دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

الثاني : إنّ بعض المحدّثين ، كصاحب الحدائق ، وإن لم يشترط في التقيّة موافقة الخبر لمذهب العامّة ، لأخبار تخيّلها دالّة على مدّعاه ، سليمة عمّا هو صريح في خلاف ما ادّعاه ، إلّا أنّ الحمل على التقيّة في مقام الترجيح لا يكون إلّا مع موافقة أحدهما ، إذ لا يعقل حمل أحدهما بالخصوص على التقيّة إذا كانا مخالفين لهم ،

____________________________________

بين الناس (١) انتهى مع اختصار.

الثاني : إنّ بعض المحدّثين ، كصاحب الحدائق ، وإن لم يشترط في التقيّة موافقة الخبر لمذهب العامّة وزعم أنّه كان يصدر عنهم عليهم‌السلام خبران متعارضان مخالفان للعامّة أحدهما لبيان الواقع والآخر تقيّة.

لأخبار تخيّلها دالّة على مدّعاه.

منها : ما عن زرارة ، حيث قال : سألت من أبي جعفر عليه‌السلام عن مسألة فأجابني فيها ، ثمّ جاء رجل آخر فسأله عنها فأجاب بخلاف ما أجابني ، ثمّ جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يا بن رسول الله رجلان من العراق من شيعتكم قد يسألان فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال : يا زرارة أنّ هذا خير لنا ولكم ، ولو اجتمعتم على أمر لصدقكم الناس علينا ، ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم (٢).

أي : لو اتفقت كلمتكم يفهمون أنّكم شيعتنا فيشتدّ بغضهم لكم ولنا فيصنعون ما هو صنعهم. فإنّ ظاهره أنّه كان يصدر منهم عليهم‌السلام الأخبار المتعارضة لمجرّد إلقاء الخلاف من دون لحاظ موافقة العامّة.

سليمة عمّا هو صريح في خلاف ما ادّعاه ؛ لأن ما دلّ على حمل الموافق من المتعارضين على التقيّة لا ينفي وجود التقيّة فيما كان كلا المتعارضين مخالفا لهم.

إلّا أنّ الحمل على التقيّة في مقام الترجيح لا يكون إلّا مع موافقة أحدهما للعامّة ، إذ لا يعقل حمل أحدهما بالخصوص على التقيّة إذا كانا مخالفين لهم وفي نسخة وإن كانا مخالفين لهم.

وملخّص الكلام أنّ صاحب الحدائق وإن كان يحكم بوجود التقيّة مطلقا ، أي : وإن كانا

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٥٩ / ٨٢٤. الوسائل ١٢ : ٢٥٢ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٤١ ، ح ١.

(٢) علل الشرائع ٢ : ٩٨ / ١٦.

٤٢١

فمراد المحدّث المذكور ليس الحمل على التقيّة مع عدم الموافقة في مقام الترجيح ، كما أورده عليه بعض الأساطين في جملة المطاعن على ما ذهب إليه من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقيّة ، بل المحدّث المذكور لمّا أثبت في المقدّمة الاولى من مقدّمات الحدائق خلوّ الأخبار عن الأخبار المكذوبة ، لتنقيحها وتصحيحها في الأزمنة المتأخّرة ، بعد أن كانت مغشوشة مدسوسة ، صحّ للقائل أن يقول : فما بال هذه الأخبار المتعارضة التي لا تكاد تجتمع ، فبيّن في المقدّمة الثانية دفع هذا السؤال بأنّ معظم الاختلاف من جهة اختلاف كلمات الائمة عليهم‌السلام ، مع المخاطبين ، وأنّ الاختلاف لما هو منهم عليهم‌السلام ، واستشهد على ذلك بأخبار زعمها دالّة على

____________________________________

مخالفين لهم ، إلّا أنّه لا يحكم بالترجيح بالتقيّة مطلقا ، أي : وإن كانا مخالفين لهم ، بل الترجيح مختصّ بصورة موافقة أحدهما لهم ، إذ في صورة مخالفتهما يتساويان في احتمال التقيّة فلا يعقل حمل أحدهما المعيّن على التقيّة.

فمراد المحدّث المذكور ليس الحمل على التقيّة مع عدم الموافقة في مقام الترجيح ، كما أورده عليه بعض الأساطين في جملة المطاعن على ما ذهب إليه صاحب الحدائق من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقيّة.

حاصل الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه بعد ما حكم صاحب الحدائق بوجود التقيّة حتى في المخالفين لهم طعن عليه الوحيد البهبهاني رحمه‌الله بامور :

منها : إنّ التقيّة من جملة مرجّحات المتعارضين بنصّ الأخبار ، واعتراف صاحب الحدائق وإن عمّم وجود التقيّة بمورد مخالفة كليهما ، إلّا أنّه خصّص الترجيح بها بمورد موافقة أحدهما ، كما قال :

بل المحدّث المذكور لمّا أثبت في المقدّمة الاولى من مقدّمات الحدائق خلوّ الأخبار عن الأخبار المكذوبة ، لتنقيحها وتصحيحها في الأزمنة المتأخّرة ، بعد أن كانت مغشوشة مدسوسة ، صحّ للقائل أن يقول بأنّه لو كانت هذه الأخبار منقحة عن الكذب والدس لم يبق تخالف وتعارض.

فما بال هذه الأخبار المتعارضة التي لا تكاد تجتمع ، فبيّن في المقدّمة الثانية دفع هذا السؤال بأنّ منشأ هذه التعارضات ليس هو وجود الأخبار المكذوبة ، بل معظم

٤٢٢

أنّ التقيّة كما تحصل ببيان ما يوافق العامّة ، كذلك تحصل بمجرّد إلقاء الخلاف بين الشيعة كي لا يعرفوا فيؤخذ برقابهم. وهذا الكلام ضعيف ؛ لأن الغالب اندفاع الخوف بإظهار الموافقة مع الأعداء ، وأمّا الاندفاع بمجرّد رؤية الشيعة مختلفين مع اتفاقهم على مخالفتهم فهو وإن أمكن حصوله أحيانا لكنّه نادر جدا ، فلا يصار إليه في جلّ الأخبار المختلفة.

مضافا إلى مخالفته لظاهر قوله عليه‌السلام ، في الرواية المتقدّمة : (ما سمعت منّي يشبه

____________________________________

الاختلاف من جهة اختلاف كلمات الأئمة عليهم‌السلام ، مع المخاطبين ، وأنّ هذا الاختلاف لما هو منهم عليهم‌السلام ، وفي نسخة [وأنّ الاختلاف إنّما هو منهم عليهم‌السلام].

واستشهد على ذلك بأخبار زعمها دالّة على أنّ التقيّة كما تحصل ببيان ما يوافق العامّة إذا توقف دفع شرّهم عليها.

