درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

(الثالث) ما دل على مؤاخذة الجهال والذم بفعل المعاصى المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب مثل قوله (ص) فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكز فمات قتلوه قتلهم الله ألا سألوا ألا تيمموه وقوله (ص) من اطال الجلوس فى بيت الخلاء لاستماع الغناء ما كان أسوأ حالك لو مت على هذه الحالة ثم امره بالتوبة وغسلها وما ورد فى تفسير قوله فلله الحجة البالغة من انه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فان قال نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل وما رواه القمى فى تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) نزلت فيمن اعتزلت عن امير المؤمنين (ع) ولم يقاتل معه قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض اى لم نعلم من الحق فقال الله تعالى (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) اى دين الله وكتابه واضحا متسعا فتنظروا فيه فترشدوا وتهتدوا به سبيل الحق.

عن اولئك وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم فى البلد.

(ثم) نقل قدس‌سره من بعض الاعلام ما يظهر منه وجوب الفحص فى الشبهات الموضوعية الوجوبية ثم استشكله بقوله فما ذكروه من ايجاب تحصيل العلم بالواقع مع التمكن فى بعض افراد الاشتباه فى الموضوع مشكل واشكل منه فرقهم بين الموارد مع ما تقرر عندهم من اصالة نفى الزائد عند دوران الامر بين الاقل والاكثر فراجع الى الامر الثالث من الامور التى ختم بها الكلام فى الجاهل العامل قبل الفحص.

(ولا يخفى) ان الشبهة الموضوعية الوجوبية اذا كانت مما احرز اهتمام الشارع بها كما كان الموضوع المشكوك مما لا يعلم غالبا إلّا بالفحص والمراجعة على نحو كان الامر به شرعا مستلزما عرفا لوجوب الفحص عنه وإلّا لم يمتثل

١٨١

الا نادرا وجب فيه الفحص بحد اليأس.

(ويؤيد ذلك) ما فى القوانين من ان الواجبات المشروطة بوجود شيء انما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده فبالنسبة الى العلم مطلق لا مشروط مثل من شك فى كون ماله بمقدار استطاعة الحج لعدم علمه بمقدار المال لا يمكنه ان يقول انى لا اعلم انى مستطيع ولا يجب على شيء بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم انه واجد للاستطاعة او فاقد لها نعم لو شك بعد المحاسبة فى ان هذا المال هل يكفيه فى الاستطاعة ام لا فالاصل عدم الوجوب حينئذ انتهى.

(وقد اشار الشيخ قدس‌سره) الى ذلك فى الامر الثالث المشار اليه بقوله ثم الذى يمكن ان يقال فى وجوب الفحص انه اذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو اهمل الفحص لزم الوقوع فى مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص الخ فاذا امر المولى باخراج اليهودى مثلا عن البلد وفرض ان اليهودى ممن لا يعرف فيه إلّا بالفحص عنه فيستلزم الامر باخراجه وجوب الفحص عنه وإلّا لم يمتثل الامر كثيرا الا نادرا.

(واما جريان البراءة فى الشبهات الحكمية) فالتحقيق انه ليس لها إلّا شرط واحد وهو الفحص عن الادلة الشرعية والكلام يقع تارة فى اصل الفحص واخرى فى استحقاق تارك الفحص وعدمه وثالثة فى صحة العمل المأتى به قبل الفحص وفساده.

(اما الاول) فالكلام فيه يقع تارة فى البراءة العقلية واخرى فى البراءة الشرعية ولا ريب فى اعتبار الفحص فى جواز الرجوع الى البراءة العقلية نظرا الى ان موضوعها هو عدم البيان فما لم يحرز ذلك بالفحص لا يستقل العقل بقبح العقاب كما هو ظاهر والبراءة العقلية عبارة عن حكم العقل وادراكه عدم صحة العقاب على مخالفة الواقع الذى لا يكون واصلا.

١٨٢

(واما البراءة النقلية) فالمستفاد من ادلتها كحديث الرفع وحديث السعة وحديث الاطلاق اى كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهى عدم اعتبار الفحص فى جريانها إلّا انه قد استدل لاعتبار الفحص فى جريانها وتقييد اطلاق ادلتها بامور.

(وقد استدل الشيخ قدس‌سره) على اعتبار الفحص فيها بوجوه خمسة.

(الاول) الاجماع القطعى على عدم جواز العمل باصل البراءة قبل استفراغ الوسع فى الادلة ويرد عليه ان اتفاق الفقهاء على وجوب الفحص فى الشبهات الحكمية وان كان محققا إلّا انه لا يكون اجماعا مصطلحا لانه معلوم المدرك فلا يكون كاشفا عن قول المعصوم.

(الثانى) الادلة الدالة على وجوب تحصيل العلم مثل آيتى النفر للتفقه وسؤال اهل الذكر والاخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم وتحصيل التفقه والذم على ترك السؤال.

