دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

في ظهور الرواية ، بل صراحتها في وجوب الترجيح بصفات الراوي وبالشهرة من حيث الرواية وبموافقة الكتاب ومخالفة العامّة.

نعم ، المذكور في الرواية الترجيح باجتماع صفات الراوي من العدالة والفقاهة والصداقة والورع ، لكنّ الظاهر إرادة بيان جواز الترجيح بكلّ منها.

____________________________________

الصورة الاولى بالقرينة المذكورة ، وهي عدم تماميّة حكمها في الصورتين الأخيرتين.

وبالجملة : فهذا الإشكال أيضا على تقدير تماميّته وعدم قبول ما ذكر من صحّة تقديم الترجيح بالصفات في الصورة الاولى دون الأخيرتين ، فيمكن حمل إطلاق الرواية على الاولى دون الأخيرتين.

لا يقدح في ظهور الرواية ، بل صراحتها في وجوب الترجيح.

وجه عدم القدح ، هو أنّ دلالة الرواية على وجوب الترجيح بعدّة امور غير دلالتها على كيفيّة ترتيب المرجّحات ، والذي يتوجّه إليه الإشكال ويوجب الإجمال هي الجهة الثانية ، فلا يقدح في الظهور ، بل الصراحة في الجهة الاولى ، فتفيد وجوب الترجيح بصفات الراوي وبالشهرة من حيث الرواية ، وهي اشتهار الرواية بين الأصحاب مع إمكان عدم عملهم بها. وإن كان الغالب كشفه عنه.

وأمّا الشهرة العمليّة ، أعني : اشتهار التمسّك بالرواية في كتب الفتاوى وإن لم تكن مشهورة بين الرواة ، والشهرة الفتوائيّة ، أعني : موافقة فتوى المشهور للرواية وإن لم يكن استنادهم إليها فيها أيضا من المرجّحات ، إلّا أنّ المنصوص هو الشهرة الروائيّة. هذا تمام الكلام في الوجه الثاني من الإشكال.

وقد أشار إلى الوجه الثالث بقوله : نعم ، المذكور في الرواية الترجيح باجتماع صفات الراوي من العدالة والفقاهة والصداقة والورع.

حيث يكون ظاهر الرواية هو كون المجموع مرجّحا واحدا ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، بل المقصود هو بيان جواز الترجيح بكلّ منها ، فيكون كلّ منها مرجّحا مستقلّا ، كما أشار إليه بقوله :

لكنّ الظاهر إرادة بيان جواز الترجيح بكلّ منها.

فيقع التنافي بين ما هو المذكور في الرواية من الترجيح باجتماع صفات الراوي ، حيث

٢٢١

ولذا لم يسأل الراوي عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض أو تعارض الصفات بعضها مع بعض ، بل ذكر في السؤال أنّهما ـ معا ـ عدلان مرضيّان لا يفضل أحدهما على صاحبه ، فقد فهم أنّ الترجيح بمطلق التفاضل ، وكذا يوجّه الجمع بين موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة مع كفاية واحدة منها إجماعا.

____________________________________

يكون ظاهرا في كون المجموع مرجّحا واحدا ، وبين ما هو المراد منها وهو جواز الترجيح بكلّ منها. هذا هو حاصل الإشكال بالوجه الثالث.

قال الاستاذ الاعتمادي في المقام ما هذا لفظه : أقول : لعلّ نظره رحمه‌الله ـ حيث ادّعى أوّلا ظهور الرواية في الترجيح بالمجموع ، ثمّ أنكره وادّعى ظهورها في إرادة الترجيح بكلّ واحد ـ إلّا أنّ الأول ظهور موهومي ناشئ عن ذكر مجموع الصفات في مكان واحد ، عاطفا بالواو الدالّ على الشركة في الحكم ، فيتوهّم في بادئ النظر ظهور الرواية في الترجيح بالمجموع.