كذلك تحصل بمجرّد إلقاء الخلاف بين الشيعة كي لا يعرفوا فيؤخذ برقابهم كما عرفت في رواية زرارة المتقدّمة.

وحاصل الكلام في المقام أنّ غرض صاحب الحدائق من بيان وجود التقيّة حتى في المخالفين لهم هو حلّ هذا السؤال ، وأمّا في مقام الترجيح ، فهو يعترف باختصاص الترجيح بها بما إذا كان أحدهما موافقا للعامّة.

وهذا الكلام ضعيف ؛ لأن الغالب اندفاع الخوف بإظهار الموافقة مع الأعداء ، وأمّا الاندفاع بمجرّد رؤية الشيعة مختلفين مع اتفاقهم على مخالفتهم فهو وإن أمكن حصوله أحيانا لكنّه نادر جدا ، فلا يصار إليه في جلّ الأخبار المختلفة.

حاصل الكلام على ما في شرح الاستاذ أنّ الطريق المتعارف في دفع شر الأعداء هو إظهار الموافقة معهم ، وأمّا مجرّد إلقاء الخلاف فلا يحصل به دفع الشر عادة ، كيف وعادة العامّة على اتّهام الشيعة بالرفض والبدار على إيذائهم بمشاهدة أدنى خلاف منهم ، فهل تحصل التقيّة إذا رأوهم يفعلون ما لا يوافق مذهب أحدهم.

نعم ، لا نضايق من حصول التقيّة بذلك أحيانا ، إلّا أنّه لندرته لا يجدي في حلّ السؤال عن كثرة اختلاف الأخبار.

وأمّا مثل خبر زرارة فلا يدلّ على مدّعاه ، إذ لعلّ جوابه ثانيا وثالثا مثلا كان على وفق مذاهبهم المختلفة اقتضاهما التقيّة.

٤٢٣

قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه) (١). فالذي يقتضيه النظر ـ على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار التي بأيدينا على ما توهّمه بعض الأخباريين ، والظنّ بصدور جميعها إلّا قليل في غاية القلّة ، كما يقتضيه الإنصاف ممّن اطلع على كيفية تنقيح الأخبار وضبطها في الكتب ـ هو أن يقال : إنّ عمدة الاختلاف إنّما هي كثرة إرادة

____________________________________

مضافا إلى مخالفته لظاهر قوله عليه‌السلام ، في الرواية المتقدّمة : (ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه) ، فإنّ ظاهره حصر طريق التقيّة في إظهار الموافقة معهم.

ذكر التنكابني ردّ البهبهاني على صاحب الحدائق من الوجوه الثلاثة :

الأوّل : إنّ الحكم إذا لم يكن موافقا لمذهب أحد من العامّة فيكون رشدا وصوابا ، فكيف يكون هذا تقيّة؟ ؛ لأن المراد بالرشد والصواب ما كان في الواقع رشدا وصوابا لا من جهة التقيّة ودفع الضّرر.

الثاني : إنّ العامّة كانوا يتّهمون الشيعة بالرفض وأذيّتهم للشيعة إنّما كانت بالتّهمة غالبا ، فكيف الحال إذا رأوهم يفعلون فعلا لا يوافق مذهب أحد منهم ، فتكثير المذاهب بين الشيعة سيّما مع عدم موافقته لمذهب أحد منهم مخالف للحكمة موجب لزيادة الإيذاء منهم لهم كما هو واضح.

الثالث : إنّ الحقّ عندنا واحد وما ذا بعد الحقّ إلّا الضلال ، فأيّ داع إلى ارتكاب مخالفة الواقع وارتكاب الحرام الذي هو أعظم ، لاجل التقيّة بالمعنى الذي اعتبره. انتهى ملخّصا.

فالذي يقتضيه النظر أنّه على تقدير عدم ندرة الأخبار المدسوسة في أخبارنا اليوم غاية الندرة ، كان ذلك من جملة علل وجود هذه الأخبار المتعارضة.

وأمّا على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار التي بأيدينا على ما توهّمه بعض الأخباريين والظنّ بصدور جميعها إلّا قليل في غاية القلّة.

بأن يقال مثلا واحد في الألف لا يظنّ بصدوره ، أي : يشكّ في صدوره أو يقطع بعدم صدوره ، والباقي مظنون الصدور ، على ما في شرح الاستاذ.

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٠. الوسائل ٢٧ : ١٢٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٦.

٤٢٤

خلاف الظواهر في الأخبار ؛ إمّا بقرائن متصلة اختفت علينا من جهة تقطيع الأخبار أو نقلها بالمعنى ، أو منفصلة مختفية من جهة كونها حاليّة معلومة للمخاطبين ، أو مقاليّة اختفت بالانطماس.

وإمّا بغير القرينة لمصلحة يراها الإمام عليه‌السلام ، من تقيّة ، على ما اخترناه من أنّ التقيّة على وجه التورية أو غير التقيّة من المصالح الأخر. وإلى ما ذكرنا ينظر ما فعله الشيخ قدس‌سره

____________________________________

وكيف كان ، فالذي يقتضيه النظر هو أن يقال : إنّ عمدة الاختلاف إنّما هي كثرة إرادة خلاف الظواهر في الأخبار.

بمعنى أنّهم عليهم‌السلام كثيرا ما أرادوا خلاف الظاهر ، واختفى ذلك علينا فصارت الأخبار في نظرنا متعارضة ، فإنّا قد وجدنا في موارد لا تحصى قرينة على إرادة خلاف الظاهر ، فمن ذلك نعلم إجمالا كثرة إرادة خلاف الظاهر في موارد التعارض لم تصل قرائنها إلينا.

ثمّ إرادة خلاف الظواهر من الأخبار إمّا بقرائن متصلة اختفت علينا من جهة تقطيع الأخبار.

مثلا : إذا قال عليه‌السلام : اغتسل للزيارة وللجمعة ، يكون استحباب المعطوف عليه بالضرورة قرينة على استحباب المعطوف ، فإذا نقل الراوي في موضع أنّه عليه‌السلام قال : اغتسل للزيارة وفي موضع آخر أنّه قال : اغتسل للجمعة ، تزول القرينة فيتوهّم الوجوب فيعارض بقوله : ينبغي غسل الجمعة.

أو نقلها بالمعنى ، فإنّه ربّما يستفاد من هيئة الكلام ومصاحبة الكلام ما لا يستفاد من النقل بالمعنى ، وربّما يتفاوت المعنى بتغيير اللفظ كافعل واطلب ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

أو منفصلة مختفية من جهة كونها حاليّة معلومة للمخاطبين.

كما إذا اعتقد المخاطب حرمة فعل فقال له الإمام عليه‌السلام : افعل ذلك ، فإنّ وقوع الأمر في هذا الحال قرينة على إرادة مجرّد الجواز ، فإذا قال الراوي : سمعته يقول : افعل ذلك ، يتوهّم الوجوب ويعارض دليل الاستحباب.

