درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

لا لبيان اشتراط كون الواقع مأخوذا من هذه الطرق كما لا يخفى على من لاحظها ثم ان مرآة مطابقة العمل الصادر للواقع العلم بها او الطريق الذى يرجع اليه المجتهد او المقلد وتوهم ان ظن المجتهد او فتواه لا يؤثر فى الواقعة السابقة غلط لان مؤدى ظنه نفس الحكم الشرعى الثابت للاعمال الماضية والمستقبلة واما ترتيب الاثر على الفعل الماضى فهو بعد الرجوع فان فتوى المجتهد بعدم وجوب السورة كالعلم فى ان اثرها قبل العمل عدم وجوب السورة فى الصلاة وبعد العمل عدم وجوب اعادة الصلاة الواقعة من غير سورة كما تقدم نظير ذلك فى المعاملات.

يعنى ادلة رجوع المقلد الى المجتهد انما هى لبيان معذورية العامل بالتقليد وسقوط العقاب وعدم وجوب القضاء والاعادة مع عدم انكشاف الخلاف بل مع انكشافه ايضا فيما اذا ثبت دليل على الاجزاء فيه كما قرّر فى محله لا الاجزاء مطلقا اذ ليس هو مذهبه او انه مبنى على مذهب الغير.

(ويقابل الاقوى اقوال) احدها البطلان مطلقا كما نسب الى المشهور.

(وثانيها) الصحة فى الجاهل مطلقا مع المطابقة وان كان مقصّرا كما نسب الى المحقّق الاردبيلى.

(وثالثها) الصحة فى الغافل مطلقا.

(ورابعها) التفصيل بين الغافل غفلة محضة وبين من اعتمد على من لا يجوز تقليده كاعتماده على تقليد ابويه او استاده او المجتهد الميت ابتداء ونحوها.

(وخامسها) التفصيل بين ضروريات الدين او المذهب او الاجماعيات وبين غيرها فيصح فى الثانى وان خالف الواقع وان كان مقصّرا دون الاول الا فى صورة الموافقة وهو المحكى عن السيد الجزائري فى منبع الحياة وشرحه

٢٤١

على تهذيب الحديث.

(وسادسها) بين القاصر والمقصر والاوّل معذور دون الثانى من دون فرق بين المطابق للواقع وغيره وغير ذلك من الاقوال التى تعرّض لها بعض المحشين.

(ثم) ان مرآة مطابقة العمل الصادر للواقع العلم بها او الطريق الفعلى من اجتهاد او تقليد فالغافل والجاهل البسيط العامل قبل الفحص والمجتهد والمقلد الذى تبدّل اجتهاده او تقليده يكون المناط فى مطابقة عمله الصادر سابقا للواقع مع عدم العلم بها هو الطريق الفعلى فلو عمل الجاهل او الغافل عملا ثم بنى على الاجتهاد والتقليد فان وافق عمله رأى من يجب عليه تقليده فعلا او وافق اجتهاده الفعلى كان عمله مجزيا ولو كان مخالفا لرأى من كان يجب عليه تقليده حين العمل لم يكن مجزيا.

(وتوهّم) ان ظن المجتهد او فتواه لا يؤثر فى الواقعة السابقة كما تقدّم من النراقى ومال اليه بعض الاعلام غلط لان مؤدّى ظنّه نفس الحكم الشرعى الثابت للاعمال الماضية والمستقبلة.

(واما ترتيب الاثر) على الفعل الماضى فهو بعد الرجوع فان فتوى المجتهد بعدم وجوب السورة كالعلم فى ان اثرها قبل العمل عدم وجوب السورة فى الصلاة وبعد العمل عدم وجوب اعادة الصلاة الواقعة من غير سورة كما تقدّم نظير ذلك فى المعاملات.

٢٤٢

(وليختم الكلام) فى الجاهل العامل قبل الفحص بامور الاول ان العبرة فى باب المؤاخذة والعدم بموافقة الواقع الذى يعتبر مطابقة العمل له ومخالفته هل هو الواقع الاولى الثابت فى كل واقعة عند المخطئة فاذا فرضنا العصير العنبى الذى تناوله الجاهل حراما فى الواقع وفرض وجود خبر معتبر يعثر بعد الفحص على الحلية فيعاقب ولو عكس الامر لم يعاقب او العبرة بالطريق الشرعى المعثور عليه بعد الفحص فيعاقب فى صورة العكس دون الاصل او يكفى مخالفة احدهما فيعاقب فى الصورتين ام يكفى فى عدم المؤاخذة موافقة احدهما فلا عقاب فى الصورتين وجوه من ان التكليف الاولى انما هو بالواقع وليس التكليف بالطرق الظاهرية الا لمن عثر عليها.

(اقول) انه قدس‌سره بعد ما فرغ عن بيان ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والاحكام قد ذكر ان العبرة فى باب المؤاخذة هل هى بمخالفة الواقع الاوّلى الثابت فى كل واقعة عند المخطئة.

(او بمخالفة الطريق الشرعى) المعثور عليه بعد الفحص.

