درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ١

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٠٨

١

بسم الله الرحمن الرّحيم

الحمد لله الذى علمنا معالم الدين ومعارج اليقين وانار قلوبنا بانوار حقائق الكتاب المبين ووفقنا لتهذيب القواعد والقوانين والصلاة والسلام على اشرف الاولين والآخرين محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

(وبعد) فيقول المعترف بذنبه المفتقر إلى رحمة ربه السيد يوسف الحسينى التبريزى بن الحاج السيد ابى القاسم الحسينى غفر الله لهما ولمن كان لهما من الآباء والاجداد انى لما رأيت كتاب فرائد الاصول الذى صنفه العلامة على الاطلاق بحر الفضل وساحله ، بر العلم ومراحله ، جامع حقائق الفقه ومجمعها ، منبع دقائق الاصول ومرجعها ، خاتم الفقهاء والمجتهدين آية الله العظمى (الشيخ مرتضى الانصارى) تغمده الله بغفرانه كتابا جامعا لدرر الفوائد حاويا لمهمات مطالب الاصول متضمنا خلاصة افكار الفحول مشتملا على تحقيقات رائقة خلت عنها كتب السابقين محتويا على تدقيقات فائقة لم يهتد اليها الا الاوحدى من اللاحقين وقد تصدى جمع كثير من العلماء وجمع غفير من المحققين لشرح معاقده وايضاح مقاصده بالحواشى والتعاليق فبيد انها لما كانت مغلقة ومشكلة فى بيان مطالبه وعوائده بذلت الجهد فى اثناء التحصيل فى مراجعة الحواشى والتعاليق لهذا الكتاب النفيس ونقحتها بعبارات واضحة بتاليف هذه الوجيزة وسميتها بدرر الفوائد فى شرح الفرائد ليقرب مطالبه الصعبة الى اذهان الاواسط والاوائل ويسهل طريق الوصول الى ما فيه من غوامض حقائقه ومغالق دقائقه والمرجو من الناظرين ان ينظروا اليه بعين اللطف والانصاف وبالله تعالى استعين انه خير معين.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

(م) فاعلم ان المكلف اذا التفت الى حكم شرعى فاما ان يحصل له الشك فيه او القطع او الظن فان حصل له الشك فالمرجع فيه هى القواعد الشرعية الثابتة للشاك فى مقام العمل وتسمى بالاصول العملية وهى منحصرة فى الاربعة.

(ش) قوله قدس‌سره فاعلم ان المكلف ... قد اختلفت الاقوال فى المراد من المكلف فقال بعض المحققين كالمحقق الخراسانى بان مراده قدس‌سره منه (من وضع عليه قلم التكليف) من البالغ العاقل يعنى مرتبة الانشاء من التكليف إذ له مراتب اربع على ما اشتهر عند المحققين من الاصوليين (احدها) مرتبة الاقتضاء وربما يعبر عنها بمرتبة الشأنية (وثانيها) مرتبة الانشاء (وثالثها) مرتبة الفعلية وفى هذه المرحلة يبلغ الحكم درجة حقيقة الحكمية.

(ورابعها) مرتبة التنجز وبلوغه الى حيث يستحقّ على مخالفته العقوبة واما عند البعض فمراتب الحكم ثلاث حيث قال ان المراد بالفعلي ما هو الفعلى من قبل المولى لا الفعلي بقول مطلق فمثله ينفك عن المرتبة الرابعة وهى مرتبة التنجز لكنه عين مرتبة ـ

٣

ـ الانشاء حيث ان الانشاء بلا داع محال وبداع آخر غير جعل الداعى ليس من مراتب الحكم الحقيقى وبداعى جعل الداعي عين الفعلى من قبل المولى وان اريد من الفعلى ما هو فعلى بقول مطلق فهو متقوم بالوصول وهو مساوق للتنجز فالمراتب على اى حال ثلاث وقيل انه ليس للحكم الا مرتبتان مرتبة الجعل والانشاء بداعى البعث والتحريك بنحو القضية الحقيقية والتعرض لبيان المراد من المراتب المذكورة وما هو العمدة من الاقوال المذكورة فيها يأتى فى محله إن شاء الله تعالى. (ويفهم) من عبارة بعض المحشين ان المراد من المكلف من علم وجود التكاليف اجمالا وان لم يلتفت الى آحادها مفصلة فيكون المراد على هذا من الحكم الذى هو متعلق الالتفات هو الاحكام الخاصة من الوجوب والحرمة ونحوهما. (ويظهر) من بعض ان مراده قدس‌سره من المكلف هو المجتهد لا المقلد حيث قال ان المقصود بالذات فى هذا الكتاب بل سائر كتب الاصول انما هو البحث عن الادلة التفصيلية ليستنبط منها الاحكام الكلية وهو لا يجرى فى حق المقلد والبحث عن الاصول العملية وعن حجية الظن ايضا كذلك وبعبارة اخرى ان من يثمر قطعه او ظنه او شكه فى اثبات الاحكام الكلية هو المجتهد لا المقلد وستعرف إن شاء الله تعالى ضعف هذا القول عن قريب. (ويؤيده) ما عن المحقق النائينى رحمة الله عليه من ان المراد من المكلف هو خصوص المجتهد حيث قال ان المراد من الالتفات هو الالتفات التفصيلى الحاصل للمجتهد بحسب اطلاعه على مدارك الاحكام ولا عبرة بظن المقلد وشكه وكون بعض مباحث القطع يعم المقلد لا يوجب ان يكون المراد من المكلف اعم من المقلد والمجتهد اذ البحث عن تلك المباحث وقع استطرادا وليست من مسائل علم الاصول ومسائله تختص بالمجتهد ولا حظّ للمقلد فيها ولا سبيل الى دعوى شمول ادلة اعتبار الطرق والاصول للمقلد غايته ان المقلد عاجز عن تشخيص مواردها ومجاريها ويكون المجتهد نائبا عنه فى ذلك فانه كيف يمكن القول بشمول خطاب مثل لا تنقض اليقين بالشك فى الشبهات الحكمية للمقلد مع انه لا يكاد يحصل له الشك واليقين بل لو فرض حصول الشك واليقين له فلا ـ

٤

ـ عبرة بهما ما لم يكن مجتهدا فى مسئلة حجية الاستصحاب انتهى. (ولا يخفى عليك) ان الفرق بين ما ذهب اليه المحقق النائينى وبعض المحشين بعد اشتراكهما فى ان المراد من المكلف هو المجتهد ان النائينى يقول بان كون المراد من المكلف مجتهدا مستفاد من قيد اذا التفت بخلاف بعض المحشين.

