عند العدلية ـ للمصالح والمفاسد على اختلاف بينهم من كونهما في المأمور بها والمنهي عنها أو في نفس الاحكام ، سواء كان المراد بالاحكام هو :

الارادات الشرعية القائمة بذاته تعالى التي تكون فيه تعالى عبارة عن علمه بصلاح الافعال وفسادها ، كما انّ الارادة التكوينية فيه تعالى عبارة عن علمه تعالى بالنظام الأحسن للعالم.

أو الخطابات الانشائية الصادرة في مقام اظهارها على المخاطبين.

أو الاعتبارات القائمة بأفعال المكلفين المنتزعة عن الخطابات من الوجوب والتحريم وغيرهما.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٢ ؛ الحجرية ١ : ١٦٨ للمتن و ١ : ١٦٧ للتعليقة.

٤٤٧

وتقرر أيضا : انّ اختلاف المصالح والمفاسد والحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات ، بحيث يكون الفعل بالاضافة الى شيء حسنا وبالاضافة الى [ آخر ] (١) قبيحا أو في زمان حسنا وفي آخر قبيحا ، بل يكون كذلك ولو على القول بتبعية المصلحة والمفسدة لذوات الافعال ، ولكن بحمله على ارادة خصوصياتها الشخصية كي لا ينافي ما ذكرنا من اختلافها بالوجوه والاعتبار.

فنقول بعد هاتين المقدمتين :

انّ الشروط المترتبة عليها الجزاء في القضايا الشرعية :

يمكن أن تكون في مقام الثبوت من نفس تلك الوجوه والقيود الموجبة لحسن الافعال وقبحها.

ويمكن أن تكون من لوازم تلك القيود.

فعلى الاول يكون الشرط من الاسباب الواقعية ، وعلى الثاني من المعرفات.

وأمّا في مقام الاثبات فيتبع ظهور القضية الشرطية في العلاقة اللزومية بين الشرط والجزاء بنحو وعدمها ، بل في كون الشرط من الامارات الكاشفة عن ثبوت تلك القيود والتي لها دخل في المصلحة والمفسدة.

فاذا عرفت ما ذكرنا فنقول :

امّا اولا : ان أراد القائل ـ بكون الاسباب الشرعية معرفات ـ كونها كذلك في مقام الثبوت فقد عرفت امكان كل من القسمين فيه وعدم اختصاصه بواحد منهما ، وان أراد كونها كذلك في مقام الاثبات فقد عرفت دورانه مدار ظهور القضية في العلاقة اللزومية وعدمها ؛ ومن المعلوم انّ ظهورها في العلاقة المذكورة مما لا

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الآخر ).

٤٤٨

يخفى ، فتكون الاسباب الشرعية من الاسباب الواقعية.

وان أبيت عن ظهورها فيه فلا أقل من عدم ظهورها في الكاشفية أيضا ، فيختلف بحسب الموارد ، فلا يصح دعوى المعرّفية على الاطلاق.

وامّا ثانيا : لو كان مقصود القائل ـ بكون الاسباب الشرعية معرّفات ـ اثبات التداخل من جهة اجتماع لوازم متعددة للشيء الواحد بناء على ما عرفت من كون الكاشف على ذلك لوازم ما كان مؤثرا في المصلحة الدالة على وجوده.

ففيه : أنه مبتن على تعدد اللوازم واقعا كي لا يرتفع الكشف بارتفاع واحد منها بقيام آخر مقامه ، مع انّها في مقام الثبوت مختلفة ، حيث انّه قد ينحصر اللازم في شيء واحد وقد يتعدد ، مع انّ ظهور القضية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط مطلقا كان مسبوقا أو مقارنا مع شيء آخر أم لا مما [ لا ] يخفى ، ولازم ذلك الوحدة والاّ لزم اجتماع العلتين المستقلتين في الكشف الواحد أو وجود الكشفين في زمان واحد بالنسبة الى مكشوف واحد ، وهو محال كما عرفت ذلك بالنسبة الى نفس الاسباب.

فظهر انّ ارجاع الاسباب الى المعرّفات ـ مع أنه خلاف ظاهر القضية ـ لا يجدي فيما هو المهم من اثبات التداخل به.

