دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

أحدها : مجرّد التعبّد ، كما هو ظاهر كثير من أخباره ، ويظهر من المحقّق استظهاره من الشيخ قدس‌سرهما.

الثاني : كون الرشد في خلافهم ، كما صرّح به في غير واحد من الأخبار المتقدّمة ، ورواية علي بن أسباط : (قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يحدث الأمر ، لا أجد بدّا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك ، فقال : (ائت فقيه البلد واستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه) (١).

____________________________________

ودعوى المحقّق قدس‌سره ـ معارضة احتمال التقيّة في الموافق باحتمال التأويل في المخالف ـ ممنوعة.

غاية الأمر أنّ ترجيح أحد الخبرين بمخالفة العامّة يمكن أن يكون بوجوه أربعة :

أحدها : مجرّد التعبّد ، بأن يريد الشارع ترجيح الخبر المخالف تعبّدا لا لأقربيّته إلى الحقّ أو عدم احتمال التقيّة.

كما هو ، أي : الترجيح تعبّدا ظاهر كثير من أخباره ، أي : ترجيح المخالف على الموافق ، حيث لم يتعرض لعلّته في عدّة من الاخبار.

ويظهر من المحقّق استظهاره ، أي : الترجيح تعبّدا من الشيخ قدس‌سرهما.

فانّه رحمه‌الله بعد نقل كلام الشيخ قال : والظاهر احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه‌السلام ... إلى آخره ، وقد عرفت التفصيل في الرواية. وبالجملة أنّ مخالفة العامّة على هذا الوجه يكون مرجّحا تعبّديا لوجه الصدور ، فتكون مندرجة في المرجّحات الداخليّة نظير الترجيح بالأصل ، حيث يكون من المرجّحات الخارجيّة.

الثاني : كون الرشد في خلافهم ، بأن يريد الشارع ترجيح المخالف لمظنّة مطابقة الحقّ لغلبة الصحّة فيه وندرة الدس ، بخلاف الموافق ، فيكون مرجّحا داخليّا مضمونيّا.

كما صرّح به ، أي : الرشد في غير واحد من الأخبار المتقدّمة العلاجيّة ، وصرّح به أيضا في رواية علي بن أسباط ، كما أشار إليه بقوله : ورواية علي بن أسباط ، فإنّها وإن لم ترد في خصوص مورد التعارض إلّا أنّها تشمله.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٧٥ / ١٠ ، الوسائل ٢٧ : ١١٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٣.

٤٠١

وأصرح من ذلك كلّه خبر أبي اسحاق الأرجاني قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (أ تدري لم امرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامّة؟) ، فقلت : لا أدري ، فقال : (إنّ عليّا صلوات الله عليه لم يكن يدين الله بشيء إلّا خالف عليه العامّة ، إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألونه ، صلوات الله عليه ، عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدّا من عندهم ، ليلبسوا على الناس) (١).

الثالث : حسن مجرّد المخالفة لهم ، فمرجع هذا المرجّح ليس الأقربيّة إلى الواقع ، بل هو نظير ترجيح دليل الحرمة على الوجوب ، ودليل الحكم الأسهل على غيره.

____________________________________

قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يحدث الأمر ، لا أجد بدّا من معرفته ، أي : لا مفرّ من معرفته للابتلاء به ، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك ، فقال : (ايت فقيه البلد) الذي هو من علماء العامّة واستفته في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه.

ولا يخفى أنّ هذا الجواب إنّما يجدي للسائل في صورة تردّده بين الأمرين ، كغسل البول مرّة أو مرّتين ، فإذا أفتى بالمرّة أخذ خلافها ، أي : المرّتان وبالعكس لا في صورة تردّده بين امور ، كغسله مرّة أو مرّتين أو مرّات ، لأنه إذا أفتى بالمرّة مثلا تردّد خلافه بين المرّتين والمرات فيبقى التحيّر ، ولمّا كان الغالب التردّد بين الأمرين علّمه الإمام عليه‌السلام هذا الطريق وقنع به السائل.

وأصرح من ذلك كلّه في الدلالة على حقّيّة خلافهم الشامل لصورة تعارض الخبرين خبر أبي اسحاق الأرجاني ... إلى آخره.

حيث بيّن الإمام عليه‌السلام فيه سبب الأخذ بما هو على خلاف العامّة من المتعارضين ، كما مبيّن في المتن.

الثالث : حسن مجرّد المخالفة لهم ، بأن يريد الشارع مخالفتهم تعبّدا لأقربيّة خلافهم إلى الحقّ.

فمرجع هذا المرجّح ليس الأقربيّة إلى الواقع ، بل هو مرجّح خارجيّ تعبّدي ؛ لأن المخالفة ـ حينئذ ـ دليل مستقل ، نظير أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة في ترجيح دليل الحرمة على الوجوب ، كما أشار إليه بقوله :

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٢٤٩ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٤.

٤٠٢

ويشهد لهذا الاحتمال بعض الروايات ، مثل قوله عليه‌السلام في مرسلة داود بن الحصين : (إنّ من وافقنا خالف عدوّنا ، ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منّا ولا نحن منه) (١) ، ورواية الحسين بن خالد : (شيعتنا المسلّمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منّا) (٢) ، فيكون حالهم حال اليهود الوارد فيهم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (خالفوهم ما استطعتم) (٣).

الرابع : الحكم بصدور الموافق تقية ، ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام في رواية : (ما سمعته

____________________________________

نظير ترجيح دليل الحرمة على الوجوب ، فإنّه ليس لأقربيّته إلى الواقع ، بل لجهة اخرى.

ودليل الحكم الأسهل على غيره ، كما إذا دلّ خبر على كفاية صوم يوم واحد في كفارة ودلّ آخر على وجوب عتق رقبة ، فيرجّح الأوّل الأسهل ، فإنّ الشريعة سهلة. هذا الوجه وإن لم يصرّح به في الأخبار العلاجيّة إلّا أنّه ممّا يشهد به بعض الأخبار ، كما أشار إليه بقوله :

ويشهد لهذا الاحتمال بعض الروايات ، مثل قوله عليه‌السلام في مرسلة داود بن الحصين : (إنّ من وافقنا خالف عدونا ، ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منّا ولا نحن منه). وكذا رواية الحسين بن خالد ، الموجودة في المتن.

الرابع : الحكم بصدور الموافق تقيّة.

فهذا المرجّح يكون من مرجّحات وجه الصدور ، بمعنى كون الموافقة لهم كاشفة عن صدور الخبر الموافق تقيّة لا من باب محض التعبّد ، كما في الوجه الأوّل.

