تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

الشيخ علي القوچاني

تعليقة القوچاني على كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي القوچاني


المحقق: محمّد رضا الدّانيالي
الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-30-0
ISBN الدورة:
978-600-5213-29-4

الصفحات: ٥٧٠
الجزء ١ الجزء ٢

بعده.

وتوهم : عدم جريان حكم العقل بالبراءة ، للشك في حصول الغرض بعد اتيان المبدل فيرجع الى الشك في حصول الامتثال لو لم يأت بالمبدل اعادة.

مدفوع : بعد العلم بـ [ أنّ ] الغرض الفعلي أزيد من المقدار الحاصل بالبدل ؛ مضافا الى عدم الاثر الشرعي ، لعدم سقوط الغرض لو رجع الى استصحابه. وامّا امتثال الامر بالبدل فلا يتوقف على الاتيان بالمبدل بعد عدم كونهما من قبيل الاقل والاكثر الارتباطيين ، وحينئذ فيشك في وجوب الزائد من أول الامر.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الامر بالمبدل واجبا مشروطا بالاختيار أو معلقا مع كون عنوان الاضطرار والاختيار ـ نظير السفر والحضر ـ من قبيل تعدد الموضوع أو مطلقا بلا تعدد الموضوع ولكن مع كون الامر تخييرا شرعيا مرددا من أول الوقت بين المختار وحده في آخر الوقت وبين صلاة المضطر في الاول مع الشك في كونه بوحدته عدلا للمختار أو معه ، كما لو شك في طرف من الامر التخييري بين تعلقه بالاقل أو بالاكثر غير الارتباطي.

ولا فرق بين كون مشكوك الدخل مباينا مع العدل المعلوم أو متحدا ، خصوصا لو قلنا بتعدد الامر في الواجب التخييري. نعم لو كان التخيير عقليا والدوران في الافراد المحصلة للطبيعة ، يكون الدوران في نظير الدوران بين التعيين والتخيير ، فلا مجرى للادلة العقلية.

وامّا النقلية : فلا اشكال في جريان حديث الرفع في المبدل بالنسبة الى وجوبه التعييني بعد اتيان البدل ؛ هذا كله بالنسبة الى الاعادة.

وامّا القضاء : فلا اشكال في جريان البراءة فيه مطلقا ، ويكون الشك في وجوبه التعييني دونه في الاعادة ، لكونه فيها في وجوبها التخييري بالنحو الذي عرفت.

٢٢١

١٦٥ ـ قوله : « المقام الثاني : في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري وعدمه ». (١)

ولا شبهة في انّ إجزاءه بمعنى سقوط التعبد بنفس الامر الظاهري مما لا شبهة فيه ؛ وامّا بمعنى اسقاطه التدارك من الامر الواقعي ثانيا اعادة وقضاء فيحتاج الى تمهيد مقدمة وهي :

انّ الحكم الظاهري :

قد يطلق على الحكم المستفاد من الاصول العملية التي قد أخذ في موضوعها الجهل بالحكم الواقعي.

وقد يطلق ويراد به الحكم المستفاد من مطلق الادلة غير العلمية المحتاج في العمل بها الى دليل الاعتبار سواء كانت ناظرة الى الواقع أم لا.

ويسمى هذا الحكم حكما ظاهريا بالمعنى الأعم ، وهو :

قد يكون مجعولا لمجرد الطريقية الى الواقع ، بحيث لم تكن فيه مصلحة غير مصلحة الاحكام الواقعية على تقدير المطابقة والعذر عند مخالفتها على تقدير المخالفة ، غاية الامر لا بد من اشتمال الامر على مصلحة في حال الانفتاح من مثل التسهيل على النوع وغيره.

وقد يكون مجعولا لوجود مصلحة فيه بعنوان كونه مؤدّى الطرق والامارات ، نظير ما ثبت للفعل بعنوانه الواقعي من المصلحة والمفسدة وما يستتبعان من الحب والبغض والوجوب والحرمة وغيرهما من الاحكام ، كانت وافية بتمام المصلحة الواقعية أو بمقدار منها مع كون الباقي منها قابلا للاستيفاء بعد ذاك المقدار أو لا.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٠ ؛ الحجرية ١ : ٧٢ للمتن و ١ : ٧٧ العمود ١ للتعليقة.

٢٢٢

والحكم هو الإجزاء في الاول و [ الاخير ] (١) وعدمه في الاوسط. وقد تقرر في كيفية جعل الطرق امكان جعلها في مقام الثبوت بأحد من الوجهين.

وامّا دعوى استلزام السببية فيهما :

امّا [ لـ ] التصويب لو قيل بالكسر والانكسار بينها [ و ] بين العنوان الواقعي ، وما لمؤدّى الطرق من المصلحة والمفسدة وتبعية الحكم للغالب من الجهتين.

وامّا [ لـ ] لزوم اجتماع المصلحة والمفسدة وما تتبعانه على تقدير بقائهما على حالهما مع كون المقام من قبيل النهي في العبادات كما قرر في محله ، لا من قبيل مسألة الاجتماع حتى يبتني على الجواز فيها.

فمدفوعة : باختيار الشق الثاني ، بلا لزوم التضاد :

امّا بالنسبة الى الاحكام [ فـ ] لما تقرر من المراتب الاربعة الثابتة لها من الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجز ، وعدم المضادة بينها إلاّ في الاخيرين معا ، ولا يكون الاجتماع إلاّ في الاولين ، أو بينهما وبين واحد من الاخيرين ، وحينئذ فلا يلزم التصويب أيضا لاشتراك الحكم الواقعي بين الجاهل والعالم في المرتبتين الاوليين.