٣٥٩ ـ قوله : « نعم لو كان المراد بالمعرّفية في الاسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام ». (١)

فليست بعلة غائية ولا فاعلية كما هو واضح ، ولا بمادية وصورية ، فليست بعلة أصلا ، فيكون من قيود الموضوع.

ولكنه يدفع : بأن دخلها في الموضوع موجب لدخلها في المصلحة الداعية

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٣ ؛ الحجرية ١ : ١٦٨ للمتن و ١ : ١٦٩ للتعليقة.

٤٤٩

اليها فكأنها من قبيل العلة الغائية ، وليس المراد من العلة بأزيد منها هاهنا. هذا كله في الشروط المتعددة.

واما الاوامر المتعددة ابتداء كما في قولك : « اضرب اضرب » أو « أكرم أكرم » بلا تعليق على سبب فهل يدل على تعدد الايجاب الحقيقي مثل تعدد القضية السببية أم لا؟

فنقول : انّه لو كان كل منها بملاك على حدة فلا يبعد تعدد الوجوب وان قلنا بكفاية الامتثال الواحد من جهة تداخل المسبب ؛ واما لو كانت بملاك واحد فلا يبعد انّ ظهور المتعلق في الطبيعة بما هي طبيعة واحدة أقوى من ظهور هيئة الامر في الايجاب الحقيقي ، حيث انّه انما كان من جهة ظهور استعمالها في كونه بداعي التوصل الى واقع المتعلق بالارادة الجدّية ، لا من جهة ظهور لنفس المستعمل فيه حيث انّه واحد ولو بناء على كون الوجوب للتأكيد كما قرر في محله.

وامّا ظهور المتعلق فيما ذكرنا فانما هو من جهة ظهور اللفظ ولا اشكال في أنه أقوى من الاول ، فيكون قرينة على كون الانشاء الثاني للتأكيد ، والاهتمام في التوصل به الى المقصود ، حيث انّ التكرار قد يدعو العبد الى الامتثال ، ولا يكون كذلك عند عدمه.

فمن هنا ظهر انّ التأكيد في المقام غير التأكيد في الاسباب ـ بناء على التداخل ـ حيث انّ المراد منه التوصل الى بيان شدة الغرض وتأكد الطلب ، بخلافه فيما نحن فيه ، فانّه يحصل ولو كان الطلب بأول مرتبة من مراتبه ، وكذا ملاكه.

ثم انّ الاصل في المسألة ـ لو لم تكن القضية الشرطية ظاهرة في شيء ـ هل هو التداخل أو عدمه؟

فنقول : انّ الشك تارة : في تداخل الاسباب ، واخرى : في تداخل المسببات.

٤٥٠

وعلى الاول : فان كان الشك في تأثير كل من الاسباب في وجوب على حدة فالاصل عدم الاشتغال بأزيد من الواحد ؛ وان كان الشك في تأثير السبب اللاحق في تأكد الوجوب ـ بعد القطع بعدم حدوث أزيد من واحد بالسبب الثاني وعدمه ـ فالظاهر عدم صحة اجراء أصالة عدم تأثير السبب الثاني حينئذ ، حيث انّ المقصود منه اثبات عدم التأكيد ، ومن المعلوم انّ التأكيد ليس مما يترتب عليه شرعا كي ينتفي بأصالة عدمه.

نعم هو من لوازمه عقلا ، ولا بد في المستصحب من كونه ذي أثر شرعي بنفسه أو بحكمه ؛ وكذلك أصالة عدم التأكد لعدم كونه بنفسه أثرا شرعيا ولا مما يترتب عليه أثر شرعي.

إلاّ أن يقال : بأنّ تأكد الوجوب مجعول بعين جعله ، كما في الوجوب بالنسبة الى الندب ؛ وأمّا أصالة عدم تحقق الوجوب المؤكد بمفاد كان التامة وان كان بنفسه أثرا شرعيا إلاّ أنه لا يثبت به عدم التأكيد بعد تحقق السبب الثاني في شخص الوجوب المتحقق بالسبب الاول إلاّ بالمثبت.

نعم لا بأس بأصالة بقاء شخص الوجوب بحدّه لو شك في ارتفاعه بتحقق السبب الثاني فيما لو كان الشك في حصول التأكيد وعدمه.

