درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

(ولكن اللازم) حينئذ ان يتفحص فى جميع المسائل الى حيث يحصل الظن بعدم وجود دليل التكليف ثم الرجوع الى مجتهد آخر فان كان مذهبه مطابقا للبراءة كان مؤيدا لما ظنه من عدم الدليل وان كان مذهبه مخالفا للبراءة كان شاهد عادل على وجود دليل التكليف فان لم يحتمل فى حقه الاعتماد على الاستنباطات الحدسية او العقلية من الاخبار اخذ بقوله فى وجود دليل وجعل فتواه كروايته.

٢٨١

(تذنيب) ذكر الفاضل التونى لاصل البراءة شروطا آخر الاول ان لا يكون اعمال الاصل موجبا لثبوت حكم شرعى من جهة اخرى مثل أن يقال فى احد الإناءين المشتبهين الاصل عدم وجوب الاجتناب عنه فانه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر او عدم بلوغ الملاقى للنجاسة كرا او عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقات النجاسة فان اعمال الاصول يوجب الاجتناب عن الاناء الآخر او الملاقى او الماء اقول توضيح الكلام فى هذا المقام ان ايجاب العمل بالاصل لثبوت حكم آخر اما باثبات الاصل المعمول به لموضوع انيط به حكم شرعى كان يثبت بالاصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدين فيصير بضميمة اصالة البراءة مستطيعا فيجب عليه الحج فان الدين مانع عن الاستطاعة فيدفع بالاصل ويحكم بوجوب الحج بذلك المال ومنه المثال الثانى فان اصالة عدم بلوغ الماء الملاقى للنجاسة كرا يوجب الحكم بقلته (اقول) ذكر الفاضل التونى لاصل البراءة شروطا آخر ولا يخفى انه لم يجعلها شروطا لاصل البراءة فقط بل جعلها شروطا لها ولاصالة العدم ولاصالة عدم تقدم الحادث حيث قال فى ذيل مسئلة البراءة على ما حكى عنه واعلم ان لجواز التمسك باصالة براءة الذمة وباصالة العدم وباصالة عدم تقدم الحادث شروطا.

(الاول) ان لا يكون جريان البراءة مستلزما لثبوت حكم شرعى الزامى من جهة اخرى مثل ان يقال فى احد الإناءين المشتبهين الاصل عدم وجوب الاجتناب عنه فانه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر او عدم بلوغ الملاقى للنجاسة كرا او عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقات النجاسة فان اعمال الاصول يوجب الاجتناب عن الاناء الآخر او الملاقى او الماء.

٢٨٢

التى انيط بها الانفعال واما لاستلزام نفى الحكم به حكما يستلزم عقلا او شرعا او عادة ولو فى هذه القضية الشخصية لثبوت حكم تكليفى فى ذلك المورد او فى مورد آخر كنفى وجوب الاجتناب عن احد الإناءين فان كان ايجابه للحكم على الوجه الاول كالمثال الثانى فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الاصل لجريان ادلته من العقل والنقل من غير مانع ومجرد ايجابه لموضوع حكم وجودى آخر لا يكون مانعا عن جريان ادلته كما لا يخفى على من تتبع الاحكام الشرعية والعرفية ومرجعه فى الحقيقة الى رفع المانع فاذا انحصر الطهور فى ماء مشكوك لاباحة بحيث لو كان محرم الاستعمال لم يجب الصلاة لفقد الطهورين فلا مانع من اجراء اصالة الحل واثبات كونه واجدا للطهور فيجب عليه الصلاة ومثاله العرفى ما اذا قال المولى لعبده اذا لم يكن عليك شغل واجب من قبلى فاشتغل بكذا فان العقلاء يوجبون عليه الاشتغال بكذا اذا لم يعلم بوجوب شيء على نفسه من قبل المولى.

(خلاصة القول) فى شرح مراده ان الاصل قد يثبت به الحكم الشرعى وقد لا يثبت به وميزان الكلى فى الطرفين ان ذلك الحكم ان كان من آثار المستصحب بلا واسطة او مع واسطة حكم شرعى فيكون الاصل مثبتا له كما اذا شك من كان واجدا لمقدار من المال واف بالحج فى ثبوت دين على ذمته فان الدين مانع شرعى للحج كالحدث بالنسبة الى الوضوء فيدفع بالاصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدين فيصير بضميمة اصالة البراءة مستطيعا فيجب عليه الحج لان الدين مانع شرعى عن الاستطاعة فيدفع بالاصل ويحكم بوجوب الحج بذلك المال لكون الشك فيه مسببا فيه عن وجوب اداء الدين فاذا حكم بعدم وجوب ادائه من جهة اصل البراءة حكم بوجوب الحج.

(لا يقال) ان هذا معارض باصالة عدم وجوب الحج لانا نقول ان الشك

٢٨٣

فى وجوب الحج مسبب عن الشك فى مانعية الدين فالاصل فيها سببى فيقدم على المسببى لما سيظهر فى باب الاستصحاب من تقدم الشك السببى على الشك المسببى والاصل الجارى فيه على الاصل الجارى فيه.