وامّا المصلحة والمفسدة فلكون المضادة بين وجوديهما في مقام تأثيرهما للحكم الفعلي لا مطلقا ، والغرض عدم اجتماعهما إلاّ في تأثيرها للحكم الاقتضائي.

وامّا المرتبة الفعلية فتابعة للغالب من الجهتين وهو العنوان الظاهري دون الواقعي ، لكون الالتفات اليه بانشائه ذا دخل في فعليته كما يظهر من ملاحظة أخبار

__________________

(١) في الاصل الحجري ( الآخر ).

٢٢٣

البراءة من مثل قوله عليه‌السلام : « كل شيء [ هو ] لك حلال حتى تعرف انّه حرام » (١) وغيره.

ومنه ظهر عدم اجتماع المحبوبية والمبغوضية ، لكونهما تابعين للحسن والقبح الفعليين التابعين للعلم ، فلا أثر في صورة الجهل أصلا.

فظهر مما ذكرنا انّ القول بحجية الامارات من باب السببية ـ بعد مساعدة الدليل ـ مما لا اعتبار عليه ، ويكون بعض أقسامه مجزيا دون البعض الآخر كما لا يخفى.

وليعلم أيضا انّ القول بالطريقية الصرفة في الطرق والامارات لا يستلزم القول بعدم الإجزاء ، لأنه على ذلك وان لم تحدث بسببها مصلحة في المأمور به إلاّ انّه يمكن مصادفتها لعنوان آخر ذا مصلحة وافية بتمام المصلحة الواقعية أو بمقدار منها لا يكون الباقي قابلا للتدارك ، كما لو أدّت الى الاتمام والجهر موضع القصر والاخفات وبالعكس ، ولا شبهة في الإجزاء حينئذ ، كما انّه لو كان الواقع عسرا بعد موافقة الامر الظاهري يرتفع الالزام عنه حينئذ ويكون ذلك في معنى الاجزاء أيضا ؛ هذا كله في مقام الثبوت.

وامّا مقام الاثبات فالكلام فيه في مقامين :

[ المقام ] الاول : في الاصول فنقول : انّ أدلتها من أخبار البراءة من مثل قوله عليه‌السلام : « كل شيء ... الخ » (٢) و « الناس في سعة » (٣) و « رفع ما لا يعلمون » (٤) وقاعدة الطهارة من مثل : « كل شيء طاهر » (٥) واخبار الاستصحاب من مثل : « لا

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠ باب ٤ من ابواب ما يكتسب به الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠ باب ٤ من ابواب ما يكتسب به الحديث ٤.

(٣) مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٠ باب ان من فعل ما يوجب الحد ... الخ الحديث ٤.

(٤) الحديث هو هكذا : « رفع عن امتي تسعة : الخطأ ... وما لا يعلمون ... الخ » ، بحار الانوار ٢ : ٢٨٠ كتاب العلم ، باب ٣٣ ما يمكن ان يستنبط من الآيات ... الخ الحديث ٤٧.

(٥) مستدرك الوسائل ٢ : ٥٨٣ الباب ٣٠ باب كل شيء طاهر حتى تعلم ... الخ الحديث ٤.

٢٢٤

تنقض اليقين بالشك » (١) وغيره لو جرت في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته أو مانعيته أو عدمها مع كونها مخالفة للواقع ، فالظاهر افادتها الإجزاء عن الواقع بعد انكشاف الخلاف في الوقت أو في خارجه.

بيانه : انّ تلك الادلة حاكمة على أدلة ما اعتبر في المركب وجودا أو عدما فتوسع موضوعها مرة وتضيقه اخرى ، وبعد التحكيم يكون كلاهما بمنزلة دليل واحد مقيد لدليل المركب فيتعين ما اعتبر فيه بالادلة الدالة على الأجزاء والشرائط بانضمام ما قامت عليه أدلة الاصول ، فيستكشف انّ جعلها كان بنحو السببية على الوجه الذي يكون مجزيا عن الواقع.

مثلا : اذا شك في وجوب السورة في الصلاة يكون جزئيتها واقعا ـ بعد حكومة حديث الرفع على دليل جزئيتها ـ مختصة بحال العلم بها والالتفات اليها ، فتكون الصلاة مركبة منها ومن غيرها في حال العلم والذكر ومن غيرها فقط في حال الجهل بها أو النسيان عنها كما لو كان دليل جزئيتها مختصا بما ذكرنا من أول الامر ؛ كما انّه لو ثبت طهارة مشكوك النجاسة بقاعدة الطهارة أو استصحابها يكونان بأدلتهما حاكمين على الدليل الدال على الطهارة الواقعية في الصلاة ، فيكون الشرط الفعلي للصلاة ـ بانضمام أدلة الاستصحاب وقاعدة الطهارة وتحكيمهما عليه ـ أعم من نفس الطهارة الواقعية واحرازها في المشكوك ولو كان نجسا بحسب الواقع ؛ فلو انكشف الخلاف فلا وجه لوجوب الاعادة بعد انكشاف الخلاف.

وتوهم : انّ الشرطية ليست بقابلة للجعل فليس مما يضيّق أو يوسّع دائرته بدليل الاستصحاب أو القاعدة.

