درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٧٨

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلقه واكرم بريته محمد وعترته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا واللعنة الدائمة على اعدائهم من الاولين والآخرين الى يوم الدين.

(اما بعد) فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا الموسوم (بدرر الفوائد فى شرح الفرائد) وهو يشتمل على مهمّات مباحث اصل البراءة وقد جعلناه على منهاج الجزء الاول والثانى فصار المتن فى اعلى الصفحة وشرحه بفصل خطّ تحته وأسأل الله تعالى ان يوفقنى لاتمامه واتمام ما يتلوه من الجزء الرابع والخامس والسادس كما وفقنى للجزء الاول والثانى انه ولى التوفيق ولا قوة إلّا بالله العلى العظيم.

(واعلم) ان المقصد الثالث من الكتاب فى الاصول العملية التى هى الوظائف المقررة للشاك الذى لم يكن له طريق معتبر الى الواقع (وقد عرفها) بعض المحققين بانها هى التى ينتهى اليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل مما دل عليه حكم العقل او عموم النقل ولا يخفى ان هذا التعريف تعريفها بما هو لازمها من باب الاتفاق (قيل) ان الاصل العملى فى الاصطلاح هو الجارى فى الشبهة فى الحكم الكلى الناشئة من فقدان النص او اجماله او تعارضه بناء على كونه مرجعا عند تعارض الادلة الى غير ذلك من التعاريف.

٢

(ثم) ان الاصول العملية اكثر من الاربعة المعروفة وهى البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب كاصالة الطهارة واصالة الصحة واصالة العدم الى غير ذلك من الاصول (ولعل السر) فى عدم ذكر الشيخ قدس‌سره فى الكتاب غير الاصول العملية الاربعة هو حصر الاصول العملية الجارية فى الاحكام التكليفية بتلك الاربعة وإلّا فلا وجه للحصر بها لان غير هذه الاربعة ايضا يكون مرجعا للشاك كاصالة الطهارة او اصالة الصحة وقاعدة الفراغ واصل العدم الى غير ذلك من الاصول.

(وقد افاد) بعض المحققين فى عدم تعرضهم لغيرها وجهين (الاول) ان البحث عن غيرها ليس بمهمّ حيث انه ثابت بلا كلام من دون حاجة الى مزيد النقض والابرام بخلاف الاربعة المعروفة فانها محل الخلاف بين الاصحاب ويحتاج تنقيح مجاريها الى اطالة الكلام ومزيد النقض والابرام فتعرضوا لها بخلاف غيرها (الثانى) جريانها فى جميع ابواب الفقه من الطهارة الى الديات بخلاف غيرها فانه لا يجرى إلّا فى باب واحد كاصالة الطهارة المختصة بخصوص باب النجاسات من الفقه دون غيره.

٣

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(المقصد الثالث)

من مقاصد هذا الكتاب فى الشك قد قسمنا فى صدر هذا الكتاب المكلف الملتفت الى الحكم الشرعى العملى فى الواقعة (على ثلاثة اقسام) لانه اما ان يحصل له القطع بحكمه الشرعى واما ان يحصل له الظن واما ان يحصل له الشك (وقد عرفت) ان القطع حجة فى نفسه لا بجعل جاعل والظن يمكن ان يعتبر فى متعلقه لكونه كاشفا عنه ظنا لكن العمل به والاعتماد عليه فى الشرعيات موقوف على وقوع التعبد به شرعا وهو غير واقع الا فى الجملة وقد ذكرنا موارد وقوعه فى الاحكام الشرعية فى الجزء الاول من هذا الكتاب.

(المقصد الثالث) من مقاصد هذا الكتاب فى الاصول العملية الجارية عند الشك وقد تبين فى مبحث القطع انها تنقسم باعتبار مواردها الى اربعة(البراءة) (والاحتياط) وقد يسمى باصالة الاشتغال او قاعدة الاشتغال (والاستصحاب) (والتخيير) فان الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة ام لا وعلى الثانى اما ان يكون جنس الالزام معلوما ام لا وعلى الاول اما ان يكون الاحتياط ممكنا ام لا فههنا اربعة مباحث

(المبحث الاول) فى اصالة البراءة وموردها عدم العلم بجنس التكليف مع

٤

عدم لحاظ الحالة السابقة وربما يقال لها اصالة النفى ولكن هل هى بمعنى القاعدة او الدليل او الاستصحاب او الظاهر وجوه احسنها هو القول الاول من غير فرق بين ابتنائها على العقل او النقل ولا بأس قبل الورود الى البحث عنها بتقديم امور :

(الاول) فى الفرق بين التخصيص والحكومة والتّخصص والورود فنقول.

(اما التخصيص) فهو عبارة عن كون المخصّص بيانا للعام بحكم العقل الحاكم بعدم جواز ارادة العموم مع العمل بالخاص فلا بد ان يكون المراد من العام هو الخاص وبعبارة اخرى مختصرة التخصيص هو تضييق دائرة الحكم مع بقاء عنوان الموضوع بخلاف الحكومة. فان الحاكم مفسّر للمراد من العام ومبيّن له بمدلوله اللفظى من دون حاجة الى قرينة عقلية.