ثمّ الفرق بين الوجوه المذكورة على ما في الأوثق وشرح الاستاذ ، هو أنّ الوجه الأوّل والثالث وإن كانا مشتركين في التعبّديّة إلّا أنّ الأوّل ـ أي : ترجيح الخبر المخالف تعبّدا ـ يختصّ بمورد التعارض ، والثالث ـ أي : حسن مخالفتهم تعبّدا ـ يعمّ ما إذا لم يكن خبر

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١١٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣٣ ، نقلا عن رسالة الراوندي ، ولم نعثر عليها.

(٢) البحار ٦٥ : ١٦٧ / ٢٤. الوسائل ٢٧ : ١١٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٥.

(٣) السّنن الكبرى ٢ : ٦٠٥ / ٤٢٥٧ ، وفيه : (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم) ، المعجم الكبير ٧ : ٢٩٠ / ٧١٦٥ ، وفيه : (صلوا في نعالكم ، خالفوا اليهود).

٤٠٣

منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه) (١) ، بناء على أنّ المحكي عنه عليه‌السلام ، مع عدالة الحاكي كالمسموع منه ، وأنّ الرواية مسوقة لحكم المتعارضين ، وأنّ القضيّة غالبيّة ، لكذب الدائمة.

____________________________________

أصلا.

وكذا الوجه الثاني والرابع وإن كانا مشتركين في الطريقيّة إلّا أنّ الرابع ـ أي : الترجيح بالجهة ـ يختصّ بمورد التعارض ، والثاني ـ أي : كون الرشد في خلافهم ـ يعمّ ما إذا لم يكن هنا خبر أصلا.

ومن هنا ظهر الفرق بين الوجه الأوّل والرابع ، فإنّهما وإن كانا مشتركين في اختصاصهما بمورد التعارض إلّا أنّ الترجيح في الأوّل على وجه التعبّد وفي الرابع على وجه الطريقيّة ، وكذا الفرق بين الوجه الثالث والرابع ، أنّ الترجيح على الوجه الثالث تعبّدي دون الوجه الرابع ، وعلى الوجه الرابع يختصّ بمورد التعارض دون الوجه الثالث.

وبقي الكلام في الفرق بين الوجه الأوّل والثاني ، ويفترق الأوّل عن الثاني بوجهين :

أحدهما : إنّ الموافقة والمخالفة على الأوّل على ورود الموافق تقيّة والمخالف لبيان الواقع ، وعلى الثاني أنّ الموافقة أمارة لبطلان مضمون الخبر في الواقع والمخالفة لحقيّته كذلك.

وثانيهما : إنّ الموافقة والمخالفة على الأوّل دليلان على ورود الموافق تقيّة والمخالف لبيان الواقع مطلقا ، سواء كان الاحتمال في المسألة عند الخاصّة منحصرا في اثنين أم كان أزيد ، بأن كانت المسألة عندهم ذات أقوال وكان العامّة متفقين على أحد القولين أو الأقوال ، وكان أحد الخبرين موافقا لهم. والآخر مخالفا لهم.

وأمّا على الثاني ، فمع انحصار الاحتمال في المسألة في اثنين تكون المخالفة أمارة لحقيّة مضمون الخبر في الواقع والموافقة أمارة لبطلانه كذلك ، وأمّا مع تكثّر الاحتمال فالموافقة وإن كانت أمارة لبطلان مضمون الموافق في الواقع ، إلّا أن المخالفة لا تكون أمارة لحقيّة مضمون الخبر المخالف ؛ لأن الفرض حينئذ أنّ الحقّ إنّما هو بين الاحتمالات

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٨ / ٣٣٠. الوسائل ٢٧ : ١٢٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٦.

٤٠٤

أمّا «الوجه الأوّل» ، فمع بعده عن مقام ترجيح أحد الخبرين المبني اعتبارهما على الكشف النوعي ، ينافيه التعليل المذكور في الاخبار المستفيضة المتقدّمة.

ومنه يظهر ضعف «الوجه الثالث» ، مضافا إلى صريح رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : (ما أنتم والله على شيء ممّا هم فيه ، ولا هم على شيء ممّا أنتم فيه ،

____________________________________

المخالفة لهم لا انحصاره في مضمون الخبر المخالف الذي يوافق أحد الاحتمالات المذكورة.

نعم ، يكون المخالف حينئذ أبعد من الباطل بالنسبة إلى الموافق لا أن تكون المخالفة أمارة الرشد والحقيّة ، ثمّ الوجه الرابع وإن لم يصرّح به في الأخبار العلاجيّة ، إلّا أنّه ممّا يدلّ عليه بعض الروايات ، كما أشار إليه بقوله :

ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام في رواية : (ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه) ، بناء على أنّ المحكي عنه عليه‌السلام مع عدالة الحاكي كالمسموع منه ، وأنّ الرواية مسوقة لحكم المتعارضين ، وأنّ القضيّة غالبيّة ، لكذب الدائمة.

حاصله على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ دلالة الرواية على المطلوب ، أعني : حمل أحد المتعارضين على التقيّة موقوف على أمرين :

أحدهما : إثبات أنّ الرواية مسوقة لبيان حكم المتعارضين دون ما يأتي من أنّ المراد من الشباهة بقول الناس التفرّع على قواعدهم الفاسدة ، والإيراد عليه بلزوم بديهة عدم التقيّة في كلّ ما يوافقهم من المتعارضين مدفوع بالحمل على الغلبة دون الدوام ، إلّا أنّه لا طريق لإثبات ذلك بعد قوّة احتمال إرادة ما يأتي من المعنى.

ثانيهما : شمول الرواية للمتعارضين المحكيين وعدم اختصاصها بالمسموعين من جهة التعبير بالسماع ، وهذا ممّا يمكن إثباته ؛ لأنّ دليل الحجّيّة نزّل المحكي بمنزلة المسموع واحتمال دخالة السماع في الحكم بعيد جدا. هذا تمام الكلام في الوجوه الأربعة. ثمّ يشير إلى ما يرد على الوجوه المذكورة ، حيث قال :

أمّا «الوجه الأوّل» ، فمع بعده عن مقام ترجيح أحد الخبرين ؛ لأنّه إذا كان اعتبار الأخبار من باب الطريقيّة إلى الواقع ، فلا بدّ أن يكون ترجيح بعضهما على البعض الآخر

٤٠٥

فخالفوهم ، فإنّهم ليسوا من الحنفية على شيء) (١) ، فقد فرّع الأمر بمخالفتهم على مخالفة أحكامهم للواقع ، لا مجرّد حسن المخالفة ، فتعيّن «الوجه الثاني» ؛ لكثرة ما يدلّ عليه من الأخبار أو الوجه الرابع للخبر المذكور وذهاب المشهور.

____________________________________

منهما من جهة لحاظ الواقع ومراعاته لا من باب التعبّد ، هذا مع أنّ الترجيح من باب التعبّد ممّا ينافيه التعليل المذكور من أنّ الرشد والحقّ في خلافهم.