أو مقاليّة اختفت بالانطماس ، أي : الزوال من متن الرواية ، كما سقط لفظة يرمي من قول القائل : رأيت أسدا يرمي بالنقل فيعارض بقوله ما رأيت أسدا.

٤٢٥

في الاستبصار ، من إظهار إمكان الجمع بين متعارضات الأخبار بإخراج أحد المتعارضين أو كليهما عن ظاهره إلى معنى بعيد. وربّما يظهر من الأخبار محامل وتأويلات أبعد بمراتب ممّا ذكره الشيخ ، تشهد بأنّ ما ذكره الشيخ من المحامل غير بعيد عن مراد الإمام عليه‌السلام ، وإن بعدت عن ظاهر الكلام إلّا أن يظهر فيه قرينة عليها :

فمنها : ما روي عن بعضهم صلوات الله عليهم : «لمّا سأله بعض أهل العراق وقال : كم آية

____________________________________

وإمّا بغير القرينة لمصلحة يراها الإمام عليه‌السلام ، من تقيّة ، على ما اخترناه من أنّ التقيّة على وجه التورية.

أي : بناء على أنّ التقيّة من باب إرادة خلاف الظاهر وإخفاء القرينة لا من باب الكذب المجوّز.

أو غير التقيّة من المصالح الأخر.

كما إذا أراد رجل نكاح امرأة من باب المتعة وأنت ترى فيه مفسدة ولا تجد سبيلا إلى منعه غير أن تقول المتعة محرّمة ، فتريد حرمة عرضيّة من جهة المفسدة أو الحرمة بدون إذنها وهو يتوهّم الحرمة الذاتيّة أو الحرمة مطلقا ، فيعارض دليل الجواز.

وإلى ما ذكرنا من أنّ تعارض الأخبار ناشئ عن إرادة خلاف الظاهر وخفاء القرينة ينظر ما فعله الشيخ قدس‌سره في الاستبصار ، من إظهار إمكان الجمع بين متعارضات الأخبار.

فإنّه رحمه‌الله وإن كان قد أخذ في مقام العمل بما يقتضيه قانون التعارض من الترجيح والتخيير ، إلّا أنّه مع ذلك ذكر أنّ جميع المتعارضات قابل للجمع ، وبيّن لكلّ متعارضين وجه جمع من باب الجمع التبرعي.

فجمع بينهما بإخراج أحد المتعارضين عن ظاهره ، كحمل اغتسل على الندب في فرض تعارض اغتسل للجمعة وينبغي غسل الجمعة ، قريب كما مرّ في تعارض دليلي العذرة أو بعيد ، كحمل الأمر على جواز الفعل والنهي على جواز الترك عند تعارضهما.

وربّما يظهر من نفس الأخبار محامل وتأويلات أبعد بمراتب ممّا ذكره الشيخ ، تشهد بأنّ ما ذكره الشيخ من المحامل غير بعيد عن مراد الامام عليه‌السلام ، وإن بعدت عن ظاهر الكلام إلّا أن يظهر فيه قرينة عليها.

فمنها : ما روي عن بعضهم صلوات الله عليهم ، لمّا سأله بعض أهل العراق وقال : كم آية

٤٢٦

تقرأ في صلاة الزوال؟ فقال عليه‌السلام : (ثمانون) ، ولم يعد السائل ، فقال عليه‌السلام : (هذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك) ، فقيل له عليه‌السلام : ما أردت بذلك وما هذه الآيات؟ فقال : (أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال ، فإنّ الحمد والتوحيد لا يزيد على عشر آيات ، ونافلة الزوال ثمان ركعات)» (١).

ومنها : ما روي من : «(أنّ الوتر واجب) ، فلمّا فرغ السائل واستقر ، قال عليه‌السلام : (إنّما عنيت وجوبها على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله(٢).

____________________________________

تقرأ في صلاة الزوال؟ فقال عليه‌السلام : (ثمانون) ، ولم يعد السائل ، فقال عليه‌السلام : (هذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك) ، فقيل له عليه‌السلام : ما أردت بذلك وما هذه الآيات أعني : ثمانين ، فقال : أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال ، فإنّ الحمد والتوحيد لا يزيد على عشر آيات.

وذلك بإسقاط البسملة عن السورتين بأن لا تكون البسملة آية مستقلة كما هو مذهب بعض العامّة ، وإلّا فهما اثنتا عشر آية ، ولعلّ سبب الإسقاط كون المخاطب من العامّة.

فالرواية وردت مورد التقيّة ونافلة الزوال ثمان ركعات وفي كلّ ركعة تقرأ عشر آيات ، أعني : الحمد والتوحيد ، ثمّ نتيجة ضرب الثمانية في العشرة هي ثمانون آية ، مع أنّ مذهب الإماميّة يقتضي أن تقرأ في نافلة الزوال ستة وتسعون آية كما لا يخفى.

ومنها : ما روي من : (أنّ الوتر واجب) ، فلمّا فرغ السائل واستقر ، وفي بعض النسخ [فلمّا فزع السائل واستفسر].

قال عليه‌السلام : (إنّما عنيت وجوبها على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وفي التنكابني روى العلّامة المجلسي عن الشيخ بسنده عن عمّار الساباطي قال : كنّا جلوسا بمنى ، فقال له رجل : ما تقول في النافلة؟ فقال : فريضة ، ففزعنا وفزع الرجل ، فقال أبو عبد الله : إنّما أعني : صلاة الليل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الله يقول : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ)(٣)(٤) ، ولعلّ المصنف عثر على رواية اخرى أو نقل الرواية بالمعنى وكلاهما بعيدان. انتهى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٤ / ١٤. الوسائل ٦ : ٦٤ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١٣ ، ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٢ / ٩٥٩. البحار ١٦ : ٣٧٧ / ٨٦. الوسائل ٤ : ٦٨ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٦ ، ح ٦.

(٣) الاسراء : ٧٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤٢ / ٩٥٩. البحار ١٦ : ٣٧٧ / ٨٦. الوسائل ٤ : ٦٨ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ١٦ ، ح ٦.

٤٢٧

ومنها : «تفسير قولهم عليهم‌السلام : (لا يعيد الصلاة فقيه) بخصوص الشكّ بين الثلاث والأربع)» (١). ومثله «تفسير وقت الفريضة في قولهم عليهم‌السلام : (لا تطوّع في وقت الفريضة) بزمان قول المؤذن : قد قامت الصلاة» (٢) ، إلى غير ذلك ممّا يطلع عليه المتتبّع.

ويؤيّد ما ذكرنا ـ من أنّ عمدة تنافي الأخبار ليس لأجل التقيّة ـ ما ورد مستفيضا من عدم جواز ردّ الخبر وإن كان مما ينكر ظاهره ، حتى إذا قال للنهار إنّه ليل ولليل إنّه نهار ،

____________________________________

ومنها : تفسير قولهم عليهم‌السلام : (لا يعيد الصلاة فقيه) ، الظاهر في أنّ كلّ شكّ في الركعات قابل للإصلاح عند العارف بالأحكام بخصوص الشكّ بين الثلاث والأربع.

