درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

ونحوهما بانفسها بيان الملازمة عدم الفرق بين المقدمات المتصلة والمنفصلة كالمشى الى الحج قبل الموسم فى جريان الدليل الذى ذكره فيهما.

(ومنها) انه يلزم عليه ترتب العقاب على ترك الارادة دون سائر المقدمات لتبعيتها لها والتزامه مشكل كما لا يخفى.

(ومنها) انه يلزم اختصاص الثواب ايضا بالمقدمات لعدم الفرق بينه وبين العقاب فى اعتبار الترتب على الفعل الاختيارى مع انه مترتب على فعل نفس الواجب ضرورة الى غير ذلك من المحاذير التى تعرض لها بعض المحشين فراجع. (والحاصل) انهم اختلفوا فى ان ترتب العقاب على المقدمة سواء كان من حيث المقدمية ام من حيث اداء تركها الى ترك ذيها هل هو تنجيزى غير مراعى بشيء او تعليقى مراعى بوصول زمان ذى المقدمة وتركه فيه.

(وفى المحكى) قد ذهب الى الاول شريف العلماء ومن حذا حذوه من غير فرق بين صورة حصول العلم بترك ذى المقدمة مع تركها وبين صورة الظن او الشك فيه ومن غير فرق بين كون ترك ذى المقدمة حقيقيا او حكميا. (والنسبة بينهما) العموم من وجه لاجتماعهما فى ترك المقدمة وترك ذيها معا وافتراقهما فيما لو ترك الحج بعد المشى والوصول وما لو ترك المشى اليه فى زمان خروج الرفقة ثم وصل اليه على طريق خرق العادة كطى الارض ونحوه واستندوا فيه الى بناء العقلاء وحكم العقل وذهب آخرون الى الثانى.

٢٠١

(ونظيره) من ترك قطع المسافة فى آخر ازمنة الامكان حيث انه يستحق ان يعاقب عليه لافضائه الى ترك افعال الحج فى ايامها ولا يتوقف استحقاق عقابه على حضور ايام الحج وافعاله وحينئذ فان اراد المشهور توجه النهى الى الغافل حين غفلته فلا ريب فى قبحه وان ارادوا استحقاق العقاب على المخالفة وان لم يتوجه اليه نهى وقت المخالفة فان ارادوا ان الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة لا قبلها لعدم تحقق معصية ففيه انه لا وجه لترقب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لاجل ترك المقدمة مضافا الى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلّا بعد مدة مديدة بمجرد الرمى وان ارادوا استحقاق العقاب فى زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة فهو حسن لا محيص عنه هذا.

(اقول) ان وجوب تعلم الاحكام الشرعية مما لا ريب فيه ولكن قد وقع الاشكال فى انه طريقى لا يترتب العقاب عند تركه الاعلى مخالفة الواقع على تقدير وجوده كما ذهب اليه المشهور او انه نفسى والعقاب على تركه ولو لم يصادف الواقع كما ذهب اليه صاحب المدارك تبعا للمحقق الاردبيلى قدس‌سرهما وقد مال اليه صاحب الكفاية ره ايضا فى آخر كلامه.

(وقال المحقق النائينى) بعد البحث عن وجوب التعلم والاحتياط تفصيلا وبما ذكرنا ظهر ضعف ما ينسب الى المدارك من كون العقاب على نفس ترك التعلم فان المستتبع للعقاب انما هو ترك الواجب النفسى لا ترك الواجب الطريقى ويتلو ذلك فى الضعف ما ينسب الى المشهور من كون العقاب على ترك الواقع لا على ترك التعلم فان العقاب على الواقع المجهول قبيح وايجاب التعلم

٢٠٢

ولكن بعض كلماتهم ظاهر فى الوجه الاول وهو توجه النهى الى الجاهل حين عدم التفاته فانهم يحكمون بفساد الصلاة فى المغصوب جاهلا بالحكم لان الجاهل كالعامد وان التحريم لا يتوقف على العلم به ولو لا توجه النهى اليه حين المخالفة لم يكن وجه لبطلان الصلاة بل كان كناسى الغصبية والاعتذار عن ذلك بانه يكفى فى البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض فى الواقع ومعاقب عليه ولو لم يكن منهيا عنه بالفعل مدفوع مضافا الى عدم صحته فى نفسه بانهم صرحوا بصحة صلاة من توسط ارضا مغصوبة فى حال الخروج عنها لعدم النهى عنه وان كان آثما بالخروج إلّا ان يفرق بين المتوسط للارض المغصوبة وبين الغافل بتحقق المبغوضية فى الغافل وامكان تعلق الكراهة الواقعية بالفعل المغفول عن حرمته مع بقاء الحكم الواقعى بالنسبة اليه لبقاء الاختيار فيه وعدم ترخيص الشارع للفعل فى مرحلة الظاهر بخلاف المتوسط فانه يقبح منه تعلق الكراهة الواقعية بالخروج كالطلب الفعلى لتركه لعدم التمكن من ترك الغصب.

