درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

احدهما اقل واخف من الآخر كما او كيفا فهل اللازم تقديم الاقل الاخف او الحكم بالتخيير مع عدم مرجح آخر لاحدهما فقد وقع الخلاف بين الفقهاء.

(ويظهر الترجيح) من بعض الكلمات المحكية عن التذكرة قال فيها فى كتاب الغصب لو غصب دينارا فوقع فى محبرة الغير بفعل الغاصب او بغير فعله كسرت لرده وعلى الغاصب ضمان المحبرة لانه السبب فى كسرها وان كان كسرها اكثر ضررا من تبقية الواقع فيما ضمنه الغاصب لم تكسر انتهى وظاهره انه يكسر المحبرة مع تساوى الضررين إلّا ان يحمل على الغالب من كثرة ضرر الدينار لو ضمنه وفى الدروس لو ادخل دينارا فى محبرته وكانت قيمتها اكثر ولم يكن كسره لم يكسر المحبرة وضمن صاحبها الدينار مع عدم تفريط مالكه انتهى ولا بدّ ان يقيّد ادخال الدينار بكونه باذن المالك على وجه يكون مضمونا اذ لو كان بغير اذنه تعين كسر المحبرة وان زادت قيمتها وان كان باذنه على وجه لا يضمن لم يتجه تضمين صاحبها الدينار.

(ويمكن ان ينزل على الترجيح المذكور) ما ذهب اليه المشهور من انه لو ادخلت الدابة رأسها فى القدر بغير تفريط من احد المالكين وكسرت القدر ضمن قيمتها صاحب الدابة معللا بان الكسر لمصلحته فيحمل اطلاق كلامهم على الغالب من ان ما يدخل من الضرر على مالك الدابة اذا حكم عليه بتلف الدابة واخذ قيمتها اكثر مما يدخل على صاحب القدر بتلفه واخذ قيمته. (وبعبارة اخرى) تلف احدى العينين وتبدّلهما بالقيمة اهون من تلف الاخرى وحينئذ فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابة بما فى المسالك من انه قد يكون المصلحة لصاحب القدر فقط وقد يكون المصلحة مشتركة بينهما وكذلك حكمهم بضمان صاحب الدابة اذا دخلت فى دار لا تخرج الا بهدمها معلّلا بانه لمصلحة صاحب الدابة فان الغالب ان تدارك المهدوم اهون من تدارك الدابة انتهى ولا يخفى ان ما ذكره فى المسالك من الوجوه المحتملة لا يخلو من وجه فتأمل.

٣٦١

(خاتمة)

فى الاشارة الى بعض التنبيهات فى القاعدة المذكورة الاول انه اذا قلنا ان القاعدة لنفى الاحكام الضررية لا لتحريم الضرر فهل المنفى بها خصوص احكام الضررية الوجودية او مطلق الاحكام الضررية ولو كانت عدمية.

(قال الشيخ الانصارى قدس‌سره) فى رسالته المستقلة انه لا اشكال فى ان القاعدة المذكورة لنفى الاحكام الوجودية الضررية تكليفية كانت او وضعية واما الاحكام العدمية الضررية مثل عدم ضمان ما يفوت على الحر من عمله بسبب حبسه ففى نفيها بهذه القاعدة فيجب ان يحكم بالضمان اشكال.

(من ان القاعدة) ناظرة الى نفى ما ثبت بالعمومات من الاحكام الشرعية فمعنى نفى الضرر فى الاسلام ان الاحكام المجعولة فى الاسلام ليس فيها حكم ضررى ومن المعلوم ان عدم حكم الشرع بالضمان فى نظائر المسألة المذكورة ليس من الاحكام المجعولة فى الاسلام وحكمه بالعدم ليس من قبيل الحكم المجعول بل هو اخبار بعدم حكمه بالضمان اذ لا يحتاج العدم الى حكم به نظير حكمه بعدم الوجوب والحرمة او غيرهما فانه ليس انشاء منه بل هو اخبار حقيقة (ومن ان المنفى) ليس خصوص المجعولات بل مطلق ما يتديّن به ويعامل عليه فى شريعة الاسلام وجوديا كان او عدميا فكما انه يجب فى حكمة الشارع نفى الاحكام الضررية كذلك يجب جعل الاحكام التى يلزم من عدمها الضرر مع ان الحكم العدمى يستلزم احكاما وجودية فان عدم ضمان ما يفوته من المنافع يستلزم حرمة مطالبته ومقاصته والتعرض له وجواز دفعه عند التعرض له فتأمل انتهى.

(ولا يخفى) ان الاحكام العدمية يتصور على وجهين تارة يكون المقصود منها حكم الشارع بعدم التكليف او الوضع وفى هذا الوجه لا يبعد جريان القاعدة

٣٦٢

نظرا الى كونها ناظرة الى مطلق ما للشارع من الحكم سواء كان وجوديا او عدميا وان الحكم بالعدم حكم ايضا فكما ان حكمه بالتكليف او الوضع اذا صار ضرريا فينفى بالقاعدة فكذلك حكمه بعدم التكليف او الوضع فى مورد خاص اذا صار ضرريا ينفى بها.