وبعبارة اخرى : إنّ ترجيح الخبر المخالف للعامّة تعبّدا مخدوش بوجهين.

أحدهما : إنّ اعتبار الأخبار لمّا كان من باب الطريقيّة فالمناسب لمقام الترجيح ملاحظة كون المرجّح معاضدا لجهة الطريقيّة وموجبا للأقربيّة إلى الواقع.

ثانيهما : إنّ بعض الأخبار وإن كان ظاهرا في التعبّد حيث رجّح المخالف من دون بيان العلّة ، إلّا أنّ أكثرها علّله بأنّ الرشد في خلافهم ، فيكون هو مفسرا للأوّل كما في شرح الاستاذ.

ومنه يظهر ضعف «الوجه الثالث».

إذ هو مناف أيضا لكون اعتبار الأخبار من باب الطريقيّة ، والتعليل المذكور في أخبار الترجيح بأنّ الحقّ والرشد في خلافهم ، فترجيح أحد الخبرين من باب حسن مخالفتهم تعبّدا ، أي : من دون لحاظ الأقربيّة إلى الحقّ مخدوش بنفس الوجهين المذكورين في الوجه الأوّل.

هذا مضافا إلى صريح رواية أبي بصير حيث فرّع الأمر بمخالفتهم فيها على مخالفة أحكامهم للواقع ، فيكون المناط هو مراعات الواقع لا مجرّد حسن المخالفة تعبّدا.

فتعيّن الوجه الثاني ، أي : تقديم الخبر المخالف لمظنّة مطابقة الواقع ؛ لكثرة ما يدلّ عليه من الأخبار الواردة في المتعارضين وغيرها ، كروايتي علي بن أسباط (٢) وأبي اسحاق (٣) المتقدّمتين.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١١٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣٢ ، نقلا عن رسالة الراوندي ، ولم نعثر عليها.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٧٥ / ١٠. الوسائل ٢٧ : ١١٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٣.

(٣) علل الشرائع : ٢٤٩ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٦ ، أبواب صفات القاضي ب ٩ ، ح ٢٤.

٤٠٦

إلّا أنّه يشكل «الوجه الثاني» ، بأنّ التعليل المذكور في الأخبار بظاهره غير مستقيم ؛ لأن خلافهم ليس حكما واحدا حتى يكون هو الحقّ.

وكون الحقّ والرشد فيه بمعنى وجوده في محتملاته لا ينفع في الكشف عن الحقّ. نعم ، ينفع

____________________________________

أو الوجه الرابع وهو تقديم المخالف لعدم احتمال التقيّة فيه للخبر المذكور ، أي : ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ... إلى آخره.

إلّا أنّه يشكل «الوجه الثاني» ، بأنّ التعليل المذكور في الأخبار بظاهره ، أي : مع قطع النظر عن التوجيهين الآتيين في قوله : ويمكن دفع الاشكال ... إلى آخره ، غير مستقيم ؛ لأن خلافهم ليس حكما واحدا حتى يكون هو الحقّ.

إذ قد يكون خلافهم مردّدا بين الأحكام ، كما إذا كان أحد الخبرين المتعارضين دالّا على الوجوب مثلا ومذهب العامّة هو الالتزام بالوجوب ، وكان الخبر الآخر دالّا على الحرمة مثلا ، فيكون خلاف مذهب العامّة مردّدا بين الاحتمالات الأربعة :

١ ـ الحرمة.

٢ ـ الاباحة.

٣ ـ الاستحباب.

٤ ـ الكراهة.

فما ذكر في الأخبار من كون الحقّ في خلافهم لا يستلزم كونه في الحرمة على سبيل التعيين ؛ لاحتمال كونه فيها كاحتمال أنّه في أحد الثلاثة الباقية احتمالا مساويا ، فلا يفيد الظنّ ولو نوعا بكون الحكم الواقعي هي الحرمة معيّنة ، فوجوب الأخذ بالخبر المخالف لا يجعله من المرجّح المضموني الذي مبناه على لحاظ الأقربيّة إلى الواقع.

نعم ، إنّما يتمّ ذلك فيما إذا انحصر الاحتمال بين الوجوب والحرمة. وبالجملة أنّ الدليل وهو كون الرشد في خلافهم (١) أخصّ من المدّعى وهو ترجيح الخبر المخالف ؛ لأن خلافهم قد ينحصر في الخبر المخالف ، كما إذا تردّد جهر البسملة عند الامّة بين الوجوب والحرمة ودلّ خبر على الوجوب وخبر على الحرمة ، ووافقت الحرمة للعامّة.

__________________

(١) الكافي ١ : ٨ / خطبة الكتاب ، وفيه أيضا : ٦٧ / ١٠. الفقيه ٣ : ٥ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١١٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٩.

٤٠٧

في الأبعديّة عن الباطل لو علم أو احتمل غلبة الباطل على أحكامهم وكون الحقّ فيها نادرا ، ولكنّه خلاف الوجدان.

____________________________________

وقد لا ينحصر فيه ، كما إذا تردّد جهر البسملة بين الأحكام الخمسة وكان احتمال الحرمة موافقا لهم ، فلا يتمّ حينئذ التعليل المذكور ، أي : لا يكون الخبر المخالف رشيدا أقرب إلى الحقّ لما عرفت من عدم حصر خلافهم فيه ، بل مردّد بين الاحتمالات الأربعة ، فيكون الرشيد أحد الاحتمالات لا خصوص الخبر المخالف.

نعم ، ينفع في الأبعديّة عن الباطل.

بمعنى أنّ الموافقة حينئذ تفيد الظنّ بالبطلان والمخالفة لا تفيده ، بل المخالف يحتمل الحقّ والبطلان على السواء ، مثل الأحكام الثلاثة الاخرى ، فيكون الخبر المخالف من هذه الجهة أبعد من الباطل.

وبعبارة اخرى كما في شرح الاستاذ أنّ مجرّد كون أحد احتمالات خلافهم رشيدا أقرب إلى الحقّ لا يجدي في رشد الخبر المخالف بمعنى أقربيّته إلى الحقّ ، وإنّما يجدي في رشده بمعنى أبعديّته عن الباطل ، والرشد بهذا المعنى كاف للترجيح لكنّه أيضا غير مستقيم ، كما قال :

لو علم أو احتمل غلبة الباطل على أحكامهم وكون الحقّ فيها نادرا ، ولكنّه خلاف الوجدان.

وتوضيح ذلك على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه إن كان كثير من أحكامهم باطلا وكثير منها صحيحا كما هو الظاهر لا يكون الخبر الموافق قريبا إلى الحقّ ، وحينئذ ان انحصر خلافهم في المخالف يكون أقرب إلى الحقّ ، وإلّا فلا يكون أقرب إلى الحقّ ولا أبعد عن الباطل ، كما مرّ.

