درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

الشرعى الكلى واعتباره فى الحكم الجزئى والموضوع الخارجى قال فى المتن ان الاصل فى ذلك عندهم ان المرجع فى الشبهة فى الحكم الكلى لما كان منحصرا عندهم فى الاحتياط فيكون سائر الاصول الأخر بمحل السقوط فيها عندهم وهذا بخلاف الحكم الجزئى والموضوع الخارجى فان الاستصحاب والبراءة يختص جريانهما بهما.

(وانت خبير بما فيه) من ان الاخبارى لا يقول بالاحتياط فى تمام الشبهات الحكمية بل فى الشبهة التحريمية دون الوجوبية فسقوط الاستصحاب فى الاخير ليس من جهة كون المرجع فيه عندهم هو الاحتياط فلا بد ان يكون سقوطه فيه من جهة قصور ادلة الاستصحاب عندهم بالنسبة اليه لا من جهة تمحضه للرجوع فيه الى الاحتياط واذا كان الامر كذلك فى الشبهة الوجوبية فلا محالة يكون بمثابتها الشبهة التحريمية لبعد التفكيك بينهما فى منشأ سقوط الاستصحاب فيهما بان ينتهى سقوط الاستصحاب فى الاول الى قصور الادلة وفى الثانى الى كونه ممحضا للرجوح فيه الى الاحتياط.

(وثانيها) اعتبار الاستصحاب فى الحكم الشرعى مطلقا دون الامور الخارجية وهو الظاهر مما حكاه المحقق الخوانسارى.

(وثالثها) اعتبار الاستصحاب فى الحكم الجزئى دون الكلى ودون الامور الخارجية وهنا قول رابع حكاه المحقق القمى ره وهو التفصيل بين الحكم الشرعى مطلقا وبين الامور الخارجية بانكار الاستصحاب فى الاول والاعتراف به فى الثانى.

٤٢١

(وعلى الاطلاق الاول) جرى الاخباريون حيث انكروا اعتبار الاستصحاب فى نفس احكام الله تعالى وجعله الاسترآبادى من اغلاط من تأخر عن المفيد مع اعترافه باعتبار الاستصحاب فى مثل طهارة الثوب ونجاسته وغيرهما مما شك فيه من الاحكام الجزئية لاجل الاشتباه فى الامور الخارجية وصرح المحدث الحر العاملى بان اخبار الاستصحاب لا يدل على اعتباره فى نفس الحكم الشرعى وانما يدل على اعتباره فى موضوعاته ومتعلقاته والاصل فى ذلك عندهم ان الشبهة فى الحكم الكلى لا مرجع فيها إلّا الاحتياط دون البراءة او الاستصحاب فانهما عندهم مختصان بالشبهة فى الموضوع.

(اقول) انه قدس‌سره قد ذكر فيما سبق للحكم الشرعى معنيين (الاول) ان يراد به الحكم الكلى الذى من شأنه ان يؤخذ من الشارع كطهارة من خرج منه المذى او نجاسة ما زال تغيّره بنفسه.

(الثانى) ان يراد به ما يعم الحكم الجزئى الخاص فى الموضوع الخاص كطهارة هذا الثوب ونجاسته فان الحكم بهما من جهة عدم ملاقاته للنجس او ملاقاته ليس وظيفة للشارع نعم وظيفته اثبات الطهارة كلية لكل شىء شك فى ملاقاته للنجس وعدمها واذا عرفت هذا فنقول.

(على الاطلاق الاول) ما عن الاخباريين من عدم اعتبار الاستصحاب فى الحكم الشرعى الكلى واعتباره فى الحكم الجزئى والموضوع الخارجى حتى جعل الاسترآبادى جريان الاستصحاب فى الحكم الشرعى الكلى من اغلاط من تأخر عن المفيد مع اعترافه باعتبار الاستصحاب فى مثل طهارة الثوب ونجاسته وغيرهما مما شك فيه من الاحكام الجزئية لاجل الاشتباه فى الامور الخارجية.

(وفى المعالم) المرتضى وجماعة من العامة على عدم حجية الاستصحاب مطلقا وقد نقل فيه عن المفيد انه قال بحجية الاستصحاب وهو اختيار الاكثر وقد مثلوا له بالمتيمم اذا دخل فى الصلاة تم رأى الماء فى اثنائها والاتفاق

٤٢٢

(وعلى الاطلاق الثانى) جرى بعض آخر قال المحقق الخوانسارى فى مسئلة الاستنجاء بالاحجار وينقسم الاستصحاب الى قسمين باعتبار الحكم المأخوذ فيه الى شرعى وغيره ومثل للاول بنجاسة الثوب او البدن وللثانى برطوبته ثم قال ذهب بعضهم الى حجيته بقسميه وبعضهم الى حجية القسم الاول فقط انتهى.

واقع على وجوب المضى فيما قبل الرؤية فهل يستمر على فعلها بعده استصحابا للحال الاول ام يستأنفها بالوضوء فمن قال بالاستصحاب قال بالاول ومن اطرحه قال بالثانى.

