درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

(الثالث) ان دليل المستصحب اما ان يدل على استمرار الحكم الى حصول رافع او غاية واما ان لا يدل وقد فصل بين هذين القسمين المحقق فى المعارج والمحقق الخوانسارى فى شرح الدروس فانكر الحجية فى الثانى واعترفا بها فى الاول مطلقا كما يظهر من المعارج او بشرط كون الشك فى وجود الغاية كما يأتى من شارح الدروس وتخيل بعضهم تبعا لصاحب المعالم ان قول المحقق قده موافق للمنكرين لان محل النزاع ما لم يكن الدليل مقتضيا للحكم فى الآن اللاحق لو لا الشك فى الرافع وهو غير بعيد بالنظر الى كلام السيد والشيخ وابن زهرة وغيرهم حيث ان المفروض فى كلامهم هو كون دليل الحكم فى الزمان الاول قضية مهملة ساكتة عن (الثالث) ان دليل المستصحب اما ان يدل على استمرار الحكم الى حصول رافع او غاية واما ان لا يدل وقد فصل بين هذين القسمين المحقق فى المعارج والمحقق الخوانسارى فى شرح الدروس فانكر الحجية فى الثانى واعترفا بها فى الاول مطلقا كما يظهر من المعارج او بشرط كون الشك فى وجود الغاية كما يأتى من شارح الدروس.

(التفصيل) بين كون المستصحب مما ثبت بدليله او من الخارج استمراره فشك فى الغاية الرافعة له وبين غيره فيعتبر فى الاول دون الثانى هو الذى اختاره المحقق فان المحكى عنه فى المعارج انه قال اذا ثبت حكم فى وقت ثم جاء وقت آخر ولم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم هل يحكم ببقائه ما لم يقم دلالة على نفيه ام يفتقر الحكم فى الوقت الثانى الى دلالة حكى عن المفيد قده انه يحكم ببقائه وهو المختار.

(ثم قال) بعد ذكر ادلة المانعين والجواب عنها والذى نختاره ان ننظر فى دليل ذلك الحكم فان كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم

٤٤١

حكم الزمان الثانى ولو مع فرض عدم الرافع إلّا ان الذى يقتضيه التدبر فى بعض كلماتهم مثل انكار السيد لاستصحاب البلد المبنى على ساحل البحر مع كون الشك فيه نظير الشك فى وجود الرافع للحكم الشرعى وغير ذلك مما يظهر للمتأمل ويقتضيه الجمع بين كلماتهم وبين ما يظهر من بعض استدلال المثبتين والنافين هو عموم النزاع لما ذكره المحقق فما ذكره فى المعارج اخيرا ليس رجوعا عما ذكره اولا بل لعله بيان لمورد تلك الادلة التى ذكرها لاعتبار الاستصحاب وانها لا تقتضى اعتبار ازيد من مورد يكون الدليل فيه مقتضيا للحكم مطلقا ويشك فى رافعه.

كعقد النكاح فانه يوجب حل الوطى مطلقا فاذا وقع الخلاف فى الالفاظ التى يقع بها الطلاق فالمستدل على ان الطلاق لا يقع بها لو قال حل الوطى ثابت قبل النطق بهذه الالفاظ فكذا بعده كان صحيحا لان المقتضى للتحليل وهو العقد اقتضاه مطلقا ولا يعلم ان الالفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيثبت الحكم عملا بالمقتضى. (لا يقال) ان المقتضى هو العقد ولم يثبت انه باق. (لانا نقول) وقوع العقد اقتضى حلّ الوطى لا مقيدا بوقت فيلزم دوام الحل نظرا الى وقوع المقتضى لا الى دوامه فيجب ان يثبت الحل حتى يثبت الرافع ثم قال فان كان الخصم يعنى بالاستصحاب ما اشرنا اليه فليس هذا عملا بغير دليل وان كان يعنى امرا آخر وراء هذا فنحن مضروبون عنه.

(قوله فى الاول مطلقا كما يظهر من المعارج) ان اراد من الاول استمرار حصول الحكم الى رافع او غاية كما هو الظاهر منه خصوصا مع جعله مقابلا بقوله او بشرط كون الشك فى وجود الغاية ففيه ان المحقق لا يقول بحجية

٤٤٢

الاستصحاب الا فى الشك فى الرافع فقط لا فى الشك فى الغاية ولو لم تكن رافعة وان اراد به هو الشك فى حصول الرافع فقط فهو وان كان مطابقا لمختار المحقق ولكنه خلاف ظاهر العبارة من دون نصب قرينة عليه.