(واخرى) يكون المقصود منها مجرد عدم حكم الشارع بالتكليف او الوضع وفى هذا الفرض لا وجه لجريان القاعدة لان معنى نفى عدم الحكم بالقاعدة هو اثبات الحكم بها وهو كما ترى ضعيف فان القاعدة مجعولة لنفى الاحكام الضررية ولو كانت عدمية لا لاثبات الاحكام التى لولاها لزم الضرر فافهم.

(الثانى) انه لا اشكال فى ان مقتضى القاعدة الحكم بعدم الضمان فيما جاز الاضرار بالغير من جهة الاكراه او التصرف فى الملك المستلزم تضرر الجار فيما يجوز نعم فيما جاز الاضرار بالغير من جهة توقف حفظ النفس عليه يحكم بالضمان جمعا بين القاعدة المذكورة وقاعدة الاتلاف من حيث ان الحفظ لا يقتضى إلّا رفع سلطنة المالك عن خصوصية الرقبة فيجمع بينه وبين ما دل على احترام المال وكون تلفه موجبا للضمان الا فيما علم كون اذن الشارع بعنوان المجانية كما فى بعض الموارد.

(الثالث) قال بعض الاعلام ان المنفى بالاصل المذكور هو الحكم الضررى واما الخصوصيات الوجودية التى يدفع بكل واحد منها الضرر فلا يثبت به اصلا فاذا كان لزوم العقد مع العيب من دون ارش ضرريا فيحكم بنفيه من جهة الاصل واما ثبوت التخيير بين الفسخ والارش او اختيار احدهما معينا من حيث اندفاع الضرر به فلا يثبت به اصلا كما لا يخفى فلا بد لاثبات الخصوصيات من التماس دليل آخر كما هو الظاهر.

(الرابع) لا فرق فى هذه القاعدة بين ان يكون المحقّق لموضوع الحكم الضررى من اختيار المكلف اولا باختياره ولا فى اختياره بين ان يكون جائزا

٣٦٣

شرعا او محرما فاذا صار المكلف باختياره سببا لمرض او عدوّ يتضرر به سقط وجوب الصوم والحج لكونه حكما ضرريا وكذا اذا اجنب نفسه مع العلم بتضرره بالغسل او قصر فى الفحص عن قيمة ما باعه فصار مغبونا (نعم) لو اقدم على اصل التضرر كالاقدام على البيع بدون ثمن المثل عالما فمثل هذا خارج عن القاعدة لان الضرر حصل بفعل الشخص لا من حكم الشارع قال الشيخ قدس‌سره فى رسالته فى التنبيه الخامس وما ذكره بعض فى وجه وجوب رد المغصوب الى مالكه وان تضرر الغاصب بذلك من انه هو الذى ادخل الضرر على نفسه بسبب الغصب لا يخلو عن نظر.

(ثم قال ره) ويمكن ان يوجه ذلك بملاحظة ما ذكرنا فى الامر السابق من ان مقتضى القاعدة عدم جواز الاضرار بالغير لئلا يتضرر الشخص وعدم وجوب التضرر لاجل دفع الضرر عن الغير فكما ان احداث الغصب لئلا يتضرر بتركه حرام وجوازه منفى بقاعدة الضرر كذلك ابقائه لاجل ذلك حرام غير جائز لان دليل حرمة الابقاء هو دليل حرمة الاحداث لان كلا منهما غصب.

(الخامس) قال فى بحر الفوائد انه لا فرق فى مفاد الاصل المذكور بين الاحكام الالزامية وغيرها من الاحكام الخمسة فكما ان وجوب الفعل منفى اذا كان ضرريا وكذا تحريمه اذا ترتب الضرر على تركه الا فيما استثنى من البراءة عن الائمة عليهم‌السلام وقتل النفس المحترمة والتداوى بالمحرمات على قول كذلك جوازه اذا كان ضرريا وليس امره كامر نفى الحرج حتى يقال بعدم رفعه لغير الالزامات من حيث عدم استناد الوقوع فى الحرج الى حكم الشارع فى غير الالزامات فيفرق الوضوء الضررى والحرجى الا فيما كان اقدام المكلف رافعا لموضوع استناد الضرر الى الشارع فلو اقدم المكلف لغرض عقلائى على المعاملة الغبنية مع علمه بالغبن لم يحكم بثبوت الخيار له من جهة ان الاقدام على الضرر اوجب عدم صدق الحكم الضررى على ايجاب الشارع للوفاء بالعقد وكذلك اقدامه على شراء مال الغير

٣٦٤

مع علمه بفساد المعاملة وان المعوض ليس ملك البائع اوجب عدم صدق الحكم الضررى على وجوب الغرامات والخسارات عليه وهكذا الامر فى نظائره مما لا يجرى فيه قاعدة الغرور.