(وصرح المحدث) الحر العاملى بان اخبار الاستصحاب لا يدل على اعتباره فى نفس الحكم الشرعى وانما يدل على اعتباره فى موضوعاته ومتعلقاته والاصل فى ذلك عندهم ان الشبهة فى الحكم الكلى لا مرجع فيها إلّا الاحتياط دون البراءة او الاستصحاب فانهما عندهم مختصان بالشبهة فى الموضوع انتهى.

(ولا يخفى) قد تقدم فى باب البراءة ان بناء اكثر الاخباريين على عدم وجوب الاحتياط فى الشبهة الوجوبية مطلقا بل المرجع فيها البراءة فما ذكره بعنوان الضابطة لمذهبهم غير صحيح.

(وعلى الاطلاق الثانى) جرى بعض آخر قال المحقق الخوانسارى فى مسئلة الاستنجاء بالاحجار وينقسم الاستصحاب الى قسمين باعتبار الحكم المأخوذ فيه الى شرعى وغيره ومثل للاول بنجاسة الثوب او البدن وللثانى برطوبته ثم قال ذهب بعضهم الى حجيته بقسميه وبعضهم الى حجية القسم الاول فقط.

(وفى بحر الفوائد) ان تمثيله للحكم الشرعى بخصوص نجاسة الثوب التى ليست عندنا بحكم شرعى حقيقة انما هو من جهة الاشارة الى كون المقصود من الحكم الشرعى هو الاعم مما يكون من شأن الشارع بيانه اولا لان اطلاق الحكم الشرعى على الاول مما لا يتوهم فيه الانكار ولهذا خصّ المثالى بالثانى

٤٢٣

(اذا عرفت ما ذكرنا) ظهر ان عد القول بالتفصيل بين الاحكام الشرعية والامور الخارجية قولين متعاكسين ليس على ما ينبغى لان المراد بالحكم الشرعى ان كان هو الحكم الكلى الذى انكره الاخباريون فليس هنا من يقول باعتبار الاستصحاب فيه ونفيه فى غيره فان ما حكاه المحقق الخوانسارى واستظهره السبزوارى هو اعتباره فى الحكم الشرعى بالاطلاق الثانى الذى هو اعم من الاول وان اريد بالحكم الشرعى الاطلاق الثانى الاعم فلم يقل احد باعتباره فى غير الحكم الشرعى وعدمه فى الحكم الشرعى لان الاخباريين لا ينكرون الاستصحاب فى الاحكام الجزئية.

(اذا عرفت ما ذكرنا) من ان الحكم الشرعى يراد به تارة الحكم الكلى الذى من شأنه ان يؤخذ من الشارع واخرى يراد به ما يعم الحكم الجزئى الخاص فى الموضوع الخاص ظهر ان عدّ القول بالتفصيل بين الاحكام الشرعية والامور الخارجية قولين متعاكسين ليس على ما ينبغى.

(لان المراد بالحكم الشرعى) ان كان هو الحكم الكلى الذى انكره الاخباريون فليس هنا من يقول باعتبار الاستصحاب فيه ونفيه فى غيره فان ما حكاه المحقق الخوانسارى واستظهره السبزوارى هو اعتبار الاستصحاب فى الحكم الشرعى بالاطلاق الثانى الذى هو اعم من الاول.

(وان اريد) بالحكم الشرعى الاطلاق الثانى الاعم فلم يقل احد باعتباره فى غير الحكم الشرعى وعدمه فى الحكم الشرعى لان الاخباريين لا ينكرون الاستصحاب فى الاحكام الجزئية.

(ثم ان المحصل) من القول بالتفصيل بين القسمين المذكورين فى هذا التقسيم ثلاثة.

(الاول) اعتبار الاستصحاب فى الحكم الشرعى مطلقا جزئيا كان كنجاسة

٤٢٤

(ثم) ان المحصل من القول بالتفصيل بين القسمين المذكورين فى هذا التقسيم ثلاثة الاول اعتبار الاستصحاب فى الحكم الشرعى مطلقا جزئيا كان كنجاسة الثوب او كليا كنجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير وهو الظاهر مما حكاه المحقق الخوانسارى الثانى اعتباره فيما عدا الحكم الشرعى الكلى وان كان حكما جزئيا وهو الذى حكاه فى الرسالة الاستصحابية عن الاخباريين الثالث اعتباره فى الحكم الجزئى دون الكلى ودون الامور الخارجية وهو الذى ربما يستظهر مما حكاه السيد شارح الوافية عن المحقق الخوانسارى فى حاشية له على قول الشهيد فى تحريم استعمال الماء النجس والمشتبه.

الثوب او كليا كنجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير وهو الظاهر مما حكاه المحقق الخوانسارى.

(الثانى) اعتباره فيما عدا الحكم الشرعى الكلى وان كان حكما جزئيا وهو الذى حكاه فى الرسالة الاستصحابية عن الاخباريين.

(الثالث) اعتباره فى الحكم الجزئى دون الكلى ودون الامور الخارجية وهو الذى ربما يستظهر مما حكاه السيد شارح الوافية عن المحقق الخوانسارى هذا هو القول السادس الذى سيذكره عند نقل الاقوال.