(واما الحكومة) فهو عبارة عن كون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال الدليل الآخر ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض افراد موضوعه فيكون مبيّنا لمقدار مدلوله مسوقا لبيان حاله متعرضا عليه نظير الدليل على انه لا حكم للشك فى النافلة او مع كثرة الشك او مع حفظ الامام او المأموم او بعد الفراغ من العمل فانه حاكم على الادلة المتكفلة لاحكام المشكوك فلو فرض انه لم يرد من الشارع حكم المشكوك لا عموما ولا خصوصا لم يكن مورد للادلة النافية لحكم الشك فى هذه الصور.

(واما التخصص) فهو عبارة عن خروج الشىء عن موضوع الدليل بنفسه كخروج العلم الوجدانى بالحكم عن ادلة الاصول والامارات.

(واما الورود) فهو عبارة عن الخروج الوجدانى ايضا لكن بالتعبد بمعنى ان يكون نفس التعبد مع قطع النظر عن ثبوت ما يتعبّد به بحكم الشارع موجبا لخروج مورده عن الموضوع كتقديم الدليل على الاصل وكورود الادلة التعبدية على الاصول العقلية التى اخذ فى موضوعها عدم البيان او عدم المؤمّن او تحيّر المكلف من حيث العمل كاصالة البراءة او الاحتياط او التخيير فان نفس وجود التعبد الشرعى كاف فى البيان والمؤمّنيّة ورفع التحيّر عن المكلف فهو وان شارك التخصص فى ارتفاع الموضوع فى موردهما وجدانا إلّا انه يفارقه فى ان الارتفاع فى مورد الاول

٥

تكوينى خارجى وفى الثانى تشريعى تعبدى ومن هنا يعلم ان فى اطلاق الوارد على الادلة العلمية بالقياس الى ادلة الامارات والاصول مسامحة واضحة.

(الامر الثانى) ان متعلق الشك قد يكون حكما جزئيا أو موضوعا خارجيا وقد يكون حكما كليا والغرض من البحث انما هو بيان ما هو الوظيفة عند الشك فى الحكم الكلى وقد يبحث عن الشك فى الحكم الجزئى أو الموضوع الخارجى استطرادا والوظيفة المقررة لحال الشك هى الاصول العملية وهى على قسمين :

(منها) ما تختص بالشبهات الخارجية كاصالة الصحة وقاعدة الفراغ والتجاوز.

(ومنها) ما تعم الشبهات الحكمية وعمدتها الاصول الاربعة وهى الاستصحاب والتخيير والبراءة والاحتياط وقد تقدم بيان مجاريها ولكونها فى مقام اصلاح العمل عند الشك فى الحكم الواقعى سميت بالاصول العملية.

(والاصول العملية) تقابلها الاصول الاعتقادية التى يجب الاعتقاد بها وعقد القلب عليها والاصول اللفظية التى تساق فى بيان المراد من اللفظ نحو اصالة عدم التخصيص عند الشك فى ان المراد من العام هل هو العموم او الخصوص واصالة عدم التقييد عند الشك فى ان المراد من المطلق هل هو كل فرد من افراده او المقيد واصالة عدم التجوز عند الشك فى ان المراد من اللفظ هل هو معناه الحقيقى او المجازى ونحوها فان جميعها فى مقام بيان مراد اصلاح اللفظ من العموم والاطلاق والحقيقة.

(الامر الثالث) لا يجوز اعمال الوظيفة المقررة لحال الشك الا بعد الفحص واليأس عن وجود امارة على احد طرفى الشك لان الامارة حاكمة على الاصول فلا يجوز الاعتماد على الاصول مع احتمال وجود امارة فى مورد الشك الا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالامارة.

(ولا يخفى عليك) ان المراد من الشك المبحوث عنه فى المقام ليس خصوص تساوى الطرفين المقابل للظن والوهم بل المراد منه هو مطلق خلاف اليقين ومطلق استتار الواقع وعدم انكشافه بعلم أو علمى وان النزاع بين الاصوليين

٦

والاخباريين فى المقام بعد الفحص عن الدليل على احد طرفى الشك واما قبله فلا نزاع بينهما فى عدم جواز الرجوع الى البراءة.

(الامر الرابع) قد توهم بعض ان البحث عن مسئلة كون الاصل فى الاشياء الحظر او الاباحة يغنى عن البحث عن مسئلة البراءة والاشتغال فلا وجه لعقد مسألتين يبحث فى احدهما عن الحظر والاباحة وفى الاخرى عن البراءة والاشتغال.

(وفيه ما لا يخفى) من بداهة وضوح الفرق بين المقامين فان النزاع هناك انما هو فيما يستقل به العقل فى حكم الاشياء مع قطع النظر عن ورود حكم من الشارع للاشياء بخلاف المقام فان الخلاف فيه براءة او احتياطا انما هو بعد ملاحظة ورود حكم الاشياء من قبل الشرع وبين الامرين بون بعيد بل ان تأملت ترى عدم التلازم بين المسألتين فى الحكم ايضا حيث انه امكن اختيار الاحتياط فى فرض اختيار الاباحة فى تلك المسألة كامكان العكس وحينئذ فتوهم اتحاد المسألتين وكفاية البحث فى احدهما عن البحث فى الاخرى ساقط من أصله لما عرفت من عدم التلازم بين المسألتين فضلا عن اتحادهما.