(لا يقال) ان الاصل المذكور اصل مثبت لانه يوجب ثبوت حصول الاستطاعة ثم يترتب عليها وجوب الحج لانا نقول ان الاستطاعة عبارة عن وجود المال الوافى بالحج مع عدم ثبوت الدين والاول ثابت بالعيان والثانى بالاصل فيترتب عليه وجوب الحج وبعبارة اخرى ان الاستطاعة ليست شيئا فى طول المال الوافى وعدم الدين لكى يثبت بعد احرازهما موضوع الاستطاعة فيجب الحج بل هى عبارة اخرى عن ثبوتهما فيكون ترتب وجوب الحج بلا واسطة وان كان من آثاره بواسطة امر عادى او عقلى فلا يكون الاصل مثبتا له.

(اذا عرفت ذلك فنقول) اما المثال الاول فان اراد باصالة عدم وجوب الاجتناب عن احد الإناءين اثبات الطهارة فيه فهو من حيث هو لا مانع من جريانه إلّا انه معارض بجريانه فى الآخر فسقوط الاصل من جهة المعارضة لا كونه مثبتا للحكم.

وان اراد بها اثبات وجوب الاجتناب عن الآخر فعدم كون الاصل مثبتا له انما هو من جهة انه لا يثبت به ما ليس باثر شرعى لان الملازمة بين عدم وجوب الاجتناب عن احدهما ووجوب الاجتناب عن الآخر ليس إلّا من جهة العلم الاجمالى لا ان الملازمة بينهما بحسب الشرع فالملازمة اتفاقية لا واقعية فلا يندرج تحت ميزان ما يثبت الحكم فيه بالاصل.

(واما المثال الثانى) فالحالة السابقة فيه تارة تكون معلومة بان كان مسبوقا بالكرية او مسبوقا بعدمها واخرى تكون مجهولة اما الاول فلا اشكال فيه واما الثانى ففيه للفقهاء قولان مبنيان على ان القلة شرط للانفعال او الكرية مانعة عنه.

٢٨٤

(فعلى الاول) يحكم بطهارة الماء المزبور بعد ملاقات النجاسة لان شرط النجاسة وهو القلة مشكوك والشك فى الشرط يوجب الشك فى المشروط فيرجع الى قاعدة الطهارة واصالة عدم تأثير الملاقاة.

(وعلى الثانى) يحكم بنجاسته لان الملاقاة مقتضية للنجاسة والمانع لها اعنى الكرية بمحل الشك ونفس الشك فى المانع كاف فى الحكم بعدمه لان احتمال وجوده معارض باحتمال عدمه فيبقى المقتضى على اقتضائه وهذا الوجه ان تم يكون حاكما على الاول لانه بعد احراز المقتضى ودفع المانع لا يبقى شك لكى يتشبث باصالة عدم تأثير الملاقاة لكن الكلام فى تماميته لما يأتى فى باب الاستصحاب عند تعرض كلام المحقق حيث استدل لحجية الاستصحاب بوجود المقتضى وكون وجود المانع معارضا باحتمال عدمه من ان مجرد الشك فى المانع غير كاف فى الحكم بالعدم بل لا بد فى مقام ترتيب اثر المقتضى من احراز عدم المانع ولو بالاصل.

(واما المثال الثالث) فيندرج تحته صورتان فان تاريخ واحد من الكرية والملاقاة قد يكون معلوما وقد يجهل التاريخان بالكلية اما الاول فيحكم فيه على مجهول التاريخ باصالة عدم وجوده فى تاريخ صاحبه فيلحقه حكمه من الطهارة والنجاسة فاذا علم تاريخ ملاقات النجس للحوض وجهل تاريخ صيرورته كرا فيقال الاصل بقاء قلته وعدم كريته فى زمان الملاقاة واذا علم تاريخ الكرية وجهل تاريخ الملاقاة فيقال الاصل عدم تقدم الملاقاة واما الثانى فمقتضى اصالة عدم تحقق الكرية حين الملاقاة وان كان هو الحكم بالنجاسة لكن يعارضها اصالة عدم تقدم تحقق الملاقاة حين حدوث الكرية واثره انما هو الحكم بالطهارة.

(وبعبارة اخرى) ان الاصل بقاء عدم الكرية على عدمه الازلى فى كل آن حتى زمان الملاقاة والاصل بقاء عدم الملاقاة على عدمه الازلى فى

٢٨٥

كل زمان حتى زمان حصول الكرية ومفاد الاول تأخر الكرية فاثره هو الحكم بالنجاسة ومفاد الثانى تأخر الملاقاة فاثره هو الحكم بالطهارة وبعد التعارض يتساقطان فيكون المرجع قاعدة الطهارة.