(ولعل) وجه الاستظهار ما يفهم من الحاشية المزبورة من اختياره حجية الاستصحاب فى الشك فى وجود المزيل على تقدير ثبوت الحكم الى غاية ويكون الشبهة فيه موضوعية مع ملاحظة تصريحه بعدم حجية الاستصحاب فى الامور الخارجية فيها فينحصر الاستصحاب المعتبر عنده فى الحكم الجزئى دون الكلى ودون الامور الخارجية لكن لا فى مطلق الحكم الجزئى وان لم يستمر الى غاية وحينئذ فاستفادة حجية الاستصحاب فى مطلق الحكم الجزئى من الحاشية لا تخلو عن التأمل ولذا لم يسند الشيخ قده القول المذكور الى المحقق الخوانسارى فيما سيأتى بل اسند القول الحادى عشر اليه.

٤٢٥

(الوجه الثالث) من حيث ان المستصحب قد يكون حكما تكليفيا وقد يكون وضعيا شرعيا كالاسباب والشروط والموانع وقد وقع الخلاف من هذه الجهة ففصل صاحب الوافية بين التكليفى وغيره بالانكار فى الاول دون الثانى وانما لم ندرج هذا التقسيم فى التقسيم الثانى مع انه تقسيم لاحد قسميه لان ظاهر كلام المفصل المذكور وان كان هو التفصيل بين الحكم التكليفى والوضعى إلّا ان آخر كلامه ظاهر فى اجراء الاستصحاب فى نفس الاسباب والشروط والموانع دون السببية والشرطية والمانعية وسيتضح ذلك عند نقل عبارته عند التعرض لادلة الاقوال.

(الوجه الثالث) من الاعتبار الاول الراجع الى تقسيم الاستصحاب باعتبار المستصحب من حيث انه قد يكون حكما تكليفيا وقد يكون وضعيا شرعيا كالاسباب والشروط والموانع فلا يعتبر الاستصحاب فى الاول ويعتبر فى الثانى فلا يستصحب الوجوب ولا الحرمة ولا الندب ولا الكراهة ولا الاباحة ولا سببية السبب ولا شرطية الشرط ولا مانعية المانع.

(ولكن) يستصحب نفس السبب والشرط والمانع كاستصحاب الكسوف او الطهارة او الحيض بلا مانع عنه ابدا وسيأتى تفصيل ذلك كله مبسوطا فانتظر وعلى اى حال وقع الخلاف من هذه الجهة ففصل صاحب الوافية بين التكليفى وغيره بالانكار فى الاول دون الثانى وهذا التفصيل فيما يأتى منسوب الى الفاضل التونى.

(قال الشيخ قدس‌سره) انما لم ندرج هذا التقسيم فى التقسيم الثانى مع انه تقسيم لاحد قسميه وهو الحكم الشرعى لان ظاهر من اتى بمقام التفصيل فى هذا التقسيم وان كان هو التفصيل بين الحكم التكليفى والوضعى إلّا ان آخر كلامه ظاهر فى اجراء الاستصحاب فى نفس الاسباب والشروط والموانع

٤٢٦

فلم يعلم انه مفصّل بين الحكم التكليفى والوضعى على سبيل التحقيق لكى يكون محل ذكر هذا التقسيم ثمة لان المحتمل فى كلامه عدم ثبوت هذا التفصيل منه (ولكن استشكل فى المقام) بان عبارة هذا المفصل لا تخلو اما ان تكون ناظرة الى بيان التفصيل بين الحكم التكليفى والحكم الوضعى اعنى السببية والشرطية والمانعية او التفصيل بينه وبين الاسباب والشروط والموانع وعلى التقديرين يكون محل ذكر هذا التقسيم فى التقسيم الثانى لانه على الاول تقسيم للقسم الاول من ذلك التقسيم وعلى الثانى تقسيم للقسم الثانى منه اعنى ما اذا كان المستصحب غير الحكم لان الاسباب والشروط والموانع ايضا مندرجة تحت ذلك (وكيف كان) فالاقوال المتعلقة بهذا التقسيم بين ثلاثة.

(احدها) التفصيل بين الحكم التكليفى وبين الحكم الوضعى باعتباره فى الاول دون الثانى وهذا ما عن الفاضل التونى ره على بعض الاحتمالات فى عبارته.

(وثانيها) ما هو عكس ذلك وهذا ما حكاه فى الفصول.

(وثالثها) ما احتمله فى المناهج فى كلام الفاضل التونى ره من التفصيل بين الاحكام الوضعية ايضا بان يكون الاستصحاب معتبرا فى بعضها دون بعض فيكون حينئذ محتملات كلام الفاضل التونى بين ثلاثة هذا.

(ولا يخفى عليك) ان تقسيم الاحكام الى التكليفية والوضعية يتوقف على القول بثبوت الجعل الشرعى ليكون من مقولة التكليف تارة ومن مقولة الوضع اخرى لان تقسيم الاحكام اليهما انما يستقيم بعد البناء على ان للشارع جعلا وإنشاء يتعلق بافعال العباد يتضمن البعث والتحريك والارادة والكراهة.

