تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

وامّا الخامس : فلوضوح انّ التعليق انما هو بالنسبة الى المنشأ دون الانشاء ، كتعليق الملكية على الموت في الوصية وسائر المتعلقات الواقعة في العقود والايقاعات ، فلا تعليق في شيء منها في نفس الانشاء.

وامّا السادس : فلأنّ عينية علم الواجب مع ارادته تعالى لا ينافي تعددهما مفهوما فيه تعالى وعينا في غيره تعالى ، كما في المبادئ النازلة وسائر الصفات المتحدة مصداقا المختلفة مفهوما ؛ فحينئذ تكفي في المغايرة الارادة التشريعية مع العلم بالصلاح في نفس الباري تعالى ، فلا يرجع التعليق في الطلب الى التعليق في علمه تعالى.

وامّا التبعية فلا محذور فيها ، لما حقق في مبحث الملازمة من انّ البعث ومصلحته والحالة الانقداحية اليه غير مجرد الشوق الى أصل وجود فعل الغير وصلاحه ، حيث انّه ربّما يكون الفعل تمام الصلاح مع علم المولى بلا انقداح الى البعثية في نفسه ، لمانع ، لفقدان شرط في نفس البعث الذي هو ظهور الحالة النفسانية بالانشاء الخارجي اذا كان بداعي الجد ، ومع وجوده فلا تقدح الحالة البعثية.

وتوهم : كون البعث عين الشوق الى الموجود أو تابعا له.

مدفوع : بالمغايرة بينهما وجدانا في قول الغير بلا ملازمة بين العلم وتلك الحالة وانما الملازمة على تقدير التسليم انما هو في مقام الاقتضاء ، وامّا في مقام الفعلية فالاحكام الشرعية تابعة لمصالح وأغراض فيها يمكن المنع عن أصل تعلقها بالافعال بمجرد وجود المصلحة فيها فكيف عن فعليتها ، كما يظهر بالمراجعة الى الاوامر العرفية فانّ سلطانا اذا علم السلطنة على مملكة بعد مدة لا يصلح منه بعثهم فعلا على طبق قوانينه المجراة عليهم بعد سلطنته. نعم يصح منه التكليف اشتراطا ، لا مطلقا.

٢٦١

ويشهد على ما ذكرنا ملاحظة حالنا في زيارة قبر مولانا الحسين عليه‌السلام قبل وقته مدة مديدة مع العلم بفضلها ، فانّه مع ذلك قد لا تحصل للنفس الارادة بالنسبة اليها قبل الموسم مع العلم بحصولها في وقته ، فاذا كان الانسان بالنسبة الى ارادته في أفعاله مختلفا ، كذلك في أوامره بالنسبة الى الغير.

ومنه يستكشف حال الارادة التشريعية الالهية حيث انّها ربّما تخلفت عن العلم بالصلاح في الفعل ، ولا يبعد أن يكون كذلك في أوّل البعثة فانّ الاحكام تعلقت بهم مشروطا بالاستعداد.

وكما في الأطفال والمجانين فانّ الظاهر [ تعلق ] التكليف بهم فعلا بالنسبة الى أفعالهم بعد البلوغ والعقل مع اشتمالها على المصلحة في تلك الحال أزلا وأبدا ، بل انما يتعلق بهم بعد البلوغ.

وكما في الاحكام التكليفية في موارد الاصول العملية ، فانّ فعليتها مشروطة بالعلم بها وارتفاع موضوع الاصول.

فقد ظهر مما ذكرنا كله امكان الواجب المشروط بأن ينشئ البعث المشروط بشيء بحيث لا بعث قبله وانما يثمر الانشاء في حصوله بعده بحيث لا يحتاج الى انشاء جديد. هذا كله بحسب ما عليه المشهور من كون شرط التكليف هو الاشياء بوجودها الخارجي.

وامّا على ما هو التحقيق من كون الشرط هو الوجود العلمي فهي محققة بمجرد العلم بحصول الشرط ولو متأخرا ، فيكون الواجب المشروط نظير الواجب المعلق في كون الوجوب حاليا بالنسبة الى الفعل المستقبل ، غاية الامر الفرق انّه لا تقييد في المطلق أصلا ولو علما ، دون المشروط فانّه ارادة مقيدة بقيد حاصل أولا وهو العلم بوجود الشرط خارجا سواء كان مقارنا للمشروط أو سابقا أو لا حقا على نحو المرآتية والحكاية عنه كما عرفت.

٢٦٢

إلاّ أن يقال : بناء على ذلك انّ الشرط يكون تارة : هو العلم بوقوع الشرط خارجا فعلا ، واخرى : هو العلم بأنّه سيوجد ، ففي الاول لا يحصل الانقداح والارادة التشريعية قبل وقوع الشرط فلا اشكال أيضا ، فتدبر.

١٨٧ ـ قوله : « وأمّا المعرفة ، فلا يبعد القول بوجوبها حتى في الواجب المشروط ». (١)

فينجرّ تركها الى استحقاق العقاب لو استلزم فوت الواجب في الوقت ولو بحصول غفلة في الحكم ، بل في الموضوع ما لم ترفع منه القدرة المعتبرة في الفعل ، بل ولو ارتفعت اذا كان الارتفاع بسبب ترك المعرفة.