(او يكفى) فى المؤاخذة مخالفة احدهما.

(او يكفى) فى عدم المؤاخذة موافقة احدهما فاذا شرب العصير العنبى مثلا من غير فحص عن حكمه وفرضنا انه فى الواقع كان حراما ولكن لو تفحص لظفر على خبر معتبر دال على الحلية.

(فهل) يعاقب حينئذ او يعاقب فيما اذا انعكس الامر بان كان فى الواقع حلالا ولكن لو تفحص لظفر على خبر معتبر دال على الحرمة او يعاقب فى كلتا الصورتين جميعا او لا يعاقب فى شىء من الصورتين اصلا وانما يعاقب على الواقع الذى لو تفحص عنه لم يمنعه طريق معتبر على الخلاف وجوه اربعة وقد ذكر

٢٤٣

ومن ان الواقع اذا كان فى علم الله سبحانه غير ممكن الوصول اليه وكان هنا طريق مجعول مؤداه بدلا عنه واقع فالمكلف به هو مؤدى الطريق دون الواقع على ما هو عليه فكيف يعاقب الله سبحانه على شرب العصير العنبى من يعلم انه لم يعثر بعد الفحص على دليل حرمته ومن ان كلا من الواقع ومؤدى الطريق تكليف واقعى اما اذا كان التكليف ثابتا فى الواقع فلانه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط وعلى اسقاطه عن نفسه بالرجوع الى الطريق الشرعى المفروض دلالته على نفى التكليف فاذا لم يفعل شيئا منهما فلا مانع من مؤاخذته واما اذا كان التكليف ثابتا بالطريق الشرعى فلانه قد ترك موافقة خطاب مقدور على العلم به فان ادلة وجوب الرجوع الى خبر العادل او فتوى المجتهد يشمل العالم والجاهل القادر على المعرفة ومن عدم التكليف بالواقع لعدم القدرة وبالطريق الشرعى لكونه ثابتا فى حق من اطلع عليه من باب حرمة التجرى فالمكلف به فعلا المؤاخذ على مخالفته هو الواجب والحرام الواقعيان المنصوب عليهما طريق فاذا لم يكن وجوب او تحريم فلا مؤاخذة.

قدس‌سره لكل منها ما يناسبه من الدليل.

(حيث قال قده) من ان التكليف الاوّلى انما هو بالواقع وليس التكليف بالطرق الظاهرية الا لمن عثر عليها.

(ومن ان الواقع) اذا كان فى علم الله سبحانه غير ممكن الوصول اليه وكان هنا طريق مجعول مؤدّاه بدلا عنه فالمكلف به هو مؤدى الطريق دون الواقع على ما هو عليه فكيف يعاقب الله سبحانه على شرب العصير العنبى من يعلم انه لم يعثر بعد الفحص على دليل حرمته.

٢٤٤

(ومن ان كلا من الواقع ومؤدى الطريق تكليف واقعى) اما اذا كان التكليف ثابتا فى الواقع فلانه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط وعلى اسقاطه عن نفسه بالرجوع الى الطريق الشرعى المفروض دلالته على نفى التكليف فاذا لم يفعل شيئا منهما فلا مانع من مؤاخذته.

(واما اذا كان التكليف) ثابتا بالطريق الشرعى فلانه قد ترك موافقة خطاب مقدور على العلم به فان ادلة وجوب الرجوع الى خبر العادل او فتوى المجتهد يشمل العالم والجاهل القادر على المعرفة ومن عدم التكليف بالواقع لعدم القدرة وبالطريق الشرعى لكونه ثابتا فى حق من اطلع عليه من باب حرمة التجرى يعنى ان من اطلع على الطريق الذى مؤداه تكليف الزامى حرم عليه عدم العمل به من جهة ان ترك العمل به تجرّى وهو حرام عند البعض فاذا كان تركه تجريا محرما فلا بد من الحكم بوجوب العمل به لمن اطلع عليه ففى العبارة ادنى مسامحة.

(قوله) فيعاقب فى الصورتين فى الصورة الاولى لمخالفة الواقع وفى الصورة الثانية لمخالفة الطريق.

(قوله) فلا عقاب فى الصورتين اما فى الصورة الاولى فلموافقة الطريق الدال على الاباحة واما فى الصورة الثانية فلموافقة الواقع الذى هو الاباحة.

(قوله) ومن ان كلا من الواقع ومؤدى الطريق تعليل للوجه الثالث وهو ان مخالفة واحد من الواقع او الطريق كافية فى استحقاق العقاب.

(قوله) اما اذا كان التكليف ثابتا الخ يعنى يكون الحكم الثابت فى الواقع الزاميا مع كون مؤدى الطريق هو الاباحة مثلا.

(قوله) واما اذا كان التكليف ثابتا بالطريق الشرعى يعنى يكون الحكم الثابت فى الواقع غير الزامى ويكون مؤدى الطريق هو الحكم الالزامى وفى المقام صور اربع مطابقة الواقع والطريق فى الحكم الالزامى ومطابقتهما فى

٢٤٥

غيره وكون الواقع حكما الزاميا والطريق دالا على عدمه وبالعكس ولا اشكال فى الاوليين وانما تظهر ثمرة الخلاف فى الاخيرتين.

