درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

اى لا يضار جاره مجازاة فينقصه بادخال الضرر عليه فالضرار منهما معا والضرر فعل الواحد انتهى.

(وفى القاموس) ج ٢ ص ٧٥ الضّرّ ويضم ضد النفع او بالفتح مصدر وبالضم اسم ضرّه وبه واضرّه وضارّه مضارّة وضرارا والضار وراء القحط والشدة والضرر سوء الحال كالضر والضرة والضرارة والنقصان يدخل فى الشيء والضراء الزمانة والشدة والنقص فى الاموال والانفس انتهى.

(واما اطلاقه) على النقص فى الاعيان كما فى المصباح فهو على خلاف وضعه قطعا ومن هنا قال وقد اطلق على نقص يدخل الاعيان قال فيه فى الجزء الثانى ص ٦ الضرّ الفاقة والفقر بضم الضاد اسم وبفتحها مصدر ضره يضره من باب قتل اذا فعل به مكروها وأضر به يتعدى بنفسه ثلاثيا وبالباء رباعيا قال الازهرى كل ما كان سوء حال وفقر وشدة فى بدن فهو ضر بالضم وما كان ضد النفع فهو بفتحها وفى التنزيل رب انى مسنى الضر اى المرض والاسم الضرر وقد اطلق على نقص يدخل الاعيان انتهى.

(وكيف كان) لا اشكال فى ظهور لفظ الضرر فيما ذكرنا عند الاطلاق بلا قرينة من انه ضد النفع كما يساعد عليه موارد الاستعمال مع ان كونه بالمعنى الاعم اى الكراهة وسوء الحال وغيرهما لا يضر فى المقام كما هو ظاهر.

(واما الضرار) فقد وقع الخلاف فى معناه على اقوال منها انه فعل الاثنين ومنها انه الجزاء على الضرر ومنها ان تضر صاحبك من غير ان تنتفع به ومنها ان الضرر والضرار بمعنى واحد ومنها الضيق.

(وقد حكى قدس‌سره) عن النهاية الاثيرية وساق الكلام الى ان قال والضرر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين والضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه وقيل الضرر ما يضر صاحبك وتنتفع انت به والضرار ان تضره من غير ان تنتفع به وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد انتهى.

٣٢١

(اقول) ان الضرار بمقتضى باب المفاعلة فعل الاثنين ولكن لا يبعد ان يكون بمعنى الضرر فى الحديث جيء به تأكيدا ويشهد به اطلاق المضار على سمرة حيث قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى رواية الحذاء ما اراك يا سمرة إلّا مضارا وفى رواية ابن مسكان عن زرارة انك رجل مضار وصريح جماعة من اللغويين انه بمعنى الضرر فالتكرار فى الحديث للتأكيد وفى بحر الفوائد قيل ان الضرر والضرار من قبيل المسكين والفقير اذا اجتمعا افترقا اذا افترقا اجتمعا ولم يثبت ذلك من العرف واللغة بل ظاهرهم خلافه ولما لم يثبت كون الضرار مغايرا للضرر بل ظاهر اكثرهم كما عرفت اتحاده معنى مع الضرر وليس هذا من قبيل الاثبات والنفى حتى يقال ان المثبت مقدم على النافى كما هو ظاهر وساق الكلام الى ان قال.

(وبالجملة) الحق ما ذكره شيخنا قده فى الرسالة من ان التباس الفرق بين الضرر والضرار لا يخلّ بما هو المقصود من التمسك بنفى الضرر فى المسائل الفقهية فالمهم بيان المراد من النفى الوارد على الضرر فى الاخبار بعد صرفه عن ظاهره بحكم العقل من حيث لزوم الكذب بعد وقوع الضرر حسا وبالمشاهدة والوجدان.

٣٢٢

(اذا عرفت ما ذكرنا) فاعلم ان المعنى بعد تعذر ارادة الحقيقة عدم تشريع الضرر بمعنى ان الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على احد تكليفيا كان او وضعيا فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفى بالخبر وكذلك لزوم البيع من غير شفعة للشريك وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلّا بثمن كثير وكذلك سلطنة المالك على الدخول الى عذقه واباحته له من دون استيذان من الانصارى وكذلك حرمة الترافع الى حكام الجور اذا توقف اخذ الحق عليه ومنه براءة ذمة الضار عن تدارك ما ادخله من الضرر اذ كما ان تشريع حكم يحدث معه الضرر منفى بالخبر كذلك تشريع ما يبقى معه الضرر الحادث بل يجب ان يكون الحكم المشروع فى تلك الواقعة على وجه يتدارك ذلك الضرر كان لم يحدث إلّا انه قد ينافى هذا قوله لا ضرار بناء على ان معنى الضرر المجازاة (اقول) ان المهم بيان المراد من النفى الوارد على الضرر والضرار فى الروايات بعد صرفه عن ظاهره بحكم العقل من جهة لزوم الكذب بعد وقوع الضرر حسا وبالمشاهدة والوجدان وبعد تعذر الحقيقة يكون المحتملات فيه بين وجوه وقد انهاها بعض الاعلام الى سبعة او ثمانية انا نتعرض منها لثلاثة قال بكل قائل واما سائر الاحتمالات فهى اما راجعة اليها او سخيفة يجب الاعراض عنها

