درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

من المفسرين واللغويين والفقهاء ولكن اختلفوا فى المراد بالعهود على اقوال.

(منها) ان المراد بها العهود التى كان اهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة والموازرة والمظاهرة.

(ومنها) انها عهود الله تعالى على عباده بالايمان به وطاعته فى حلاله وحرامه

(ومنها) ان المراد بها العقود التى يتعاقدها الناس بينهم ويعقدها المرء على نفسه كعقد الايمان وعقد النكاح وعقد البيع وعقد العهد الى غير ذلك من المعانى التى تعرض لبيانها بعض المفسرين وتبعه فى ذلك بعض متاخرى المتاخرين كالفاضل النراقى فى عوائده وغيره.

(بل ذكر الفاضل المذكور) فى العوائد ان للعهد معانى متكثرة وان المعانى التى ذكروها للعقود فى الآية هى ستة بل ثمانية الاول مطلق العهود والثانى عهود المؤمنين والثالث عهود الجاهلية على النحو المتقدم والرابع العقود التى بين الله سبحانه وبين عباده اما التكاليف والواجبات خاصة او مطلق ما حده وشرعه لهم والخامس العقود التى بين الناس والمراد منها يحتمل ان يكون العقود المتداولة بينهم المقررة لهم من الشرع اى العقود الفقهية وان يكون مطلقها ولو كان باختراعهم والسادس جميع ذلك.

(ثم) ان فقهائنا الاخيار يرحمهم‌الله فى كتبهم الفقهية بين تارك للاستدلال بتلك الآية لزعم اجمالها وبين حامل لها على المعنى الاعم فيستدل بها على حلية كل ما كان عقدا لغة او عرفا وترتب ثمراتها التى ارادها مواضعوه الا ما خرج بدليل بل على لزوم الوفاء بالجميع وبين حامل لها على العقود المتداولة فى الشريعة من البيع والنكاح والاجارة والصلح والهبة والمزارعة والمساقاة والسبق والرماية وغيرها مما ذكرها الفقهاء فيستدل بها على اثبات هذه العقود ويتمسك بها فى تصحيح هذه اذا شك فى اشتراط شيء فيها او وجود مانع عن تأثيرها ونحو ذلك لا تصحيح عقد برأسه.

٣٤١

(ثم انه يشكل الامر) من حيث ان ظاهرهم من الضرر المنفى الضرر النوعى لا الشخصى فحكموا بشرعية الخيار للمغبون نظرا الى ملاحظة نوع البيع المغبون فيه وان فرض عدم تضرره فى خصوص مقام كما اذا لم يوجد راغب فى المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع لكونه فى معرض الاباق او التلف او الغصب وكما اذا لم يترتب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع بل كان له فيه نفع وبالجملة فالضرر عندهم فى بعض الاحكام حكمة لا يعتبر اطرادها وفى بعض المقامات يعتبرون اطرادها مع ان ظاهر الرواية اعتبار الضرر الشخصى إلّا ان يستظهر منها انتفاء الحكم رأسا اذا كان موجبا للضرر غالبا وان لم يوجبه دائما كما قد يدعى نظير ذلك فى ادلة الحرج ولو قلنا بان التسلط على ملك الغير باخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار او شفعة ضرر ايضا صار الامر اشكل إلّا ان يقال ان الضرر اوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار فتأمل.

(اقول) قد وقع النزاع بين الاعلام فى ان الاعتبار فى شمول لا ضرر هل هو بالضرر الشخصى او النوعى وتقدم ان المراد بالضرر المنفى الضرر الشخصى دون النوعى لان الضرر كسائر العناوين الكلية انما يثبت له الحكم المجعول فى الشريعة عند تحقق مصداقه فى الخارج ففى كل مورد لزم من جعل الحكم تضرر المكلف نحكم بعدمه دون غيره مما لا يلزم من جعله الضرر فاذا فرضنا ان الوضوء فى زمان ضررى على نوع المكلفين ولم يكن ضرريا على شخص او اشخاص معدودة لا يحكم بعدم وجوبه الا لمن يتضرر به دون غيره.

(وعليه) ينطبق كثير من كلمات الفقهاء فى الفقه كما فى باب شراء الماء للوضوء او الغسل ونحوهما حيث اعتبروا فيه حال المكلف ومن هنا يظهر ان النزاع فى ان الاعتبار فى شمول لا ضرر هل هو بالضرر النوعى نزاع لا معنى له

٣٤٢

فانه لو صح القول بان الاعتبار بالضرر النوعى لصح القول بان الاعتبار فى موارد رفع الخطاء والنسيان وما لا يطاق بنوعية هذه الامور لا بشخصيتها وهذا مما لا يلتزم به الفقيه.

(نعم لو قلنا) بان المراد من الضرر المنفى الضرر النوعى لا الشخصى يشكل الامر من جهته فان الاصحاب حكموا بشرعية الخيار للمغبون نظرا الى ملاحظة نوع البيع المغبون فيه وان فرض عدم تضرره فى خصوص مقام كما اذا لم يوجد راغب فى المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع لكونه فى معرض الاباق او التلف او الغصب وكما اذا لم يترتب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع بل كان له فيه نفع.