(قوله) فلانه قد ترك موافقة الخ هذا بناء على ان مخالفة الحكم الظاهرى موجب للعقاب.

(قوله) لعدم القدرة يعنى تفصيلا مع عدم دليل على وجوب الاحتياط.

(قوله فالمكلف به فعلا الخ) يعنى اذا كان فى الواقع وجوب او تحريم وكان الطريق على طبقه فيعاقب على تركه فى الاول وفعله فى الثانى سواء قيل بكون العقاب على مخالفة الواقع او على مخالفة الطريق او على مخالفة كليهما واذا لم يكن تكليف الزامى فى الواقع فلا مؤاخذة على التحقيق سواء كان الطريق دالا على الالزام ام لا اذ المفروض عدم اطلاعه عليه او لانه لا يوجب المؤاخذة عليه وان اطلع عليه بعد فرض كونه مخالفا للواقع اذا لامر به غيرى لا يوجب العقاب.

(نعم) اذا اطلع على الطريق الدال على الالزام يجب العمل به فى الظاهر لفرض عدم العلم بمخالفته فيكون ترك العمل به تجريا فاذا لم يطلع عليه فلا تجرى ايضا من اجل مخالفة الطريق هذا ولكن مقتضى الدليل الذى ذكره المستدل عدم العقاب فى الصورة الاولى ايضا لعدم التكليف بالواقع لعدم القدرة ولا بالطريق لعدم العثور عليه فتأمل.

٢٤٦

(نعم لو اطلع) على ما يدل ظاهرا على الوجوب او التحريم الواقعى مع كونه مخالفا للواقع بالفرض فالموافقة له لازمة من باب الانقياد وتركها تجر واذا لم يطلع على ذلك لتركه الفحص فلا تجرى ايضا واما اذا كان وجوب واقعى وكان الطريق الظاهرى نافيا فلان المفروض عدم التمكن من الوصول الى الواقع فالمتضمن للتكليف متعذر الوصول اليه والذى يمكن الوصول اليه ناف للتكليف والاقوى هو الاول ويظهر وجهه بالتأمل فى الوجوه الاربعة وحاصله ان التكليف الثابت فى الواقع وان فرض تعذر الوصول اليه تفصيلا إلّا انه لا مانع من العقاب بعد كون المكلف به محتملا له قادرا عليه غير مطلع على طريق شرعى ينفيه ولا واجد الدليل يؤمن من العقاب عليه مع بقاء تردده وهو العقل والنقل الدالان على براءة الذمة بعد الفحص والعجز عن الوصول وان احتمل التكليف وتردد فيه.

(يعنى) اذا اطّلع على الطريق الدال على الالزام يجب العمل به فى الظاهر لفرض عدم العلم بمخالفته فيكون ترك العمل به تجريا فاذا لم يطلع عليه فلا تجرّى ايضا اى لا تجرّى بالنسبة الى مخالفة الطريق وإلّا فالتجرى ثابت فى جميع الصور المزبورة لان المفروض عدم العذر فى الغاء احتمال الحرمة فى الواقع وتقصيره فى ترك الفحص.

(واما اذا كان) وجوب واقعى وكان الطريق الظاهرى نافيا فلان المفروض عدم التمكن من الوصول الى الواقع تفصيلا فالمتضمن للتكليف متعذر الوصول اليه والذى يمكن الوصول اليه ناف للتكليف وانه قده قوّى الوجه الاول (ويظهر وجهه بالتأمل فى الوجوه الاربعة) ملخص وجهه ان المجعول اولا فى حق جميع المكلفين هو الاحكام الاولية وهو المنشأ للمصالح والمفاسد ومؤدى الطرق الظاهرية غير مجعول من حيث هو فى قبال الواقع وانما هو مجعول من

٢٤٧

واما اذا لم يكن التكليف ثابتا فى الواقع فلا مقتضى للعقاب من حيث الخطابات الواقعية ولو فرض هنا طريق ظاهرى مثبت للتكليف لم يعثر عليه المكلف لم يعاقب عليه لان مؤدى الطريق الظاهرى غير مجعول من حيث هو هو فى مقابل الواقع وانما هو مجعول بعنوان كونه طريقا اليه فاذا اخطأ لم يترتب عليه شىء ولذا لو ادى عبادة بهذا الطريق فتبين مخالفتها للواقع لم يسقط الامر ووجب اعادتها نعم اذا عثر عليه المكلف لم يجز مخالفته لان المفروض عدم العلم بمخالفته للواقع فتكون معصية ظاهرية من حيث فرض كون دليله طريقا شرعيا الى الواقع فهو فى الحقيقة نوع من التجرى وهذا المعنى مفقود مع عدم الاطلاع على هذا حيث انه طريق اليه ومرآة له فاذا اخطأ لم يترتب عليه شيء.