والثاني ، ظهور حقيقي دقّي بملاحظة أنّ الواو ظاهر في الاشتراك في الحكم ، لا في اعتبار الاجتماع في الوجود. والعرف يفهمون في مثل هذا العطف كون كلّ من المعطوف والمعطوف عليه مناطا مستقلّا في الحكم.

ولذا ، أي : لظهور كفاية كلّ منها في المرجّحيّة لم يسأل الراوي عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض ، وذلك فإنّ الراوي قد فهم كفاية البعض في المرجّحيّة ، كما إذا كان أحدهما أعدل مع تساويهما في الورع والفقه.

أو تعارض الصفات بعضها مع بعض ، لأنّه قد فهم أنّه ـ حينئذ ـ لا ترجيح بينهما ، فقد فهم أنّ الترجيح بمطلق التفاضل لا باجتماع الصفات ، وكذا يوجّه الجمع بين موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامّة مع كفاية واحدة منها إجماعا.

وحاصل الكلام في المقام أنّه لو كان الخبران المتعارضان معا موافقين للعامّة أو مخالفين لهم ، وكان أحدهما موافقا للكتاب أو السنّة كفى في الترجيح ، وكذا لو كانا معا موافقين للكتاب والسنّة أو غير موافقين لهما ، وكان أحدهما مخالفا للعامّة.

ثمّ إنّ هذا الإشكال ـ أيضا ـ على تقدير تماميّته لا يقدح في ظهور الرواية ، بل صراحتها في وجوب الترجيح بعدّة امور بالبيان المتقدّم ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

٢٢٢

____________________________________

قال التنكابني في ذيل قوله : ولذا لم يسأل الراوي عن صورة وجود بعض الصفات ... إلى آخره ما هذا لفظه : أورد عليه شيخنا قدس‌سره بأنّ عدم السؤال عن صورة وجود بعض الصفات أو تعارضها لا يلازم فهم استقلال كلّ صفة بالترجيح ، إذ مع استفادة الاجتماع على ما يقتضيه ظاهر العطف بالواو لا معنى للسؤال عن صورة وجود بعض الصفات أو تعارضها ، بل الأنسب على تقدير فهم الاستقلال السؤال عن صورة تعارض الصفات.

نعم ، على ما ذكرنا من استفادة إناطة الترجيح بكلّ مزيّة ربّما لا يحتاج عن السؤال في حكم تعارضها ، فإنّ الترجيح عند التعارض منوط بنظر العامل بالحديث ، كما في تعارض سائر المزايا من المنصوصة وغيرها ، وعلى تقدير التكافؤ يعامل معهما معاملة المتكافئين ؛ لأنّهما على التقدير المذكور من مصاديقهما حقيقة.

إلى أن قال : وذكر بعض المحقّقين في المقام ـ أيضا ـ بأنّه لا دلالة بقوله : لا يفضل أحدهما على صاحبه ، على ما فهمه من أنّ الترجيح بمطلق التفاضل ، إذ لعلّ مراده أن لا يفضّل أحدهما على الآخر فيما ذكر من الفضيلة ، بأن يكون أحدهما مجمع الصفات بخلاف الآخر.

قلت : لعلّ في قوله : لا يفضّل أحدهما على صاحبه ظهورا في أنّ المناط الترجيح بمطلق التفاضل ، ولا يعتبر فيه اجتماع الصفات ، مضافا إلى كفاية واحدة من موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة مع الانفراد في الترجيح إجماعا على ما ادّعاه المصنف قدس‌سره.

وقد صرّح في المقبولة ـ أيضا ـ بكفاية مخالفة العامّة بانفرادها ، مع عدم الفرق بينها بين سائر الفقرات في الحديث ، على ما ادّعاه شيخنا قدس‌سره.

فاندفع الإشكال الأوّل ، وهو أنّ عدم السؤال عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض لا يلازم فهم استقلال كلّ صفة بالترجيح ، وظهر من ذلك كفاية وجود بعض الصفات دون بعض.