(هذا) حسبما يقتضيه التحقيق وذهب اليه الشيخ قدس‌سره فى باب الاستصحاب ولكن ظاهر عبارته هنا يستشم منه خلافه فانه حكم بحصول التعارض بينهما من غير تفصيل بين معلوم التاريخ ومجهوله وانما حكى القول بالتفصيل من غيره وهذا كما ترى ظاهر فى ان بنائه هنا على الحكم بالتعارض بين الاصلين مطلقا.

(قوله يوجب الحكم بقلته التى انيط بها الانفعال) اذ لا واسطة بين الكثرة والقلة فى الشرع واذا نفى الاولى بالاصل يثبت الثانية بالاستلزام كاستلزام اصالة البراءة عن الدين لوجوب الحج وما ذكره المصنف من اتحاد المثال الثانى لمسألة وجوب الحج تعريض على الفاضل القمى حيث فرق بينهما.

(قوله واما لاستلزام نفى الحكم به حكما يستلزم عقلا او شرعا او عادة) قد تعرض بعض الاعلام فى ذيل هذه العبارة لاشكال ثم اجاب عنه اما الاشكال فان قلت اذا كان الاستلزام شرعيا لا بد من ترتبه على الاصل وسيأتى من المصنف ره عدم جريان الاستصحاب فى هذا القسم ولو كان الاستلزام شرعيا.

(ثم اجاب عنه) بقوله المراد من ترتب اللوازم الشرعية على الاصل هو ما اذا كان مجرى الاصل موضوعا له او جزء للموضوع او شرطا له كما فى مثال البراءة عن الدين ومثل استصحاب الكرية الموجبة لعدم الانفعال بالنجاسة واستصحاب عدمها الموجب للانفعال.

(واما اذا كان) الاستلزام شرعيا وكان احد الحكمين فى عرض الآخر لا فى طوله لا يمكن اثبات احدهما بالاصل فى الآخر ففى صورة دوران الامر بين المحذورين مع اجراء اصالة البراءة عن الوجوب واصالة عدمه لا يمكن ان

٢٨٦

يترتب عليها الحكم بالحرمة وان كان الحكم بها لازما لها شرعا بعد حصول العلم الاجمالى لعدم كون عدم الوجوب موضوعا للحرمة وان كانا متلازمين ألا ترى ان الحركة والسكون اذا كانا وجوديين فباصالة عدم احدهما لا يمكن اثبات الآخر وان كانا متلازمين فعلم مما ذكرنا ان كون الاستلزام شرعيا لا يوجب الترتب ما لم يحصل المناط المذكور.

(قوله) ولو فى هذه القضية الشخصية من جهة حصول العلم الاجمالى الذى اتفق فى الواقعة الشخصية قوله فى ذلك المورد كما فى صورة دوران الامر بين المحذورين.

(قوله كنفى وجوب الاجتناب) مثال للثانى وهو ثبوت حكم تكليفى فى مورد آخر فإن نفى وجوب الاجتناب عن احد الإناءين فى الشبهة المحصورة يستلزم وجوب الاجتناب عن الاناء الآخر لفرض العلم الاجمالى بنجاسة احد الإناءين قوله كالمثال الثانى وهو اصل عدم بلوغ الملاقى للنجاسة كرا.

(قوله فان العقلاء يوجبون عليه الاشتغال الخ) هذا المثال ليس مطابقا لما نحن فيه لان الاصل اذا كان حجة من باب العقل او بناء العقلاء يكون المثبت وغير المثبت فيه سواء فيترتب على مجرى الاصل جميع الآثار سواء كانت للواسطة او لمجرى الاصل بلا واسطة بخلاف ما اذا كان حجة من باب التعبد فانه لا يثبت به إلّا الآثار الشرعية بلا واسطة كما سيأتى تحقيقه فى باب الاستصحاب.

(قال بعض المحشين) يمكن دفع هذا الاشكال بان هذا التفصيل انما هو فى باب الاستصحاب لا فى باب اصل البراءة اذ هو سواء كان عقليا او شرعيا لا يثبت الآثار الشرعية مع الواسطة مطلقا وقد صرح المصنف مع كونه قائلا بحجية اصل البراءة من باب العقل بذلك فى اول اصل البراءة والاصل الجارى هنا هو اصل البراءة ومقصود المصنف من المثال المذكور ان بناء العقلاء على ذلك يكشف عن عدم الواسطة وعدم كون الاصل المزبور مثبتا ولا غبار فى ذلك اصلا.

