درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٥

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلقه وافضل بريته محمد وعترته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

(واما بعد) فهذا هو الجزء الخامس من كتابنا الموسوم ب (درر الفوائد فى شرح الفرائد) وهو يشتمل على بقية مباحث الاشتغال وعلى ما يعتبر فى الاخذ بالبراءة والاحتياط ونبذة من مباحث الاستصحاب وقد اجريناه على منوال الاجزاء الاربعة المتقدمة فجعلنا المتن فى اعلى الصفحة وشرحه بفصل خط تحته واسأل الله تعالى ان يوفقنى لاتمامه كما وفّقنى لا تمام الاجزاء المتقدمة انه سميع قريب يجيب دعوة الداع اذا دعاه.

(اللهم) اهدنا الصراط المستقيم واجعل نيّاتنا خالصة لوجهك الكريم ووفّقنا لفهم الغوامض ودقايق النكات وتقرير المعانى وفتح المغلقات من قواعد علم الاصول وفوائده وعوائده واستكشاف الدّلائل واستنباط المسائل (ومنك) العون والتّيسير وما ذلك على الله بعسير ومنك العصمة والرشاد والسّداد وبلوغ المراد وأسألك ان توفّقنى للجزء السادس كما وفّقتنى للاجزاء المتقدمة انّك ولىّ التوفيق.

٣

(المسألة الثانية) ما اذا كان الشك فى الجزئية ناشيا من اجمال الدليل كما اذا علق الوجوب فى الدليل اللفظى بلفظ مردد باحد اسباب الاجمال بين مركبين يدخل اقلهما جزء تحت الاكثر بحيث يكون الآتى بالاكثر آتيا بالاقل والاجمال قد يكون فى المعنى العرفى كان وجب فى الغسل غسل ظاهر البدن فيشك فى ان الجزء الفلانى كباطن الاذن او عكرة البطن من الظاهر او الباطن وقد يكون فى المعنى الشرعى كالاوامر المتعلقة فى الكتاب والسنة بالصلاة وامثالها بناء على ان هذه الالفاظ موضوعة للماهية الصحيحة يعنى الجامعة لجميع الاجزاء الواقعية والاقوى هنا ايضا جريان اصالة البراءة لعين ما اسلفناه فى سابقه من العقل والنقل.

(المسألة الثانية) فيما اذا كان الشك فى الجزئية ناشيا من اجمال الدليل فانّه قد يكون فى الموضوعات اللّغوية والعرفيّة بان يكون الاجمال فى معنى اللفظ الذى تعلّق به الحكم من حيث معناه اللغوى او العرفى الذى لا تصرّف فيه للشارع الّا من حيث حكمه كما فى الامر المتعلق بغسل ظاهر البدن لتحصيل الغسل الواجب مع الشك فى شموله لبعض الاجزاء لتردّده بين كونه من الظاهر او الباطن كباطن الاذن وبعض الانف وقد يكون فى الماهيّات الشرعية المخترعة من الشارع بان يكون الاجمال فى اللفظ المستعمل فى المعنى الشرعى امّا حقيقة بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية او مجازا بناء على عدم ثبوتها كالاوامر المتعلّقة فى الكتاب والسنة بالصلاة والصوم ونحوهما بناء على ان هذه الالفاظ موضوعة للماهيّة الصحيحة الجامعة لجميع الاجزاء والشرائط الواقعية.

(وكيف كان) ان ما اختاره قدس‌سره فى هذه المسألة هو ما تقدم فى المسألة السابقة من جريان البراءة العقلية والشرعية بلا فرق فى جريانهما بين ان يكون منشأ الشك فى وجوب الاكثر فقد النص او اجماله فان وجود النص

٤

المجمل فى المسألة لا يمنع عن الرجوع الى الاصول العملية واللفظية الّا فى المخصص المجمل المتصل بالعام فان اجماله يسرى الى العام ويوجب عدم انعقاد الظهور له واما فيما عدا ذلك من موارد اجمال النص فلا مانع من الرجوع فيها الى اصالة العموم او الاطلاق فضلا عن الرجوع الى اصالة البراءة او الاشتغال فقيام النص المجمل على وجوب الاقل والاكثر لا يمنع عن جريان البراءة عقليها ونقليها.

(والمراد) بالمعنى العرفى فى كلامه قدس‌سره على ما صرّح به بعض المحشين انه مقابل الشرعى فيشمل العرف العام واللغة بل العرف الخاص فيما يحمل كلام الشارع عليه سواء كان عرف بلد الامام عليه‌السلام او المخاطب فيما لو اختلف عرف البلدين.