(وفيه) ان هذا يتم على مقالة المشهور دون ما ذهب اليه المحقق الاردبيلى من ان السؤال واجب نفسى كما هو ظاهر هذه الادلة فحينئذ لا منافاة بين ترتب العقاب على ترك السؤال وجواز العمل بالبراءة فى الشبهات وترك الاحتياط فيها قبل الفحص وفيه ما لا يخفى فافهم.

(الثالث) ما دل على مؤاخذة الجهال والذم بفعل المعاصى المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن غسّل مجدورا اصابته جنابة فكزّ فمات قتلوه قتلهم الله الّا سألوا ألا تيمموه.

(قوله) فكزّ بالزاء المعجمة فى المجمع الكزّ داء يتولد من شدة البرد وقيل هو نفس البرد ثم ذكر الحديث وفى القاموس فى كرّ بالمهملة الكرير كامير صوت فى الصدر.

١٨٣

(قوله مجدورا) وهو من اصابه الجدرى قوله الّا سألوا الّا فى كلا الموضعين للتوبيخ فيدل على وجوب السؤال.

(وفى المحكى) عن الفقيه والكافى قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان فلانا اصابته جنابة فهو مجدور فغسلوه فمات فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله قتلوه الّا سألوا الّا تيمموه ان شفاء العىّ السؤال وفى الكافى عن جعفر بن ابراهيم الجعفرى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر له ان رجلا اصابته جنابة على جرح كان به فامر بالغسل فاغتسل فكزّ فمات فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قتلوه قتلهم الله انما كان دواء العىّ السؤل والعى بكسر العين وتشديد الياء التحير فى الكلام والمراد به هنا الجهل مجازا.

(وقوله عليه‌السلام لمن اطال الجلوس الخ) روى عن الصادق عليه‌السلام ان رجلا جاء اليه فقال ان لى جيرانا لهم جوار يتغنين ويضر بن بالعود فربما دخلت المخرج فاطيل الجلوس استماعا منى لهن فقال له لا تفعل فقال والله ما هو شيء اتيته برجلى انما هو سماع اسمعه باذنى.

(فقال الصادق عليه‌السلام) اما سمعت الله عزوجل يقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) فقال الرجل كانى لم اسمع بهذه الآية من كتاب الله عزوجل من عربى ولا عجمى لا جرم انى استغفر الله فقال له الصادق عليه‌السلام قم فاغتسل وصل ما بدا لك فلقد كنت مقيما على امر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك استغفر الله وأسأله التوبة عن كل ما يكره فانه لا يكره الا القبيح فالقبيح دعه لاهله فان لكل اهلا فتدل هذه الرواية على مؤاخذة الجهال والذم بفعل المعاصى المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكزّ فمات الخبر.

١٨٤

(الرابع) ان العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام فى المقام الذى نظيره فى العرفيات ما اذا ورد من يدعى الرسالة من المولى واتى بطومار يدعى ان الناظر فيه يطلع على صدق دعواه او كذبها فتأمل واما النقل الدال على البراءة فى الشبهة الحكمية معارض بما تقدم من الاخبار الدالة على وجوب الاحتياط حتى يسأل عن الواقعة كما فى صحيحة عبد الرحمن المتقدمة وما دل على وجوب التوقف بناء على الجمع بينها وبين ادلة البراءة بحملها على صورة التمكن من ازالة الشبهة (الخامس) حصول العلم الاجمالى لكل احد قبل الاخذ فى استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فى (ولا يخفى) ان الوجه الرابع ليس الّا عبارة عن عدم جريان البراءة العقلية قبل الفحص كما تقدم فما لم يتفحص لم يحرز اللّابيان ولم يستقل العقل بقبح العقاب ومن المعلوم ان عدم جريان البراءة العقلية مما لا يصلح لتقييد اطلاقات ادلة البراءة الشرعية ولعله لذلك ما اشار صاحب الكفاية الى الوجه الرابع اصلا فانه بصدد ما دل على تقييد اطلاقات ادلة البراءة الشرعية وهو مما لا يصلح لذلك.

(وكيف كان) توضيح ما افاده قدس‌سره فى الوجه الرابع ان الشك فى المقام وان كان من الشك فى التكليف لكنه مورد قاعدة الاحتياط من جهة وجوب دفع الضرر المحتمل ولا شك فى احتمال العقاب مع عدم الفحص ولا يجرى هنا قاعدة قبح العقاب بلا بيان وان كان هو على تقدير الجريان مقدميا على قاعدة دفع الضرر المحتمل رافعا لموضوعها لان الحكم بكون المقام مجراها موقوف على صدق الحكم بعدم البيان ومن المعلوم عدم صدقه مع عدم الفحص.

(وبعبارة اخرى) ان العقل يحكم بوجوب الفحص وعدم جواز الرجوع الى البراءة قبله فانه كما يحكم بقبح العقاب بلا بيان من المولى كذلك يستقل بوجوب الفحص عن احكام المولى فانه مقتضى العبودية والمولوية.