٢٨٧

(وان كان على الوجه الثانى) الراجع الى وجود العلم الاجمالى بثبوت حكم مردد بين حكمين فان اريد باعمال الاصل فى نفى احدهما اثبات الآخر ففيه ان مفاد ادلة اصل البراءة مجرد نفى التكليف دون اثباته وان كان الاثبات لازما واقعيا لذلك النفى فان الاحكام الظاهرية انما يثبت بمقدار مدلول ادلتها ولا يتعدى الى ازيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت إلّا ان يكون الحكم الظاهرى الثابت بالاصل موضوعا لذلك الحكم الآخر كما ذكرنا فى مثال براءة الذمة عن الدين والحج وسيجىء توضيح ذلك فى باب تعارض الاستصحابين وان اريد باعماله فى احدهما مجرد نفيه دون الاثبات فهو جار إلّا انه معارض بجريانه فى الآخر فاللازم اما اجراؤه فيهما فيلزم طرح ذلك العلم الاجمالى لاجل العمل بالاصل واما اهماله فيهما فهو المطلوب واما اعمال احدهما بالخصوص فترجيح بلا مرجح.

(اقول) المراد بالوجه الثانى هو ثبوت حكم تكليفى فى مورد آخر كنفى وجوب الاجتناب عن احد الإناءين وهذا يرجع الى وجود العلم الاجمالى بثبوت حكم مردد بين حكمين.

(ففى هذا الفرض) ان اريد باعمال الاصل فى نفى احدهما اثبات الآخر ففيه ان ما يستفاد من ادلة اصل البراءة هو مجرد نفى التكليف دون اثباته وان كان الاثبات لازما واقعيا لذلك النفى فان الاحكام الظاهرية انما يثبت بمقدار مدلول ادلتها ولا يتعدى الى ازيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت إلّا ان يكون الحكم الظاهرى الثابت بالاصل موضوعا لذلك الحكم الآخر كما ذكره قدس‌سره فى مثال براءة الذمة عن الدين والحج وسيجىء توضيح ذلك فى باب تعارض الاستصحابين.

٢٨٨

نعم لو لم يكن العلم الاجمالى فى المقام مما يضر طرحه لزم العمل بهما كما تقدم انه احد الوجهين فيما اذا دار الامر بين الوجوب والتحريم وكيف كان فسقوط العمل بالاصل فى المقام لاجل المعارض ولا اختصاص لهذا الشرط باصل البراءة بل يجرى فى غيره من الاصول والادلة ولعل مقصود صاحب الوافية ذلك وقد عبر هو قده فى باب الاستصحاب بعدم المعارض واما اصالة عدم بلوغ الماء الملاقى للنجاسة كرا فقد عرفت انه لا مانع من استلزام جريانها الحكم بنجاسة الملاقى فانه نظير اصالة البراءة من الدين المستلزم لوجوب الحج وقد فرق بينهما المحقق القمى ره حيث اعترف بانه لا مانع من اجراء البراءة فى الدين وان استلزم وجوب الحج ولم يحكم بنجاسة الماء مع جريان اصالة عدم الكرية جمعا بينها وبين اصالة طهارة الماء ولم يعرف وجه فرق بينهما اصلا.

(وان اريد باعمال الاصل) فى احدهما مجرد نفيه دون الاثبات فهو جار إلّا انه معارض بجريانه فى الآخر فاللازم اما اجراء الاصل فيهما فيلزم طرح ذلك العلم الاجمالى لاجل العمل بالاصل واما اهماله فيهما وهو المطلوب كما ذهب اليه المشهور بل الاجماع كما فى خصوص مسئلة الإناءين حيث امر الامام عليه‌السلام باحراقهما فى الرواية والاجتناب عنهما مضافا الى وجود العلم الاجمالى المانع من جريان الاصل مع معارضته بمثله واما اعمال احدهما بالخصوص فترجيح بلا مرجح.

(نعم) لو لم يكن العلم الاجمالى فى المقام مما يضر طرحه لزم العمل بهما كما تقدم انه احد الوجهين فيما اذا دار الامر بين الوجوب والتحريم اذا تقدم فى مبحث القطع ان المحرم هو المخالفة القطعية العملية للخطابات المعلومة واما

٢٨٩

المخالفة الالتزامية فغير ضائر لانها ليست مخالفة من حيث العمل لانه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب او الترك الموافق للحرمة فلا قطع بالمخالفة الا من حيث الالتزام باباحة الفعل هذا اذا كان الواجب توصليا واما اذا كان تعبديا فلا يجوز للزوم المخالفة القطعية كما صرح به قدس‌سره فى مبحث القطع.

(وكيف كان) فسقوط العمل بالاصل فى المقام لاجل المعارض ولا اختصاص لهذا الشرط باصل البراءة لما عرفت من صراحة كلام الفاضل التونى فى عدم اختصاص الشرط المزبور وهو عدم المعارض باصل البراءة بل يجرى فى جميع الاصول النافية والادلة ولعل مقصود صاحب الوافية ايضا ذلك اى عدم اختصاص الشرط المذكور باصل البراءة وفى المحكى انه قد عبّر قده فى باب الاستصحاب بعدم المعارض.

(ثم) انه لو كان مراد الفاضل منه عدم المعارض فلا بد من اجرائه فى المثال الثانى من ادعاء معارضة استصحاب عدم الكرية باستصحاب عدم نجاسة الماء او باستصحاب طهارته وكذا فى مثال الحج لا بد من ادعاء التعارض بين اصل البراءة من وجوب الدين وبين اصل البراءة من وجوب الحج اغماضا عن تقدم الاستصحاب فى الشك السببى على الاستصحاب فى الشك المسببى على خلاف التحقيق الذى يظهر من المصنف فى محله.

