درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

١
٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الاولين والآخرين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله المبعوث الى الخلائق اجمعين المخصوص بالصبر على الاذى من المشركين والمنافقين فصبر وتحمّل من قومه اضعاف ما تحمّله سائر الانبياء والمرسلين ثم الصلاة والسلام على اهل بيته المعصومين المظلومين على عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام والحسن عليه‌السلام والحسين عليه‌السلام سادة اهل الجنة اجمعين ثم على التسعة المعصومين الطيبين بقية الائمة الاثنى عشر الهداة المهديّين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

(اما بعد) فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا الموسوم (بدرر الفوائد فى شرح الفرائد) وهو يشتمل على نبذة من بقية مبحث البراءة واصالة الاشتغال والتخيير وقد اجريناه على منوال الاجزاء السابقة فجعلنا المتن فى اعلى الصفحة وشرحه بفصل خط تحته واسأل الله تعالى ان يوفّقنى لا تمامه كما وفّقنى لا تمام الاجزاء المتقدمة انه اكرم مسئول واجود من اعطى وانه يجيب دعوة الداع اذا دعاه.

(وليعلم) انه لا يدع هذا الجزء الرابع ايضا مشكلة فى الرسائل الا وقد حلّها ولا معضلة الا وقد اوضحها وسهّل طريق الوصول الى ما اودع فيه من بدائع الافكار الثاقبة ونتائج الانظار الصائبة وتحقيقات بادر الى اقتطافها علماء الامصار من زمان نشره واوضح مرام المصنف قدس‌سره باوضح تقرير واظهر تعبير خاليا عن الاطناب المملّ والايجاز المخلّ ليكون عونا للفضلاء المشتغلين بدراسة المتن وبحثه واسأل الله سبحانه وتعالى ان يمنّ علىّ بالقبول وان ينفع به اخواننا المتقين من طلاب علوم الدين وان يجعله ذخرا الى يوم فقرى وحاجتى انه خير معين ومسئول.

٣

(المطلب الثالث) فيما دار الامر فيه بين الوجوب والحرمة وفيه مسائل (المسألة الاولى) فى حكم دوران الامر بين الوجوب والحرمة من جهة عدم الدليل على تعيين احدهما بعد قيام الدليل على احدهما كما اذا اختلفت الامة على قولين بحيث علم عدم الثالث فلا ينبغى الاشكال فى اجراء اصالة عدم كل من الوجوب والحرمة بمعنى نفى الآثار المتعلقة بكل واحد منهما بالخصوص اذا لم يلزم مخالفة علم تفصيلى بل ولو استلزم ذلك على وجه تقدم فى اول الكتاب فى فروع اعتبار العلم الاجمالى.

ـ (اقول) قد اشار الشيخ قدس‌سره فيما تقدم الى اقسام كل من الشبهة التحريمية والوجوبية وقد عقد لهما ثمان مسائل اربع للشبهة التحريمية واربع للشبهة الوجوبية ومن كل اربع ثلاثة للشبهة الحكمية وواحدة للشبهة الموضوعية اذ منشأ الشك فى الحكمية تارة يكون فقد النص واخرى اجمال النص وثالثة تعارض النصين وفى الموضوعية منشأ الشك هو اشتباه الامور الخارجية.

(قال قدس‌سره) فى اوائل البراءة توضيح احكام هذه الاقسام فى ضمن مطالب ، المطلب الاول دوران الامر بين الحرمة وغير الوجوب من الاحكام الثلاثة الباقية المطلب الثانى دوران الامر بين الوجوب وغير التحريم المطلب الثالث دوران الامر بين الوجوب والتحريم.

(فالمطلب الاول) فيما دار الامر فيه بين الحرمة وغير الوجوب وقد عرفت ان متعلق الشك تارة الواقعة الكلية كشرب التتن ومنشأ الشك فيه عدم النص او اجماله او تعارضه واخرى الواقعية الجزئية فهنا اربع مسائل انتهى ثم شرع اعلى الله مقامه فى بيان حكم جميعها واحدا بعد واحد الى ان ذكر للشبهة الوجوبية فى المطلب الثانى اربع مسائل فتعرض لحكم جميعها ايضا واحدا بعد واحد.

٤

ـ (ثم تعرض قدس‌سره) فى المطلب الثالث لحكم دوران الامر بين المحذورين اى الوجوب والحرمة وقبل ذكر الاقوال فى المقام وبيان الصحيح والسقيم منها لا بأس بالاشارة الى امر وهو انه يعتبر فى دوران الامر بين المحذورين امران.

(احدهما) دوران الفعل بين الوجوب والحرمة فقط وعدم احتمال اتصافه بغيرهما من الاحكام الغير الالزامية فانه مع احتمال ذلك يرجع الى البراءة لكونه شكا فى التكليف الالزامى بل هو اولى بجريان البراءة من الشبهة التحريمية المحضة او الوجوبية المحضة لعدم جريان ادلة الاحتياط فيه لعدم امكانه.