(الامر الخامس) لا شبهة فى ان اصالة البراءة المبحوث عنها فى المقام اصل برأسه غير مرتبط بالاستصحاب ولا بمسألة عدم الدليل دليل العدم اما الاول فظاهر.

(واما عدم) ارتباطها بمسألة عدم الدليل دليل العدم فلان المهم فى تلك المسألة انما هو نفى الحكم الواقعى فى نفس الامر ولو مع القطع بعدم كونه فعليا بنحو يستتبع العقوبة على مخالفته بخلاف المقام فان المهم فيه لدى القائل بالبراءة انما هو نفى الحكم الفعلى ظاهرا ونفى المؤاخذة على مخالف ما لا طريق للمكلف الى العلم به لا نفيه بحسب الواقع ونفس الامر كما هو ظاهر.

(الامر السادس) الشبهة التى يكون الاصل فيها جاريا اما ان تكون شبهة حكمية او موضوعية والغرض من التكلم فى هذا المقصد انما هو بيان حكم الشبهة الحكمية التى يختص اجراء الاصل فيها بالمجتهد والبحث عن الاصل الجارى فى الشبهة الموضوعية المسماة عند القدماء بالشبهة فى طريق الحكم من جهة الاستطراد.

٧

(ثم) ان الشبهة الحكمية قد تكون تحريمية وقد تكون وجوبية ومنشأ الشك فى الشبهة الحكمية تارة يكون فقد النص واخرى يكون اجمال النص وثالثة يكون تعارض النصين وسيأتى البحث عن جميع هذه الاقسام تفصيلا.

(الامر السابع) ان البحث عن مسئلة البراءة هل هو بحث عن المسألة الاصولية او الفقهية او الكلامية وجوه اوجهها عند الشيخ قدس‌سره الاول نظرا الى انه الاوفق بتعريف الاصول بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية والى انه لا حظّ للعامى فيه وهذا من خواص المسألة الاصولية فانها لمّا مهدت للاستنباط لم يكن حظّ لغير المستنبط فيها فلا فرق فيما ذكر بين الاستناد فى البراءة او الاحتياط الى حكم العقل بهما او الى النقل.

(قيل) ان البحث عنها مسئلة فقهية يدل على هذا مضافا الى ان البحث عن هذه المسألة نظير البحث عن ساير القواعد الفقهية المستفادة من الادلة كقاعدة نفى الحرج والضرر والتسلط واليد وغير ذلك ان علم الفقه ما يبحث فيه عن الاحوال الطارية لافعال المكلفين من حيث الاقتضاء والتخيير والبحث فيها بحث عن حال افعالهم فى مورد الشبهات من حيث المنع والترخيص.

(وقيل) ان البحث عنها مسئلة كلامية لان علم الكلام هو ما يبحث فيه عن ذات الواجب تعالى وصفاته وافعاله مبدأ ومعادا وفى مسئلة البراءة يبحث عن قبح العقاب بلا بيان وهو بحث عن فعله تعالى فى المعاد.

(الامر الثامن) لا ريب فى ان من القضايا المسلمة بين الاخباريين والاصوليين هى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا نزاع بينهم فى هذه القاعدة اذ لا يتوهم انكارها ممن له ادنى مسكة ودراية فضلا عن مثل هؤلاء الاجلة وكذا لا ريب فى ان من القواعد المسلّمة بين الفريقين قاعدة دفع الضرر المحتمل الاخروى وكذا.

(لا اشكال) ايضا فى ورود القاعدة الاولى على القاعدة الثانية وانه فى فرض جريانها فى مورد يقطع فيه بعدم العقوبة فلا يحتمل فيه الضرر والعقوبة كى تجرى فيه القاعدة الثانية ويقع بينهما التعارض فحينئذ النزاع بين الاخباريين والاصوليين فى

٨

ان مورد الشبهة كان مندرجا تحت قاعدة القبح او تحت قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

(فذهب الاخباريون) الى اندراجه تحت القاعدة الثانية بدعوى وجود البيان على التكليف المشتبه من جهة العلم الاجمالى او من جهة اخبار الاحتياط.

(واما الاصوليون) فذهبوا الى اندراجه تحت القاعدة الاولى بدعوى عدم صلاحية اخبار الاحتياط للبيانية وللمنجزية للتكليف المشكوك اما بنفسها او من جهة معارضتها بما دل على الترخيص فى ارتكاب المشتبه الموجب لحمل اخبار الاحتياط على الاستحباب او الارشاد اذا عرفت الامور المذكورة فلنشرع فى بيان المقصود من شرح عبارة الكتاب فنقول.