(التحقيق) ان المراد من المقسم وهو المكلف من وضع عليه قلم التكليف وهو اعم من المجتهد والمقلد فان قلت بناء علي تعميم المقسم يرد عليه اشكال وهو انه ليس المقلد متمكنا من تعيين مفاد الادلة ومجارى الاصول بشروطها مثلا ان المقلد لا يكون متمكنا من احراز شرط اجراء البراءة وهو الفحص فحينئذ يكون احكام بعض الاقسام الآتية من القواعد المقررة للشاك مختصة بالمجتهد قلت ان العمل بالخبر الواحد ليس إلّا الاتيان بالفعل الخارجى الذى دل الخبر على وجوبه ومن الواضحات عدم خصوصية المجتهد فيه نعم الذى يختص بالمجتهد ولا يقدر عليه المقلد هو الاستظهار من الدليل والاستنباط منه بان الواجب كذا وهذا غير العمل بمدلوله والاخذ بالاحكام المتعلقة بالشك ليس مشروطا بعنوان الفحص عن الادلة حتى يقال ان المقلد لا يقدر عليه بل الحكم متعلق بالشك الذى ليس فى مورده دليل واقعا والفحص انما يكون لاحراز ذلك فيكون فحص المجتهد عن الدليل وعن المعارض فحصه وترجيحه لاحد الخبرين ترجيحه نيابة عنه وبهذا الاعتبار يكون يقينه وشكه بمنزلة يقينه وشكه فى شمول اطلاقات الادلة مع انه يمكن فرض حصول اليقين والشك للعامي المحض ايضا فى الشبهات الحكمية كما ان المجتهد برجوعه الى الادلة فى حكم الماء المتغير بالنجاسة يحصل له اليقين بنجاسته كذلك العامى فانه برجوعه الى الفقيه فى حكم الماء المتغير بالنجاسة يحصل له اليقين بنجاسته إذ فتوى الفقيه وافتائه اياه بالنجاسة بالنسبة اليه بعينه كالامارة القائمة لدى المجتهد على النجاسة فى الحجية فقد تبين فساد القول بان المراد من المكلف هو المجتهد لا غير. (ويؤيد) ما ذكرنا اشكالا وجوابا ما عن المحقق الخراسانى (قده) فى ـ

٥

الحاشية حيث قال ان مراد الشيخ (قده) بالمكلف من وضع عليه القلم كما مرت اليه الاشارة منا لا خصوص من تنجز عليه التكليف اذ لو اريد هذا المعنى منه لما صح جعله مقسما لبعض مجارى الاصول إذ بينها من لم يكن عليه تكليف كالشاك بين وجوب الشىء واباحته او لم ينجز عليه كالشاك بين وجوب الشىء وحرمته وفى كلا التقديرين يجرى اصالة البراءة ولا خصوص المجتهد كما يتوهم هذا من اختصاص بعض الاحكام الآتية به اذ لا عبرة بظن غير المجتهد بالحكم او شكه فيه لعموم احكام القطع لكل منهما ونمنع الاختصاص فى احكام الظن والشك بالمجتهد لعموم ادلتها غاية الامران المجتهد لما كان متمكنا من تعيين مفاد الادلة ومجارى الاصول بمالها من الشروط دون غيره ينوب المجتهد عن غيره فى ذلك بمقتضى ادلة الافتاء والاستفتاء انتهى.

قوله اذا التفت ... الالتفات على قسمين تفصيلي واجمالى والمراد من الاول هو التوجه على وجه الخبروية بحسب اطلاعه علي مدارك الاحكام والمراد من الثانى هو مطلق التوجه والقائل بالاول علي ما يفهم من تقريراته هو النائينى (قده) فعليه يكون قيد اذا التفت احتراز يا على ما هو الاصل فى القيود لا توضيحيا فيخرج الغافل والمقلد اذ الالتفات التفصيلى لا يكون جاريا فى حقهما.

والقائل بالثانى هو المحقق الخراسانى والمحقق الحائرى صاحب درر الاصول قدس‌سرهما فعلى مبناهما ايضا يكون قيد اذا التفت توضيحيا لا احترازيا فيخرج الغافل فقط ولا يخفى ان كون القيد توضيحيا لا احترازيا لا يصح إلّا ان يراد من المقسم وهو المكلف من تنجز عليه التكليف ولا اظنّ احدا ان يقول بهذا المعني هذا.

لا يقال ان ذكر اذا التفت مستدرك اذا المكلف لا بد ان يكون ملتفتا وإلّا لم يكن مكلفا لقبح تكليف غير الملتفت لانه يقال ان المراد بالمكلف هنا هو المكلف الواقعى مع قطع النظر عن كونه ملتفتا وعدمه لان الالتفات شرط لتنجز التكليف لا لتعلق التكليف الواقعي فى الجملة فيرجع الحاصل الى من جمع الشرائط العامة من البلوغ والعقل والقدرة اذا التفت الى حكم شرعى الخ ومقابله من لم يجمعها فيخرج منه التفات الصبى والمجنون والعاجز

٦

ـ لعدم ترتب اثر شرعا وعقلا علي التفات هؤلاء.