(قوله او عكرة البطن) كما فى بعض النسخ وفى بعضها العكنة بضم العين ثم الكاف ثم النون على ما فى الصحاح الطى الذي فى البطن من السمن والجمع عكن واعكان وفى القاموس هى ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا.

(قوله موضوعة للماهية الصحيحة يعنى الجامعة) معنى الوضع للصحيح كما يستفاد من عبارة الكتاب كون اللفظ موضوعا للمركب التام الجامع لجميع الاجزاء والشرائط بناء على تعميم الكلام والبحث بالنسبة الى الشرائط فبناء عليه ذكر الاجزاء فقط لاجل انه قدس‌سره ليس فى المقام فى صدد تحقيق المسألة وانما محله باب الصحيح والاعم مع ان الاجزاء هو القدر المتيقن لان القائلين بالصحيح اختلفوا فى انه هل هو بمعنى تام الاجزاء والشرائط او بمعنى تام الاجزاء فقط كما نسب الى الوحيد البهبهانى ره.

(قال فى بحر الفوائد) ان ما افاده الشيخ قدس‌سره من الابتناء لا يخلو عن المناقشة بانه مبنى على جعل المراد من المعنى الشرعى هو الذى اخترعه الشارع ووضع اللفظ له وليس الامر كذلك لان المراد منه المعنى الذى اخترعه الشارع

٥

سواء وضع اللفظ له او استعمله فيه مجازا وهذا هو المتعين منه فى المقام لان الاجمال اللازم على القول الصحيحى ليس ملازما للقول بثبوت الحقيقة الشرعية لعدم ابتناء اصل المسألة عليه بل على مجرد الاستعمال فى الصحيح ولو مجازا ولو فرض تحرير النزاع فى المسألة من القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية ووقوع النزاع منهم كما احتمل لم يكن اشكال فى ترتب الاجمال على مجرد الاستعمال هذا.

(ثم قال ره) يمكن التفصّى عن المناقشة المذكورة بان المراد من الوضع ما يشمل الوضع النوعى الترخيصى الثابت فى المجازات فيكون فى قبال ما اختاره الباقلانى ومن تبعه فى المسألة من بقاء الفاظ العبادات فى عرف الشارع على معانيها اللغوية والعرفية كالفاظ المعاملات عند المشهور وانما جعل الشارع فى ترتيب احكامه عليها شروطا هذا مع انه بناء على ارادة المعنى الاخص من الوضع كما هو ظاهره لا يتوجه عليه شىء لعدم ارادة المفهوم ممّا افاده فان الغرض منه بيان اجمال اللفظ بحسب معناه الشرعى فى الجملة لا استقصاء موارد اجمال اللفظ بحسب ما اراده الشارع منه حتى يشمل المجازات الشرعية.

٦

(وربما يتخيل) جريان قاعدة الاشتغال هنا وان جرت اصالة البراءة فى المسألة المتقدمة لفقد الخطاب التفصيلى المتعلق بالامر المجمل فى تلك المسألة ووجوده هنا فيجب الاحتياط بالجمع بين محتملات الواجب المجمل كما هو الشأن فى كل خطاب تعلق بامر مجمل ولذا فرعوا على القول بوضع الالفاظ للصحيح كما هو المشهور وجوب الاحتياط فى اجزاء العبادات وعدم جواز اجراء اصالة البراءة فيها وفيه ان وجوب الاحتياط فى المجمل المردد بين الاقل والاكثر ممنوع لان المتيقن من مدلول هذا الخطاب وجوب الاقل بالوجوب المردد بين النفسى والمقدمى فلا محيص عن الاتيان به لان تركه مستلزم للعقاب.

(ملخص الفرق) بين المقامين جريان اصالة البراءة فى المسألة المتقدمة اى فى مسئلة فقد النص لفقد الخطاب التفصيلى المتعلق بالامر المجمل بخلاف ما نحن فيه من المسألة فان وجود الخطاب التفصيلى المتعلق بالامر المجمل فيه يوجب الاحتياط بالجمع بين محتملات الواجب المجمل لان شرط التكليف هو البيان وهو موجود والاجمال لا يصلح مانعا لامكان الاطاعة بالاحتياط كما فى الشبهة الموضوعية التحريمية الناشية عن اجمال النص كالغناء حيث يحكم فيه بالاحتياط بخلاف صورة عدم النص.