وإن كان أكثر أحكامهم باطلا ، ونادر منها صحيحا ، كان الخبر الموافق أقرب إلى الباطل والخبر المخالف أبعد عن الباطل ، سواء انحصر خلافهم فيه أم لا ، وعلى فرض الانحصار يظنّ بصحّته أيضا ، فنقول : إن أراد عليه‌السلام بقوله : فإنّ الرشد في خلافهم أنّ الخبر المخالف أقرب إلى الحقّ فهو أخصّ من المدّعى ؛ لأنه إنّما يتمّ في صورة انحصار خلافهم فيه ، وإن أراد أنّ الخبر المخالف أبعد عن الباطل ، ففيه أنّ التعليل يتمّ على تقدير غلبة بطلان

٤٠٨

ورواية أبي بصير المتقدّمة وإن تأكّد مضمونها بالحلف ، لكن لا بدّ من توجيهها ، فيرجع الأمر إلى التعبّد بعلّة الحكم ، وهو أبعد من التعبّد بنفس الحكم.

و «الوجه الرابع» : بأنّ دلالة الخبر المذكور عليه لا يخلو عن خفاء ، لاحتمال أن يكون

____________________________________

أحكامهم وهي ممنوعة.

ورواية أبي بصير المتقدّمة وإن كانت ظاهرة في بطلان أحكامهم وإن تأكّد مضمونها بالحلف.

حيث قال عليه‌السلام : ما أنتم والله على شيء ... إلى آخره.

لكن لا بدّ من توجيهها ، وذلك لبداهة عدم بطلان جميع أحكامهم ، فالمراد أحكامهم الخاصّة المشهورة كإسقاط حيّ على خير العمل من الأذان والتكتّف والتأمين في الصلاة ونحو ذلك.

فيرجع الأمر إلى التعبّد بعلّة الحكم ، وهو أبعد من التعبّد بنفس الحكم.

لأن التعبّد بنفس الحكم معقول ، وأمّا التعبّد بعلّة الحكم فلا يعقل ؛ لأن العلّة لا بدّ من أن تكون وجدانيّة بحيث يعرفها المخاطب قبل ذلك حتى يمكن إثبات الحكم بها ، فإذ كانت تعبّديّة لا يكون في التعليل بها فائدة معتدا بها.

قال الاستاذ الاعتمادي بما هذا لفظه : إذا علمت أنّ التعليل بالرشد غير مستقيم سواء اريد منه الأقربيّة إلى الحقّ أو الأبعديّة عن الباطل ، فلم يبق إلّا حمل العلّة على التعبّد ، بأن يراد أنّ الرشد في خلافهم تعبّدا وهو أبعد من التعبّد في نفس الحكم.

وبالجملة الحكم بترجيح المخالف تعبّدا بعيد ، كما مرّ في ردّ الوجه الأوّل والثالث والتعليل بالرشد تعبّدا أبعد منه ؛ لأن حقّ التعليل أنّ يكون بأمر مرتكز عند العقل ، كالأقربيّة إلى الحق والأبعديّة عن الباطل ، لا بالرشد تعبّدا. وكيف كان ، فالتعليل يتمّ في بعض الموارد.

«والوجه الرابع» ، أي : يشكل الوجه الرابع وهو ترجيح الخبر المخالف لعدم احتمال التقيّة فيه ، بأنّ دلالة الخبر المذكور.

وهو قوله عليه‌السلام : ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ... إلى آخره ، على الوجه الرابع.

٤٠٩

المراد من شباهة أحد الخبرين بقول الناس كونه متفرّعا على قواعدهم الباطلة ، مثل تجويز الخطأ على المعصومين من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، عمدا أو سهوا والجبر والتفويض ونحو ذلك.

وقد أطلق الشباهة على هذا المعنى في بعض أخبار العرض على الكتاب والسنة ، حيث قال : (فإن اشبههما فهو حقّ ، وإن لم يشبههما فهو باطل) (١) ، وهذا الحمل اولى من حمل القضيّة

____________________________________

لا يخلو عن خفاء ، لاحتمال أن لا يكون الخبر المذكور راجعا إلى ما نحن فيه من تعارض الأخبار في الأخبار الفرعيّة.

بل يكون المراد من شباهة أحد الخبرين بقول الناس كونه متفرّعا ومبنيّا على قواعدهم الاصوليّة أو الفرعيّة أو الاعتقاديّة الباطلة ، بإجماع الإماميّة أو اشتهر بطلانها.

مثل تجويز الخطأ على المعصومين من الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام عمدا ، أي : عصيانا أو سهوا والجبر والتفويض ونحو ذلك.

كتجويز التكليف بلا حكمة ، والأمر بالقبيح والنهي عن الحسن على الله تعالى ، وكاعتبار الأقيسة ، والاستحسانات ، وقبول شهادة الفاسق بالكفر ، وجواز نصب المرأة للقضاء وغير ذلك.

فإذا نقل عن الصادق عليه‌السلام بالفرض أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما فعل كذا سهوا ، ونقل عنه أيضا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فعل كذا ، كان الأوّل أشبه بقاعدة العامّة ، أي : متفرّع على تجويزهم السهو على المعصوم عليه‌السلام ، فيحمل على التقيّة وهكذا ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وقد أطلق الشباهة على هذا المعنى في بعض الأخبار الواردة في غير المتعارضين ، وهي أخبار العرض على الكتاب والسنة ، حيث قال : إذا ورد عليكم الحديث فاعرضوه على الكتاب والسنّة ، فإن أشبههما فهو حقّ ، وإن لم يشبههما فهو باطل.

وملخّص الكلام في المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ المراد أنّ ما يتفرّع على الكتاب والسنّة فهو حقّ وإلّا فهو باطل ، فإذا دلّ خبر على عدم جواز بيع العبد المسلم للكافر لكان حقّا ؛ لكونه متفرّعا على قوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٠ / ٧. الوسائل ٢٧ : ١٢٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٨.

٤١٠

على الغلبة لا الدوام بعد تسليم الغلبة.

ويمكن دفع الإشكال في «الوجه الثاني» عن التعليل في الأخبار : بوروده على الغالب من انحصار الفتوى في المسألة على الوجهين.

لأن الغالب أنّ الوجوه في المسألة إذا كثرت كانت العامّة مختلفين ، ومع اتفاقهم لا يكون في المسألة وجوه متعدّدة.

____________________________________

الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(١).

وإذا دلّ خبر على أنّ العبد مختار في العبادات المستحبة لكان باطلا ، لعدم كونه متفرّعا على الكتاب ، إذ لا يشبه قوله تعالى : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)(٢).