(ثم) ان كون المحقق قائلا بحجية الاستصحاب مطلقا بالمعنى المزبور مع انه لم يتعرض للاستصحاب فى الشبهة الموضوعية اصلا اما من جهة وجود المناط فيهما او من جهة عدم القول بالفصل وسيجىء شطر من الكلام فى ذلك عند ذكر حجة القول التاسع الذى اختاره المحقق قدس‌سره.

(واما الفرق بين الرافع والغاية) فان الغاية قد تكون رافعة مثل الحكم باستمرار اثر عقد النكاح مثلا الى حصول الطلاق او الفسخ وقد تكون غير رافعة مثل استمرار وجوب الصوم الى الليل فان الليل ليست رافعة بل هى غاية وبيان لانقضاء اقتضاء المقتضى فالغاية اعم من الرافع وسيأتى فى كلام المحقق الخوانسارى التمثيل بكلا القسمين للغاية.

(قوله وتخيل بعضهم تبعا لصاحب المعالم) يفهم من كلام الشيخ فى المقام وفى مقام نقل كلام المحقق عند نقل القول التاسع وانه اقوى وفى مقام الاستدلال على مختاره انه فهم من كلام صاحب المعالم حيث قال ان قول المحقق موافق للمنكرين وانه قائل بعدم حجية الاستصحاب مطلقا ان مراده عدم حجية الاستصحاب فى الشك فى المقتضى الذى هو محل النزاع وان الاستصحاب المصطلح حجة فى الشك فى الرافع الذى ليس هو محل النزاع بل المنكرون يسلّمون حجيته فى الشك فى الرافع وانما ينكرون حجيته فى الشك فى المقتضى فيستظهر من كلام صاحب المعالم شهادته على خروج الشك فى الرافع عن حريم النزاع فى باب الاستصحاب هذا.

(ولكن فى بحر الفوائد) الذى يقتضيه النظر القاصر هو ان صاحب المعالم لم يتخيل خروج ما فهمه من كلام المحقق عن محل النزاع من التفصيل

٤٤٣

فى اعتبار الاستصحاب بين الشك فى المقتضى والشك فى الرافع بل انما تخيل من كلام المحقق كون مراده تخصيص اعتبار الاستصحاب بما اذا كان الدليل بنفسه متعرضا لحكم الزمان الثانى كتعرضه للزمان الاول كما ربما يتوهم فى بادئ النظر من ملاحظة بعض كلماته ولهذا تخيل كونه من المنكرين وهذا هو الذى ظهر لى من كلام صاحب المعالم وقد صرّح بهذا التخيّل بعض من تبعه ممن تأخر عنه فافهم.

(قوله وبين ما يظهر من بعض استدلال المثبتين والنافين) اما استدلال المثبتين فهو قولهم ان المقتضى للحكم الاول موجود والعارض لا يصلح ان يكون رافعا ومن الواضح ان هذا الدليل لا يتم إلّا بشمول النزاع للشك فى الرافع وإلّا فلو كان الخلاف مختصا بالشك فى المقتضى وكان اعتبار الاستصحاب فى الشك فى الرافع اتفاقيا لم يكن الدليل تاما.

(واما استدلال النافين) فهو انه لو كان الاستصحاب حجة لكانت بينة النفى اولى لاعتضادها بالاستصحاب بناء على ما يظهر من كلام الشيخ فيما يأتى من ان الشك فى ارتفاع العدم من الشك فى الرافع وللنظر فى ذلك مجال لان العدم ليس امرا يكون له مقتض لبقائه الى زمان الوجود بل هو مستند الى عدم المقتضى للوجود.

(قوله هو عموم النزاع لما ذكره المحقق) يعنى ان ما ذكره المحقق من حجية الاستصحاب فى الشك فى الرافع ليس اجماعيا بل هو محل النزاع بين العلماء فما ذكره صاحب المعالم من كون المحقق من المنكرين مطلقا لان محل النزاع هو الشك فى المقتضى لا الشك فى الرافع لاتفاقهم على حجية الاستصحاب فى الشك فى الرافع ليس بالوجه ولكن علمت ما فيه من ما تعرض له فى بحر الفوائد.