ومثله تفسير وقت الفريضة في قولهم عليه‌السلام : لا تطوّع في وقت الفريضة ، الظاهر في حرمة النافلة قبل إتيان الفريضة بزمان قول المؤذن للجماعة : قد قامت الصلاة ، فحمل على الكراهة حينئذ.

إلى غير ذلك ممّا يطلع عليه المتتبّع ، كتفسير حرمة عورة المؤمن بإذاعة سرّه.

ومثل ذلك ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت عورة المؤمن على المؤمن حرام. قال : نعم. قلت : تعني سفليّته قال عليه‌السلام : ليس حيث تذهب إنّما هو إذاعة سرّه (٣).

ويؤيّد ما ذكرنا ـ من أنّ عمدة تنافي الأخبار ليس لأجل التقيّة ـ ما ورد مستفيضا من عدم جواز ردّ الخبر وإن كان ممّا ينكر ظاهره ، حتى إذا قال للنهار إنّه ليل ولليل إنّه نهار.

وتداول في زماننا بين بعض الطلبة طرح الخبر بمجرّد عدم توافق ظاهره بما تحكم به أوهامهم وعقولهم المشوّشة ، وقد قال الامام عليه‌السلام : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا (٤) ، وهم يرون أنّ الوصول إلى درجات التحقيق والنيل إلى مقام التدقيق من أصعب الامور ، بل لا أصعب منه فتوجّهوا إلى أسهل الامور من تحصيل بعض مطالب العصر ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠. الاستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٤. الوسائل ٨ : ٢١٥ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٩ ، ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٦. التهذيب ٣ : ٢٨٣ / ٨٤١. الوسائل ٤ : ٢٢٨ ، أبواب المواقيت ، ب ٣٥ ، ح ٩.

(٣) الكافي ٢ : ٣٥٨ / ٢. الوسائل ١٢ : ٢٩٤ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٥٧ ، ح ١.

(٤) معاني الأخبار : ١ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٧.

٤٢٨

معلّلا ذلك بأنّه يمكن أن يكون له محمل لم يتفطّن السامع له فينكره فيكفر من حيث لا يشعر ، فلو كان عمدة التنافي من جهة صدور الأخبار المنافية بظاهرها لما في أيدينا من الأدلّة تقيّة ، لم يكن في إنكار كونها من الإمام عليه‌السلام مفسدة ، فضلا عن كفر الراد.

الثالث : إنّ التقيّة قد تكون من فتوى العامّة ، وهو الظاهر من إطلاق موافقة العامّة في الأخبار ، واخرى من حيث أخبارهم التي رووها ، وهو المصرّح به في بعض الأخبار ، لكنّ الظاهر أنّ ذلك محمول على الغالب من كون الخبر مستندا للفتوى.

وثالثة من حيث عملهم ، ويشير اليه قوله عليه‌السلام ، في المقبولة المتقدّمة : (ما هم إليه

____________________________________

وممارسة بعض الجرائد والمجلات ، وما يشبهها من الكتب ، وأدركوا شيئا من الرطب واليابس ، فزعموا في حقّهم أنّهم أصبحوا افلاطون الدهر وسمعوا أنّ المحقّقين من القدماء قد تصدّوا بتنقيح الأخبار وطرح الأكاذيب ، فتوهّموا أنّ طرح الخبر من علائم الفضل وتجاهلوا عن أنّ هذا الأمر من غير أهله دليل على أعلى درجات الجهل ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي. ولقد أجاد فيما أفاد.

وبالجملة ، منعوا من الطرح معلّلا ذلك بأنّه يمكن أن يكون له محمل لم يتفطّن السامع له فينكره فيكفر من حيث لا يشعر ، فلو كان عمدة التنافي من جهة صدور الأخبار المنافية بظاهرها لما في أيدينا من الأدلّة.

وبالجملة ، لو كان من جهة صدورها تقيّة ، لم يكن في إنكار كونها من الإمام عليه‌السلام مفسدة ، فضلا عن كفر الراد. هذا تمام الكلام في الأمر الثاني.

الثالث : إنّ التقيّة قد تكون من فتوى العامّة ، وهو الظاهر من إطلاق موافقة العامّة في الأخبار العلاجيّة الآمرة بطرح ما وافق منهما العامّة.

واخرى من حيث أخبارهم التي رووها ، إذ ليس كلّ رواية لهم مفتى بها عندهم ، كما أنّه ليس كلّ رواية لنا مفتى بها عندنا. وبالجملة تحصل التقيّة بموافقة فتواهم وموافقة روايتهم التي لم يفتوا بها.

وهو المصرّح به في بعض الأخبار العلاجيّة ، ففي رسالة القطب الراوندي عن الصادق عليه‌السلام : إذا ورد عليكم حديثان ـ إلى أن قال ـ فاعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق

٤٢٩

أميل قضاتهم وحكامهم) (١) ، ورابعة بكونه أشبه بقواعدهم واصول دينهم وفروعه ، كما يدلّ عليه الخبر المتقدّم.

وعرفت سابقا قوة احتمال التفرّع على قواعدهم الفاسدة.

ويخرج الخبر حينئذ عن الحجّيّة ولو مع عدم المعارض ، كما يدلّ عليه عموم الموصول.

____________________________________

اخبارهم فاطرحوه (٢) مثلا.

لكنّ الظاهر أنّ ذلك محمول على الغالب من كون الخبر مستندا للفتوى.

حاصله على ما في شرح الاستاذ أنّ الظاهر رجوع الوجه الثاني ـ أي : موافقة روايتهم ـ إلى الوجه الأوّل ، أي : موافقة فتواهم ؛ لبعد إرادة الرواية المتروكة ، بل لمّا كان الغالب كون الرواية مفتى بها وشذّ ما تكون الرواية معرضا عنها ، فالمراد من موافقة الرواية موافقة الفتوى.

وثالثة من حيث عملهم ، فإنّه ربّما يكون العمل بحسب أمر السلطان وحكم الحكّام والقضاة على خلاف فتوى فقهائهم ورواياتهم.

ويشير إليه قوله عليه‌السلام في المقبولة المتقدّمة عن عمر بن حنظلة : ما هم إليه أميل قضاتهم وحكّامهم.

ورابعة تكون التقيّة بكونه ، أي : أحد الخبرين أشبه بقواعدهم الاصوليّة ، فإذا دلّ خبر على أنّ دية أربع من أصابع المرأة عشرون من الإبل ، ودلّ آخر على أنّها أربعون ؛ لأن دية الواحدة هي عشرة ، يحمل الثاني على التقيّة لتفرّعه على قاعدة القياس.