(قوله قده المكلف الملتفت الخ) الظاهر ان مراده قدس‌سره من المكلف من كان يصلح شرعا لان يحكم عليه بالاحكام لا من تنجز عليه التكليف وإلّا لما صح جعله مقسما لمن كان مرجعه البراءة كما اشرنا الى ذلك فى الجزء الاول فى البحث عن المكلف فذكر الوصف اى قيد الالتفات للاحتراز والتوطئة لذكر الاقسام اذ لا مجال لها بدون الالتفات.

(قوله موقوف على وقوع التعبد به شرعا الخ) التعبد بالظن شرعا كما فى الظنون الخاصة منها الخبر الواحد وظواهر الالفاظ والاجماع المنقول فى الجملة وغير ذلك من الموارد التى ذكرت فى الجزء الاول من الكتاب وكالظن المطلق على تقدير الكشف (واما التعبد) بالظن عقلا فكما فى الظن المطلق على تقرير الحكومة.

٩

(واما الشك) فلما لم يكن فيه كشف اصلا لم يعقل فيه ان يعتبر فلو ورد فى مورده حكم شرعى كان يقول الواقعة المشكوكة حكمها كذا كان حكما ظاهريا لكونه مقابلا للحكم الواقعى المشكوك بالفرض ويطلق عليه الواقعى الثانوى ايضا لانه حكم واقعى للواقعة المشكوك حكمها وثانوى بالنسبة الى ذلك الحكم المشكوك فيه لان موضوع هذا الحكم الظاهرى وهو الواقعة المشكوك فى حكمها لا يتحقق إلّا بعد تصور حكم نفس الواقعة والشك فيه مثلا شرب التتن فى نفسه لحكم فرضنا فيما نحن فيه شك المكلف فيه فاذا فرضنا ورود حكم شرعى لهذا الفعل المشكوك الحكم كان هذا الحكم الوارد متأخرا طبعا عن ذلك المشكوك فذلك الحكم حكم واقعى بقول مطلق وهذا الوارد ظاهرى لكونه المعمول به فى الظاهر وواقعى ثانوى لانه متأخر عن ذلك الحكم لتأخر موضوعه عنه.

(اقول) المستفاد من قوله قد سره واما الشك فلما لم يكن فيه كشف اصلا ان الشك هو تساوى الطرفين كما هو مصطلح اهل المعقول لا المعنى اللغوى وهو خلاف اليقين على ما فى القاموس فعلى هذا لا يعقل الطريقية والمرآتية فى الشك الى متعلقه وكاشفا عنه فلو ورد فى مورده حكم شرعى كان يقول الواقعة المشكوك حكمها كذا كان حكما ظاهريا لكونه مقابلا للحكم الواقعى المشكوك بالفرض.

تحقيق الكلام فى تفسير الحكم الواقعى والظاهرى

(تفصيل الكلام) فى المقام ان الحكم اما واقعى او ظاهرى (اما الاول) فهو على ما يستفاد من عبارة الشيخ قدس‌سره هو الحكم المجعول للموضوعات الواقعية بالملاحظة الاولية من غير مدخلية للعلم والجهل فيه وان لوحظ فى عروض الحكم لها وتعلقه بها سائر الاعتبارات والاوصاف كالحضر والسفر والصحة والمرض الى غير ذلك فالاحكام الثابتة لذوى الاعذار والموضوعات الاضطرارية احكام واقعية (واما المراد من الثانى) فهو الحكم المجعول للموضوعات من حيث

١٠

الجهل وعدم العلم بالحكم الواقعى سواء لوحظ فيه الظن به شخصا او نوعا او الشك فيه بالمعنى المقابل للظن وهو التسوية كما هو الملحوظ فى موارد التخيير وشكوك الصلاة فى ركعاتها او الشك بالمعنى اللغوى وهو خلاف اليقين على ما فى القاموس كما هو الملحوظ فى الاستصحاب بناء على القول به من باب الاخبار.

(فقد ظهر مما ذكرنا) ان الحكم الثابت بمقتضى الاصول الجارية عند الشك والادلة الظنية المعتبرة شرعا والامارات الشرعية حكم ظاهرى على مذهب اهل الصواب من المخطّئة كما اتفقت عليه كلمة علماء الامامية كثر الله امثالهم.

(ويطلق عليه الواقعى الثانوى ايضا) يعنى يطلق على الحكم الظاهرى الواقعى الثانوى ايضا(اما الوجه) فى تسميته بالواقعى فلان كل شىء فرض له ثبوت فله واقعية فى موضوعه فهو واقعى بهذا المعنى.

(واما) تسميته بالثانوى فمن حيث تأخر موضوعه عن الواقعى بقول مطلق والواقع الموصوف بالاولى وقد اوضح الشيخ قدس‌سره اطلاق الواقعى الثانوى على الحكم الظاهرى بالمثال حيث قال شرب التتن فى نفسه له حكم فى الواقع فرضنا فيما نحن فيه شك المكلف فيه فاذا فرضنا ورود حكم شرعى لهذا الفعل المشكوك الحكم كان هذا الحكم متأخرا طبعا عن ذلك المشكوك فذلك الحكم المجعول لشرب التتن بما هو هو حكم واقعى بقول مطلق وهذا الحكم الوارد لشرب التتن بما هو مشكوك الحكم ظاهرى لكونه المعمول به فى الظاهر وواقعى ثانوى لان الحكم الوارد للشرب بما هو مشكوك الحكم متأخر عن ذلك الحكم المجعول للشرب بما هو هو لتأخر موضوعه اى الشرب مشكوك الحكم عنه اى الحكم المجعول للشرب بما هو هو.