لا يخرجه عن الجهالة فالاقوى ان يكون العقاب على ترك التعلم المؤدّى الى ترك الواقع لا على ترك التعلم وان لم يؤد الى ذلك لينافى وجوبه الطريقى ولا على ترك الواقع لينافى جهالته انتهى.

(وكيف كان ان الظاهر) هو الاول اذ لا دليل على كونه نفسيا الّا ما يتوهم من كونه مقتضى ظهور الاوامر المتعلقة بالتعلم ولكن الظاهر منها كون التعلم مقدمة للعمل كما هو صريح الرواية المتقدمة الواردة فى تفسير قوله عزّ شأنه (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) من انه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فان قال نعم قيل فهلّا عملت وان قال لا قيل له هلّا تعلمت حتى تعمل فالمستفاد من هذه

٢٠٣

الرواية انه لو ترك التعلم ولم يتحقق مخالفة الواقع احيانا لا يستحق العقاب الا من جهة التجرى وفى المقام بحث طويل لا يسعه هذا المختصر.

(فتبين مما ذكرنا كله) ان اقوى الوجوه فى المسألة هو ما نسب الى المشهور من كون العقاب على ترك الواقع محضا وان كان مغفولا عنه حين المخالفة وكان خارجا عن تحت الاختيار ولكنه بالاخرة منتهى الى الاختيار وهو ترك التعلم عمدا حينما التفت الى تكاليف فى الشريعة كما هو الحال فى كل مسبب توليدى خارج عن تحت الاختيار اذا كان منتهيا الى امر اختيارى وان اضعف الوجوه هو ما نسب الى المدارك من كون العقاب على نفس ترك التعلم والفحص مطلقا وان لم يؤد الى ترك الواقع فانه مبنى على كون التعلم واجبا نفسيا تهيئيا كما ان أردأ الوجوه هو القول بكون العقاب على ترك التعلم والفحص المؤدى الى ترك الواقع اذ هو مبنى على جعل الامر بتحصيل العلم طريقيا ولو باعتبار لازمه الذى هو ايجاب الاحتياط والنهى عن مخالفة التكاليف الواقعية المحتملة مع الالتزام ايضا بكونه فى فرض المطابقة للواقع ايجابا نفسيا متعلقا بذات العمل فى طول الايجاب الواقعى المتعلق به ليكون العقاب على مخالفة نفسه وهو كما ترى.

(وكيف كان) قال الشيخ قدس‌سره انه يمكن توجيه كلام صاحب المدارك بارادة استحقاق عقاب ذى المقدمة حين ترك المقدمة فان من شرب العصير العنبى غير ملتفت حين الشرب الى احتمال كونه حراما قبح توجه النهى اليه فى هذا الزمان لغفلته وانما يعاقب على النهى الموجه اليه قبل ذلك حين التفت الى ان فى الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها الا بعد معرفتها فاذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث افضائه الى مخالفة تلك التكاليف ففى زمان الارتكاب لا تكليف لانقطاع التكليف حين ترك المقدمة وهى المعرفة. (ونظيره من ترك قطع المسافة) فى آخر ازمنة الامكان حيث

٢٠٤

انه يستحق ان يعاقب عليه لافضائه الى ترك افعال الحج فى ايامها ولا يتوقف استحقاق عقابه على حضور ايام الحج وافعاله وعلى هذا التوجيه.

(ان اراد المشهور) توجه النهى الى الغافل حين غفلته فلا ريب فى قبحه لحكم العقل والنقل بقبح تكليف الغافل وانه تكليف بما لا يطاق الّا ان يمنع من ذلك بما ذكروا من ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار بل يؤكده فتأمل.

(وان ارادوا) استحقاق العقاب على المخالفة وان لم يتوجه اليه نهى وقت المخالفة فان ارادوا ان الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة لا قبلها لعدم تحقق معصية ففيه انه لا وجه لترقب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لاجل ترك المقدمة مضافا الى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلّا بعد مدة مديدة بمجرد الرمى وان ارادوا استحقاق العقاب فى زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة فهو حسن لا محيص عنه وان اراد صاحب المدارك هذا المعنى الاخير فيكون موافقا للمشهور (ولكن يبعد) حمل كلامه عليه بل يمكن ادعاء صراحة كلامه فى خلاف هذا المعنى لانه ره فى مقام رد المشهور القائلين بان الجاهل عامد قال بان قولهم هذا على تقدير ارادتهم منه العقاب غير صحيح لاستلزامه القول بتكليف الجاهل بالواقع حتى يكون مخالفته موجبة للعقاب مع ان التكليف بما لا يطاق قبيح عند العقل نعم يكون الالتزام بالعقاب من جهة ترك التعلم لا من جهة ترك الواقع فتأمل جيدا.

(ولكن بعض كلماتهم ظاهر فى الاول) يعنى كلمات المشهور وان كانت محتملة لكل من الوجوه الثلاثة المذكورة إلّا ان الظاهر من كلام اكثرهم هو الوجه الاول وهو توجه النهى الى الجاهل حين عدم التفاته ويشهد بذلك امور.