١٨٥

الشريعة ومعه لا يصح التمسك باصل البراءة لما تقدم من ان مجراه الشك فى اصل التكليف لا فى المكلف به مع العلم بالتكليف (فان قلت) هذا يقتضى عدم جواز الرجوع الى البراءة فى اول الامر ولو بعد الفحص لان الفحص لا يوجب جريان البراءة مع العلم الاجمالى قلت المعلوم اجمالا وجود التكاليف الواقعية فى الوقائع التى يقدر على الوصول الى مداركها واذا تفحص وعجز عن الاصول الى مدارك الواقعة خرجت تلك الواقعة عن الوقائع التى علم اجمالا بوجود التكاليف فيها فيرجع فيها الى البراءة.

(والسر فى ذلك) ان العادة بعد ما جرت على ان ايصال التكاليف لا يكون على وجه القهر والاجبار واللازم على المولى بيان احكامه على النحو المتعارف وجعله فى معرض الوصول الى عبيده واما فعلية الوصول اليها فهى من وظائف العبد جريا على مقتضى عبوديته من تحصيل ما اراده المولى والعمل على طبقه وهذا الحكم العقلى بمنزلة القرينة المتصلة المانعة عن انعقاد الظهور فى الاطلاق فى الادلة النقلية الدالة على البراءة وعليه فهى من الاول مختصة بما بعد الفحص فى الشبهات الحكمية.

(قوله فتأمل) اشارة الى ان الغرض من تشبيه المقام بمسألة النبوة انحصار طريق العلم عادة فيهما بالفحص وحكم العقل فيهما بوجوب دفع الضرر المحتمل وان كان وجوب الفحص فى المقام شرعيّا ايضا وفى تلك المسألة عقليّا محضا كما انها ليست موردا للرجوع الى البراءة اصلا ولو بعد النظر والفحص لحصول العلم حينئذ بصدق المدعى او كذبه.

(وبالجملة) الفرق بين المقام والمسألة ليس محلا للانكار اصلا والفرق بينهما على ما يستفاد من عبارة بعض الاعلام من المحشين من وجوه ثلاثة.

(احدها) حصول العلم بعد النظر بصدق المدعى باظهار المعجزة وكذبه

١٨٦

بعجزه عنه بخلاف المقام.

(وثانيها) عدم امكان الوجوب الشرعى فى مسئلة النبوة بخلاف الفحص فى الاحكام الشرعية ومن هنا استدل له بالأدلة السمعية.

(وثالثها) انه كثيرا ما يحصل العلم بالفروع من الضرورة ونحوها من الاسباب القهرية من دون اعمال قوة نظرية او الفحص عن الحكم وهذا بخلاف مسئلة النبوة فان طريقها منحصر فى الاعجاز.

(وقال بعض المحشين) ان الوجوه المذكورة اجنبية عمّا ذكره الشيخ قدس‌سره لان كلامه ظاهر او صريح فى ان الغرض التشبيه بمن يدّعى الرسالة عن المولى العرفى ولا دخل له بمسألة النبوة المعروفة بل يظهر منه قدس‌سره فى ذيل الوجه الخامس صحة تشبيه المقام بمسألة النبوة من جهة كون مبنى المسألتين على وجوب دفع الضرر المحتمل من دون مدخلية العلم الاجمالى اصلا.

(قوله واما النقل الدال على البراءة الخ) مقتضى اطلاق ادلة البراءة هو جواز العمل بها من غير فحص فى موردها فان ظاهر قوله عليه‌السلام رفع ما لا يعلمون وقوله عليه‌السلام كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام مثلا هو رفع جميع الآثار بمجرد عدم العلم وحليّة جميع الاشياء الى الغاية المذكورة.

(والمناسب) مع مقام الامتنان خصوصا اذا كان عليه‌السلام بصدد بيان الحكم الفعلى هو كون ما لا يعلم مرفوعا عن القادر على الاستعلام وان تكون الحلية ثابتة فى مورد الشبهة ولو مع القدرة على الفحص إلّا انها معارضة بما تقدم من الاخبار الدالة على المؤاخذة على ترك التعلم المقتضية لوجوب الفحص وبما دلّ على وجوب التوقف ولا اشكال فى اقوائية هذه خصوصا ما دلّ على المؤاخذة على ترك التعلم فيؤخذ بظهورها ويقيّد بها اطلاق حديث الرفع ونحوه ويحمل على صورة الفحص واليأس.

١٨٧

(قوله الخامس حصول العلم الاجمالى لكل احد قبل الاخذ الخ) الدليل الخامس من الادلة الدالة على اعتبار الفحص فى جريان البراءة فى الشبهة الحكمية بل ومطلق الاصول النافية للتكليف هو دعوى العلم الاجمالى قبل الاخذ فى استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فى المسائل المشتبه فى مجموع ما بايدينا من الاخبار المدونة فى الكتب المعهودة مع كونها على نحو لو تفحصنا عنها لظفرنا بها ومقتضى هذا العلم الاجمالى هو وجوب الفحص فى كل مسئلة مسئلة وعدم جواز الاخذ بالبراءة فى المسائل المشتبه الا بعده.