(قوله وان احتمل التكليف وتردد فيه) يعنى اذا فحص عن الدليل المثبت للحكم الالزامى الواقعى وعجز عن ادراكه فيحكم العقل والنقل ببراءة ذمته عن التكليف فى مرحلة الظاهر والمفروض فى المقام تقصيره فى الفحص فاذا كان الحكم الالزامى ثابتا فى الواقع مع ثبوت التقصير للمكلف فلا مانع من عقابه ولا مقتضى لسقوطه لان المقتضى له امّا العثور على الطريق الشرعى الذى يكون نافيا للتكليف واما الاصل العملى الذى يكون نافيا للعقاب مع عدم البيان سواء كان من باب العقل او النقل والمفروض عدم العثور على الاول وعدم جريان الثانى لانه مشروط بالفحص والفرض عدمه.

(واما اذا لم يكن التكليف ثابتا فى الواقع) يعنى اذا لم يكن التكليف الالزامى ثابتا فى الواقع وكان هناك طريق يقتضيه فلا مقتضى للعقاب اصلا اما على الواقع فلانه ليس هناك الزام على ما يقتضيه الفرض واما على الطريق فلان مفاده وان كان هو الحكم الالزامى إلّا انه لا يؤثر فى العقاب لان مؤدى الطريق

٢٤٨

الطريق ووجوب رجوع العامى الى المفتى لاجل احراز الواجبات الواقعية فاذا رجع وصادف الواقع وجب من حيث الواقع وان لم يصادف الواقع لم يكن الرجوع اليه فى هذه الواقعة واجبا فى الواقع ويترتب عليه آثار الوجوب ظاهرا مشروطة بعدم انكشاف الخلاف لا استحقاق العقاب على الترك فانه يثبت واقعا من باب التجرى ومن هنا يظهر انه لا يتعدد العقاب مع مصادفة الواقع من جهة تعدد التكليف نعم لو قلنا بان مؤديات الطرق الشرعية احكام واقعية ثانوية لزم من ذلك انقلاب التكليف الى مؤديات تلك الطرق وكان اوجه الاحتمالات حينئذ الثانى منها.

الظاهرى غير مجعول من حيث هو هو فى مقابل الواقع وانما هو مجعول بعنوان كونه طريقا اليه فاذا اخطأ لم يترتب عليه شيء ولذا لو ادّى عبادة بهذا الطريق فتبين مخالفتها للواقع لم يسقط الامر ووجب اعادتها.

(نعم) اذا عثر المكلف على الطريق الظاهرى لم يجز مخالفته لان المفروض عدم العلم بمخالفته للواقع فتكون مخالفته معصية ظاهرية من حيث فرض كون دليله طريقا شرعيا الى الواقع فهو فى الحقيقة نوع من التجرى.

(قوله فهو فى الحقيقة نوع من التجرى) هذا وجه آخر غير السابق للحكم بالمعصية اذ فى السابق يحكم بالمعصية الظاهرية من جهة ان الطريق الظاهرى موجب للظن بالواقع فاذا كان مفاده الالزام فيظن بكون الواقع كذلك فعدم العمل بالطريق يلازم عدم العمل بالواقع ظنا فيحكم بالمعصية بحسب الظاهر فاذا انكشفت مخالفة الطريق للواقع فلا معصية اصلا بناء على الوجه السابق واما بناء على التجرى وكونه معصية كما ذهب اليه بعض وان توقف الشيخ قدس‌سره فيه فى باب القطع فيحكم بالمعصية الواقعية لا الظاهرية سواء انكشفت مخالفة

٢٤٩

الطريق الظاهر للواقع ام لا ومن هذا يعلم ان العبارة لا تخلو عن المسامحة فافهم.

(قوله وهذا المعنى مفقود الخ) يعنى وجوب العمل مفقود مع عدم الاطلاع على هذا الطريق وليس المراد ان التجرى مفقود مع عدم الاطلاع بناء على ان التجرى يتصور فى الصور المفروضة من جهة عدم الفحص ووجوب رجوع العامى الى المفتى لاجل احراز الواجبات الواقعية فاذا رجع وصادف الواقع وجب من حيث الواقع بمعنى اذا رجع المقلد الى المفتى وكان رأى المفتى مطابقا للواقع بان كان كلاهما واجبين مثلا وجب ترتيب آثار الوجوب الواقعى على ما افتى به بلا شرط عدم انكشاف الخلاف لعدم معقوليته على الفرض المزبور.

(وان لم يصادف الواقع) لم يكن الرجوع اليه فى هذه الواقعة واجبا فى الواقع بمعنى انه اذا لم يصادف رأى المفتى للواقع بان كان الواقع هو الاباحة وكان رأى المفتى هو الوجوب مثلا لم يكن الرجوع اليه واجبا فى الواقع ولم يترتب عليه آثار الوجوب الواقعى مطلقا بلا شرط بل يترتب عليه آثار الوجوب الواقعى ظاهرا لكن بشرط عدم انكشاف الخلاف اذ بعد انكشاف الخلاف يحكم بان ما رتبه من آثار الوجوب كان فى غير محله من جهة ان الامر بالطريق كان غيريا ولاجل الايصال الى الواقع فاذا علم بمخالفته له لا يترتب عليه شيء.