قوله إلى حكم شرعى ... والمراد من الحكم هو الحكم الكلى الثابت للعناوين الكلية للافعال التى من شانها ان تؤخذ من الشارع لا ما كان لمصاديقها من مجرد تطبيقها عليها ثم لا يبعد ان يراد من الحكم ما يشمل التكليفى والوضعى وان كان الثانى منتزعا من الاحكام التكليفية كما هو الحق عند الشيخ (قده) وجماعة كما سيأتى فى مباحث الاستصحاب بناء على هذا ليست الاحكام الوضعية بنفسها مجاري الاصول اذ لا تأصل لها فهى تابعة لمنشا انتزاعها واما على القول بكونها بذاتها مجعولة فالاصل الجارى من الاصول ليس إلّا الاستصحاب اذ لا معني لجريان اصل البراءة او التخيير او الاحتياط فى السببية ونحوها ومتى جرى الاستصحاب فيها بان كانت لها حالة سابقة ملحوظة لم يعارضه شىء من الاصول الجارية فى الاحكام التكليفية فان الاصل الموضوعى حاكم علي الاصل الحكمى وان لم يكن لها حالة سابقة ملحوظة فلا اصل بالنسبة اليها فحينئذ يرجع فى مقام العمل الى الاصول الجارية فى الاحكام التكليفية وقيل ان المراد من الحكم هو التكليفى لا الوضعى حيث قال ان هذا هو الظاهر من التقسيم فى المتن اذ الاحكام الوضعية ليست داخلة فى المقسم ضرورة ان الشك فيها ليس شكا فى التكليف ولا فى المكلف به والحال ان المدار فى التقسيم على ذلك هذا ملخص ما قاله هذا القائل وفيه ما لا يحتاج الى البيان فتامل.

قوله فيحصل له اما الشك فيه او القطع او الظن ... يعنى ان المكلف اذا كان فى صدد استخراج الحكم فلا يخلو ما ان يكون قاطعا به فهو الثانى او يكون مترددا فيه وعلى الثانى اما يكون طرفا ترديده متساويين فهو الاول او يكون احد طرفيه راجحا والآخر مرجوحا وهو الثالث فجعل الشيخ (قده) التقسيم ثلاثيا وعلى هذا التقسيم بنى كتابه على مقاصد ثلاث الاول فى القطع والثانى فى الظن والثالث فى الشك ثم ذيلها بخاتمة باحث فيها عن التعادل والتراجيح واورد صاحب الكفاية (قده) على هذا التقسيم بما حاصله انه لا بد من ان يكون المراد من الحكم الاعم من الواقعى والظاهرى لاشتراكهما فى الاثر فلا وجه للاختصاص ـ

٧

ـ وكذلك لا بد وان يراد منه الحكم الفعلى اذ لا اثر للقطع والظن او الشك فى الحكم الانشائى وعلي ذلك فلا وجه لتثليث الاقسام كما افاده الشيخ (ره) بل الصحيح ان يجعل التقسيم ثنائيا بان يقال ان المكلف اذا التفت إلى حكم شرعي واقعى او ظاهرى متعلق به او بمقلديه فاما ان يحصل له القطع به اولا وعلى الثانى لا بد من انتهائه الى ما استقل به العقل من اتباع الظن لو حصل له وقد تمت مقدمات الانسداد على تقدير الحكومة وإلّا فالرجوع الى الاصول العملية العقلية من قبح العقاب بلا بيان والاشتغال والتخيير بحسب اختلاف الموارد ثم قال وان ابيت الا عن تثليث الاقسام فالأولى ان يقال ان المكلف اما يحصل له القطع أو لا وعلي الثاني اما ان يقوم عنده طريق معتبر أولا لأن لا يتداخل الاقسام الى آخر ما قال فى الكفاية هذا حاصل ما افاده بتوضيح منا لا يخفى عليك ان السبب لعدول صاحب الكفاية عمّا فى الرسالة هو لزوم التعميم من حيث الواقع والظاهر ولزوم التخصيص من حيث الفعلية والوجه فى كونها سببا لذلك عدم امكان ارادة الاعم من الواقع والظاهر من الحكم الواقع فى الرسالة اذ ارادتهما يستلزم التكرار المستهجن لان مفاد الامارات والاصول الشرعية داخل فى الحكم الظاهرى المقطوع به فلا مقابلة حقيقة واما الثانى فلاستلزامه جمع الحكمين الفعليين فى موارد الامارات والاصول الشرعية فلا يتصور ترتيب الحكم الفعلى على الظن بالحكم الفعلى او الشك فيه فان الظن بالفعليين والشك فيهما كالقطع بهما محال لان الملتفت الى تقابل الحكمين الفعليين كما يستحيل منه القطع بهما كذلك يستحيل منه الظن بهما او احتمالهما معا بخلاف ما اذا اريد من الحكم التعميم من حيث الواقع والظاهر وخصوص الفعلى فافهم الحاصل ان البالغ الذى وضع عليه فلم التكليف اذا التفت فى مقام الاستنباط واستخراج الحكم فاما ان يحصل له القطع او الظن او الشك اما القطع فهو حجة من قبل نفسه من غير ان يكون بجعل جاعل او اعتبار معتبر واما الشك فهو غير قابل للحجية والكاشفية اصلا والوجه واضح واما الظن فهو متوسط بينهما فان قام دليل على ـ