(احدها) ان يكون لنفى الحكم الضررى بمعنى نفى الحكم الشرعى الذى يلزم منه ضرر على العباد تكليفيا كان او وضعيا كوجوب الصوم مع المرض او لزوم البيع مع الغبن ونحو ذلك من العبادات مع التضرر وكذلك سلطنة سمرة على الدخول على عذقه بدون الاستيذان من الانصارى وحرمة الترافع الى حكام الجور مع توقف اخذ الحق عليه وهكذا كل حكم ضررى منفى بالروايات

٣٢٣

على الضرر وكذا لو كان بمعنى المضارة التى هى من فعل الاثنين لان فعل الثانى منهما ضرر قد نفى بالفقرة الاولى فالضرار المنفى بالفقرة الثانية انما يحصل بفعل الثانى وكان من فسره بالجزاء على الضرر اخذه من هذا المعنى لا على انه معنى مستقل ويحتمل ان يراد من النفى النهى عن ضرر النفس او الغير ابتداء او مجازاة لكن لا بد ان يراد بالنهى زائدا على التحريم الفساد وعدم المضى للاستدلال به فى كثير من رواياته على الحكم الوضعى دون محض التكليف فالنهى هنا نظير الامر بالوفاء فى الشروط والعقود فكل اضرار بالنفس او الغير محرم غير ماض على من اضره وهذا المعنى قريب من الاول بل راجع اليه والاظهر بملاحظة نفس الفقرة ونظائرها وموارد ذكرها فى الروايات وفهم العلماء هو المعنى الاول.

وهو الذى يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره اختياره وكذا فى رسالته المستقلة بل لعله المشهور بين الاصحاب رضوان الله عليهم.

(ثانيها) ان يراد من النفى النهى والتحريم كما فى قوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) وقوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا سبق الا فى خف او حافر او نصل وغير ذلك مما لا يهمّنا ذكره فمعنى قوله لا ضرر ولا ضرار فى الاسلام كون الاضرار حراما سواء كان بالنفس او بالغير وانه لا يجوز الاضرار فى الدين وشرع الاسلام فلا ينافى وجود ذاته فى الخارج ولا يلزم عليه كذب اصلا اذ المقصود ليس نفى وجوده بل نفى جوازه بالمعنى الاعم. (وهذا المعنى) مضافا الى كونه خلاف الظاهر ينافى ذكر القاعدة فى النص والفتوى لنفى الحكم الوضعى فان الحكم بان المراد من النفى النهى وتحريم الاضرار وانه من المحرمات الشرعية لا يجامع القول باستفادة الحكم

٣٢٤

الوضعى من الاخبار كالضمان ونحوه.

(وقد اشار قدس‌سره) الى هذا الوجه الثانى بقوله ويحتمل ان يراد من النفى النهى عن ضرر النفس او الغير ابتداء او مجازاة لكن لا بد ان يراد بالنهى زائدا على التحريم الفساد وعدم المضى للاستدلال به فى كثير من رواياته على الحكم الوضعى دون محض التكليف فالنهى هنا نظير الامر بالوفاء بالشروط والعقود فكل اضرار بالنفس او الغير محرم غير ماض على من اضره وهذا المعنى قريب من الاول بل راجع اليه انتهى.

(ومحصله) انه على تقدير ارادة النهى من النفى لا بد من ارادة الفساد مع الحرمة دون محض التكليف فقط فكما ان الامر بالوفاء فى الشروط والعقود يكون للوجوب والصحة جميعا فكذلك النهى فى المقام يكون للحرمة والفساد جميعا وذلك للاستدلال به فى كثير من رواياته على نفى الحكم الوضعى فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا فى رواية عقبة بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء فى الارضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار وقال اذا أرفت الأرف وحددت الحدود فلا شفعة حيث دلت على تحريم اضرار الشريك بالشريك ولا يكون ماضيا فاذا باع الشريك نصيبه من الاجنبى دون الشريك فله اخذ الشفعة منه (ثم قال) قده والاظهر بملاحظة نفس الفقرة من جهة ظهور التركيب فى النفى لا النهى عن الاضرار بالنفس او بالغير ونظائرها كادلة نفى الحرج والخطاء والنسيان وموارد ذكرها فى الروايات من جهة انها دلت على ثبوت الشفعة ولزوم الامر بقلع الشجرة والضمان وغيرها وفهم العلماء هو المعنى الاول اى نفى الحكم الشرعى الذى يلزم منه ضرر على العباد تكليفيا كان او وضعيا.

(وقال قده فى رسالته المستقلة) واما المعنى الاول اى حمل النفى على النهى فهو مناف لذكر القاعدة فى النص والفتوى لنفى الحكم الوضعى لا مجرد تحريم الاضرار نعم يمكن ان يستفاد منه تحريم الاضرار بالغير من حيث

٣٢٥

ان الحكم باباحته حكم ضررى فيكون منفيا فى الشرع بخلاف الاضرار بالنفس فان اباحته بل طلبه على وجه الاستحباب ليس حكما ضرريا ولا يلزم من جعله ضرر على المكلفين نعم قد استفيد من الادلة العقلية والنقلية تحريم الاضرار بالنفس انتهى.