(فالمحصل) ان ترتيب جميع آثار الوجوب مشروط بعدم انكشاف الخلاف إلّا اثر العقاب على الترك الثابت من باب التجرى بناء على كونه موجبا للعقاب فانه ليس مشروطا بعدم كشف الخلاف بل هو ثابت مطلقا على القول بكونه كذلك.

(نعم) لو اخترنا ما ذهب اليه صاحب الفصول من ان المكلف به الفعلى هو مؤدى الطريق وان الواقع بما هو واقع ليس مكلفا به لزم من ذلك انقلاب

٢٥٠

التكليف بمؤديات الطرق وكان الاوجه هو الاحتمال الثانى الذى ذكره فى اول العنوان وهو كون العبرة فى باب المؤاخذة والعدم بموافقة الطريق الشرعى المعثور عليه بعد الفحص وعدمها.

(والحاصل) لو قلنا باعتبار الطرق الشرعية من باب الموضوعية فالمتعيّن هو الوجه الثانى كما انه لو قلنا بان اعتبارها فى عرض الواقع فالمتعين هو الوجه الثالث المذكور فى اول العنوان.

٢٥١

(الثانى) قد عرفت ان الجاهل العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على الفحص واستبانة الحال غير معذور لا من حيث العقاب ولا من جهة سائر الآثار بمعنى ان شيئا من آثار الشيء المجهول عقابا او غيره من الآثار المترتبة على ذلك الشيء فى حق العالم لا يرتفع عن الجاهل لاجل جهله وقد استثنى الاصحاب من ذلك القصر والاتمام والجهر والاخفات فحكموا بمعذورية الجاهل فى هذين الموضعين وظاهر كلامهم ارادتهم العذر من حيث الحكم الوضعى وهى الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة وهو الذى يقتضيه دليل المعذورية فى الموضعين ايضا فحينئذ يقع الاشكال فى انه اذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفى كسائر الاحكام المجهولة للمكلف المقصر فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة الى المسافر باقيا.

(اقول) قد تبيّن ممّا ذكرنا سابقا فى الجاهل التارك للفحص من دوران استحقاق العقاب على مخالفة الواقع وعدمه الملازمة بين استحقاق العقاب وفساد العمل واقعا وكذا الملازمة بين صحة العمل واقعا وعدم استحقاق العقاب بناء على ما هو المشهور من ان ترك التعلم بما هو لا يوجب العقوبة.

(ولكن) قد استثنى الاصحاب من هذه الملازمة موردين واجمعوا فيهما على صحة العمل المأتى به حال الجهل مع استحقاق الجاهل للعقاب.

(احدهما) الجهر بالقراءة فى موضع وجوب الاخفات وبالعكس جهلا بالحكم.

(وثانيهما) الاتمام فى موضع وجوب القصر ولا عكس الا عن بعض فى بعض الفروض وهو ما اذا قصر المقيم بتخيّل ان حكمه حكم المسافر لجهله بالحكم فقد افتى بعض الاصحاب بصحة الصلاة تمسكا برواية صحيحة دلّت على ذلك ولكن حكى عن المشهور عدم العمل بها والاعراض عنها وذهبوا الى بطلان

٢٥٢

وما يأتى به من الاتمام المحكوم بكونه مسقطا ان لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب وان كان مأمورا به فكيف يجتمع الامر به مع فرض وجود الامر بالقصر ودفع هذا الاشكال اما بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعى المتروك واما بمنع تعلقه بالمأتى به واما بمنع التنافى بينهما فالاول اما بدعوى كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم وكذا الجهر والاخفات واما بمعنى معذوريته فيه بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع يعذر صاحبه ويحكم عليه ظاهرا بخلاف الحكم الواقعى وهذا الجاهل وان لم يتوجهه اليه خطاب مشتمل على حكم ظاهرى كما فى الجاهل بالموضوع إلّا انه مستغنى عنه باعتقاده لوجوب هذا الشيء عليه فى الواقع.

الصلاة فى الفرض كسائر صور القصر فى موضع التمام والمتسالم عليه بينهم فى الصحة هو الاتمام فى موضع القصر فالمتيقن خروجه عن الملازمة المذكورة هو الجهر فى موضع الاخفات وبالعكس والاتمام فى موضع القصر دون العكس.

(فان الاصحاب) قدس سرّهم قد افتوا تبعا للنصوص المتضافرة المروية عن الائمة عليهم‌السلام بصحة الصلاة فى الموردين مع الجهل بالحكم ولو عن تقصير مع التسالم على استحقاق العقوبة اذا كان الجهل عن تقصير بمقتضى اطلاق كلماتهم.