٢٠٥

(الاول) انهم يحكمون بفساد الصلاة فى المغصوب جاهلا بالحكم معللا بان الجاهل كالعامد وان التحريم لا يتوقف على العلم به ولو لا توجه النهى اليه حين المخالفة لم يكن وجه لبطلان الصلاة بل كان كناسى الغصبية يعنى فى صحة الصلاة.

(الثانى) استدلالهم بان الجاهل المقصر يعلم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فى الشريعة فلا يكون معذورا وقد صرح العلامة فيما عرفته من نقل صاحب المدارك بنفى كون العلم التفصيلى شرطا فى التكليف للزوم الدور كما ذكره فى المنتهى والتحرير.

(الثالث) انهم لم يفرقوا فى كون الجاهل المقصر مكلفا بالواقع ومعاقبا على تركه بين الواجبات المطلقة المحققة شرائطها والواجبات الموقتة بالبيان المذكور فى المتن فيما يأتى عن قريب.

(والاعتذار) عن بطلان الصلاة بانه يكفى فى البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض فى الواقع ومعاقب عليه ولو لم يكن منهيا عنه بالفعل من جهة جهل المكلف بالحكم.

(مدفوع) مضافا الى عدم صحته فى نفسه اى اجتماع الصلاة المأمور بها مع كونها مبغوضة فى الواقع ولو من دون تعلق النهى اليها لان محل النزاع فى باب اجتماع الامر والنهى هو كون الامر والنهى فعليين ولو كان كلاهما شأنيين او احدهما فعليا والآخر شأنيا لم يتحقق التضاد بانهم صرحوا بصحة صلاة الجاهل بالغصب والمتوسط فى الارض المغصوبة فى حال الخروج عنها لعدم النهى عنه وان كان آثما بالخروج من جهة وجود جهة النهى فيه وكون اصل الدخول باختياره وتفويته التكليف عليه ولا يرتفع إلّا بارتفاع الغصب لا للنهى الفعلى لعدم امكان اجتماع الامر والنهى الفعليين. (وفى المحكى) ان المحقق القمى فى القوانين ذكر فيما لا يمكن

٢٠٦

الانفكاك عن احد الطرفين من الامر والنهى مثل من دخل دار غيره غصبا اقوالا الاول انه مأمور بالخروج وليس منهيا عنه ولا معصية فى الخروج والثانى انه عاص لكن لم يتعلق به النهى عن الخروج والثالث انه مأمور به ومنهى عنه ايضا ويحصل العصيان بالفعل والترك كليهما وهو مذهب ابى هاشم واكثر افاضل متأخرينا بل هو ظاهر الفقهاء ثم قال ره وهو اقرب انتهى.

(قوله إلّا ان يفرق بين المتوسط للارض المغصوبة وبين الغافل الخ) حاصل الفرق بينهما تحقق المبغوضية فى الغافل وامكان تعلق الكراهة الواقعية بالفعل المغفول عن حرمته مع بقاء الحكم الواقعى بالنسبة اليه لبقاء الاختيار فيه لان الجهل بالحكم لا ينافى اختيار المكلف فى موضوعه وهو الغصب وعدم ترخيص الشارع للفعل فى مرحلة الظاهر لعدم قابليته للخطاب اصلا ترخيصا ومنعا بخلاف المتوسط فانه يقبح منه تعلق الكراهة الواقعية بالخروج كالطلب الفعلى لتركه فليس فيه إلّا الطلب الفعلى بخروجه ففيه ترخيص للفعل بخلاف الغافل فظهر الفرق بينهما.

٢٠٧

ومما ذكرنا من عدم الترخيص يظهر الفرق بين جاهل الحكم وجاهل الموضوع المحكوم بصحة عبادته مع الغصب وان فرض فيه الحرمة الواقعية نعم يبقى الاشكال فى ناسى الحكم خصوصا المقصر وللتأمل فى حكم عبادته مجال بل تأمل بعضهم فى ناسى الموضوع لعدم الترخيص الشرعى من جهة الغفلة فافهم ومما يؤيد ارادة المشهور للوجه الاول دون الاخير انه يلزم ح عدم العقاب فى التكاليف الموقتة التى لا تنجز على المكلف الا بعد دخول اوقاتها فاذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج والمفروض انه لا تكليف قبلها فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا اما حين الالتفات الى امتثال تكليف الحج فلعدم التكليف به لفقد الاستطاعة واما بعد الاستطاعة فلفقد الالتفات وخصوص الغفلة وكذلك الصلاة والصيام بالنسبة الى اوقاتها ومن هنا قد يلتجئ الى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك ومن تبعه من ان العلم واجب نفسى والعقاب على تركه من حيث هو لا من حيث افضائه الى المعصية اعنى ترك الواجبات وفعل المحرمات المجهولة تفصيلا.