(ولذا اى) ولا مكان الاحتياط فى كل خطاب تعلق بامر مجمل فرعوا على القول بوضع الالفاظ للصحيح كما هو المشهور وجوب الاحتياط فى اجزاء العبادات وعدم جواز التمسك باصالة البراءة عند الشك فى الاجزاء والشرائط.

(قوله وفيه ان وجوب الاحتياط الخ) حاصل ما افاده من عدم الفرق بين المسألتين ان وجوب الاحتياط انّما يسلم فيما لو لم يكن قدر متيقن فى البين كالغناء واما مع وجود القدر المتيقن في البين فيؤخذ به وينفى الزائد بالاصل.

٧

واما وجوب الاكثر فلم يعلم من هذا الخطاب فيبقى مشكوكا فيجىء فيه ما مر من الدليل العقلى والنقلى والحاصل ان مناط وجوب الاحتياط عدم جريان ادلة البراءة فى واحد معين من المحتملين لمعارضته بجريانها فى المحتمل الآخر حتى تخرج المسألة بذلك وعن مورد البراءة ويجب الاحتياط فيها لاجل تردد الواجب المستحق على تركه العقاب بين امرين لا معين لاحدهما من غير فرق فى ذلك بين وجود خطاب تفصيلى فى المسألة متعلق بالمجمل وبين وجود خطاب مردد بين خطابين واذا فقد المناط المذكور وامكن البراءة فى واحد معين لم يجب الاحتياط من غير فرق بين وجود الخطاب التفصيلى وغيره.

لكون الشبهة بدوية بالنسبة اليه كما فى المقام فان المتيقن فيه من مدلول هذا الخطاب وجوب الاقل بالوجوب المردد بين النفسى والمقدمى فلا محيص عن الاتيان به لان تركه مستلزم للعقاب واما وجوب الاكثر فلم يعلم من هذا الخطاب فيبقى مشكوكا فيجرى فيه دليل البراءة عقلا ونقلا بلا فرق بين المقامين فان مجرد وجود اللفظ مع عدم تبيّن المراد منه لا يؤثر فى شىء قطعا غاية الامر كونه كالدليل العلمى المقتضى لوجوب احدهما مع فقد الدليل على التعيين الذى يعبّر عنه بعدم النص.

(والمحصل) مناط الاحتياط عدم جريان ادلة البراءة فى واحد معيّن من المحتملين لحصول تعارض الاصلين فى مورد الشبهة كما فى المتباينين فان وجوب واحدة من الظهر والجمعة او من القصر والاتمام مما لم يحجب الله علمه عنّا فليس موضوعا عنّا ولسنا فى سعة منه والعمل بالبراءة فى واحد منهما بالخصوص دون الآخر ترجيح بلا مرجح وجريانها فى كليهما يوجب المخالفة القطعية بالنسبة الى الخطاب المفصل المتعلق باحدهما المعين عند الله المعلوم

٨

وجوبه فبعد عدم جريانها ومع ضميمة حكم العقل بوجوب المقدمة العلمية يجب الاحتياط بالاتيان بكل من الخصوصيتين لاجل تردد الواجب المستحق على تركه العقاب بين امرين لا معين لاحدهما من غير فرق فى ذلك بين وجود خطاب تفصيلى فى المسألة متعلق بالمجمل كما فى المقام وبين وجود خطاب مردد بين خطابين كما فى المتباينين واذا فقد المناط المذكور وامكن البراءة فى واحد معين لم يجب الاحتياط من غير فرق بين وجود الخطاب التفصيلى وغيره.

٩

(فان قلت) اذا كان متعلق الخطاب مجملا فقد تنجز التكليف بمراد الشارع من اللفظ فيجب القطع بالاتيان بمراده واستحق العقاب على تركه مع وصف كونه مجملا وعدم القناعة باحتمال تحصيل المراد واحتمال الخروج عن استحقاق العقاب (قلت) التكليف ليس متعلقا بمفهوم المراد من اللفظ ومدلوله حتى يكون من قبيل التكليف بالمفهوم المبين المشتبه مصداقه بين امرين حتى يجب الاحتياط فيه ولو كان المصداق مرددا بين الاقل والاكثر نظرا الى وجوب القطع بحصول المفهوم المعين المطلوب من العبد كما سيجيء فى المسألة الرابعة وانما هو متعلق بمصداق المراد والمدلول لانه الموضوع له اللفظ والمستعمل فيه واتصافه بمفهوم المراد والمدلول بعد الوضع والاستعمال فنفس متعلق التكليف مردد بين الاقل والاكثر لا مصداقه ونظير هذا التوهم توهم انه اذا كان اللفظ فى العبادات موضوعا للصحيح والصحيح مردد مصداقه بين الاقل والاكثر فيجب فيه الاحتياط ويندفع بانه خلط بين الوضع للمفهوم والمصداق فافهم.