(وبالجملة) فالضرر عندهم فى بعض الاحكام حكمة لا يعتبر اطّرادها ضرورة ان الضرر اذا كان حكمة لم يلزم اطرادها اذ الحكمة فى الاحكام الشرعية داعية الى جعل الحكم كارياح الآباط لغسل الجمعة فان استحبابه لا يلازم وجوده لثبوت الاستحباب على من لم يتصف بذلك ايضا وفى بعض المقامات يعتبرون اطرادها وذلك فى العبادات كما فى الصوم وفى شراء ماء الوضوء بثمن غال حيث يفصّلون بين ما اضرّ ذلك الشراء بحال المكلف فلا يجب وما لا يضر بحاله فيجب مع ان ظاهر الرواية اعتبار الضرر الشخصى إلّا ان يستظهر منها نفى الحكم الموجب للضرر الشخصى غالبا لا دائما اى الحكم اذا كان موجبا للضرر بحسب الغالب فهو منفى رأسا.

(كما قد يدعى) نظير ذلك فى ادلة نفى الحرج وقد ذهب كثير من الاصحاب الى ان المنفى بعمومات نفى الحرج هو الحرج النوعى الغالبى بمعنى انه اذا كان فعل من الافعال حرجا وضيقا فى حق الغالب فوجوبه مرتفع حتى فى حق من لا حرج له اصلا وكذا ما لا يكون حرجا فى حق الغالب لا يرتفع وجوبه حتى فى حق من كان الفعل حرجا بالنسبة اليه.

٣٤٣

(ولو قلنا) بان التسلط على ملك الغير باخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار او شفعة ضرر ايضا صار الامر اشكل وذلك لان بقاء المبيع فى البيع المغبون فيه عند المشترى كما انه ضرر عليه فكذلك اخراج الثمن عن ملك البائع ضرر عليه ايضا وكذلك ترك الشفعة فكما انه ضرر على الشفيع فكذلك اخراج المبيع عن ملك المشترى ايضا ضرر عليه وليس الاول اولى باجراء القاعدة فيه من الثانى إلّا ان يقال ان الضرر اوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار بمعنى ان المستكشف من هذه القاعدة ان الملك الحاصل هنا انما هو على وجه التزلزل فلا يكون اخراجه عن ملك مالكه ضررا عليه لان معنى الملك المتزلزل انما هو جواز هذا الاخراج.

(قوله فتأمل) لعله اشارة الى ان هذا اول الكلام لان الاصل فى الملك هو الاستقرار وانقلابه الى التزلزل مبنى على جريان قاعدة الضرر فيه وهو كما عرفت معارض بجريانها فيما يقابله قد يقال فى وجهه على ما تعرض له بعض الاعلام ان العقد فى باب الشفعة ليس متزلزلا اذ ملكية المشترى تامة ولذا يجوز له بيع ما اشترى غاية الامر ان للشفيع اخذ المبيع من المشترى الثانى وردّ الثمن اليه وهو كما ترى ويمكن ان يكون وجهه ان ما ذكر لا يصلح لتقديم ضرر المغبون والشفيع وغيرهما فيتعارض الضرر ان فلا بد فى الحكم بتقديم ضررهم من وجه آخر وهو التمسك بالشهرة والاجماع وغيرهما وقيل فى وجه التقديم ان ضررهم اقوى فتأمل فى جميعها حتى تجد ما هو الحق مما ذكرنا

٣٤٤

(ثم) انه قد يتعارض الضرر ان بالنسبة الى شخص واحد او شخصين فمع فقد المرجح يرجع الى الاصول والقواعد الأخر كما انه اذا اكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للاضرار على الناس فانه يرجع الى قاعدة نفى الحرج لان الزام الشخص بتحمل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج وقد ذكرنا توضيح ذلك فى مسئلة التولى من قبل الجائر من كتاب المكاسب ومثله اذا كان تصرف المالك فى ملكه موجبا لتضرر جاره وتركه موجبا لتضرر نفسه فانه يرجع الى عموم الناس مسلطون على اموالهم ولو عد مطلق حجره عن التصرف فى ملكه ضررا لم يعتبر فى ترجيح المالك ضرر زائد على ترك التصرف فيه فيرجع الى عموم التسلط ويمكن الرجوع

(الكلام فى تعارض الضررين) وهو على انحاء ثلاثة :

(احدها) دوران الامر بين ضررى شخص واحد كما اذا دار امره بين ان يلقى نفسه من اعلى الدار فينكسر رجله وبين ان يبقى فى مكانه فيحترق ويموت فيكون المقام من باب التزاحم فلا بد له من اختيار ما هو اقلّ ضررا والاجتناب عما ضرره اكثر بل الاجتناب عما كان محتمل الاهمية نعم مع العلم بالتساوى او احتمال الاهمية فى كل من الطرفين يكون مخيرا فى الاجتناب عن ايّهما شاء (وثانيها) دوران امر الضرر بين شخصين فاراد الثالث القضاء بينهما عكس المسألة الاولى ومثاله المعروف كالدابة الداخلة فى الدار بحيث لا تخرج منها الا بهدمها فذهب المشهور الى ترجيح الهدم مع الغرامة من حيث كونه اقلّ ضررا وكذا فى الدابة التى ادخلت رأسها فى القدر بحيث لا يخرج رأسها عنه الّا بكسرها من ترجيح الكسر من حيث كونه اقل ضررا. (وثالثها) دوران الامر بين ضرر نفسه وضرر شخص آخر كما اذا دار