(واما اصالة) عدم بلوغ الماء الملاقى للنجاسة كرا فقد عرفت انه لا مانع من استلزام جريانها الحكم بنجاسة الملاقى فانه نظير اصالة البراءة من الدين المستلزم لوجوب الحج وقد فرّق بينهما المحقق القمى ره حيث اعترف بانه لا مانع من اجراء البراءة فى الدين وان استلزم وجوب الحج ولم يحكم بنجاسة الماء مع جريان اصالة عدم الكرية جمعا بينها وبين اصالة طهارة الماء. (ولم يعرف) وجه فرق بينهما اصلا لان مسلكه فى تعارض الاصلين

٢٩٠

فى مورد التنافى الطرح والرجوع الى اصل آخر ولا يلتزم بتحكيم الاصل المزيل على المزال فاصالة عدم الكرية معارضة باصالة طهارة الماء والملاقى وبعد التعارض يرجع الى قاعدة الطهارة إلّا ان هذا المعنى موجود ايضا فى اصالة البراءة من الدين حيث انها معارضة باصالة عدم وجوب الحج فلا معنى للفرق بينهما حيث يعمل بالاصل فى الثانى دون الاول.

٢٩١

(ثم) ان مورد الشك فى البلوغ كرا الماء المسبوق بعدم الكرية واما المسبوق بالكرية فالشك فى نقصانه من الكرية والاصل هنا بقائها ولو لم يكن مسبوقا بحال ففى الرجوع الى طهارة الماء للشك فى كون ملاقاته مؤثرة فى الانفعال فالشك فى رافعيتها للطهارة او الى النجاسة لان الملاقاة مقتضية للنجاسة والكرية مانعة عنها بمقتضى قوله عليه‌السلام اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء ونحوه مما دل على سببية الكرية لعدم الانفعال المستلزمة لكونها مانعة عنه والشك فى المانع فى حكم العلم بعدمه وجهان واما اصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة فهو فى نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتى يجرى فيه الاصل نعم نفس الكرية حادثة فاذا شك (اقول) ان الصور المتصورة ثلاثة الاولى ان مورد الشك فى البلوغ كرا الماء المسبوق بعدم الكرية وقد عرفت انه لا مانع من استلزام جريان اصالة عدم بلوغ الماء كرا الحكم بنجاسة الملاقى الثانية الماء المسبوق بالكرية فمقتضى الشك فى نقصانه من الكرية ان الاصل بقائها الثالثة هى ما لم يكن مسبوقا بحال اما لفرض وجوده دفعة واما للجهل بحالته السابقة وفيها وجهان.

(احدهما) الحكم بالطهارة للشك فى كون الملاقاة مؤثرة فى الانفعال فيرجع الى قاعدة الطهارة.

(ثانيهما) الحكم بالنجاسة لكون الملاقاة مقتضية للنجاسة والكرية مانعة عنها بمقتضى قوله عليه‌السلام اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء حيث انه يستفاد منه كون الكرية سببا لعدم النجاسة ولا معنى للمانع الا ما يكون وجوده سببا لعدم شيء.

(واما اصالة عدم تقدم الكرية) على الملاقاة فهو فى نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتى يجرى فيه الاصل لعدم العلم بعدم وجوده فى

٢٩٢

فى تحققها حين الملاقاة حكم باصالة عدمها وهذا معنى عدم تقدم الكرية على الملاقاة لكن هنا اصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرية وهو معنى عدم تقدم الملاقاة على الكرية فيتعارضان فلا وجه لما ذكره من الاصل وقد يفصل فيها بين ما كان تاريخ واحد من الكرية والملاقاة معلوما فانه يحكم باصالة تأخر المجهول بمعنى عدم ثبوته فى زمان يشك فى ثبوته فيه فيلحقه حكمه من الطهارة والنجاسة وقد يجهل التاريخان بالكلية وقضية الاصل فى ذلك التقارن ومرجعه الى نفى وقوع كل منهما فى زمان يحتمل عدم وقوعه فيه وهو مقتضى ورود النجاسة على ما هو كر حال الملاقاة فلا يتنجس به انتهى.

السابق مقدما فى زمان لاحتمال كون وجوده فى السابق مقدما او مقارنا او مؤخرا وفى المحكى انه صرح بهذا السيد الصدر فى شرح الوافية وصاحب الفصول ايضا.

(نعم) نفس الكرية حادثة فاذا شك فى تحققها حين الملاقاة حكم باصالة عدمها وهذا معنى عدم تقدم الكرية على الملاقاة لكن هنا اصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرية وهو معنى عدم تقدم الملاقاة على الكرية فيتعارضان فلا وجه لما ذكره من الاصل.