(هذا) تمام الكلام فيما يتعلق بالبحث عن الاصول الثلاثة حسب الوسع ومساعدة التوفيق من الخالق الوهاب والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم ومنكرى ولايتهم اجمعين الى يوم المعاد والمآب.

٣٦٥

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(المقام الثانى فى الاستصحاب) وهو لغة اخذ الشيء مصاحبا ومنه استصحاب اجزاء ما لا يؤكل لحمه فى الصلاة وعند الاصوليين عرف بتعاريف اسدها واخصرها ابقاء ما كان والمراد بالابقاء الحكم بالبقاء ودخل الوصف فى الموضوع مشعر بعليته للحكم فعلة الابقاء هو انه كان فيخرج ابقاء الحكم لاجل وجود علته او دليله والى ما ذكرنا يرجع تعريفه فى الزبدة بانه اثبات الحكم فى الزمان الثانى تعويلا على ثبوته فى الزمان الاول بل نسبه شارح الدروس الى القوم فقال ان القوم ذكروا ان الاستصحاب (اقول) قد تقدم فى اول اصالة البراءة ان تمام الكلام فى الاصول الاربعة يحصل باشباعه فى مقامين المقام الاول فى حكم الشك فى الحكم الواقعى من دون ملاحظة الحالة السابقة الراجع الى الاصول الثلاثة من البراءة والاحتياط والتخيير والمقام الثانى فى حكم الشك فى الحكم الواقعى بملاحظة الحالة السابقة وهو الاستصحاب.

(وان المهم) من بين الاصول الاربعة من جهة الاحتياج اليه فى الاستنباط هو الاستصحاب فيكون مسألته من اهم المسائل واعظمها عند الاصحاب حتى قال

٣٦٦

اثبات حكم فى زمان لوجوده فى زمان سابق عليه وازيف التعاريف تعريفه بانه كون حكم او وصف يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق اذ لا يخفى ان كون حكم او وصف كذلك هو محقق مورد الاستصحاب ومحله لا نفسه ولذا صرح فى المعالم كما عن غاية المأمول بان استصحاب الحال محله ان يثبت حكم فى وقت ثم يجىء وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم فهل يحكم ببقائه على ما كان وهو الاستصحاب انتهى.

بعض الاعلام ان هذا الاصل هو العمدة بعد الكتاب والسنة بل ما يثبت به من الاحكام الفرعية النظرية اكثر مما يثبت بالكتاب انتهى.

(اقول) سيما على القول بان اصل الاشتغال واصل البراءة راجعان اليه وبالجملة يكفى فى علو شأنه ان جلّ الاحكام الشرعية مستنبطة من الادلة اللفظية كالكتاب والسنة ولا يتم الاستدلال بها الا بالتمسك بالاستصحاب فى عدم النقل والنسخ والتخصيص وغيرها.

(وكيف كان) ان الاستصحاب استفعال من صحب وهو لغة اخذ الشىء مصاحبا كما صرح بذلك غير واحد من اللغويين وهو الظاهر منه فى العرف العام ايضا واطلاقه على المعنى الاصطلاحى هل هو من جهة غلبة الاستعمال او النقل وجهان اظهرهما الثانى.

(وللاصوليين) فى مقام تحديده تعاريف كثيرة بلغت الى نيّف وعشرة والجامع بينها بحيث ينتهى اليه جميعا بين طوائف ثلاث

(الاولى) تعريف الاستصحاب بالمحل كما صرح به المحقق القمى ره حيث قال فى تعريف الاستصحاب انه كون حكم او وصف يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق فان هذا التعريف ازيف التعاريف لما اشار اليه قدس‌سره

٣٦٧

بقوله اذ لا يخفى ان كون حكم او وصف كذلك هو محقق مورد الاستصحاب ومحله لا نفسه ولذا صرح فى المعالم محل الاستصحاب ان يثبت حكم فى وقت ثم يجىء وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم فهل يحكم ببقائه على ما كان وهو الاستصحاب ام يفتقر الحكم به فى الوقت الثانى الى دليل انتهى.

(الثانية) تعريفه بالحالّ وهذا ما سلكه بعض الاعلام بل عن شارح الدروس نسبته الى القوم والتعبير عنه تارة وقع بالابقاء واخرى بالاستمرار وثالثا بالاثبات الى غير ذلك من التعبيرات.

(الثالثة) تعريفه بكليهما وهذا ظاهر شارح المختصر وصاحب الوافية حيث قال الاول فى محكى كلامه ان معنى استصحاب الحال ان الحكم الفلانى قد كان ولم يظن عدمه وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء فان كان الحد هو خصوص الصغرى انطبق على التعريف المذكور وان جعل خصوص الكبرى انطبق على تعاريف المشهور.