٣٤٥

الى قاعدة نفى الحرج لان منع المالك لدفع ضرر الغير حرج وضيق عليه اما لحكومته ابتداء على نفى الضرر واما لتعارضهما والرجوع الى الاصول ولعل هذا او بعضه منشأ اطلاق جماعة وتصريح آخرين بجواز تصرف المالك فى ملكه وان تضرر الجار بان يبنى داره مدبغة او حماما او بيت القصارة او الحدادة بل حكى عن الشيخ والحلبى وابن زهرة دعوى الوفاق عليه ولعله ايضا منشأ ما فى التذكرة من الفرق بين تصرف الانسان فى الشارع المباح باخراج روشن او جناح وبين تصرفه فى ملكه حيث اعتبر فى الاول عدم تضرر الجار بخلاف الثانى فان المنع من التصرف فى المباح لا يعد ضررا بل فوات انتفاع. الامر بين ان يحفر المالك بالوعة فى بيته تضرر بها جاره وان لم يحفرها فيتضرر المالك فى جدران بيته فتنهدم وكما اذا اكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للاضرار على الناس.

(فلا بد من تشخيص) ان قاعدة لا ضرر هل تشمل لمثل هذه الصورة واللازم حينئذ هو دفع الضرر عن نفسه وان استلزم تضرر الآخر او لا تشمل لان هذه القاعدة انما هى للمنّة على العباد ونسبتهم اليه تعالى كنسبة عبد واحد ولا منة على تحمل الضرر لدفع الضرر عن الآخر وان كان اكثر فيستكشف بذلك عدم ارادتهما.

(وكذا لا منة) فى نفى الضرر الاقوى من احد بثبوت الضرر الاضعف على الآخر وانما يكون منّة على خصوص من نفى عنه وكون العباد بالنسبة اليه تعالى بمنزلة عبد واحد لا يصحح المنة على جميعهم فى نفى الضرر الاقوى فيستكشف من جميع ذلك عدم ارادتهما من نفى الضرر وعدم شموله لهذه الصورة واللازم حينئذ هو الرجوع الى القواعد او الاصول إلّا ان يقال ان مقتضى

٣٤٦

المنّة على العباد ان يلاحظ ما هو اقل ضررا فيتحمل الضرر ان كان ضرر غيره اكثر (والظاهر الاول) لان ظهور الحكم بالعنوان الثانوى فى المانعية عن فعلية الحكم بالعنوان الاولى مقدم عند اهل العرف على قرينة ورود الحكم بالعنوان الثانوى فى مقام المنة ويأخذون بالظهور الدال على العموم ولا يعتنون بتلك القرينة فى قبال الظهور المذكور وانما يلاحظ تلك القرينة مع عدمه فلو اراد حفر بئر او بالوعة فى داره وكان مستلزما للضرر على الجار او المارة وكان ترك الحفر مستلزما للضرر على نفسه كانت المنة فى حقه حفر البئر ولو تضرر غيره وان شك فى عمومه لها فالمرجع هو القواعد الأخر من عموم نفى الحرج او عموم قوله عليه‌السلام الناس مسلطون على اموالهم وتأمل فى المسألة المبحوث عنها فانها ذات فروع كثيرة فى ابواب الفقه واضطربت فيها كلمات الاعلام وعليك بالتأمل التام.

(قال فى بحر الفوائد) فى المقام انه لو دار الامر بين الحكمين ضرريين بحيث لا محيص عن الوقوع فى احدهما فيكون الحكم بعدم احدهما مستلزما للحكم بثبوت الآخر فاما ان يكون الضرران متحدين نوعا من حيث النفس والعرض والمال واما ان يكونا مختلفين بحسب النوع وعلى التقديرين اما ان يكونا متحدين كما وكيفا او مختلفين وعلى التقادير اما ان يكونا بالنسبة الى شخص واحد او شخصين لا اشكال بل لا خلاف فى لزوم الترجيح بحسب الاختلاف المزبور فى الجملة إلّا انه لا اطراد له عندهم فان كلماتهم فى فروع هذا الاصل مختلفة مضطربة حدا انتهى كلامه رفع فى الخلد مقامه.

(ثم ان الشيخ قدس‌سره) قد عبّر عن دوران الامر بين ضرر وضرر آخر بالتعارض ومقصوده من التعارض هو معناه الحقيقى بشهادة الرجوع الى الاصول والقواعد الأخر ولو فى الجملة وعلى كل حال قد شرع فى بيان بعض ما يترتب على القاعدة من المسائل الفرعية وملخصه انه اذا حصل التعارض بين

٣٤٧

الضررين فهو تارة يكون فى حق شخص واحد واخرى فى حق شخصين وعلى الثانى تارة يكون فى حق شخصين خارجين واخرى يحصل التعارض بين الضرر على النفس او الغير.

(اما الاول) فلا اشكال فيه فى تقديم ما هو مستلزم للضرر الاقل فان من لا يرضى بتضرر عبده لا يختار له الا اقل الضررين عند عدم المناص عنهما.

(واما الثانى) فقد يقال بترجيح الاقل ضررا وان حصل التساوى فالمرجع هو القرعة او التخيير كما فى الغريقين.

(واما الثالث) فتارة يكون التعارض بين الضررين فى الاملاك واخرى فى غيرها اما الثانى فيندرج تحته اقسام لان الضرر تارة يتوجه اليهما فى مرتبة واحدة واخرى يتوجه الى الغير اولا وثالثا يتوجه الى نفسه اولا ثم الى الغير.