(وقد يفصل فيها بين ما كان تاريخ واحد من الكرية والملاقاة معلوما) اقول ان المفصل هو صاحب الفصول تبعا لما عن ثانى الشهيدين قيل قد سبقه فى ذلك العلامة الطباطبائى ره فى منظومته الفقهية فى مسئلة الشك فى تقدم كل من الطهارة والحدث على الآخر مع العلم بحدوثهما.

(ملخص التفصيل) اذا كان تاريخ واحد من الكرية والملاقاة معلوما فيحكم باصالة تأخر المجهول بمعنى عدم ثبوته فى زمان يشك فى ثبوته فيه فيلحقه حكمه من الطهارة والنجاسة الاول وهو الحكم بالطهارة فيما اذا كان

٢٩٣

وفيه ان تقارن ورود النجاسة والكرية موجب لانفعال الماء لان الكرية مانعة عن الانفعال بما يلاقيه بعد الكرية على ما هو مقتضى قوله عليه‌السلام اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شىء فان الضمير المنصوب راجع الى الكر المفروض الكرية فاذا حصلت الكرية حال الملاقاة كان المعروض للملاقاة غير كر فهو نظير ما اذا حصلت الكرية بنفس الملاقاة فيما اذا تمم الماء الطاهر كرا بماء نجس والحكم فيه النجاسة إلّا ان ظاهر المشهور فيما نحن فيه الحكم بالطهارة بل ادعى المرتضى قده عليه الاجماع حيث استدل بالاجماع على طهارة كر رأى فيه النجاسة لم يعلم تقدم وقوعها على الكرية زمان الملاقاة مجهولا وزمان الكرية معلوما فيقال الاصل عدم حدوث الملاقاة قبل الكرية وفى زمانها والثانى وهو الحكم بالنجاسة فيما اذا كان زمان الكرية مجهولا وزمان الملاقاة معلوما فيقال الاصل عدم حدوث الكرية قبل الملاقاة وحين الملاقاة ولا يخفى ان ترتب النجاسة على الاصل الثانى صحيح واما ترتب الطهارة على الاصل الاول فلا يتم الاعلى الاصل المثبت وهو غير مرضى عند صاحب الفصول ايضا (وقد يجهل) التاريخان بالكلية وقضية الاصل فى ذلك التقارن فيما اذا احتمل التقارن كما فى المثال ومرجعه الى نفى وقوع كل منهما فى زمان يحتمل عدم وقوعه فيه وهو يقتضى ورود النجاسة على ما هو كرّ حال الملاقاة فلا يتنجس به انتهى.

(قوله وفيه ان تقارن ورود النجاسة الخ) ويرد على صاحب الفصول ان التقارن امر وجودى عند العرف وليس امرا عدميا فاذا كان وجوديا لا يمكن اثباته بالاصل بناء على مذهبه من عدم حجية الاصل المثبت وكون وجهه هو تعارض الاصل فى طرف الثابت والمثبت على ما سيجىء نقله منه فى كلام المصنف فى باب الاستصحاب.

٢٩٤

على كفاية تتميم النجس كرا فى زوال نجاسته ورده الفاضلان وغيرهما بان الحكم بالطهارة هنا لاجل الشك فى ثبوت النجس لان الشك مرجعه الى الشك فى كون الملاقاة مؤثرة بوقوعها قبل الكرية او غير مؤثرة لكنه يشكل بناء على ان الملاقاة سبب للانفعال والكرية مانعة فاذا علم بوقوع السبب فى زمان ولم يعلم فيه وجود المانع وجب الحكم بالمسبب إلّا ان الاكتفاء بوجود السبب من دون احراز عدم المانع ولو بالاصل محل تأمل فتأمل.

(نعم) على مذهب المصنف قدس‌سره من قصور اخبار الباب فى اثبات حجية الاصل المثبت وحجية بعض الاصول المثبتة من جهة خفاء الواسطة على ما سيجىء من استثناء مثل الواسطة المزبورة يمكن ترتب آثار التقارن على مجرى الاصلين بناء على كونه من قبيل ذلك.

(وبتقرير آخر) فيه اولا ان الاصل لا يثبت إلّا اللوازم الشرعية والتقارن ليس منها وثانيا ان تقارن ورود النجاسة والكرية موجب لانفعال الماء لان علة الحكم بعدم الانفعال انما هو الكرية فلا بد من حصولها اولا لكى يترتب عليه المعلول.

(ويؤيده) ما عن المشهور من الحكم بالنجاسة فى مسئلة تتميم الماء كرا بماء نجس واستدل من ذهب فيها الى الطهارة بان استصحاب طهارة المتمم بالفتح يقتضى طهارة الجميع فان الماء الواحد غير قابل للحكم بالطهارة والنجاسة على وجه التبعيض واستصحاب نجاسة الماء المتمم بالكسر بعد ضم هذه المقدمة يقتضى النجاسة وبعد التعارض يكون المرجع قاعدة الطهارة فتدبر.