نعم ، يبقى الإشكال الثاني ، إذ عدم السؤال عن تعارض بعض الصفات مع بعض إنّما يناسب كون وجود مجموع الصفات مرجّحا ، وأمّا على تقدير كفاية بعض الصفات فينبغي السؤال عن كيفيّة تعارض بعضها مع بعض ، كما لا يخفى ، مع إمكان دفعه ـ أيضا ـ بإمكان

٢٢٣

الثاني : ما رواه ابن أبي جمهور الاحسائي في غوالي اللآلئ ، عن العلّامة ، مرفوعا إلى زرارة :

(قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال عليه‌السلام : (يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر).

فقلت : يا سيّدي إنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم ، فقال : (خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك) ، فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان ، فقال : (انظر ما وافق منهما

____________________________________

غفلة السائل عن ذلك. انتهى.

الثاني : ما رواه ابن أبي جمهور الاحسائي في غوالي اللآلئ ، عن العلّامة ، مرفوعا ، أي : لم يذكر سلسلة السند.

وقبل ذكر هذه المرفوعة ينبغي بيان الفرق بينها وبين المقبولة المتقدّمة ، ثمّ الفرق بينهما يمكن من جهات على ما في التنكابني :

الجهة الاولى : هي فرض الحكومة في المقبولة دون المرفوعة.

الثانية : هي تقديم الترجيح بالشهرة على صفات الراوي في المرفوعة ، والأمر بالعكس في المقبولة.

الثالثة : هي أنّ ما ذكر في المقبولة من صفات الراوي هي الأعدليّة والأصدقيّة والأفقهيّة ، وفي المرفوعة الأعدليّة والأوثقية.

الرابعة : هي أنّ المذكور في المقبولة الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة ، ولم يذكر في المرفوعة.

الخامسة : هي أنّ المذكور في المرفوعة الترجيح بما يوافق الاحتياط دون المقبولة.

السادسة : هي أنّه الحكم في المقبولة بعد فرض التساوي هو الإرجاء إلى لقاء الإمام عليه‌السلام وفي المرفوعة الرجوع إلى التخيير. هذا تمام الكلام في الفرق بين المقبولة والمرفوعة.

قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال عليه‌السلام : (يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر).

فقلت : يا سيّدي إنّهما مشهوران مأثوران عنكم. فقال : خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك ، فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان ، فقال : انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه

٢٢٤

العامّة فاتركه وخذ بما خالف ، فإنّ الحقّ فيما خالفهم).

قلت : ربّما كانا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟.

قال : (إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر). قلت : فإنّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له ، فكيف أصنع. فقال : (إذن فتخيّر أحدهما وتأخذ به ودع الآخر) (١).

الثالث : ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، في حديث طويل ، قال فيه : (فما ورد عليكم من حديثين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما ، فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوهما على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما كان في السنّة موجودا منهيّا عنه ، نهي حرام أو مأمورا به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر إلزام ، فاتّبعوا ما وافق نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره ، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ثمّ كان

____________________________________

وخذ بما خالف ، فإنّ الحقّ فيما خالفهم. قلت : ربّما كانا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟.

قال : (إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر). قلت : فإنّهما معا موافقان للاحتياط.

بأن يدلّ أحدهما على الوجوب والآخر على الحرمة ، أو مخالفان له بأن يدلّ أحدهما على الندب والآخر على الكراهة ، مع فتوى بعض بالوجوب أو الحرمة ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي. هذا تمام الكلام في الرواية الثانية.

الثالث : ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حديث طويل ، قال فيه : (فما ورد عليكم من حديثين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما).

وبعبارة اخرى إن وجدتم حكم أحدهما في الكتاب.

فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب ، أي : وإن لم تجدوا حكم واحد منهما في الكتاب.

فاعرضوهما على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.

٢٢٥

الخبر خلافه ، فذلك رخصة في ما عافه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرهه ولم يحرّمه.

فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى

____________________________________

ثمّ المراد من السنّة لا بدّ من أن تكون قطعيّة ، إذ السّنة الظنيّة تكون كأحد المتعارضين فلا تصلح للعرض عليها.

فما كان في السنّة موجودا منهيّا عنه ، نهي حرام أو مأمورا به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر إلزام.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه إذا كان أحد الخبرين دالّا على الإلزام تحريما أو وجوبا والآخر على عدم الإلزام كراهة أو ندبا وجب الأخذ بما يدلّ على الإلزام ، على تقدير كونه موافقا للسنّة ، كما أشار إليه بقوله :

فاتّبعوا ما وافق نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره ، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة.

والفرق بين النهي إعافة وبينه كراهة ، هو أنّ الأوّل ما وقع فيه الزجر عن ارتكاب المنهي عنه ببيان بعض خواصّه ، بأن يقال : لا تأكل أكثر من قدر الحاجة ، لأنّه قد يوجب المرض.

هذا بخلاف النهي كراهة ، حيث يكون النهي مطلقا من دون تعرّض لخواصّ المنهي عنه.

واحتمال كون الثاني عطفا تفسيريّا للأوّل ، كما في بعض الشروح مردود ، فإنّ احتمال كون العطف كذلك إنّما يصحّ فيما إذا كان العطف بالواو لا بأو.

وكيف كان ، فإذا كان الخبر الدالّ على عدم الإلزام موافقا للكتاب أو للنهي المعافي والكراهي والدالّ على الإلزام على خلافه ، كما أشار إليه بقوله :

ثمّ كان الخبر خلافه ، فذلك رخصة في ما عافه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرهه ولم يحرّمه.

بمعنى أنّ النهي الإعافي والكراهي يوجب الرخصة وجواز الفعل والترك بالنسبة إلى العمل الذي عافه أو كرهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا ، أي : يجوز الأخذ بكلّ ما دلّ على الكراهة وما دلّ على الحرمة.

وبأيّهما شئت وسعك ، أي : يجوز لك الاختيار من باب التسليم على حكم الله والاتّباع للسنّة والردّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه ، أي :

٢٢٦

بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف ، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا) (١).

الرابع : ما عن رسالة القطب الراوندي بسنده الصحيح عن الصادق عليه‌السلام :

(إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه) (٢).

الخامس : ما بسنده أيضا عن الحسين السري ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم) (٣).

____________________________________

الحكم الذي لم تجدوه في السنّة بأحد الوجوه المذكورة ، فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف ، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا. هذا تمام الكلام في الخبر الثالث الوارد في بيان أحكام المتعارضين.

الرابع : ما عن رسالة القطب الراوندي بسنده الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه ، فإن لم تجدوهما) ، أي : الوفاق والخلاف في كتاب الله من جهة عدم حكم أحدهما فيه فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه. هذا تمام الكلام في الخبر الرابع الوارد في أحكام المتعارضين.

الخامس : ما بسنده ، أي : القطب الراوندي أيضا عن الحسين السري ، قال أبو

__________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١ / ٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٦٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٦.

(٢) لم نعثر على رسالة الراوندي. عنه في البحار ٢ : ٢٣٥ / ٢٠. الوسائل ٢٧ : ١١٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٩.

(٣) لم نعثر على رسالة الراوندي. عنه في البحار ٢ : ٢٣٥ / ١٧ ، وفيه : عن الحسن السري. الوسائل ٢٧ : ١١٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣٠ ، وفيه : عن الحسين السري ، قال السيّد الخوئي قدس‌سره : «الصحيح الحسن بن السري ، لعدم وجود الحسين بن أبي السري في كتب الحديث والرجال» معجم رجال الحديث ٥ : ١٧٩ / ٣٢٦١.

٢٢٧

السادس : ما بسنده أيضا عن الحسن بن الجهم في حديث :

قلت له ـ يعني : العبد الصالح عليه‌السلام ـ : يروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام شيء ويروى عنه أيضا خلاف ذلك ، فبأيّهما نأخذ؟ قال : (خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه) (١).