__________________

(١) الصحيح هو : « لا ينقض اليقين ... الخ ». الكافي ٣ : ٣٥١ باب السهو في الثلاث والاربع الحديث ٣.

٢٢٥

مدفوع : بأنّ الشرطية والجزئية مما تنالهما [ يد ] الجعل بتوسيط منشأ انتزاعهما وهو وجوب المركب ، وكل ما كان كذلك فيصح الجريان فيه ؛ فبعد حكومته على دليل الشرط تكون الصلاة واجدة له حقيقة.

ودعوى : انّ وجوب الاعادة بعد كشف الخلاف لا ينافي الاستصحاب ، بعدم كون الاعادة نقضا بالشك بل باليقين بالنجاسة الواقعية حال الصلاة.

مدفوعة : برجوعها الى عدم التسلّم لحكومة الاستصحاب على دليل الشرط وتوسعته الى الطهارة الظاهرية أيضا ، إذ معه تكون الصلاة مجتمعة للاجزاء والشرائط المعتبرة بلا فقد شيء منها كي يستلزم الاعادة. نعم يصح ذلك بالنسبة الى الصلاة الواقعة بعد كشف الخلاف ، لعدم كونها واجدة للشرائط حينئذ كما لا يخفى.

ويؤيد ما ذكرنا بعض فقرات صحيحة زرارة الواردة في باب الاستصحاب « قال ... قلت : فان ظننت انّه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت : لم ذلك قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض بالشك أبدا ... الخ » (١) فحكمه عليه‌السلام بعدم الاعادة معللا بعدم جواز نقض اليقين بالشك لا يتم إلاّ باقتضاء الامر الاستصحابي لتوسعة الشرط.

ثم انّ المراد من التوسعة في الحكم الفعلي وتعميمه بالنسبة الى الطهارة الظاهرية مع الشك ـ مع حفظ الاشتراط الواقعي بالنسبة الى الطهارة الواقعية ـ اقتضاء ، لا توسعة نفس الشرط الواقعي ، لاستلزامه التصويب وخروج المسألة عما نحن فيه من اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء.

وما ذكرنا من كون الحكومة توسعة وتضييقا في المرتبة الفعلية هو مراد

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ : ٤٢١ باب تطهير البدن والثياب من النجاسات الحديث ٨.

٢٢٦

الاستاذ العلاّمة دام ظله في فوائده (١) في باب الاستصحاب في شرح رواية زرارة من تعبيره من الطهارة الظاهرية بالشرط الواقعي مفهوما ومنطوقا فانّه قال مرة :

« والتحقيق في حل الاشكال أن يقال : الطهارة الخبثية ليس بشرط واقعي » ، واخرى : « وبعبارة اخرى : يعتبر في الصلاة واقعا احراز الطهارة لا نفسها مع الالتفات اليها ، وبدونه لا يعتبر أصلا » ، وكذا بعض عباراته الموهمة ؛ ولكنه يظهر مراده مما ذكر من بعض أجوبته الاخيرة من الايرادات المذكورة في كلامه فراجع.

ثم انّه لا فرق في تحكيم الدليل الوارد في الجزء والشرط بين كون ذلك الدليل على نحو العموم كما في الاصول على ما عرفت ، أو على نحو الخصوص كما لو ورد الدليل على انّه تحل الصلاة بمشكوك النجاسة أو الحريرية ، فانّه يفهم انّ امتثال الصلاة المأمور بها يحصل بالمشكوك ؛ فلو كانت الطهارة شرطا كان ذلك توسعة لدليله ، أو النجاسة مانعا فيكون تضييقا بالنسبة اليه.

ودعوى : التفرقة بين الدليل الخاص والعام ، بامكان حمل الاول على تعدد الواقع المستكشف بقوله عليه‌السلام : « يحل في المشكوك » (٢) دون الثاني ، للقطع بعدم تعدده في موارد الاصول ، وحينئذ فيحكم في الاول بالاجزاء دون الثاني.

مدفوعة : بأنّ الجمع ـ بالحمل على تعدد الواقع ـ انما هو على تقدير التعارض بينهما عرفا دون ما لم يكن كذلك ، لظهور الدليل الظاهري بكفايته عن الواقع بدلا عنه ، ولا فرق في ذلك بين الدليل الخاص والعام كما لا يخفى.

تنبيه : اعلم انّ استفادة الاجزاء بالنسبة الى الامر الظاهري انما هو على

__________________

(١) درر الفوائد في الحاشية على الفرائد : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، والطبعة الحجرية : ١٨١.

(٢) ليس هذا لفظ رواية وانما هو عنوان متصيد من العمومات الروائية ، من مثل : « كل شيء هو لك حلال » وغيره.

٢٢٧

تقدير قيامه بالجزء أو الشرط أو المانع ؛ وامّا لو قام على وجوب أمر مباين للمأمور به الواقعي كالجمعة الثابتة بالاستصحاب مقام الظهر في زمان الغيبة فلا اشكال في عدم الكفاية بعد كشف الخلاف.

والسرّ : عدم النظر للأمر الظاهري بالنسبة الى المأمور به الواقعي بأن يكون حاكما على دليله أو مقيدا له كما عرفت في الأجزاء أو الشرائط ، حيث انّ اثبات وجوب الجمعة ظاهرا بالاستصحاب لا تعرّض له بالنسبة الى وجوب الظهر نفيا واثباتا كي يحتمل كفايته.