(والمراد من الاول) هى المجعولات الشرعية التى تتعلق بافعال العباد اولا وبالذات بلا واسطة وهى تنحصر بالخمسة اربعة منها تقتضى البعث والزجر وهى الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة وواحدة منها تقتضى التخيير وهى الاباحة

٤٢٧

(واما الاحكام الوضعية) فهى المجعولات الشرعية التى لا تتضمن البعث والزجر ولا تتعلق بالافعال ابتداء اولا وبالذات وان كان لها نحو تعلق بها ولو باعتبار ما يستتبعها من الاحكام التكليفية سواء تعلق الجعل الشرعى بها ابتداء تأسيسا او امضاء او تعلق الجعل الشرعى بمنشإ انتزاعها.

(وقد اختلفت كلمات الاصحاب) فى تعداد الاحكام الوضعية.

(قيل) انها ثلاثة وهى السببية والشرطية والمانعية.

(وقيل) انها خمسة بزيادة العلة والعلامة.

(وقيل) انها تسعة باضافة الصحة والفساد والرخصة والعزيمة.

(وقيل) انها غير محصورة بل كل ما لا يكون من الحكم التكليفى فهو من الحكم الوضعى سواء كان له دخل فى التكليف او فى متعلقه او فى موضوعه حتى عدّ من الاحكام الوضعية مثل القضاء والولاية.

(قال المحقق النائينى) ره ان عدّ القضاء والولاية من الاحكام الوضعية لا يخلو عن تعسف خصوصا الولاية والقضاوة الخاصة التى كان يتفضل بهما الامام عليه‌السلام لبعض الصحابة كولاية مالك الاشتر فان الولاية والقضاوة الخاصة حكمها حكم النيابة والوكالة لا ينبغى عدّها من الاحكام الوضعية وإلّا فبناء على هذا التعميم كان ينبغى عد الامامة والنبوة ايضا من الاحكام الوضعية وهو كما ترى.

(فالتحقيق) ان الاحكام الوضعية ليست بتلك المثابة من الاقتصار بحيث تختص بالثلاثة او الخمسة او التسعة المتقدمة ولا هى بهذه المثابة من التعميم بحيث تشمل الماهيات المخترعة والولاية والقضاء بل ينبغى ان يقال ان المجعولات الشرعية التى هى من القضايا الكلية الحقيقية على انحاء ثلاثة منها ما يكون من الحكم التكليفى ومنها ما يكون من الحكم الوضعى ومنها ما يكون من الماهيات المخترعة فتأمل جيدا.

٤٢٨

(واما بالاعتبار الثانى) فمن وجوه ايضا (احدها) من حيث ان الدليل المثبت للمستصحب اما ان يكون هو الاجماع واما ان يكون غيره وقد فصل بين هذين القسمين الغزالى فانكر الاستصحاب فى الاول وربما يظهر من صاحب الحدائق فيما حكى عنه فى الدرر النجفية ان محل النزاع فى الاستصحاب منحصر فى استصحاب حال الاجماع وسيأتى تفصيل ذلك عند نقل ادلة الاقوال إن شاء الله تعالى.

(اقول) انه قدس‌سره اذا تعرض للانقسامات اللاحقة للاستصحاب باعتبار اختلاف المستصحب شرع الى اقسامه باعتبار الدليل الدال عليه وهو ايضا بهذا الاعتبار على ثلاثة اقسام.

(احدها) من حيث ان الدليل المثبت للمستصحب اما ان يكون هو الاجماع واما ان يكون غيره من الكتاب والسنة والعقل قد نسب جماعة الى الغزالى القول بحجية الاستصحاب وانكارها فى استصحاب حال الاجماع وظاهر ذلك كونه مفصلا فى المسألة.

(وممن) نسب هذا التفصيل الى الغزالى الشيخ قدس‌سره فى المقام حيث قال وقد فصل بين هذين القسمين الغزالى فانكر الاستصحاب فى الاول ولكن الشيخ ره قد رجع عن ذلك عند نقل حجة القول الثامن فقال إلّا ان الذى يظهر بالتدبر فى كلامه المحكى فى النهاية يعنى كلام الغزالى هو انكار الاستصحاب المتنازع فيه رأسا وان ثبت المستصحب بغير الاجماع.

(وربما) يظهر من صاحب الحدائق فيما حكى عنه فى الدرر النجفية ان محل النزاع فى الاستصحاب منحصر فى استصحاب حال الاجماع وسيأتى تفصيل ذلك عند نقل ادلة الاقوال.

(قال صاحب بحر الفوائد) يمكن ان يقال ان مراد الغزالى من حال

٤٢٩

الاجماع وكذا مراد صاحب الحدائق هو حال كل دليل يكون مثل الاجماع فى سكوته عن الزمان الثانى سواء كان من الادلة اللفظية او اللبّية وسواء كان على التقرير الاول من جهة اجمال اللفظ او اطلاقه مع عدم كونه مقصود المتكلم وكونه فى صدد بيانه.

(فيكون) على هذا الغزالى من المنكرين مطلقا لانه اذا كان للدليل اطلاق او عموم بالنسبة الى الزمان الثانى لم يكن اثبات الحكم فيه من جهة التمسك بالاستصحاب قطعا بل من جهة التمسك بالدليل كما لا يخفى اللهم إلّا ان يبنى على التسامح ويسمى التمسك بالعموم واطلاق من التمسك بالاستصحاب كما بنوا عليه فى كلماتهم حيث انهم قسموا الاستصحاب الى حال العموم والاطلاق وغيرهما فراجع وتأمل وانتظر لتمام الكلام فيما سيجىء.