٤٤٤

(واما باعتبار الشك فى البقاء) فمن وجوه ايضا (احدها) من جهة ان الشك قد ينشأ من اشتباه الامر الخارجى مثل الشك فى حدوث البول او كون الحادث بولا او وذيا ويسمى بالشبهة فى الموضوع سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا كالطهارة فى المثالين ام موضوعا كالرطوبة والكرية ونقل اللفظ عن معناه الاصلى وشبه ذلك وقد ينشأ من اشتباه الحكم الشرعى الصادر من الشارع كالشك فى بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره وطهارة المكلف بعد حدوث المذى منه ونحو ذلك والظاهر دخول القسمين فى محل النزاع كما يظهر من كلام المنكرين حيث ينكرون استصحاب زيد بعد غيبته عن النظر والبلد المبنى على ساحل البحر ومن كلام المثبتين حيث يستدلون بتوقف معاش الناس ومعادهم على الاستصحاب ويحكى عن الاخباريين اختصاص الكلام بالثانى :

(اقول) ان منشأ الشك قد يكون هو الامر الخارجى مثل الشك فى حدوث البول او كون الحادث بولا او وذيا(فيسمى بالشبهة فى الموضوع) وهى التى ليست ازالة الشبهة عنها وظيفة للشارع سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا كالطهارة والنجاسة فى الثوب المعين ام موضوعا من الموضوعات الخارجية الصرفة كالرطوبة اى استصحاب بقاء الرطوبة والكرية ونحوهما او من الموضوعات المستنبطة كنقل اللفظ عن معناه الاصلى وشبه ذلك.

(وقد يكون) منشأ الشك هو اشتباه الحكم الشرعى الصادر من الشارع كالشك فى بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره وطهارة المكلف بعد حدوث المذى منه ونحو ذلك فيسمى بالشبهة الحكمية.

(وهذا التقسيم) وان سبق عند التعرض لحال تقسيم المستصحب لكنه

٤٤٥

ذو جنبتين فباعتبار ان المستصحب فيه قد يكون هو الحكم واخرى هو الموضوع يناسب ذكره ثمة وباعتبار ان منشأ الشك فيه تارة هو الامر الخارجى واخرى اشتباه الحكم الشرعى يناسب ذكره فى المقام.

(والنظر) فى تعرّضه سابقا الى بيان نقل القول بالتفصيل بينهما وكيفية ذلك التفصيل وانه بطريق التعاكس او غيره.

(والغرض) من تعرضه هنا بيان ان الاستصحاب فى الشبهة الموضوعية خارج عن محل النزاع ووقع الاجماع على اعتباره او انه بمحل الخلاف ايضا (قال الشيخ قدس‌سره) والظاهر دخول القسمين فى محل النزاع واستظهره من كلام المنكرين حيث ينكرون استصحاب البلد المبنى على ساحل البحر وحيوة زيد بعد غيبته عن النظر ومن كلام المثبتين حيث يستدلون بتوقف معاش الناس ومعادهم على الاستصحاب ويحكى عن الاخباريين اختصاص الكلام بالثانى اى بالشبهة الحكمية وجريان الاستصحاب فى الشبهة الموضوعية خارج عن محل النزاع.

(ولكن قد نوقش فى استظهاره) بان كان فى الفقه موارد كثيرة من الموضوعات قد استقر بناء الفقهاء من غير نكير حتى السيد المنكر للاستصحاب على العمل بالاستصحاب فيها وحينئذ فلا بد من التوجيه فى كلام السيد الصادر منه انكار الاستصحاب فى المثالين المزبورين فيقال.

(اما الاول) فغرضه ره من ذكره انما هو كسر صولة الخصم بان مجرد ثبوت الحالة السابقة لا يوجب الحاق حالة الشك بها ألا ترى ان البلد المبنى على ساحل البحر ايضا انما هو حاو للحالة السابقة ايضا وبناء العقلاء ما استقر على استصحابه مع كونه فى عرضة الزوال ولو لم يكن غرضه هذا التوهين فما وجه الاختصاص بهذا المثال وامثلة الموضوعات كثيرة فكلامه هذا لا ينبئ عن

٤٤٦

انكاره الاستصحاب فى الموضوعات رأسا ولو لم يكن بواجد لهذا القدح وكان الاثر الشرعى ثابتا له.

(واما الثانى) فقد قال فى مقام بيانه ما هذا لفظه قد ثبت فى المعقول ان من شاهد زيدا فى الدار ثم غاب عنه لم يحسن اعتقاد استمرار كونه فى الدار فانه ايضا يدل على انكار الاستصحاب من باب الظن ومجرد الحالة السابقة لا يوجب الاعتقاد الظنى بالبقاء وهذا لا يدل على انكاره الاستصحاب فى الموضوعات ولو من باب التعبد بان ثبت اعتباره اما بالاخبار او الاجماع.