(ملخص هذا الاشكال) على ما يأتى فى المسألة الرابعة ان اللازم هو الاحتياط فيما اذا كان ثمة خطاب متعلق بما كان بحسب المفهوم مبينا وان كان مجملا بحسب متعلقه نظرا الى تردده بين الاقل والاكثر فيجب الاتيان بالاكثر ليحصل اليقين بالبراءة لان المفروض تنجز التكليف بمفهوم مبين معلوم تفصيلا وانما الشك فى تحققه بالاقل فمقتضى اصالة عدم تحققه وبقاء الاشتغال عدم الاكتفاء به ولزوم الاتيان بالاكثر فقد حصل الفرق بين المسألتين اى عدم النص وما اجمل فيه.

(توضيح الجواب عن الاشكال) كما صرح به قدس‌سره ان

١٠

التكليف لم يتعلق بمفهوم الالفاظ حتى يقال ان متعلق التكليف مبين مفهوما دار الامر فى مصداقه بين الاقل والاكثر فتكون الشبهة شبهة مصداقية فى الاقل والاكثر الارتباطيين ويوجب ذلك الاحتياط كما يأتى فى المسألة الرابعة توضيح الحال فى ذلك وانه يجب فيه الاحتياط بل نفس المأمور به فى المقام مردد بين الاقل والاكثر والمتعين فيه الرجوع الى البراءة لا الاحتياط.

(وبعبارة اخرى) انه ليس الموضوع له فيما نحن فيه هو المفهوم المبيّن بل الموضوع له هو مصداق مشتبه كلفظ الصلاة مثلا فانها وضعت لامر مردد بين ان يكون هو الواجدة للسورة مثلا او الفاقدة لها على ما ادّعاه الشيخ قدس‌سره فليس فى البين امر مبيّن تنجز التكليف بالنسبة اليه فالمكلف به يدور بين الامرين احدهما اقل والآخر اكثر فيرجع الامر فى المقام الى الشك فى التكليف بالنسبة الى الاكثر فيرجع فيه الى البراءة.

(نعم) لو قلنا بان الموضوع له فى المقام هو المفهوم المبين غير مجمل بحسب ذاته ولكن حصل الاشتباه والاجمال بحسب الخارج فى مصاديقه فى الاندراج تحته وعدمه كلفظ الطهور الموضوع للغسل المخصوص الرافع للحدث المبيح للمشروط بالطهارة فان مدلوله معلوم مبين لكنه ربما يطرأ عليه الاجمال من جهة الشك فى جزئية شىء له وعدمه فلا بد فى الامتثال من تحصيل العلم بفراغ الذمة وهو لا يحصل إلّا بالاحتياط.

(ولكن) قد تقدم ان ما نحن فيه ليس من هذا القبيل فنفس متعلق التكليف فى المقام مردد بين الامرين لا مصداقه فاذا بطل توهم الفرق بين المسألتين (قوله ونظير هذا التوهم توهم انه الخ) اقول قد وقع الخلط والاشتباه بين وضع الفاظ العبادات للمفهوم والمصداق فى مواضع.

(منها) ما عرفت من الاستدلال على وجوب الاحتياط فى المقام.

(ومنها) ما وقع فى مسئلة الصحيح والاعم على القول بوضع الفاظ العبادات

١١

للصحيح او استعماله فيه مجازا فتوهم ان الموضوع له الذى تعلق به التكليف امر مبين مفهوما حيث ان اللفظ وضع للصحيح اى الماهية الجامعة لجميع الاجزاء والشرائط فهو مبين مفهوما وان تردد مصداقه بين الاقل والاكثر.