وهذا الحمل ، أي : حمل الشباهة على المعنى الظاهر وهو التفرّع على قواعدهم الفاسدة اولى من حمل القضيّة على المتعارضين ، لعدم ظهوره فيه ، مضافا إلى توقف صحّته على الحمل على الغلبة لا الدوام ؛ لأنه كذب كما مرّ بعد تسليم الغلبة ، أي : مضافا إلى أنّ غلبة التقيّة في الموافق من المتعارضين أيضا ممنوع كالدوام ، كما في شرح الاستاذ.

ويمكن دفع الإشكال في «الوجه الثاني» عن التعليل في الأخبار.

أقول : لمّا استشكل فيه بأنّه إن اريد من الرشد الأقربيّة إلى الحقّ ، فهو يتمّ في بعض الموارد ، وإن اريد منه الأبعديّة عن الباطل ، فهو موقوف على غلبة بطلان أحكامهم وهو ممنوع ، أراد دفع الإشكال على التقديرين.

فعلى التقدير الأوّل يدفع بوروده على الغالب من انحصار الفتوى في المسألة في الوجهين.

في التنكابني ما هذا لفظه : لا يخفى أنّ كون المسألة ذات الوجهين لا تكون غالبة ، بل الغالب كون المسألة ذات وجوه ، ويكشف عن ذلك وجود الفتاوي الكثيرة في غالب المسائل وكون مورد الاتفاق قليلا.

ويمكن توجيه العبارة بأنّ المراد غالب موارد اتفاق العامّة ، يعني : إنّ غالب الموارد

__________________

(١) النساء : ١٤١.

(٢) النحل : ٧٥.

٤١١

ويمكن ـ أيضا ـ الالتزام بما ذكرنا سابقا ، من غلبة الباطل في أقوالهم ، على ما صرّح به في رواية الأرجاني (١) المتقدّمة ، وأصرح منها ما حكي عن أبي حنيفة من قوله : (خالفت جعفرا في كلّ ما يقول إلّا أنّي لا أدري أنّه يغمض عينيه في الركوع والسجود أو يفتحهما) (٢) ، وحينئذ فيكون خلافه أبعد من الباطل.

ويمكن توجيه «الوجه الرابع» : بعدم انحصار دليله في الرواية المذكورة.

____________________________________

التي يتفق فيه العامّة على فتوى لا تكون المسألة ذات وجوه ، بل تكون ذات وجهين ، فإذا لم يكن في المسألة إلّا وجهان واتفق العامّة على وجه وكان الحقّ منحصرا فيهما ولا يحتمل غيرهما ، وكان الحقّ في خلاف أحدهما بحسب تعيين الرواية تعيّن في هذا المورد وجود الحقّ في الآخر المعيّن ولا يحتمل غيره ، فيؤخذ بالخبر المخالف لكون الحقّ فيه.

فنرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، وملخّص ما فيه أنّه إذا وافق أحد الخبرين للعامّة وانحصر خلافهم في الخبر المخالف يصحّ التعليل بأنّه أقرب إلى الحقّ ، وفي الموارد النادرة التي يتردّد فيها خلافهم بين الاحتمالات يرجع إلى سائر المرجّحات ، وقد أشار إلى دفع الإشكال على التقدير الثاني بقوله :

ويمكن ـ أيضا ـ الالتزام بما ذكرنا سابقا ، من غلبة الباطل في أقوالهم.

حاصله : إنّا وان استبعدنا غلبة بطلان أحكامهم إلّا أنّ التأمّل في القرائن يرفع الاستبعاد ، فيصحّ أن يقال بأنّ الموافق لهم أقرب إلى الباطل ؛ لغلبة الباطل في أحكامهم ، فالخبر المخالف لهم أبعد عن الباطل سواء انحصر خلافهم فيه أم لا ، ثمّ بيّن القرائن وقال :

على ما صرّح به في رواية الأرجاني المتقدّمة في مخالفة العامّة لعلي عليه‌السلام دائما ، وأنّه عليه‌السلام إذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدا.

ويمكن توجيه «الوجه الرابع» : بعدم انحصار دليله في الرواية المذكورة.

أي : قوله : ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ... إلى آخره.

وملخّص الكلام أنّ ترجيح الخبر المخالف مسلّم منصوص ولترجيحه جهتان : رشده بالنسبة إلى الموافق ، وهو أيضا منصوص كما وجّه ، وعدم احتمال التقيّة فيه ومنصوصيّة

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٢٤٩ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٤.

(٢) مفتاح الكرامة ٣ : ٣٩٣.

٤١٢

بل الوجه فيه هو ما تقرّر في باب التراجيح واستفيد من النصوص والفتاوى من حصول الترجيح بكلّ مزيّة في أحد الخبرين يوجب كونه أقلّ او أبعد احتمالا لمخالفة الواقع من الآخر. ومعلوم أنّ الخبر المخالف لا يحتمل فيه التقيّة ، كما يحتمل في الموافق ، على ما تقدّم من المحقّق قدس‌سره.

فمراد المشهور من حمل الخبر الموافق على التقيّة ، ليس كون الموافقة أمارة على صدور الخبر تقيّة ، بل المراد أنّ الخبرين لمّا اشتركا في جميع الجهات المحتملة لخلاف الواقع عدا احتمال الصدور تقيّة المختصّ بالخبر الموافق تعيّن العمل بالمخالف وانحصر محمل الخبر الموافق المطروح في التقيّة.

____________________________________

ذلك في قوله عليه‌السلام : وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه.

بل الوجه فيه هو ما تقرّر في باب التراجيح واستفيد من النصوص والفتاوى من حصول الترجيح بكلّ مزيّة في أحد الخبرين يوجب كونه أقلّ احتمالا لمخالفة الواقع ، بأن يوجد في أحدهما جهة تقوية ليست في آخر ، كالأعدليّة وعلوّ الإسناد ، والنقل باللفظ ، وموافقة الشهرة ، فإنّ احتمال الخلاف فيه أقلّ بالنسبة إلى الآخر.

أو أبعد احتمالا لمخالفة الواقع من الخبر الآخر ، بأن يوجد في أحدهما جهة منقصة ليست في آخر ، كالشذوذ وموافقة العامّة ، فإنّه يكون أقرب إلى المخالفة للواقع والآخر أبعد عنها.

ومعلوم أنّ الخبر المخالف لا يحتمل فيه التقيّة ، كما يحتمل في الموافق ، على ما تقدّم من المحقّق قدس‌سره ، حيث اعترف باحتمال التقيّة في الموافق لكنّه عارضه باحتمال التأويل في المخالف.