٤٤٧

(وهو الذى صرح) به المحدث البحرانى ويظهر من كلام المحدث الأسترآباديّ حيث قال فى فوائده اعلم ان للاستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الامة بل اقول اعتبارهما من ضروريات الدين إحداهما ان الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ان يجيء ما ينسخه (الثانية) انا نستصحب كل امر من الامور الشرعية مثل كون الرجل مالك ارض وكونه زوج امرأة وكونه عبد رجل وكونه على وضوء وكون الثوب طاهرا او نجسا وكون الليل او النهار باقيا وكون ذمة الانسان مشغولة بصلاة او طواف الى ان يقطع بوجود شيء جعله الشارع سببا مزيلا لنقض تلك الامور ثم ذلك الشىء قد يكون شهادة العدلين وقد يكون قول الحجام المسلم او من فى حكمه وقد يكون قول القصار او من فى حكمه وقد يكون بيع ما يحتاج الى الذبح والغسل فى سوق المسلمين واشباه ذلك من الامور الحسية انتهى.

(اقول) انه قد ادّعى غير واحد من الاخباريين قيام الاجماع على اعتبار الاستصحاب فى الشبهة الموضوعية واختصاص الخلاف بغيرها كما قال الشيخ قدس‌سره فيما مر ويحكى عن الاخباريين اختصاص الكلام بالثانى يعنى الشبهة الحكمية وهو الذى صرح به المحدث البحرانى.

(وممن يظهر) اختصاص محل الخلاف بالشبهة الحكمية كلام المحدث الاسترآبادى حيث قال فى فوائده ص ١٤٣ ـ اعلم ان للاستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الامة بل اقول اعتبارهما من ضروريات الدين.

(إحداهما) ان الصحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ان يجىء ما ينسخه.

(الثانية) انا نستصحب كل امر من الامور الشرعية مثل كون الرجل

٤٤٨

ولو لا تمثيله باستصحاب الليل والنهار لاحتمل ان يكون معقد اجماعه الشك من حيث المانع وجودا او منعا إلّا ان الجامع بين جميع امثلة الصورة الثانية ليس إلّا الشبهة الموضوعية فكانه استثنى من محل الخلاف صورة واحدة من الشبهة الحكمية اعنى الشك فى النسخ وجميع صور الشبهة الموضوعية واصرح من العبارة المذكورة فى اختصاص محل الخلاف بالشبهة الحكمية ما حكى عنه فى الفوائد انه قال فى جملة كلام له ان صور الاستصحاب المختلف فيه راجعة الى انه اذا ثبت حكم بخطاب شرعى فى موضوع فى حال من حالاته يجزيه فى ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه ومن المعلوم انه اذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين فالذى سموه استصحابا راجع فى الحقيقة الى اجراء حكم لموضوع الى موضوع آخر متحد معه بالذات مختلف بالقيد والصفات انتهى.

مالك ارض وكونه زوج امرأة وكونه عبد رجل آخر وكونه على وضوء وكون ثوبه طاهرا او نجسا وكون الليل باقيا وكون النهار باقيا وكون ذمة الانسان مشغولة بصلاة او طواف الى ان تقطع لوجود شيء جعله الشارع سببا لنقض تلك الامور.

(ثم ذلك الشيء) قد يكون شهادة العدلين وقد يكون قول الحجام المسلم او من فى حكمه وقد يكون قول القصّار المسلم او من فى حكمه وقد يكون بيع ما يحتاج الى الذبح والغسل فى سوق المسلمين واشباه ذلك من الامور الحسية انتهى.

(قوله وقد يكون قول الحجام المسلم ومن فى حكمه) كما اذا اخبر الحجام بتطهيره موضع الحجامة يقبل قوله وكذلك اذا اخبر القصار بتطهيره

٤٤٩

الثوب للمالك يقبل قوله (والمراد) بمن فى حكمه لعله المميز الغير البالغ اذا كان حجاما او قصّارا لانه فى حكم المسلم وان لم يكن مسلما حقيقة لعدم الاعتبار بتكلمه بالشهادتين.

(ويمكن) ان يكون المراد بمن فى حكمه كل ذى صنعة وعمل فانه يؤتمن على عمله كما ورد فى الاخبار وافتى به المحدث المزبور.

(قوله وقد يكون بيع ما يحتاج الخ) فان بيع اللحم والطعام ونحوهما مما يحتاج الى الذبح او الغسل فى سوق المسلمين علامة للحكم بذبحه وطهارته قوله واشباه ذلك اشارة الى ما ذكر من الامثلة مثل كون الرجل مالك ارض الى آخره.