وعلى الثاني : أي فيما لو شك في تداخل المسببات بعد القطع بتأثير كل من الاسباب في وجوب على حدة ، فلا اشكال في انّ الاصل بقاء الاشتغال بعد الامتثال بفرد واحد وعدم سقوطه إلاّ بفرد آخر. هذا كله فيما كان المسبب من الاحكام التكليفية.

وامّا اذا كان من الاحكام الوضعية مثل النجاسة كما لو وقع في البئر ما يوجب نزح أربعين دلوا من النجاسات ثم وقعت نجاسة اخرى من هذا الجنس أو من غيره يوجب نزح مقدار آخر لو كان منفردا ، فيشك في تأثيره فيه أيضا في حال

٤٥١

اجتماعه مع النجاسة الاولى وعدمه.

فان كان المراد من النجاسة مجرد التكليف من وجوب الاجتناب مطلقا ووجوب النزح في مثل البئر لا شيئا آخر غيره ، فلا اشكال في كون الاصل عدم حدوث التكليف بالنسبة الى نزح آخر زائدا على ما ثبت وجوبه.

وان كان المراد منها أمرا واقعيا ولو كان مجعولا ، بحيث يكون وجوب الاجتناب والنزح من آثاره فحينئذ نقول :

انّ النجاسة الحادثة بعد الاخرى على تقدير تأثير السبب الطارئ لمّا لم توجب وجودا آخر منها على الاقوى بل توجب شدة وجوبه بالنسبة الى النجاسة الاولى ، فالشك في التأثر يوجب الشك في التأكيد ، والاصل فيه ـ كما عن المشهور ، بعد ما عرفت من عدم جريان أصالة عدم التأثير وأصالة عدم التأكيد وأصالة عدم الوجود المؤكد ، لعدم صحة كل بوجه ـ هو بقاء النجاسة بوجودها السالف ـ لو شك في بقائه وارتفاعه بعد نزح الاربعين ـ باستصحاب الكلي من القسم الثاني ، لتردد الفرد الموجود قبل النزح بين الضعيف الزائل بنزح المقدار الاقل وبين الشديد الباقي بعده ، بل باستصحاب الشخص أيضا كما قرر في محله.

إلاّ أنّ التحقيق : حكومة أصالة بقاء النجاسة الشخصية ـ الثابتة قبل وقوع النجس اللاحق في البئر بحدّها الاوّلي وعدم حدوث الشدة فيها بالسبب اللاحق ـ على استصحاب النجاسة ، حيث انّ لازمه ارتفاعها بنزح الاقل ، ومع ذلك فلا وجه لما ذهب اليه المشهور في تلك المسألة باستصحاب النجاسة ، ولعل مقصودهم اجراء ذاك الاصل فيما كان الشك في تداخل المسببات بعد الفراغ عن تأثير الاسباب ولو لاجل اختلاف الآثار الكاشف عن تعدد التأثير ، وحينئذ : فاذا شك في ارتفاع النجاسة الحادثة بعد وقوع السبب الثاني في البئر فالمحكّم هو أصالة بقاء النجاسة بعد نزح الاقل ، إلاّ مع نزح زائد يوجب اليقين بالزوال.

٤٥٢

فان قلت : انّ الشك في بقاء النجاسة وعدمها يكون مسببا من الشك في حكم تعليقي في المقام وهو طهارة البئر عن نجاسة الكلب على تقدير نزح الاربعين قبل وقوع النجاسة اللاحقة ، حيث انّه يشك في بقائها بنحو التعليق بعد وقوعها أيضا ؛ فباستصحاب الطهارة المتحققة سابقا بنحو التعليق فيما بعد الوقوع يرتفع الشك عن النجاسة السابقة ، لانه يعلم بارتفاعها بالنزح المذكور لقضية المسببية ، ولا اشكال في تقديم الاستصحاب التعليقي ـ في كل مورد يكون جاريا ـ على استصحاب الحكم الفعلي السابقي ، كما في تقديم استصحاب الحرمة على تقدير الغليان في حال الزبيبية بعد ثبوتها حال العنبية على استصحاب الاباحة السابقة فعلا.