(وثالثها) ان يكون النفى لنفى الضرر المجرد عن التدارك اى لا ضرر لم يحكم الشارع بوجوب تداركه وجبرانه فلا ينافى وجوده فى الخارج اذ المنفى ليس الضرر المطلق بل المقيد بعنوانه التقييدى وقد تقدم هذا المعنى من الفاضل التونى فى ذيل الشرط الثانى من الشروط التى ذكرها لاصل البراءة.

(اقول) الاقرب من الوجوه الثلاثة المتقدمة هو الوجه الاول فيكون الحديث دالا على نفى جعل الحكم الضررى سواء كان الضرر ناشئا من نفس الحكم كلزوم البيع المشتمل على الغبن او ناشئا من متعلقه كالوضوء الموجب للضرر فاللزوم مرتفع فى الاول والوجوب فى الثانى وما افاده الشيخ قدس‌سره هو الصحيح ولا يرد عليه شيء مما يرد على الوجوه الأخر وبالجملة مفاد نفى الضرر فى عالم التشريع هو نفى الحكم الضررى كما ان مفاد نفى الحرج فى عالم التشريع هو نفى الحكم الحرجى.

(واما الوجه الثالث) منها وهو نفى الضرر المجرد عن التدارك فمما لا شاهد عليه ولا يساعده فهم العرف فهذا الوجه بمعزل عن الصواب جدا وقد عبّر عنه الشيخ قدس‌سره فى رسالته المستقلة بأردإ الاحتمالات مستدلا على ذلك بان الضرر الخارجى لا ينزل منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه وانما المنزل منزلته الضرر المتدارك فعلا.

(فيبقى) فى البين الوجه الثانى اى كون النفى للنهى والتحريم شرعا وفيه انه ينافى ذكر القاعدة فى النص والفتوى لنفى الحكم الوضعى فان الحكم بان المراد من النفى النهى وتحريم الاضرار وانه من المحرمات الشرعية لا يجامع القول

٣٢٦

باستفادة الحكم الوضعى من الاخبار كالضمان ونحوه هذا مضافا الى انه لا يمكن الالتزام بحمل النفى على النهى والتحريم فى المقام بناء على اشتمال بعض الروايات على كلمة فى الاسلام كما فى مرسلة التذكرة ونهاية ابن الاثير وهى لا ضرر ولا ضرار فى الاسلام لان هذا القيد مما يناسب نفى الاحكام الضررية فى الشريعة نظير الاحكام الحرجية فى الدين.

(فيظهر مما ذكرنا) ضعف ما قيل من ان الوجه الثانى هو الاقرب عرفا والاظهر انسباقا مستدلا عليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فى بعض طرق قصة سمرة بن جندب ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن فان كلمة على مؤمن مما يشعر بحرمة الاضرار به وقال يؤيد ذلك قول ابى عبد الله عليه‌السلام ان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ورواه فى الوسائل فى احياء الموات فى باب عدم جواز الاضرار بالمسلم مسندا عن طلحة بن زيد ومثل ذلك ما رواه فى احياء الموات ايضا فى الباب الخامس عشر مسندا عن محمد بن الحسن قال كتبت الى ابى محمد عليه‌السلام رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فاراد صاحب القرية ان يسوق الى قريته الماء فى غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك ام لا فوقع عليه‌السلام يتقى الله ويعمل فى ذلك بالمعروف ولا يضر اخاه المؤمن فان الظاهر منهما هو التحريم بلا كلام ثم قال هذا كله مضافا الى ان كثرة التخصيصات موهن قوى لارادة نفى الاحكام الضررية من القاعدة المذكورة انتهى.

(وقد اجيب) عما رواه فى الوسائل بالاسناد الى طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام الجار كالنفس غير مضار ولا آثم بانه لا يدل على الحرمة الشرعية بل يستفاد منه ان الجار بمنزلة النفس فكما ان الانسان بطبعه لا يقدم على ضرر نفسه ولا يظهر عيوبه فليكن هكذا حاله مع جاره وقد اجاب الشيخ قده عن دليله الاخير بان تخصيص الاكثر لا استهجان فيه اذا كان بعنوان واحد جامع لافراد هى اكثر من الباقى كما اذا قيل اكرم الناس ودل دليل على اعتبار العدالة

٣٢٧

خصوصا اذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب ومن هنا ظهر وجه صحة التمسك بكثير من العمومات مع خروج اكثر افرادها كما فى قوله عليه‌السلام المؤمنون عند شروطهم وقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على ارادة العهود كما فى الصحيح هذا تمام الكلام فى المقام الثالث وهو فى بيان معنى القاعدة بحسب الهيئة التركيبية.