(قوله) من حيث المانع وجودا الخ يعنى من حيث الشك فى وجود المانع او مانعية الموجود.

(على كل حال) لو لا تمثيل المحدث المذكور باستصحاب الليل والنهار لاحتمل ان يكون معقد اجماعه الشك من حيث المانع وجودا او منعا إلّا ان الجامع بين جميع امثلة الصورة الثانية ليس إلّا الشبهة الموضوعية فكانه استثنى من محل الخلاف صورة واحدة من الشبهة الحكمية اعنى الشك فى النسخ وجميع صور الشبهة الموضوعية.

(واصرح من العبارة المذكورة) فى اختصاص محل الخلاف بالشبهة الحكمية ما حكى عنه فى الفوائد انه قال فى جملة كلام له ان صور الاستصحاب المختلف فيه راجعة الى انه اذا ثبت حكم بخطاب شرعى فى موضوع فى حال من حالاته يجزيه فى ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه.

(ومن المعلوم) انه اذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد

٤٥٠

اختلف موضوع المسألتين فالذى سموه استصحابا راجع فى الحقيقة الى اجراء حكم لموضوع الى موضوع آخر متحد معه بالذات مختلف بالقيد والصفات انتهى

(وجه الاصرحية) فى هذه العبارة بالنسبة الى العبارة المتقدمة دلالة هذه العبارة وافادتها للمرام كانت بالمنطوق ولا ريب ان المنطوق اصرح من المفهوم من جهة الدلالة.

٤٥١

(الثانى) من حيث ان الشك بالمعنى الاعم الذى هو المأخوذ فى تعريف الاستصحاب قد يكون مع تساوى الطرفين وقد يكون مع رجحان البقاء او الارتفاع ولا اشكال فى دخول الاولين فى محل النزاع واما الثالث فقد يتراءى من بعض فى كلماتهم عدم وقوع الخلاف فيه قال شارح المختصر معنى استصحاب الحال ان الحكم الفلانى قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء وقد اختلف فى صحة الاستدلال به لافادته الظن وعدمها لعدم افادته انتهى.

(اقول) توضيح المقام يحتاج الى التعرض لما تقدم فى الامر الرابع من ان المناط فى اعتبار الاستصحاب على القول بكونه من باب التعبد الظاهرى هو مجرد عدم العلم بزوال الحالة السابقة من غير فرق بين حصول الظن باحد الطرفين وعدمه ولا كلام فى ذلك عند اكثر القائلين باعتبار الاستصحاب من باب الاخبار لحصر ناقض اليقين فى الاخبار فى اليقين والنهى عن النقض بالشك فى بعضها لا يعارضه مضافا الى كون الظاهر منه خلاف اليقين فتوهم تنزيلها على الظن كما حكى عن البعض ليس بجيد.

(نعم) لو كان هناك ظن معتبر تعين العمل به من باب تحكيمه على الاخبار لا من باب خروج المورد عنها هذا على القول باعتبار الاستصحاب من باب التعبد (واما على القول باعتبار الاستصحاب) من باب الظن فهل يناط اعتباره بالظن النوعى المطلق او المقيد بعدم قيام الظن على الخلاف او الظن الشخصى الفعلى فى خصوص مورده وجوه بل اقوال والفرق بينها لا يكاد ان يخفى وظاهر كلمات الاكثر على ما افاده الشيخ قدس‌سره هو الوجه الاول فمرادهم من قولهم ما ثبت دام هو الدوام الظنى بحسب نوع الثابت لو خلى ونفسه مع قطع النظر عن العوارض والمزاحمات.

٤٥٢

(والتحقيق) ان محل الخلاف ان كان فى اعتبار الاستصحاب من باب التعبد والطريق الظاهرى عم صورة الظن الغير المعتبر بالخلاف وان كان من باب افادة الظن كما صرح به شارح المختصر فان كان من باب الظن الشخصى كما يظهر من كلمات بعضهم كشيخنا البهائى فى حبل المتين وبعض من تأخر عنه كان محل الخلاف فى غير صورة الظن بالخلاف اذ مع وجوده لا يعقل ظن البقاء وان كان من باب افادة نوعه الظن لو خلى وطبعه وان عرض لبعض افراده ما يسقطه عن افادة الظن عم الخلاف صورة الظن بالخلاف ايضا ويمكن ان يحمل كلام العضدى على ارادة ان الاستصحاب من شأنه بالنوع ان يفيد الظن عند فرض عدم الظن بالخلاف وسيجىء زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.