(ثانيهما) ان لا يكون احد الحكمين بخصوصه موردا للاستصحاب اذ عليه يجب العمل بالاستصحاب وينحل العلم الاجمالى لا محالة اذا عرفت محل النزاع فنقول ان تحقيق الحال فى دوران الامر بين المحذورين يقتضى التكلم فى مقامات ثلاثة.

(المقام الاول) دوران الامر بين المحذورين فى التوصليات مع وحدة الواقعة كما لو دار الامر بين كون المرأة المعينة محلوفة الوطى او محلوفة الترك فى ساعة معينة.

(المقام الثانى) دوران الامر بين المحذورين فى التعبديات بمعنى ان يكون احد الحكمين او كلاهما تعبديا مع وحدة الواقعة.

(المقام الثالث) دوران الامر بين المحذورين مع تعدد الواقعة بلا فرق بين التعبديات والتوصليات فى ذلك.

(اما المقام الاول) وهو دوران الامر بين المحذورين فى التوصليات مع وحدة الواقعة فالاقوال فيه خمسة.

(الاول) تقديم احتمال الحرمة لكون دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة(الثانى) الحكم بالتخيير بينهما شرعا.

(الثالث) هو الحكم بالاباحة شرعا والتخيير بينهما عقلا واختاره صاحب الكفاية ره.

٥

ـ (الرابع) هو الحكم بالتخيير بينهما عقلا من دون الالتزام بحكم ظاهرى شرعا واختاره المحقق النائينى ره.

(الخامس) جريان البراءة شرعا وعقلا لعموم ادلة البراءة الشرعية وعدم ثبوت ما يمنع عن شمولها ولحكم العقل بقبح العقاب على خصوص الوجوب او الحرمة للجهل به الموجب لصدق عدم البيان.

(المقام الثانى) فيما اذا كان احد الحكمين او كلاهما تعبديا مع وحدة الواقعة كما اذا دار الامر بين وجوب الصلاة على المرأة وحرمتها عليها لاحتمالها الطهر والحيض مع عدم احراز احدهما ولو بالاستصحاب بناء على حرمة الصلاة على الحائض ذاتا بمعنى ان يكون نفس العمل حراما عليها ولو مع عدم قصد القربة وانتسابه الى المولى ففى مثل ذلك يمكن المخالفة القطعية باتيان العمل بغير قصد القربة فانه على تقدير كونها حائضا فأتت بالمحرم وعلى تقدير عدم كونها حائضا فقد تركت الواجب ولاجل ذلك كان العلم الاجمالى منجزا وان لم تجب الموافقة القطعية لتعذرها

(المقام الثالث) فى دوران الامر بين المحذورين مع تعدد الواقعة كما لو علم اجمالا بصدور حلفين تعلق احدهما بفعل امر والآخر بترك امر آخر واشتبه الامران فى الخارج فيدور الامر فى كل منهما بين الوجوب والحرمة فقد يقال بالتخيير بين الفعل والترك فى كل منهما بدعوى ان كلا منهما من موارد دوران الامر بين المحذورين مع استحالة الموافقة القطعية والمخالفة القطعية فى كل منهما فيحكم بالتخيير فجاز الاتيان بكلا الامرين كما جاز تركهما معا ولكنه خلاف التحقيق لان العلم الاجمالى بالالزام المردد بين الوجوب والحرمة فى كل من الامرين وان لم يكن له اثر لاستحالة الموافقة القطعية والمخالفة القطعية فى كل منهما كما ذكر إلّا انه يتولد فى المقام علمان اجماليان آخران.

(احدهما) العلم الاجمالى بوجوب احد الفعلين.

٦

ـ (والثانى) العلم الاجمالى بحرمة احدهما والعلم الاجمالى بالوجوب يقتضى الاتيان بهما تحصيلا للموافقة القطعية كما ان العلم الاجمالى بالحرمة يقتضى تركهما معا كذلك وحيث ان الجمع بين الفعلين والتركين معا مستحيل يسقط العلمان عن التنجيز بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية ولكن يمكن مخالفتهما القطعية بايجاد الفعلين او تركهما فلا مانع من تنجيز كل منهما بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية فانها المدار الممكن على ما تقدم بيانه وعليه فاللازم هو اختيار احد الفعلين وترك الآخر تحصيلا للموافقة الاحتمالية وحذرا من المخالفة القطعية (اذا عرفت ذلك) فاعلم ان الشيخ قدس‌سره قد عقد لدوران الامر بين المحذورين فى المطلب الثالث اربع مسائل ثلاثة منها للحكمية وواحدة للموضوعية وذلك انه اذا دار الامر بين الوجوب والحرمة فمنشأ الترديد(ان كان عدم الدليل) على تعيين احدهما بالخصوص بعد قيامه على احدهما فى الجملة كما اذا اختلفت الامة على قولين بحيث علم وجدانا انتفاء الثالث (او اجمال الدليل) بحسب الحكم كما اذا امر بشيء وتردد بين الايجاب والتهديد(او اجماله) بحسب متعلق الحكم كما اذا امر بتحسين الصوت ونهى عن الغناء ولم يعلم ان الصوت المطرب بلا ترجيع هل هو تحسين واجب او غناء محرم (او اجماله) بحسب موضوع الحكم كما اذا امر باكرام العدول ونهى عن اكرام الفساق ولم يعلم ان مرتكب الصغائر هل هو عادل يجب اكرامه او فاسق يحرم اكرامه فالشبهة حكمية وان كان منشأ الترديد هو اشتباه الامور الخارجية كما اذا دار امر زيد بين كونه عادلا يجب اكرامه او فاسقا يحرم اكرامه مع العلم بمفهوم العادل والفاسق تحقيقا فالشبهة موضوعية.