والسرّ : انّها ليست من المقدمات الوجودية أو الوجوبية كي لا تتصف بالوجوب أصلا على تقدير وتتصف به على نحو اتصاف ذيها به على تقدير آخر ، بل هي من شرائط التنجز عقلا ؛ فبعد العلم بحصول شرط الوجوب ـ وكذا القدرة على الواجب مع مقدماته الوجودية وحصول البعث الحقيقي من قبل المولى الى الواجب في وقته ـ يحكم العقل بوجوب تحصيلها قبله ، وعدم العذر في ترك الواجب المستند الى تركها بعد العلم باستلزام تركها تركه.

هذا لو لم نقل بكون التعلم واجبا نفسيا تهيّؤا ، وإلاّ فالامر أوضح.

١٨٨ ـ قوله : « والمؤاخذة عليها بلا برهان ، فافهم ». (٢)

لعله اشارة الى انّ استقلال العقل بتنجز الاحكام ـ بمجرد قيام احتمالها ـ انما هو في صورة كون الاحتمال والتمكن من تحصيل معرفتها في الواجبات المطلقة ، واما في الواجبات المشروطة فلا.

امّا قبل حصول شرطها فلعدم تحققها بعد حتى يحكم بتنجزها.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٢٦ ؛ الحجرية ١ : ٨٨ للمتن و ١ : ٩٠ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٢٦ ؛ الحجرية ١ : ٨٩ للمتن و ١ : ٩١ للتعليقة.

٢٦٣

وامّا بعده فلعدم التمكن من معرفتها.

إلاّ أن يستقل باستحقاق العقاب بمجرد تفويت مصالح الاحكام مع التمكن من تحصيلها بمعرفة الاحكام قبل الشرط حتى تتوجه الى المكلف بعده.

فليس الاستحقاق لاجل التنجز مطلقا.

١٨٩ ـ قوله : « ومجاز على المختار ». (١)

في الواجب المشروط بالشرط المتقدم ، وامّا في المشروط بالشرط المتأخر فحقيقة مطلقا كما لا يخفى.

١٩٠ ـ قوله : « لاستعمالها على مختاره قدس‌سره في الطلب المطلق ». (٢)

ظاهره : انّ استعمالها على نحو الحقيقة على مختار الشيخ رحمه‌الله لا يحتاج الى تعدد الدال والمدلول بل يحتاج اليه بناء على المذهب المنصور في المشروط.

وليس كذلك ، بل يحتاج الاستعمال الحقيقي الى ذلك مطلقا ، لكون الموضوع له هو المطلق فارادة غيره مطلقا لا بد أن يكون بدال آخر ، وإلاّ لكان مجازا كما لا يخفى.

كما انّ ارادة خصوص زمان قبل الشرط في لفظ الواجب يحتاج الى دال آخر أيضا ، وانما الغير المحتاج اليه [ هو ] ارادة المتلبس من غير انطباق على زمان معين ، وإلاّ فيكون ارادة الخصوصية مجازا لو لا الدال الآخر ؛ ولعله أشار الى ما ذكرنا بقوله : « فافهم ».

١٩١ ـ قوله : « لا من استقبالية الواجب ، فافهم ». (٣)

اشارة الى انّ فائدة التقسيم بيان عدم وجوب خصوص المقدمة التي قد

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٢٦ ؛ الحجرية ١ : ٨٩ للمتن و ١ : ٨٩ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٢٦ ؛ الحجرية ١ : ٨٩ للمتن و ١ : ٩١ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ١٢٨ ؛ الحجرية ١ : ٩٠ للمتن و ١ : ٩١ للتعليقة.

٢٦٤

أخذ الواجب بالنسبة اليه معلقا ، لا مطلق المقدمات الوجودية كي يرد عليه بعدم الفائدة في هذا التقسيم ؛ بخلاف ما لو اكتفى بالتقسيم الاول ، فانّه يوهم وجوب تمام المقدمات الوجودية للواجب المطلق ، مع انّه غير صحيح كما لا يخفى.

١٩٢ ـ قوله : « ثم انّه ربّما حكي عن بعض أهل النظر (١) من أهل العصر اشكال في الواجب المعلق ». (٢)

ولا يخفى انّ هذا الاشكال :

تارة : لاجل انّ الارادة من الصفات ذات الاضافة ، فلا بد لها من طرف موجود.

واخرى : لاجل انّها بالنسبة الى فعل الغير بازاء الارادة المحركة للعضلات في فعل نفس الفاعل. وهذا يبتني على توهم انّ الارادة التشريعية كالارادة التكوينية وانما الاختلاف بينهما من وجهين : أحدهما : كون الاولى ظاهرة ومؤثرة في الفعل دون الثانية ؛ وثانيهما : تعلق الاولى بفعل نفس الفاعل والثانية بفعل الغير مقام فعل النفس ، فالفعلان في عرض واحد ، فكذا الارادتان في فعل النفس انما هي جزء أخير من العلة التامة للفعل فلا ينفك عنه ، فكذا ما بازائه في فعل الغير وهو الطلب ، فكيف يكون حاليا والواجب [ استقباليا ]. (٣)

وثالثة : لاجل انّ الارادة بعث من المولى الى الفعل ، ولا يكاد يتعلق البعث الحالي [ بأمر ] (٤) استقبالي ، إذ هو ليس إلاّ كارادة صدور غير المقدور في ظرف

__________________

(١) وهو المولى علي بن فتح الله النهاوندي في تشريح الاصول : ١٦٥ السطر ٩ في ( تشريح في مقدمة الواجب ).