واصول دينهم ، فإذا دلّ خبر على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل كذا سهوا ، ودلّ آخر على أنّه ما فعل كذا ، يحمل الأوّل على التقيّة لتفرّعه على تجويزهم السهو على المعصوم.

وفروعه ، فإذا دلّ خبر على قبول شهادة اليهود وآخر على عدمه ، يحمل الأوّل على التقيّة لتفرّعه على قاعدتهم من قبول شهادة الفاسق بالكفر.

كما يدلّ عليه الخبر المتقدّم ، أي : (ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ... إلى

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠. الفقيه ٣ : ٥ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

(٢) لم نعثر على رسالة الراوندي. عنه في البحار ٢ : ٢٣٥ / ٢٠. الوسائل ٢٧ : ١١٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٩.

٤٣٠

الرابع : إنّ ظاهر الأخبار كون المرجّح موافقة جميع الموجودين في زمان الصدور أو معظمهم على وجه يصدق الاستغراق العرفي ، فلو وافق بعضهم بلا مخالفة الباقين ،

____________________________________

آخره) (١).

وعرفت سابقا أنّه ليس المراد من الشباهة التقيّة على الوجه الأوّل ، أعني : موافقة الخبر لفتوى العامّة ، بل كون الخبر متفرّعا على قواعدهم الفاسدة ، كما قال : قوة احتمال التفرّع على قواعدهم الفاسدة كما عرفت في الأمثلة المتقدّمة.

ويخرج الخبر حينئذ ، أي : حين كونه متفرّعا على قواعدهم الفاسدة عن الحجّيّة ولو مع عدم المعارض ، كما يدلّ عليه عموم الموصول ، فإنّ قوله عليه‌السلام : ما سمعته ... إلى آخره يعمّ صورة وجود المعارض وعدمه.

وبالجملة ، مجرّد موافقة الخبر لفتوى العامّة لا يوجب طرح ما لم يكن له معارض ، بخلاف تفرّعه على قواعدهم فإنّه يوهنه وإن لم يكن له معارض ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

الرابع : إنّ ظاهر الاخبار.

قد عرفت أنّ الملاك في حمل أحد المتعارضين على التقيّة هو كونه موافقا للعامّة ، ثمّ الموافقة لهم على أقسام :

الأوّل : موافقة جميع الموجودين في زمان الصدور.

والثاني : موافقة معظمهم الذي يصدق معه الاستغراق العرفي.

والثالث : كفاية موافقة قول بعضهم الذي حكامهم وقضاتهم إليه أميل.

والرابع : كفاية موافقة البعض مطلقا.

والخامس : كفاية موافقة القول المشهور بينهم بحيث تكون مخالفته مظنّة للضرر والخوف.

ثمّ ظاهر الأخبار ـ أي : خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه ـ هو كون الملاك في التقيّة والمرجّح هو القسم الأوّل أو الثاني ، كما أشار إليه بقوله : إنّ ظاهر الأخبار كون

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٠. الوسائل ٢٧ : ١٢٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٦.

٤٣١

فالترجيح به مستند إلى الكليّة المستفادة من الأخبار من الترجيح بكلّ مزيّة.

وربّما يستفاد من قول السائل في المقبولة ـ : «قلت : يا سيدي! هما معا موافقان للعامّة» (١) ـ أنّ المراد بما وافق العامّة أو خالفهم في المرجّح السابق يعمّ ما وافق البعض أو خالفه ، ويردّه أنّ ظهور الفقرة الاولى في اعتبار الكلّ أقوى من ظهور هذه الفقرة في كفاية موافقة البعض ، فيحمل على إرادة صورة عدم وجود هذا المرجّح في شيء منهما وتساويهما

____________________________________

المرجّح موافقة جميع الموجودين في زمان الصدور أو معظمهم على وجه يصدق الاستغراق العرفي ؛ لأن مقتضى التعليل بكون الرشد في خلافهم كون الرشد في مخالفة جميعهم أو معظمهم.

وبالجملة ، إنّ موافقة أحدهما للكلّ مرجّح منصوص.

فلو وافق بعضهم بلا علم على مخالفة الباقين فالترجيح به ليس بمنصوص ، بل مستند إلى الكلّيّة المستفادة من الأخبار من الترجيح بكلّ مزيّة.

وربّما يستفاد من قول السائل في المقبولة ـ : «قلت : يا سيدي! هما معا موافقان للعامّة» ـ أنّ المراد بما وافق العامّة أو خالفهم في المرجّح السابق ، أي : المرجّح الذي سبق ذكره على سؤال السائل يعمّ ما وافق البعض أو خالفه.

والمقصود من هذا الكلام هو أنّ موافقة البعض أيضا مرجّح منصوص بدليل أنّه بعد ما أمر عليه‌السلام في المقبولة بطرح الموافق وأخذ المخالف قال السائل : «هما معا موافقان» ، يعني : أنّ هذا المرجّح موجود في كليهما لموافقة كلّ منهما لبعضهم ، فيظهر منه أن السائل فهم من كلامه عليه‌السلام إرادة مطلق الموافقة.

ويردّه أنّ ظهور الفقرة الاولى ، وهي الأمر بطرح الموافق وأخذ المخالف في اعتبار الكلّ أقوى من ظهور هذه الفقرة ، أي : قول السائل : «هما معا موافقان» في كفاية موافقة البعض.

أمّا قوّة ظهور الاولى ، فلأن الجنس المعرّف ـ أعني : لفظ العامّة ـ ظاهر في الكلّ ، أمّا ضعف ظهور الثانية ؛ فلأن فيها احتمالين :

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠. الفقيه ٣ : ٥ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

٤٣٢

من هذه الجهة ، لا صورة وجود المرجّح في كليهما ، وتكافؤهما من هذه الجهة.

وكيف كان ، فلو كان كلّ واحد موافقا لبعضهم مخالفا لآخرين منهم وجب الرجوع إلى ما يرجّح في النظر ملاحظة التقيّة منه.

وربّما يستفاد ذلك من أشهريّة فتوى أحد البعضين في زمان الصدور

____________________________________

أحدهما : أن يكون السائل فهم من كلامه عليه‌السلام إرادة موافقة الكلّ ، فقال : «هما معا موافقان» يعني : فاقدان لهذا المرجّح.

ثانيهما : أن يكون قد فهم منه إرادة مطلق الموافقة ، فقال : «هما معا موافقان» يعني : واجدان لهذا المرجّح.

وبالجملة إذا كان ظهور الاولى أقوى تكون هي قرينة للمراد من الثانية ، كما قال :

فيحمل على إرادة صورة عدم وجود هذا المرجّح في شيء منهما وتساويهما من هذه الجهة ، لا صورة وجود المرجّح في كليهما ، وتكافؤهما من هذه الجهة.

أي : معنى موافقتهما هو انتفاء هذا المرجّح لا وجوده في كليهما وتساويهما.