١١

ويسمى الدليل الدال على هذا الحكم الظاهرى اصلا واما ما دل على الحكم الاول علما او ظنا معتبرا فيختص باسم الدليل وقد يقيد بالاجتهادى كما ان الاول قد يسمى بالدليل مقيدا بالفقاهة وهذان القيدان اصطلاحان من الوحيد البهبهانى لمناسبة مذكورة فى تعريف الفقه والاجتهاد ثم ان الظن الغير المعتبر حكمه حكم الشك كما لا يخفى ومما ذكرنا من تأخر مرتبة الحكم الظاهرى عن الحكم الواقعى لاجل تقيد موضوعه بالشك فى الحكم الواقعى يظهر لك وجه تقديم الادلة على الاصول لان موضوع الاصول يرتفع بوجود الدليل فلا معارضة بينهما لا لعدم اتحاد الموضوع بل لارتفاع موضوع الاصل وهو الشك بوجود الدليل ألا ترى انه لا معارضة ولا تنافى بين كون حكم شرب التتن المشكوك حكمه هى الاباحة وبين كون حكم شرب التتن فى نفسه مع قطع النظر عن الشك فيه هى الحرمة فاذا علمنا بالثانى لكونه علميا والمفروض سلامته عن معارضة الاول خرج شرب التتن عن موضوع دليل الاول وهو كونه مشكوك الحكم لا عن حكمه حتى يلزم فيه تخصيص وطرح لظاهره.

(اقول) ان الدليل الدال على الحكم الظاهرى الغير الملحوظ فيه الكشف الظنى عن الواقع يسمى اصلا كالاصول العملية.

(واما الدليل الدال) على الحكم الواقعى الكاشف عنه علما كالخبر المتواتر او ظنا بحيث يكون الكشف الظنى ملحوظا فى اعتباره كما فى الظنون الخاصة فقد يسمى دليلا فقط.

(وقد يطلق) على الكاشف الظنى امارة ايضا وقد يختص الامارة بما يكون معتبرا من حيث الكشف الظنى فى الموضوعات الخارجية فعلى ما ذكر ان الاستصحاب اذا كان مبناه على الظن كما هو المشهور بين القدماء لا يكون اصلا.

(واما الفرق بين الامارات والاصول العملية) فان ما له جهة كشف وحكاية عن الواقع يسمى امارة سواء كانت معتبرة كخبر الثقة ولو فى الاحكام خاصة والبينة مطلقا ولو فى الموضوعات ام لم تكن معتبرة كخبر الفاسق او المجهول ونحوهما

١٢

وما ليس له جهة كشف وحكاية عن الواقع بل كان مجرد وظيفة للجاهل فى ظرف الشك والحيرة يسمى اصلا كقاعدة الطهارة والحل واصالة البراءة ونحوها.

و(اما الاستصحاب) فقد اختلف الاصحاب فى كونه من الاصول او الامارات فان عدّه من الاحكام الظاهرية الثابتة للشىء بوصف كونه مشكوك الحكم نظير اصل البراءة وقاعدة الاشتغال مبنى على استفادته من الاخبار واما بناء على كونه من احكام العقل فهو دليل ظنى اجتهادى نظير القياس والاستقراء على القول بهما وحيث ان المختار عند الشيخ قدس‌سره هو الاول ذكره فى الاصول العملية المقررة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم لكن ظاهر كلمات الاكثر كالشيخ والسيدين والفاضلين والشهيدين وصاحب المعالم كونه حكما عقليا وسيأتى التعرض لما ذكرناه فى باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

(وقد يقيد) ما يختص باسم الدليل بالاجتهادى من حيث كونه موجبا للعلم او الظن بالحكم الشرعى الواقعى كما ان الاول اى الدليل الدال على الحكم الظاهرى قد يسمى بالدليل الفقاهتى من حيث كونه موجبا للعلم بالحكم الظاهرى.

(وهذان القيدان) اصطلاحان مأخوذان على ما حكى من الفاضل المازندرانى فى شرحه على الزبدة وقد شاع هذا الاصطلاح فى زمان المحقق الوحيد البهبهانى وبعده.

(واما وجه تسمية الاول بالفقاهة والثانى بالاجتهادى) فلمناسبة مذكورة فى تعريف الفقه والاجتهاد فانهم عرّفوا الفقه بأنه العلم بالاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية ومرادهم من الاحكام هو الاعم من الاحكام الظاهرية والواقعية بقرينة ذكر لفظ العلم ضرورة ان الاحكام الواقعية لا طريق الى العلم بها غالبا لابتناء الفقه غالبا على ما هو ظنى الدلالة او السند(فناسب) ان يسمى الدليل الدال على الحكم الظاهرى بالدليل الفقاهتى.