(قوله حيث استدل بالاجماع على طهارة الخ) يحتمل ان يكون نظره وجود مناط الحكم بالطهارة فى المسألة فان مناط الحكم بالطهارة فى كرّ رأى

٢٩٥

فيه النجاسة هو تعارض اصالتى عدم تقدّم الكرية وعدم تقدم الملاقاة وعدم ثبوت دليل على النجاسة فحينئذ يرجع الى قاعدة الطهارة وهذا المناط بعينه موجود فى مسئلة المتمم والمتمم اذ فيها ايضا تعارض استصحابى طهارة المتمم ونجاسة المتمم بعد ملاحظة الاجماع على اتحاد حكم الماءين الممتزجين قوله على كفاية تتميم النجس متعلق بالاستدلال.

(لكن المتأمل) فى مذاق الشرع وطريق الفقاهة يقطع بعدمه ولذا ذهب غير واحد منهم الى القول بالنجاسة كما هو خيرة الشرائع والمعتبر والتحرير والمنتهى والمختلف والقواعد والذكرى وكشف اللثام وجواهر الكلام وغيرها من كتب الاعلام تمسكا فى ذلك بالاستصحاب واطلاق كثير من ادلة الماء القليل الشاملة لصورة الاتمام بكرّ وغير ذلك مما هو مذكور فى الفقه كما اشار قدس‌سره الى ذلك بقوله.

(ورده الفاضلان وغيرهما) مقصودهم ابداء الفرق بين المسألتين بان الشك فى المقام فى وجود سبب التنجس وفى مسئلة المتمم فى وجود سبب التطهر وان استشكله الشيخ قده فى الكتاب بقوله ولكنه يشكل بناء على ان الملاقاة سبب الخ مقصوده من الاستشكال وجود المقتضى وعدم العلم بالمانع وعدم العلم بالمانع يكفى فى الحكم بعدمه فلا بدّ من الحكم بالنجاسة فى المسألتين وان تأمل فى الاستشكال من حيث عدم الجزم بكفاية مجرد وجود السبب مع الشك فى المانع من دون احراز عدمه ولو بالاصل فى الحكم بوجود المسبب بقوله إلّا ان الاكتفاء بوجود السبب الخ وغرضه من الاستثناء ان عدم العلم بالمانع لا يكفى فى الحكم بعدمه ما لم يحرز العدم بالاصل فيكون الحكم بالنجاسة محل تامل فى المسألتين مع عدم ثبوت الاجماع فى مسئلتنا هذه.

(قوله فتأمل) قال بعض الاعلام ان وجه التأمل على تقدير كون المقصود من الاستثناء بقوله إلّا ان الاكتفاء لزوم احراز المانع باصالة عدم الكرية ولا يكفى

٢٩٦

عدم العلم به هو انه لا يجرى الاصل المذكور لمكان المعارضة على ما ذكره سابقا بقوله فيتعارضان.

(قيل) لعلّ وجهه ان عدم العلم بالمانع فى حكم العلم بعدمه لبناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال المانع مع احراز المقتضى فلا يحتاج الى احرازه ولو بالاصل ويمكن ان يكون اشارة الى انه مع فرض الجهل بالتاريخين اذا حكم بالتعارض والتساقط كما هو المشهور بل هو صريح الكتاب ايضا لا يمكن احراز عدم المانع بالاصل.

٢٩٧

(الثانى) ان لا يتضرر باعمالها مسلم كما لو فتح انسان قفس طائر فطار او حبس شاة فمات ولدها او امسك رجلا فهرب دابته فان اعمال البراءة فيها يوجب تضرر المالك فيحتمل اندراجه تحت قاعدة الاتلاف وعموم قوله (ع) لا ضرر ولا ضرار فان المراد نفى الضرر من غير جبران بحسب الشرع وإلّا فالضرر غير منفى فلا علم ح ولا ظن بان الواقعة غير منصوصة فلا يتحقق شرط التمسك بالاصل من فقدان النص بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعى بالضار ولكن لا يعلم انه مجرد التغرير او الضمان او هما معا فينبغى له تحصيل العلم بالبراءة ولا بالصلح (اقول) ان الفاضل التونى على ما صرح به الشيخ قدس‌سره فيما تقدم قد ذكر شروطا لاصل البراءة لا شرطين ولم يتعرض قده للشرط الثالث الا فى ذيل الثانى حيث قال بعد الفراغ عن الشرط الثانى ما لفظه كما لا وجه لما ذكره من تخصيص مجرى الاصل بما اذا لم يكن جزء عبادة بناء على ان المثبت لاجزاء العبادة هو النص.

(وكيف كان) قد اورد على هذا الشرط الثانى غير واحد بان البراءة وان لم تكن جارية فى موارد جريان قاعدة لا ضرر إلّا انه لا ينبغى عدّه من شرائط جريانها فان القاعدة المزبورة تتقدم على اقوى الامارات فكيف بالاصول العملية ولا سيما اصل البراءة الذى هو فى مرتبة متأخرة عن الاستصحاب وان لم يكن المورد مندرجا فى القاعدة فلا ينبغى الشك فى جريان البراءة فيه كغيره من الاصول العملية والادلة الاجتهادية.