والمتحصّل من الجميع أنّ موافقة الكلّ من قبيل المنصوص وموافقة البعض من قبيل الترجيح بكلّ مزيّة.

وكيف كان ، فلو كان أحدهما موافقا للبعض دون البعض ، وكان الآخر مخالفا للكلّ أو للبعض بلا اطلاع على مخالفة الباقين ، فالترجيح به أيضا مستند إلى قاعدة الترجيح بكلّ مزيّة.

ولو كان كلّ واحد موافقا لبعضهم مخالفا لآخرين منهم ، فكلّ منهما راجح من جهة ومرجوح من جهة وجب الرجوع إلى ما يرجّح في النظر ملاحظة التقيّة منه.

أي : لا بدّ أن يتأمّل حتى يدرك أنّ أيّتهما أنسب بالحمل على التقيّة.

وربّما يستفاد ذلك ، أي : رجحان لحاظ التقيّة في أحدهما من أشهريّة فتوى أحد البعضين في زمان الصدور.

فإنّه كان عند أهل كلّ ناحية فتوى مشهورة ، وربّما كانت تتفاوت بحسب الأزمنة ، فإذا كان السائلان من أهل العراق وكان المشهور بينهم في هذا الزمان فتوى أبي حنيفة ، فأجاب عليه‌السلام لأحدهما بما يوافق فتوى أبي حنيفة وللآخر بما يوافق فتوى مالك ، كان الأوّل

٤٣٣

ويعلم ذلك بمراجعة أهل النقل والتاريخ ، فقد حكي عن تواريخهم :

«إنّ عامّة أهل الكوفة كان عملهم على فتاوى أبي حنيفة وسفيان الثوري ورجل آخر. وأهل مكة على فتاوى ابن جريح ، وأهل المدينة على فتاوى مالك ، وأهل البصرة على فتاوى عثمان وسوّار ، وأهل الشام على فتاوى الأوزاعي والوليد ، وأهل مصر على فتاوى الليث بن سعيد ، وأهل خراسان على فتاوى عبد الله بن المبارك الزهري ، وكان فيهم أهل الفتاوى من غير هؤلاء ، كسعيد بن المسيّب وعكرمة وربيعة الرأي ومحمد بن شهاب الزهري ، إلى أن استقر رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة خمس وستين وثلاثمائة» ، كما حكي.

____________________________________

أنسب للحمل على التقيّة لموافقته بأشهر الفتاوى عند أهل العراق ، وإن كان السائلان من أهل المدينة انعكس الأمر.

ويعلم ذلك بمراجعة أهل النقل والتاريخ ، فقد حكي عن تواريخهم : إنّ عامّه أهل الكوفة كان عملهم على فتاوى أبي حنيفة وسفيان الثوري ورجل آخر.

وأهل مكّة على فتاوى ابن جريح ، وأهل المدينة على فتاوى مالك ، وأهل البصرة على فتاوى عثمان وسوّار ، وأهل الشام على فتاوى الأوزاعي والوليد ، وأهل مصر على فتاوى الليث بن سعيد ، وأهل خراسان على فتاوى عبد الله بن المبارك الزهري ، وكان فيهم أهل الفتاوى من غير هؤلاء ، كسعيد بن المسيّب وعكرمة وربيعة الرأي ومحمد بن شهاب الزهري ، إلى أن استقر رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة خمس وستين وثلاثمائة ، كما حكي عن الوحيد البهبهاني في الفوائد القديمة صفحة (١٢١).

وفي التنكابني : والصواب في تاريخ حصر المذاهب في الأربعة هو سنة خمس وستين وستمائة. إلى أن قال : إنّ ما ذكره المصنف قدس‌سره من أنّه ربّما يستفاد ذلك من أشهريّة فتوى أحد البعضين في زمان الصدور هو الذي أوجب اختلاف العلماء في بعض الموارد في تعيين الخبر الذي يحمل على التقيّة.

قال في الرياض في باب الزكاة فيما لو قصد بالسبك الفرار عن الزكاة ـ بعد نقل مذهب القدماء بوجوب الزكاة فيها ، ومذهب المتأخّرين بعدم وجوبها بعد نقل أخبار الطرفين ، وأنّ أخبار الوجوب مطابقة لمذهب مالك وأحمد ، وأنّ أخبار عدم الوجوب مطابقة

٤٣٤

____________________________________

لمذهب الشافعي ـ ما هذا لفظه : ولا يقدح حكاية مضمون الأخبار المخالفة ، فإنّ ما يوافق رأي أبي حنيفة اولى بالحمل على التقيّة. انتهى.

وفي مفتاح الكرامة حمل أخبار الوجوب المطابقة لمذهب مالك على التقيّة ؛ لأن مذهب أبي حنيفة لم يشتهر في زمان الصادق عليه‌السلام وإنّما اشتهر مذهب مالك في زمانه عليه‌السلام. انتهى.

وقال في مفتاح الكرامة أيضا في كتاب الصلاة في باب المواسعة والمضايقة : لم يكن الشافعي في زمان الصادق عليه‌السلام ولا اشتهر أمره في زمان الكاظم عليه‌السلام ، وإنّما ولد قبل وفاة الصادق عليه‌السلام بسنتين ، ونشأ بمكة واشتهر أمره بها وأقام بها حتى مات ولم يشتهر مذهبه في العراق إلّا بعد حين ، والظاهر أنّ اشتهاره إنّما كان في زمان الملك الظاهر ، فالتقيّة إنّما هي من الذي كان دأبه خلاف الصادق عليه‌السلام ، وقد قال : «خالفت جعفرا في كلّ ما سمعته منه ولا أدري أكان يغمض عينيه في السجود أو يفتحهما حتى أخالفه» (١).

ولا يخفى أنّه مخالف لما نقلنا عنه من أنّ تقيّة الصادق عليه‌السلام كان من مالك ، ولا يخفى على من نظر في التواريخ أنّ أحمد بن حنبل لم يكن معاصرا لجعفر بن محمّد عليه‌السلام ، بل كان في زمان المأمون ومعاصرا للرضا عليه‌السلام ، وقد حبسه المأمون لقوله بقدم القرآن ، وكان مذهب المأمون هو القول بحدوث القرآن ، بل ضربه المأمون ضربا شديدا لعلّه يرجع عن مذهبه الفاسد فلم يرجع ، ويجعل العامّة ذلك من فضائله وكراماته ، والشافعي أيضا لم يكن معاصرا له عليه‌السلام ، بل رحل عن مكة إلى المدينة لملاقاة مالك بن أنس ، وقد تتلمذ على يديه وحفظ موطأه في أيام قليلة ، وبرز على أقرانه في مدّة يسيرة ، ولم يلاق أبا حنيفة أصلا ؛ لأنه قد مات في حبس المنصور الدوانيقي لبعض فتاويه الدالّة على وجوب نصرة الفاطمي الذي خرج بالسيف ، وكان زيديّ المذهب ، وقد رحل الشافعي عن المدينة إلى العراق والشام ومصر وغيرها ، واستفاد من كتب أصحاب أبي حنيفة كمحمد بن الحسن وغيره علما كثيرا ، ولقي هارون الرشيد فأعطاه ألف دينار ، واشتهر أمره بعد ذلك ، والظاهر أنّه

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٣ : ٣٩٣.