(يعنى) من عدم ترخيص الشارع للفعل فى مرحلة الظاهر بالنسبة الى الغافل يظهر الفرق بين جاهل الحكم وجاهل الموضوع لوجود الترخيص فى الجاهل بالغصب الشاك فيه لاجل اصالة البراءة التى تجرى فى الشبهات الموضوعية مع عدم الفحص بخلاف الجاهل بالحكم لعدم جريانها فى الشبهة الحكمية الا بعد الفحص اجماعا.

(وبعبارة اخرى) ان الجاهل بالموضوع لا يجب عليه الفحص فى احراز الموضوع والكراهة الواقعية لا تضر مع الترخيص الظاهرى فالصحة وعدم العقاب مستندان الى الترخيص الظاهرى كما ان الصحة وعدم العقاب بالنسبة الى الغافل عن الموضوع مستندان الى قبح التكليف الفعلى بالاحتراز لاجل الغفلة

٢٠٨

(وما دل بظاهره) من الادلة المتقدمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة محمول على بيان الحكمة فى وجوبه وان الحكمة فى ايجابه لنفسه صيرورة المكلف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرمات حتى لا يفوته منفعة التكليف بها ولا يناله مضرة اهماله عنها فانه قد يكون الحكمة فى وجوب الشيء لنفسه صيرورة المكلف قابلا للخطاب بل الحكمة الظاهرة فى الارشاد وتبليغ الانبياء والحجج ليس إلّا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف لكن الانصاف ظهور ادلة وجوب العلم فى كونه واجبا غير يا مضافا الى ما عرفت من الاخبار فى الوجه الثالث الظاهرة فى المؤاخذة على نفس المخالفة ويمكن ان يلتزم ح باستحقاق العقاب على ترك تعلم التكاليف الواجب مقدمة وان كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات الى ما يعلمه اجمالا من الواجبات المطلقة والمشروطة لاستقرار بناء العقلاء فى مثال الطومار المتقدم على عدم الفرق فى المذمة على ترك التكاليف المسطورة فيه بين المطلقة والمشروطة فتأمل هذا خلاصة الكلام بالنسبة الى عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة. مع الترخيص الظاهرى. (ثم انهم) قد اتفقوا على القول بصحة عبادة الجاهل بالموضوع مطلقا واما ناسى الموضوع فالمشهور على صحة صلاته وخالف فيه العلامة ره وبعض من تأخر عنه.

(واما جاهل الحكم) فالذى يظهر من كلماتهم التفصيل فى الحكم بالصحة والفساد فيه بين القاصر والمقصّر سواء كان جاهلا بسيطا او مركبا وان كان فى كلام بعضهم اطلاق القول بالفساد ولو مع القصور. (واما ناسى الحكم) فحكمه عندهم حكم الجاهل بالحكم بقسميه

٢٠٩

والوجه فى هذا التفصيل هو بناؤهم فى مسئلة امتناع الاجتماع على كون المزاحم للامر الغير المجامع معه للتضاد هو النهى الواقعى المنجز على المكلف فلو لم يكن هناك نهى واقعا وان كان الفعل مما يعاقب عليه ويكون مبغوضا ويوجد فيه جهة النهى لا يحكم بفساد العبادة ومن هنا حكموا بصحة صلاة المتوسط فى المغصوب فى حال الخروج وبصحة غسل المرتمس فى الماء المغصوب اذا قصده حال اخراج البدن عن الماء الى غير ذلك فيما اذا فرض كونه عاصيا بالغصب لانتفاء النهى واقعا من جهة امتناع الجمع بين فعل الشىء وتركه فيمتنع تعلق الخطاب بهما وان كان السبب سوء اختيار المكلف على ما برهن عليه فى محله فيعاقب على تفويت التكليف الذى تمكن من امتثاله وان خالف فيما ذكر بعض الاعلام على ما تعرض له فى بحر الفوائد.

(قوله نعم يبقى الاشكال الخ) قد اختلفت الاقوال فى ناسى الحكم خصوصا المقصّر بان يكون ترك التحفظ والتعاهد حتى نسى وقد صرح غير واحد من الاصحاب بان ناسى الحكم كجاهله ضرورة كونه بنسيانه يرجع الى الجهل وللتأمل فى حكم عبادته مجال بل تأمل بعضهم فى ناسى الموضوع يعنى فى صحة عبادته لما ذكره من عدم وجود الترخيص فيه لعدم قابليته للخطاب اصلا فكيف تكون صلاته صحيحة مع ان مناط الصحة هو الترخيص ولو فى مرحلة الظاهر وهو غير موجود فيه ولكن قد عرفت ان المشهور على صحة صلاته.

(قوله ومما يؤيد ارادة المشهور للوجه الاول الخ) اقول قد تقدم ان كلمات المشهور كانت محتملة للوجوه الثلاثة المتقدمة ولكن الظاهر من كلام اكثرهم هو الوجه الاول وهو توجه النهى الى الغافل حين غفلته.