(وعرفوا الاجتهاد) بأنه استفراغ الوسع فى تحصيل الظن بالحكم الشرعى الفرعى ومن الواضح ان المراد بالحكم هو خصوص الواقعى بقرينة اخذ الظن

١٣

فى التعريف فانه هو الذى قد يحصل الظن به للمجتهد واما الحكم الظاهرى فيعلمه المجتهد لا محالة.

(فناسب) ان يسمى الدليل الدال على الحكم الواقعى بالدليل الاجتهادى لكونه دليلا على الحكم المذكور فى تعريف الاجتهاد.

(قوله ان الظن الغير المعتبر حكمه حكم الشك كما لا يخفى) لان الظن الذى لم يجعله الشارع معتبرا وطريقا الى الواقع وان كان كاشفا ظنيا عن الواقع سقط عن الاعتبار فوجود الكشف فى الظن الغير المعتبر كعدمه فيكون فى حكم الشك وكما ان الاحكام المشكوكة من الوجوب والحرمة فى موارد الشك فى التكليف او المكلف به يعمل فيهما بالاصل المناسب لنفس المسألة كذلك يعمل فى الظن الغير المعتبر المتعلق بالوجوب والحرمة بالاصل المناسب لنفس الواقعة فالشك والظن الغير المعتبر والوهم فى مرتبة واحدة فى عدم الاعتبار ولا يخفى عليك ان ادنى المناسبة يكفى فى التسمية.

(قوله ومما ذكرنا من تأخر مرتبة الحكم الظاهرى عن الحكم الواقعى) يعنى قد تبين مما سبق من تفسير الحكم الظاهرى عن الحكم الواقعى ان مرتبة الاول متأخرة عن الثانى لاجل تقيد موضوع الحكم الظاهرى بالشك فى الحكم الواقعى كالحلية فانها حكم ظاهرى بالنسبة الى شرب التتن المشكوك فى حكمه الواقعى.

(فعلى هذا) يظهر لك وجه تقديم الدليل علميا كان او ظنيا على الاصول لان موضوع الاصول كون الشيء المشكوك فى حكمه وبعد قيام الدليل على حكمه لا يصدق عليه انه مشكوك فى حكمه.

(فحينئذ) لا معارضة بين الاصل والدليل لارتفاع موضوع الاصل وهو الشك بوجود الدليل لا لعدم اتحاد الموضوع بينهما وقد اشار الشيخ قدس‌سره الى ما ذكر بقوله.

(أ لا ترى) انه لا معارضة ولا تنافى بين كون حكم شرب التتن المشكوك

١٤

حكمه هى الاباحة الظاهرية وبين كون حكم شرب التتن فى نفسه مع قطع النظر عن الشك فيه هى الحرمة فاذا علمنا بالثانى اى الحرمة لكونه علميا اى منشأ علمنا هو الدليل والمفروض سلامة الثانى عن معارضة الاول خرج شرب التتن عن موضوع دليل الاول اى اصالة الاباحة وهو اى موضوع دليل الاول كونه مشكوك الحكم لا عن حكم الاصل حتى يلزم فيه اى فى الخروج تخصيص وطرح لظاهره.

١٥

ومن هنا كان اطلاق التقديم والترجيح فى المقام تسامحا لان الترجيح فرع المعارضة وكذلك اطلاق الخاص على الدليل والعام على الاصل فيقال يخصص الاصل بالدليل او يخرج عن الاصل بالدليل ويمكن ان يكون هذا الاطلاق على الحقيقة بالنسبة الى الادلة الغير العلمية بان يقال ان مؤدّى اصل البراءة مثلا انه اذا لم يعلم حرمة شرب التتن فهو غير محرّم وهذا عامّ ومفاد الدليل الدال على اعتبار تلك الامارة الغير العلمية المقابلة للاصل انه اذا قام تلك الامارة الغير العلمية على حرمة الشىء الفلانى فهو حرام وهذا اخص من دليل اصل البراءة مثلا فيخرج به عنه وكون دليل تلك الامارة اعم من وجه باعتبار شموله لغير مورد اصل البراءة لا ينفع بعد قيام الاجماع على عدم الفرق فى اعتبار تلك الامارة حينئذ بين مواردها.

(اقول) ان الشيخ قدس‌سره قد تعرض للنسبة بين الاصل والدليل وانها من التعارض او غيره فى المقام وان كان محل ذكره مسئلة تعارض الادلة وكيف كان.

(قوله ومن هنا كان اطلاق التقديم والترجيح فى المقام تسامحا الخ) يعنى لاجل ما ذكرنا من انه لا معارضة بين الاصل والدليل لان موضوع الاصل يرتفع بوجود الدليل يظهر لك ان اطلاق التقديم والترجيح فى المقام تسامحا لان الترجيح فرع المعارضة.