ودعوى : انّ مقتضى العلم بعدم تعدد التكليف إجزاء الامر الظاهري عن الواقع.

مدفوعة : بأنّ العلم انما هو بعدم تعدده واقعا ، وأما بعد كشف الخلاف فلا منافاة بين وجوب الجمعة ظاهرا ـ ما دام الشك ـ ووجوب نفس الواقع فعلا بعد كشف الخلاف وان لم يتنجز على المكلف ما دام الشك. لكن ليس ذلك للمنافاة بينه وبين الحكم الظاهري كي لا يصير فعليا بعد انكشاف الخلاف أيضا ، بل للجهل به ، فبعد صيرورته معلوما يصير فعليا بمقتضى الغاية في نفس أخبار البراءة مثل قوله عليه‌السلام : « حتى تعرف انّه حرام » (١) واطلاق الدليل الواقعي.

وتوهم : امكان تدارك مصلحة الواقع ـ وهو وجوب الظهر ـ فلا يصير فعليا بعد تدارك مصلحته.

يدفعه : الاطلاق ، مع اطلاق دليل القضاء ، ولا بأس بالتمسك به في الشبهة المصداقية لما تقرر في محله من جوازه في المخصص اللبي ، وهذا بخلاف ما اذا شك في اتيان نفس الواجب ـ كما في الامر الاضطراري أو الظاهري بناء على

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠ باب ٤ من ابواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٢٢٨

السببية ـ لكون الشك فيه في نفس عنوان العام بعد كونهما من افراده في مقام الاثبات ، فلا يقاس ما نحن فيه [ بما ] (١) لم يكن المأتي به من افراد العام اثباتا كما لا يخفى. نعم لو قام اجماع على وحدة التكليف ظاهرا أيضا فلا بأس بالاجزاء.

المقام الثاني : في الطرق والامارات وهي على قسمين : لأنها امّا أن تكون مؤدّية الى وجوب أمر مباين للمأمور به الواقعي ، وامّا أن تكون مؤدية لجزئية شيء للمأمور به أو شرطيته له أو مانعيته عنه.

امّا الاول : فنقول : انّ ما كان منها بلسان التوسعة للشرط والجزء الواقعيين تنزيلا لما قامت عليه منزلتهما ، كما لو قامت الامارة على انّ ما بين المشرق والمغرب قبلة للجاهل بها فالظاهر انّها كالاصول في الإجزاء ، فيكون الحكم الفعلي للجاهل على تقدير الخطأ عن القبلة الحقيقية هو ذلك بنحو التوسعة للشرط الواقعي في مقام الفعلية كما مر في الاصول.

وأمّا [ الثاني : أي ] ما لم يكن من الامارات كذلك : بأن قامت على تعيين الجزء والشرط الواقعيين لا بما هما شيء في قبال الواقع ، وحينئذ فلو خالفا عنه :

فان كان دليل اعتبارها دالا على وجوب الأخذ بمؤداها مطلقا لا بلحاظ نظرها الى الواقع ـ وان كانت بنفسها ناظرة اليه كما في قاعدة اليد والقرعة وأصالة الصحة وغيرها من القواعد التعبدية ـ فالظاهر انّها تكون مثل القسم الاول في الاجزاء اثباتا بحسب دليل اعتبارها ، ويستكشف قيام المصلحة بها بنحو من الانحاء التي كانت مجزية عن الواقع ثبوتا.

وان كان دالا على حجيتها بلحاظ طريقيتها الى الواقع فالظاهر عدم الاجزاء ،

__________________

(١) في الاصل الحجري ( مما ).

٢٢٩

لعدم توسعة دائرة الواقع بها في مقام الفعلية أصلا لعدم حجيتها تعبدا ، بل بما هو طريق صرف بحيث لم يلاحظ لها نفسية ، فاذا أخطأت كان التكليف الواقعي المتوجه الى المكلف الذي لا بد من امتثاله باقيا بحاله ، والمفروض عدم الاتيان بنفسه ولا ببدله.

واحتمال : انطباق مؤدّى الامارة على عنوان ذي مصلحة متداركة لمصلحة الواقع ، فيشك في فعليتها بعد انكشاف الخلاف بعد ما لم يكن فعليا قبله.

يدفعه : اطلاق دليل الواقعيات ، واطلاق الغاية المذكورة في أدلة البراءة الدالة على فعليتها بمجرد العلم بها.

فان قلت : لازم ما ذكرت من اطلاق الغاية عدم الاجزاء في نفس أدلة الاصول أيضا ، لأنها دلت على ثبوت المغيّا ما دام لم ينكشف الخلاف وامّا بعدها فيصير نفس الواقع فعليا بمقتضاها.

قلت : انّ ما ذكرت من تقييد الحكم في المغيّا بعدم حصول الغاية ـ على القول بالمفهوم فيها ـ فانّما هو بالنسبة الى بعد الغاية دون ما قبلها.

مثلا : يكون مفاد « كل شيء طاهر حتى تعلم انّه قذر » انّ الطهارة الظاهرية والحكم بها ، الذي لازمه توسعة موضوع الدليل الدال على اشتراط الطهارة الواقعية ؛ انما يكون الى زمان العلم بالقذارة امّا بعده فيكون الشرط هو الطهارة الواقعية فقط ، ولازم ذلك إجزاء الطهارة الظاهرية عن الطهارة الواقعية وبدليتها عنه بالنسبة الى الاعمال المشروطة بها الواقعة قبل العلم بها ، وقضية البدلية سقوط الاعادة والقضاء عن الواقع.