(وكان صاحب الوافية) استظهر منه كون التعريف مجموع المقدمتين فوافقه فى ذلك فقال الاستصحاب هو التمسك بثبوت ما ثبت فى وقت او حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت او فى غير تلك الحال فيقال ان الامر الفلانى قد كان ولم يعلم عدمه وكلما كان كذلك فهو باق انتهى ،

(وقال فى الفصول) الاستصحاب عبارة عن ابقاء ما علم ثبوته فى الزمان السابق فيما يحتمل البقاء فيه من الزمن اللاحق انتهى.

(وقال المحقق الخراسانى) فى الكفاية ان عبارات الاصحاب فى تعريف الاستصحاب وان كانت شتّى إلّا انها تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم شك فى بقائه اما من جهة بناء العقلاء على ذلك فى احكامهم العرفية مطلقا او فى الجملة تعبدا او للظن به الناشى عن ملاحظة ثبوته سابقا واما من جهة دلالة النص او دعوى الاجماع عليه انتهى ولا يخفى انه ره

٣٦٨

قد اخذ المعنى المذكور من الشيخ قدس‌سره من قوله والمراد بالابقاء الحكم بالبقاء.

(وعلى كل حال) ان أسدّ التعاريف واخصرها هو الحكم ببقاء ما كان ولكن قد استشكل فى كونه اسدّها بان الاستصحاب ليس معناه الحكم ببقاء ما كان لان ذلك عبارة اخرى عن الحكم بدوام ما ثبت وهذا ليس من الاستصحاب لعدم اشتماله على ذكر اليقين والشك مع انهما من مقومات ما يتحقق به محل الاستصحاب لان الحكم المشكوك للمكلف ان كان له حالة سابقة متيقنة فهو مورد الاستصحاب والاكتفاء بالاشعار فى التعاريف غير جيّد وكون العلة فى الابقاء هو الثبوت فى السابق ان كان من مقومات المحدود فمجرد الاشعار غير كاف وإلّا فلا حاجة الى الاشعار به وكان التعريف بمجرد الابقاء كافيا.

(ولما ذكرناه من الاشكال) قال المحقق النائينى الاولى فى تعريفه هو ان يقال ان الاستصحاب عبارة عن عدم انتقاض اليقين السابق المتعلق بالحكم او الموضوع من حيث الاثر والجرى العملى بالشك فى بقاء متعلق اليقين وهذا المعنى ينطبق على ما هو مفاد الاخبار وليس حقيقة الاستصحاب الا ذلك انتهى.

(ولكن الانصاف) ان ما افاده قدس‌سره فى تعريف الاستصحاب من انه ابقاء ما كان هو احسن التعاريف واسدّها لانه اقل محذورا من سائر تعاريف الاصحاب للاستصحاب مضافا الى ان التعاريف غالبا رسمية او من قبيل شرح الاسم يكون المقصود منها التميّز عن غيره من الاصول وافادة بعض خواصّه وآثاره لا افادة بيان الذاتيات مع ان اللفظ المذكور ليس له اثر فى الاخبار حتى يهتم فى بيان معناه جامعا ومانعا.

(كما قال) بعض الاعلام ولم يتعلق بهذا اللفظ حكم فى الكتاب والسنة حتى يتكلم فى معناه فى زمان الشارع او المراد منه وانه منطبق على العرف

٣٦٩

واللغة اولا وانما وقع التعبير به من الاصوليين فى الادلة العقلية وغيرها واستعمله الفقهاء عند الاحتجاج به فى الفروع انتهى.

(محصل ما يقتضيه الانصاف) انه لا بدّ للاستصحاب من اشتماله على الاركان الاربعة اعنى الحاكم والمتيقن السابق والشك اللاحق وعليّة اليقين السابق لجريان الحكم فى اللاحق فكل منها يستفاد من تعريفه المختصر.

(اما الاول) فيستفاد من الابقاء المراد به الحكم بالبقاء لان الحكم لا بد فيه من حاكم وهو اما العقل او الشرع على الاختلاف فى مدركه.

(واما الثانى) فمن كلمة كان.

(واما الثالث) فمن كلمة ابقاء لان الحكم فى اللاحق ان لم يكن مشكوكا فهو باق فلا يحتاج الى الابقاء.

(واما الرابع) فذكره قده بقوله ودخل الوصف فى الموضوع مشعر بعليته للحكم بمعنى ان الكون فى الزمان السابق على وجه اليقين يقتضى الحكم ببقائه فى الزمان المشكوك فعلّة الابقاء هو انه كان فى الزمان السابق فيخرج ابقاء الحكم لاجل وجود علته بان يكون علّته المحدثة هى المبقية فلا حاجة الى الاستصحاب لكفاية العلة للبقاء او لاجل وجود دليله لكفاية الدليل على ثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع فى الزمان الثانى المشكوك بل لا شك فى الزمان الثانى بعد وجود دليل الحكم كالزمان الاول فلا حاجة الى الاستصحاب كما لا يخفى.