قلت : انّ الاستصحاب التعليقي لا يجري ، لاختلاف الموضوع ، حيث انّ موضوعه هو النجاسة المحدودة بالنجاسة الكلبية بما هو كذلك ـ بحسب لسان الدليل والعرف والعقل ـ لا مطلق النجاسة ؛ ومن المعلوم انّ هذه النجاسة على تقدير اشتدادها بنجاسة حيوان آخر لا تكون موضوعة لها بما هي مشتدة.

وبعبارة اخرى : النجاسة المركبة من النجاستين ليست من موضوعه ، فلو حكمت بحكم آخر لما كان نقضا ـ للسابقة المحدودة بحد خاص ـ لا دليلا ولا عرفا ؛ ومن المعلوم انّه لا بد في الاستصحاب من صدق النقض والبقاء على تقدير رفع اليد عن الحكم والعمل به ، وحينئذ فيكون استصحاب بقاء النجاسة جاريا بلا معارض. نعم لو كان الشك في بقاء أصل الحكم التعليقي لنفس النجاسة الكلبية بعروض حالة في البئر بغير النجاسة ونحوه ، فالحكم هو استصحابه.

ولا يخفى : انّ ما ذكرنا من اختلاف الموضوع بالنسبة الى الحكم التعليقي لا ينافي ما هو التحقيق من عدم كون الاشتداد موجبا لتغير الوجود ، بل تبقى الوحدة معه أيضا لانه وان كان لم يوجب تعدد الوجوب دقة إلاّ أنّ الحكم التعليقي ليس

٤٥٣

بثابت لذلك الوجود إلاّ بحدّه الخاص شرعا وعرفا ، فالوجود وان كان واحدا حقيقة إلاّ أنّ الموضوع كان مختلفا عرفا وشرعا.

ثم انّه لا يرد على ذلك بلزوم اختلاف الموضوع بالنسبة الى الحكم اللاحق أيضا ، لانّ الحكم الطارئ المقصود في المقام ـ مثل وجوب الاجتناب والنزح ونحوهما ـ هو من آثار بقاء مطلق النجاسة لا من آثار نجاسة خاصة ، بل يكون حكم نزحه داخلا في غير المنصوص فيأتي كل ما قدّر له من النزح.

٣٦٠ ـ قوله : « الظاهر انّه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا ، لعدم ثبوت الوضع ». (١)

اعلم : انّه يمكن أن يكون الوصف الواحد في مقام الثبوت علة لثبوت نوع حكم في موضوع ، بحيث يدور الحكم في الموضوع مدار الوصف بلا بدل لهذا الوصف في مقام العلية فينتفي الحكم عند انتفائه ؛ ويمكن أن لا يكون الوصف علة أصلا ، أو لا تنحصر العلية فيه على تقديرها بل العلة هي الاوصاف المتعددة ، فلازمه عدم الانتفاء عند انتفائه.

واذا كان كذلك في مقام الثبوت فيقع النزاع في مقام الاثبات : في انّه اذا ثبت الحكم في القضية للموصوف بوصف سواء كان غير معتمد على الموصوف كما لو قال : « أكرم عالما » أو معتمدا عليه كما لو قال : « أكرم رجلا عالما » فهل يدل ذلك على انتفاء سنخ الحكم عند الانتفاء ، أم لا؟ قولان.

ثم انّ اثباته عند القائلين :

امّا بالوضع ، بأن تكون هيئة القضية الوصفية موضوعة لثبوت الحكم للموصوف معلقا على وصفه ثبوتا خاصا يكون لازمه ذلك.

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٤ ؛ الحجرية ١ : ١٦٩ للمتن و ١ : ١٧٤ للتعليقة.

٤٥٤

وامّا بقرينة عامة دالة على ذلك.

وامّا محذور اللغوية ، بحيث لو لا الحمل على المفهوم لكان ذكره لغوا.

وامّا لكون المفهوم أظهر الفوائد.

ولكن الاقوى عدم تمامية هذه الوجوه.

امّا الوضع : فبعد ذكر الوصف في القضايا المتعددة التي لا مفهوم لها قطعا بل كان لفوائد اخرى بلا عناية فيها ولا ملاحظة علاقة ـ بل ولا التفات في غالب الموارد ـ بالمفهوم ؛ فدعواه بعيدة جدا ، بل ممنوعة.