فان قلت : انّ الغاية المذكورة دلّت على فعلية كل ما تعلق العلم به ، ومن المعلوم انّه متعلق بالنجاسة السابقة المحكومة ظاهرا بطهارته ، ولازم الفعلية كذلك اعادة العمل السابق لو انكشف الخلاف في الوقت وقضائه لو انكشف في خارجه.

٢٣٠

قلت : انّ ما ذكرت من صيرورة المعلوم فعليا انما هو مسلّم بالنسبة الى الواقعيات التي لم يقم مقامها بدل ولم يتوجه حكمها الفعلي الى بدلها كما في الأعمال اللاحقة ، وامّا السابقة فلا اشكال في توجه أمرها الفعلي من مثل ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) الى بدلها القائم مقامها بحكم المغيّا في أدلة البراءة ، ولا اشكال في حكم العقل أيضا بلزوم امتثال التكاليف الواقعية المتوجهة الى المكلف في ضمن مؤدّى الاصول ؛ ولازم المقدمتين ـ مع العلم بعدم تعدد التكليف الحقيقي في كل وقت ـ الإجزاء عقلا وعدم انقلاب التكليف الفعلي الى نفس الواقع بعد كشف الخلاف.

نعم لو لم يدّع الانقلاب بل ادّعي كون الغاية قرينة لظهورها على ارادة الحكم الصوري من المغيّا بعد كشف الخلاف ـ ولا يكون ذلك إلاّ لمجرد العذر في ترك الواقع على تقدير الخطأ كما في الامارات ـ لكان الحق عدم الإجزاء ، كما انّه لا بد من ذاك الحمل لو قام الدليل الخارجي على عدم الإجزاء.

إلاّ انّه مدفوع : بأظهرية المغيّا في كونه بصدد الحكم الفعلي التعبدي من ظهور الغاية على خلافه ، فلا بد من الاخذ بالنسبة الى غير ما أتى به مطابقا للامر الظاهري.

هذا كله بناء على أن تكون الغاية المذكورة فيها لبيان الحكم الفعلي للواقع المعلوم في قبال المغيّا ؛ وامّا بناء على حملها على بيان الحكم العقلي وهو انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه بأن كان ذكر القيد لمجرد تنقيح موضوع الحكم الظاهري فحينئذ لا يكون لها مفهوم كي يقال بظهورها على حكم المغيّا كما لا يخفى.

ثم لا فرق فيما ذكرنا ـ من التفصيل بين الاصول والامارة ـ بين ما كانت جارية قبل العمل ، أو بعد الفراغ من العمل ، أو في أثنائه كما في قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز ؛ في الإجزاء وعدمه.

تنبيه : لو بنينا على عدم الاجزاء في الامارات فهل هو كذلك لو كان

٢٣١

انكشاف خلافها بالامارة الظنية أم لا؟

وليعلم : انّ محل الكلام فيما كانت الامارة السابقة واجدة لشرائط الحجية واقعا الى حين انكشاف الخلاف به ، وإلاّ فلا اشكال في عدم الاجزاء.

كما انّ محل الكلام هو الآثار اللاحقة المرتبطة بالاعمال السابقة من الاعادة والقضاء ، دون الوقائع اللاحقة غير المرتبطة بالسابقة ، أو الاعمال السابقة التي لا يترتب عليها حكم في اللاحق كوجوب المبادرة الى العمل واباحة شرب شيء من المائع القائم عليه الامارة السابقة ثم انكشف خلافها بالامارة الظنية ؛ فانّه لا اشكال في عدم الإجزاء بالنسبة الى الاولى والإجزاء بالنسبة الى الثانية.

اذا عرفت ذلك فالظاهر عدم الاجزاء بناء على ما عرفت من حجية الامارات من باب الطريقية الصرفة وعدم توسعة الواقع بها لكونها مرآة له ، فاذا قامت على خلافها الامارة المعتبرة يكشف عن خطئها عنه بالظن المعتبر كما لو قطع بخلافها في الزمان الثاني ؛ ومن المعلوم انّ مضمون الامارة الاولى ثبوت حكم مؤداها أزلا وأبدا ، فاذا قامت أمارة اخرى [ دالة ] (١) على خلاف السابقة أزلا وأبدا أيضا فاذا قدمت عليها في بعض الازمنة فتقدم عليها في تمامها ، لعدم التفكيك ، فيحكم بترتيب الاثر عليها دون السابقة ، إلاّ فيما مضت من الآثار بحيث لا يمكن ترتيبها كما عرفت.

وتوهم : معارضتها في الآثار السابقة فلا وجه لتقديم الثانية.

مدفوع : بحكومتها على الاولى على الفرض ، كتوهم استلزام الحكم بوجوب الاعادة على طبق الامارة الثانية الحكم بعدم حجية السابقة في ظرفها والمفروض حجيتها في السابق بالنسبة الى الاعمال السابقة ، وقضيتها سقوط

__________________

(١) في الاصل الحجري ( التي دلت ).

٢٣٢

الاعادة والقضاء ، عنها. مضافا الى عدم تحمل الواقعة الواحدة لاجتهادين.