٨

ـ اعتباره وحجيته فيلحق بالقطع ويكون كالقطع تنزيلا وان لم يقم دليل علي اعتباره فيلحق بالشك فيجرى فى مورده احد الاصول العملية التى لا بد من الرجوع اليها فى موارد عدم حصول القطع او الامارة المعتبرة ومما ذكر ظهران جعل الشيخ قدّس سره التقسيم ثلاثيا انما هو باعتبار حالات المكلف من حيث هو الى ذلك وتمييز احكام بعضها عن بعض فما عن صاحب الكفاية قده من الاشكال عليه كما مرت الاشارة فيما سبق من ان هذا التقسيم مستلزم لتداخل الاقسام اذ الظن المعتبر يلحق بالقطع وغير المعتبر منه يلحق بالشك من الغرائب ضرورة ان التقسيم انما هو باعتبار ذلك وبيان ان الظن ليس كالقطع والشك بل يلحق باحدهما مرة وبالآخر اخرى ثم ان الاصول الجارية فى مورد الشك وان كانت كثيرة إلّا ان الاصول التى تستعمل فى مقام الاستنباط وتكون جارية فى تمام الابواب منحصرة بحكم الاستقراء فى الاربعة واما موارد جريانها فانحصارها فى الاربعة عقلى دائر بين النفى الاثبات ولا يخفى عليك ان البحث عن القطع غير داخل فى مسائل هذا العلم لان الميزان فى كون المسألة اصولية ان تقع نتيجتها فى طريق الاستنباط بان تكون كبرى كلية لو انضم اليها صغراها انتجت حكما فرعيا ومن الضرورى ان القطع بالحكم لا يقع فى طريق الاستنباط بل هو بنفسه قطع بالنتيجة وبنفس الحكم الفرعى وهذا فى القطع الطريقى واضح واما الموضوعى اعني القطع المأخوذ فى موضوع الحكم كما اذا قال اذا قطعت بحكم فرعى فتصدق فهو وان كان دخيلا فى فعلية وجوب التصدق إلّا ان نسبته اليه نسبة الموضوع الى حكمه كالخمر بالقياس الى الحرمة وليس وجوب التصدق مستنبطا من القطع بالحكم الفرعى وانما هو مستنبط من الدليل الدال عليه لكن القطع يتعلق بنتيجة علم الاصول اعنى الحكم الفرعى او هو بنفسه نتيجته فله شدة مناسبة مع مسائله فينبغى ان يبحث عنه فيه استطرادا كماله ايضا من بعض الجهات مناسبة مع علم الكلام الباحث عن المبدا والمعاد واستحقاق العقاب وكيف كان قد قسم شيخنا الانصارى قدس‌سره المكلف بانه اذا التفت الى حكم شرعى فاما ان يحصل له القطع به او الظن او الشك فجعل التقسيم ثلاثيا وعلى هذا التقسيم بني كتابه على مقاصد ثلاث الاول فى القطع والثانى فى الظن والثالث فى الشك ـ

٩

ـ ثم ذيلها بخاتمة باحث فيها عن التعادل والتراجيح قوله وتسمى بالاصول العملية حاصله ان القواعد التى تثبت للشاكّ فى مقام العمل منحصرة فى الاصول الاربعة ولكونها فى مقام اصلاح العمل عند الشك فى الحكم الواقعى سميت بالاصول العملية مثلا اذا شك زيد فى طهارة لباسه عند ارادة الصلاة مع تيقنه بانه كان طاهرا سابقا فيعمل بمقتضى الاستصحاب وكذا اذا شك فى وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فيعمل بمقتضى البراءة. والاصول العملية تقابلها الاصول اللفظية التى تساق فى بيان المراد من اللفظ نحو اصالة عدم التخصيص عند الشك فى ان المراد من العام هل هو العموم او الخصوص واصالة عدم التقييد عند الشك فى ان المراد من المطلق هل هو كل فرد من افراده او المقيد واصالة عدم التجوز عند الشك فى ان المراد من اللفظ هل هو معناه الحقيقى او المجازى ونحوها فان جميعها فى مقام بيان مراد اصلاح اللفظ من العموم والاطلاق والحقيقة.

لا يقال ان الاصول الثابتة للشاك منحصرة فى الاصول الاربعة المذكورة بل غير هذه الاربعة ايضا يكون مرجعا للشاك كقاعدة الطهارة للشاك فيها والقرعة لكل امر مشتبه واصالة الصحة للشاك فيها وقاعدة الفراغ واصل العدم إلى غير ذلك من الاصول. لانه يقال ان هذه الاصول على قسمين قسم منها لاثبات الموضوع المشكوك دون الحكم الشرعى كالقرعة واصالة الصحة وقاعدة الفراغ فانها جارية فى الشبهات الموضوعية دون الحكمية والحال ان البحث فى جريان الاصول الثابتة عند الشك فى الحكم الشرعى والمرجع فيه منحصر فى الاصول الاربعة من البراءة والتخيير والاحتياط وقسم منها يمكن ارجاعه بنحو من الاعتبار الى احد الاربعة المذكورة كاصالة الطهارة واصالة العدم فافهم وانما وقع البحث عن خصوص هذه الاربعة دون الاصول التي تجرى فى الشبهات الحكمية لمكان ان كل شك فى كل باب من ابواب الفقه لا بد ان ينتهى الى احدها بخلاف الاصول الأخر فانها تختص ببعض الابواب مع ان بعضها لا كلام ـ

١٠

ـ فى اعتباره كاصالة الطهارة هذا اشكالا وجوابا ملخص ما افاده (ا ق) (ق د) وقد نقلناه بعبارة واضحة وفى هذا المقام لبحر الفوائد بحث دقيق وتحقيق شريف ولا يسعها هذا المختصر.

اصطلاحات

واعلم ان ما يعتبر من حيث الكشف فى الموضوعات يسمى امارة وفى الاحكام الكلية يسمى دليلا وربما يوصف بالدليل الاجتهادى وهو على ثلاثة اقسام :

احدها ما يفيد القطع بالواقع كالاجماع المحصل ودليل العقل.