(والمستفاد) من عبارته قدس‌سره انه اذا كان منشأ الترديد عدم الدليل على تعيين احدهما بالخصوص بعد قيامه على احدهما فى الجملة كالمثال الذى ذكره فلا ينبغى الاشكال فى اجراء اصالة عدم كل من الوجوب والحرمة بمعنى نفى الآثار المتعلقة بكل واحد منهما بالخصوص.

٧

ـ (قوله بل ولو استلزم على وجه تقدم الخ) يمكن ان يريد الشيخ قدس‌سره على ما تعرض له بعض المحشين بمخالفة العلم التفصيلى المخالفة من حيث الالتزام فقط دون العمل لكن هذا انما يتأتى فى الشبهة الواحدة التى لا تتعدد فيها الواقعة واما فى الشبهات التى تتعدد فيها الواقعة فالالتزام بالاباحة فيها اما ان تستلزم المخالفة القطعية العملية ان فعل فى واقعة وترك فى واقعة اخرى واما ان تستلزم تجويز المخالفة القطعية العملية ان كان فاعلا دائما او تاركا كذلك وهذا هو المراد بقوله على وجه تقدم فى اول الكتاب.

(ويمكن) ان يريد بمخالفته مخالفته من حيث العمل لا فى الحقيقة بل بحيث يتراءى فى بادئ النظر وقد ذكر فى اول الكتاب انه ورد فى الشرع موارد يوهم خلاف ذلك ثم قال فلا بد فى هذه الموارد من الالتزام احد امور على سبيل منع الخلو الى آخر ما افاد فيكون المراد بقوله على وجه تقدم على التوجيهات المذكورة فى اول الكتاب التى مقتضاها عدم وقوع المخالفة التفصيلية فى الشرع اصلا وهذا المعنى فى العبارة لا يخلو عن بعد.

٨

(وانما الكلام) هنا فى حكم الواقعة من حيث جريان اصالة البراءة وعدمه فان فى المسألة وجوها ثلاثة الحكم بالاباحة ظاهرا نظير ما يحتمل التحريم وغير الوجوب والتوقف بمعنى عدم الحكم بشىء لا ظاهرا ولا واقعا ومرجعه الى الغاء الشارع لكلا الاحتمالين فلا حرج فى الفعل ولا فى الترك بحكم العقل وإلّا لزم الترجيح بلا مرجح ووجوب الاخذ باحدهما بعينه او لا بعينه (ومحل هذه الوجوه) ما لو كان كل من الوجوب والتحريم توصليا بحيث يسقط بمجرد الموافقة اذ لو كانا تعبديين محتاجين الى قصد امتثال التكليف او كان احدهما المعين كذلك لم يكن اشكال فى عدم جواز طرحهما والرجوع الى الاباحة لانها مخالفة قطعية عملية وكيف كان فقد يقال فى محل الكلام بالاباحة ظاهرا لعموم ادلة الاباحة الظاهرية مثل قولهم (ع)

ـ (اقول) قد تقدمت الاشارة الى انه اذا كان دوران الامر بين المحذورين فى التوصليات مع وحدة الواقعة فالاقوال فيه خمسة فعلى هذا ما ذكره قدس‌سره ان فى المسألة وجوها ثلاثة مبنى على جعل وجوب الاخذ باحدهما شيئا واحدا له قسمان الاخذ باحدهما تعيينا والاخذ باحدهما تخييرا.

(وكيف كان) اذا دار الامر بين وجوب شيء وحرمته لعدم نهوض حجة على احدهما تفصيلا بعد نهوضها عليه اجمالا ففيه وجوه خمسة.

(الاول) الحكم بالبراءة شرعا وعقلا نظير الشبهات البدوية عينا وذلك لعموم ادلة الاباحة الشرعية وحكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك جميعا.

(الثانى) وجوب الاخذ بجانب الحرمة لقاعدة الاحتياط حيث يدور الامر فيه بين التعيين والتخيير ولظاهر ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة ولان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة.