٤٣٠

(الثانى) من حيث انه قد يثبت بالدليل الشرعى وقد يثبت بالدليل العقلى ولم اجد من فصل بينهما إلّا أن فى تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلى وهو الحكم العقلى المتوصل به الى حكم شرعى تأملا نظرا الى أن الاحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط الحكم والشك فى بقاء المستصحب وعدمه لا بد وان يرجع الى الشك فى موضوع الحكم لان الجهات المقتضية للحكم العقلى بالحسن والقبح كلها راجعة الى قيود فعل المكلف الذى هو الموضوع فالشك فى حكم العقل حتى لاجل وجود الرافع لا يكون إلّا للشك فى موضوعه والموضوع لا بد ان يكون محرزا معلوم البقاء فى الاستصحاب كما سيجىء ولا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون الشك من جهة الشك فى وجود الرافع وبين ان يكون لاجل الشك فى استعداد

(الوجه الثانى) من الاعتبار الثانى الراجع الى تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل الدال على المستصحب ان الدليل المثبت للمستصحب اما ان يكون هو العقل فيسمى استصحابه باستصحاب حال العقل او الشرع فيسمى باستصحاب حال الشرع اما الاول فقد مثّل القوم له بالبراءة الاصلية واستصحاب نفى التكليف فيكون مورده عندهم مختصا بما ذكر.

(وفى المحكى) واعترض عليهم بعض الاجلة فى كتابه الفصول بان تخصيصهم لاستصحاب حال العقل بالبراءة الاصلية مما لا وجه له فان المراد بحال العقل كل حكم ثبت بالعقل وهو قد يكون تكليفيا كالبراءة حال الصغر واباحة الاشياء الخالية عن امارة المفسدة قبل الشرع وكتحريم التصرف فى مال الغير ووجوب رد الوديعة اذا عرض هناك ما يحتمل زواله كالاضطرار والخوف وقد يكون وضعيا سواء تعلق الاستصحاب باثباته كشرطية العلم لثبوت التكليف اذا عرض ما

٤٣١

الحكم لان ارتفاع الحكم العقلى لا يكون إلّا بارتفاع موضوعه فيرجع الامر بالاخرة الى تبدل العنوان ألا ترى ان العقل اذا حكم بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع الى ان الضار من حيث انه ضار حرام ومعلوم ان هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك فى الضرر مع العلم بتحققه سابقا لان قولنا المضر قبيح حكم دائمى لا يرتفع احتماله ابدا ولا ينفع فى اثبات القبح عند الشك فى بقاء الضرر ولا يجوز ان يقال ان هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه لان الموضوع فى حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق بل عنوان المضر والحكم له مقطوع البقاء وهذا بخلاف الاحكام الشرعية فانه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما ولا يعلم أن المناط الحقيقى فيه باق فى زمان الشك او مرتفع فيستصحب الحكم الشرعى.

يوجب الشك فى بقائها مطلق او خصوص مورد او بنفيه كعدم الزوجية وعدم الملكية الثابتين قبل تحقق موضوعهما انتهى كلامه ره.

(وكيف كان) انه يظهر من كلام الشيخ قده عدم جريان الاستصحاب فيما اذا كان الدليل الدال على ثبوت المستصحب هو العقل حيث قال ولم اجد من فصّل بينهما إلّا ان فى تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلى وهو الحكم العقلى المتوصل به الى حكم شرعى تأملا.

(يعنى) فى تحقق الاستصحاب موضوعا فى الحكم الشرعى المستند الى الحكم العقلى بان يكون الحاكم بالحكم الانشائى هو العقل ويستكشف منه الحكم الشرعى بقاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع تأمل.

(قال فى بحر الفوائد) ظاهر عبارة الشيخ بل صريحها كون الكلام فى الحكم الشرعى المتوصل اليه من الحكم العقلى بقاعدة التلازم لا فى نفس

٤٣٢

الحكم العقلى ولا بد ان يكون هذا ايضا مراد من توهم جريان الاستصحاب فى الحكم العقلى لان الاستصحاب فى نفس الاحكام العقلية مما لا يتعقل له معنى قطعا لان الشك فى الحكم للحاكم مما لا يتعقل اصلا فهو فى الزمان الثانى اما ان يحكم كما حكم به فى الزمان الاول أو لا يحكم وعلى الثانى يقطع بعدم وجود الحكم فى الزمان الثانى لان عدم حكمه يكفى فى القطع بعدم حصول انشاء الحكم منه انتهى.

(وقد افاد الشيخ قدس‌سره) فى وجه عدم جريان الاستصحاب فى نفس الاحكام العقلية على وجه يتضح منه عدم جريانه فى الاحكام الشرعية المستندة اليها ايضا.