وثانيها ما يفيد الظن به ويكون حجيته من باب حصول الظن الشخصي منه فالدليل هنا فى الحقيقة هو الظن الحاصل من تلك الادلة فلو لا حصول الظن منها لم تكن حجة.

وثالثها خصوص امور ناظرة الى الواقع مفيدة للظن النوعى وان لم يوجب الظن الشخصى واما ما يعتبر من باب التعبد المحض لبيان كيفية عمل الجاهل والشاك فى الاحكام والموضوعات يسمى اصلا عمليا وربما يسمى بالدليل الفقاهتى وسيظهر وجهه فى اوائل مقصد الثالث وفى اصطلاح بعض بالدليل الفقهائى هذا مجمل الكلام فى ضابط الادلة والاصول عند بعض منهم.

قوله قدس‌سره وهى منحصرة فى اربعة الخ اقول ان الظاهر من كلام الشيخ قدس‌سره كون انحصار الاصول فى الاربعة عقليا لكونه دائرا بين النفى والاثبات وما هذا شأنه يكون عقليا وفيه ان الحصر الذى افاده قدس‌سره وان استفيد من الترديد بين النفى والاثبات والحصر بهذا العنوان يكون عقليا إلّا ان مقتضى هذا الحصر حصر الشك فيما افاده من الاقسام الاربعة لا حصر الاصول فى الاربعة بديهة انه يحتاج إلى ضم مقدمة خارجية وهى ان استقراء حكم العقل وعموم النقل فى هذه الموارد الاربعة يشهد بان القواعد المقررة فيها ايضا اربعة ولذا قال المحقق الخراسانى بان حصر القواعد الثابتة للشاك فى الاصول الاربعة كلها انما يكون بالاستقراء هذا. ويظهر من بعض المحققين ان الحصر فى مجارى الاصول انما يكون عقليا

١١

لدورانه بين النفى والاثبات واما حصر الاصول فى الاربع فليس بعقلي لامكان ان يكون هناك اصل آخر وراء هذه الاصول الاربعة ولكن هذا بالنسبة الى خصوص الاستصحاب حيث ان اعتباره شرعي واما بالنسبة الى الاصول العقلية من البراءة والتخيير والاحتياط فالحصر فيها عقلى لانه فى صورة الشك اما ان يراعي جهة التكليف واما ان لا يراعى وفى صورة المراعاة اما ان يراعى من كل وجه واما ان يراعى فى الجملة فالاول عبارة عن البراءة والثانى الاحتياط والثالث التخيير فلا يعقل ان يكون هناك اصل عقلى آخر وراء هذه الاصول الثلاثة.

١٢

(م) لان الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة ام لا وعلى الثانى فاما ان يمكن الاحتياط ام لا وعلى الاول فاما ان يكون الشك فى التكليف او فى المكلف به فالاول مجرى الاستصحاب والثانى مجرى التخيير والثالث مجرى اصالة البراءة والرابع مجرى قاعدة الاحتياط وبعبارة اخرى الشك اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة اولا فالاول مجرى الاستصحاب والثانى اما ان يكون الشك فيه فى التكليف اولا فالاول مجرى البراءة والثانى اما ان يمكن الاحتياط فيه اولا فالاول مجرى قاعدة الاحتياط والثانى مجرى قاعدة التخيير وما ذكرنا هو المختار فى مجارى الاصول الاربعة وقد وقع الخلاف فيها وتمام الكلام فى كل واحد موكول الى محله.

(ش) اقول انه قد اختلفت كلمات الشيخ قدس‌سره فى تشخيص مجارى الاصول حيث انه عبر فى اول القطع بعبارتين العبارة الاولى الواقعة فى المتن تعبيره فى الدورة الاولى من تدريسه والعبارة الثانية الواقعة فى الحاشية تعبيره فى الدورة الثانية منه وفى اول البراءة بعبارة ثالثة وكيف كان لا يخلو بعضها او جميعها عن اشكال عدم الاطراد والانعكاس اما الاشكال الوارد على عبارة المتن فهو ان المستفاد منها ان ما لا يمكن فيه الاحتياط هو مجرى التخيير مع انه قد يكون موردا للبراءة كما فى دوران الامر بين الوجوب والحرمة والاباحة ودوران الامر بين الوجوب والحرمة والاستحباب ودوران الامر بين الوجوب والحرمة والكراهة لان الاحتياط فى هذه الصور لا يمكن مع ان المرجع فيها محققا هو البراءة واما على ما افاده فى عبارة المتن فتكون مرجعا للتخيير ولا يخفى عليك ان هذا الاشكال لا يرد على العبارة التى ذكرت فى الحاشية لان مفادها جريان البراءة فيما اذا كان الشك فى التكليف اعم من ان يكون مما يمكن الاحتياط ام لا ولا ريب ان الصور المذكورة وان لم يمكن الاحتياط فيها لكن الشك فيها فى التكليف فلا بد فيها من الرجوع الى البراءة وهذا بخلاف عبارة المتن اذ مفادها جريان البراءة فيما اذا كان الشك فى التكليف بشرط ان يكون مما يمكن الاحتياط فيه والصور المذكورة لا يمكن الاحتياط فيها.

١٣

واما الاشكال الوارد على عبارة المتن والحاشية وهو انه اذا دار الامر بين وجوب شيء وحرمة شىء آخر فمختار الشيخ (ره) فيه هو الاحتياط كما سيبين فى فروع العلم الاجمالى ومقتضى العبارتين هو البراءة لان الشك فيه فى التكليف ويمكن فيه الاحتياط هذا محصل الاشكال الوارد علي العبارتين الذى تعرض له بعض الاعاظم وقد اجيب عن الاشكالين بما يوجب التعسف للدفع لكن هذا كله على فرض ان يكون المراد من التكليف نوعه الخاص من الايجاب والتحريم كما صرح به فى اول مسئلة اصالة البراءة وكذا المراد مما امكن فيه الاحتياط ما امكن فيه الاحتياط التام لا ما اذا اريد مطلق الالزام وما يمكن فيه الاحتياط فى الجملة لان دوران الامر بين الوجوب والحرمة او فى شيئين على هذا من الشك فى المكلف به لا فى التكليف ودوران الامر بين الوجوب والحرمة والاباحة مما يمكن فيه الاحتياط فى الجملة بالتزام جانب الالزام ومعاملة الواجب معه او الحرام دون الاخذ باحتمال الاباحة ومعاملة المباح لاقلية احتمال خلاف الواقع معه كما لا يخفى على المتأمل.