(اما الاول) فلا اشكال فى ان احدهما لو كان قادرا على عدم الاعطاء اذا امر الظالم بإعطاء كل منهما دينارا فيجوز له ولو كان مستلزما للاضرار بالغير.

(واما الثانى) فكذلك لانه لا يجب تحمل الضرر لرفع الضرر عن الغير.

(واما الثالث) فلا يجوز له الاضرار بالغير لدفع الضرر المتوجه الى نفسه

(واما الاول) كما اذا كان تصرف المالك فى ملكه مستلزما لتضرر جاره فان كان ترك ذلك التصرف ضررا على المالك فيكون قاعدة لا ضرر فى احدهما معارضة بها فى الآخر ويكون المرجع عموم الناس مسلطون على اموالهم وان لم يكن ضررا عليه فالمرجع قاعدة نفى الضرر فى حق الجار ولا يجرى ذلك العموم لحكومة القاعدة عليه هذا. (وقد افاد قدس‌سره) فى رسالته المستقلة لزوم الترجيح فيما لو كان الدوران بالنسبة الى شخص واحد واحتمال الترجيح فيما لو كان بالنسبة الى الشخصين حيث قال فى التنبيه السادس لو دار الامر بين حكمين ضرريين بحيث يكون الحكم بعدم احدهما مستلزما للحكم بثبوت الآخر.

٣٤٨

(فان كان ذلك) بالنسبة الى شخص واحد فلا اشكال فى تقديم الحكم الذى يستلزم ضرر اقل مما يستلزمه الحكم الآخر لان هذا هو مقتضى نفى الحكم الضررى عن العباد فان من لا يرضى بتضرر عبده لا يختار له الا اقل الضررين عند عدم المناص عنهما.

(وان كان بالنسبة الى شخصين) فيمكن ان يقال ايضا بترجيح الاقل ضررا اذ مقتضى نفى الضرر عن العباد فى مقام الامتنان عدم الرضا بحكم يكون ضرره اكثر من ضرر الآخر لان العباد كلهم متساوون فى نظر الشارع بل بمنزلة عبد واحد فالقاء الشارع احد الشخصين فى الضرر بتشريع الحكم الضررى فيما نحن فيه نظير لزوم الاضرار باحد الشخصين لمصلحته فكما يؤخذ فيه بالاقل كذلك فيما نحن فيه ومع التساوى فالرجوع الى العمومات الأخر ومع عدمها فالقرعة.

(لكن) مقتضى هذا ملاحظة الشخصين المختلفين باختلاف الخصوصيات الموجودة فى كل منهما من حيث المقدار ومن حيث الشخص فقد يدور الامر بين ضرر درهم وضرر دينار مع كون ضرر الدرهم اعظم بالنسبة الى صاحبه من ضرر الدينار بالنسبة الى صاحبه وقد يعكس حال الشخصين فى وقت آخر وما عثرنا عليه من كلمات الفقهاء فى هذا المقام لا يخلو عن اضطراب.

(قال فى التذكرة) لو غصب دينارا فوقع فى محبرة الغير بفعل الغاصب او بغير فعله كسرت لرده وعلى الغاصب ضمان المحبرة لانه السبب فى كسرها وان كان كسرها اكثر ضررا من تبقية الواقع فيها ضمنه الغاصب ولم تكسر انتهى وظاهره انه يكسر المحبرة مع تساوى الضررين إلّا ان يحمل على الغالب من كثرة ضرر الدينار لو ضمنه.

(وفى الدروس) لو ادخل دينارا فى محبرته وكانت قيمتها اكثر ولم يمكن كسره لم يكسر المحبرة وضمن صاحبها الدينار مع عدم تفريط مالكه

٣٤٩

انتهى ولا بد ان يقيد ادخال الدينار بكونه باذن المالك على وجه يكون مضمونا اذ لو كان بغير اذنه تعين كسر المحبرة وان زادت قيمتها وان كان باذنه على وجه لا يضمن لم يتجه تضمين صاحبها الدينار انتهى.

(واختار المحقق الخراسانى ره) فى الكفاية فى المسألة الاولى والثانية من تعارض الضررين انه يجب اختيار الضرر الاقل ومراعات الضرر الاهم الاقوى وعند التساوى يتخير عقلا وفى المسألة الثالثة انه لا يجب على الانسان ان يتحمل الضرر لئلا يتضرر الغير ولو كان ضرر الغير اهمّ واقوى وقد علله بان نفى الضرر ليس إلّا للمنة على العباد ولا منة على تحمل الضرر لدفع الضرر عن الآخر وان كان اكثر ولكن رجع عن ذلك بقوله الاخير اللهم إلّا ان يقال ان نفى الضرر وان كان للمنة إلّا انه بلحاظ نوع الامة واختيار الاقل بلحاظ النوع منة فتأمل انتهى وفيه ان اختيار اقل الضررين منة على شخص وخلاف المنة على شخص آخر فلا يكون منة على الامة جميعا ولعله اليه اشار بقوله فتأمل.

(قوله وقد ذكرنا توضيح ذلك فى مسئلة التولى من قبل الجائر الخ) قال قده فى المكاسب فى تلك المسألة فى التنبيه الاول انه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الأخر وما يتفق فى خلالها مما يصدر الامر به من السلطان الجائر ما عدا اراقة الدم اذا لم يمكن التفصى عنه ولا اشكال فى ذلك.