(وقد نوقش فيه) بكونه اعم من المدعى فان المدعى انما هو وجوب الفحص فى خصوص ما بايدينا من الكتب المعروفة والمعلوم بالاجمال يعم ذلك لان متعلق العلم هى الاحكام الثابتة فى الشريعة واقعا لا خصوص ما بايدينا فلا ينفع الفحص حينئذ مما فى ايدينا فى جواز الاخذ بالبراءة.

(ويندفع) ذلك بانه كما يعلم ذلك كذلك يعلم اجمالا باحكام كثيرة فى خصوص ما بايدينا من الكتب بمقدار يحتمل انطباق ما فى الشريعة عليها فينحل العلم الاجمالى الكبير حينئذ بالعلم الاجمالى الصغير ولازمه هو الاقتصار فى الاخذ بالبراءة بالفحص عما بايدينا من الكتب ويرتفع الاشكال ويتم الاستدلال بالعلم الاجمالى لوجوب الفحص.

(وتوهم) منع هذا العلم الاجمالى الخاص وانه ليس لنا الاعلم اجمالى واحد وهو العلم باحكام كثيرة فى الشريعة فيما بايدينا من الكتب فعلا وغيرها مما لا تكون بايدينا.

(يدفعه) قضاء الوجدان بخلافه ضرورة حصول هذا العلم الاجمالى الخاص لكل احد قبل اخذه فى استعلام المسائل بوجود تكاليف كثيرة فى الشريعة فى خصوص ما بايدينا من الكتب.

١٨٨

(وقد اورد) على الدليل الخامس فى الكفاية بما حاصله ان موجب الفحص لو كان هو العلم الاجمالى لزم جواز الرجوع الى البراءة قبل الفحص بعد انحلاله بالظفر على المقدار المعلوم بالاجمال مع انه غير جائز قطعا فلا بد من ان يكون المدرك امرا آخر غير العلم المزبور ومحصل ايراده ره ان الدليل اخص من المدعى.

١٨٩

(ولكن هذا لا يخلو عن نظر) لان العلم الاجمالى انما هو بين جميع الوقائع من غير مدخلية لتمكن المكلف من الوصول الى مدارك التكليف وعجزه عن ذلك فدعوى اختصاص اطراف العلم الاجمالى بالوقائع المتمكن من الوصول الى مداركها مجازفة مع ان هذا الدليل انما يوجب الفحص قبل استعلام جملة من التكاليف يحتمل انحصار المعلوم اجمالا فيها فتامل وراجع ما ذكرنا فى رد استدلال الاخباريين على وجوب الاحتياط فى التحريمية بالعلم الاجمالى وكيف كان فالاولى ما ذكر فى الوجه الرابع من (انه قدس‌سره) بعد ما قرّر العلم الاجمالى وقد اورد على نفسه بقوله فان قلت هذا يقتضى عدم جواز الرجوع الى البراءة ولو بعد الفحص الخ ثم اجاب عنه بقوله قلت المعلوم اجمالا وجود التكاليف الواقعية فى الوقائع التى يقدر على الوصول الى مداركها الخ.

(ثم قال قدس‌سره) ولكن هذا الجواب عن السؤال المذكور لا يخلو عن نظر لان العلم الاجمالى انما هو بين جميع الوقائع من غير مدخلية لتمكن المكلف من الوصول الى مدارك التكليف وعجزه عن ذلك فدعوى اختصاص اطراف العلم الاجمالى بالوقائع المتمكن من الوصول الى مداركها مجازفة.

(وبالجملة) ان ما لا مدخلية لتمكن المكلف من الوصول الى مدركه وعجزه عنه هو العلم الاجمالى بواجبات ومحرمات فى الوقائع لكنه لا يوجب الاحتياط وما يوجب الاحتياط هو العلم الاجمالى بوجود واجبات ومحرمات يجب امتثالها وذلك منحصر فيما يتمكن من الوصول الى مدركه ومرجع ذلك الى ان الاحكام الواقعية لا ينجزه التكليف بها الا بعد صيرورتها احكاما ظاهرية مضافا الى ان هذا الدليل انما يوجب الفحص قبل استعلام جملة من التكاليف يحتمل انحصار المعلوم اجمالا فيها ولعل الامر بالتأمل اشارة الى هذا.

١٩٠

ان العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به اجمالا ومناط عدم المعذورية فى المقامين هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يؤمن معه من ترتب الضرر ألا ترى انهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر فى معجزة مدعى النبوة وعدم معذوريته فى تركه مستندين فى ذلك الى وجوب دفع الضرر المحتمل لا الى انه شك فى المكلف به هذا كله مع ان فى الوجه الاول وهو الاجماع القطعى كفاية ثم ان فى حكم اصل البراءة كل اصل عملى خالف الاحتياط (قوله وراجع ما ذكرنا فى رد استدلال الاخباريين الخ) انه قدس‌سره بعد تقريره الاجماع من جانب الاخباريين على وجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية اجاب عنه بوجهين.