٤٣٥

وقد يستفاد ذلك من الأمارات الخاصّة ، مثل قول الصادق عليه‌السلام ، حين حكي له فتوى ابن أبي ليلى في بعض مسائل الوصيّة : (أمّا قول ابن أبي ليلى فلا استطيع ردّه) (١) ، وقد يستفاد من ملاحظة أخبارهم المرويّة في كتبهم. ولذا انيط الحكم في بعض الروايات بموافقة أخبارهم.

الخامس : قد عرفت أن الرجحان بحسب الدلالة لا يزاحمه الرجحان بحسب الصدور ، وكذا لا يزاحمه هذا الرجحان ، أي : الرجحان من حيث جهة الصدور ، فإذا كان الخبر الأقوى

____________________________________

أقام بمصر أخيرا ومات فيها ، فحمل أخبار الصادق عليه‌السلام على التقيّة عن الشافعي وأحمد ممّا لا وجه له أصلا.

نعم ، كان في زمانه فتوى أبي حنيفة في العراق والكوفة وبغداد وغيرهما ، كما أنّ فتوى مالك المعاصر له مشهورة في المدينة وتوابعها ، فمع عدم التعارض بين مذهبيهما يمكن الحمل على التقيّة لموافقة مذهب أيّهما كان ، وأمّا مع الاختلاف كما في المسألة المذكورة فالذي أظنّ أنّ الراوي إن كان من أهل العراق فلا بدّ من الحمل على التقيّة عن أبي حنيفة ، وإن كان من أهل المدينة وما والاها فلا بدّ من حمل الخبر على التقيّة عن مذهب مالك وربيعة الرأي ، الذي كان استاذا لمالك ، ومن أهل المدينة أيضا. انتهى.

وقد يستفاد ذلك ، أي : رجحان لحاظ التقيّة في أحدهما من الأمارات الخاصّة.

فربّما يناسب التقيّة من فتوى بعضهم وإن كان فتوى الآخر مشهورة في ناحيته لكونه أوسع ناحية أو أشدّ بغضا أو أربط بحكومة الجور.

مثل قول الصادق عليه‌السلام ، حين حكي له فتوى ابن أبي ليلى في بعض مسائل الوصيّة. (أمّا قول ابن أبي ليلى فلا استطيع ردّه) ، وقد يستفاد من ملاحظة أخبارهم المرويّة في كتبهم.

فإنّه إذا كان أحد الخبرين مطابقا لروايتهم الشاذّة نقلا وعملا والآخر مطابقا لروايتهم المشهورة نقلا وعملا ، كان ذلك أنسب بالحمل على التقيّة.

الخامس : قد عرفت في أوّل المقام الرابع بعد تقسيم المرجّحات إلى خارجي وداخلي ، وتقسيم الثاني إلى صدوري وجهتي ومضموني أنّ الرجحان بحسب الدلالة مقدّم على جميع الأنواع الثلاثة.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٦١ / ١٦. الفقيه ٤ : ١٦٩ / ٥٩١. التهذيب ٩ : ٢٣٦ / ٩١٩. الوسائل ١٩ : ٤٢٧ ، كتاب الوصايا ، ب ٩٢ ، ح ٢.

٤٣٦

دلالة موافقا للعامّة قدّم على الأضعف المخالف ، لما عرفت من أنّ الترجيح بقوة الدلالة من الجمع المقبول الذي هو مقدّم على الطرح ، أمّا لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامّة ، فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفا للعامّة.

بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامّة باحتمال التقيّة في الموافق ؛ لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا ، كما في المتواترين ، أو تعبّدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبّد بصدور أحدهما وترك التعبّد بصدور الآخر ، وفي ما نحن فيه يمكن ذلك

____________________________________

أي : لا يزاحمه الرجحان بحسب الصدور ، وكذا لا يزاحمه هذا الرجحان ، أي : الرجحان من حيث جهة الصدور ، كما لا يزاحمه ما يأتي من الرجحان المضموني.

فإذا كان الخبر الأقوى دلالة موافقا للعامّة كالخاصّ مثلا قدّم على الأضعف كالعامّ مثلا ؛ وذلك لما عرفت من أنّ الترجيح بقوة الدلالة من الجمع المقبول الذي هو مقدّم على الطرح ، أمّا لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بأن كان الأرجح صدورا كخبر الأعدل موافقا للعامّة ، فهل يقدّم خبر الأعدل الموافق للعامّة أو خبر العدل المخالف لهم ...؟

فالظاهر تقديمه ، أي : الأرجح صدورا على غيره وإن كان ذلك الغير مخالفا للعامّة.

وبالجملة ، إنّ الرجحان الصدوري مقدّم على الرجحان الجهتي.

بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامّة باحتمال التقيّة في الموافق.

إذ قد مرّ أنّ الترجيح بالمخالفة يتمّ بوجهين :

أحدهما : الأقربيّة إلى الحقّ والأبعديّة عن الباطل ، فعليه تكون المخالفة من المرجّحات المضمونيّة ، ويأتي بيان مرتبتها.

ثانيهما : احتمال التقيّة في الموافق ، وعليه تكون مرجّحا جهتيّا ، والرجحان الصدوري مقدّم على الجهتي.

لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا ، كما في المتواترين ، فيرجّح المخالف ، أي : يحمل هو على بيان الواقع ويحمل الموافق على التقيّة.

أو تعبّدا ، كما في الخبرين الظنّيّين بعد ، أي : بعد انتفاء المرجّح الصدوري.

٤٣٧

بمقتضى أدلّة الترجيح من حيث الصدور.

فإن قلت : إنّ الأصل في الخبرين الصدور ، فإذا تعبّدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقيّة ، كما يقتضي ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما دلالة ، فيكون هذا المرجّح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدّما على الترجيح بحسب الصدور.

____________________________________

أي : عدم إمكان التعبّد بصدور أحدهما وترك التعبّد بصدور الآخر ، فيرجّح المخالف ، أي : يؤخذ به ويطرح الموافق لاحتمال التقيّة ، لا أنّه يحمل على التقيّة كقطعي الصدور ، فلا تغفل ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وفي ما نحن فيه ، أي : في فرض وجود المرجّح الصدوري ، يمكن ذلك ، أي : التعبّد بصدور أحدهما دون الآخر ، بمقتضى أدلّة الترجيح من حيث الصدور.