وامّا القرينة العامة : فان كان منشؤها هي الغلبة فمنتفية لعدم غلبة للمفهوم على الفوائد الاخرى ، مع أنّ ملاحظتها ليس بالعناية أصلا.

وان كان الاطلاق بمقدمات الحكمة المتوقفة على كون المتكلم في مقام بيان تمام المناط للحكم في القضية كي يكون الاقتصار في هذا المقام على الوصف المذكور دالا على انتفاء سنخ الحكم ، فمع انّ احراز ذلك في غالب الموارد مشكل فكيف عن الجميع ؛ رجوع الى القول بعدم المفهوم ، حيث انّ ثبوت المفهوم في بعض الموارد عند تمامية مقدمات الحكمة ليس مما ينكر ولا بداخل في محل النزاع كما عرفت في مفهوم الشرط.

وامّا اللغوية : فتتوقف على انتفاء جميع الفوائد غير المفهوم ، وليس كذلك ، حيث انّه :

قد تكون الفائدة اختصاص الموصوف بذلك الحكم في مقام الثبوت ، لانحصار الموضوع فيه ثبوتا ، ولكنه ليس كذلك بمدلول للقضية.

وقد تكون الفائدة الاهتمام بالموصوف أو للعلم بحكم غيره في غير هذا المقام. نعم قد تكون الفائدة هو المفهوم أيضا.

وامّا كون المفهوم أظهر الفوائد : كالاسد الذي تكون الشجاعة من أظهر

٤٥٥

فوائده ؛ ففيه :

انّ نفس الوصف من جملة فوائد الموصوف ، ولا معنى لثبوت فوائد له حتى يكون واحدا منها [ أو ] أظهرها ؛ إلاّ أن يرجع الى انّ المفهوم أظهر فوائد ذكر الوصف وهو ـ مع ما عرفت من اختلاف الموارد بحسب الفائدة وعدم الغلبة في واحد منها ـ محل تأمل بل منع.

والحاصل : انّ دعوى المفهوم في القضية [ الوصفية ] (١) غير بيّنة ولا مبينة ؛ ولا ينافي ذلك مع ما قرر من كون الاصل في القيود احترازية ، ولا مع ما قرر من حمل المطلق على المقيد ، حيث انهما يأتيان على القول بعدم المفهوم أيضا.

أما الاول : فلانّ كون القيود احترازية انما هو في مقام تحديد الموضوع فانّه في طرف المنطوق ـ سواء قلنا بالمفهوم أو بعدمه ـ يوسّع تارة ويضيق اخرى ، ولكن لو لحقه قيد فيوجب تضييقه دائما بناء على أصالة الاحتراز في القيود ، ولازم ذلك وان كان انتفاء الحكم الثابت للموضوع الخاص عن غيره إلاّ أنه ليس من المفهوم ، لما عرفت من انّ انتفاء شخص الحكم في المنطوق عقلي ولو مع كون المستعمل فيه للهيئة كليا ، حيث انّ الطبيعة الثابتة لشخص موضوع لا يعقل بقاؤها من حيث كونها ثابتة له عند انتفائه ، فلا ربط له بالمفهوم الذي هو مدلول اللفظ على القول به.

وأمّا الثاني : فلانّ حمل المطلق على المقيد ـ فيما اذا التزم به ـ انما هو فيما لو كان التكليف واحدا ، ولا اشكال في انّه مع وحدته تقع المعارضة :

بين ظهور دليل المطلق : في كون الموضوع لهذا التكليف هو المطلق الصادق على جميع الافراد الذي لازمه ثبوت الحكم لها بنحو التخيير العقلي.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الشرطية ).

٤٥٦

وبين ظهور دليل المقيد : في كون الموضوع لذلك هو خصوص المقيد ولو لم نقل بثبوت المفهوم له ؛ ولا اشكال في انّه بناء على أظهرية القيد لا بد من حمل المطلق عليه.