(ولكن الظاهر) على ما تعرض له بعض الاعلام ان كلام الفاضل المذكور اجنبى عن ذلك بل هو ناظر الى ما ذكر فى اول مبحث البراءة من ان حديث الرفع وارد فى مقام الامتنان والارفاق فلا بد فى جريانه ان لا يكون فيه

٢٩٨

ويرد عليه انه ان كانت قاعدة نفى الضرر معتبرة فى مورد الاصل كانت دليلا كسائر الادلة الاجتهادية الحاكمة على البراءة وإلّا فلا معنى للتوقف فى الواقعة وترك العمل بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة فى قاعدة الاتلاف او الضرر لا يوجب رفع اليد عن الاصل والمعلوم تعلقه بالضار فيما نحن فيه هو الاثم والتغرير ان كان متعمدا وإلّا فلا يعلم وجوب شىء عليه فلا وجه لوجوب تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح وبالجملة فلا يعلم وجه صحيح لما ذكره فى خصوص ادلة الضرر كما لا وجه لما ذكره من تخصيص مجرى الاصل بما اذا لم يكن جزء عبادة بناء على ان المثبت لاجزاء العبادة هو النص فان النص قد يصير مجملا وقد لا يكون نص فى المسألة فان قلنا بجريان الاصل وعدم العبرة بالعلم بثبوت التكليف المردد بين الاقل والاكثر فلا مانع عنه وإلّا فلا مقتضى له وقد قدمنا ما عندنا فى المسألة مخالفة الامتنان ولو على بعض الامة فلو لزم من جريانه تضرر مسلم او من بحكمه لا يحكم به ولا يشمله الحديث ولذا ان حديث الرفع لا يقيد به اطلاق قوله عليه‌السلام من اتلف مال الغير فهو له ضامن بخلاف بقية الادلة فهو وان شمل رفع الكفارة فى ما اذا تحقق سببها عن خطاء او نسيان إلّا انه لا يشمل رفع الضمان لو تحقق اتلاف مال الغير عن خطاء او نسيان وعلى ذلك فما افاده متين لا يرد عليه شىء.

(وعلى كل حال) فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار كما سيأتى احتمالات كثيرة من جملتها ان يكون المراد هو نفى الضرر الذى لم يحكم الشرع بجبرانه وتداركه فيكون هو من ادلة الضمان نظير قوله من اتلف مال الغير فهو له ضامن وكلام الفاضل التونى مبنى على هذا المعنى فيصير محصل كلامه

٢٩٩

انه لا تجرى البراءة فى الامثلة المذكورة وذلك لامرين.

(احدهما) انها مما توجب الضرر على المالك فيحتمل اندراج المورد تحت قاعدتى الاتلاف والضرر فيكون مما فيه نص لا مما لا نص فيه كى تجرى فيه البراءة.

(ثانيهما) انه يعلم اجمالا بتعلق حكم شرعى بالضار ولكن لا يعلم انه مجرد التغرير او الضمان او هما معا ومع هذا العلم الاجمالى لا تجرى البراءة فيجب تحصيل العلم ببراءة الذمة ولو بالصلح.

(وقد اورد الشيخ قدس‌سره) على الامر الاول بقوله ويرد عليه انه ان كانت قاعدة نفى الضرر معتبرة فى مورد الاصل كانت دليلا كسائر الادلة الاجتهادية الحاكمة على البراءة وإلّا فلا معنى للتوقف فى الواقعة وترك العمل بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة فى قاعدة الاتلاف او الضرر لا يوجب رفع اليد عن الاصل.

(حاصله) ان قاعدة الضرر ان كانت معتبرة فى المقام فلكونها من الادلة الاجتهادية تكون حاكمة على البراءة ولا وجه لاختصاص مساق الشرط بخصوصها بل كل دليل اجتهادى يوجب سقوط الاصل وان لم تكن معتبرة فلا وجه لترك العمل بالبراءة وكون المقام من الشك فى المكلف به بمحل المنع لانحلاله الى العلم التفصيلى والشك البدوى فالمرجع فيه هو البراءة.

(وقد اورد قده) على الامر الثانى بقوله والمعلوم تعلقه بالضار فيما نحن فيه هو الاثم والتغرير ان كان متعمدا وإلّا فلا يعلم وجوب شيء عليه فلا وجه لوجوب تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح.

(قوله كما لا وجه لما ذكره من تخصيص مجرى الاصل الخ) اشارة الى الشرط الثالث الذى ذكره الفاضل التونى اقول يحتمل ان يكون نظر الفاضل من هذا الشرط الثالث الى ان اصل البراءة اذا جرت عن الجزء المشكوك فيتعين بها

٣٠٠