(واما مسئلة الاضرار بالنفس) فقد اختلف فى ذلك الانظار وذكر الشيخ قده فى رسالته المستقلة فى قاعدة لا ضرر ان المستفاد من الادلة العقلية والنقلية تحريم الاضرار بالنفس كالاضرار بالغير وقال ره فيها ايضا ان العلماء لم يفرقوا فى الاستدلال بالقاعدة بين الاضرار بالنفس والاضرار بالغير انتهى اقول ان الاضرار بالغير محرم بلا خلاف ولا اشكال بالادلة العقلية والسمعية واما الاضرار بالنفس فهو ايضا محرم عقلا ونقلا ولكن فى اطلاقه تأمل اذا العقل لا يرى محذورا فى صرف الانسان امواله كيف ما شاء ما لم يبلغ الى حدّ السرف والتبذير وفى اضراره بنفسه بتحمل ما يضر بصحة بدنه فيما اذا ترتب عليه غرض عقلائى كما فى سفر التجارة او الزيارة ونحو ذلك فانهم يسافرون لهما مع تضررهم من الحرارة والبرودة بمقدار لو كان الحكم الشرعى موجبا لهذا المقدار من الضرر لكان الحكم المذكور مرفوعا بقاعدة لا ضرر.

(وعلى كل حال) قد استدل على تحريم الاضرار بالنفس مطلقا من دون استثناء مورد بعدة روايات وهى على طوائف.

(الاولى) الادلة الدالة على نفى الضرر والضرار بناء على ارادة النهى من النفى.

(الثانية) ما رواه الكلينى فى الكافى بالاسناد الى طلحة بن زيد عن الصادق عليه‌السلام الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وروى هذه الرواية بالاسناد المذكور فى الوسائل فى كتاب احياء الموات فى باب عدم جواز الاضرار بالمسلم.

٣٢٨

(الثالثة) ما رواه فى العيون عن محمد بن سنان عن الرضا عليه‌السلام فيما كتبه اليه وحرم الميتة لما فيها من فساد الابدان والآفة الى ان قال وحرم الدم كتحريم الميتة لما فيها من فساد الابدان.

(الرابعة) ما رواه ايضا فى باب تحريم جميع السباع من كل ذى ناب ومخلب من حديث الاربعمائة عن على عليه‌السلام ولا تأكلوا الطحال فانه ينبت الدم الفاسد.

(الخامسة) ما رواه فى الوسائل فى باب جملة من الاطعمة والاشربة المباحة والمحرمة عن تحف العقول عن جعفر ابن محمد عليهما‌السلام بعد تقسيم ما اخرجته الارض الى ثلاثة اصناف قال فكل شيء من هذه الاشياء فيه غذاء للانسان ومنفعة وقوة فحلال اكله وما كان منها فيه المضرة فحرام اكله الا فى حال التداوى الحديث.

(السادسة) ما رواه فى المستدرك عن فقه الرضا عليه‌السلام اعلم يرحمك الله ان الله تبارك وتعالى لم يبح اكلا ولا شربا الا لما فيه المنفعة والصلاح ولم يحرم الا ما فيه الضرر والتلف والفساد فكل نافع للجسم فيه قوة للبدن فحلال وكل مضر يذهب بالقوة او قاتل فحرام مثل السموم والميتة والدم ولحم الخنزير الحديث وغير ذلك من الاخبار ولكن دلالتها على حرمة الاضرار بالنفس مطلقا لا تخلو عن الخدشة فتأمل.

٣٢٩

ثم ان هذه القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضررى كادلة لزوم العقود وسلطنة الناس على اموالهم ووجوب الوضوء على واجد الماء وحرمة الترافع الى حكام الجور وغير ذلك وما يظهر من غير واحد من اخذ التعارض بين العمومات المثبتة للتكليف وهذه القاعدة ثم ترجيح هذه اما بعمل الاصحاب واما بالاصول كالبراءة فى مقام التكليف وغيرها فى غيره فهو خلاف ما يقتضيه التدبر فى نظائرها من ادلة رفع الحرج ورفع الخطاء والنسيان ونفى السهو على كثير السهو ونفى السبيل على المحسنين ونفى قدرة العبد على شيء ونحوها مع ان وقوعها فى مقام الامتنان يكفى فى تقديمها على العمومات والمراد بالحكومة ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال دليل آخر من حيث اثبات حكم لشىء او نفيه عنه فالاول مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب او شهادة العدلين فانه حاكم على ما دل على انه لا صلاة إلّا بطهور فانه يفيد بمدلوله اللفظى ان ما ثبت من الاحكام للطهارة فى مثل لا صلاة إلّا بطهور وغيرها ثابت للمتطهر بالاستصحاب او بالبينة.

(واما الكلام) فى بيان نسبة هذه القاعدة مع الادلة المتكفلة للاحكام الثابتة للافعال بعناوينها الاولية فنقول ان الوجوه المتصورة فيها ثلاثة مسالك.

(احدها) ما ذهب اليه جماعة كالفاضل القمى والنراقى وصاحب الكفاية والرياض من ثبوت التعارض بينها وبين العمومات المثبتة للتكاليف فيلاحظ الترجيح بينهما ومع فقده يرجع الى الاصول ويظهر فساد هذا القول مما حقق فى المتن.