(انما الاشكال) فى ان ما يرجع الى الاضرار بالغير من نهب الاموال وهتك الاعراض ومن العظائم هل تباح كل ذلك بالاكراه ولو كان الضرر المتوعد به على ترك المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما اذا خاف على عرضه من كلمة خشنة لا يليق به فهل يباح بذلك اعراض الناس واموالهم ولو بلغت ما بلغت كثرة وعظمة ام لا بد من ملاحظة الضررين والترجيح بينهما وجهان من اطلاق ادلة الاكراه وان الضرورات تبيح المحظورات ومن ان المستفاد من ادلة الاكراه

٣٥٠

تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير ولو كان ضرر الغير ادون فضلا عن ان يكون اعظم.

(وان شئت قلت) ان حديث رفع الاكراه ورفع الاضطرار مسوق للامتنان على جنس الامة ولا حسن فى الامتنان على بعضهم بترخيصه فى الاضرار بالبعض الآخر فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه على الاضرار بالغير لم يجز ووجب تحمل الضرر هذا.

(ولكن الاقوى) هو الاول لعموم دليل نفى الاكراه لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم وعموم نفى الحرج فان الزام الغير تحمل الضرر وترك ما اكره عليه حرج وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله انما جعلت التقية لتحقن به الدماء فاذا بلغ الدم فلا تقية حيث انه دل على ان حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه.

(واما ما ذكر) من استفادة كون نفى الاكراه لدفع الضرر فهو مسلم بمعنى دفع توجه الضرر وحدوث مقتضيه لا بمعنى رفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه بيان ذلك انه اذا توجه الضرر الى شخص بمعنى حصول مقتضيه فدفعه عنه بالاضرار بغيره غير لازم بل غير جائز فى الجملة فاذا توجه ضرر على المكلف باجباره على مال وفرض ان نهب مال الغير دافع له فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الضرر عن نفسه وكذلك اذا اكره على نهب مال غيره فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب لدفع الضرر المتوجه الى الغير الى آخر ما افاده ره.

(اقول) انه ره بلغ التحقيق غايته وارتقى معراج التنقيح نهايته قلّما يوجد مثل ذلك فى كلمات الاصحاب ولكن فى كلامه مواضع للنظر فتأمل حتى تجد مواضعه.

(قوله) ويمكن الرجوع الى قاعدة نفى الحرج يعنى فى مورد يكون فى احد الطرفين حرج بلا ضرر وفى الطرف الآخر ضرر بلا حرج.

(قوله اما لحكومته ابتداء على نفى الضرر) قد يقال امارة حكومته على

٣٥١

نفى الضرر ان نفى الحرج عن المكلف لم يقيد بعدم الضرر على الغير لا عقلا ولا نقلا بخلاف العكس كما يحكم به العقل الصريح فنفى الضرر يتقدر بقدر ما لا يستلزم الحرج ولكن استشكل بعض المحشين على حكومته عليه حيث قال تصوير حكومة قاعدة الحرج على قاعدة الضرر فى غاية الاشكال بناء على ما قرره من حكومة كل منهما على ادلة الاحكام نعم الامر فى الحكومة لقاعدة الحرج من جهة ذكر لفظ فى الدين صريحا فى دليلها اظهر منها لقاعدة الضرر بناء على ما قررنا من عدم وجود لفظ الاسلام فى روايات الخاصة وان امكن تصوير حكومة قاعدة الضرر على الادلة على تقدير عدم وجوده ايضا بناء على المعنى الذى اختاره المصنف كما اشرنا اليه سابقا لكنه غير ما ذكره من حكومة قاعدة نفى الحرج على قاعدة نفى الضرر على تقدير تسليم حكومة كل واحدة منهما نعم بناء على ما ذكرنا من كون الخبر محمولا على النهى او النفى الراجع اليه وان تقديمه لاجل وروده فى مقام الامتنان او لغيره حكومة قاعدة نفى الحرج عليها فى غاية الظهور.

(قوله ولعل هذا الخ) يعنى تقديم المالك من جهة الرجوع الى عموم الناس مسلطون والى قاعدة نفى الحرج والى الاصول التى مفادها جواز تصرف المالك فى ملكه ما يشاء بان يكون مرادهم جميع ذلك قيل يحتمل ان يكون مرادهم بعض ما ذكر من الوجوه المذكورة ولكن المحكى عن مفتاح الكرامة وبعض آخر التقدم من جهة عمل الاصحاب والاجماع ايضا.

(قوله باخراج روشن او جناح) فى مجمع البحرين الرواشن جمع روشن وهى ان تخرج اخشابا الى الدرب وتبنى عليها وتجعل له قوايم من اسفل وعن الشهيد فى المسالك ان الروشن والجناح يشتركان فى اخراج خشب من حائط المالك الى الطريق بحيث لا يصل الى الجدار المقابل ويبنى عليه ولو وصل فهو الساباط وربما فرق بينهما بان الاجنحة ينضم اليها مع ما ذكر ان يوضع لها اعمدة من الطريق.