توضيح الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ لحاظ جهة الصدور إنّما هو بعد الفراغ عن أصل الصدور ، نظير أنّ لحاظ سيادة زيد بعد الفراغ عن أصل وجوده ، فنقول : لا تصل النوبة إلى لحاظ جهة الصدور في المتعارضين إلّا بعد الفراغ عن صدورهما بالقطع ، كالمتواترين أو بالتعبّد ، كالظنّيين المتساويين في المرجّح الصدوري ، فمع عدم التساوي فيه لا مجال للحاظ الجهة.

فإن قلت : إنّ الأصل في الخبرين الصدور ، بمعنى أنّ أدلّة حجّيّة الخبر تقتضي صدورهما ؛ لأن الحجّيّة فرع للصدور.

فإذا تعبّدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقيّة ، كما يقتضي ذلك ، أي : التعبّد بصدورهما الحكم بالجمع الدلالي ، أي : بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما دلالة ، فيكون هذا المرجّح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدّما على الترجيح بحسب الصدور.

حاصل الكلام في المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ لحاظ الجهة كلحاظ الدلالة متفرّع على الفراغ عن لحاظ الصدور ، فكما أنّه عند وجود الرجحان الدلالي يتعبّد بصدورهما ويجمع بينهما ولا يرجع إلى المرجّح الصدوري ، كذلك عند وجود المرجّح الجهتي ينبغي التعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقيّة ، لا الرجوع إلى المرجّح الصدوري.

٤٣٨

قلت : لا معنى للتعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقيّة ؛ لأنه الغاء لأحدهما في الحقيقة.

ولذا لو تعيّن حمل خبر غير معارض على التقيّة على تقدير الصدور لم تشمله أدلّة التعبّد بخبر العادل ، نعم ، لو علم بصدور خبرين لم يكن بدّ من حمل الموافق على التقيّة وإلغائه.

وإذا لم يعلم بصدورهما ، كما في ما نحن فيه من المتعارضين ، فيجب الرجوع إلى المرجّحات

____________________________________

قلت : لا معنى للتعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقيّة ؛ لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ التعبّد بصدورهما لأجل وجود المرجّح الدلالي أمر معقول ، له أثر وهو كون أحدهما مفسرا وقرينة للآخر ، كحمل العامّ على الخاصّ مثلا ، وأمّا التعبّد بصدورهما لأجل وجود المرجّح الجهتي فلغو ليس له أثر ؛ لأن الحمل على التقيّة ينتج عدم العمل بالخبر ، ولا معنى للتعبّد بالصدور ليترتّب عليه عدم العمل ، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّح الصدوري مع وجوده.

وبعبارة اخرى : فرق بين التعبّد بصدور الخبرين المتعارضين في مورد المرجّح الدلالي ومورد المرجّح الجهتي ، توضيح الفرق أنّه لا معنى في مورد المرجّح الجهتي للتعبّد بصدورهما ، إذ معنى التعبّد بصدورهما ثمّ الحمل على التقيّة هو عدم العمل به وعدم ترتّب اثر على التعبّد بالصدور ، هذا بخلاف مورد المرجّح الدلالي فإنّ البناء على الصدور في الظاهر يكون عملا بالخبر في الجملة.

ولذا ، أي : لأجل أنّه لا معنى للتعبّد بالصدور والحمل على التقيّة لو تعيّن حمل خبر غير معارض على التقيّة على تقدير الصدور.

كما لو كان هناك خبر بلا معارض مخالف للإجماع وموافق للعامّة ، أو متفرّع على قواعدهم فإنّه لو تعبّدنا بصدوره ، لا بدّ أن نحمله على التقيّة.

لم تشمله أدلّة التعبّد بخبر العادل ، لا أنّه يتعبّد بصدوره ويحمل على التقيّة.

نعم ، لو علم بصدور خبرين لم يكن بدّ من حمل الموافق على التقيّة وإلغائه ؛ لعدم إمكان عدم الصدور.

وإذا لم يعلم بصدورهما ، كما في ما نحن فيه من المتعارضين ، فيجب الرجوع إلى

٤٣٩

الصدوريّة ، فإن أمكن ترجيح أحدهما وتعيّنه من حيث التعبّد بالصدور دون الآخر تعيّن ، وإن قصرت اليد عن هذا الترجيح كان عدم احتمال التقيّة في أحدهما مرجّحا ، فمورد هذا المرجّح تساوي الخبرين من حيث الصدور ، إمّا علما كما في المتواترين ، أو تعبّدا كما في المتكافئين من الآحاد.

وأمّا ما وجب فيه التعبّد بصدور أحدهما المعيّن دون الآخر ، فلا وجه لإعمال هذا المرجّح فيه ؛ لأن جهة الصدور متفرّع على أصل الصدور.

والفرق بين هذا والترجيح في الدلالة المتقدّم على الترجيح بالسند ، أنّ التعبّد بصدور الخبرين على أن يعمل بظاهر أحدهما وبتأويل الآخر بقرينة ذلك الظاهر ممكن غير موجب لطرح دليل أو أصل ، بخلاف التعبّد بصدورهما ، ثمّ حمل أحدهما على التقيّة الذي هو في معنى إلغائه وترك التعبد به.

____________________________________

المرجّحات الصدوريّة ، فإن أمكن ترجيح أحدهما وتعيّنه من حيث التعبّد بالصدور دون الآخر تعيّن ، وإن قصرت اليد عن هذا الترجيح كان عدم احتمال التقيّة في أحدهما مرجّحا.

فيؤخذ بالمخالف للعامّة ويطرح الموافق لاحتمال التقيّة فيه ، لا أنّه يحمل على التقيّة ، إذ لا معنى لالتزام الصدور للحمل على التقيّة ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

فمورد هذا المرجّح تساوي الخبرين من حيث الصدور ، إمّا علما كما في المتواترين ، فيحمل حينئذ الموافق على التقيّة ، أو تعبّدا كما في المتكافئين صدورا من الآحاد ، فيطرح الموافق لاحتمال التقيّة لا أنّه يحمل على التقيّة.

وأمّا ما وجب فيه التعبّد بصدور أحدهما المعيّن لوجود مرجّح صدوري فيه دون الآخر ، فلا وجه لإعمال هذا المرجّح فيه ؛ لأن جهة الصدور متفرّع على أصل الصدور ، فإذا اقتضى المرجّح طرح السند لا يبقى مجال للحاظ الجهة.

[والفرق بين هذا الترجيح والترجيح بالسند] ، في نسخة.

[والفرق بين هذا والترجيح بالسند] في نسخة.

والفرق بين هذا والترجيح في الدلالة المتقدّم على الترجيح بالسند في نسخة اخرى.

أنّ التعبّد بصدور الخبرين على أن يعمل بظاهر أحدهما كالخاصّ مثلا وبتأويل الآخر كالعامّ مثلا بقرينة ذلك الظاهر ، أي : الخاصّ ممكن غير موجب لطرح دليل أو

٤٤٠