(ولذا) فرعوا على القول بوضع الالفاظ للصحيح الرجوع الى اصالة الاشتغال فى مورد دوران الامر بين الاقل والاكثر وعدم جواز الرجوع الى البراءة وذكروا ان الثمرة بين الصحيح والاعم هى لزوم الاحتياط على الاول دون الثانى (ويندفع) بان الموضوع له على قول الصحيحى ليس هو ذلك المفهوم المبين بل مصداقه المردد بين الاقل والاكثر وإلّا لزم ترادف لفظ الصلاة ولفظ الصحيح بل ترادف جميع الفاظ العبادات مع لفظه.

(وقد اشار الى ذلك قدس‌سره) بقوله يندفع بانه خلط بين الوضع للمفهوم والمصداق فتبين ان لفظ العبادة لم يوضع لمفهوم الصحيح المردد مصداقه بين الاقل والاكثر حتى يوجب الاحتياط بل لمصداقه المردد بينهما فظهر فساد التوهم المذكور واما الثمرة التى فرعوها على القول بوضع الالفاظ للصحيح من وجوب الاحتياط فى ماهية العبادات فيأتى البحث من هذه الجهة عن قريب.

١٢

(واما ما ذكره) بعض متأخرى المتأخرين من انه الثمرة بين القول بوضع الفاظ العبادات للصحيح وبين وضعها للاعم فغرضه بيان الثمرة على مختاره من وجوب الاحتياط فى الشك فى الجزئية لا ان كل من قال بوضع الالفاظ للصحيحة فهو قائل بوجوب الاحتياط وعدم جواز اجراء اصل البراءة فى اجزاء العبادات كيف والمشهور مع قولهم بالوضع للصحيحة قد ملئوا طواميرهم من اجراء الاصل عند الشك فى الجزئية والشرطية بحيث لا يتوهم من كلامهم ان مرادهم بالاصل غير اصالة البراءة والتحقيق ان ما ذكروه ثمرة للقولين من وجوب الاحتياط على القول بوضع الالفاظ للصحيح وعدمه على القول بوضعها للاعم محل نظر.

(اقول) ذكر الثمرة المذكورة الفريد البهبهانى ره على ما حكى عنه فى الفوائد العتيقة وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه وقد ردّه جماعة من المتأخرين حتى بعض تلامذته كالمحقق القمى قده فى القوانين ومنعوا من لزوم الاحتياط على القول بالوضع للصحيح.

(وان اراد المتوهّم) بتفريع تلك الثمرة تفريعها من الكل حتى ممن يقول بالبراءة عند اجمال النص ودوران العبادة بين الاقل والاكثر ففساده واضح وان اراد التفريع من القائلين بالاشتغال فى تلك المسألة ففيه انه لا يدل على كون الموضوع له عندهم مفهوما مبينا دار الامر فى مصداقه بين الاقل والاكثر كما هو المدعى هذا مضافا الى ان الثمرة المذكورة ذكرها الوحيد البهبهانى فى فوائده وتبعه جماعة.

(ولكن ما ذكره) محمول كما افاده الشيخ قدس‌سره على ان مختاره لمّا كان هو الاحتياط فى ماهيّات العبادات المرددة اراد تأييده بان القول بوضع

١٣

اما الاول فلما عرفت من ان غاية ما يلزم من القول بالوضع للصحيح كون هذه الالفاظ مجملة وقد عرفت ان المختار والمشهور فى المجمل المردد بين الاقل والاكثر عدم وجوب الاحتياط واما الثانى فوجه النظر موقوف على توضيح ما ذكروه من وجه ترتب ذلك الثمرة اعنى عدم لزوم الاحتياط على القول بوضع اللفظ للاعم وهو انه اذا قلنا بان المعنى الموضوع له اللفظ هو الصحيح كان كل جزء من اجزاء العبادة مقوما لصدق حقيقة معنى لفظ الصلاة فالشك فى جزئية شىء شك فى صدق الصلاة فلا اطلاق للفظ الصلاة على هذا القول بالنسبة الى واجدة الاجزاء وفاقدة بعضها لان الفاقدة ليست بصلاة والشك فى كون المأتى به فاقدا او واجدا شك فى كونها صلاة او ليست بها.

الالفاظ للصحيح ينفع القائل بالاحتياط لا انّ على القول به لا بدّ من الاشتغال كيف والمشهور مع قولهم بوضع الالفاظ للصحيح قد ملئوا طواميرهم من اجراء اصالة البراءة عند الشك فى الجزئية والشرطية بحيث لا يتوهم من كلامهم ان مرادهم بالاصل غير اصالة البراءة فتبين ان غرض البهبهانى ره ليس بيان الثمرة للمسألة وان كل من قال بالوضع للصحيح يقول بالاشتغال او يلزمه القول به بل بيان الثمرة على ما اختاره من الرجوع الى الاحتياط فى ماهيّات العبادات المرددة.