(٢) كفاية الاصول : ١٢٨ ؛ الحجرية ١ : ٩٠ للمتن و ١ : ٩١ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( استقلاليا ).

(٤) في الاصل الحجري ( الى امر ).

٢٦٥

الارادة.

ولكن الجواب :

امّا عن الجهة الاولى : فبأنّ الصفات ذات الاضافة لا بد لها من متعلق موجود في طرفه ، ولا يلزم المقارنة مع الصفة كما في علم الواجب وقدرته بالنسبة الى الممكنات ، ولا يزيد صفة الممكن عن الواجب.

وامّا عن الجهة الثانية :

فامّا أولا : بأنّ الارادة في فعل الغير انما هي مقدمة على مبادئ ارادته فكيف على ارادته ، حيث انّها من قبل المولى انما هي لإحداث الداعي في نفس العبد حتى يعلم به مع ما يترتب على موافقته من المثوبة والعقوبة فيحصل له الميل ثم الجزم ثم الارادة ، فليس في مرتبة الارادة المحركة ، بل لا يكاد يمكن إلاّ بالنسبة الى غير الموجود في زمان الطلب حتى في الواجب المنجز ، وإلاّ لزم الطلب في ظرف تطرق ارادة الفاعل للفعل وهو في معنى طلب الحاصل ؛ فاذا كان لا بد من التأخر فلا فرق في استحالة التخلف وامكانه بين قلة الزمان وكثرته كما هو واضح.

وامّا ثانيا : فعلى تقدير تسليم كون الطلب بازاء الارادة المحركة في فعل المباشر نقول :

انّ الارادة في الفعل الزماني لا بد أن تتقدم عليه زمانا ، لوضوح انّ آخر العمل ـ كالاجزاء اللاحقة للصلاة وكالامساك بعد الزوال في الصوم ـ متعلق للارادة في أول العمل ، والحال انّ المراد متأخر زمانا.

هذا في الفعل الذي حضر زمانه ولم يحتج الى مقدمة خارجية غير حاصلة ، فضلا عن غيره.

وعلى تقدير التنزل نقول : انّ المقارنة انما هو فيما اذا لم يكن له مقدمات غير

٢٦٦

حاصلة ولم يكن بنفسه أمرا استقباليا ، وامّا اذا كان كذلك فالتحريك انما يكون بالنسبة الى مقدماته سابقا على التحريك بالنسبة الى نفسه في الصورة الاولى ، ولم يحصل له تحريك قبل الوقت اصلا في الصورة الثانية ، مع انّ الشوق بتلك المرتبة التي تكون في الحال غير المحتاج الى مقدمة أصلا ؛ فمنه يعلم انّ المراد من الارادة المحركة بيان مرتبة الشوق لا لزوم منشئيته للحركة كما لا يخفى.

وامّا عن [ الجهة ] الثالثة : فبالنقض بارادة نفس الفاعل المباشر ، حيث يوجب التحريك الى نفس الفعل ذات الاجزاء التدريجية تارة ، والى مقدماته اخرى ، ولا يوجب ثالثة كما في قبل الوقت مما لم يحتج الى مقدمة أصلا ، فلا بد من تقدمها على نفس الفعل ، ولا يمكن مقارنتها مع وجود الفعل : امّا مطلقا حتى في المنجز غير المحتاج الى زمان وشيء أصلا لكونه حينئذ من قبيل ارادة الموجود ؛ أو في الصورتين المذكورتين وفي الاجزاء اللاحقة مطلقا كما هو واضح.

وبناء على قول المستشكل فيلزم تعلقها بغير المقدور ، ومحذوره أشد من تعلق الارادة التشريعية به.

وان لم يلتزم بالارادة في تمام الفعل أولا في هذه الموارد ، فيلزم كون المقدمات نفسه ومرادات مستقلة ، وهو باطل في ظرف العمل لا في ظرف الارادة كما كان كذلك في الارادة التكوينية.

وان كان الاشكال في اتصاف الفعل المستقبل بالوجوب السابق لا في تعلق الارادة الحالية بالمستقبل ، حيث انّ اللزوم الشرعي كاللزوم الخارجي لا يكاد يتصف به إلاّ ما كان مقارنا معه زمانا مع القدرة الفعلية به ، ولا معنى للوجوب الفعلي به كما لا معنى للوجوب الحالي بالمستقبل.

٢٦٧

ففيه : انّه ينتقض بالواجبات المنجزة أيضا بالنسبة الى اجزائها اللاحقة ، بل مطلقا حتى بالنسبة الى الجزء الاول منها حيث انّه لا بد من الوجوب قبل الوجود وإلاّ لزم ايجاد الموجود المستلزم لطلب الحاصل.

فاذا كان لا بد من تقدم الايجاب على الفعل زمانا فلا فرق بين قلته وكثرته في الاستحالة والامكان ـ كما لا يخفى ـ وهي القدرة عليه بعد مجيء زمانه.