فمراد المشهور من حمل الخبر الموافق على التقيّة ، ليس كون الموافقة أمارة على صدور الخبر تقيّة ، بل المراد أنّ الخبرين لمّا اشتركا في جميع الجهات المحتملة لخلاف الواقع ، بأن يكونا متساويين من حيث السند في احتمال عدم الصدور ، ومن حيث المضمون في احتمال مخالفة الواقع ، ومن حيث الدلالة في احتمال عدم إرادة الظاهر.

عدا احتمال الصدور تقيّة المختصّ بالخبر الموافق تعيّن العمل بالمخالف وانحصر محمل الخبر الموافق المطروح في التقيّة.

٤١٣

وأمّا ما أورده المحقّق ـ من معارضة احتمال التقيّة باحتمال الفتوى على التأويل ـ ففيه : إنّ الكلام فيما إذا اشترك الخبران في جميع الاحتمالات المتطرقة في السند والمتن والدلالة.

____________________________________

حاصله على ما في شرح الاستاذ أنّ المشهور يرجّحون المخالف في فرض تساوي الخبرين في كلّ جهة حتى احتمال التأويل لمزيّة فيه وهي عدم احتمال التقيّة فيه ، لا للظنّ بصدور الموافق تقيّة ، إذ يكفي للترجيح مجرّد المزيّة المذكورة ولا حاجة إلى الظنّ المذكور.

وأمّا ما أورده المحقّق ... إلى آخره ، لا يخفى أنّ المحقق قدس‌سره قد أورد على دليلي الشيخ للترجيح بمخالفة العامّة وزيّف كلّا منهما ، فلا بدّ أوّلا من ذكر دليلين للترجيح بمخالفة العامّة ، وثانيا ذكر ما أورده المحقّق عليهما من التزييف.

أمّا الدليل الأوّل ، فهو المروي عن الصادق عليه‌السلام ، وأمّا الثاني فهو قوله : بأنّ الأبعد لا يحتمل إلّا الفتوى والموافق للعامّة يحتمل التقيّة ... إلى آخره.

وأمّا إيراد المحقّق على الدليل الأوّل ، فبوجهين :

أحدهما : بأنّه إثبات مسألة علميّة بخبر الواحد.

وثانيهما : قد طعن الفضلاء من الشيعة كالمفيد وغيره فيه.

وأمّا إيراده على الدليل الثاني ، فتقدّم مع جوابه في كلام المصنف قدس‌سره فراجع.

وأمّا إيراده الثاني ، فيدفع الوجه الأوّل بما تقرّر في محلّه من عدم الفرق في أدلّة اعتبار أخبار الآحاد بين الفروع والاصول العمليّة ، ويدفع الثاني بأنّ الأخبار الدالّة على الترجيح بمخالفة العامّة وإن لم تكن متواترة إلّا أنّها كثيرة جدا ، فتكون حجّة بسبب التكاثر والتعاضد ، فلا يقدح في اعتبارها طعن جماعة من فضلاء الشيعة في سند بعضها.

وكيف كان ، فنرجع إلى ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، حيث قال في شرح قوله : ففيه إنّه في بعض الموارد لا اعتبار باحتمال التأويل وفي بعض الموارد لا اعتبار باحتمال التقيّة ، فلا يوجد مورد لتعارضهما.

بيان ذلك إنّ الكلام فيما إذا اشترك الخبران في جميع الجهات المرجّحة والمنقّصة والاحتمالات المتطرقة في السند ، كاحتمال الإرسال وضعف الراوي وغير ذلك والمتن ، كاحتمال النقل بالمعنى والتقطيع وغير ذلك والدلالة ، كاحتمال حمل العذرة في أحد

٤١٤

فاحتمال الفتوى على التأويل مشترك ، كيف ولو فرض اختصاص الخبر المخالف باحتمال التأويل وعدم تطرقه في الخبر الموافق ، كان اللّازم ارتكاب التأويل في الخبر المخالف ، لما عرفت من أنّ النصّ والظاهر لا يرجع فيهما إلى المرجّحات.

____________________________________

الخبرين على النجسة وفي الآخر على الطاهرة.

فاحتمال الفتوى على التأويل مشترك بالفرض بين المخالف والموافق ، فلا عبرة إذن باحتمال التأويل حتى يعارض باحتمال التقيّة.

كيف ولو فرض اختصاص الخبر المخالف باحتمال التأويل وعدم تطرقه في الخبر الموافق ، كان اللّازم ارتكاب التأويل في الخبر المخالف ، فلا اعتبار إذن باحتمال التقيّة في الموافق حتى يعارض احتمال التأويل في المخالف.

لما عرفت من أنّ النصّ والظاهر والأظهر والظاهر لا يرجع فيهما إلى المرجّحات.

توضيح الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ الجمع بين الخبرين قد يتوقف على تأويل كليهما ، كما في ثمن العذرة سحت (١) ولا بأس ببيع العذرة (٢) ، وهذا مورد امتناع الجمع ، فإذا كان أحدهما مخالفا للعامّة يؤخذ به ويطرح الموافق لفرض تساويهما في كلّ جهة حتى احتمال التأويل ، وأحدهما مختصّ بما ليس في الآخر ، أعني : احتمال التقيّة ، وهذا تفسير قوله : إنّ الكلام فيما إذا اشترك الخبران في جميع الاحتمالات ... إلى آخره.

وقد يتوقّف على تأويل أحدهما المعيّن ، كما في أكرم العلماء ولا تكرم النحاة أو أكرم العالم ولا تكرم الشعراء ، وهذا مورد الجمع المقبول ، إذ لا بدّ من تأويل الأوّل بتخصيصه بالثاني ، وإن كان الثاني موافقا للعامّة ، إذ مع وجود النصّ ، كقوله : لا تكرم النحاة أو الأظهر ، كقوله : لا تكرم الشعراء ، لا تصل النوبة إلى سائر المرجّحات ، وهذا تفسير قوله : كيف ولو فرض اختصاص الخبر المخالف.

وقد يتوقف على تأويل أحدهما غير المعيّن ، كما سيأتي تفصيله عند قوله : وأمّا فيما

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨٠ ، الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٢ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٩. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨١ ، ١٨٣. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ٢ ، ح ٣.

٤١٥

وأمّا ما أجاب به صاحب المعالم عن الإيراد ـ بأنّ احتمال التقيّة في كلامهم أقرب وأغلب ـ ففيه ، مع إشعاره بتسليم ما ذكره المحقّق من معارضة احتمال التقيّة في الموافق باحتمال التأويل ، مع ما عرفت من خروج ذلك عن محلّ الكلام ، منع أغلبيّة التقيّة في الأخبار من التأويل.

ومن هنا يظهر : إنّ ما ذكرنا من الوجه في رجحان الخبر المخالف مختصّ بالمتباينين.