٣٧٠

(ويمكن توجيه) التعريف المذكور بان المحدود هو الاستصحاب المعدود من الادلة وليس الدليل الا ما افاد العلم او الظن بالحكم والمفيد للظن بوجود الحكم فى الآن اللاحق ليس إلّا كونه يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من الامارات إلّا بما ذكره قده لكن فيه ان الاستصحاب كما صرح به هو قده فى اول كتابه ان اخذ من العقل كان داخلا فى الدليل العقلى وان اخذ من الاخبار فيدخل فى السنة وعلى كل تقدير فلا يستقيم تعريفه بما ذكره لان دليل العقلى هو حكم عقلى يتوصل به الى حكم شرعى وليس هنا إلّا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان والمأخوذ من السنة ليس إلّا وجوب الحكم ببقاء ما كان فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لا ينطبق على الاستصحاب باحد الوجهين.

(اقول) قد تقدم ان المحقق القمى عرّف الاستصحاب فى القوانين بانه كون حكم او وصف يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق انتهى.

(وقد اورد) عليه الشيخ قدس‌سره فيما سبق بانه ازيف التعاريف لان التعريف المذكور تعريف لمحل الاستصحاب لا لنفسه.

(ولكن وجه) التعريف المذكور بوجوه بعضها يرجع الى ابقائه على ظاهره وبعضها يرجع الى التصرف فيه وقد تعرض لجميعها بعض المحشين ومنهم صاحب بحر الفوائد فراجع.

(احدها) ما ذكره قدس‌سره فى المتن من ان المحدود هو الاستصحاب المعدود من ادلة الاحكام اى الاستصحاب الحكمى مع ابتنائه على الظن وليس

٣٧١

نعم ذكر شارح المختصر ان معنى استصحاب الحال ان الحكم الفلانى قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء فان كان الحد هو خصوص الصغرى انطبق على التعريف المذكور وان جعل خصوص الكبرى انطبق على تعاريف المشهور وكان صاحب الوافية استظهر منه كون التعريف مجموع المقدمتين فوافقه فى ذلك فقال الاستصحاب هو التمسك بثبوت ما ثبت فى وقت او حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت او فى غير تلك الحال فيقال ان الامر الفلانى قد كان ولم يعلم عدمه وكلما كان كذلك فهو باق انتهى ولا ثمرة مهمة فى ذلك.

الدليل عندهم الا ما افاد العلم بالحكم او الظن لان المراد من التوصل الى الحكم الشرعى المأخوذ فى الدليل عبارة عن احدهما اى التوصل العلمى او الظنى وليس ما يوجب الظن بالبقاء الا كونه متيقن الحصول فى الآن السابق فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من ادلة الاحكام إلّا بما ذكروه.

(اقول) ويرد على التوجيه المذكور وجوه احدها ما ذكره الشيخ قده فى الكتاب من ان التوجيه المذكور لا ينطبق على ما ذكره المحقق القمى فى اول كتابه لما افاده فيه فى ردّ الزاعم بكون الاستصحاب دليلا مستقلا فى قبال الادلة الاربعة من ان الاستصحاب ان اخذ من العقل فهو داخل فى الدليل العقلى وان اخذ من الاخبار فهو داخل فى السنة فلا يصلح جعله دليلا مستقلا من حيث ان الثابت بالشرع والعقل على ما عرفت ليس إلّا الحكم بالبقاء فلا يستقيم تعريفه بما ذكره لان دليل العقل هو حكم عقلى يتوصل به الى حكم شرعى وليس هنا إلا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان والمأخوذ من السنة ليس إلّا وجوب الحكم ببقاء ما كان فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لا ينطبق على الاستصحاب باحد الوجهين.

٣٧٢

(نعم ذكر العضدى) فى شرحه على المختصر ان معنى استصحاب الحال ان الحكم الفلانى قد كان ولم يظن عدمه وكلما كان كذلك فهو مظنون البقاء فان كان الحد هو خصوص الصغرى فيوافق تعريف المحقق القمى بكون الشيء متيقن الحصول مشكوك البقاء وان جعل الحد خصوص الكبرى فيطابق تعريف المشهور بارادة الحكم بالبقاء ظنا من الابقاء الذى عرف به الاستصحاب فى كلمات المشهور فى الاصحاب.

(وقال فى بحر الفوائد) انه يمكن تطبيق ما ذكره العضدى على ما ذكره المشهور بجعله بيانا لمحل الاستصحاب وحقيقته معا بجعل الصغرى بيانا لمحله والكبرى بيانا لحقيقته فكانه قال استصحاب الحال بحسب المحل والماهية هذا فالاستصحاب عنده كون الحكم مظنون البقاء من حيث انه كان وبعد جعل الفرق بين كون الشيء مظنون البقاء والحكم ببقائه ظنا الذى يرجع الى الادراك الظنى وهو الظن بالبقاء بمجرد اللحاظ والاعتبار انطبق على تعريف المشهور الى ان قال.