(ما ملخصه) ان الحكم العقلى موضوعه معلوم تفصيلا لدى العقل الحاكم به ولا يعقل تطرق الاهمال والاجمال الى موضوعه فان العقل لا يستقل بقبح شىء او حسنه الا بعد الالتفات الى الموضوع بجميع ما يعتبر فيه من القيود والخصوصيات فكل قيد اعتبره العقل فى حكمه فلا بد وان يكون له دخل فى الموضوع ومعه لا يمكن الشك فى بقاء الحكم العقلى وما يستتبعه من الحكم الشرعى بقاعدة الملازمة مع بقاء الموضوع واتحاد القضية المشكوكة للقضية المتيقنة الذى لا بد منه فى الاستصحاب فحينئذ اذا تخلف قيد من قيود الموضوع وحالة من حالاته فان كان دخيلا فى الموضوع بنظر العقل فالحكم العقلى غير باق قطعا وهكذا الشرعى المستند اليه وان لم يكن دخيلا فيه فالحكم العقلى باق قطعا وهكذا الشرعى المستند اليه فاذا حكم العقل بحرمة السمّ المضر وانتفى الاضرار من السم فان كان الاضرار دخيلا بنظره فى الموضوع فلا حرمة يقينا وان لم يكن دخيلا فالحرمة تكون باقية وعليه فلا استصحاب على كلا التقديرين.

(وقال ايضا قدس‌سره) فى التنبيه الثالث من تنبيهات الاستصحاب ما لفظه الامر الثالث ان المتيقن السابق اذا كان مما يستقل به العقل كحرمة الظلم وقبح التكليف بما لا يطاق ونحوهما من المحسنات والمقبحات العقلية فلا يجوز

٤٣٣

استصحابه لان الاستصحاب ابقاء ما كان والحكم العقلى موضوعه معلوم تفصيلا للعقل الحاكم به فان ادرك العقل بقاء الموضوع فى الآن الثانى حكم به حكما قطعيا كما حكم اولا وان ادرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم ولو ثبت مثله بدليل لكان حكما جديدا حادثا فى موضوع جديد.

(واما الشك فى بقاء الموضوع) فان كان لاشتباه خارجى كالشك فى بقاء الاضرار فى السم الذى حكم العقل بقبح شربه فذلك خارج عما نحن فيه وسيأتى الكلام فيه وان كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا واحتمال مدخلية موجود مرتفع او معدوم حادث فى موضوعية الموضوع فهذا غير متصور فى المستقلات العقلية لان العقل لا يستقل بالحكم الا بعد احراز الموضوع ومعرفته تفصيلا الى ان قال :

(واما موضوعه) كالضرر المشكوك بقاءه فى المثال المتقدم فالذى ينبغى ان يقال فيه ان الاستصحاب ان اعتبر من باب الظن عمل به هنا لانه يظن الضرر بالاستصحاب فيحمل عليه الحكم العقلى وان اعتبر من باب التعبد لاجل الاخبار فلا يثبت إلّا الآثار الشرعية المجعولة القابلة للجعل الظاهرى وتعبد الشارع بالحكم العقلى يخرجه عن كونه حكما عقليا مثلا اذا ثبت بقاء الضرر فى السم فى المثال المتقدم بالاستصحاب فمعنى ذلك ترتيب الآثار الشرعية المجعولة للضرر على مورد الشك واما حكم العقل بالقبح والحرمة فلا يثبت الا مع احراز الضرر نعم تثبت الحرمة الشرعية بمعنى نهى الشارع ظاهرا انتهى موضع الحاجة من كلامه المربوط بالمقام.

(والمستفاد من المجموع) لدى التدبر التام فيه عدم جريان الاستصحاب فى الاحكام الشرعية المستندة الى الاحكام العقلية وعدم جريانه فى نفس الاحكام العقلية.

٤٣٤

(فان قلت) على القول بكون الاحكام الشرعية تابعة للاحكام العقلية فما هو مناط الحكم وموضوعه فى الحكم العقلى بقبح هذا الصدق فهو المناط والموضوع فى حكم الشرع بحرمته اذ المفروض بقاعدة التطابق ان مناط الحرمة وموضوعها هو بعينه موضوع القبح ومناطه (قلت) هذا مسلم لكنه مانع عن الفرق بين الحكم الشرعى والعقلى من حيث الظن بالبقاء فى الآن اللاحق لا من حيث جريان اخبار الاستصحاب وعدمه فانه تابع لتحقق (هذا الاشكال) يرد على قوله وهذا بخلاف الاحكام الشرعية الخ ومحصل الاشكال ان منع جريان الاستصحاب فى الحكم العقلى يوجب المنع عنه فى الحكم الشرعى المستند اليه بقاعدة التطابق كما ذهب اليها العدلية من الامامية والمعتزلة حيث قالوا بكون الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد النفس الامرية العارضة للافعال وان اختلفوا فى كون عروضها بالذات او بالاعتبار وكونها ألطافا فى الاحكام العقلية ولهذا اتفقوا على ان ما حكم به الشرع حكم به العقل ايضا وبالعكس والمفروض بقاعدة التطابق كون المناط بمحل الاتحاد عند العقل والشرع.

(فحينئذ) اذا لم يجر الاستصحاب فى الاحكام العقلية وكذا فى الاحكام الشرعية للقاعدة المذكورة فيلزم سد باب الاستصحاب وعدم جريانه لا فى الاحكام العقلية ولا فى الاحكام الشرعية.