(وكذلك اطلاق الخاص على الدليل والعام على الاصل الخ) يعنى اطلاق الخاص على الدليل والعام على الاصل من باب التسامح ايضا لما عرفت من ارتفاع موضوع الاصل بوجود الدليل وتعدد الموضوع فيهما مع اشتراط وحدة الموضوع فى العام والخاص كما هو مقتضى العموم والخصوص.

(قوله ويمكن ان يكون هذا الاطلاق على الحقيقة الخ) ملخص ما ذكره قدس‌سره انه يمكن ان يكون اطلاق الخاص على الدليل والعام على الاصل على الحقيقة لا على التسامح بالنسبة الى الادلة الغير العلمية(بان يقال) ان مؤدى اصالة البراءة مثلا انه اذا لم يعلم بالدليل العلمى حرمة شرب التتن فهو غير محرم

١٦

سواء ورد فى ذلك دليل ظنى ام لا وهذا اى مؤدى اصل البراءة عام شامل لصورة الشك وورود الدليل الظنى على الحرمة.

(ومفاد الدليل الدال) على اعتبار تلك الامارة الغير العلمية كآية النبأ وغيرها مما دل على حجية خبر العادل انه اذا قام تلك الامارة الغير العلمية على حرمة الشىء الفلانى فهو حرام.

(وهذا اخص من دليل اصل البراءة) يعنى مفاد الدليل الدال على اعتبار الامارة الغير العلمية اخص من دليل اصالة البراءة لان مفاد دليل الاصل من قوله عليه‌السلام كل شىء مطلق حتى يرد فيه نهى وقوله الناس فى سعة ما لا يعلمون وغير ذلك كون الاشياء على الاباحة حتى يعلم بحرمتها فشرب التتن محكوم بالاباحة.

(ومفاد الدليل) الدال على اعتبار تلك الامارة هو حجيتها والاخذ بمقتضاها واذا قامت الامارة على حرمة شرب التتن مع ثبوت حجيتها لزم الاخذ بمؤدّاها فيخرج به عن مؤدى الاصل فتبين ان مؤدى الاصل عام ومفاد الدليل خاص.

(قوله وكون دليل الامارة اعم من وجه الخ) هذا اشكال على ما تقدم منه قدس‌سره من كون دليل الامارة الغير العلمية اخص من دليل اصالة البراءة وملخصه ان مفاد الدليل الدال على اعتبار الامارة الغير العلمية عام ايضا لشمول دليل الامارة كل ما قام عليه الامارة الغير العلمية سواء كان موردا لاصل البراءة ام غيره من الاشتغال والتخيير وغيرهما فعلى هذا النسبة بين دليل الامارة ودليل اصالة البراءة عموم من وجه فدعوى اطلاق الخاص على الحقيقة بالنسبة الى الادلة الغير العلمية لا يخلو عن تأمل.

(قوله لا ينفع بعد قيام الاجماع على عدم الفرق الخ) جواب عن الاشكال المذكور حاصله ان كون دليل الامارة الغير العلمية اعم من وجه بالنسبة الى دليل اصل البراءة باعتبار شموله لغير مورد الاصل لا يضر بعد قيام الاجماع على عدم الفرق فى اعتبار تلك الامارة بين الاصل على خلافها وعدمها فهذا الاجماع يدل على العمل بمقتضى الدليل فى مادة الاجتماع التى هى مورد تعارض دليلى الاصل والدليل.

١٧

توضيح ذلك ان كون الدليل رافعا لموضوع الاصل وهو الشك انما يصح فى الدليل العلمى حيث ان وجوده يخرج حكم الواقعة عن كونه مشكوكا فيه واما الدليل الغير العلمى فهو بنفسه بالنسبة الى اصالة الاحتياط والتخيير كالعلم رافع للموضوع واما بالنسبة الى ما عداهما فهو بنفسه غير رافع لموضوع الاصل وهو عدم العلم واما الدليل الدال على اعتباره فهو وان كان علميا إلّا انه لا يفيد إلّا حكما ظاهريا نظير مفاد الاصل اذا لمراد بالحكم الظاهرى ما ثبت لفعل المكلف بملاحظة الجهل بحكمه الواقعى الثابت له من دون مدخلية العلم والجهل فكما ان مفاد قوله (ع) كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى يفيد الرخصة فى الفعل الغير المعلوم ورود النهى فيه فكذلك ما دل على حجية الشهرة الدالة مثلا على وجوب شيء يفيد وجوب ذلك الشيء من حيث انه مظنون مطلقا او بهذه الامارة.

(ان المقصود) بالكلام فى هذا التوضيح البحث فى الفرق بين موارد الاصول وفى اقتضاء الدليل فانه قد يكون بالنسبة الى بعض الاصول رافعا والى بعضها الآخر حاكما او واردا او مخصصا.