(اما الاول) فبمنع تعليق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلّا بما ادى اليه الطرق الغير العلمية المنصوبة له فهو مكلف بالواقع بحسب تأدية هذه الطرق لا بالواقع من حيث هو ولا بمؤدى هذه الطرق من حيث هو حتى يلزم التصويب او ما يشبهه لان ما ذكرناه هو المتحصل من ثبوت الاحكام الواقعية للعالم وغيره وثبوت التكليف بالعمل بالطرق وتوضيحه فى محله وحينئذ فلا يكون ما شك فى تحريمه مما هو مكلف به فعلا على تقدير حرمته واقعا.

(واما الثانى) فملخّصه انه بعد الفحص واحراز جملة من التكاليف بالعلم او بالامارات بحيث يحتمل انحصار المعلوم بالاجمال فيها فينحل القدر المتيقن من المعلوم بالاجمال بها من جهة كون لسان الامارات لسان تعيين الواقع بها فى مؤدياتها كالبينة القائمة على الموضوعات فلا بأس باجراء اصالة البراءة فى الزائد لانه من الشك البدوى.

(والحاصل) ان الدليل الخامس لا يفى بلزوم الفحص فى كل شبهة ترد

١٩١

على المكلف ولذا عدل عن الوجه الخامس وقال فالاولى ما ذكر فى الوجه الرابع ومن الجوابين المذكورين فى ردّ استدلال الاخباريين على وجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية تعلم وجه الامر بالتأمل هذا وقال بعض المحشين ليس قوله فتأمل فى بعض النسخ.

(وكيف كان) قال قدس‌سره فالاولى ما ذكر فى الوجه الرابع وملخص ما ذكره فيه ان المناط فى وجوب الفحص هو احتمال الضرر الذى يجب دفعه مطلقا كما هو مبنى الوجه الرابع لا الى انه شك فى المكلف به من جهة حصول العلم الاجمالى كما ان المناط فى وجوب النظر الى المعجزة هو ذلك لا الى انه شك فى المكلف به ضرورة ان الشك فيه ليس شكا فى المكلف به بل فى التكليف ألا ترى انهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر فى معجزة مدعى النبوة وعدم معذوريته فى تركه مستندين فى ذلك الى وجوب دفع الضرر المحتمل لا الى انه شك فى المكلف به هذا كله مع ان فى الوجه الاول وهو الاجماع القطعى كفاية (ثم) ان فى حكم اصل البراءة كل اصل عملى خالف الاحتياط كاصالة التخيير والاستصحاب وقاعدة الطهارة اذا جرت فى الشبهات الحكمية يعنى يعتبر الفحص فى التخيير العقلى بعين ما ذكر فى البراءة العقلية كما يعتبر فى الاستصحاب بعين ما ذكر فى البراءة الشرعية.

(وفى بحر الفوائد) لا ينبغى الارتياب فى قيام الاجماع على اشتراط الفحص فى الرجوع الى غير الاحتياط من الاصول فى الشبهات الحكمية سواء خالفت الاحتياط بان كان مفادها نفى الحكم الالزامى او وافقته بان كان مفادها اثباته تعيينا او تخييرا بل هو مقتضى اكثر الوجوه المتقدمة ان لم يكن مقتضى جميعها فالاولى فى تحرير المقام ان يذكر بدل قوله خالف الاحتياط غير الاحتياط وان امكن ارجاعه الى ما يطابقه بتمحل بعيد. (هذا) تمام الكلام فى البحث عن اصل الفحص المعتبر فى العمل بالبراءة.

١٩٢

(بقى الكلام) فى حكم الاخذ بالبراءة مع ترك الفحص والكلام فيه اما فى استحقاقه العقاب واما فى صحة العمل الذى اخذ فيه بالبراءة اما العقاب فالمشهور انه على مخالفة الواقع لو اتفقت فاذا شرب العصير العنبى من غير فحص عن حكمه فان لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ولو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير لا على ترك التعلم اما الاول فلعدم المقتضى للمؤاخذة عدا ما يتخيل من ظهور ادلة وجوب الفحص وطلب تحصيل العلم فى الوجوب النفسى وهو مدفوع بان المستفاد من ادلته بعد التامل انما هو وجوب (اقول) قد تقدم الكلام فى اعتبار الفحص وعدمه تفصيلا فى العمل بالبراءة واختار قدس‌سره انه لا يجوز العمل بالبراءة فى الشبهات الحكمية الّا بعد الفحص واليأس عن الظفر بما يخالفها.

(واما الكلام) فى استحقاق التارك للفحص للعقاب وعدمه والاقوال فيه ثلاثة.

(احدها) ما نسب الى صاحب المدارك من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم مطلقا صادف عمله الواقع ام خالفه.

(ثانيها) ما يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره واختاره بعض الاعاظم ايضا من استحقاق العقوبة على ترك الفحص والتعلم لكن لا مطلقا بل عند ادائه الى مخالفة الواقع.