(قوله قلت هذا مسلم الخ) يعنى ما ذكرته من التطابق بين حكم العقل والشرع مسلّم لكنه مانع عن الفرق بين الحكم الشرعى والعقلى اذا قلنا بكون اعتبار الاستصحاب من باب الظن فانه اذا شك فى بقاء العلة فى الزمان الثانى فلا مجال للاستصحاب المبنى على الظن لعدم امكان حصول الظن بالمعلول

٤٣٥

موضوع المستصحب ومعروضه بحكم العرف فاذا حكم الشارع بحرمة شيء فى زمان وشك فى الزمان الثانى ولم يعلم ان المناط الحقيقى واقعا الذى هو عنوان الموضوع فى حكم العقل باق هنا ام لا فيصدق هنا ان الحكم الشرعى الثابت لما هو الموضوع له فى الادلة الشرعية كان موجودا سابقا ويشك فى بقائه ويجرى فيه اخبار الاستصحاب نعم لو علم مناط هذا الحكم وعنوانه المعلق عليه فى حكم العقل لم يجر الاستصحاب لما ذكرنا من عدم احراز الموضوع.

مع الشك فى بقاء العلة فلا يجرى الاستصحاب فى كلا القسمين وان حصل الظن ببقاء المعلول من جهة الظن ببقاء العلة من جهة ملاحظة الغلبة او غيرها فيرتفع الشك البدوى الحاصل من جهة ذلك فيجرى الاستصحاب فى كلا القسمين فلا يعقل الفرق بين القسمين فى كلتا الصورتين.

(ثم يظهر) من كلام الشيخ قده فى هذا المقام ان المسامحة العرفية انما تجرى على القول بحجية الاستصحاب من باب التعبد دون الظن وسيأتى منه فيما يتعلق بشرح كلام الفاضل التونى فى بيان الشبهة الاخرى لعدم جريان الاستصحاب فى الاحكام التكليفية والجواب عنها جريان المسامحة على القول بالظن ايضا.

(قوله فانه تابع لتحقق موضوع المستصحب ومعروضه بحكم العرف الخ) يعنى على تقدير القول بحجية الاستصحاب من باب الاخبار كما هو المقصود فى المقام حسبما سيجىء من عدم الدليل عليه غير الاخبار الواردة من الائمة الطاهرة لا بأس بالفرق بين الحكمين ولا ضير فى ذلك كما قال قدس‌سره ان الاستصحاب على القول باعتباره من باب الاخبار تابع لتحقق موضوع المستصحب ومعروضه بحكم العرف فاذا حكم الشارع بحرمة شيء فى زمان وشك فى الزمان الثانى

٤٣٦

ولم يعلم ان المناط الحقيقى واقعا الذى هو عنوان الموضوع فى حكم العقل باق هنا ام لا فيصدق هنا ان الحكم الشرعى الثابت لما هو الموضوع له فى الادلة الشرعية كان موجودا سابقا ويشك فى بقائه ويجرى فيه اخبار الاستصحاب.

(نعم) لو علم مناط الحكم تفصيلا وعنوانه المعلق عليه فى حكم العقل يصرف الحكم اليه فيصير هو الموضوع والمعروض لحكم الشرع ايضا فاذا شك فى بقائه فيرجع الشك فيه الى الشك فى الموضوع المانع من تحقق موضوع الاستصحاب كما لو قال الخمر حرام لانه مسكر فافهم.

٤٣٧

(ومما ذكرنا يظهر) ان الاستصحاب لا يجرى فى الاحكام العقلية ولا فى الاحكام الشرعية المستندة اليها سواء كانت وجودية ام عدمية اذا كان العدم مستندا الى القضية العقلية كعدم وجوب الصلاة مع السورة على ناسيها فانه لا يجوز استصحابه بعد الالتفات كما صدر من بعض من مال الى الحكم بالاجزاء فى هذه الصورة وامثالها من موارد الاعذار العقلية الرافعة للتكليف مع قيام مقتضيه واما اذا لم يكن العدم مستندا الى القضية العقلية بل كان لعدم المقتضى وان كانت القضية العقلية موجودة ايضا فلا بأس باستصحاب العدم المطلق بعد ارتفاع القضية العقلية ومن هذا الباب استصحاب حال العقل المراد به فى اصطلاحهم استصحاب البراءة والنفى فالمراد استصحاب (ومما ذكرنا) فيما تقدم من ان حكم العقل لا يقبل التشكيك ولا يعقل تطرّق الاهمال والاجمال الى موضوعه ومعه لا يمكن الشك فى بقاء الحكم العقلى وما يستتبعه من الحكم الشرعى بقاعدة الملازمة مع بقاء الموضوع.

(يظهر) ان الاستصحاب لا يجرى فى الاحكام العقلية ولا فى الاحكام الشرعية المستندة اليها سواء كانت وجودية ام عدمية اذا كان العدم مستندا الى القضية العقلية كعدم وجوب الصلاة مع السورة على ناسيها فانه لا يجوز استصحابه بعد الالتفات كما صدر من بعض من مال الى الحكم بالاجزاء فى هذه الصورة وامثالها من موارد الاعذار العقلية الرافعة للتكليف مع قيام مقتضيه.