فالحاصل : انّ المفهوم في جميع الموارد لا دليل عليه. نعم قد يثبت ذلك في بعضها بالحكمة ، كما لو كان المتكلم في مقام البيان في مثل « في الغنم السائمة زكاة » (١) وحينئذ : فان كان في مقام بيانه بالنسبة الى افراد الغنم فيثبت المفهوم بالنسبة الى معلوفة الغنم فقط ، وان كان في مقام البيان بالنسبة الى كل ما يجب فيه الزكاة من الانعام فيدل على عدم وجوب الزكاة في المعلوفة من الابل أيضا ؛ وامّا السائمة منها فيبتني على استكشافه العلية المنحصرة بوصف السائمة بما هي بلا خصوصية في الغنم فيدل على وجوب الزكاة عن السائمة من غيرها أيضا.

ثم انّ المفهوم على القول به انما هو فيما اذا لم يكن الوصف واردا مورد الغالب ـ بأن يكون في أغلب افراد الموصوف ـ وإلاّ فيحمل على كون ذكره لمجرد التوضيح بالوصف الغالب ، لا أن يكون قيدا للحكم بحيث يوجب اختصاصه بدائرة الوصف. نعم يمكن أن لا يدل الكلام حينئذ على ثبوت الحكم في غير محل الوصف الغالب أيضا ، حيث انّ ذكره ـ على تقدير التنزل عن المفهوم ـ لا يدل على الثبوت في غيره.

وعلى هذا : فيشكل اثبات الحرمة في مثل قوله تعالى : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ ) (٢) لغير ذوات الحجور.

لانه يدفع : بأنّ اثباته انما هو من جهة تعلق الحرمة بقوله : ( رَبائِبُكُمُ ) ولا

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٣٩٩ المسلك الثالث الحديث ٥٠ ؛ ولم نعثر عليه في مصادر الحديث. وفي دعائم الاسلام ١ : ٢٥٧ في ( ذكر زكاة المواشي ) بلفظ : « الزكاة في الابل والبقر والغنم السائمة ... الخ ».

(٢) سورة النساء : ٢٣.

٤٥٧

يخفى انّ الجمع المضاف من ألفاظ العموم ، فبعد عدم تضييق دائرته بالوصف يكون عمومه بحاله.

ثم انّ ما ذكرنا في مفهوم الشرط ـ من كون المنفي في طرف المفهوم ما هو المهم تعليقه عليه لا غيره ـ يجري فيما نحن فيه أيضا ، كما في مثل قولك : « الماء الكر لم ينجسه شيء » حيث انّ الوصف قد يكون علة لاصل الحكم الكلي فيكون مفهومه سالبة كلية ، وقد يكون علة لعموم الحكم لا لاصله فيكون المنفي رفع الايجاب الكلي بحيث لا [ يتنافى ] (١) مع الايجاب الجزئي أيضا.

٣٦١ ـ قوله : « لو لم نقل بأنه الاقوى لكونه بالمنطوق ». (٢)

فيه : انّ مجرد كونه بالمنطوق لا يوجب كونه أقوى من المفهوم [ بعد ] (٣) كون كل منهما بمقدمات الحكمة. نعم لو كان بالوضع لكان ذلك كذلك ، لا مطلقا كما لا يخفى.

٣٦٢ ـ قوله : « وأمّا في غيره ففي جريانه اشكال ... الخ ». (٤)

أي في غير الوصف الاخص سواء كان مساويا للموصوف ، أو أعم مطلقا منه ، أو أعم منه من وجه في غير مورد الموصوف اذا كان فاقدا للوصف.

وجه الاشكال : انّ الموضوع في القضية هو الموصوف المذكور فيها ، فاذا كان أعم من الوصف يكون تعليق الحكم فيه عليه دالا على انتفائه عند انتفاء وصف عن الموضوع المذكور فيها كما هو شأن المفهوم على القول به.

وامّا غير ذلك الموصوف عند فقدانه الوصف ـ كما في سائر الصور ـ فلا ،

__________________

(١) في الاصل الحجري ( ينافي ).

(٢) كفاية الاصول : ٢٤٥ ؛ الحجرية ١ : ١٦٩ للمتن و ١ : ١٧٦ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( بعدم ).

(٤) كفاية الاصول : ٢٤٥ ؛ الحجرية ١ : ١٦٩ للمتن و ١ : ١٧٦ للتعليقة.