٩

كل شىء لك حلال وقولهم ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فان كلا من الوجوب والحرمة قد حجب عن العباد علمه وغير ذلك من ادلته حتى قوله عليه‌السلام كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهى اوامر على رواية الشيخ اذ الظاهر ورود احدهما بحيث يعلم تفصيلا فيصدق هنا انه لم يرد امر ولا نهى هذا كله مضافا الى حكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك فان الجهل باصل الوجوب علة تامة عقلا بقبح العقاب على الترك من غير مدخلية لانتفاء احتمال الحرمة فيه وكذا الجهل باصل الحرمة وليس العلم بجنس التكليف المردد بين نوعى الوجوب والحرمة كالعلم بنوع التكليف المتعلق بامر مردد حتى يقال ان التكليف فى المقام معلوم اجمالا.

ـ (الثالث) وجوب الاخذ باحدهما تخييرا اى تخييرا شرعيا قياسا لما نحن فيه بتعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية.

(الرابع) التخيير بين الفعل والترك عقلا مع التوقف عن الحكم بشىء رأسا لا ظاهرا ولا واقعا وقد اختاره الشيخ قدس‌سره على ما يظهر من عبارته اخيرا حيث قال فاللازم هو التوقف وعدم الالتزام إلّا بالحكم الواقعى على ما هو عليه فى الواقع ولا دليل على عدم جواز خلوّ الواقعة عن حكم ظاهرى اذا لم نحتج اليه فى العمل نظير ما لو دار الامر بين الوجوب والاستحباب.

(الخامس) التخيير بين الفعل والترك عقلا والحكم بالاباحة شرعا وهذا الوجه هو الذى اختاره صاحب الكفاية ره.

(ثم) محل الوجوه المذكورة ما لو كان كل من الوجوب والتحريم توصليا او كان احدهما لا بعينه توصليا والآخر تعبديا فانه يجرى فيه الوجوه المذكورة ايضا اذ لو كانا تعبديين محتاجين الى قصد امتثال التكليف او كان احدهما المعين كذلك لم يكن اشكال فى عدم جواز طرحهما والرجوع الى الاباحة

١٠

ـ لانها مخالفة قطعية عملية.

(وبعبارة اخرى) ان الحكم بالاباحة الظاهرية التى كانت هى احدى الوجوه المذكورة فى المسألة مما لا يجرى فيما اذا كان كل من الوجوب والحرمة تعبديا او كان احدهما المعين تعبديا اذ لو حكمنا حينئذ بالاباحة ولم نمتثل شيئا منهما على وجه قربى لحصلت المخالفة القطعية العملية كما يتصور ذلك فيما تراه المرأة المضطربة وقتا وعددا من الدم المردد بين كونه حيضا او استحاضة الموجب لتردد صلاتها بين الوجوب والحرمة بناء على حرمتها على الحائض ذاتا ففى مثله وان لم يتمكن المكلف من تحصيل القطع بالموافقة كما فى التوصليين ولكن بعد التمكن من المخالفة القطعية ولو باتيان الصلاة لا بقصد التقرب يكون العلم الاجمالى مؤثرا بالنسبة اليها.

(ولكن) قال صاحب الكفاية ره ان مورد الوجوه المذكورة وان كان ما لم يكن واحد من الوجوب والحرمة على التعيين تعبديا اذ لو كانا تعبديين او كان احدهما المعين كذلك لم يكن اشكال فى عدم جواز طرحهما والرجوع الى الاباحة لانها مخالفة عملية قطعية على ما افاد شيخنا الاستاد قدس‌سره إلّا ان الحكم ايضا فيهما اذا كانا كذلك هو التخيير عقلا بين اتيانه على وجه قربى بان يؤتى به بداعى احتمال طلبه وتركه كذلك لعدم الترجيح وقبحه بلا مرجح فانقدح انه لا وجه لتخصيص المورد بالتوصليين بالنسبة الى ما هو المهم فى المقام وان اختص بعض الوجوه بهما كما لا يخفى انتهى.

(قال فى فوائد الاصول) انه يعتبر فى دوران الامر بين المحذورين ان يكون كل من الواجب والحرام توصليا او يكون احدهما الغير المعين توصليا فلو كان كل منهما تعبديا او كان احدهما المعين تعبديا فليس من دوران الامر بين المحذورين لان المكلف يتمكن من المخالفة القطعية بالفعل او الترك لا بقصد التعبد والتقرب وان لم يتمكن من الموافقة القطعية فبالنسبة الى المخالفة القطعية

١١

ـ العلم الاجمالى يوجب التأثير ويقتضى التنجيز وان لم يقتض ذلك بالنسبة الى الموافقة القطعية وذلك واضح انتهى.