(كما قال الشيخ قدس‌سره) ظاهر كلامهم ارادتهم العذر من حيث الحكم الوضعى وهى الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة وهو الذى يقتضيه دليل المعذورية فى الموضعين ايضا. (فحينئذ يقع الاشكال) فى انه اذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفى كسائر الاحكام المجهولة للمكلف المقصر فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة الى المسافر باقيا وما يأتى به من الاتمام المحكوم بكونه مسقطا ان لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب وان كان مأمورا به فكيف يجتمع

٢٥٣

الامر به مع فرض وجود الامر بالقصر.

(وتقرير الاشكال) بعبارة اخرى ان ثبوت الاثم يدل على ثبوت الامر بالقصر وبقاء الامر الواقعى والحكم بالصحة وعدم وجوب الاعادة انما يدل على كونه مأمورا بالاتمام كما يدل على ذلك بعض الاخبار الذى يتضمن لفظ تمت صلاته ونحو ذلك وحينئذ يلزم كونه مكلفا بالقصر والاتمام معا وهذا تناقض واضح مع ان قضية ذلك ثبوت التكليفين للمسافر المزبور فيلزم عدم سقوط الذمة بالتكليفين باتيان احدهما ومن المعلوم هو الاكتفاء باحدهما وهذا الاشكال انما يرد على ما ذهب اليه المشهور من استحقاق العقاب دون مذاق صاحب الفصول ولكن فى بعض الاخبار لفظ لا شىء عليه فيمكن ادّعاء شموله لنفى العقاب ايضا وفيه تأمل.

(واما دفع الاشكال) فمن وجوه امّا بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعى المتروك وامّا بمنع تعلقه بالمأتى به وامّا بمنع التنافى بينهما.

(فالاوّل) اى قوله بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعى المتروك اما بدعوى كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم وكذا الجهر والاخفات واما بمنع معذوريته فيه بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع يعذر صاحبه ويحكم عليه ظاهرا بخلاف الحكم الواقعى وهذا الجاهل وان لم يتوجّه اليه خطاب مشتمل على حكم ظاهرى كما فى الجاهل بالموضوع إلّا انه مستغنى عنه باعتقاده لوجوب هذا الشىء عليه فى الواقع.

(ومحصل الوجه الاول) ان منع تعلّق التكليف بالواقعى المتروك تارة بما افاده السيد المرتضى ره فى مقام جواب اخيه من ان العلم شرط لثبوت الحكم فى متن الواقع فى مسئلة القصر وكذا الجهر والاخفات فلا يكون فى حق الجاهل فيهما حكم لا شأنا ولا فعلا واخرى بان العلم شرط لتنجّز التكليف بمعنى ان الحكم ثابت فى حق الجاهل فيهما شأنا لا فعلا نظير الجهل بالموضوع

٢٥٤

حيث يحكم فيه بمقتضى الاصول على خلاف الحكم الواقعى وثالثا بما افاده المحقق الاردبيلى ره ومن تبعه فى مقام الجهل بمطلق الاحكام بان يقال ان الجاهل فى موضع الاستثناء غير مكلّف بالواقع وانما يعاقب على ترك التعلّم بوجوب القصر وكذلك الجهر والاخفات.

(والفرق) بين هذا الوجه وسابقيه ان العلم على الاول شرط شرعى لثبوت الحكم نظير البلوغ والطهارة وعلى الثانى شرط عقلى نظير اشتراط العقل والقدرة فى ثبوت التكاليف وعلى الثالث واجب نفسى ورابعا بما عن بعض الاعلام فى مقام توجيه كلام الاردبيلى من ان الخطاب بالواقع منقطع حال الجهل لقبح خطاب الجاهل وانما يعاقب على ترك الواقع حين تركه المقدمة اعنى تحصيل العلم هذا لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور حيث ان ظاهرهم بقاء التكليف بالواقع المجهول حين الجهل.

(قوله وهذا الجاهل وان لم يتوجه الخ) لكونه معتقدا بوجوب التمام او غافلا عن وجوب القصر فكيف يحكم بالحكم الظاهرى الذى يكون مجعولا فى مورد الشك.

(قوله) باعتقاده لوجوب الخ اذ يتمشى فيه قصد القربة لمكان الاعتقاد والاحتياج الى الحكم الظاهرى انما هو لتصحيح قصد القربة.

٢٥٥

(واما من جهة القول) بعدم تكليف الغافل بالواقع وكونه مؤاخذا على ترك التعلم فلا يجب عليه القصر لغفلته عنه نعم يعاقب على عدم ازالة الغفلة كما تقدم استظهاره من صاحب المدارك ومن تبعه واما من جهة تسليم تكليفه بالواقع إلّا ان الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة لقبح خطاب العاجز وان كان العجز بسوء اختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر لكنه ليس مأمورا به حتى يجتمع مع فرض وجود الامر بالاتمام لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور حيث ان الظاهر منهم كما تقدم بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة الى الجاهل ولذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب اذ لو لا النهى حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان (والثانى) منع تعلق الامر بالمأتى به والزام غير الواجب مسقط عن الواجب فان قيام ما اعتقد وجوبه مقام الواجب الواقعى غير ممتنع نعم قد يوجب اتيان غير الواجب فوات الواجب فيحرم بناء على دلالة الامر بالشيء على النهى عن الضد كما فى آخر الوقت حيث يستلزم فعل التمام فوات القصر.