السابع : ما بسنده أيضا عن محمد بن عبد الله : قال : قلت للرّضا عليه‌السلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟ قال : (إذا ورد عليكم خبران مختلفان ، فانظروا ما خالف منهما العامّة فخذوه ، وانظروا ما يوافق أخبارهم فذروه) (٢).

الثامن : ما عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا.

قال : (لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأل). قلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما.

____________________________________

عبد الله عليه‌السلام : (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم) ، وهذا الخبر كالخبر الرابع في الاكتفاء على المرجّح الواحد ، وهو مخالفة العامّة.

السادس : ما بسنده ـ القطب ـ أيضا عن الحسن بن الجهم في حديث.

قلت له ، يعني : العبد الصالح ـ أي : الإمام الكاظم عليه‌السلام ، وقد يعبّر عنه بالحبر والعالم وأبي الحسن وأبي إبراهيم على ما في الأوثق ـ : يروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام شيء ويروى عنه أيضا خلاف ذلك ، فبأيّهما نأخذ؟ قال : (خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه) ، ونظير هذا الخبر وما ذكر قبله هو الخبر السابع وما بعده ، في أنّ المذكور في الجميع هو الاكتفاء بالترجيح بمخالفة العامّة.

الثامن : ما عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به ، أي : يدلّ على وجوب فعل والأخر ينهانا ، أي : يدلّ على حرمة الفعل.

قال : (لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأل). قلت : ـ الواقعة محلّ الابتلاء

__________________

(١) لم نعثر على رسالة الراوندي. عنه في البحار ٢ : ٢٣٥ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١١٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣١.

(٢) لم نعثر على رسالة الراوندي. عنه في البحار ٢ : ٢٣٥ / ١٩. الوسائل ٢٧ : ١١٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣٤.

٢٢٨

قال : (خذ بما خالف العامّة) (١).

التاسع : ما عن الكافي بسنده عن المعلّى بن خنيس :

قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟ قال : (خذوا به حتى يبلغكم عن الحيّ ، فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله). قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (إنّا والله لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم) (٢).

العاشر : ما عنه بسنده إلى الحسين بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : (أ رأيتك لو حدّثتك بحديث العام ، ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه ، بأيّهما كنت تأخذ)؟. قال : كنت أخذ بالأخير. فقال لي : (رحمك الله تعالى) (٣).

[الحادي عشر : ما بسنده الصحيح ظاهرا عن أبي عمرو الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام

____________________________________

فعلا بحيث ـ لا بدّ أن نعمل بواحد منهما. قال : (خذ بما خالف العامّة) ، فإنّ الإمام عليه‌السلام اكتفى بمخالفة العامّة في ترجيح أحد المتعارضين.

التاسع : ما عن الكافي بسنده عن المعلّى بن خنيس : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟. قال : (خذوا به) ، أي : بما جاء عن الأوّل ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، أو بما جاء عن الآخر لأقربيّته ، مضافا إلى دلالة الحديث العاشر والحادي عشر عليه ، كما في الأوثق.

والمراد بالحيّ هو إمام العصر عجّل الله فرجه. وحاصله أنّه إذا بلغ حديث من أوّل الأئمّة عليهم‌السلام الماضين وآخر من آخرهم يجب الأخذ بما جاء من آخرهم حتى يبلغ من صاحب العصر عجّل الله فرجه ما يخالفه ، فيجب الأخذ به وترك المأخوذ.

العاشر : ما عنه بسنده إلى الحسين بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (أ رأيتك لو حدّثتك بحديث العام ، ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه ، بأيّهما كنت تأخذ؟). قال : كنت آخذ بالأخير. فقال لي : (رحمك الله تعالى) ، فالمستفاد من هذا الخبر ترجيح ما صدر عن الإمام عليه‌السلام في الزمان المتأخّر على ما صدر عنه سابقا.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٦٥. الوسائل ٢٧ : ١٢٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٢.