(اذا عرفت ذلك) فنقول من جملة المسائل التى كثر فيها القيل والقال ووقع فيها النزاع والجدال هو بيان الثمرة بين الصحيحى والاعمى وهى بين امور سبعة قد ذكروها فى مبحث الصحيح والاعم وما هو مربوط بمقامنا بعضها.

(منها) ما هو اشهرها من الاجمال والبيان وتوضيحه ان الالفاظ على القول بوضعها للماهيات الصحيحة الجامعة لجميع الاجزاء والشرائط يكون

١٤

مدلولاتها مجملة فلا بد عند الشك فى شرطية شىء او جزئيته من التحرى ثم الرجوع الى ما يقتضيه الاصل العملى من البراءة والاشتغال لانها حينئذ تجرى مجارى الادلة اللبيّة فى عدم الاطلاق واما على القول بوضعها للاعم فهى كالفاظ المعاملات مدلولاتها امور بينة من حيث الصدق العرفى فيرجع الى اطلاقها عند الشك فى الشروط او الاجزاء بعد احراز صدق الماهية وقد اورد على هذه الثمرة تارة بعدم لزوم الاجمال على القول بالصحيح واخرى بعدم الاطلاق والبيان على القول بالاعم.

(ومنها) جواز اجراء الاصل فى الجزء والشرط المشكوك فيهما على القول بالاعم وعدمه ووجوب الاحتياط على القول بالصحيح ونسبوا القول بالوضع للصحيح الى المشهور وذكروا فى هذا المبحث ان المشهور هو اجراء البراءة فيهما (وفيه) انه بمكان من الضعف كما افاده الشيخ قدس‌سره فى التحقيق لان غاية ما يلزم من القول بالوضع للصحيح كون الالفاظ مجملة وقد تقدم ان مقتضى التحقيق فى المجمل المردد بين الاقل والاكثر عدم وجوب الاحتياط والحال ان الاكثر مع قولهم بالصحيح قائلون بعدم الاحتياط فى اجزاء العبادات واول من احدث القول بالاحتياط فى مقابل الاكثر هو المحقق السبزوارى على ما حكى عنه ثم تبعه غير واحد من متأخرى المتأخرين منهم الوحيد البهبهانى ره وذكروا هذه الثمرة كما تقدمت الاشارة على مختارهم.

(ومنها) ما افاده المحقق القمى ره من انه لو نذر احد ان يعطى شيئا بمن رآه يصلى فرأى من صلى الى آخر كلامه ومحصله انه على القول بالاعم يجوز اعطائه بذلك المصلى ويبرئ ذمته وعلى القول بالصحيح لا يجوز وهذه الثمرة على ما قيل جارية على القول بالاعم بين الاجزاء المقومة وغيرها فان الجزء المشكوك ان كان من الاول فلا يجوز الاعطاء وان كان من الثانى فيجوز.

(ومنها) ما ذكره بعض الاعلام وهو ان المرجع على القول بالاعم بالنسبة الى غير الاجزاء المقومة هو الاحتياط وبالنسبة الى الاجزاء المقومة هو البراءة و

١٥

على القول بالصحيح يكون المرجع هو البراءة مطلقا الى غير ذلك من الثمرات التى ذكرت فى كلمات القوم فان اكثرها غير تامة ومقبوليتها غير عامة (قوله محل نظر) قد سبقه الى ذلك بعض الاعلام حيث انه اسقط الثمرة فى البين وحكم باجراء اصل البراءة على القولين والمستفاد من القوانين ايضا هو الرجوع الى اصل البراءة ولو على القول بالصحيح.

(ووجه النظر) على ما تعرض له بعض المحشين انه على القول بالصحيح لا يلزم القول بالاحتياط بل مبنى على الخلاف فى الرجوع الى الاشتغال او البراءة فى التكليف بالمجمل فالمشهور على الثانى وجماعة على الاول وعلى تقدير القول بالاعم ليس للالفاظ اطلاق بل هى فى مقام الاهمال او فى مقام بيان حكم آخر فيكون لها حكم المجمل فالمشهور على البراءة وجماعة على الاحتياط.