(ثانيها) ان العمومات الدالة على تشريع الحكم الضررى كالجهاد والحج والصوم وبذل الاموال فى الخمس والزكاة الى غير ذلك حاكمة على هذه القاعدة

٣٣٠

والثانى مثل الامثلة المذكورة واما المتعارضان فليس فى احدهما دلالة لفظية على حال الآخر من حيث العموم والخصوص وانما يفيد حكما منافيا لحكم الآخر وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحققهما واقعا يحكم بارادة خلاف الظاهر فى احدهما المعين ان كان الآخر اقوى منه فهذا الآخر الاقوى قرينة عقلية على المراد من الآخر وليس فى مدلوله اللفظى تعرض لبيان المراد منه ومن هنا وجب ملاحظة الترجيح فى القرينة لان قرينته بحكم العقل بضميمة المرجح اما اذا كان الدليل بمدلوله اللفظى كاشفا عن حال الآخر فلا يحتاج الى ملاحظة مرجح له بل هو متعين للقرينة بمدلوله اللفظى وسيأتى لذلك توضيح فى تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى. وهذا المسلك كما ترى مناف لما يرى من الاصحاب من احتجاجهم بهذه القاعدة فى كثير من الابواب فى قبال العمومات والاطلاقات بل هو مناف لما يستفاد من النصوص ايضا فهذا المسلك اضيق المسالك واوهنها.

(ثالثها) ان القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضررى وهذا المسلك هو اللائق بالتصديق وهو ممّا بنى على اساس التحقيق وهذا هو المختار عند الشيخ قدس‌سره وبالجملة التحقيق عنده ان المراد بالضرر خصوص الدنيوى وقد رفع الشارع الحكم فى موارده امتنانا فيكون القاعدة حاكمة على جميع العمومات المثبتة للتكليف نعم لو قام دليل خاص على وجوب خصوص تكليف ضررى خصص به عموم القاعدة.

(قال قدس‌سره فى رسالته المستقلة) ان دليل هذه القاعدة حاكم على عموم ادلة اثبات الاحكام الشامل لصورة التضرر بموافقتها وليس معها من قبيل المتعارضين فيلتمس الترجيح لاحدهما ثم يرجع الى الاصول خلافا لما يظهر من بعض من عدّهما من المتعارضين حيث انه ذكر فى مسئلة تصرّف الانسان

٣٣١

فى ملكه مع تضرر جاره ان عموم نفى الضرر معارض بعموم الناس مسلّطون على اموالهم وذكر نحو ذلك فى مسئلة جواز الترافع الى حكام الجور مع انحصار انفاذ الحق فى ذلك.

(وفيه) ما تقرر فى محله من ان الدليل الناظر بدلالته اللفظية الى اختصاص دليل عام ببعض افراده حاكم عليه ولا يلاحظ فيه النسبة الملحوظة بين المتعارضين نظير حكومة ادلة الحرج على ما يثبت بعمومه التكليف فى موارد الحرج وعليه جرت سيرة الفقهاء فى مقام الاستدلال فى مقامات لا يخفى.

(منها) استدلالهم على ثبوت خيار الغبن وبعض الخيارات الأخر بقاعدة نفى الضرر مع وجود عموم الناس مسلطون على اموالهم الدال على لزوم العقد وعدم سلطنة المغبون على اخراج ملك الغابن بالخيار عن ملكه.

(وكيف كان) ان ميزان الحكومة حسبما ذكره الشيخ قده المؤسس لها بين امرين احدهما ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال الدليل الآخر ومبيّنا لمقدار مدلوله والثانى ان يكون بحيث لو فرض عدم ورود المحكوم لكان الحاكم لغوا خاليا عن المورد.

(وامثلة الحكومة كثيرة) مثل دليل لا تعاد بالنسبة الى ادلة الاجزاء والشرائط للصلاة والدليل النافى للسهو فى النافلة والشك فى حق كثير الشك بالنسبة الى ادلة احكام الشك فى الصلاة الى غير ذلك مما يكون بلسانه اللفظى مفسرا لمفاد الآخر ومن جملتها ما ذكر فى المتن حيث قال قده والمراد بالحكومة ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال دليل آخر من حيث اثبات حكم لشيء او نفيه عنه.

(فالاول) مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب او بشهادة العدلين فانه حاكم على ما دل على انه لا صلاة إلّا بطهور فانه يفيد بمدلوله اللفظى على ان ما ثبت من الاحكام للطهارة فى مثل لا صلاة إلّا بطهور وغيرها ثابت للمتطهر

٣٣٢

بالاستصحاب او بالبينة.

(والثانى) مثل الامثلة المذكورة يعنى بها حكومة مثل ادلة نفى الضرر والحرج ورفع والخطاء والنسيان ونفى السهو عن كثير السهو ونفى السبيل على المحسنين الى غير ذلك بالنسبة الى الاحكام الاوّلية.

(واما المتعارضان) فليس فى احدهما لسان تفسير بالنسبة الى الآخر وانما يفيد حكما منافيا لحكم الآخر وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحققهما واقعا يحكم بارادة خلاف الظاهر فى احدهما المعين ان كان الآخر اقوى منه فهذا الآخر الاقوى قرينة عقلية على المراد من الآخر وليس فى مدلوله اللفظى تعرض لبيان المراد منه.

(ومن هنا) وجب ملاحظة الترجيح فى القرينة لان قرينته بحكم العقل بضميمة المرجح اما اذا كان الدليل بمدلوله اللفظى كاشفا عن حال الآخر فلا يحتاج الى ملاحظة مرجّح له بل هو متعين للقرينة بمدلوله وسيأتى لذلك توضيح فى تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى.