(اذا عرفت ذلك) فاعلم ان المأخوذ فى تعريف الاستصحاب هو الشك بالمعنى الاعم وهو قد يكون مع تساوى الطرفين وقد يكون مع رجحان البقاء او الارتفاع ولا اشكال فى دخول الاولين فى محل النزاع واما الثالث فقد يتراءى من كلمات بعضهم عدم وقوع الخلاف فيه قال العضدى شارح المختصر معنى استصحاب الحال ان الحكم الفلانى قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء وقد اختلف فى صحة الاستدلال به لافادته الظن وعدمها لعدم افادته انتهى.

(وكيف كان) ان ما افاده قدس‌سره فى المقام ان محل الخلاف ان كان فى اعتبار الاستصحاب من باب التعبد والطريق الظاهرى عمّ صورة الظن الغير المعتبر بالخلاف وان كان من باب افادة الظن كما صرح به شارح المختصر فان كان من باب الظن الشخصى كما يظهر من كلمات بعضهم كالشيخ البهائى فى الحبل المتين وبعض من تأخر عنه كان محل الخلاف فى غيره صورة

٤٥٣

الظن بالخلاف اذ مع وجود لا يعقل ظن البقاء وان كان من باب افادة نوعه الظن لو خلى وطبعه وان عرض لبعض افراده ما يسقطه عن افادة الظن عم الخلاف صورة الظن بالخلاف ايضا.

(ويمكن) حمل كلام العضدى على صورة ارادة الظن النوعى المقيد بعدم الظن الشخصى على الخلاف وحينئذ فتكون صورة الظن بالخلاف ايضا خارجة عن حريم النزاع كما ان حمله على افادة الاستصحاب للظن الشخصى يوجب خروج الصورة المزبورة عن الخلاف.

٤٥٤

(الثالث) من حيث ان الشك فى بقاء المستصحب قد يكون من جهة المقتضى والمراد به الشك من حيث استعداده وقابليته فى ذاته للبقاء كالشك فى بقاء الليل والنهار وخيار الغبن بعد الزمان الاول وقد يكون من جهة طرو الرافع مع القطع باستعداده للبقاء وهذا على اقسام لان الشك اما فى وجود الرافع كالشك فى حدوث البول واما ان يكون فى رافعية الموجود اما لعدم تعين المستصحب وتردده بين ما يكون الموجود رافعا وبين ما لا يكون كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا لشغل الذمة بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة من جهة تردده بين الظهر والجمعة واما للجهل بصفة الموجود من كونه رافعا كالمذى او مصداقا لرافع معلوم المفهوم كالرطوبة المرددة (اقول) ان الشك فى بقاء المستصحب تارة يكون لاجل الشك فى المقتضى واخرى يكون لاجل الشك فى الرافع.

(والمراد) بالشك فى المقتضى هو ان يكون الشك فى بقاء الموجود لاجل الشك فى مقدار قابليته للوجود واستعداده للبقاء فى عمود الزمان كالشك فى بقاء الليل والنهار هذا المثال من الشبهة الموضوعية وخيار الغبن بعد الزمان الاول وهذا من امثلة الشبهة الحكمية.

(ولا يخفى عليك) ان الشك فى بقاء الليل والنهار قد يكون منشؤه الشك فى طول اليوم والليل او قصره وقد يكون منشؤه الشك فى حصول غايته اعنى استتار القرص فى الاول وطلوعه فى الثانى ولا شبهة ان الشك فى الفرض الاول فى مقدار استعداد المستصحب واما فى الثانى فالشك فى انقضائه لا فى اقتضائه.

(والظاهر) كما تعرض له بعض الاعلام ان المراد بالشك فى المقتضى بقرينة جعله فى مقابل الشك فى الرافع ما يعم كلا القسمين إلّا ان ظاهر بعض من نسب اليه التفصيل بين القسمين جريان الاستصحاب فيما لو شك فى حصول

٤٥٥

بين البول والوذى او مجهول المفهوم ولا اشكال فى كون ما عدا الشك فى وجود الرافع محلا للخلاف وان كان يشعر ظاهر استدلال بعض المثبتين بان المقتضى للحكم الاول موجود الى آخره يوهم الخلاف واما هو فالظاهر ايضا وقوع الخلاف فيه كما يظهر من انكار السيد للاستصحاب فى البلد المبنى على ساحل البحر وزيد الغائب عن النظر وان الاستصحاب لو كان حجة لكان بينة النافى اولى لاعتضاده بالاستصحاب وكيف كان فقد يفصل بين كون الشك من جهة المقتضى وبين كونه من جهة الرافع فينكر الاستصحاب فى الاول وقد يفصل فى الرافع بين الشك فى وجوده والشك فى رافعيته فينكر الثانى مطلقا او اذا لم يكن الشك فى المصداق الخارجى.