(وكيف كان) قال قدس‌سره فى صدر البحث ان فى المسألة وجوها ثلاثة الحكم بالاباحة ظاهرا نظير ما يحتمل التحريم وغير الوجوب عنى بذلك الوجه الاول من وجوه الخمسة المذكورة ثم قال والتوقف بمعنى عدم الحكم بشيء لا ظاهرا ولا واقعا ومرجعه الى الغاء الشارع لكلا الاحتمالين فلا حرج فى الفعل ولا فى الترك بحكم العقل وإلّا لزم الترجيح بلا مرجح وعنى بذلك الوجه الرابع من وجوه المسألة ثم قال ووجوب الاخذ باحدهما بعينه عنى بذلك الوجه الثانى من الوجوه المذكورة ثم قال اولا بعينه وعنى بذلك الوجه الثالث من الوجوه المحتملة(ثم ساق الكلام) طويلا فى تقريب الوجه الاول اى الحكم بالاباحة ظاهرا وبيان عموم ادلة الاباحة الشرعية وحكم العقل بقبح المؤاخذة على كل من الفعل والترك الى ان عدل عن هذا كله حتى قال فاللازم هو التوقف وعدم الالتزام إلّا بالحكم الواقعى الى ان قال :

(قوله حتى قوله عليه‌السلام كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهى اوامر على رواية الشيخ) انما قال على رواية الشيخ لان ظاهر الخبر على الرواية المشهورة وهو قوله عليه‌السلام كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهى لا يشمل المقام لكونه ظاهرا فى الشبهة التحريمية بل شموله لما نحن فيه على رواية الشيخ ايضا انما يتم لو حمل على ارادة ورود الامر او النهى فى واقعة واحدة بان يكون الشيء الواحد محتملا لكونه واجبا وحراما واما اذا اريد تعلق كل واحد منهما بشىء دون الآخر بان يراد من الرواية حتى يرد امر فى الشىء الواجب ونهى فى الشىء الحرام حتى يكون مورد الرواية واقعتين مختلفتين فلا تشمل ما نحن فيه ايضا ولعله لذلك اتى بكلمة حتى (قوله وليس العلم بجنس التكليف المردد بين نوعى الوجوب الخ) دفع عما قد يتخيل فى المقام من ان العلم بجنس التكليف المردد بين نوعى الوجوب والحرمة كالعلم بنوع التكليف المتعلق بامر مردد كوجوب الصلاة فى يوم الجمعة المرددة بين

١٢

ـ الظهر والجمعة فكما ان التكليف فى الثانى معلوم اجمالا يجب الاحتياط فيه بالجمع بينهما فكذلك ما نحن فيه فكيف يصح القول بالاباحة ظاهرا فى المقام والاحتياط فيما تردد التكليف بين المتباينين كما فى الثانى.

(وحاصل الدفع) ان ما نحن فيه من الشك فى التكليف لا من الشك فى المكلف به كما فى الثانى فان المراد من الشك فى التكليف هو الشك فى النوع وان علم الجنس بخلاف الثانى فان نوع التكليف معلوم لكن الاجمال والتردد فى متعلقه فلا يصح مقايسة ما نحن فيه بذلك كما لا يخفى.

(وليعلم) انه يعتبر فى دوران الامر بين المحذورين امور :

(الاول) وحدة القضية وعدم تكررهما فان فى صورة تكرار القضية يتمكن المكلف من المخالفة القطعية كما لو دار امر المرأة بين كونها محلوفة الوطى فى كل ليلة من ليالى الاسبوع او محلوفة الترك كذلك فانه مع وطيها فى بعض ليالى الاسبوع وترك وطيها فى الليالى الأخر يعلم بمخالفة التكليف.

(الثانى) ان لا يكون المكلف به فى كل من طرف الفعل والترك تعبديا او كان احدهما المعين تعبديا فانه لو كان كذلك لكان المكلف متمكنا من المخالفة القطعية بترك قصد التعبد فى احدهما او فى خصوص المعين ومهما تمكن المكلف من المخالفة القطعية فالعلم الاجمالى يقتضى التنجيز ولو بهذا المقدار.

(الثالث) عدم القول بوجوب الموافقة الالتزامية للتكليف المعلوم بالاجمال فانه لو بنينا على وجوب الموافقة الالتزامية لكان المكلف متمكنا ايضا من المخالفة القطعية بترك الالتزام بالتكليف المعلوم بالاجمال او الالتزام بضده ولكن فى اصل الموافقة الالتزامية موضوعا وحكما اشكال فان المراد من الموافقة الالتزامية ان كان هو التصديق بما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فهذا مما لا اشكال فى وجوبه لان عدم الالتزام بذلك يرجع الى انكار النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وان كان المراد منها معنى آخر فلو سلم ان وراء التصديق بما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله معنى آخر فلا دليل على وجوبه ولو سلم قيام الدليل عليه فهو يختص بما اذا علم بالتكليف تفصيلا ليمكن الالتزام به

١٣

ـ ولو سلم ان الدليل يعم للعلم الاجمالى فالالتزام بالواقع على ما هو عليه فى موارد العلم الاجمالى بمكان من الامكان وهذا لا ينافى كون امر التكليف من حيث العمل يدور بين المحذورين.