٤٥٨

لعدم كونه مذكورا في القضية حتى يدل على انتفائه عنه.

وجه الدفع : انّ المتكلم :

ان كان بصدد بيان علة الحكم في خصوص الموصوف فلا يدل إلاّ على الانتفاء في خصوصه.

وان كان بصدد بيان تمام ما هو الموضوع للحكم مطلقا فيدل على انتفائه عن غير مورد الوصف ولو كان غير الموصوف المذكور في القضية.

ولا فرق في ذلك بين كون الوصف مساويا للموصوف ، أو أعم منه مطلقا ، أو من وجه بالنسبة الى غير الموصوف ؛ لانّ البناء :

ان كان هو ذكر الموضوع ؛ فهو منتف في جميع الصور.

وان كان فقدان الوصف مطلقا ، فهو متحقق في الجميع أيضا ؛ فيختلف الحكم بحسب اختلاف الموارد.

٣٦٣ ـ قوله : « لانسباق ذلك منها كما لا يخفى ». (١)

هذا بناء على كون المغيّا هو السنخ والطبيعة حتى تدل الغاية على انتفاء السنخ لا الشخص ، حتى يكون انتفاؤه عن غير مورد المغيّا عقليا ، لا لفظيا مدلولا عليه بالكلام كما عرفت مرارا.

وتوهم : كون الحكم شخصيا اذا كانت الدلالة عليه بالصيغة ـ من جهة كون الموضوع له والمستعمل فيه أو خصوص الاخير فيها شخصيا ـ كما في الحروف.

مدفوع : بما عرفت : من انّ المستعمل فيه في الحروف ونظائرها عام ، فلا بأس في دلالة الغاية على انتفاء السنخ فراجع.

٣٦٤ ـ قوله : « وان كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به ». (٢)

__________________

(١) كفاية الاصول : ٢٤٦ ؛ الحجرية ١ : ١٧٠ للمتن و ١ : ١٧٧ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ٢٤٦ ؛ الحجرية ١ : ١٧٠ للمتن و ١ : ١٧٧ للتعليقة.

٤٥٩

ولكن الظاهر انّ التحديد اذا كان بملاحظة الحكم يكون دالا على انتفاء سنخه عن غير مورد المغيّا ، لدلالته على المغيّا ، وإلاّ لكان بملاحظة حكمه كما لا يخفى.

ثم انّه لا بد من كون مدخول الاداة ـ مثل كلمة ( حتى ) و ( الى ) ـ نهاية للمغيّا ، سواء كان نهاية حقيقة كما لو كان هو الجزء [ الاخير ] (١) الحقيقي له بحيث [ ينفد بنفاده ] (٢) أو نهاية مسامحة بأن تكون له اجزاء كما في قولك : « سرت الى الكوفة » حيث انّ كون الكوفة نهاية انما هو من باب المسامحة.

٣٦٥ ـ قوله : « وهو أنها هل هي داخلة في المغيّا بحسب الحكم ، أو خارجة عنه؟ ». (٣)

وبعبارة اخرى : هل يكون مدخول مثل كلمة ( حتى ) و ( الى ) داخلا في الموضوع بحيث تكون النهاية المدلول عليها منتزعة حينئذ عن الجزء [ الاخير ] (٤) منه؟ كي لا ينافي ما اتفق عليه من كونهما للنهاية ، أو خارجا عنه؟

حتى تكون النهاية المذكورة منتزعة عن الجزء الآخر للمغيّا المقارن للجزء الاول من المدخول ، وحينئذ فجعله نهاية بلحاظ مجاورته لما ينتزع عنه وهو الجزء الاخير.

والحق أن يقال : انّ المدخول :

ان كان من قبيل الاول الذي عرفت كونه جزءا أخيرا للمغيّا ، فلا اشكال في دخوله فيه موضوعا ، لكون الجزء داخلا في الكل.

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الآخر ).

(٢) في الاصل الحجري ( ينفذ بنفاذه ).

(٣) كفاية الاصول : ٢٤٧ ؛ الحجرية ١ : ١٧٠ للمتن و ١ : ١٧٧ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( الآخر ).

٤٦٠