(ومما يؤيد) ارادة المشهور للوجه الاول اى توجه النهى الى الغافل حين غفلته دون الاخير وهو كون العقاب على ترك ذى المقدمة لكن حين ترك المقدمة من غير ترقب حضور زمان المخالفة انه يلزم على الوجه الاخير عدم

٢١٠

العقاب فى التكاليف الموقتة التى لا تتنجز على المكلف الا بعد دخول اوقاتها مع انهم يلتزمون باستحقاق العقاب فيها وهو مؤيد لارادة المشهور الوجه الاول وهو توجه النهى الى الغافل حين غفلته.

(وببيان آخر) انه لو لم يرد المشهور التسوية بين العالم والجاهل فى توجه الخطابات اليهما للزم عدم العقاب فى التكاليف المشروطة التى لا تتنجز على المكلف الا بعد حصول شرطها مع ان العقاب ثابت فيها اجماعا والملازمة مذكورة فى المتن.

(وحاصل الاشكال) على تقدير ارادة المشهور الوجه الاخير ان استحقاق العقاب على مخالفة الواقع انما يتم فى التكاليف المطلقة واما التكاليف المشروطة او الموقتة فلا يتم فيهما ذلك اذ الواقع فيهما لم يتنجز على المكلف كى يعاقب عليه لا قبل الشرط والوقت ولا بعدهما اما قبل الشرط والوقت فواضح واما بعدهما فكذلك لاجل الغفلة عنه الناشية عن ترك الفحص والتعلم فكيف يصح العقاب عليه.

(ومن هنا) قد التجأ المحقق الاردبيلى وصاحب المدارك تبعا له الى الالتزام بوجوب التعلم نفسيا فيكون العقاب على تركه من حيث هو لا من حيث افضائه الى ترك الواجبات وفعل المحرمات المجهولة تفصيلا.

(قال صاحب الكفاية) فى حاشيته يمكن ان يقال ان التكاليف الموقتة والمشروطة فى الشريعة يكون التكليف فيها فعليا منجزا بحيث يجب على المكلف تحصيل غير ما علق عليه من مقدماته مما كان باختياره وذلك بان يكون الوقت والشرط من قيود المادة والمأمور به لا من قيود الهيئة والامر.

(وان كان) من قيودها بحسب القواعد العربية حسبما يراه المصنف قدس‌سره فى الواجبات المشروطة حيث بنى على ان الشرط فيها من قيود المادة وليس الواجب الا نحوا واحدا لا نحوين المعلق والمشروط على ما يراه صاحب الفصول

٢١١

فيكون الواجب المشروط عنده هو المعلق عند صاحب الفصول. (لكن لا يخفى) ان ما كان من هذا القبيل انما اخذ فى المأمور به على نحو لا يجب تحصيله كالاستطاعة مثلا حيث ان المطلوب من الحج ما اذا حصل الاستطاعة من باب الاتفاق او حصّلها المكلف بميله ومشتهاه.

(وبالجملة) كانت التفاوت بين القيود فى ذلك من جهة تفاوتها فى كيفية اعتبارها فى المأمور به فحينئذ يستكشف عن اطباقهم على استحقاق الجاهل المقصر فى تعلم المسائل حتى التكاليف المشروطة ان المعرفة لم تؤخذ فيها على نحو لا يجب تحصيلها فلو حصل من جهة التقصير فيها فوت لم يكن معذورا فيها نعم انما يلزم عدم استحقاق العقاب فيها كما افاد قده لو كان الواجب المشروط عند المشهور كما يراه صاحب الفصول فى قبال المعلق بان لا يكون تكليف قبل الشرط اصلا وكان حدوثه بعد حدوثه فليتدبر جيدا.

(وقوله ما دل بظاهره الخ) يعنى ان ما يدل من الآيات وهى آيتا النفر وسؤال اهل الذكر والاخبار مثل قوله عليه‌السلام عليكم بالتفقه فى دين الله ولا تكونوا اعرابا فان من لم يتفقه فى دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة ومثل قوله عليه‌السلام بعد ما سأله السائل هل يسع الناس ترك المسألة عمّا يحتاجون اليه قال لا الى غير ذلك على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة محمول على بيان الحكمة فى وجوبه وان الحكمة فى ايجابه لنفسه صيرورة المكلف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرمات حتى لا يفوته منفعة التكليف بها ولا يناله مضرة اهماله عنها فانه قد يكون الحكمة فى وجوب الشىء لنفسه صيرورة المكلف قابلا للخطاب بل الحكمة الظاهرة فى الارشاد وتبليغ الانبياء والحجج ليس إلّا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف واصلين الى الآثار والخواص والثمرات المترتبة عليها فان الغرض منها استكمال نفس الانسان بها حتى يحصل له بسبب ذلك قرب الخالق المنان.