(اقول) قد تقدم ان دفع الاشكال المذكور من وجوه ثلاثة اما بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعى المتروك واما بمنع تعلقه بالمأتى به واما بمنع التنافى بينهما.

(فالدفع الاول) اى قوله اما بمنع تعلق التكليف الخ من جهات اما بدعوى كون القصر واجبا على المسافر العالم وقد نسب هذا الى السيد المرتضى ره ولا يخفى انه مستلزم للدور المحال.

(واما) بمعنى معذوريته فيه بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل

٢٥٦

ويرد هذا الوجه ان الظاهر من الادلة كون المأتى به مأمورا به فى حقه مثل قوله عليه‌السلام فى الجهر والاخفات تمت صلاته ونحو ذلك والموارد التى قام فيها غير الواجب يمنع عدم وجوب البدل بل الظاهر فى تلك الموارد سقوط الامر الواقعى وثبوت الامر بالبدل فتأمل (والثالث) ما ذكره كاشف الغطاء ره من ان التكليف بالاتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر فقد كلفه بالقصر والاتمام على تقدير معصيته فى التكليف بالقصر وسلك هذا الطريق فى مسئلة الضد فى تصحيح فعل غير الاهم من الواجبين المضيقين اذا ترك المكلف الامتثال بالاهم ويرده انا لا نعقل الترتب فى المقامين وانما يعقل ذلك فيما اذا حدث التكليف الثانى بعد تحقق معصية الاول كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة المائية فكلف لضيق الوقت بالترابية.

بالموضوع يعذر صاحبه ويحكم عليه ظاهرا بخلاف الحكم الواقعى.

(واما) من جهة القول بعدم تكليف الغافل بالواقع وكونه مؤاخذا على ترك التعلم فلا يجب عليه القصر لغفلته عنه نعم يعاقب على عدم ازالة الغفلة كما تقدم استظهاره من صاحب المدارك ومن تبعه.

(واما) من جهة تسليم تكليفه بالواقع إلّا ان الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة لقبح خطاب العاجز وان كان العجز بسوء اختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر من جهة انه حين الالتفات كان مكلفا بالتعلم وتركه حتى صار سببا لغفلته عن الواقع فهو معاقب على الواقع حين ترك المقدمة من غير انتظار لزمان ترك الواجب الواقعى وهذا كما ان من توسط ارضا مغصوبة معاقب حين الخروج ايضا على قول لاجل الغصب وان لم يكن منهيا عنه بالفعل.

(ثم ان الفرق) بين الوجوه الاربعة ان وجوب القصر غير ثابت فى الواقع

٢٥٧

على الوجه الاول على تقدير القول به بخلاف سائر الوجوه والظاهر عدم المؤاخذة فيه ايضا والفرق بين الوجه الثانى منها وبين الوجهين الاخيرين على تقدير كون مقتضاه عدم المؤاخذة كما هو ظاهر الحكم بالمعذورية فيه وتشبيهه بالجاهل بالموضوع فى كلام المصنف ظاهر وعلى تقدير كون مقتضاه هو الالتزام بالمؤاخذة والعقاب كما هو مقتضى كلامه السابق حيث قال وظاهر كلامهم الى قوله وهو الذى يقتضيه دليل المعذورية فى الموضعين يشكل الفرق بينه وبين الاخيرين اذ مع ثبوت وجوب القصر فى الواقع مع عدم كونه مكلفا به فعلا ومنجزا كما يدل عليه قوله قدس‌سره هذا كله خلاف ظاهر المشهور الخ حيث ان مقتضاه كون مراده اشتراك الوجوه الاربعة فى عدم الالتزام بتنجز التكليف بالقصر على الجاهل فعلا (قوله لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور) لان الظاهر من كلامهم على ما تقدمت الاشارة اليه بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة الى الجاهل ولذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب اذ لو لا النهى حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان قد يقال بانه يمكن الفرق بين المقام والغصب بان المكلف هناك ملتفت الى الغصب وان كان معتقدا بعدم حرمته فيمكن ان يتعلق به نهى بخلاف المقام فانه غافل عن القصر وعن وجوبه فلا يمكن تعلق الامر به فالقول بالتكليف الواقعى هناك لا يستلزم القول به فى المقام فتأمل.

(قال بعض المحشين) كلام الاصحاب فى عنوان المسألة ان جاهل الحكم غير معذور الا فى المقامين يحتمل وجوها.

(منها) ان الجاهل سواء كان قاصرا او مقصرا غير معذور بالنسبة الى مطلق الاحكام المجهولة سواء كانت تكليفية او وضعية فجهله غير مناف لفعلية الحكم فى حقه فى غير المقامين وهذا باطلاقه لا يتم على طريقة العدلية من دلالة العقل والنقل على قبح تكليف الغافل ونحوه.