وأمّا في ما كان من قبيل العامّين من وجه ، بأن كان لكلّ واحد منهما ظاهر يمكن الجمع بينهما بصرفه عن ظاهره دون الآخر ، فيدور الأمر بين حمل الموافق منهما على التقيّة والحكم

____________________________________

كان من قبيل العامّين من وجه ... إلى آخره.

وأمّا ما أجاب به صاحب المعالم عن الإيراد ـ بأنّ احتمال التقيّة في كلامهم أقرب وأغلب ـ ففيه ، مع إشعاره بتسليم ما ذكره المحقّق من معارضة احتمال التقيّة في الموافق باحتمال التأويل في المخالف.

مع ما عرفت من خروج ذلك عن محلّ الكلام ، إذ محلّ الكلام عدم احتمال التأويل المعتبر ، ومعه لا مجال لأن تصل النوبة إلى مثل التقيّة.

منع أغلبيّة التقيّة في الأخبار من التأويل.

حاصل الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه بعد ما جعل المحقّق قدس‌سره احتمال التقيّة معارضا باحتمال التأويل أجاب عنه صاحب المعالم رحمه‌الله بأنّ التقيّة لغلبتها تكون مقدّما على التأويل ، وهذا الجواب مخدوش بوجهين :

أحدهما : منع الأغلبيّة.

ثانيهما : إنّه إن كان التأويل المحتمل معتبرا لأجل النصّ أو الأظهر ، كما مرّ لا مجال لملاحظة التقيّة ، وإن كانت غالبة ، فلا يقع التعارض ، وإن لم يكن معتبرا ، كما في مثال العذرة تلاحظ التقيّة وإن لم تكن غالبة فلا تعارض أيضا.

ومن هنا ، أي : من أنّ احتمال التقيّة لا يجري في موارد الجمع المقبول يظهر : إنّ ما ذكرنا من الوجه في رجحان الخبر المخالف وهو انتفاء احتمال التقيّة فيه مع تساويهما في كلّ جهة مختصّ بالمتباينين ، كما ذكر في مثال العذرة ، ولا يجري في مثل العموم المطلق.

وأمّا في ما كان من قبيل العامّين من وجه ، بأن كان لكلّ واحد منهما ظاهر يمكن الجمع

٤١٦

بتأويل أحدهما ليجتمع مع الآخر ، مثلا إذا ورد الأمر بغسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، وورد كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله ، فدار الأمر بين حمل الثاني على التقيّة وبين الحكم بتخصيص أحدهما لا بعينه.

فلا وجه لترجيح التقيّة ؛ لكونها في كلام الأئمة عليه‌السلام أغلب من التخصيص ، فالعمدة في

____________________________________

بينهما بصرفه عن ظاهره دون الآخر.

ملخّص الكلام على ما في شرح الاعتمادي أنّه إذا كان المتعارضان من قبيل ظاهرين توقف الجمع بينهما على تأويل أحدهما عن ظاهره دون الآخر ، كما في العامّين من وجه إذا تساوى ظهورهما ، كما في قوله : اغتسل للجمعة وينبغي غسل الجمعة.

فيدور الأمر بين حمل الموافق منهما على التقيّة وبين الحكم بتأويل أحدهما ليجتمع مع الآخر ، مثلا إذا ورد الأمر بغسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، وورد كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله.

فإنّ مقتضى الأوّل نجاسة بول غير المأكول طيرا كان أو غيره ، ومقتضى الثاني طهارة بول الطير مأكولا كان أم لا ، فيتعارضان في مادّة الاجتماع ، أي : بول طير غير مأكول اللحم ، والفرض موافقة الثاني للعامّة ، فإنّهم يحكمون بطهارة بول الطير مطلقا.

فدار الأمر بين حمل الثاني على التقيّة وبين الحكم بتخصيص أحدهما لا بعينه.

يعني : أنّه يتصور هنا طريقان : أحدهما أخذ العموم المخالف ، أعني : عموم النجاسة وطرح الموافق ، أعني : عموم الطهارة ، والآخر الجمع الدلالي بتخصيص أحدهما بالآخر ، إذ يمكن إخراج مادّة الاجتماع من عموم النجاسة ، ويمكن إخراجها من عموم الطهارة ، فتتعارض أصالتي العموم وتتساقطان ويحكم بإجمالهما ويرجع إلى الأصل ، كأصالة الطهارة.

فلا وجه لترجيح التقيّة ؛ لكونها في كلام الأئمة عليهم‌السلام أغلب من التخصيص.

حاصله على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه إن قلنا بأنّ مثل هذين المتعارضين من موارد إمكان الجمع نظير الأظهر والظاهر ، فلا يعارضه احتمال التقيّة حتى تنفع غلبتها على فرض تسليمها ، بل يجمع بينهما ويحكم بإجمالهما ويرجع إلى أصالة الطهارة ، وإن قلنا أنّه من موارد امتناع الجمع ، كمثال العذرة فلا مجال لملاحظة احتمال التأويل ، بل تلاحظ

٤١٧

الترجيح بمخالفة العامّة ، بناء على ما تقدّم من جريان هذا المرجّح الحكم بتخصيص أحدهما لا بعينه.

فلا وجه لترجيح التقيّة ؛ لكونها في كلام الأئمة عليهم‌السلام أغلب من التخصيص ، فالعمدة في الترجيح بمخالفة العامّة ، بناء على ما تقدّم من جريان هذا المرجّح وشبهه في هذا القسم من المتعارضين هو ما تقدّم من وجوب الترجيح ؛ لكون مزيّة في أحد المتعارضين ، وهذا موجود في ما نحن فيه ؛ لأن احتمال مخالفة الظاهر قائم في كلّ منهما والمخالفة للعامّة مختصّ بمزيّة مفقودة في الآخر ، وهو عدم احتمال الصدور. فتلخص ممّا ذكرنا : إنّ الترجيح بالمخالفة من أحد

____________________________________

التقيّة وإن لم تكن أغلب ، كما قال :

فدار الأمر بين حمل الثاني على التقيّة وبين الحكم بتخصيص أحدهما لا بعينه.

يعني : أنّه يتصور هنا طريقان : أحدهما أخذ العموم المخالف ، أعني : عموم النجاسة وطرح الموافق ، أعني : عموم الطهارة ، والآخر الجمع الدلالي بتخصيص أحدهما بالآخر ، إذ يمكن إخراج مادّة الاجتماع من عموم النجاسة ، ويمكن إخراجها من عموم الطهارة ، فتتعارض أصالتي العموم وتتساقطان ويحكم بإجمالهما ويرجع إلى الأصل ، كأصالة الطهارة.

فلا وجه لترجيح التقيّة ؛ لكونها في كلام الأئمة عليهم‌السلام أغلب من التخصيص.