الغاية المعلومة كما فى الفرض فعدّ استصحاب الليل والنهار من قبيل الشك فى المقتضى واسناد القول بعدم الحجية فيه مطلقا الى المفصلين لا يخلو عن التأمل.

(والمراد) بالشك فى الرافع ما كان استعداد بقائه الى زمان جريان الاستصحاب محرزا والشك انما هو فى الرافع بحيث لو لا الرافع لكان باقيا على الاستمرار كما اذا احتمل طروّ مرض او قتل او تخريب او نحو ذلك من الاسباب الموجبة لرفع الموضوعات الخارجية وقد اختار الشيخ قدس‌سره عدم جريان الاستصحاب عند الشك فى المقتضى وحكى ذلك ايضا عن المحقق الخوانسارى ره (وعلى كل حال) يندرج تحت كل منهما اقسام (اما الاول) فاقسامه اربعة.

(احدها) ان يكون الشك فى استعداده من جهة عدم العلم بحقيقته بمعنى انه بحسب الجنس معلوم والشك فى استعداده من جهة عدم العلم بنوعه وقد مثل بالسراج اذا كان الشك فى بقائه ناشيا عن الشك فى استعداد شحمه ومثاله من الشبهة الحكمية خيار الغبن حيث لا يعلم انه فورى او الى ايام عديدة او الابد وهذا

٤٥٦

يكون فى كلا المشتبهين الحكمية والموضوعية.

(وثانيها) ان يكون المقتضى من حيث الاستعداد معلوما والشك انما هو فى انه من النوع الطويل الاستمرار او قليله. (والفرق) بينهما على ما قيل ان الاول حقيقته غير معلوم ولم يأت نوعه بمقام التميز اصلا هذا بخلاف الثانى فانه وان تردد بين هذا وذاك لكن نفى غيرهما بمقام الاحراز والتيقن كما اذا احرز وجود حيوان فى دار وشك فى انه من نوع الانسان حتى يكون بقائه فى مدة طويلة او من نوع الديدان لكيلا يكون كذلك وفى الشرع هو الخيار اذا تردد بين خيار المجلس وغيره وهذا ايضا كما يكون فى الشبهة الموضوعية كذلك يكون فى الشبهة الحكمية.

(وثالثها) ما كان محرز الاستعداد والقابلية من حيث الجنس والنوع والشك فيه انما هو من جهة الشك فى ابتداء وجوده ومثاله العرفى كالسراج اذا كان استعداد شحمه محرزا والشك فى بقائه من جهة الشك فى ابتداء اشتعاله ومثاله الشرعى كخيار الحيوان فان زمان الخيار معلوم انه ثلاثة ايام والشك فيه انما هو من جهة عدم العلم باول زمان وقوع البيع.

(ورابعها) ما كان الشك فى استعداد المستصحب ناشئا عن الشك فى مناطه وموضوعه وهذا انما يكون فيما اذا كان للمستصحب موضوع يأتى بمقام التبدل الى غيره فى ثانى الزمان كالماء المتغير بالنجس اذا زال تغيره من قبل نفسه حيث لا يعلم ان موضوع النجاسة انما هو مجرد حصول التغير بكون العلة الموجدة هى المبقية فلا تزول بزواله او استمراره فيزول بزواله هذا كله فى الشك فى المقتضى. (واما الشك فى الرافع) فاقسامه خمسة فان الشك فيه (تارة) يكون فى وجود الرافع كالشك فى حدوث البول وهذا لا يكون إلّا فى الشبهة الموضوعية عدا ما اذا كان الشك فى النسخ.

٤٥٧

(واخرى) يكون فى رافعية الموجود من جهة الجهل بحكم الموجود من حيث كونه رافعا كالمذى وهذا لا يكون إلّا فى الشبهة الحكمية.

(وثالثا) يكون فى رافعيته من جهة الجهل بكونه مصداقا لكلى مجمل المفهوم مع العلم بحكمه من حيث كونه رافعا كالخفقة والخفقتان اذا طرأ الشك فى صدق النوم عليهما من جهة الاجمال فى مفهوم النوم.

(ورابعا) يكون فى رافعيته من جهة الجهل بكونه مصداقا لرافع معلوم المفهوم كالبلل المردد بين البول وغيره.