(وثالثها) ما نسب الى المشهور من استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع لو اتفقت لا على ترك التعلم والفحص فمن شرب العصير العنبى من غير فحص عن حكمه يستحق العقوبة ان اتفق كونه حراما فى الواقع وان لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب الّا من حيث تجريه على القول به. (ومنشأ هذا الخلاف) هو الخلاف فى وجوب التعلم المستفاد من

١٩٣

الفحص لئلا يقع فى مخالفة الواقع كما لا يخفى او ما يتخيل من قبح التجرى بناء على ان الاقدام على ما لا يؤمن كونه مضرة كالاقدام على ما يعلم كونه كذلك كما صرح به جماعة منهم الشيخ فى العدة وابو المكارم فى الغنية لكنا قد اسلفنا الكلام فيه صغرى وكبرى واما الثانى فلوجود المقتضى وهو الخطاب الواقعى الدال على وجوب الشىء او تحريمه ولا مانع منه عدا ما يتخيل من جهل المكلف به وهو غير قابل للمنع عقلا وشرعا.

العمومات الدالة على وجوب التفقه والتعلم هى آيتا النفر وسؤال اهل الذكر كما اشار اليهما الشيخ قدس‌سره فى كلامه المتقدم عند نقل الوجوه الخمسة واما الاخبار الدالة على وجوب التفقه والتعلم بل الذم على ترك السؤال فهى كثيرة (منها) قوله عليه‌السلام هلّا تعلمت حتى تعمل من حيث كون الوجوب المستفاد منها وجوبا نفسيا استقلاليا كسائر التكاليف النفسية الاستقلالية الموجبة للعقوبة على مخالفتها او تهيئا انشاء لاجل تهيؤ المكلف بالفحص وتعلم الاحكام لامتثال الواجبات والمحرمات الثابتة فى الشريعة او كونه وجوبا طريقيا كسائر الاحكام الطريقية الثابتة فى موارد الاصول والامارات المثبتة الموجبة لاستحقاق العقوبة على مخالفتها عند مصادفتها للواقع او وجوبا شرطيا من جهة دعوى شرطية الفحص تعبدا لحجية ادلة الاحكام والاصول النافية او كونه وجوبا مقدميا غيريا نظرا الى دعوى مقدمية الفحص والتعلم للعمل بادلة الاحكام او كونه ارشاديا محضا الى حكم العقل بلزوم الفحص للفرار عن العقوبة المحتملة اما لاجل العلم الاجمالى او لاستقرار الجهل الموجب لعذره او لحكمه بمنجزية احتمال التكليف قبل الفحص بناء على عدم اطلاق لادلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك فى التكليف ولو قبل الفحص. (ولكن التحقيق) هو ما ذهب اليه المشهور لاباء مثل هذه العمومات

١٩٤

عن كونها مسوقة لاعمال تعبد فى البين يقتضى كونه اى التعلم واجبا نفسيا او شرطيا وظهور سوقها فى كونها للارشاد الى ما هو المغروس فى الذهن من حكم العقل بلزوم الفحص فى الشبهات الحكمية وعدم جواز الاخذ بالبراءة فيها قبل الفحص اما بمناط العلم الاجمالى بوجود التكليف فى المشتبهات على التقريب المتقدم او بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل لعدم استقرار الجهل الموجب لعذره مع عدم اطلاق ايضا لادلة البراءة الشرعية يشمل مطلق الشك فى التكليف (كما يشهد) لذلك ايضا افهام العبد بما قيل له من قول هلّا تعلمت وعدم تمكنه من الجواب بعدم علمه بوجوب التعلم فانه لو لا سوق مثل هذه الاوامر للارشاد الى ما يحكم به العقل من وجوب الفحص والتعلم للفرار عن العقوبة المحتملة وعدم معذورية الجاهل مع التقصير فى مخالفة التكليف الواقعى لكان له ان يجيب بعدم علمه بوجوب الفحص والتعلم كما اجاب بذلك اولا حين ما قيل له هل عملت وحينئذ فلا مجال لرفع اليد عن ظهور هذه الاوامر فى ارادة الارشاد بحملها على الوجوب النفسى الاستقلالى او التهيئي او الوجوب الشرطى كما لا مجال ايضا لحملها على الوجوب الطريقى كما افاده بعض الاعلام ره.

(ثم) الفرق بين ما ذهب اليه المشهور وسابقه ان العقاب على مذاق المشهور يكون على نفس مخالفة الواقع لا على ترك التعلم وفى سابقه يكون العقاب على نفس ترك التعلم عند مخالفة العمل للواقع قال بعض الاعلام ان البحث بين ارباب القولين علمى لا يترتب عليه اثر عملى.

١٩٥

(اما العقل) فلا يقبح مؤاخذة الجاهل التارك للواجب اذا علم ان بناء الشارع على تبليغ الاحكام على نحو المعتاد المستلزم لاختفاء بعضها لبعض الدواعى وكان قادرا على ازالة الجهل عن نفسه واما النقل فقد تقدم عدم دلالته على ذلك فان الظاهر منها ولو بعد ملاحظة ما تقدم من ادلة الاحتياط الاختصاص بالعاجز مضافا الى ما تقدم فى بعض الاخبار المتقدمة فى الوجه الثالث المؤيدة بغيرها مثل رواية عمار المتضمنة لتوبيخ النبى (ص) اياه بقوله أفلا صنعت هكذا وقد يستدل ايضا بالاجماع على مؤاخذة الكفار على الفروع مع انهم جاهلون بها وفيه ان معقد الاجماع تساوى الكفار والمسلمين فى التكليف بالفروع ومؤاخذتهم عليها كالاصول بالشروط المقررة للتكليف وهذا لا ينفى دعوى اشتراط العلم بالتكليف فى حق المسلم والكافر.