(ثم) ان مبنى الاستصحاب عنده لما كان على الظن الشخصى وانه سبب لذلك لو لا الظن على الخلاف اخذ فيه قوله ولم يظن عدمه انتهى موضع الحاجة من كلامه ره الذى يتعلق بالمقام.

(ولا يخفى عليك) ان الاستصحاب عند العضدى حيث انه الظن ببقاء الحكم مثلا والتفاوت بينه وبين كون الحكم مظنون البقاء اعتباريا.

(فالقياس المذكور) استدلال على الاستصحاب بلحاظ نتيجة البرهان لا ان الصغرى او الكبرى استصحاب عنده حتى يردّد الامر بينهما فيقال على الاول بتوافقه مع تعريف المحقق القمى ره بكون الشيء متيقن الحصول مشكوك البقاء وعلى الثانى بمطابقته مع تعريف المشهور بارادة الحكم بالبقاء ظنا من الابقاء الذى عرف به الاستصحاب فى كلمات المشهور من الاصحاب.

٣٧٣

(ولا يمكن) جعل الصغرى حدا من باب مبدإ البرهان وجعل الكبرى من باب نتيجة البرهان لان مبدأ البرهان هو الحد الاوسط وهو ثبوته الخاص لا الصغرى ونتيجة البرهان محمول الكبرى وهو الاكبر لا الكبرى فان الكبرى متضمنة للملازمة بين الثبوت وكونه مظنونا من حيث البقاء لا انها عين كونه مظنون البقاء فلا الصغرى توافق كلام المحقق القمى ره ولا الكبرى تطابق تعريف المشهور وتأمل فان المقام من مزال الاقدام.

(ثم ان صاحب الوافية) استظهر من كلام العضدى ان الاستصحاب مجموع المقدمتين فوافقه فى ذلك والدليل على ذلك تعبيره ان الاستصحاب هو التمسك بثبوت ما ثبت فى وقت او حال الخ فانه ظاهر فى ذلك لان الدليل على النتيجة هو مجموع المقدمتين لا واحدة منهما ثم لا يخفى ان كلام صاحب الوافية انما ينطبق على تعريف المشهور لا ما ذكره قدس‌سره فتأمل.

(وعلى اى حال) ان اكثر التعاريف غير خالية عن الاشكال مضافا الى عدم كونها مانعة والذى يهوّن الخطب فى امثال المقام ان هذه التعاريف شارحة ومميزات فى الجملة وليست حدودا حقيقية لتكون موردا للاشكال والخدشة.

٣٧٤

(بقى الكلام) فى امور الاول ان عد الاستصحاب من الاحكام الظاهرية الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم نظير اصل البراءة وقاعدة الاشتغال مبنى على استفادته من الاخبار واما بناء على كونه من احكام العقل فهو دليل ظنى اجتهادى نظير القياس والاستقراء على القول بهما وحيث ان المختار عندنا هو الاول ذكرناه فى الاصول العملية المقررة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم لكن ظاهر كلمات الاكثر كالشيخ والسيدين والفاضلين والشهيدين وصاحب المعالم كونه حكما عقليا ولذا لم يتمسك احد هؤلاء فيه بخبر من الاخبار.

(اقول) لا بأس قبل شرح العبارة من بيان المراد من الحكم الواقعى والظاهرى حتى تكون على بصيرة فى البحث المتعلق بالامر الاول.

(فنقول) ان المراد من الاول هو الحكم المجعول للموضوعات بالملاحظة الاولية وبعبارة اخرى الحكم المجعول لها جعلا اوليّا وبعبارة ثالثة هو الحكم المجعول لها من دون ملاحظة الجهل بحكمها الاولى المجعول لها وان لوحظ فى عروضه لها وتعلقه بها سائر الاعتبارات والاوصاف كالحضر والسفر والصحة والمرض ووجدان الماء وفقد انه الى غير ذلك.

(واما الحكم الظاهرى) فهو المجعول للموضوعات من حيث الجهل وعدم العلم بالحكم المجعول لها اولا وبالذات سواء لوحظ فيه الظن به شخصا او نوعا او الشك فيه بالمعنى المقابل للظن وهو التسوية كما هو الملحوظ فى موارد التخيير وشكوك الصلاة فى ركعاتها او افعالها بالمعنى الاعم من الاقوال او الشك بالمعنى اللغوى وهو خلاف اليقين على ما فى القاموس كما هو الملحوظ فى الاستصحاب بناء على القول به من باب الاخبار.

(قال فى بحر الفوائد) فى المقام قد يزعم الجاهل بكلمات شيخنا ان للحكم

٣٧٥

نعم ذكر فى العدة انتصارا للقائل بحجيته ما روى عن النبى (ص) من ان الشيطان ينفخ بين أليتى المصلى فلا ينصرفن احدكم الا بعد ان تسمع صوتا او تجد ريحا ومن العجب انه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختص بمورد خاص ولم يتمسك بالاخبار الصحيحة العامة المعدودة فى حديث الاربعمائة من ابواب العلوم واول من تمسك بهذه الاخبار فيما وجدته والد الشيخ البهائى فيما حكى عنه فى العقد الطهماسبى وتبعه صاحب الذخيرة وشارح الدروس وشاع بين من تأخر عنهم نعم ربما يظهر من الحلى فى السرائر الاعتماد على هذه الاخبار حيث عبر عن استصحاب نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره من قبل نفسه بنقض اليقين باليقين وهذه العبارة ظاهرة فى انها مأخوذة من الاخبار.