١٦

(واما اذا قلنا) بان الموضوع له هو القدر المشترك بين الواجدة لجميع الاجزاء او الفاقدة لبعضها نظير السرير الموضوع للاعم من جامع اجزائه ومن فاقد بعضها الغير المقوم لحقيقته بحيث لا يخل فقده لصدق اسم السرير على الباقى كان لفظ الصلاة من الالفاظ المطلقة الصادقة على الصحيحة والفاسدة فاذا اريد بقوله اقيموا الصلاة فرد مشتمل على جزء زائد على مسمى الصلاة كالصلاة مع السورة كان ذلك تقييدا للمطلق وهكذا اذا اريد المشتملة على جزء آخر كالقيام كان ذلك تقييدا آخر للمطلق فارادة الصلاة الجامعة لجميع الاجزاء يحتاج الى تقييدات بعدد الاجزاء الزائدة على ما يتوقف عليها صدق مسمى الصلاة.

(اقول) قد تقدم انه على القول بان المعنى الموضوع له اللفظ ان كان هو الصحيح فلا بد من القول بان كل جزء من اجزاء العبادة مقوم لصدق حقيقة معنى لفظ الصلاة فحينئذ ان الشك فى جزئية شىء شك فى صدق الصلاة فلا اطلاق للفظ الصلاة على هذا القول بالنسبة الى واجدة الاجزاء وفاقدة بعضها لان الفاقدة ليست بصلاة والشك فى كون المأتى به فاقدا او واجدا شك فى كونها صلاة او ليست بها.

(ومرجع ذلك الوجه المتقدم) الى ان الشارع اعتبر الاجزاء والشرائط من اجزاء المسمى وشرائطه بمعنى ان المعنى الذى اخذه عنوانا لامره وتعلق به طلبه هو الذى اعتبره فى مسمى اللفظ فالمسمى عين المطلوب وعلى هذا فاذا شك فى جزئية شىء او شرطيته فلا يمكن التمسك بالاطلاق فى نفى المشكوك الجزئية او الشرطية لما عرفت من ان المسمى عين المطلوب الصحيح وكان المسمى هو الجامع لجميع الاجزاء والشرائط المعتبرة فى الصحة. (واما اذا قلنا) بان الموضوع له هو القدر المشترك بين الواجدة

١٧

اما القدر الذى يتوقف عليه صدق الصلاة فهى من مقومات معنى المطلق لا من القيود المقسمة له وحينئذ فاذا شك فى جزئية شىء للصلاة فان شك فى كونه جزء مقوما لنفس المطلق فالشك فيه راجع الى الشك فى صدق اسم الصلاة ولا يجوز فيه اجراء البراءة لوجوب القطع بتحقق مفهوم الصلاة كما اشرنا اليه فيما سبق ولا اجراء اصالة اطلاق اللفظ وعدم تقييده لانه فرع صدق المطلق على الخالى من ذلك المشكوك فحكم هذا المشكوك عند القائل بالاعم حكم جميع الاجزاء عند القائل بالصحيح واما ان علم انه ليس من مقومات حقيقة الصلاة بل هو على تقدير اعتباره وكونه جزء فى الواقع ليس إلّا من الاجزاء التى يقيد معنى اللفظ بها لكون اللفظ موضوعا للاعم من واجده وفاقده.

لجميع الاجزاء او الفاقدة لبعضها نظير السرير الموضوع للاعم من جامع اجزائه ومن فاقد بعضها الغير المقوم لحقيقته بحيث لا يخلّ فقده لصدق اسم السرير على الباقى كان لفظ الصلاة من الالفاظ المطلقة الصادقة على الصلاة الصحيحة التامة الاجزاء والفاسدة الفاقدة لبعضها فاذا اريد بقوله اقيموا الصلاة فرد مشتمل على جزء زائد على مسمى الصلاة كالصلاة مع السورة كان ذلك تقييدا للمطلق وهكذا اذا اريد المشتملة على جزء آخر كالقيام كان ذلك تقييدا آخر للمطلق فارادة الصلاة الجامعة لجميع الاجزاء يحتاج الى تقييدات بعدد الاجزاء الزائدة على ما يتوقف عليها صدق مسمى الصلاة.