٢١٢

(فاندفع بذلك) ما ربما قد يتوهم من ان ما ذكره الخصم من امتناع توجه النهى الى الغافل يوجب سدّ باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر الّا للمقصر المتقاعد عن التحصيل مع علمه بوجوب المعرفة فلا يجب نهى الغافلين عن الاعمال الشنيعة ولا امرهم بالعبادات الصحيحة فينتفى فائدة تبليغ الانبياء والحجج عليهم‌السلام.

(ولكن الانصاف) ان الادلة الدالة على وجوب التعلم ظاهرة فى كونه واجبا غيريا مضافا الى ما عرفت من الاخبار فى الوجه الثالث من الوجوه الخمسة المتقدمة كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكزّ فمات قتلوه قتلهم الله ألا سألوا ألا تيمموه وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن اطال الجلوس فى بيت الخلاء لاستماع الغناء ما كان أسوأ حالك لو مت على هذه الحالة ثم امره بالتوبة وغسلها وما ورد فى تفسير قوله (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) من انه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فان قال نعم قيل فهلّا عملت وان قال لا قيل له هلّا تعلمت حتى تعمل الى غير ذلك كلها ظاهرة فى المؤاخذة على نفس المخالفة.

(قوله ويمكن ان يلتزم حينئذ الخ) هذا وجه آخر لحلّ الاشكال حاصله انه يمكن الالتزام بحكم العقل بوجوب التعلم بحيث يكون معاقبا على ترك التكاليف وان كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات الى ما يعلمه اجمالا من الواجبات المطلقة والمشروطة.

(ويدل على ذلك) استقرار بناء العقلاء حيث انهم لا يفرقون بين تارك التكاليف المطلقة وتارك التكاليف المشروطة او الموقتة اذا استند الترك فيها الى ترك التعلم والفحص ولو من قبل حصول الشرط او الوقت فيكون مرجعه الى دعوى ان العقلاء يرون تعلم التكاليف المشروطة او الموقتة واجبة ولو من قبل حصول الشرط او الوقت بحيث اذا ترك التعلم وفات الواجب فى موطنه بعد حصول الشرط او الوقت لم يروه معذورا هذا خلاصة الكلام منه قدس‌سره بتوضيحنا

٢١٣

بالنسبة الى عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة.

(قوله فتأمل) يحتمل ان يكون وجه التأمل اشارة الى نظرية هذا المطلب عنده قدس‌سره وكونه قابلا للنقض والابرام كما ذكره فى بحر الفوائد قال بعض المحشين لعله اشارة الى عدم توقف العقاب على توجه الخطاب بل مجرد المبغوضية كافية فيه انتهى وفيه تأمل وقال صاحب الكفاية اشار الشيخ قده بقوله فتأمل الى اجنبية مثال الطومار عن المقام كما اشرنا اليه هناك فراجع لكنك عرفت ان الوجه فى ذلك هو كون الشرط فى الواجبات المشروطة ليس بشرط التكليف بل المكلف به فيكون نسبة الواجبات مطلقا مطلقها ومشروطها الى المعرفة على نهج واحد انتهى فتأمل.

٢١٤

(واما الكلام فى الحكم الوضعى) وهى صحة العمل الصادر من الجاهل وفساده فيقع الكلام فيه تارة فى المعاملات واخرى فى العبادات اما المعاملات فالمشهور فيها ان العبرة فيها بمطابقة الواقع ومخالفته سواء وقعت عن احد الطريقين اعنى الاجتهاد والتقليد ام لا عنهما فاتفقت مطابقته للواقع لانها من قبيل الاسباب لامور شرعية فالعلم والجهل لا مدخل له فى تأثيرها وترتب المسببات عليها فمن عقد على امرأة عقدا لا يعرف تأثيره فى حلية الوطى فانكشف بعد ذلك صحته كفى فى صحته من حين وقوعه وكذا لو انكشف فساده رتب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع وكذا من ذبح ذبيحة بفري ودجيه فانكشف كونه صحيحا او فاسدا ولو رتب عليه اثرا قبل الانكشاف فحكمه فى العقاب ما تقدم من كونه مراعى بمخالفة الواقع كما اذا وطئها فان العقاب عليه مراعى واما حكمه الوضعى كما لو باع لحم تلك الذبيحة فحكمه كما ذكرنا هنا من مراعاته حتى تنكشف الحال ولا اشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة ادلة سببية تلك المعاملات ولا خلاف ظاهرا فى ذلك ايضا (مراده قدس‌سره) من المعاملة فى المقام معناها الاعم وهى ما لا يتوقف صحتها على قصد القربة سواء كانت من المعاملة بالمعنى الاخص كالعقود والايقاعات ام لا فيشمل الاقسام الثلاثة اى العقود والايقاعات والاحكام الوضعية والتكليفية وقد عرّفها بعض المحشين بانها هو الفعل الذى جعله الشارع سببا او شرطا او مانعا لشىء آخر سواء كان من العقود ام الايقاعات ام الجنايات ام التوصليات كالتطهير والتنجيس وامثالهما انتهى فافهم.