(وخامسا) يكون فى رافعيته من جهة عدم تعين المستصحب وتردده بين ما يكون الموجود رافعا له وبين ما لا يكون كذلك كما اذا تردد النجس الواقع على البدن مثلا بين كونه بولا لكى يفتقر ازالته الى الغسل مرتين وبين غيره لكى يكتفى فى غسله بمرة واحدة فانه اذا اقتصر فيه بمرة واحدة يقع الشك فى رافعية الموجود من جهة تردد المستصحب بين البول وغيره.

(هذا تمام الكلام) فى استيفاء الاقسام لكل من الشك فى المقتضى والرافع ولم يتعرض الشيخ قدس‌سره فى المتن لاستقصاء اقسام الاول

(وكيف كان) فلا اشكال فى كون الشك فى المقتضى بجميع اقسامه محلا للخلاف بمعنى وجود القائل باعتبار الاستصحاب فيه وعدم الاتفاق على عدم اعتبار فيه وان كان ظاهر بعض استدلال المثبتين بان المقتضى للحكم الاول موجود ربما يوهم الخلاف وكون عدم اعتباره فيه موضع وفاق وان مقصود المثبت غيره لكن من المعلوم لكل من راجع الى كلماتهم كونه مشمولا لمحل الخلاف بل ربما قيل باختصاص محل الخلاف به.

(واما الشك فى الرافع) فهو ايضا بجميع اقسامه بمحل الخلاف اذ لو كان اعتبار الشك فى الرافع من الاتفاقيات واختص الخلاف بالشك فى المقتضى لم يكن معنى للتمسك بالدليل المذكور ويظهر ذلك ايضا من استدلال النافين بانه

٤٥٨

لو كان حجة لكانت بينة النافى اولى لاعتضادها بالاستصحاب ومن انكار السيد لاعتباره فى البلد المبنى على ساحل البحر وزيد الغائب عن النظر الى غير ذلك ومن انكار صاحب المدارك لاستصحاب عدم التذكية مع كون الشك فى جميعها من الشك فى الرافع.

(وعلى اى حال) قد يفصّل بين كون الشك من جهة المقتضى وبين كونه من جهة الرافع فينكر الاستصحاب فى الاول وقد يفصّل فى الرافع بين الشك فى وجوده والشك فى رافعيته فينكر الثانى مطلقا او اذا لم يك الشك فى المصداق الخارجى.

(هذا) تمام الكلام فى الجزء الخامس من (درر الفوائد فى شرح الرسائل) ويتلوه الجزء السادس والسابع إن شاء الله تعالى واسأل الله سبحانه ان يوفقنى للاجزاء التالية كما وفقنى للاجزاء المتقدمة انه ولى التوفيق وان يجعله خالصا لوجهه الكريم موجبا لثوابه الجسيم وان يغفر لنا ما قصرنا فيه من اجتهاد انه هو الغفور الرحيم ونحمد الله تعالى على توفيقه وتسهيله لتأليف هذا التعليق والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم ومنكرى ولايتهم اجمعين الى يوم الدين ـ وقد وقع الفراغ من طبعه فى شهر جمادى الاولى ١٤٠٨ هجرى.

٤٥٩

فهرس ما فى الجزء الخامس من درر الفوائد

فى شرح الرسائل

الخطبة.......................................................................... ٣

المسألة الثانية فيما اذا كان الشك فى الجزئية ناشيا من اجمال الدليل...................... ٤

فى ان المراد بالمعنى العرفى هو مقابل الشرعى.......................................... ٥

فى نقل كلام صاحب بحر الفوائد................................................... ٦

فى الفرق بين ما اذا كان الشك فى الجزئية من جهة عدم النص المعتبر وبين ما اذا كان الشك من جهة اجمال الدليل      ٧

فى ان مناط الاحتياط عدم جريان ادلة البراءة فى واحد معين من المحتملين................. ٨

فى بيان الاشكال اذا كان متعلق الخطاب مجملا..................................... ١٠

فى توضيح الجواب عن الاشكال المذكور............................................ ١١

فى التفريع على القول بوضع الالفاظ للصحيح...................................... ١٢

فى بيان الثمرة بين وضع الفاظ العبادات للصحيح وبين وضعها للاعم.................. ١٣

من جملة المسائل التى كثر فيها القيل والقال ووقع فيها النزاع هو بيان الثمرة بين الصحيحى والاعمى  ١٤

فى بيان محل نظر ووجهه......................................................... ١٦

٤٦٠