(اقول) قد تقدم ان ما ذهب اليه المشهور هو كون العقاب على مخالفة الواقع لو اتفقت فاذا شرب العصير العنبى من غير فحص عن حكمه فان لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ولو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير لا على ترك التعلم.

(اما الاول) فلعدم المقتضى للمؤاخذة عدا ما يتخيل من ظهور ادلة وجوب الفحص وطلب تحصيل العلم فى الوجوب النفسى وهو مدفوع بان المستفاد من ادلته بعد التامل انما هو وجوب الفحص لئلا يقع فى مخالفة الواقع كما لا يخفى.

(او ما يتخيل) من قبح التجرى بناء على ان الاقدام على ما لا يؤمن كونه مضرة كالاقدام على ما يعلم كونه كذلك كما صرح به جماعة منهم الشيخ

١٩٦

وقد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك تبعا لشيخه الاردبيلى حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلم بقبح تكليف الغافل وفهم منه بعض المدققين انه قول بالعقاب على ترك المقدمة دون ذى المقدمة ويمكن توجيه كلامه بارادة استحقاق عقاب ذى المقدمة حين ترك المقدمة فان من شرب العصير العنبى غير ملتفت حين الشرب الى احتمال كونه حراما قبح توجه النهى اليه فى هذا الزمان لغفلته وانما يعاقب على النهى الموجه اليه قبل ذلك حين التفت الى ان فى الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها الا بعد معرفتها فاذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث افضائه الى مخالفة تلك التكاليف ففى زمان الارتكاب لا تكليف لانقطاع التكليف حين ترك المقدمة وهى المعرفة. فى العدة وابو المكارم فى الغنية وقد سبق البحث عنه صغرى اى من حيث قبح التجرى وكبرى اى من حيث ترتب العقاب عليه وعدمه فى السابق فى مقام رد الاخباريين القائلين بالاحتياط فى الشبهة التحريمة التكليفية المستدلين بان الاصل فى الاشياء الحظر فراجع.

(واما الثانى) اى ترتب العقاب على مخالفة الواقع فلوجود المقتضى وهو الخطاب الواقعى الدال على وجوب الشيء او تحريمه ولا مانع منه عدا ما يتخيل من جهل المكلف به وهو غير قابل للمنع عقلا ولا شرعا.

(اما العقل) فلا يقبح مؤاخذة الجاهل التارك للواجب اذا علم ان بناء الشارع على تبليغ الاحكام على النحو المتعارف بين العقلاء المستلزم لاختفاء بعضها لبعض الدواعى وكان قادرا على ازالة الجهل عن نفسه. (واما النقل) فقد تقدم عدم دلالته على ذلك فان الظاهر منها ولو بعد

١٩٧

ملاحظة ما تقدم من ادلة الاحتياط الاختصاص بالعاجز مضافا الى ما تقدم فى بعض الاخبار المتقدمة فى الوجه الثالث المؤيدة بغيرها مثل رواية عمار وقد روى انه اصابته جنابة فتمعّك فى التراب فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك يتمرّغ الحمار أفلا صنعت كذا فعلّمه التيمم وقد استدل بهذه الرواية على عدم المؤاخذة على ترك التعلم لو وافق العمل للواقع كما هو طريقة المشهور بتقريب ان فى التوبيخ على عدم الاتيان بالتيمم على الكيفية دلالة على انه لو كان التيمم بتلك الكيفية ولو من غير سؤال لكان مجزيا ولم يتوجه اليه التوبيخ.

(وبعبارة اخرى) الجزء الاول من هذه الرواية اعنى قوله (ص) كذلك يتمرغ الحمار يدل على بطلان التيمم من جهة مخالفة الواقع والجزء الاخير منها اعنى قوله (ص) أفلا صنعت كذا يدل على الصحة عند المطابقة ولو من غير سؤال والوجه فى كونها مؤيدة لا دليلا هو ضعف السند ولكن قيل انه منجبر بالشهرة وهى كافية فى انجبارها.

(وقد استدل) على ان الجهل بالمكلف به غير قابل للمنع من العقاب بالاجماع على مؤاخذة الكفار على الفروع مع انهم جاهلون بها يعنى معتقدون للخلاف فيها او شاكون فيها والمقصود بالبحث انما هو الثانى وفيه ان معقد الاجماع تساوى الكفار والمسلمين فى التكليف بالفروع ومؤاخذتهم عليها كالاصول بالشروط المقررة للتكليف وهذا لا ينفى دعوى اشتراط العلم بالتكليف فى حق المسلم والكافر.