(فالمعاملة) التى يبحث عن حكمها فيما نحن فيه اذا صدرت من الشاك من حيث الحكم الوضعى اعنى الصحة والفساد هى ما يقابل العبادة بالمعنى الاخص

٢١٥

الا من بعض مشايخنا المعاصرين قده حيث اطال الكلام هنا فى تفصيل ذكره بعد مقدمة هى ان العقود والايقاعات بل كلما جعله الشارع سببا لها حقايق واقعية هى ما قرره الشارع او لا وحقايق ظاهرية هى ما يظنه المجتهد انه ما وضعه الشارع وهى قد تطابق الواقعية وقد تخالفها ولما لم يكن لنا سبيل فى المسائل الاجتهادية الى الواقعية فالسبب والشرط والمانع فى حقنا هى الحقائق الظاهرية ومن البديهيات التى انعقد عليها الاجماع بل الضرورة ان ترتب الآثار على الحقائق الظاهرية يختلف بالنسبة الى الاشخاص فان ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجسه عند واحد دون غيره وكذا قطع الحلقوم للتذكية والعقد الفارسى للتمليك او الزوجية.

وهى ما يتوقف وجوده او صحته على قصد التقرب واما العبادة بالمعنى الاعم فما عثرت تفسيرها فى كلام الاصحاب ولكن يمكن تفسيرها بان معناها الاعم هى المواظبة على فعل المأمور به.

(وكيف كان) ان المعيار فى الصحة والفساد فى المعاملة هو موافقتها مع الواقع ومخالفتها له فان وافقته صحت وان خالفته بطلت على ما يقتضيه اصول المخطئة من ان العبرة فى صحة عمل الجاهل وفساده بمطابقة الواقع ومخالفته فيها حتى قال بعض الاعلام لا فرق فى ذلك بين العبادات والمعاملات ولا بين ان يكون فى البين طريق منصوب على وفق عمله او على خلافه او لم يكن فى البين طريق اصلا فان وجود الطريق المنصوب على الوفاق او الخلاف على اصول المخطئة غير مثمر فى هذه الجهة انتهى.

(وان المعيار) فى العبادة امر ان موافقتها مع الواقع وتمشّى قصد القربة فان وافقت العبادة مع الواقع وتمشّى قصد القربة صحت والابان خالفت الواقع او وافقته ولم يتمش قصد القربة لتردد العامل بالبراءة قبل الفحص وعدم

٢١٦

جزمه باحد الطرفين بطلت وما ذكرنا كله يستفاد من كلام الشيخ قدس‌سره ايضا حيث قال واما الكلام فى الحكم الوضعى وهى صحة العمل الصادر من الجاهل وفساده فيقع الكلام فيه تارة فى المعاملات واخرى فى العبادات.

(اما المعاملات) فالمشهور فيها ان العبرة فيها بمطابقة الواقع ومخالفته سواء وقعت عن احد الطريقين اى الاجتهاد والتقليد ام لا عنهما فاتفقت مطابقته للواقع لانها من قبيل الاسباب لامور شرعية فالعلم والجهل لا مدخل له فى تأثيرها وترتب المسببات عليها.

(فمن عقد) على امرأة بغير العربية بمقتضى البراءة من شرطية العربية فانكشف بعد ذلك صحته كفى فى صحته من حين وقوعه وكذا لو انكشف فساده رتب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع.

(وكذا) من ذبح ذبيحة بفري ودجيه فانكشف كونه صحيحا او فاسدا ولو رتب عليه اثرا قبل انكشاف الواقع فحكمه من جهة استحقاق العقاب ما تقدم من كونه مراعى بمخالفة الواقع كما اذا وطئ الامرأة التى عقد عليها عقدا لا يعرف تأثيره فى حلية الوطى فان العقاب عليه مراعى.

(واما حكمه الوضعى) كما لو باع لحم تلك الذبيحة فحكمه كما ذكرنا هنا من مراعاته حتى تنكشف الحال ولا اشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة ادلة سببية تلك المعاملات ولا خلاف ظاهرا فى ذلك ايضا الا من بعض مشايخنا المعاصرين قده.

(اقول) ان المراد به الفاضل النراقى ره فى كتاب المناهج حيث اطال الكلام هنا وقدّم لتحقيق ما ذهب اليه مقدمتين.

(او لهما) انه لا شك فى انه لا تكليف فوق العلم والاعتقاد ويلزمه انه لو اعتقد احد ترتب اثر على شىء بحيث لم يحتمل خلافه ترتب عليه فى حقه فمن اعتقد حلية الزوجة بعقد باطل واقعا تحل له ما دام كذلك كما تحل الاجنبية

٢١٧

باعتقاد انها زوجته ومن اعتقد بطلان عقد صحيح تحرم عليه المعقودة به ما دام كذلك كما تحرم الزوجة باعتقاد انها اجنبية.