(واما اذا لم يكن العدم) مستندا الى القضية العقلية بل كان لعدم المقتضى وان كانت القضية العقلية موجودة ايضا فلا بأس باستصحاب العدم المطلق بعد ارتفاع القضية العقلية.

(ومن هذا الباب) استصحاب حال العقل المراد به فى اصطلاحهم استصحاب البراءة والنفى فالمراد استصحاب الحال التى يحكم العقل على طبقها

٤٣٨

الحال التى يحكم العقل على طبقها وهو عدم التكليف لا الحال المستندة الى العقل حتى يقال ان مقتضى ما تقدم هو عدم جواز استصحاب عدم التكليف عند ارتفاع القضية العقلية وهى قبح تكليف غير المميز او المعدوم ومما ذكرنا ظهر انه لا وجه للاعتراض على القوم فى تخصيص استصحاب حال العقل باستصحاب النفى والبراءة بان الثابت بالعقل قد يكون عدميا وقد يكون وجوديا فلا وجه للتخصيص وذلك لما عرفت من ان الحال المستند الى العقل المنوط بالقضية العقلية لا يجرى فيها الاستصحاب وجوديا كان او عدميا وما ذكره من الامثلة يظهر الحال فيها مما تقدم.

وهو عدم التكليف لا الحال المستندة الى العقل حتى يقال ان مقتضى ما تقدم هو عدم جواز استصحاب عدم التكليف عند ارتفاع القضية العقلية وهى قبح تكليف غير المميز او المعدوم.

(قوله ومما ذكرنا ظهر الخ) اشارة الى ردّ صاحب الفصول فيما ذكره فى تقسيم الاستصحاب حيث قال واعلم انه ينقسم الاستصحاب باعتبار مورده الى استصحاب حال العقل والمراد به كل حكم ثبت بالعقل سواء كان تكليفيا كالبراءة حال الصغر واباحة الاشياء الخالية عن امارة المفسدة قبل الشرع وكتحريم التصرف فى مال الغير ووجوب رد الوديعة اذا عرض هناك ما يحتمل زواله كالاضطرار والخوف او كان وضعيا سواء تعلق الاستصحاب باثباته كشرطية العلم لثبوت التكليف اذا عرض ما يوجب الشك فى بقائها مطلقا او فى خصوص مورد او بنفيه كعدم الزوجية وعدم الملكية الثابتين قبل تحقق موضوعهما وتخصيص جمع من الاصوليين لهذا القسم اعنى استصحاب حال العقل بالمثال الاول اعنى البراءة الاصلية مما لا وجه له انتهى.

(اقول) ان ما افاده الشيخ قدس‌سره فى دفع ما ذهب اليه صاحب الفصول

٤٣٩

على ما تعرض له فى بحر الفوائد هو ان الاصوليين ليسوا مفصلين فى جريان الاستصحاب بين القضايا الوجودية المستندة الى العقل والعدمية المستندة اليه كيف وقد عرفت ان الاستصحاب لا يتحقق موضوعا فى كل قضية مستندة الى العقل سواء كانت وجودية او عدمية وهم مطبقون على عدم الفرق ايضا.

(فمرادهم) من حال العقل التى يذكرونها فى تقسيم الاستصحاب ليس هو الحال المستندة اليه بل مرادهم من حال العقل هو الحال التى تثبت فى مورد حكم العقل من غير استناد اليه وان كان للعقل مدخل فى الحكم باستمراره ولمّا كان هذا المعنى مختصا بالبراءة الاصلية فلهذا اختصوا حال العقل بها واما الاختصاص بها فلما قد عرفت ان الوجود المستند الى القضية العقلية ليس له حالة سابقة يقينية مع قطع النظر عن حكم العقل فالشك فيه دائما يكون من جهة الشك فى الموضوع.

واما العدم المستند اليه غير البراءة الاصلية كما فيما ذكره من المثالين فهو وان كان له حالة سابقة إلّا ان بعد وجود الموضوع ليس ما يقضى هناك باستمراره فلهذا اختص الحال بالمعنى المذكور بالبراءة الاصلية ولا يتحقق فى غيرها (قوله وما ذكره من الامثلة يظهر الحال فيها مما تقدم) يرد على جميع الامثلة المذكورة عدم تعقل شك العقل فى حكمه مع انه مع فرض الشك فى الموضوع لا يجرى الاستصحاب ويرد على استصحاب البراءة ان الموضوع فيه متغير او محتمل التغير فلا يجرى الاستصحاب مع ان الحكم للشك لا للمشكوك ويرد على استصحاب اباحة الاشياء ان الحكم فيها للشك لان الاباحة هناك ظاهرية فيكفى فيها قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال ويرد على شرطية العلم عدم كون الشرطية مجعولة ويرد على الاخير بان استصحاب عدم الزوجية والملكية ليست لهما حالة سابقة ان اريد بهما استصحاب عدم الزوجية والملكية لشيء وان اريد استصحاب العدم الازلى فلا معنى له مع انه يكون مثبتا فتأمل جيدا.

٤٤٠