(اما القدر الذى يتوقف عليه صدق الصلاة) كالاجزاء الركنية فهى من مقومات معنى المطلق اى مسمى الصلاة لا من القيود المقسّمة له وحينئذ فاذا شك فى جزئية شىء للصلاة فان شك فى كونه جزء مقوما لنفس المطلق كالاجزاء المقومة الركنية فالشك فيه راجع الى الشك فى صدق اسم الصلاة ولا

١٨

(وحينئذ) فالشك فى اعتباره وجزئيته راجع الى الشك فى تقييد اطلاق الصلاة فى اقيموا الصلاة بهذا الشىء بان يراد منه مثلا اقيموا الصلاة المشتملة على جلسة الاستراحة ومن المعلوم ان الشك فى التقييد يرجع فيه الى اصالة الاطلاق وعدم التقييد فيحكم بان مطلوب الآمر غير مقيد بوجود هذا المشكوك وبان الامتثال يحصل بدونه وان هذا المشكوك غير معتبر فى الامتثال وهذا معنى نفى جزئيته بمقتضى الاطلاق نعم هنا توهم نظير ما ذكرناه سابقا من الخلط بين المفهوم والمصداق وهو توهم انه اذا قام الاجماع بل الضرورة على ان الشارع لا يأمر بالفاسد لان الفاسد ما خالف المأمور به فكيف يكون مأمورا به فقد ثبت تقييد الصلاة دفعة واحدة بكونها صحيحة جامعة لجميع الاجزاء فكلما شك فى جزئية شىء كان راجعا الى الشك فى تحقق العنوان المقيد للمأمور به فيجب الاحتياط ليقطع بتحقق ذلك العنوان على تقييده لانه كما يجب القطع بحصول نفس العنوان وهو الصلاة فلا بد من اتيان كل ما يحتمل دخله فى تحققها كما اشرنا اليه كذلك يجب القطع بتحصيل القيد المعلوم الذى قيد به العنوان.

يجوز فيه اجراء اصل البراءة لوجوب القطع بتحقق مفهوم الصلاة كما تقدمت الاشارة اليه ولا اجراء اصالة اطلاق اللفظ وعدم تقييده لانه فرع صدق المطلق على الخالى من ذلك المشكوك. (فحكم هذا المشكوك) اى الجزء المقوم لنفس المطلق عند القائل بالاعم حكم جميع الاجزاء عند القائل بالصحيح لان الاجزاء المقوّمة على الاعم على تقدير الشك فيها موجبة للشك فى صدق الصلاة كما ان جميع الاجزاء ولو كانت غير ركنية على تقدير الشك فيها توجب الشك فى صدق الصلاة ايضا

١٩

كما لو قال اعتق مملوكا مؤمنا فانه يجب القطع بحصول الايمان كما يقطع بكونه مملوكا ودفعه يظهر مما ذكرناه من ان الصلاة لم تقيد بمفهوم الصحيحة وهو الجامع لجميع الاجزاء وانما قيدت بما علم من الادلة الخارجية اعتباره فالعلم بعدم ارادة الفاسدة يراد به العلم بعدم ارادة هذه المصاديق الفاقدة للامور التى دل الدليل على تقييد الصلاة بها لا ان مفهوم الفاسدة خرج عن المطلق وبقى مفهوم الصحيحة فكلما شك فى صدق الصحيحة والفاسدة وجب الرجوع الى الاحتياط لاحراز مفهوم الصحيحة وهذه المغالطة جارية فى جميع المطلقات بان يقال ان المراد بالمأمور به فى قوله اعتق رقبة ليس إلّا الجامع لشروط الصحة لان الفاقد للشرط غير مراد قطعا فكلما شك فى شرطية شىء كان شكا فى تحقق العنوان الجامع للشرائط فيجب الاحتياط للقطع باحرازه وبالجملة فاندفاع هذا التوهم غير خفى بادنى التفات.

على القول بالصحيح فلا يجوز الرجوع فيها الى البراءة كما لا يجوز فيها الرجوع الى البراءة على ما اعتقدوه من عدم جواز الرجوع على تقدير الشك فى الصدق.

(واما ان علم) ان مشكوك الجزئية ليس من مقومات حقيقة الصلاة بل هو على تقدير اعتباره وكونه جزء فى الواقع ليس إلّا من الاجزاء التى يقيد معنى اللفظ بها لكون اللفظ موضوعا للاعم من واجده وفاقده وحينئذ فالشك فى اعتباره وجزئيته راجع الى الشك فى تقييد اطلاق الصلاة فى اقيموا الصلاة بهذا الشىء بان يراد منه مثلا اقيموا الصلاة المشتملة على جلسة الاستراحة.

(ومن المعلوم) ان الشك فى التقييد يرجع فيه الى اصالة الاطلاق

٢٠