(قال بعض الاعلام) من المحشين انما قال ره وسيأتى لذلك توضيح فى باب تعارض الاستصحابين والحال انه قد ذكر هذا المطلب تفصيلا فى باب التعادل والترجيح لانه لم يكن قصده حين كتابه هذا الموضوع الى تحقيق حال التعادل والترجيح كما قيل ولذا لم يحول الى ذلك الباب ايضا.

٣٣٣

(ثم انه يظهر) مما ذكرنا من حكومة الرواية وورودها فى مقام الامتنان نظير ادلة نفى الحرج والاكراه ان مصلحة الحكم الضررى المجعول بالادلة العامة لا تصلح ان يكون تداركا للضرر حتى يقال ان الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة الى المتضرر وان الضرر المقابل بمنفعة راجحة عليه ليس بمنفى بل ليس ضررا توضيح الفساد ان هذه القاعدة تدل على عدم جعل الاحكام الضررية واختصاص ادلة الاحكام بغير موارد الضرر نعم لو لا الحكومة فى مقام الامتنان كان للتوهم المذكور مجال وقد يدفع بان العمومات الجاعلة للاحكام انما يكشف عن المصلحة فى نفس الحكم ولو فى غير مورد الضرر وهذه المصلحة لا يتدارك به الضرر الموجود فى مورده فان الامر بالحج (اقول) ان قوله ثم انه يظهر الخ اشارة الى ردّ من ذهب فى دفع الاشكال المتقدم من جهة وقوع التعارض بين قاعدة لا ضرر وبين العمومات المثبتة للتكاليف الى ان صدق الضرر عرفا انما هو اذا لم يثبت العوض بازاء الضرر سيما اذا كان ما بازائه اضعافا مضاعفة لا يصدق عليه الضرر عرفا اذ مصلحة الحكم الضررى المجعول بالادلة الشرعية تصلح ان تكون تداركا للضرر رافعا للصدق عرفا.

(ولا ريب) ان التكاليف الموجبة للضرر من الجوع والخوف والنقص من الاموال والانفس ممّا يثبت بازائها اضعاف كثيرة فى الآخرة بل فى الدنيا ايضا احيانا فلا يكون ذلك ضررا الا عند من لا يؤمن بالله واليوم الآخر بل هو فى الحقيقة نفع وهذا هو الظاهر من الفاضل النراقى فى العوائد فى الموضعين.

(حيث قال فى البحث الثانى) ثم لا يخفى ان الضرر كما مر خلاف النفع وهو بحكم العرف واللغة فى الاموال تلف شيء من مال شخص او من مال نفسه عينا كان او منفعة بلا منفعة او عوض له وان كان فعل الغير فهو اتلاف شخص شيئا من مال شخص او نفسه وبعبارة اخرى الضرر هو اخراج ما فى يد شخص من الاعيان

٣٣٤

والصلاة مثلا يدل على عوض ولو مع عدم الضرر ففى مورد الضرر لا علم بوجود ما يقابل الضرر وهذا الدفع اشنع من اصل التوهم لانه اذا سلم عموم الامر بصورة الضرر كشف عن وجود مصلحة يتدارك به الضرر فى هذا المورد مع انه يكفى حينئذ فى تدارك الضرر الاجر المستفاد من قوله (ص) افضل الاعمال احمزها وما اشتهر فى الالسن وارتكز فى العقول من ان الاجر على قدر المشقة فالتحقيق فى دفع التوهم المذكور ما ذكرناه من الحكومة والورود فى مقام الامتنان. او المنافع بلا عوض له فكلّما كان صرفه واتلافه لجلب النفع او عوض حاصل لم يكن ضررا والنفع والعوض اعم من ان يكون دينيا او دنيويا فى الآخرة او الدنيا.

(وقال فى البحث السادس) بقى هاهنا امر آخر وهو ان الضرر كما مرّ هو ما لم يكن بازائه عوض والعوض كما اشرنا اليه يعم الاخروى ايضا والعوض الدنيوى مما يمكن درك وجوده او انتفائه بخلاف الاخرى وعلى هذا فكيف فهم ان الضرر الذى يتضمّنه الحكم الفلانى لا عوض له حتى يكون ضررا هذا كلامه ثم دفع السؤال بان الضرر هو الذى لا يكون بازائه عوض معلوم او مظنون واحتمال العوض لا ينفى صدق الضرر مع ان العوض الاخروى معلوم الانتفاء بالاصل.

(ثم قال) فان قيل هذا ينفع اذا لم يكن الحكم المتضمن للضرر داخلا فى عموم دليل شرعى واما اذا كان داخلا فيه سيما اذا كان من باب الاوامر وامثاله فيثبت العوض ويلزمه عدم تعارض نفى الضرر مع عمومه مع انه مخالف لكلام القوم مثلا اذا ورد اذا استطعتم حجّوا او اذا دخل الوقت صلّوا فانه يدل بعمومه على الامر بالحج والصلاة فى كل وقت حصل الاستطاعة او دخل الوقت وان

٣٣٥

تضمّن ضررا كليّا والامر يدل على العوض فلا يكون ضررا قلنا الامر تعلق بالحج والصلاة ولازمه تحقق الاجر المقابل لماهية الحج والصلاة المتحققة فى حالة عدم الضرر ايضا واما حصول عوض فى مقابل الضرر واجر له فلا دليل عليه نعم لو كان نفس الضرر مما امر به يحكم بعدم التعارض وعدم كونه ضررا كما فى قوله اذا ملكتم النصاب فزكّوا وامثاله انتهى كلامه رفع مقامه.