قوله اما ان يلاحظ فيه الحالة السابقة انما قيد الشيخ قدس‌سره مجرى الاستصحاب بلحاظ الحالة السابقة ولم يكتف بمجرد وجودها لان مجرد وجود الحالة السابقة مع قطع النظر عن لحاظها لا يكفى فى كونها مجرى الاستصحاب لان مجرد اليقين بالحالة السابقة لا يكفى فى جريان الاستصحاب على مختارة من عدم جريان الاستصحاب فى الشك فى المقتضي مع كون الحالة السابقة فيه متيقنة فالتقييد باللحاظ لاخراج الشك فى المقتضى ويمكن وجه آخر فى التقييد فان صحة جريان الاستصحاب فى مورد لا تقتضي كون الاصل الجارى فيه استصحابا بل يعتبر فيه لحاظ الحالة السابقة. وما افاده المحقق النائينى فى بيان وجه تقييد الاستصحاب باللحاظ من ان مجرد وجود الحالة السابقة مع قطع النظر عن لحاظها لا يكفى فى كونها مجرى الاستصحاب لان بعضا من الاصوليين كان منكرا لاعتبار الاستصحاب كلية او فى خصوص الاحكام الكلية او فى خصوص الشك فى المقتضى على اختلاف بينهم فالمنكر يدعى ان مجرد وجود الحالة السابقة كعدمها لا يكون مجرى الاستصحاب بخلاف ما اذا لوحظت فيه

١٤

الحالة السابقة فان لحاظها انما يكون لاجل جريان الاستصحاب ويكون الشك الملحوظ فيه الحالة السابقة مجرى الاستصحاب على جميع الاقوال فيه ليس له وجه اذ بيان وجه التقييد لا بد من كونه على مختار الشيخ قدس‌سره.

تنبيهان

الاول ان البحث علي ما تقدم فى تقسيم العنوان باعتبار حصول القطع او الظن او الشك للمكلف انما هو فى المكلف الملتفت الى الحكم الشرعى وهذا ينافى تقسيم الشك الى الشك فى التكليف والمكلف به ضرورة ان الشك فى المكلف به ليس من الحكم فى شيء وقد اجيب عن هذه المنافاة بانه لا معنى للالتفات الى الحكم الشرعى مع قطع النظر عن الموضوع فمن كان شاكا فيه تارة يكون شكه فيه بسبب الشك فى المحمول واخرى بسبب الشك فى الموضوع.

الثانى انه ما الفرق بين البراءة والتخيير والحال ان البراءة فى مقام العمل مستلزمة للتخيير لا محالة قيل ان البراءة تقتضي رفع التكليف وعدم وجوب الالتزام والتعبد والتخيير يقتضى الالتزام بالفعل او الترك فيه ان هذا الفرق يصح فى فرض ان يكون المراد من التخيير هو الشرعى واما التخيير العقلى بمعنى ان العقل يحكم بنفى التعيين وان للمكلف اختيار ما شاء بعد ملاحظة عدم امكان الجمع بين الفعل والترك فلا ينافى البراءة والوجه هو الفرق بحسب المدرك اذا لمدرك فى التخيير عدم امكان الجمع والطرح وفى البراءة هو قبح التكليف بلا بيان فتامل وهاهنا ابحاث لا يسعها هذا المختصر.

قوله وما ذكرنا هو المختار فى مجارى الاصول الاربعة اشارة الى الخلاف الواقع بين الاخباريين والاصوليين فى الشك فى التكليف حيث انكر الاخباريون كون هذا موردا للبراءة بالنسبة الى الشبهة الحكمية التحريمية بل الحكم فيه هو الاحتياط عندهم بخلاف الاصوليين حيث ذهبوا فيه الى البراءة واشارة ايضا الى الخلاف من المحقق الخوانسارى والقمى فى الشك فى المكلف به حيث ذهبا فيه الى البراءة.

١٥

(م) قوله فالكلام يقع فى مقاصد ثلاثة الاول فى القطع والثانى فى الظن والثالث فى الاصول العملية التى هى المرجع عند الشك اما الكلام فى المقصد الاول فنقول لا اشكال فى وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا لانه بنفسه طريق الى الواقع وليس طريقيته قابلة لجعل الشارع اثباتا او نفيا ومن هنا يعلم ان اطلاق الحجة عليه ليس كاطلاق الحجة على الامارات المعتبرة شرعا لان الحجة عبارة عن الوسط الذى به يحتج على ثبوت الاكبر للاصغر ويصير واسطة للقطع بثبوته له كالتغير لاثبات حدوث العالم فقولنا الظن حجة والبينة حجة او فتوى المفتى حجة يراد به كون هذه الامور اوساطا لاثبات احكام متعلقاتها فيقال هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه وكذلك قولنا هذا الفعل مما افتى به المفتي بتحريمه او قامت البينة على كونه محرما وكلما كان كذلك فهو حرام وهذا بخلاف القطع لانه اذا قطع بخمرية شيء فيقال هذا خمر وكل خمر يجب الاجتناب عنه ولا يقال ان هذا معلوم الخمرية وكل معلوم الخمرية حكمه كذا لان احكام الخمر انما تثبت للخمر لا لما علم انه خمر والحاصل ان كون القطع حجة غير معقول لان الحجة ما يوجب القطع بالمطلوب فلا يطلق على نفس القطع هذا كله بالنسبة الى متعلق القطع وهو الامر المقطوع به.