٣٥٢

(ثم قد عرفت) تفصيلا فى بيان نسبة قاعدة لا ضرر مع العناوين الاولية ان الوجوه المتصورة فيها ثلاثة واما توارد العنوانين الثانويين كما اذا دار الامر بين لزوم الضرر ولزوم العسر فالمالك مثلا ان حفر البالوعة فى داره تضرر بها جاره ولا ضرر ولا ضرار وان لم يحفرها وقع هو فى الحرج الشديد وما جعل عليكم فى الدين من حرج فهل يعامل معهما معاملة التعارض او التزاحم فتردد المحقق الخراسانى ره فى المقام بين التعارض والتزاحم.

(حيث قال) بعد البحث تفصيلا عن ملاحظة النسبة بين ادلة القاعدة وادلة الاحكام ثم انقدح بذلك حال توارد دليلى العارضين كدليل نفى العسر ودليل نفى الضرر مثلا فيعامل معهما معاملة المتعارضين لو لم يكن من باب تزاحم المقتضيين وإلّا فيقدم ما كان مقتضيه اقوى وان كان دليل الآخر ارجح واولى ولا يبعد ان الغالب فى توارد العارضين ان يكون من ذلك الباب بثبوت المقتضى فيهما مع تواردهما لا من باب التعارض لعدم ثبوته الا فى احدهما كما لا يخفى انتهى وكلام الشيخ قدس‌سره ايضا فى المقام مضطرب حيث قال فيما سبق يمكن الرجوع فى المثال المزبور الى قاعدة نفى الحرج لان منع المالك لدفع ضرر الغير حرج وضيق عليه اما لحكومته ابتداء على نفى الضرر واما لتعارضهما والرجوع الى الاصول.

٣٥٣

(نعم ناقش) فى ذلك صاحب الكفاية مع الاعتراف بانه المعروف بين الاصحاب بمعارضة عموم التسلط بعموم نفى الضرر قال فى الكفاية ويشكل جواز ذلك فيما اذا تضرر الجار تضررا فاحشا كما اذا حفر فى ملكه بالوعة ففسد بها بئر الغير او جعل حانوته فى صف العطارين حانوت حداد او جعل داره مدبغة او مطبخة انتهى واعترض عليه تبعا للرياض بما حاصله انه لا معنى للتامل بعد اطباق الاصحاب عليه نقلا وتحصيلا والخبر المعمول عليه بل المتواتر من ان الناس مسلطون على اموالم واخبار الاضرار على ضعف بعضها وعدم تكافؤها لتلك الادلة محمولة على ما اذا لم يكن غرض الا الاضرار بل فيها كخبر سمرة ايماء الى ذلك سلمنا لكن التعارض بين الخبرين بالعموم من وجه والترجيح للمشهور للاصل والاجماع انتهى ثم فصل المعترض بين اقسام التصرف بانه ان قصد به الاضرار من دون ان يترتب عليه جلب نفع او دفع ضرر فلا ريب فى انه يمنع كما دل عليه خبر سمرة بن جندب حيث قال النبى (ص) انك رجل مضار واذا ترتب عليه نفع او دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير فانه جائز قطعا وعليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار.

(قال المحقق السبزوارى) ره فى الكفاية ص ٢٤١ المعروف من مذهب الاصحاب ان ما ذكر فى الحريم للبئر والعين والحائط والدار مخصوص بما اذا كان الاحياء فى الموات فيختص الحريم بالموات.

(واما الاملاك) فلا يعتبر الحريم فيها لان الاملاك متعارضة وكل واحد من الملاك مسلّط على ماله له التصرف فيه كيف شاء قالوا فله ان يحفر بئرا فى ملكه وان كان لجاره بئر قريب منها وان نقص ماء الاولى وان ذلك مكروه قالوا حتى لو حفر فى ملكه بالوعة وفسد به بئر الجار لم يمنع منه ولا ضمان عليه

٣٥٤

واما اذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمل عادة فانه جائز على كراهة شديدة وعليه بنوا كراهية التولى من قبل الجائر لدفع ضرر يصيبه واما اذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمل عادة لنفع يصيبه فانه لا يجوز له ذلك وعليه بنوا حرمة الاحتكار فى مثل ذلك وعليه بنى جماعة كالفاضل فى التحرير والشهيد فى اللمعة الضمان اذا اجج نارا بقدر حاجته مع ظنه التعدى الى الغير واما اذا كان ضرره كثيرا وضرره جاره كذلك فانه يجوز له دفع ضرره وان تضرر جاره او اخوه المسلم وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر الى ان قال والحاصل ان اخبار الاضرار فيما يعد اضرارا معتدا به عرفا والحال انه لا ضرر بذلك على المضر لان الضرر لا يزال بالضرر انتهى. ومثله ما لو اعد داره المحفوف بالمساكن حماما او خانا او طاحونة او حانوت حداد او قصارا لان له التصرف فى ملكه كيف شاء.

(ثم قال ره) فى الكفاية بعد نقله ما هو المعروف بين الاصحاب ويشكل هذا الحكم فى صورة تضرر الجار تضررا فاحشا نظرا الى ما تضمن الاخبار المذكورة عن قريب من نفى الضرر والاضرار وهو الحديث المعمول بين الخاصة والعامة المستفيض بينهم خصوصا ما تضمن الاخبار المذكورة من نفى الاضرار الواقع فى ملك المضار وفى المسالك نعم له منع ما يضر بحائطه من البئر والشجر ولو بمرور اصلها اليه والضرب المؤدى الى ضرر الحائط انتهى.