(والمستفاد من كلامه ره) ان الحكم الضررى بين قسمين قسم يكون متعلق الحكم فيه بمهيته بحسب النوع ضرريا كالجهاد والخمس والزكاة وامثالها وقسم ليس كذلك وانما الضرر يحصل فى بعض افراده من جهة امر خارجى كالصوم والوضوء وامثالهما اذا طرأ ما يوجب حصول الضرر كالمرض والشيخوخة.

(واما القسم الاول) فالامر من الشارع به يكشف عن ثبوت العوض ولذا نقول فيه بتحكيم ادلته على قاعدة الضرر بخلاف القسم الثانى اذ ما ثبت العوض فيه من الدليل انما هو الوضوء بنفسه مثلا دون الضرر المنبعث من الخارج فلا منشأ لرفعه لكى يخرج عن موضوع قاعدة الضرر.

(توضيح الفساد) انك خبير بان دعوى حكومة القاعدة على العمومات المثبتة للاحكام الشرعية يرفع التعارض بينهما بل تدل هذه القاعدة على عدم جعل الاحكام الضررية واختصاص العمومات المثبتة وادلة الاحكام بغير موارد الضرر نعم لو لا الحكومة ومقام الامتنان كان للتوهم المذكور مجال اذ مع عدم القول بالحكومة والورود فى مقام الامتنان يتقدم دليل التكاليف المعارض لقاعدة الضرر عليها كثيرا من جهة وجود المرجح فيه دونها فيحكم بخروج مادة الاجتماع التى هى مورد التعارض عن القاعدة ودخولها فى الدليل وشموله لمورد التضرر ايضا فلا محالة يكشف عن التدارك والعوض الدنيوى او الاخروى ومعها لا يصدق الضرر على ما عرفت عن الفاضل المذكور فالمراد من المجال للتوهم المذكور هو فى بعض الموارد اما على تقدير الحكومة فلا مجال للتوهم

٣٣٦

المزبور اصلا لعدم امكان تقدم المحكوم على الحاكم واما على تقدير الامتنان فقد يتقدم الدليل على القاعدة اذا كان فى غاية القوة.

(قوله وقد يدفع بان العمومات الخ) والدافع على ما تعرض له بعض المحشين هو الفاضل النراقى ولكن هذا الدفع غير مذكور فى العوائد ولعله ذكره فى غيره وكيف كان حاصل الدفع ان العمومات الجاعلة للاحكام كاشفة عن المصلحة فى نفس الحكم ولو فى غير مورد الضرر وبهذه المصلحة الواقعة فى نفس الحكم لا يتدارك الضرر الموجود فى مورده فان الامر بالحج والصلاة مثلا يدل على عوض ولو مع عدم الضرر ففى مورد الضرر لا علم بوجود ما يقابل الضرر (وهذا الدفع) اشنع من اصل التوهم لانه اذا سلم عموم الامر بصورة الضرر كشف عن وجود مصلحة يتدارك به الضرر فى هذا المورد مع انه يكفى حينئذ فى تدارك الضرر الاجر المستفاد من قوله عليه‌السلام افضل الاعمال احمزها وما اشتهر فى الالسن وارتكز فى العقول من ان الاجر على قدر المشقة فالتحقيق فى دفع التوهم المذكور هو ما تقدم من حكومة الرواية وورودها فى مقام الامتنان نظير ادلة نفى الحرج والاكراه.

(قوله الاجر المستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله) بناء على تفسير الاحمز بمعنى الاشق كما فى المجمع واما بناء على ما فى القاموس والصحاح من تفسيرهما بمعنى الامتن والاقوى فلا دلالة فيه على المدعى فان النسبة بين الامتن والاشق هو العموم من وجه كما لا يخفى.

٣٣٧

(ثم انك قد عرفت) بما ذكرنا انه لا قصور فى القاعدة المذكورة من حيث مدركها سندا او دلالة إلّا ان الذى يوهن فيها هى كثرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها اضعاف الباقى كما لا يخفى على المتتبع خصوصا على تفسير الضرر بادخال المكروه كما تقدم بل لو بنى على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد ومع ذلك فقد استقرت سيرة الفريقين على الاستدلال بها فى مقابل العمومات المثبتة للاحكام وعدم رفع اليد عنها إلّا بمخصص قوى فى غاية الاعتبار بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم فى عموم هذه القاعدة ولعل هذا كاف فى جبر الوهن المذكور وان كان فى كفايته نظر بناء على ان لزوم تخصيص الاكثر على تقدير العموم قرينة على ارادة معنى لا يلزم منه ذلك غاية الامر تردد (اقول) قد تقدم تفصيلا انه لا اشكال فى القاعدة المذكورة من حيث مدركها سندا فلا ينبغى التامل فيها بعد صحة بعض طرقها واشتهارها بين الفريقين حتى ادعى فخر المحققين فى الايضاح تواترها.