(تنبيه) دوران التكليف بين الوجوب والحرمة بالنسبة الى الفعل الواحد تارة يكون مع وحدة الواقعة كما لو دار الامر بين كون المرأة المعينة محلوفة الوطى او محلوفة الترك فى ساعة معينة واخرى مع تعدد الواقعة كالمثال اذا فرض ان الحلف على الفعل او الترك كان فى كل ليلة من ليالى الجمعة.

(فان كان على الوجه الاول) فلا اشكال فى كون الحالف مخيرا بين الوطى وعدمه فى الساعة التى تعلق الحلف بها ولا موقع للنزاع فى كون التخيير بدويا او استمراريا لانه لا تعدد فى الواقعة حتى يتصور فيها التخيير الاستمرارى.

(وان كان على الوجه الثانى) فللنزاع فى كون التخيير بدويا او استمراريا مجال فقيل ان التخيير بدوى فما اختاره المكلف فى ليلة الجمعة الاولى من الفعل او الترك لا بد ان يختاره ايضا فى الليالى اللاحقة وليس له ان يختار فى الليلة اللاحقة خلاف ما اختاره فى الليلة السابقة فانه لو اختلف اختياره فى الليالى لزم منه المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال فانه يعلم بتحقق الحنث اما فى الليلة السابقة واما فى الليلة التى هو فيها فلاجل الفرار عن حصول المخالفة القطعية لا بد من ان يكون التخيير بدويا.

(وذهب بعضهم) الى الثانى وان التخيير استمرارى باعتبار ان كل فرد من افراد ذلك الفعل له حكم مستقل وقد دار الامر فيه بين المحذورين فيحكم العقل بالتخيير لعدم امكان الموافقة القطعية ولا المخالفة القطعية ولا يترتب على ذلك سوى ان المكلف اذا اختار الفعل فى فرد والترك فى فرد آخر يعلم اجمالا بمخالفة التكليف الواقعى فى احدهما ولا بأس به لعدم كون التكليف الواقعى منجزا على الفرض فتأمل فالقول بكون التخيير بدويا اولى حذرا من المخالفة القطعية فلا يجوز للمكلف التفكيك بين الافراد من حيث الفعل والترك.

١٤

(واما دعوى) وجوب الالتزام بحكم الله تعالى لعموم دليل وجوب الانقياد للشرع ففيها ان المراد بوجوب الالتزام ان اريد وجوب موافقة حكم الله فهو حاصل فيما نحن فيه فان فى الفعل موافقة للوجوب وفى الترك موافقة للحرمة اذ المفروض عدم توقف الموافقة فى المقام على قصد الامتثال وان اريد وجوب الانقياد والتدين بحكم الله تعالى فهو تابع للعلم بالحكم فان علم تفصيلا وجب التدين به كذلك وان علم اجمالا وجب التدين بثبوته فى الواقع ولا ينافى ذلك التدين (ح) باباحته ظاهرا اذ الحكم الظاهرى لا يجوز ان يكون معلوم المخالفة تفصيلا للحكم الواقعى من حيث العمل

ـ (اقول) ولا يخفى عليك انه يجب تصديق النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى كل ما جاء به من الاحكام الالزامية والغير الالزامية بل فيما اخبر به من الامور التكوينية الخارجية من الارض والسماء وما فيهما وما تحتهما وما فوقهما فان تصديق النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى جميع ذلك واجب ولكنه خارج عن محل البحث لكونه من اصول الدين لا من الفروع باعتبار ان تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله فى جميع ذلك يرجع الى تصديق نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله والمطلوب فى الاصول الاعتقادية ليس إلّا الالتزام والاعتقاد من حيث الذات.

(ولكن) هل تنجز التكليف بالقطع تفصيلا او اجمالا او بغيره من الطرق الشرعية كما يقتضى وجوب الموافقة عملا يقتضى وجوبها التزاما بالتدين به والتسليم له اعتقادا وانقيادا بحيث يكون له امتثالان واطاعتان ففيه قولان المشهور عدم وجوب الموافقة الالتزامية وهو المختار اذ لم يدل عليه دليل من الشرع ولا من العقل اما الادلة الشرعية فظاهرها البعث نحو العمل والاتيان به خارجا لا الالتزام به قلبا واما العقل فلا يدل على ازيد من وجوب امتثال امر المولى فليس هناك ما يدل على لزوم الالتزام قلبا والظاهر ان المراد من الالتزام فى المقام هو العقد القلبى المفسر بتوطين النفس والبناء على العمل بالاحكام.