(حاصله) ان كون الدليل بعنوان الورود للاصول انما يصح فى الدليل العلمى كالخبر المتواتر حيث ان وجوده يخرج حكم الواقعة عن كونه مشكوكا فيه من غير فرق بين الاصول سواء كان مؤداها بحكم العقل كاصالة البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليين او كان مؤداها من المجعولات الشرعية التعبدية كالاستصحاب مثلا (فالدليل العلمى) وارد على تلك الاصول ورافع لموضوعها لان موضوع البراءة العقلية عدم البيان على الحكم الواقعى وموضوع الاحتياط هو الشك فى الحكم الواقعى واحتمال العقاب على تركه وموضوع التخيير هو الشك فى الحكم الواقعى بتعارض الامارتين وعدم الترجيح لاحد طرفى التخيير وموضوع الاستصحاب هو الشك فى الحكم وعدم العلم بالناقض ولا ريب ان كل ذلك يرتفع بالدليل العلمى اذ لم يبق بعد العلم بالواقع شك فى الحكم وعدم العلم به.

(واما الدليل الغير العلمى) فهو بنفسه بالنسبة الى البراءة العقلية واصالة

١٨

الاحتياط والتخيير كالدليل العلمى رافع للموضوع يعنى كونه بالنسبة اليها بعنوان الورود(واما) بالنسبة الى ما عداها كالاستصحاب فهو بنفسه غير رافع لموضوع الاصل وهو عدم العلم نعم يمكن ان يكون حاكما بالنسبة الى الاستصحاب كما يظهر من عبارة الشيخ قدس‌سره فيما يأتى.

(قوله واما الدليل الدال على اعتباره الخ) يعنى ان الدليل الدال على اعتبار الدليل الغير العلمى كآية النبأ وغيرها مما دل على حجية خبر الثقة وان كان علميا إلّا انه لا يفيد إلّا حكما ظاهريا نظير مفاد الاصل لان المراد من الحكم الظاهرى على ما تقدم ما ثبت لفعل المكلف بملاحظة الجهل بحكمه الواقعى الثابت له من دون مدخلية العلم والجهل وبعبارة اخرى ان الحكم الواقعى لا بد ان يكون لا بشرط بالنسبة الى العلم والجهل به لعدم امكان اعتبار العلم به فى ثبوته الواقعى للزوم الدور فكما ان مفاد قوله عليه‌السلام كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى يفيد الرخصة فى الفعل الغير المعلوم ورود النهى فيه فكذلك ما دل على حجية الشهرة الدالة مثلا على وجوب شيء يفيد وجوب ذلك الشيء.

(ولا يخفى عليك) ان المستفاد من كلام الشيخ قدس‌سره أن مؤدّيات الاصول والامارات الغير العلمية كلها احكام ظاهرية لان كلا من الاصل والدليل الظنى يثبت حكما ظاهريا فى مورد عدم العلم بالواقع والشك فيه فيكون كل منهما فى عرض الآخر وان كان بينهما فرق من جهة ان الاول يثبت حكما ظاهريا فى مورد عدم النظر الى الواقع والثانى يثبت حكما ظاهريا فى مورد النظر الى الواقع من حيث انه طريق الى الواقع.

(قوله من حيث انه مظنون مطلقا او بهذه الامارة) اشارة الى حجية الامارة فى اثبات الحكم الفرعى لان حجيتها قد تكون ثابتة بدليل الانسداد كالشهرة مثلا وقد تكون ثابتة بدليل خاص كظاهر الكتاب والسنة وغيرهما مما قام الاجماع على اعتبارها وقد عبّر الشيخ قدس‌سره عن الفرض الاول بقوله من حيث انه مظنون مطلقا وعن الفرض الثانى بقوله او بهذه الامارة.

١٩

ولذا اشتهر ان علم المجتهد بالحكم مستفاد من صغرى وجدانية وهى هذا ما ادى اليه ظنى وكبرى برهانية وهى كلما ادى اليه ظنى فهو حكم الله فى حقى فان الحكم المعلوم منهما هو الحكم الظاهرى فاذا كان مفاد الاصل ثبوت الاباحة للفعل الغير المعلوم الحرمة ومفاد دليل تلك الامارة ثبوت الحرمة للفعل المظنون الحرمة كانا متعارضين لا محالة فاذا بنى على العمل بتلك الامارة كان فيه خروج عن عموم الاصل وتخصيص له لا محالة هذا.

(يعنى) لاجل ان مفاد دليل الامارات الغير العلمية ليس إلّا حكما ظاهريا اشتهر ان علم المجتهد بالحكم مستند الى هذا القياس الغير المنتج الا للحكم الظاهرى حيث اخذ فى موضوع الكبرى عدم العلم كما هو الشأن فى الاحكام الظاهرية ومن المعلوم انه لو كان مفاده حكما واقعيا لكان ما يترتب عنده من القياس غير منتج الا حكما واقعيا (فعلى ما ذكرنا) اذا كان مفاد الاصل ثبوت الاباحة للفعل الغير المعلوم الحرمة ومفاد دليل الامارة ثبوت الحرمة للفعل المظنون الحرمة كانا متعارضين لا محالة اذ كل من الاصل والدليل الظنى يثبت حكما ظاهريا فى مورد عدم العلم بالواقع والشك فيه فيكون كل منهما فى عرض الآخر فاذا كان احدهما فى عرض الآخر يكون تقديم الدليل على الاصل من باب التخصيص لا من باب الورود.

٢٠