وفيه : انّه على ذلك اذا علم بتحقق القدرة في زمان الواجب بحيث يعلم بعدم سلبها فلا بد أن تكون المقدمات واجبة موسعة فيصح الاتيان بالعبادي منها بقصد الوجوب ولم يلتزم به القائل باعتبار قصد الغاية في مثل الوضوء والغسل.

نعم يمكن أن يقال باعتبار القدرة الخاصة وهي القدرة المعمولة فيها في زمان الواجب لا قبله ، ولازمه ان تكون المقدمة وجودا خاصا وهو العمل في زمان الواجب لا قبله ، ولذلك لا يصح الاتيان بها قبله ، فتدبر ؛ فلا بد أن يكون كذلك في التشريعية المتعلقة بفعل الغير أيضا.

ولا فرق بين قلة الزمان وكثرته في الاستحالة والامكان.

فقد ظهر انّه لا اشكال في الواجب المعلق من هذه الجهات.

١٩٣ ـ قوله : « بل ينبغي تعميمه الى امر مقدور متأخر اخذ على نحو يكون موردا للتكليف ». (١)

أقول : ربما يشكل في هذا القسم :

ثبوتا : بأنّ القيد الاختياري ان لم يكن دخيلا في مصلحة الواجب فلا بد أن يكون الفعل واجبا منجزا مطلقا ، وان كان دخيلا فيهما فلا بد أن يكون موردا للتكليف كغيره من القيود الاختيارية.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٣٠ ؛ الحجرية ١ : ٩١ للمتن و ١ : ٩٤ للتعليقة.

٢٦٨

واثباتا : بأنّ هذا القيد اذا أخذ في متعلق التكليف مطلقا يلزم سراية الطلب اليه أيضا ، وان اخذ مقيدا فلا شيء يميزه عن غيره إلاّ بأخذ عدم الالزام فيه ، فيلزم الدور كما لا يخفى.

والجواب :

امّا عن الاشكال الثبوتي : فبالالتزام بوجود مانع عن البعث الى القيد من مفسدة فيه أو حرج أو غيرهما.

وامّا عن الاشكال الاثباتي : فبالالتزام بأخذه في طرف المكلف ، أو بتقييده بعدم طبيعة البعث بنحو طبيعة ، أو بالتفرقة العرفية بين قوله : « يجب الحج من استطاعة » وبين قوله : « يجب الحج عن استطاعة » [ الذي يكون ] حاصله سراية الطلب الى القيد في الاول دون الثاني ، فلا اشكال.

١٩٤ ـ قوله : « وان دار أمره ثبوتا بين أن يكون راجعا الى الهيئة ... الخ ». (١)

لعلك تتخيل أنه لا وجه لدوران القيد بين رجوعه الى الهيئة أو الى المادة عند الشيخ رحمه‌الله بعد [ التزامه ] (٢) برجوع جميع القيود الى المادة.

لكنا نقول : انّ مراده مما ذكره انّه لا ينوط الطلب ولا يتسبب به واقعا ، بل يتعلق بالفعل ذي المصلحة ابتداء بلا ارتباطه بشيء وتكون تمام القيود التي لها دخل في المصلحة من قيود الفعل ؛ ولكنه لا ينافي اناطة الطلب به في القضية الشرطية المستعملة في ثبوت التالي عند وجود المقدمة وان لم يكن بينهما سببية ولكن بعد تحقق نحو من الملازمة بينهما ولو تبعية ، وحيث انّ القيد فيما نحن فيه من قيود الفعل بحيث لا يتعلق به الطلب عند عدمه فيصح جعل الملازمة بينهما في

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٣٣ ؛ الحجرية ١ : ٩٢ للمتن و ١ : ٩٤ للتعليقة.

(٢) في الاصل الحجري ( الزامه ).

٢٦٩

مقام الاثبات دون الثبوت ، كما يظهر ما ذكرنا من المراجعة الى التقريرات (١) في هذا البحث.

١٩٥ ـ قوله : « وإلاّ فالمرجع هو الاصول العملية ». (٢)

ولا يخفى انّ الدوران لا يخلو من صور :

احداها : انّ الدوران بين جميع أقسام الواجب من المشروط بالشرط المتقدم والمتأخر ومن المطلق الشامل للمعلق والمنجز ، والمرجع هو البراءة عن التكليف عقلا ونقلا قبل حصول الشرط وان علم بحصوله بعد ذلك ، ولازمه الحمل على المشروط بالشرط المتقدم.

ثانيها : الدوران بين واحد من المشروط المتأخر والمعلق المنجز ، والمرجع هو البراءة عند عدم العلم بحصول القيد المشكوك كيفية ، ولازمه الحمل على أحد الاولين.

ثالثها : الدوران بين المشروط بعد العلم بعدم رجوع القيد الى المادة ، والمرجع هو البراءة قبل حصول الشرط ، ولازمه الحمل على المشروط بالمقدم.

رابعها : الدوران بين قسمي المطلق من المعلق والمنجز ، والمرجع هو البراءة أيضا عند عدم العلم بحصول الشرط في الخارج ، ولازمه الحمل على المعلق ؛ وقد فصلنا صور الدوران في فوائدنا.

١٩٦ ـ قوله : « وترجيح عموم العام على اطلاق المطلق انما هو لاجل كون دلالته بالوضع ». (٣)

__________________

(١) مطارح الانظار : ٤٩ السطر ٥ ، والطبعة الحديثة ١ : ٢٥١.