١٥

لا من حيث التدين به ومنه يظهر اندفاع ما يقال ان الالتزام وان لم يكن واجبا باحدهما إلّا ان طرحهما والحكم بالاباحة طرح لحكم الله الواقعى وهو محرم وعليه يبتنى عدم جواز احداث القول الثالث اذا اختلفت الامة على قولين يعلم دخول الامام عليه‌السلام فى احدهما (توضيح الاندفاع) ان المحرم وهو الطرح فى مقام العمل غير متحقق (والواجب فى مقام التدين الالتزام بحكم الله على ما هو عليه فى الواقع وهو ايضا متحقق فى الواقع فلم يبق إلّا وجوب تعبد المكلف وتدينه والتزامه بما يحتمل الموافقة للحكم الواقعى وهذا مما لا دليل على وجوبه اصلا.

ـ (ثم) لو تنزلنا وسلمنا وجوب الموافقة الالتزامية تجب حتى فى دوران الامر بين المحذورين للتمكن من الموافقة الالتزامية الاجمالية وان ابيت الا عن لزوم الموافقة الالتزامية التفصيلية لم تجب حينئذ فيما دار امره بين المحذورين وذلك لعدم التمكن منها كما لا يخفى.

(ثم) انهم ذكروا ان ثمرة هذا البحث تظهر فى جريان الاصل فى موارد دوران الامر بين المحذورين وفى اطراف العلم الاجمالى فيما اذا كانت الاطراف محكومة بالتكليف الالزامى فعلم اجمالا بارتفاعه فى بعض الاطراف فعلى القول بوجوب الموافقة الالتزامية لا يجرى الاصل لكونه منافيا للالتزام بالحكم الواقعى وكان مخالفة عملية للحكم بوجوب الالتزام بالواقع واما على القول بعدم وجوب الموافقة الالتزامية فلا مانع من جريان الاصل.

(قال بعض الاعاظم) فى ردها ما هذا لفظه (ان كان مراد القائل) بوجوب الموافقة الالتزامية هو وجوب الالتزام بما هو الواقع على الاجمال فهو لا ينافى جريان الاصل فى الموارد المذكورة اذ مفاد الاصول احكام ظاهرية ووظائف عملية عند الجهل بالواقع ولا منافاة بينها وبين الالتزام بالحكم الواقعى على ما هو عليه فاذا دار الامر بين الوجوب والحرمة لا منافاة بين الالتزام بالاباحة الظاهرية

١٦

ـ للاصل والالتزام بالحكم الواقعى على ما هو عليه من الوجوب او الحرمة وكذا الحال فى جريان الاصل فى اطراف العلم الاجمالى فانه لا منافاة بين الالتزام بنجاسة الإناءين ظاهرا والاجتناب عنهما للاستصحاب والالتزام بطهارة احدهما واقعا اجمالا(وان كان مراده) هو وجوب الالتزام بكل حكم بعينه وبشخصه فهو ساقط لعدم القدرة عليه لعدم معرفته بشخص التكليف حتى يلتزم به وبعد سقوطه لا مانع من جريان الاصل وان كان مراده وجوب الالتزام باحدهما على نحو التخيير فهو معلوم البطلان اذ كل تكليف يقتضى الالتزام به لا الالتزام به او بضده على نحو التخيير مضافا الى ان الالتزام بالوجوب مع عدم العلم به او الالتزام بالحرمة مع عدم العلم بها تشريع محرم فتحصل انه لا مانع من جريان الاصل فى موارد دوران الامر بين المحذورين وفى اطراف العلم الاجمالى من ناحية وجوب الموافقة الالتزامية.

(قال الشيخ قدس‌سره) فى مخالفة العلم الاجمالى ان مخالفته يتصور على وجهين :

(احدهما) مخالفته من حيث الالتزام كالالتزام باباحة وطء المرأة المرددة بين من حرم وطيها بالحلف ومن وجب وطيها به مع اتحاد زمانى الوجوب والحرمة وكالالتزام باباحة موضوع كلى مردد امره بين الوجوب والتحريم مع عدم كون احدهما المعين تعبديا يعتبر فيه قصد الامتثال فان المخالفة فى المثالين ليس من حيث العمل لانه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب او الترك الموافق للرحمة فلا قطع بالمخالفة الامن حيث الالتزام باباحة الفعل.

(الثانى) مخالفته من حيث العمل كترك الامرين اللذين يعلم بوجوب احدهما وارتكاب فعلين يعلم بحرمة احدهما فان المخالفة هنا من حيث العمل (الى ان قال) ووجوب الالتزام بالحكم الواقعى مع قطع النظر عن العمل غير ثابت لان الالتزام بالاحكام الشرعية الفرعية انما يجب مقدمة للعمل وليست كالاصول

١٧

ـ الاعتقادية يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات الى ان قال :

(فالحق) مع فرض عدم الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع على ما جاء به ان طرح الحكم الواقعى ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرما الا من حيث كونها معصية دل العقل على قبحها واستحقاق العقاب بها فاذا فرض العلم تفصيلا بوجوب شىء فلم يلتزم به المكلف لكنه فعله لا لداع الوجوب لم يكن عليه شيء.