(ومنها) ان الجاهل مطلقا غير معذور بالنسبة الى الحكم الوضعى

٢٥٨

بمعنى ان الجهل بالحكم الوضعى لا يرفعه بعد ثبوته فى حقه الا فى المقامين وهذا الوجه اجود من سابقه.

(ومنها) ان الجاهل المقصر غير معذور فيما يلزمه من الاحكام مطلقا سواء كانت تكليفية او وضعية فى غير المقامين وهذا اجود من سابقيه.

(وفى الفصول) بعد جعله امتن من سابقه ذكر ان الوجه فى اطلاقهم القول بعدم المعذورية وضوح امر القيد مع مراعاة ما هو الغالب فى المكلفين من التقصير فى تعلّم الاحكام فانا نرى بالعيان ان اكثر الناس يعلمون بثبوت احكام كثيرة فى الشرع ويتسامحون فى تعلّمها ويعترفون بتقصيرهم فى ذلك وربما يلتجئون فى مقام الاعتذار بعدم مساعدة التوفيق ايّاهم او بانهم متشاغلون باصلاح معيشتهم ونحو ذلك مع علمهم ببطلان معذرتهم الى غير ذلك ولا ريب ان العلم الاجمالى بالتكليف مع التمكن من استعلام التفصيل كاف فى ثبوته على المكلف عقلا ونقلا ولهذا صح قول اصحابنا بان الكفّار معاقبون على الفروع كما انهم معاقبون على الاصول مع جهلهم بكثير من فروع الاحكام فان علمهم الاجمالى بثبوت احكام كثيرة فى هذه الشريعة كاف فى توجه التكاليف الثابتة فيها اليهم وان جهلوا تفاصيلها مع تمكنهم من معرفتها.

(قوله والثانى منع تعلق الامر بالمأتى به الخ) والمراد بالوجه الثانى هو الذى تقدّم ذكره فى دفع الاشكال المتقدم من منع تعلّق التكليف بالمأتى به وملخّصه ان الجهل كالعلم لا مدخلية له فى الحكم الواقعى المبتنى على المصالح والمفاسد ولا يوجب تغيّر الموضوع ولا تبدّل الحكم الواقعى حتى يستلزم التصويب.

(لكن الجاهل) فى المقام المعتقد بالاتمام مكلف بما اعتقده من الاتمام ولا عقاب عليه كما فى الجاهل بالموضوع حيث حكموا بانه معذور بالنسبة الى الحكم التكليفى والوضعى فلا تبطل الصلاة ايضا لانه انما كان من جهة الاجماع

٢٥٩

والنهى ولا اجماع فى حق الجاهل بل هو محكى على خلافه ولا نهى مع الجهل لاشتراط التكليف بالعلم.

(واورد عليه) ان صحة العبادة التى هى الحكم الوضعى تتوقف على الامر الشرعى والامر الظاهرى العقلى المتحقق فى مثل المقام فلا يترتب عليه الصحة الواقعية بل المترتب عليه هى الصحة الاعتقادية واذا انكشف الواقع يتبدّل اعتقاده ويحكم العقل جزما بعدم ترتب الصحة عليه لعدم وجود الامر من الشارع فحينئذ يبقى الاشكال المذكور بحاله وهو اذا لم يكن التمام مأمورا به فكيف يسقط الواجب به.

(قال بعض الاعلام) دفع الاشكال بهذا الوجه بل بالوجهين الاخيرين لا ينحصر فى صورة الاتيان بالتمام فى موضع القصر مثلا فى حال ضيق الوقت بل يشمل حال السعة ايضا كما هو ظاهر اطلاق الاخبار وكلمات العلماء الاخيار ثم ان هذا الوجه هو المتعين فى دفع الاشكال بعد البناء على بطلان الوجه الاول والثالث ومبناه على الالتزام بمقدار من المصلحة يتدارك به مفسدة فوت الواقع.

(قوله) وثبوت الامر بالبدل فتأمّل يحتمل ان يكون وجه التأمل اشارة الى ان البدلية والاسقاط لا يستلزمان الامر بالبدل ألا ترى ان صلاة الناس مسقطة للمأمور به مع عدم امكان تعلق الامر بالناسى لامتناع التنويع وقبح خطاب الغافل قد يقال لعلّ وجهه انه لا يحتاج الى ثبوت الامر بالبدل ولا محذور فى التزام كون غير الواجب مسقطا عن الواجب من حيث اشتماله على الرجحان الواقعى والمصلحة التى هى جهة الامر فيحصل الغرض من الامر وقيام غير الواجب مقام الواجب وكونه مسقطا له غير عزيز فى الشرعيات كاخراج الفطرة قبل هلال شوال وزكاة الانعام قبل حلول الحول وتقدم سابقا صحة عبادة ناسى بعض الاجزاء اذا لم يكن ركنا مع عدم الامر به.

(قوله والثالث ما ذكره كاشف الغطاء ره الخ) وفى المحكى انه قد سبقه

٢٦٠