(٢) كفاية الاصول : ١٣٣ ؛ الحجرية ١ : ٩٢ للمتن و ١ : ٩٤ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ١٣٤ ؛ الحجرية ١ : ٩٣ للمتن و ١ : ٩٥ للتعليقة.

٢٧٠

[ ظاهره ] (١) انّ ما كان منها بالوضع يقدم على ما كان بمقدمات الحكمة مطلقا.

وليس كذلك ، بل انما يسلّم ذلك في المتصلين لا في المنفصلين ، بل في صورة الانفصال يكون المدار على الاظهرية ، وان كان في مقدمات [ الحكمة ] (٢) يتم الاطلاق [ لكون ] (٣) ظهوره ظهور المطلق تعليقيا [ مطلقا ] (٤) كما لا يخفى.

١٩٧ ـ قوله : « كان لهذا التوهم مجال حيث انعقد للمطلق اطلاق ». (٥)

حيث انّه قد استقر لكل من الهيئة والمادة ظهور ، فيدور الامر بين رفع اليد عن ظهور واحد أو عن اثنين. والشك في التقييد الزائد كالشك في أصله في الرجوع الى نفيه بأصالة الاطلاق.

وفيه : انّه انما يصح بناء على مذاق الشيخ قدس‌سره في الواجب المشروط من رجوع القيد تماما الى المادة لبا ، حيث انّه يعلم بتقييد المادة في مقام الثبوت بالنسبة الى مصلحته الذاتية وانما الشك في تقييد طلبه حال عدم وجود القيد خارجا ، فيجري فيه أصالة الاطلاق بلا معارض.

وامّا على التحقيق من اناطة الطلب واشتراطه حقيقة فيبقى الدوران له بين رفع اليد عن اطلاقه وبين رفع اليد عن اطلاق المادة الكاشف عن الحسن الذاتي فيه مطلقا ، بحاله.

ورفع اليد عن اطلاق الهيئة لا يوجب رفع اليد عن اطلاق المادة المثمر فيما

__________________

(١) في الاصل الحجري ( ظاهر ).

(٢) في الاصل الحجري ( الحكم ).

(٣) في الاصل الحجري ( كون ).

(٤) في الاصل الحجري ( معلقا ).

(٥) كفاية الاصول : ١٣٥ ؛ الحجرية ١ : ٩٣ للمتن و ١ : ٩٥ للتعليقة.

٢٧١

ذكرنا كما لا يخفى.

ثم انّ رفع اليد عن الاطلاقين في القرينة المتصلة ليس لاجل الدوران والتزاحم بين التقييدين كما في المنفصلة ، وإلاّ لأمكن أن يرجع الى أصالة الاطلاق في الهيئة ، للعلم بعدم جريان أصالة الاطلاق في المادة امّا للتقييد وامّا لرفع موضوعه فتبقى أصالته في الهيئة مشكوكا بدويا بلا مزاحم ، بل انما يرفع اليد عنهما : امّا عن المادة فللعلم المذكور ، وامّا عن اطلاق الهيئة فلكون الشك في قرينية الموجود ، ومعه لا ينعقد ظهور في ما له الوضع فضلا عما ليس له إلاّ الاطلاق الحكمي.

ولعله أشار الى بعض ما ذكرنا بالتأمل.

٢٧٢

النفسي والغيري

١٩٨ ـ قوله : « لما كاد يتعلق بها الايجاب ». (١)

فلا يصدق على الواجب لاجلها انّه مطلوب لاجل التوصل الى واجب آخر كما هو معنى الواجب الغيري ، فلا ينقض احدهما بالآخر في الواجبات النفسية في الشريعة ؛ فهذا القائل قد فرّق :

بين تحديد الواجب الغيري بأنّه : « ما امر به لغيره » والواجب النفسي بأنّه : « ما امر به لنفسه » (٢) فالزم بالانتقاض.

وبين تحديد الواجب الغيري بأنّه : « ما امر به لاجل التوصل به الى واجب آخر » والواجب النفسي : « ما لم يكن كذلك » (٣) ، فلا ينتقض أحد الحدّين بالآخر كما في التقريرات.

ولكنه قد اشتبه عليه الامر : بأنّ الواجب أعم من المباشري والتسبيبي ، وانّ المقدور بالواسطة مقدور أيضا ، وانّ المطلوب لاجل شيء لا ينفك عن طلب ذاك الشيء ، وحينئذ فلا فرق بين التحديدين والانتقاض وعدمه.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٣٥ ؛ الحجرية ١ : ٩٤ للمتن و ١ : ٩٦ للتعليقة.

(٢) التعبيران ينسبهما في التقريرات الى غير واحد من الاصوليين ، مطارح الانظار : ٦٦ السطر ٢٠ ـ ٢١ ، والطبعة الحديثة ١ : ٣٣٠.

(٣) اما هذان التعبيران فهما لصاحب التقريرات نفسه ، مطارح الانظار : ٦٦ السطر ٢٦ ، والطبعة الحديثة ١ : ٣٣١.

٢٧٣

فالأولى في الجواب ؛ الالتزام بعنوان نفسي ورجحان ذاتي في الواجبات النفسية وان ترتب عليها فوائد أخر أيضا.