(نعم) لو اخذ فى ذلك الفعل نية القربة فالاتيان به لا للوجوب مخالفة عملية ومعصية لترك المأمور به الى ان قال فملخص الكلام ان المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة ومخالفة الاحكام الفرعية انما هى فى العمل ولا عبرة بالالتزام وعدمه.

(اقول) ان الاحكام الالهية على ثلاثة اقسام :

(احدها) ما يكون الاعتقاد فيه مطلوبا بالذات كالاصول الاعتقادية المتحققة بالاعتقادات القلبية التى لا مدخل للعمل فيها ولا شبهة فى وجوب الالتزام والتدين بها وعدم جواز المخالفة الالتزامية فيها.

(ثانيها) ما لا يكون الاعتقاد مطلوبا فيه كذلك بحيث يتحقق بدونه بل بالتزام خلافه ايضا كالواجبات التوصلية التى يكون المطلوب فيها وقوع الفعل كيفما اتفق حتى اذا اتى المكلف بها لا بعنوان انها واجبة تحقق المقصود كغسل الثوب ودفن الميت مثلا.

(ثالثها) ما يكون ذا جنبتين بمعنى ان الاعتقاد والالتزام ليس مطلوبا فيه بالذات لكنه شرط فى تحققه بحيث لو عرى عنه لم يقع على وجهه كالواجبات التعبدية التى اخذ فيها اعتبار قصد التقرب الذى لا يتحقق إلّا بالالتزام والتدين بها ومحل الكلام هاهنا هو الثانى كما لا يخفى.

(ثم) ان للالتزام مراتب عديدة ليس المقام مورد التعرض لها وكيف كان ان وجوب الالتزام بالحكم الواقعى مع قطع النظر عن العمل غير ثابت لان

١٨

ـ الالتزام بالاحكام الشرعية الفرعية انما يجب مقدمة للعمل وليست كالاصول الاعتقادية يطلب فيها الالتزام والاعتقاد من حيث الذات.

(واما دعوى) وجوب الالتزام بحكم الله تعالى لعموم دليل وجوب الانقياد للشرع ففيها ان المراد بوجوب الالتزام ان اريد وجوب موافقة حكم الله فهو حاصل فى دوران الامر بين المحذورين لان فى الفعل موافقة للوجوب وفى الترك موافقة للحرمة اذ المفروض عدم توقف الموافقة فى المقام على قصد الامتثال وان اريد وجوب الانقياد والتدين بحكم الله تعالى فهو تابع للعلم بالحكم لان العلم بالحكم تفصيلا يقتضى الالتزام بذلك الحكم كذلك اذ لو التزم به على نحو ثبوته فى الواقع لم يتحقق الالتزام بذلك الحكم المعين المعلوم تفصيلا واما العلم بالحكم اجمالا فلا يقتضى الا الالتزام بثبوته فى الواقع بمعنى الالتزام بواحد من الوجوب والحرمة والتدين باحدهما فى الواقع ولا ينافى ذلك التدين حينئذ باباحته ظاهرا اذ الحكم الظاهرى لا يجوز ان يكون معلوم المخالفة تفصيلا للحكم الواقعى من حيث العمل لا من حيث التدين به والذى يضر فى معلوم المخالفة انما هو من حيث العمل لا من حيث التدين والالتزام (ومنه) يظهر اندفاع ما يقال ان الالتزام وان لم يكن واجبا باحدهما إلّا ان طرحهما والحكم بالاباحة طرح لحكم الله الواقعى وهو محرم وعليه يبتنى اى على حرمة طرح حكم الله الواقعى يبتنى عدم جواز احداث القول الثالث اذا اختلفت الامة على قولين يعلم دخول الامام عليه‌السلام فى احدهما.

(توضيح الاندفاع) ان المحرم هو الطرح فى مقام العمل وهو غير متحقق لانه فى مقام العمل لا يخلو عن الفعل او الترك فان موافقة الوجوب تحصل فى الفعل كما ان موافقة الحرمة تحصل فى الترك والمكلف لا يخلو عن احدهما ولا يجوز له فى واقعة واحدة اهمالهما واما وجوب الالتزام بحكم الله والتدين به فان اريد وجوب الالتزام والتدين بثبوته على ما هو عليه فى الواقع فهو متحقق

١٩

ـ فى الواقع ايضا لانه يعتقد ايضا بان الواقع لا يخلو عن احدهما اما الوجوب او الحرمة.

وان اريد بذلك وجوب تعبد المكلف وتدينه والتزامه بما يحتمل الموافقة للحكم الواقعى بمعنى ان المكلف متعبد بالتزامه فى مقام العمل بالاحتياط واتيان ما يحتمل الموافقة للحكم الواقعى فهو غير لازم اذ لا دليل على اعتبار ذلك وحينئذ فلا منافاة بين التدين والالتزام بالاباحة فى مقام العمل وبين العلم بكون الحكم الواقعى هو الوجوب او الحرمة.

٢٠