(ش) قوله لا اشكال فى وجوب متابعة القطع والعمل عليه ... اقول ان البحث فى حجية القطع من جهتين.

الاولى فى ان طريقيته ذاتية او جعلية فالحق ان طريقيته ذاتية لا تنالها يد التشريع اثباتا ولا نفيا اذ لا معنى لتشريع ما هو حاصل بذاته ومنجعل بنفسه فان الجعل التشريعى انما يتعلق بما يكون تكوينه عين تشريعه لا ما يكون متكونا بنفسه وطريقية القطع تكون كذلك فلا يمكن جعل الطريقية له ولا نفيها عنه ومما ذكرنا يظهر انه لا حاجة الى ما تكفل به جمع من الاستدلال للمدعى بلزوم التسلسل او التناقض ومحصل ما ذكروه ما حاصله ان اعتباره وحجيته ليس بجعل الشارع اثباتا ونفيا.

١٦

ـ اما عدم قبول اعتباره للجعل اثباتا فللزوم التسلسل بيان ذلك انه لو كانت حجية القطع واعتباره منوطة على ثبوتهما من الشارع ولم تكن من مقتضيات ذاته لزم التسلسل لان ما قام من البرهان علي حجية القطع فغاية ما لا يلزم منه القطع بحجيته فحينئذ يلزم القطع بالنسبة الى القطع الحاصل من البرهان وهكذا هلم جرا فيلزم التسلسل وبعبارة اخرى طريقية كل شيء لا بد من ان تنتهى الى العلم وطريقية العلم لا بد ان تكون ذاتية له لان كل ما بالغير لا بدوان ينتهى الى ما بالذات وإلّا لزم التسلسل ومما ذكر يعلم ان نفى الطريقية والحجية عن القطع ليس بمعقول اذ لا يمكن شرعا سلب ما هو من لوازم الذات مضافا الى لزوم التناقض (واما) عدم قبول اعتبار القطع للجعل نفيا فللزوم التناقض بيان ذلك ان من علم كون هذا خمرا وكون الخمر محرمة يحصل له من ضم هذه الصغرى الوجدانية الى تلك الكبرى المقطوع بها العلم بكون هذا حراما فيرى تكليف المولي ونهيه عن ارتكاب هذا المانع من دون شبهة وحجاب فلو قال الشارع لا تعمل بهذا العلم رجع قوله الى الاذن فى ارتكاب الخمر بنظر القاطع وهو التناقض هذا. فتبين ان كلا من الامرين غير قابل للجعل التشريعى فتلخص ان حجية القطع حكم عقلى ومن لوازم القطع بهذا المعنى فلا تكون مجعولة.

واما الجهة الثانية اعنى حجية القطع وكونه مما يصح ان يحتج به المولى علي العبد عند موافقة القطع للواقع ومخالفة العبد لقطعه وان يحتج العبد على مولاه عند مخالفة القطع للواقع وموافقة العبد لقطعه وربما يعبر عن هذا المعنى بوجوب متابعة القطع ولزومه فالاقوال فيها ثلاثة :

الاول ما اختاره صاحب الكفاية وهو ان حجية القطع بمعنى وجوب متابعته والعمل على طبقه من لوازمه الذاتية بل زاد علي هذا مؤثريته فى ذلك حيث قال وتاثيره فى ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد.

الثانى ان تكون ببناء العقلاء وعلى هذا تكون داخلة فى القضايا المشهورة باصطلاح المنطقيين وهى القضايا التي بنى عليها العقلاء حفظا للنظام وابقاء للنوع ومرجع جميعها الى حسن العدل وقبح الظلم وبما ان الشارع رئيس العقلاء ولم يردع ـ

١٧

ـ عن هذا البناء فيكون ممضى عنده فيجب اتباعه.

الثالث ان يكون بحكم العقل والزامه والذى يخالجنى ان القول الثالث لا يمكننا المساعدة عليه لان العقل ليس شأنه الا الادراك واما الالزام والبعث او الزجر فهو من وظايف المولى وشئونه.

ولا يخفى ان فى كلام الشيخ قدس‌سره خلطا بين مقام طريقية القطع ومقام حجيته.

ولا يخفى عليك ايضا ان المراد من وجوب متابعة القطع وجوب متابعة المقطوع من الواقع المرئى بالقطع ولزوم العمل بما ادى اليه قطعه والجرى على وفق عمله وليعلم ايضا ان المراد من هذا الوجوب ليس وجوبا شرعيا لما مر من ان طريقية القطع ذاتية له لا تنالها يد التشريع.

تنبيه

انه لا اشكال فى كون مباحث الامارات والاصول العملية من المباحث الاصولية لكونها واقعة فى طريق استنباط الحكم الشرعي واما مباحث القطع ففيها ما يكون كذلك وتقع نتيجتها فى طريق استنباط الحكم الشرعى كمباحث العلم الاجمالى من جهة الموافقة القطعية او حرمة المخالفة القطعية ومنها ما لا يكون كذلك كالبحث عن حجية القطع ونحو ذلك.