حاصله على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه إن قلنا بأنّ مثل هذين المتعارضين من موارد إمكان الجمع نظير الأظهر والظاهر ، فلا يعارضه احتمال التقيّة حتى تنفع غلبتها على فرض تسليمها ، بل يجمع بينهما ويحكم بإجمالهما ويرجع إلى أصالة الطهارة ، وإن قلنا أنّه من موارد امتناع الجمع ، كمثال العذرة فلا مجال لملاحظة احتمال التأويل ، بل تلاحظ التقيّة وإن لم تكن أغلب ، كما قال :

فالعمدة في الترجيح بمخالفة العامّة ، بناء على ما تقدّم من جريان هذا المرجّح الجهتي وشبهه من المرجّحات السنديّة والمتنيّة في هذا القسم من المتعارضين هو ما تقدّم من وجوب الترجيح ؛ لكون مزيّة في أحد المتعارضين ، وهذا موجود في ما نحن فيه ؛ لأن الفرض تساوي الخبرين في كلّ جهة ، حتى أنّ احتمال مخالفة الظاهر قائم في كلّ منهما كما فصّل.

والمخالفة للعامّة مختصّ بمزيّة مفقودة في الآخر ، وهو عدم احتمال الصدور للتقيّة.

٤١٨

وجهين ، على ما يظهر من الأخبار :

أحدهما : كونه أبعد عن الباطل وأقرب إلى الواقع ، فيكون مخالفة الجمهور نظير موافقة المشهور من المرجّحات المضمونيّة ، على ما يظهر من أكثر أخبار هذا الباب.

والثاني : من جهة كون المخالف ذا مزيّة ؛ لعدم احتمال التقيّة ، ويدلّ عليه ما دلّ على الترجيح بشهرة الرواية معلّلا بأنّه لا ريب فيه بالتقريب المتقدّم سابقا ، ولعلّ الثمرة بين هذين الوجهين تظهر لك في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

بقي في هذا المقام امور : الأوّل : إنّ الخبر الصادر تقيّة ، يحتمل أن يراد به ظاهره فيكون من الكذب المجوّز

____________________________________

فتلخّص ممّا ذكرنا : إنّ الترجيح بالمخالفة ليس من باب التعبّد على ما مرّ في الوجه الأوّل والثالث ، بل من أحد وجهين ، على ما يظهر من الأخبار :

أحدهما : كونه أبعد من الباطل وأقرب إلى الواقع ، فيكون مخالفة الجمهور ، أي : العامّة نظير موافقة المشهور من المرجّحات المضمونيّة ، أي : توجب أقربيّة مضمونه إلى الحقّ مع قطع النظر عن الصدور ، على ما يظهر من أكثر أخبار هذا الباب.

والثاني : من جهة كون المخالف ذا مزيّة من جهة الصدور ، لعدم احتمال التقيّة ، ويدلّ عليه ، أي : على الترجيح بكلّ مزيّة مواضع من الأخبار العلاجيّة كما مرّ.

منها : ما دلّ على الترجيح بشهرة الرواية ، كقوله عليه‌السلام : خذ بما اشتهر بين أصحابك (١).

معلّلا بأنّه لا ريب فيه بالتقريب المتقدّم سابقا من أنّ المراد نفي الريب بالنسبة إلى الآخر.

فكلّ خبر كان الريب فيه أقلّ بالنسبة إلى الآخر يقدّم عليه.

والثمرة بين الوجهين المذكورين تأتي في الأمر الخامس فانتظر.

بقي في هذا المقام امور : الأوّل :

العمل الصادر عنه عليه‌السلام تقيّة يفيد الحكم الواقعي الاضطراري.

فإذا ورد أنّه عليه‌السلام توضّأ على طريقة العامّة لتقيّة يفيد جواز العمل كذلك عند الاضطرار

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.

٤١٩

لمصلحة ، ويحتمل أن يراد منه تأويل مختف على المخاطب ، فيكون من قبيل التورية ، وهذا أليق بالإمام عليه‌السلام ، بل هو اللائق له ، إذا قلنا بحرمة الكذب مع التمكّن من التورية.

____________________________________

نظير الخبر الدالّ على أنّه عليه‌السلام صلّى جالسا لمرض ، فإنّه يفيد الجواز عند الضرورة.

وأمّا إنّ الخبر ، أي : القول الصادر تقيّة بأن يقول في مقام التقيّة : المتعة محرّمة.

يحتمل أن يراد به ظاهره فيكون من الكذب المجوّز لمصلحة ، فلا يكون هذا الكلام صادرا لبيان حكم أصلا.

ويحتمل أن يراد منه تأويل مختف على المخاطب بأن يكون مراده عليه‌السلام مثلا أنّ المتعة بدون إذنها محرّمة.

فيكون من قبيل التورية ، ويكون الكلام لبيان الحكم الواقعي الاختياري.

وهذا أليق بالإمام عليه‌السلام ، وإن كان الأوّل جائزا.

بل هو اللائق له ، إذا قلنا بحرمة الكذب مع التمكّن من التورية.

حاصله على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ الكذب لا يحلّ إلّا لضرورة وهي منتفية في الإمام عليه‌السلام ؛ لإمكان التورية له في كلّ حال ومقام ، وأمّا غير المعصوم فكثيرا ما يعجز عن التورية أو يصعب له قصدها ، بحيث ربّما ينجرّ إلى العلم بالحال ، فإمّا يحكم لغير المعصوم بجواز الكذب لمصلحة مطلقا ، أي : وإن أمكن التورية نظرا إلى العسر الغالبي ، وإمّا يقيّد بصورة عدم إمكان التورية بسهولة.

قال التنكابني في ذيل كلامه ـ أعني : بل هو اللائق ـ ما هذا لفظه : بل يمكن أن يقال بعدم جواز الكذب مع المصلحة للإمام عليه‌السلام ، وإن قلنا بجوازه لغيره ؛ لأن غير الإمام عليه‌السلام ليس ملتفتا بجميع الأطراف والجوانب ، فربّما يحصل له في التورية مفسدة لاحتياج سوق الكلام مساق التورية في بعض الأوقات إلى التأمّل في إرادة خلاف الظاهر ، فيمكن أن يقال باقتضاء الحكمة تجويز الكذب في مقام التمكّن من التورية لغير الإمام عليه‌السلام ، بخلاف الإمام عليه‌السلام لعلمه بأطراف الكلام وحضور جميع الاحتمالات المخالفة للظاهر عنده.

هذا ويفهم من كلامه الآتي عن قريب ، حرمة الكذب مع التمكّن من التورية ، وفيه إشكال ، إذ ظاهر الأخبار جواز الكذب في صورة الإصلاح وغيره.

منها : قوله : ثلاث يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعدتك زوجتك ، والإصلاح

٤٢٠