(قوله واعترض عليه تبعا للرياض) اقول لا بأس بنقل كلام صاحب الرياض ثم ننقل كلام المعترض وهو صاحب مفتاح الكرامة على صاحب الكفاية قال فى الرياض بعد نقل كلام صاحب الكفاية كما نقلنا وفيه نظر فان حديث نفى الضرر المستفيض معارض بمثله من الحديث الدال على ثبوت السلطنة على الاطلاق لربّ

٣٥٥

الاموال وهو ايضا معمول به بين الفريقين والتعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه والترجيح للثانى بالاصل وعمل الاصحاب كما اعترف به ولا سيما اذا استلزم منع المالك عن التصرف ضررا عليه اشد من ضرر الجار أو مساويا او اقل بحيث لم يتفاحش معه ضرره وينبغى القطع فى هذه الصور بما عليه الاصحاب واما فيما عداها فالظاهر ذلك ايضا لما ذكر وان كان الاحوط عدم الاضرار على الاطلاق واما الاخبار الدالة على نفى الاضرار فى ملك المضار فمع قصور سند بعضها وعدم مكافاته لما مضى يمكن حملها على ما اذا قصد المالك بالتصرف الاضرار دون رفع الحاجة كما يشعر به بعض تلك الاخبار ثم على تقدير تسليم ترجيح حديث نفى الضرار لا وجه لتخصيصه بصورة تفاحش الضرر مع عمومه وشموله للغير انتهى.

(ثم حاصل اعتراض) مفتاح الكرامة على صاحب الكفاية انه لا معنى للتأمل بعد اطباق الاصحاب عليه نقلا وتحصيلا والخبر المعمول عليه بل المتواتر من ان الناس مسلطون على اموالهم واخبار الاضرار على ضعف بعضها وعدم تكافؤها لتلك الادلة محمولة على ما اذا لم يكن غرض الا الاضرار وفى خبر سمرة اشارة الى ذلك بل لعله الظاهر من الخبر فان اضرار سمرة ليس من جهة تصرفه فى ملكه ليكون موردا للنهى بل انما هو لتعديه على الانصارى ودخوله على عياله من دون استيذان ولا دخل لذلك فى التصرف فى الملك سلمنا لكن التعارض بين الخبرين بالعموم من وجه والترجيح للمشهور للاصل والاجماع انتهى.

(ثم فصل المعترض) بين اقسام التصرف بانه ان قصد به الاضرار من دون ان يترتب عليه جلب نفع او دفع ضرر فلا ريب فى انه يمنع كما دل عليه خبر سمرة بن جندب حيث قال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انك رجل مضار واذا ترتب عليه نفع او دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير فانه جائز قطعا وعليه بنوا جواز

٣٥٦

رفع الجدار على سطح الجار.

(واما اذا كان) ضرر الجار كثيرا يتحمل عادة فانه جائز على كراهة شديدة وعليه بنوا كراهية التولى من قبل الجائر لدفع ضرر يصيبه.

(واما اذا كان) ضرر الجار كثيرا لا يتحمل عادة لنفع يصيبه فانه لا يجوز له ذلك وعليه بنوا حرمة الاحتكار فى مثل ذلك وعليه بنى جماعة كالفاضل فى التحرير والشهيد فى اللمعة الضمان اذا أجّج نارا بقدر حاجته مع ظنه التعدى الى الغير.

(واما اذا كان) ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك فانه يجوز له دفع ضرره وان تضرر جاره او اخوه المسلم وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر الى ان قال (والحاصل) ان اخبار الاضرار فيما يعد اضرارا معتدا به عرفا والحال انه لا ضرر بذلك على المضر لان الضرر لا يزال بالضرر انتهى ملخص ما ذكر فى الحاصل هو اشارة الى ما سبق ذكره من التعارض بين ادلة السلطنة وادلة نفى الاضرار بالعموم من وجه ففى مورد تفارق احدهما عن الآخر لا يحصل التعارض وانما التعارض فى مورد الاجتماع هو ما ذكره فى الكتاب من تصرف المالك فى ملكه الموجب لا ضرار الجار فان ذلك مورد اجتماع دليل السلطنة واخبار الاضرار.

٣٥٧

(اقول) الاوفق بالقواعد تقديم المالك لان حجر المالك عن التصرف فى ماله ضرر يعارض ضرر الغير فيرجع الى عموم قاعدة السلطنة ونفى الحرج نعم فى الصورة الاولى التى يقصد المالك مجرد الاضرار من غير غرض فى التصرف يعتد به لا يعد فواته ضررا والظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرف اشد من ضرر الغير او اقل اما لعدم ثبوت الترجيح بقلة الضرر كما سيجىء واما لحكومة نفى الحرج على نفى الضرر فان تحمل الغير على الضرر ولو يسيرا لاجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا حرج وضيق ولذا اتفقوا على انه يجوز للمكره الاضرار على الغير بما دون القتل لاجل دفع الضرر عن نفسه ولو كان اقل من ضرر الغير هذا كله فى تعارض ضرر المالك وضرر الغير واما فى غير ذلك فهل يرجع ابتداء الى القواعد الأخر او بعد الترجيح بقلة الضرر وجهان بل قولان يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكية عن التذكرة وبعض (اقول) ان ما ذهب اليه المشهور هو جواز تصرف المالك وان استلزم تضرر جاره وهو الاوفق بالقواعد لان منع المالك عن التصرف فى ماله ضرر يعارض ضرر الغير وعند تعارضهما يرجع الى عموم قاعدة السلطنة ونفى الحرج.