(ولكن) الذى يوهن القاعدة هى كثرة التخصيصات فيها فان الاحكام الضررية كثيرة فى الاسلام كالزكاة والخمس والحج والجهاد والنفقات والكفارات الى غير ذلك من التخصيصات بلغت فى الكثرة غايتها بحيث يكون الخارج منها اكثر من الباقى خصوصا على تفسير الضرر بادخال المكروه اذ عليه يكون دائرة التخصيص اوسع وتخصيص الاكثر لاستهجانه يوجب الاجمال فى العموم فلا يجوز التمسك به.

(بل لو بنى) على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد ومع ذلك فقد استقرت سيرة الفريقين على الاستدلال بها فى مقابل العمومات المثبتة للاحكام وعدم رفع اليد عنها إلّا بمخصص قوى فى غاية الاعتبار بحيث يعلم

٣٣٨

الامر بين العموم وارادة ذلك المعنى واستدلال العلماء لا يصلح معينا خصوصا لهذا المعنى المرجوح المنافى لمقام الامتنان وضرب القاعدة إلّا يقال مضافا الى منع اكثرية الخارج وان سلمت كثرته ان الموارد الكثيرة الخارجة عن العام انما خرجت بعنوان واحد جامع لها وان لم نعرفه على وجه التفصيل وقد تقرر ان تخصيص الاكثر لا استهجان فيه اذا كان بعنوان واحد جامع لافراد هى اكثر من الباقى كما اذا قيل اكرم الناس ودل دليل على اعتبار العدالة خصوصا اذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب ومن هنا ظهر وجه صحة التمسك بكثير من العمومات مع خروج اكثر افرادها كما فى قوله عليه‌السلام المؤمنون عند شروطهم وقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على ارادة العهود كما فى الصحيح.

منهم انحصار مدرك الحكم فى عموم هذه القاعدة. (ثم) ان الاشكال بكثرة التخصيص انما هو على تقدير كون المعنى نفى الحكم الضررى الذى اختاره الشيخ قدس‌سره بخلاف ما اذا اريد من النفى النهى والتحريم او اريد منه نفى الضرر المجرد عن التدارك فحينئذ لا يلزم الاشكال المذكور وبالجملة لزوم كثرة التخصيصات بل التخصيص الاكثر موهن على تقدير نفى الاحكام الضررية من القاعدة المذكورة ولا يخفى ان هذا الوهن انما يوهن التمسك بعموم القاعدة فيما شك فى اصل التخصيص واما اذا ورد دليل معتبر يكون اخص منها فلا اشكال فى تقديمه عليها.

(وكيف كان) انه قدس‌سره قد اجاب عن الاشكال المزبور بان الموارد الكثيرة الخارجة عن العام انما خرجت بعنوان واحد جامع لها وان لم نعرفه على وجه التفصيل وتخصيص الاكثر لا استهجان فيه اذا كان بعنوان واحد جامع لافراد هى اكثر من الباقى كما اذا قيل اكرم الناس ودل دليل على اعتبار

٣٣٩

العدالة خصوصا اذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب.

(ولا يخفى) ان ما افاده قده فى دفع الوهن المذكور من ان خروج الموارد الكثيرة الخارجة عن العام الخ هو مجرد دعوى لا شاهد عليها وإلّا فيقال بذلك فى جميع موارد تخصيص الاكثر هذا مع ان افراد العام اذا كانت انواعا فلا استهجان فى خروج افراد كثيرة بعنوان واحد من تلك الانواع وقاعدة نفى الضرر ليست كذلك فانها من العمومات الواردة على الافراد الخارجية وهذا فى غاية الوضوح ولا يتفاوت الحال حينئذ فى الاستهجان بين تخصيص واحد جامع لافراد كثيرة وتخصيصات عديدة لافراد كثيرة نعم اذا كان افراد العام الافرادى بعد التخصيص كثيرة فى نفسها وان كان الخارج اكثر يمكن ان يقال ان التخصيص بعنوان واحد لا استهجان فيه ودعوى كون عموم القاعدة من هذا القبيل ليست بعيدة (ثم) انه يظهر من عبارته قده امكان الجواب عن الاشكال بوجه آخر وهو استقرار سيرة الفريقين على الاستدلال بالقاعدة فى مقابل العمومات المثبتة للاحكام ويردّه ان عمل الاصحاب فى المقام يمكن ان يكون من جهة ارادتهم معنى من القاعدة لا يلزم منه تخصيص كما قد تقدم احتمال ذلك ومع تردد الامر بين العموم وارادة ذلك المعنى يصير العام مجملا واستدلالهم لا يصلح معينا هذا مضافا الى ان الشهرة العملية لا تكون جابرة لضعف الدلالة فان الظن الحاصل من الخارج لا يوجب ظهورا فى اللفظ فافهم.

(قوله) كما فى المؤمنون عند شروطهم ان كان المراد بالشرط هو مطلق الالزام والالتزام كما عن الصحاح فالخارج هو الشروط الابتدائية وغيرها وان كان المراد به الالزام والالتزام فى البيع ونحوه كما فى القاموس فالخارج عن العموم هو الشروط المخالفة لمقتضى العقد والمخالفة للكتاب والسنة وغير ذلك (قوله قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الخ) اذا اريد بالعقود العهود كما فى المروى فى الصافى عن الصادق عليه‌السلام تفسير العقود بالعهود وهو الظاهر من غير واحد

٣٤٠