بل يمكن أن يقال : انّ المصلحة الذاتية في العبادة كالصلاة مثلا من سنخ مصلحة معرفة الله المحبوبة ذاتا ، حيث انّ حسنها لكونها مصداقا لاظهار تذلل النفس وخضوعها واظهار عظمة الله ، وهو كما يحصل بمعرفة [ النفس ] (١) كذلك يحصل بهيئة الصلاة التي تكون مصداقا للخضوع والتذلل وهو عين اظهار عظمة المعبود ، غاية الامر يكون الأولى اظهارا في الخارج ؛ وهذه الطبيعة أينما تحققت تكون حسنا بذاتها ، وبعض مراتبها كالخضوع الجارحي يكون مقدمة لبعض مراتبها الاخرى كالخضوع الجانحي.

ولكن لما كانت الجهة النفسية في كل مرتبة سابقة على الجهة الغيرية فيها فتكون موجبة بوجوبها النفسي قبل تأثير جهتها الغيرية في ايجابها الغيري ، فتكون الجهة الثانية امّا غير مؤثرة أصلا عقلا أو موجبة للتأكد بحيث لا تكون رافعة للوجوب النفسي ، فلذلك تكون العبادة الشرعية واجبات نفسية ومحبوبات بذاتها وان كان فيها ملاك الوجوب الغيري أيضا ، فلا ينتقض أحد التحديدين بالآخر طردا والآخر عكسا كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال : انّ المصلحة في بعض الواجبات خارجة عن المأمور به ، إلاّ انّها لا يترتب عليه إلاّ بعد الالزام. وبعبارة اخرى : يكون أثرا للفعل الالزامي لا لذاته ، ومثل هذه المصلحة لا يمكن أن يتعلق بها الامر لكونها متوقفة عليه فلا يصير موضوعا له وحينئذ فيكون الفعل واجبا ابتداء ؛ ولا للتوصل الى واجب آخر وان كان للغير ، فيكون واجبا نفسيا على التحديد الاول دون الثاني ،

__________________

(١) في الاصل الحجري ( النفسية ).

٢٧٤

فيحصل الفرق بين التحديدين ، ولعله أشار الى ما ذكرنا بالتأمل.

١٩٩ ـ قوله : « إلاّ أنّ اطلاقها يقتضي كونه نفسيا ». (١)

ولا يخفى انّ الوجوب النفسي بحسب الثبوت فرد خاص من مطلق الوجوب مقابل للوجوب الغيري ، وليست النسبة بينهما كالاطلاق والتقييد الاصطلاحيين.

إلاّ انّهما بحسب مقام الاثبات في انّ التعبير عن الاول في المحاورات انما هو بلفظ مطلق بلا قرينة وعن الثاني انما هو مع قرينة على خصوصية ، فعند عدم التقييد يكشف عن الاول فلا بد من الحمل عليه.

٢٠٠ ـ قوله : « وامّا استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته ففيه اشكال ». (٢)

اختلفوا فيه على أقوال : ثالثها التفصيل بين الثواب والعقاب بالتزام الاول دون الثاني ، ورابعها عكس الثالث وهو مجرد احتمال ما عثر به على قائل.

والتحقيق : عدم ترتبها على فعله وتركه ؛ ولا بد أولا من بيان ترتب الثواب والعقاب في الواجب النفسي ثم توضيح الحال في الغيري فنقول :

انّ المعروف بين المتكلمين انّ فاعل الواجب يستحق المدح والثواب ويحصل له به القرب الى المولى ، وتاركه يستحق الذم والعقاب ويحصل له البعد عن ساحة المولى.

امّا حصول القرب بالفعل والبعد بالمخالفة فلا شبهة في ترتبهما عقلا ، حيث انهما من لوازم الاطاعة والعصيان عنده ولا يتخلفان عنهما.

وامّا استحقاق المدح والثواب بمعنى الجزاء على الاطاعة فعلا بحيث يكون

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٣٦ ؛ الحجرية ١ : ٩٤ للمتن و ١ : ٩٧ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٣٨ ؛ الحجرية ١ : ٩٥ للمتن و ١ : ٩٧ للتعليقة.

٢٧٥

عدم صدورهما عن المولى بالنسبة اليه قبيحا ففيه منع ، حيث انّ [ وجوب ] (١) اطاعة المولى عقلا ـ سيّما اذا كان المولى ممن يفيض عليه الوجود وينعم عليه بأنواع النعم دائما بحيث لو انقطع فيضه عن العبد آناً ما يكون كأن لم يكن شيئا مذكورا ـ انما هو قضية العبودية.

نعم استحقاقهما ـ بمعنى انهما لو صدرا عن المولى بالنسبة الى العبد المطيع كانا في محله ـ لا بأس به ، بل لا مناص عنه عقلا. كما انّ افاضة الثواب عنه تعالى من حيث انّ الراجح لم يترك صدوره عنه تعالى أو بمقتضى وعد الفيض الثابت بالآيات والأخبار ، مما لا يقبل الانكار ، الاّ انّه لا دخل له بمسألة الاستحقاق للاطاعة في نفسها كما هو واضح.