وحاصل الدفع : ما عرفت من حجيتها من باب الطريقية الصرفة ، وعدم توسعة الدليل الواقع ؛ ولازمه بنفسه عدم كفايته عن الواقع في صورة المخالفة اعادة وقضاء وهو لا ينافي حجيته أيضا ، حيث انّ لازم حجيتها هو الحكم بفعلية مؤداها ، وترتيب الاثر عليه ظاهرا ، ومضي الاعمال التي لا تدارك لها لاحقا مع العذر ، بل مع التزام التدارك ـ على قول ـ فيما فات بواسطة حجيتها ؛ وامّا الاعادة والقضاء فالتعبد بهما بواسطة الامارة الثانية ليس تعبدا قبل زمان الحجية كما لا يخفى.

وامّا ما ذكر من عدم تحمل الواقعة الواحدة لاجتهادين فالمراد منه ـ كما لا [ يحتمل ] (١) غيره ـ عدم الدليل على متابعة الاجتهاد الثاني في الواقعة السابقة بعد العمل فيها على طبق الاجتهاد الاول ، ففيه :

انّ الاعادة والقضاء بمقتضى حكومة الثاني على الاول ـ مع فرض حجيته من باب الطريقية ـ انما هو مع الدليل كما هو واضح.

١٦٦ ـ قوله : « وأمّا إذا شك ولم يحرز أنها على أيّ الوجهين ». (٢)

لكن التحقيق هو : الإجزاء ، بناء على كون التكليف اللازم المراعاة هو الفعلية الحتمية ، مع الالتزام بعدم فعلية الواقع مطلقا فيما كان مفاد الحكم الظاهري فعليا بناء على المشهور من انشاء الحكم على طبق الامارات ولو على الطريقية.

نعم يتم ما في المتن بناء على كون المراد من الفعلية هو الفعلية على نحو التعليق ، بمعنى انّه لو علم به المكلف لتنجز ، لانّ الحكم الواقعي كان بمرتبة يجب امتثاله لو علم به المكلف وشك في سقوطه عن الفعلية بعد العمل بالامارة ، وحينئذ

__________________

(١) في الاصل الحجري ( يتحمّل ).

(٢) كفاية الاصول : ١١١ ؛ الحجرية ١ : ٧٣ للمتن و ١ : ٧٩ العمود ٢ للتعليقة.

٢٣٣

يصح استصحاب التكليف الواقعي شخصا أو استصحاب الكلي على النحو الثاني من الاقسام في استصحابه.

وعلى هذا يشكل اثبات الإجزاء على السببية أيضا بالاصل ، كما لو شك في كفاية مؤدى الامارة عن المصلحة الواقعية ؛ ولا يقاس بالامر الاضطراري كما في المتن لكون التكليف الاختياري غير ثابت أصلا في حال الاضطرار ، وهذا بخلاف التكليف الواقعي حال الجهل به ولو على السببية فانّه ثابت على نحو الفعلية التعليقية ، فتدبر جيدا.

١٦٧ ـ قوله : « فأصالة عدم الاتيان بما يسقط معه التكليف ... الخ ». (١)

لا يخفى انّه لو رجع هذا الاصل الى الاستصحاب الوجودي وهو أصالة بقاء التكليف الفعلي الواقعي فهو انما يصح مع ما عرفت من معنى الفعلية ؛ وامّا لو كان باقيا بظاهره وهو الاصل العدمي فربّما يشكل بأنّ أثره ـ وهو وجوب الاتيان بالواقع ـ لا يترتب عليه إلاّ بالمثبت ، حيث انّ ترتب الوجوب على من لم يأت بالواقع يكون عقليا لا شرعيا ولا بد منه في الاستصحاب.

ولكن التحقيق : عدم المحذور فيه ، لما تقرر في محله من جريان الاصل الموضوعي في موضوع التكليف وجودا وعدما ؛ ومن المعلوم انّ الفعل الواجب كما يجري فيه الاصل وجودا يجري فيه عدما. ولو ترتب عليه أثر عقلا من وجوب الاطاعة ونحوه ، فلا بأس به أيضا كما لا يخفى.

١٦٨ ـ قوله : « واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا لا يجدي ». (٢)

وفيه : انّه على تقدير تسليم عدم فعلية التكليف الواقعي من أول الامر لا اشكال في صحة جريان الاصل وحصول فراغ الذمة به ، لانّ ما هو المتيقن من

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١١ ؛ الحجرية ١ : ٧٣ للمتن و ١ : ٨٠ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١١١ ؛ الحجرية ١ : ٧٣ للمتن و ١ : ٨٠ للتعليقة.

٢٣٤

فعليته قد حصل الفراغ منه وغيره مشكوك الفعلية من الاول فيحكم بعدمه رأسا كما لا يخفى.

إلاّ انّك عرفت فعلية الواقع حتما بناء على جعل الحجية وتعليقا بناء على انشاء الحكم ، وحينئذ فلا وجه لجريان الاصل المذكور.

١٦٩ ـ قوله : « وهذا بخلاف ما اذا علم أنه مأمور به واقعا ». (١)

لأنه في هذه الصورة يكون الحقيقي على طبق الامر الاضطراري أولا ثم يشك في حدوث الفعلية على طبق الواقعي الأوّلي ، والاصل عدمه ؛ ولكنه لا يصح بالنسبة الى الامر الظاهري كما عرفت. نعم لو كان اطلاق لدليله فلا بأس بالإجزاء لاجله.