الظاهرى عنده بل عندهم اطلاقين احدهما اعم من الآخر الاول ما ثبت للجاهل بالواقع ، الثانى ما ثبت للشاك بالواقع او ما ثبت للشىء من حيث الشك فى حكمه الاوّلى والاول اعم من الثانى فان الحكم الثابت للشىء من حيث الجهل بحكمه الاوّلى قد يتعلق به من حيث الظن به وقد يتعلق به لا من الحيثية المذكورة بل من حيث عدم العلم به والشك فيه فيشمل الحكم الظاهرى على الاطلاق الثانى فقوله ان عدّ الاستصحاب من الاحكام الظاهرية جار على الاطلاق الثانى الاخص المختص بموارد الاصول التعبدية هذا وانت خبير بعدم الاطلاقين للحكم الظاهرى انتهى.

(وكيف كان) هل الاستصحاب امارة ظنية كخبر الواحد وظواهر الكلام والشهرة فى الفتوى على القول بها ونحو ذلك ام هو اصل عملى مضروب للشاك فى وعاء الجهل والحيرة كاصالة البراءة وقاعدة الحل وقاعدة الطهارة ونحو ذلك (محصل كلام الشيخ) قدس‌سره ان الاستصحاب ان استفدناه من الاخبار فهو اصل عملى وان استفدناه من غيره كبناء العقلاء ونحوه فهو دليل ظنى

٣٧٦

اجتهادى وحيث ان المختار عنده استفادته من الاخبار فهو اصل عملى كما قال قده حيث ان المختار عندنا هو الاول ذكرناه فى الاصول العملية المقررة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم.

(لكن ظاهر كلمات الاكثر) كالشيخ والسيدين اى المرتضى وابى المكارم والفاضلين اى المحقق والعلامة والشهيدين اى الفاضلين الشهيرين وصاحب المعالم كونه من احكام العقل ولذا لم يتمسك احد هؤلاء فيه بخبر من الاخبار.

(نعم) ذكر فى العدة انتصارا للقائل بحجيته بما روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى الكتاب وهذا من العجب انه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختص بمورد خاص ولم يتمسك بالاخبار الصحاح المعدود بعضها فى حديث الاربعمائة من ابواب العلوم قد وصلت منهم الينا.

(ولكن) قال بعض المحشين انه قال فى العدة واستدل من نصر استصحاب الحال بما روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال ان الشيطان يأتى احدكم فينفخ بين ألييه فيقول احدثت احدثت فلا ينصرفنّ إلّا ان يسمع صوتا او يجد ريحا قال بعد ذلك واعترض ذلك من نفى القول به الخ ومما نقلنا يظهر ان الشيخ قده لم ينتصر للقائل بل نقل انتصار الناصر مع ان الرواية التى نقلها المصنف مخالفة لما فى العدة والظاهر انه نقلها بالمعنى انتهى.

(حاصل مرامه) ان الشيخ لم ينتصر بالخبر المذكور والظاهر ان المنتصر هو بعض العامة نعم التعجب بحاله من جهة عدم تمسك الشيخ وسائر القدماء بل المتأخرين بالاخبار الصحاح للاستصحاب مع انها قد وصل الينا بتوسطهم فان قلنا بعدم اطلاعهم عليها فهو فى غاية البعد وان قلنا بعدم تماميتها من حيث السند او الدلالة فلا بد لهم من ان يذكروها ويبيّنوا عدم تماميتها على اى حال احتمال غفلتهم عن الاخبار وعدم وقوفهم عليها كما ترى.

٣٧٧

(ثم) ان اول من تمسّك بالاخبار للاستصحاب الشيخ الجليل الشيخ عبد الصمد والد الشيخ البهائى قدهما فى العقد الطهماسبى على ما فى الكتاب وتبعه صاحب الذخيرة وشاع بين من تأخر عنهما.

(نعم) ربما يظهر من الحلى فى السرائر الاعتماد على هذه الاخبار حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره من قبل نفسه بنقض اليقين باليقين وهذه العبارة ظاهرة فى انها مأخوذة من الاخبار.

(وفى بحر الفوائد) ربما قيل بتمسك القدماء كافة بالاخبار لاثبات قاعدة اليقين وانها عندهم غير الاستصحاب الذى قالوا به من باب العقل والظن وهذا كما ترى فانى بعد التتبع التام فى كلماتهم لم اقف على ذكر لقاعدة اليقين فيها الا فى كلام شاذّ لا يعبأ به وان كنت فى ريب من ذلك فراجع اليها فانها بمرأى منك.