وامّا استحقاق الذم والعقاب على العصيان ـ بمعنى انّ وقوعهما على تقدير صدورهما عنه تعالى في محلهما ـ مما لا يقبل الشبهة. وامّا ترتبهما فعلا بحيث كان تركهما قبيحا كي ينافي العفو فلا. نعم لا يستبعد القول به بالنسبة الى بعض الطاغين بالاضافة الى بعض المعاصي ، كما لا مناص عنه في الظالم على غيره تعالى من عباده ، هذا في النفسي.

وامّا في الغيري فالصواب عدم استحقاق فاعله بنفسه لكلّ من [ الثواب ] (٢) والمدح والقرب أصلا ، حيث انّه ظهر انّ الاستحقاق دائر مدار الاطاعة المنوطة على امتثال أمر المولى بمعنى أن يكون الداعي الى الطاعة هو ذاك الامر بحيث لولاه لم يكن داع للعبد اليها ، ولا شبهة في عدم تحققه في الامر الغيري ، حيث انّ امتثال الواجب ـ ولو اشتمل على مقدمات غير (٣) عديدة ـ واحد

__________________

(١) في الاصل الحجري ( وجود ).

(٢) في الاصل الحجري ( الصواب ).

(٣) الظاهر انّ كلمة ( غير ) زائدة.

٢٧٦

عند العقل والعقلاء ، وليس ذلك إلاّ بالنسبة الى الامر النفسي ، والداعي للعبد والمحرك عن قبل المولى الى الفعل بمقدماته ليس إلاّ إيّاه ، كما يستكشف ذاك بملاحظة الأوامر العرفية الى عبيدهم فانّه لا شبهة عندهم بأجمعهم : انّ الاتيان بواجب واحد ـ متوقف على مقدمات ولو بلغت الى ما بلغت ـ امتثال واحد ، فله استحقاق واحد ، هذا.

مضافا الى انّ مجرد كون الداعي هو اسقاط الامر لا يوجب الاستحقاق ما لم ينضم اليه كون الفعل لاجل المولى المطاع ، بل المقرّب الحقيقي ذلك حتى في مورد امتثال الامر النفسي من باب انطباقه عليه ؛ ولكن في الغيري لا يقع الفعل لاجل المولى إلاّ اذا قصد التوصل الى ذي المقدمة حيث انّه الغاية والغرض الاصلي ، فما لم يقصد التوصل اليه لا يحصل مراعاة جهة المولى داعيا وغاية ، ومعه يكون الثواب على انقياد الامر النفسي أو على نفس الواجب النفسي لاجل كونه أشق الاعمال وأحمزها ، فيختلف مراتبه بقصد امتثال الامر النفسي حين الشروع في المقدمات على اختلافها قلة وكثرة حسب اختلاف قصد التوصل في جميعها أو بعضها ، لا لفعل المقدمات.

ويكشف عما ذكرنا حكم العقل على استحقاق الفاعل للمقدمات ـ قاصدا بها التوصل الى ذيها لا لامره ـ للثواب ولو لم يلتفت الى أمرها وقلنا بعدم وجوبها وعدم استحقاقه لو لم يقصد بها التوصل الى ذيها ، بل كان قاصدا لتركه وان قصد امتثال أمرها الغيري ، وليس ذلك إلاّ لعدم استتباع الامر الغيري للثواب ، ولما كان العقاب توأما مع الثواب فيدور مدار العصيان الدائر مدار امكان الامتثال ، وإذا لا امتثال للامر فلا عصيان فلا عقاب.

ولا ينافي ما ذكرنا ـ من عدم استحقاق الثواب بفعل المقدمات بنفسها ـ ما ورد نقلا في بعض المقدمات ، كما ورد في زيارة مولانا الحسين عليه‌السلام من انّ لكل

٢٧٧

قدم ثواب عتق عبد (١) وغير ذلك مما ورد في صرف المئونة وانفاق أموال وقطع البوادي مقدمة للجهاد وغيره ؛ لأنه يمكن المناص عنه بعد ما عرفت :

امّا الى فضل الرب الكريم فانّ الفضل بيده يؤتيه من شاء.

وامّا بالقول بزيادة ثواب ذي المقدمة باختلاف مقدماته قلة وكثرة سهولة ومشقة اذا وقعت بقصد امتثال أمره لما ورد من « انّ أفضل الاعمال أحمزها » (٢) والمشقة في المقدمات توجب المشقة في ذيها ، فالإخبار بالثواب بفعل المقدمات كناية عن زيادة بالنسبة الى ذيها بحيث اذا وزع عليها يكون لكل منها شيء من الثواب. ويؤيده ما ورد من الثواب على الأقدام بعد المراجعة من زيارة الحسين عليه‌السلام. (٣)

وامّا بالتزام اشتمال المقدمات على عنوان في ذاتها غير عنوان مقدمتها يوجب ترتب الثواب عليها بنفسها من مثل ( تعظيم شعائر الله ) في [ السفر ] (٤) الى زيارة الحسين عليه‌السلام وغير ذلك مما يوجب الثواب ، فلا دلالة لما ورد من الاخبار لما ذكر من عدم الثواب على الامر بالمقدمة.

__________________

(١) « ... من اتى قبر الحسين ماشيا كتب الله له بكل خطوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد اسماعيل ». وسائل الشيعة ١٠ : ٣٤٣ أبواب المزار الباب ٤١ باب استحباب المشي الى زيارة الحسين عليه‌السلام وغيره الحديث ٦.