١٧٠ ـ قوله : « نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة ». (٢)

فان قلت : ربما يشكل في كلتا الصورتين : لأنه على الاول فكيف اختصاص الامر بغيره؟ وعلى الثاني فيكون منهيا عنه لكونه سببا لتفويت الواجب الواقعي فكيف يصلح أن يتقرب به اليه تعالى وتحصل به المثوبة؟

قلت : امّا عدم الامر في الاولى فلما تقرر في مبحث التجري من عدم امكان أخذ القطع الطريقي في صورة الخطأ ـ أو ما يلازمه ـ موضوعا لحكم مماثل لما تعلق به ، لاستلزامه امّا الاذعان باجتماع المثلين في نظر القاطع أو احتمال الخطأ عنده وكلاهما محال ، فلا يمكن البعث المولوي لاحداث الداعي للعبد بالنسبة الى حكم آخر كما هو واضح. وليس ذلك من قبيل الناسي والغافل بناء على امكان بعثهما الى ما عدا المنسي أو المغفول عنه بعنوان آخر غير الغافل والناسي ، فتدبر

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٢ ؛ الحجرية ١ : ٧٣ للمتن و ١ : ٨٠ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١١٢ ؛ الحجرية ١ : ٧٤ للمتن و ١ : ٨١ للتعليقة.

٢٣٥

جيدا.

وامّا النهي في الصورة الثانية فيبتني على اقتضاء الامر بالشيء النهي عن الضد ؛ وحيث انّ التحقيق في تلك المسألة عدم الاقتضاء فبقي المأتي به على ما هو عليه من المصلحة بلا تعلق أمر به ، لاهمية غيره.

١٧١ ـ قوله : « الثاني : لا يذهب عليك أنّ الإجزاء ... لا يوجب التصويب ». (١)

حاصله : انّ التصويب اللازم للقول بالإجزاء ـ وهو اشتمال مؤدى الطرق والامارات على أحكام فعلية حقيقية موجبة للمثوبة والعقوبة على موافقتها ومخالفتها مع بقاء الواقع على واقعيته بلا فعلية حتمية ـ غير باطل ، كيف وقد ذهب المشهور الى الإجزاء ، هذا.

مع انّ الواقع لا يكون فعليا على الطريقية أيضا بناء على جعل الحكم التكليفي على طبقها ، إذ التصويب الباطل ـ وهو خلو الواقعة عن الحكم الواقعي المشترك بين العالم والجاهل غير ما أدّت اليه الامارة ـ غير لازم للإجزاء ، لعدم المنافاة بينه وبين الحكم الواقعي المحفوظ بمرتبته كما لا يخفى.

١٧٢ ـ قوله : « فلا بد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها ». (٢)

وإلاّ فاذا ارتفع بواسطة الحكم الظاهري لزم ارتفاع الجهل بالواقع ، وحينئذ فان كان الحكم الظاهري مرتفعا برفع موضوعه وهو الجهل فيلزم من وجوده عدمه ، وان كان باقيا فيلزم أن يكون الحكم رافعا لموضوعه وباقيا بدونه ، والحال انّه فرع تحققه ، فكيف يكون رافعا له ، فتدبر جيدا.

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٣ ؛ الحجرية ١ : ٧٤ للمتن و ١ : ٨١ للتعليقة.

(٢) كفاية الاصول : ١١٣ ؛ الحجرية ١ : ٧٤ للمتن و ١ : ٨٢ للتعليقة.

٢٣٦

مقدمة الواجب

١٧٣ ـ قوله : « الاول : الظاهر انّ المهم المبحوث عنه في هذه المسألة البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ». (١)

أقول : ظاهر عنوان القوم [ أنّ ] هذه المسألة لوجوب المقدمة وان أوهم انها من المسائل الفقهية ، حيث انّ البحث في وجوبها كان بحثا عن عوارض فعل المكلف الذي يكون موضوعا للفقه ، والبحث عن عوارضه من المسائل الفقهية ؛ إلاّ انّ التكلم في هذه المسألة على التحقيق [ هو ] في تحقق الملازمة بين ذي المقدمة ووجوب مقدمته عقلا وعدمه ؛ ولا يخفى انّ البحث عن الملازمة يكون من المباحث الاصولية فلا وجه لهذا التوهم.

كما انّها على ما ذكرنا تكون من المباحث العقلية منها لكون البحث في حكم العقل بالملازمة بينهما وان استفيد وجوب ذي المقدمة من العقل أو الاجماع بلا لفظ في البين ، فلا وجه لجعله من المباحث اللفظية والاستدلال له نفيا واثباتا بدلالة اللفظ وعدمها كما يظهر من المعالم. (٢)

كما انّه لا وجه لجعلها من المبادئ الاحكامية ، بتوهم كون وجوب المقدمة من لوازم وجوب ذي المقدمة ، والبحث [ عن ] (٣) لوازم الاحكام يكون من مبادئها

__________________

(١) كفاية الاصول : ١١٤ ؛ الحجرية ١ : ٧٤ للمتن و ١ : ٨٢ للتعليقة.

(٢) معالم الدين : ٦٠ و ٦٢.

(٣) في الاصل الحجري ( من ).

٢٣٧

فلا يكون من المسائل.

فانّه مضافا الى ما عرفت من انّ دخوله في المسائل على القاعدة ، ولا يصح جعله من المبادئ.

امّا أولا : فلعدم كون الملازمة بين الوجوبين من حيث تعلقهما بالشيء ومقدمته المرتبطين في الوجود من حالات الوجوب بما هو كالمضادة بينه وبين سائر الاحكام التكليفية.