(واما استظهار التمسك) من الحلى فى السرائر من حيث تعبيره عن بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زواله بنفسه بعدم نقض اليقين باليقين الموجود فى اخبار الباب من جهة ظهوره فى الاعتماد عليها كما يظهر من شيخنا قدس‌سره فى الكتاب فهو ضعيف من حيث ان الاتفاق فى التعبير لا ظهور له فى الاستناد اصلا وإلّا فهذا التعبير موجود فى كلام الشيخ فى مواضع من مبسوطه وفى كلام الشهيد قده كما سيأتى فى الكتاب ومن هنا امر شيخنا قده بالتأمل فيه بعد الاستظهار من كلام الشهيد فيما سيأتى.

٣٧٨

(الثانى) ان عد الاستصحاب على تقدير اعتباره من باب افادة الظن من الادلة العقلية كما فعله غير واحد منهم باعتبار انه حكم عقلى يتوصل به الى حكم شرعى بواسطة خطاب الشارع فنقول ان الحكم الشرعى الفلانى ثبت سابقا ولم يعلم ارتفاعه وكلما كان كذلك فهو باق فالصغرى شرعية والكبرى عقلية ظنية فهو والقياس والاستحسان والاستقراء نظير المفاهيم والاستلزامات من العقليات الغير المستقلة.

(اقول) قد وقع الخلاف بينهم فى صحة الاستدلال بالاستصحاب لافادته ظن البقاء وعدمها لعدم افادته اياه فعلى تقدير اعتباره من باب افادة الظن من الادلة العقلية كما فعله غير واحد منهم باعتبار انه حكم عقلى يتوصل به الى حكم شرعى بواسطة خطاب الشارع لان الابقاء فى الزمان اللاحق بمجرد الثبوت فى الزمان السابق حكم عقلى مستقل كسائر القضايا التى تكون من المستقلات العقلية.

(ولكن) التوصل به الى الحكم الشرعى فى العناوين الخاصة من موارد الاستصحاب انما يكون بواسطة الخطاب الشرعى المتحقق به المستصحب والوجوب فى الزمان السابق هذا على تقدير كون المستصحب حكما شرعيا فتكون الصغرى شرعية والكبرى عقلية ظنية ولا يخفى ليس المراد بالدليل العقلى هو الدليل العقلى المستقل بل اعم منه ومما يحكم به بملاحظة واسطة خطاب الشرع.

(فترتيب القياس) على النحو الذى ذكره قدس‌سره لا غبار فيه مع ان المراد بالتوصل ليس هو التوصل الفعلى بل ما يمكن ان يتوصل به اذ المعتبر فى مطلق الدليل هو ذلك وترتيب القياس من العضدى على النحو الذى تقدم ذكره مطابق لما ذكره قده نعم قد يستشكل فى عدّ الاستصحاب على التقدير

٣٧٩

المذكور من الادلة العقلية من وجوه تعرض لها بعض الاعلام من المحشين مع الجواب عنها فراجع.

(وفى المقام كلام) لبعض الاعلام فى بيان المراد من الدليل العقلى المستقل والغير المستقل لا يخلو نقله عن الفائدة حيث قال ان من التقسيم المسلّم عندهم للدليل العقلى فى الادلة العقلية تقسيمه الى المستقل وغيره.

(وليس المراد) بغير المستقل كما ربّما يتوهّمه الجاهل كون العقل غير مستقل فى الحكم فى القضية التى يحكم فيها انشاء او ادراكا ضرورة عدم معنى له اصلا.

(بل المراد به) انه لا يتوصل به فقط الى الحكم الشرعى بل يحتاج فى التوصل الى ضمّ مقدمة اخرى غير حكم العقل وان كان مستقلا فيما يحكم به فانهم بعد تعريف الدليل العقلى بانه حكم عقلى يتوصل به الى حكم شرعى ووجدان عدم التوصل بحكم العقل فقط من دون ضمّ مقدمة اليه الى الحكم الشرعى فى بعض موارد حكمه ألجئوا الى التقسيم المذكور.

(ومثلوا للمستقل) بالتحسين والتقبيح العقليين على القول بكون الملازمة عقلية ولغير المستقل بالاستلزامات كوجوب المقدمة وحرمة الضد والمفاهيم بناء على كون الدلالة من الالتزام الغير البين او البيّن بالمعنى الاعم لا البين بالمعنى الاخص فانه على التقدير المذكور من مداليل اللفظ عند الاصوليين ولذا عنونها غير واحد فى باب الالفاظ وان كان على التقديرين الاولين ايضا من دلالة اللفظ عند المنطقى المخالف للاصطلاح فى دلالة اللفظ مع الاصولى.

(فان العقل) فى الاستلزامات مثلا انما يحكم بثبوت التلازم بين وجوب الشيء ووجوب ما يتوقف عليه ويحكم بالحكم الادراكى بان طالب الشيء

٣٨٠