(٢) لم نعثر عليه في مصادرنا الروائية ، وهو موجود في مصادر العامة بلفظ : « في حديث ابن عباس « سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أي الاعمال افضل؟ فقال : أحمزها ». النهاية لابن الاثير ١ : ٤٤٠ باب الحاء مع الميم في مادة ( حمز ).

(٣) « ... فان رجع ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجتين وعمرتين ». تهذيب الاحكام ٦ : ١٢٠ باب ٧ فضل زيارته عليه‌السلام الحديث ٣.

(٤) في الاصل الحجري ( المسافرة ).

٢٧٨

٢٠١ ـ قوله : « عند ترك المقدمة ». (١)

أي بالنسبة.

٢٠٢ ـ قوله : « يصير حينئذ من افضل الاعمال ». (٢)

فيثاب بأشقها بفعل ذي المقدمة.

٢٠٣ ـ قوله : « امّا الاول : فهو انّه اذا كان الامر الغيري بما هو لا اطاعة له ». (٣)

غرضه دام ظله : انّه يرد في المقام اشكالان :

أحدهما : انّه لعلك تتخيل انّ ما ذكرنا ـ من عدم استتباع الامر الغيري [ لاستحقاق ] (٤) الثواب ـ ينافي معلومية ترتبه على الطهارات الثلاث ، حيث انّه لا خلاف فيه ظاهرا ؛ مضافا الى استفاضة الاخبار في ذلك.

الثاني : انّه بعد ما عرفت من كون الامر الغيري لمجرد التوصل به الى ذي المقدمة ، فيكون الغرض منه معلوما ، ويحصل باتيان المقدمة كيف يشاء ، فلا يجب الاتيان بها بقصد القربة وامتثال الامر.

مضافا الى عدم التأتّي منه في الامر الغيري ، لما عرفت من انّ امتثال الامر انما هو فيما اذا كان تحريك المولى للعبد الى الفعل مستندا اليه بحيث لولاه لما ثبت التحريك من قبل المولى ، وعرفت انّه في الامر النفسي ـ مع انّه على تقدير التنزل عنه ـ لا يمكن قصد التقرب الى المولى بمجرد ارادة اسقاط الامر الغيري ما لم يقصد كون الاتيان لاجل المولى ولا يكاد يمكن ذلك إلاّ أن يقصد التوصل الى ذي المقدمة ومعه فلا حاجة الى قصد الغيري ؛ ومع ذلك كله فكيف أطبقوا على لزوم

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٣٩ ؛ الحجرية ١ : ٩٥ للمتن و ١ : ٩٥ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١٣٩ ؛ الحجرية ١ : ٩٦ للمتن و ١ : ٩٦ للتعليقة.

(٣) كفاية الاصول : ١٣٩ ؛ الحجرية ١ : ٩٦ للمتن و ١ : ١٠٠ للتعليقة.

(٤) في الاصل الحجري ( لا يستحقان ).

٢٧٩

الاتيان بالطهارات الثلاث بقصد امتثال الامر المتعلق بها؟

واجيب عنه : بوجوه :

أحدها : ما هو التحقيق كما في المتن ، من انّ العبادة قد تكون مقدمة لواجب بحيث لا يتوصل بها إلاّ باتيانها عبادة ، وانّ الطهارات الثلاث عبادات نفسية ومندوبات ذاتية كما في بعض الاخبار « انّ الوضوء على الوضوء عشر حسنات » (١) ومن حيث كونها كذلك جعلت مقدمة للواجب الآخر ، فالتعبد بها من حيث مطلوبيتها النفسية ، ولما لم يكن طلبها النفسي وهو الندب فعليا ، لمضادتها مع الطلب الغيري الوجوبي بالفعل ، فان قلنا بكفاية الرجحان الذاتي في اتيان الفعل عبادة وان لم يقصد به امتثال الامر فلا اشكال ؛ وان قلنا بعدم الكفاية ولزوم قصد الامتثال في العبادة فنقول :

انّ طريان الطلب [ الوجوبي ] (٢) على الندب النفسي ليس بنحو يرفعه كما في طريان أحد الضدين على الآخر ، بل يؤكده كما في طريان المرتبة الشديدة من الحقيقة المشككة على المرتبة الضعيفة منها ، لانّ ما به الافتراق في الشديد ـ وهو شدة الطلب فيما نحن فيه ـ لما كان عين ما به الافتراق وهو الطلب المطلق الموجود في الضعيفة أيضا ، فلا يباينه كي يرفعه وان كان موجبا لارتفاع حد الضعيفة ، ولكن الحد بمعنى النقض من المرتبة الشديدة أمر عدمي لا يرتفع بارتفاعه أصل الطلب ، فاذا كان الطلب الغيري مشتملا على أصل الطلب النفسي الندبي فيصح قصد التعبد به من هذه الجهة ويكون موجبا لكون الطهارات عبادة اذا قصد باتيانها امتثال ذاك

__________________

(١) لم نعثر عليه بهذه العبارة ، والموجود في المصادر في حديث الأربعمائة هو : « الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا ». بحار الانوار ١٠ : ٩٨ الحديث ١. وفي الخصال : « للوضوء بعد الطهور ... الخ ».

الخصال ٢ : ٦٢٠.

(٢) في الاصل الحجري ( الوجودي ).

٢٨٠