(وبعبارة مختصرة) ان هذا الاجماع فى قبال ابى حنيفة حيث ذهب الى عدم تكليف الكفار بالفروع ومقصودهم تساوى الكفار والمسلمين فى التكليف بالفروع فى صورة وجود شرطه لا انهم مكلفون بها ولو لم يوجد شرط التكليف وهو الالتفات.

(وكيف كان) قد خالف صاحب المدارك تبعا لشيخه المحقق الاردبيلى

١٩٨

فيما ذهب اليه المشهور من استحقاق العقاب على مخالفة الواقع حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلم بقبح تكليف الغافل والظاهر وجه مخالفتهما مع المشهور ان الجاهل غافل غالبا عن الواقع فيأتى بالحرام او يترك الواجب وهو غير ملتفت اليه.

(ومن المعلوم) انه يقبح التكليف به عقلا فحينئذ يكون العقاب على ترك التعلم لا على الواقع المغفول عنه لقبح تكليف الغافل او لكون تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق بل يلتزمان بوجوب التعلم واجبا نفسيا ليصح العقاب عليه ولا يكون من العقاب على الواجب الغيرى.

(قال المحقق الاردبيلى) فى شرح الارشاد واعلم ايضا ان سبب بطلان الصلاة فى الدار المغصوبة مثلا هو النهى عن الصلاة فيها المستفاد من عدم جواز التصرف فى مال الغير وان النهى مفسد للعبادة فلا تبطل صلاة المضطرّ ولا الناسى ولا الجاهل لعدم النهى حين الفعل ولان الناس فى سعة ما لا يعلمون وان كان فى الواقع مقصرا ومعاقبا بالتقصير ولعلّ قول المصنف ره وان جهل الخ المراد به عدم علمه بالبطلان لا التحريم وان كان ظاهر كلامه غير ذلك وفهم من غير هذا المحلّ انتهى وهذا الكلام صريح فى كون الجاهل المقصّر معاقبا من جهة ترك الفحص والسؤال.

(وقال سيد المدارك) فى شرح قول المحقق واذا اخلّ المصلى بازالة النجاسة عن بدنه او ثوبه اعاد فى الوقت وخارجه اذا اخلّ المصلّى بازالة النجاسة التى تجب ازالتها فى الصلاة عن ثوبه وبدنه فاما ان يكون عالما بالنجاسة ذاكرا لها حالة الصلاة او ناسيا او جاهلا فهنا مسائل ثلاث قال فى تضاعيف المسألة الاولى ما هذا لفظه واطلاق كلام الاصحاب يقتضى انه لا فرق فى العالم بالنجاسة بين ان يكون عالما بالحكم الشرعى او جاهلا بل صرّح العلامة وغيره بان جاهل الحكم عامد لان العلم ليس شرطا فى التكليف وهو مشكل لقبح تكليف الغافل.

١٩٩

(والحق) انهم ان ارادوا بكون الجاهل كالعامد انه مثله فى وجوب الاعادة فى الوقت فهو حق لعدم حصول الامتثال المقتضى لبقاء المكلف تحت العهدة وان ارادوا انه كالعامد فى وجوب القضاء فهو على اطلاقه مشكل لان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل فان ثبت مطلقا او فى بعض الصور ثبت الوجوب وإلّا فلا وان ارادوا انه كالعامد فى استحقاق العقاب فمشكل لان تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق نعم هو مكلّف بالبحث والنظر اذا علم وجوبهما بالعقل او الشرع فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول كما هو واضح انتهى وذكر مثل ذلك فى مواضع أخر منها قوله فى مسئلة الصلاة فى المكان المغصوب اما الجاهل بالحكم فقد قطع الاصحاب بانه غير معذور لتقصيره فى التعلم وتبع فى ذلك استاده المحقق الاردبيلى كما تبعه فى ذلك المحقق السبزوارى فى الذخيرة.

(قوله وفهم منه بعض المدققين) هو المحقق الخوانسارى فى حاشية الروضة فى باب الصوم وقد اورد على صاحب الذخيرة فى بحث مقدمة الواجب بان الالتزام بكون العقاب على ترك المقدمات خلاف الاجماع وحكم العقل وسيرة العرف والعقلاء وبان مقتضاه الالتزام بترتب الثواب عليها ايضا دون ذيها.

(قوله ويمكن توجيه كلامه بارادة استحقاق عقاب ذى المقدمة الخ) والغرض من هذا التوجيه ارجاع كلام صاحب المدارك الى ما ذهب اليه المشهور من استحقاق العقاب على مخالفة الواقع بتقريب ان العقاب انما هو على ترك ذى المقدمة حين ترك المقدمة لكون تركها كاشفا من ترك ذيها لما بينهما من العلاقة والسببية لا على ترك المقدمة نفسها وإلّا لزم المحاذير التى ذكروها فى غير المقام.

(منها) لزوم تعلق العقاب بترك المقدمات مطلقا حتى المقدمات المتصلة بذويها كالوضوء بالنسبة الى الصلاة والارادة بالنسبة الى فعل الواجب مطلقا واللازم باطل اذ المعلوم من الدين ضرورة هو ترتب العقاب على الصلاة والصوم

٢٠٠