(وثانيتهما) هى ان العقود والايقاعات بل كلما جعله الشارع سببا لها حقائق واقعية هى ما قرره الشارع اولا كجعله العقد العربى سببا للزوجية مثلا وحقائق ظاهرية هى ما يظنه المجتهد انه ما وضعه الشارع وهى قد تطابق الواقعية وقد تخالفها ولما لم يكن لنا سبيل فى المسائل الاجتهادية الى الواقعية فالسبب والشرط والمانع فى حقنا هى الحقائق الظاهرية ومن البديهيات التى انعقد عليها الاجماع بل الضرورة ان ترتب الآثار على الحقائق الظاهرية يختلف بالنسبة الى الاشخاص فان ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجسه عند واحد دون غيره وكذا قطع الحلقوم للتذكية والعقد الفارسى للتمليك او الزوجية ويأتى عن قريب نتيجة المقدمتين.

(قال بعض الاعلام) ان ما ذهب اليه الفاضل النراقى ره فى المناهج ليس له موافق من السابقين واللاحقين ولذا رماه كل من تأخر عنه بقوس واحد من غير تعرض لتوجيه كلامه حتى الشيخ قدس‌سره مع ان بنائه بقدر الامكان على توجيه كلمات الاعلام ولا بد اولا من توجيه كلامه حفظا لمرتبته فنقول.

(اما ما افاده ره فى المقدمة) فتوضيحه يحتاج الى مقدمة وهى ان الحكم له تقسيمات منها انه ينقسم تارة الى الفعلى والشأنى واخرى الى الظاهرى والواقعى وثالثا الى التكليفى والوضعى وهذه من قبيل مانعة الخلو لامكان اجتماعها بتقريب ان الحكم سواء كان تكليفيا او وضعيا له اثر مقصود متعلق بافعال المكلفين من الثواب والعقاب فى العبادات وجواز الوطى وحلية النظر والتقبيل ونحوها فى النكاح والطهارة والنجاسة وحلية الاكل ونحوها فى المعاملات بالمعنى الاعم. (وهذا الاثر) المقصود لا يتعقّل حصوله الا بعد العلم بذلك الحكم

٢١٨

او طريق آخر اليه وإلّا فهذا الحكم شأنى اى ليس له ذلك الاثر المقصود وحينئذ فالاحكام وضعيا كان او تكليفيا شأنى عند الجهل بها واذا حصل العلم بها او طريق آخر اليها يعبّر عنها بالظاهرية فالظاهرى هو الحكم المترتب عليه الاثر المقصود (اذا عرفت هذه) فما افاده ره فى المقدمة من ان الحقائق الظاهرية هى ما فطنه المجتهد الخ وكذا قوله فالاول فى حكم المجتهد او المقلد لانه يتعبد باعتقاده ليس من جهة ان موضوعات الاحكام هى المعانى المعتقدة بل من جهة ان تعلّقها على المكلفين بمعنى ترتب الاثر المقصود منها عليها يتوقف على الاعتقاد واذا تعلق الاعتقاد بها تصير احكاما ظاهرية ويترتب عليها الاثر المقصود ما لم ينكشف الخلاف وهذا عبارة اخرى عن الاجزاء فى الامر العبادى يعنى ان اجزائها عن الحقائق الواقعية وقيامها مقامها نظير قيام العبادة الظاهرية مقام العبادة الواقعية واجزائها عنها بل يمكن اثبات الصحة بالاستصحاب ايضا وفيه ان الاجزاء فى الاوامر العقلية بمحل المنع حسبما قرر فى محله واما الاستصحاب فلا مجرى له لتبدل الموضوع بزوال الاعتقاد.

(واما ما افاده ره) من الحكم بالبطلان فى صورة الموافقة مع الادلة الظنية فيما اذا اختص اثره بمعيّن او معيّنين وبعبارة اخرى كان من ذوى الاضافات كزوجة الغير ومال الغير ونحوهما.

(فملخص وجهه) حسبما يستفاد من كلامه ان الجاهل المتردد حين صدور العمل لم يكن مأمورا بترتب الاثر عليه واذا التفت الى موافقته لرأى المجتهد يصير شاكا فى ترتب الاثر عليه لان المظنون لمجتهده سببية هذا العقد للاثر متصلا بصدوره والمفروض انه ليس كذلك واما السببية المنفصلة فليس عليها دليل اذ ليس هو مظنون المجتهد ولا دليل على كون الدخول فى التقليد مثل اجازة المالك فى كشفه عن صحة العقد من حين وقوعه مضافا الى ان الاصل فى المعاملات الفساد هذا.

٢١٩

(وفيه) ان مؤدى الامارات ومظنون المجتهد هو سببية العقد فى الواقع من غير تقييد بالاتصال بالاثر بمعنى ان العقد المذكور حين صدوره محدث لعلاقة الزوجية غاية الامر عدم ترتب الاثر المقصود عليه قبل قيام الظن والمفروض عدم اعتبار ذلك الظن من باب الموضوعية بل هو طريق الى الواقع كالعلم فكما انه لا فرق فى العلم بين حصوله قبل العقد وبعده فكذلك الطرق الشرعية.

٢٢٠