وامّا ثانيا : فلعدم صدق المبادئ على حالات الوجوب العارض على فعل المكلف : امّا التصديقية فواضح لكونها هي الادلة المستدل بها لانتساب المحمولات الى الموضوعات وليس هذا منها ، وامّا التصورية فكذلك لكونها حدود الموضوع وجزئياته واجزائه وليس منها أيضا.

نعم ربّما يتوهم كونها من جهة كون البحث فيها من وجوه الموضوع وهو حكم العقل ، ولكنه يدفع بما ذكر في اول الكتاب من عدم كون الموضوع خصوص الادلة الاربعة ، بل الجامع بين موضوعات المسائل التي تقع في طريق الاستنباط.

١٧٤ ـ قوله : « كما ربّما يظهر من صاحب المعالم (١) حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ». (٢)

حيث انّ المدّعى اذا كان هو الملازمة الواقعية ولو بنحو غير البيّن فنفي الدلالة مطلقا لا يدل على عدم كونها بالمعنى الاخص فلو كانت هي المدعاة زائدا على مطلق الملازمة لكان للاستدلال على عدمها بنفيها وجه ؛ إلاّ انّ وجوبها بالمعنى الاخص لا جدوى لها في الاصول فانّ المجدي انما هو مطلق الملازمة. نعم يمكن أن يقال : انّ النزاع انما هو فيه ، غاية الامر يكون التمسك باللفظ من

__________________

(١) معالم الدين : ٦٢.

(٢) كفاية الاصول : ١١٤ ؛ الحجرية ١ : ٧٤ للمتن و ١ : ٨٣ للتعليقة.

٢٣٨

طرف اثباتها لو لم يكن له طريق آخر.

ولكن هذا يجدي في طرق الاثبات ؛ وامّا النفي فلا يكفي فيه عدم الدلالة بل لا بد من اقامة دليل آخر على العدم.

ولا يبعد أن لا يكون مراد صاحب المعالم (١) الاقتصار فيه بمجرد عدم الدلالة ، بل مراده ردّ المثبت بأنّ الدلالة : امّا لفظية فمنتفية ، وامّا عقلية ، فكذلك ، بل يدل العقل على الخلاف ، فلا وجه للاثبات فراجع.

١٧٥ ـ قوله : « والخارجية ، وهي الامور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه ». (٢)

تنقسم هذه الى : السبب ، والشرط ، والمانع ، والمعد.

[ فأمّا ] (٣) السبب : فقد يطلق على العلة التامة وهي المؤثر الذي لا يحتاج في ايجاد الشيء الى شيء سواه ؛ فيشمل العلل المتبادلة ؛ ويخرج منه الجزء الاخير منها والشرط الاخير ؛ فلا ينتقض عليه ببعض ما اورد على تعريفه بما يستحيل انفكاك المعلول منه وغيره.

وقد يطلق على ما يجتمع مع المانع ، وبعبارة اخرى : على المشتمل على الاجزاء وشرائط التأثير سوى فقدان المانع.

وقد يطلق على ذات المؤثر وان كان فاقد الشرط أيضا.

امّا الشرط : فقد عرّف [ بـ ] (٤) « ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من

__________________

(١) معالم الدين : ٦٢.

(٢) كفاية الاصول : ١١٤ ؛ الحجرية ١ : ٧٥ للمتن و ١ : ٨٣ للتعليقة.

(٣) في الاصل الحجري ( واما ).

(٤) في الاصل الحجري ( على ).

٢٣٩

وجوده الوجود ». (١)

وامّا النقض عليه :

عكسا ، بالشروط المتبادلة والاخيرة منها ، حيث انّ الاولى مما لا يلزم من عدمه العدم والثانية مما يلزم من وجوده الوجود.

وطردا ، بلوازم الشرط والمقتضي الفاقد للشرط والواجد للمانع ، لصدق التحديد عليهما ؛ فغير وارد.

امّا الاول : فلكون الشرط حينئذ هو القدر المشترك.

والثاني : فلحمل كل « من » في قوله : « ولا يلزم من وجوده الوجود » على السببية ؛ ومن المعلوم انّ اللزوم في الشرط الاخير انما هو من جهة السبب لا لاجله.

والثالث : فلحمل كل « من » في قوله : « ويلزم من عدمه العدم » على السببية ؛ ومن المعلوم انّ لزوم العدم في صورة عدم اللوازم انما هو لاجل عدم الشرط لا لاجل عدمها.

وامّا الرابع : فلارادة الدوام من اللزوم ، فلا نقض أصلا.

وامّا المانع : فهو [ ما ] يلزم من وجوده العدم على نحو العلة التامة.

وامّا المعد : فهو ما يلزم من كل من وجوده وعدمه المطلقين العدم ، فيعتبر كل من وجوده وعدمه في التأثير.

وليعلم انّ ما ذكرنا من التعريف لكل من أقسام المقدمة انما هو من قبيل شرح الاسم لا الحد الحقيقي ، فلا يرد عليها من الدور وغيره.

__________________

(١) هداية المسترشدين : ١٩٥ السطر ١٣ ، والطبعة الحديثة ٢ : ٩٣ ؛ ومطارح الانظار : ٣٩ السطر ٩ والطبعة الحديثة ١ : ٢٠٨ ، لكن فيه هكذا : « ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجوده ».

٢٤٠