(وقال الشيخ فى المبسوط) فى باب احياء الموات ان حفر رجل بئرا فى داره واراد جاره ان يحفر بالوعة او بئر كنيف بقرب هذه البئر لم يمنع منه وان ادّى ذلك الى تغيير ماء البئر او كان صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقربه بالكنيف والبالوعة لان له ان يتصرف فى ملكه بلا خلاف.

(وقال فى السرائر) فى باب حريم الحقوق وان اراد الانسان ان يحفر فى ملكه او داره واراد جاره ان يحفر لنفسه بئرا بقرب تلك البئر لم يمنع من ذلك بلا خلاف وان نقص بذلك ماء البئر الاولى لان الناس مسلّطون على اموالهم

٣٥٨

موارد الدروس ورجحه غير واحد من المعاصرين ويمكن ان ينزل عليه ما عن المشهور من انه لو ادخلت الدابة رأسها فى القدر بغير تفريط من احد المالكين كسرت القدر وضمن قيمتها صاحب الدابة معللا بان الكسر لمصلحته فيحمل اطلاق كلامهم على الغالب من ان ما يدخل من الضرر على مالك الدابة اذا حكم عليه بتلف الدابة واخذ قيمتها اكثر مما يدخل على صاحب القدر بتلفه واخذ قيمته وبعبارة اخرى تلف احد العينين وتبدلهما بالقيمة اهون من تلف الاخرى وحينئذ فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابة بما فى المسالك من انه قد يكون المصلحة لصاحب القدر فقط وقد يكون المصلحة مشتركة بينهما وكذلك حكمهم بضمان صاحب الدابة اذا دخلت فى دار لا تخرج الا بهدمها معللا بانه لمصلحة صاحب الدابة فان الغالب ان تدارك المهدوم اهون من تدارك الدابة.

وقال فى مسئلة ان لا حريم فى الاملاك ان كل واحد يتصرف فى ملكه على العادة كيف شاء ولا ضمان ان افضى الى تلف إلّا ان يتعدّى.

(وقد اختلف كلام الشافعى) فى انه لو اعدّ داره المحفوفة بالمساكن خانا او اصطبلا او طاحونة او حانوتة فى صف العطارين حانوت حدّاد او قصار على خلاف العادة على قولين.

احدهما انه يمنع وبه قال احمد لما فيه من الضرر واظهرهما عنده الجواز وهو المعتمد لانه مالك للتصرف فى ملكه وفى منعه من تعميم التصرفات اضرار به الى ان قال والاقوى ان لارباب الاملاك ان يتصرفوا فى املاكهم كيف شاءوا فلو حفر فى ملكه بئر بالوعة وفسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه ولا ضمان بسببه ولكن يكون قد فعل مكروها انتهى.

٣٥٩

(وعن الدروس) فى احياء الموات ولا حريم فى الاملاك لتعارضها فلكل احد ان يتصرف فى ملكه بما جرت العادة به وان تضرر صاحبه ولا ضمان انتهى الى غير ذلك من الاقوال الدالة على جواز تصرف المالك وان استلزم تضرر جاره (والظاهر عدم الفرق) بين كون ضرر المالك بترك التصرف اشدّ من ضرر الغير او اقل اما لعدم ثبوت الترجيح بقلة الضرر بادّعاء ان الاصحاب لا يفرقون فى موارد جريان الناس مسلطون على اموالهم بين كون ضرر المالك اقل او اكثر او مساويا ويكشف عن ذلك ما سيجىء من اتفاقهم على انه يجوز للمكره الاضرار على الغير بما دون القتل لاجل دفع الضرر عن نفسه ولو كان اقلّ من ضرر الغير واما لحكومة نفى الحرج على نفى الضرر فان تحمل الغير على الضرر ولو يسيرا لاجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا حرج وضيق.

(وقال قدس‌سره) فى رسالته المستقلة انه يظهر من بعض من عاصرناه وجوب ملاحظة مراتب ضرر المالك وضرر الغير وهو ضعيف مخالف لكلمات الاصحاب نعم لو كان تضرر الغير من حيث النفس او ما يقرب منه مما يجب على كل احد دفعه ولو بضرر لا يكون حرج فى تحمله فهذا خارج عن محل الكلام لان ما يجب تحمل الضرر لدفعه لا يجوز احداثه لدفع الضرر عن النفس وان كان لغوا محضا وان كان لغوا محضا فالظاهر انه لا يجوز مع ظن تضرر الغير لان تجويز ذلك حكم ضررى ولا ضرر على المالك فى منعه عن هذا التصرف وعموم الناس مسلطون على اموالهم محكوم عليه بقاعدة نفى الضرر وهو الذى يظهر من جماعة كالعلامة فى التذكرة والشهيد فى الدروس حيث قيد التصرف فى كلامهما بما جرت به العادة انتهى هذا كله فى تعارض ضرر المالك وضرر الغير.

(واما فى غير ذلك) اى فى تعارض الضررين فى حق شخصين خارجيين فهل يرجع ابتداء الى القواعد الأخر او بعد الترجيح بقلة الضرر بمعنى هل هى من المرجحات ام لا وجهان بل قولان والحاصل انه اذا دار الامر بين ضررين

٣٦٠