ثم انك بعد ما عرفت ان ذات القطع هو الانكشاف والطريقية وان حجية القطع اى صحة احتجاج العبد به علي مولاه وبالعكس انما هى من لوازم القطع سواء كان مطابقا للواقع اولا فبناء على هذا حجية القطع ليست مختصة بقطع المجتهد بل قطع المقلد ايضا حجة له مثلا اذا قطع المقلد بفتوى مقلده يلزمه متابعته وهكذا احكام الظن والشك غير مختصة بالمجتهدين بل يعم المقلدين فلا بد للمقلد ايضا من تحصيل المؤمن لنفسه وهو اما القطع الوجداني او القطع التنزيلى او الرجوع الى الاصول العملية فاذا حصل له القطع بالحكم الواقعي يعمل به وإلّا فلا بد له من الرجوع إلى ما استقل به العقل من الاحتياط والرجوع إلى المجتهد فاذا قطع بفتوى المجتهد اخذ ـ

١٨

ـ بها وإلّا فإن كان عنده طريق معتبر فهو وإلّا فيعمل بالاصل العملى مثلا اذا كان فتوى المجتهد عنده معلوما سابقا وشك فى تبدله يستصحب عدمه.

والحاصل ان الفرق بين المجتهد والمقلد انما هو فى ان متعلق قطع المقلد او ظنه او شكه يكون ما افتي به مقلده وطريقه اليه فتواه بخلاف المجتهد فان متعلق قطعه وظنه وشكه هو الحكم الواقعى وطريقه اليه هو الكتاب والسنة والعقل مثلا ظهور كلام المجتهد يكون حجة على المقلد ويتمسك باطلاق كلامه كما ان المجتهد يتمسك بظهورات الكتاب والسنة وكذا جميع الطرق العقلائية تكون حجة للمقلد ايضا على ما عرفت فعلى هذا التحقيق الذى افاده بعض من المحققين لا وجه لتخصيص المقسم وهو المكلف فى مقام التقسيم بخصوص المجتهد نعم لا يتمكن المقلد من اجراء البراءة لا من جهة عدم شمول دليلها له بل لان المقلد لا يتمكن من ايجاد شرطها وهو الفحص وهذا ايضا لا يوجب اختصاصها بالمجتهد بل يكون المقلد نظير المجتهد المحبوس الغير المتمكن من الفحص فكما لا يجوز له الرجوع الى البراءة حينئذ لا يجوز للمقلّد ايضا ذلك بملاك واحد وهو عدم الفحص.

قوله ومن هنا يعلم ان اطلاق الحجة عليه ليس كاطلاق الحجة على الامارات المعتبرة شرعا توضيح المقام علي وجه يتضح به المرام ان الحجة عبارة عن الدليل اطلقت عليه تسمية للسبب باسم المسبب والدليل فى اصطلاح الاصوليين اطلق على معان عديدة منها انه عبارة عما يؤدى الى العلم بمطلوب خبرى ومنها انه ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه الى مطلوب خبرى او العلم به على اختلاف العبارتين ولعل اخذ قيد الامكان فى هذا التعريف انما هو لادراج الدليل المغفول عنه ووجه تقييد النظر بالصحيح عدم صحة التوصل بالنظر الفاسد والتقييد بالخبرى لاخراج الحد ولما كان الماخوذ فى الدليل افادة العلم كما صرح به المحقق الطوسى (ره) فى التجريد بقوله وملزوم العلم دليل والظن امارة كان التقييد بالعلم اولى وان امكن جعل تركه اولى ليشمل الادلة الشرعية التى اكثرها امارات فالدليل والحجة عند اهل الميزان عبارة عن مجموع المقدمتين اى الصغرى ـ

١٩

ـ والكبرى اللتين تحصل منهما النتيجة كما عرفت فى حاشية ملا عبد الله ان القياس قول مؤلف من قضايا يلزمه لذاته قول آخر فعلى اصطلاحهم لا يطلق الحجة علي القطع لانه امر يحصل من مجموع الصغرى والكبرى لا عينهما واما فى نظر اهل العرف فهى عبارة عما يحصل به القطع فلا يطلق على نفس القطع واما ما افاده المحقق النائينى من ان الحجة عند اهل الميزان عبارة عن الوسط الذى يكون بينه وبين الاكبر الذى يراد اثباته للاصغر علقة وربط ثبوتى ففى غاية الاشكال لان الحجة بهذا المعنى لم نظفر بتصريحهم بها فراجع إلى مظانه واما الاصوليون فيطلقون الحجة على نفس الواسطة بمعنى ان الحجة عندهم هو الوسط الذى يحتج به على ثبوت الاكبر الذى هو محمول فى الكبرى ولازم للوسط للاصغر الذى هو موضوع فى الصغرى للمحمول الذى هو الوسط ويصير واسطة لثبوت الاكبر للاصغر وبيان ذلك ان اتصاف العالم بالتغير الذى هو ملزوم للحدوث وكون العالم فردا من افراد المتغير كما هو قضية الصغرى واتصاف كل واحد من افراد المتغير بالحدوث واتحاده معه فى الوجود بحيث لا ينفك احدهما عن الآخر كالمتلازمين كما هو قضية الكبرى فلا ريب فى افادة هاتين المقدمتين القطع بثبوت الاكبر للاصغر لان ثبوت الملزوم للاصغر بالقطع يقتضي ثبوت اللازم له بالقطع كما هو قضية اللازم المساوى فظهر ان القطع ليس كذلك اى لا يكون وسطا على ثبوت الاكبر للاصغر لان العلم بالموضوع انما هو انكشاف لحاله لا انه مثبت له والحاصل انه قد تبين مما ذكر ان القطع لا يصح جعله وسطا ولا يكون حجة باصطلاح المنطقى ولا باصطلاح الاصولى واعلم ان هذا الاطلاق اى اطلاقهم الحجة على الواسطة اما حقيقة عرفيته اصطلاحية كما جزم به المحقق القمى قدس‌سره فى بعض حواشيه على القوانين وغيره واما علي المجاز والتأويل واعلم ان هذا كله بخلاف الامارات الشرعية كالظن والفتوى والبينة مثلا اذا ظن بكون مائع خمرا وفرضنا حجية هذا الظن من الشارع يترتب القياس هكذا : هذا مظنون الخمرية وكل مظنون الخمرية يجب الاجتناب عنه ولا يصح ان يقال هذا خمر

٢٠