(٢) الكافي ١ : ٦٧ / ٩. الوسائل ٢٧ : ١٠٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٨.

(٣) الكافي ١ : ٦٧ / ٨. الوسائل ٢٧ : ١٠٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٧.

٢٢٩

قال : (يا أبا عمرو أرأيت لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ، ثمّ جئت بعد ذلك تسألني عنه ، فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك ، بأيّهما كنت تأخذ؟). قلت : بأحدثهما وأدع الآخر. قال : (قد أصبت يا أبا عمرو ، أبى الله إلّا أن يعبد سرّا ، أما والله ، لئن فعلتم ذلك ، إنّه لخير لي ولكم أبى الله لنا في دينه إلّا التقيّة) (١)].

الثاني عشر : ما عنه بسنده الموثّق عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما بال أقوام يروون عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتّهمون بالكذب ، فيجيء منكم خلافه. قال : (إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن) (٢).

الثالث عشر : ما بسنده الحسن عن أبي حيّون مولى الرضا عليه‌السلام : (إنّ في أخبارنا محكما

____________________________________

الحادى عشر : ما بسنده الصحيح ظاهرا عن أبي عمرو الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (يا أبا عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث) عن جدّي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد آبائي أو أفتيتك بفتيا من قبل نفسي ، ثمّ جئت بعد ذلك تسألني عنه ، فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك ، بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت : بأحدثهما وأدع الآخر. قال : قد أصبت يا أبا عمرو ، أبى الله إلّا أن يعبد سرّا ، ثمّ فسّر قوله : أبى الله إلّا أن يعبد سرّا بقوله : أبى الله لنا في دينه إلّا التقيّة ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي. والمستفاد من هذا الخبر كسابقه هو ترجيح ما هو المتأخّر على ما هو المتقدّم.

الثاني عشر : ما عنه بسنده الموثّق عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما بال أقوام يروون عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتّهمون بالكذب ، فيجيء منكم خلافه. قال : (إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن).

ولازمه هو الأخذ باللاحق دون السابق لكونه ناسخا له ، والمستفاد من هذه الأخبار هو ترجيح المنقول عن الحيّ عليه‌السلام على المنقول عن الماضي عليه‌السلام ، والمنقول المتأخّر على المنقول المتقدّم والمنقول عن الإمام عليه‌السلام على المنقول عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في شرح الاستاذ.

الثالث عشر : ما بسنده الحسن عن أبي حيّون مولى الرضا عليه‌السلام : (إنّ في أخبارنا)

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢١٨ / ٧. الوسائل ٢٧ : ١١٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٧.

(٢) الكافي ١ : ٦٤ / ٢ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤.

٢٣٠

كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا) (١).

الرابع عشر : ما عن معاني الأخبار بسنده عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام

____________________________________

(محكما كمحكم القرآن ، ومتشابها كمتشابه القرآن ، فردّوا) عند التعارض متشابهها إلى محكمها ، أي : ضعيف الدلالة على قوي الدلالة ، كما في شرح الاستاذ. وكان أولى أن يقول : قدّم ما هو قوي الدلالة كالمحكم على ما هو ضعيف الدلالة كالمتشابه.

ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا ، فالمستفاد من هذا الخبر كالخبر الآتي هو الترجيح بحسب الدلالة.

الرابع عشر : ما عن معاني الأخبار بسنده عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (أنتم أفقه النّاس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب) (٢).

يقول : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه.

وذلك فإنّ قوله مثلا : ينبغي غسل الجمعة وإن كان ظاهرا في الندب ، إلّا أنّ فيه احتمال إرادة الوجوب.

فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب ، ففي المثال المذكور لو قال : أردت الندب لا يكذب ، ولو قال : أردت الوجوب لا يكذب.

وحاصل المراد كما في الأوثق أنّ الكلام قابل لأن يراد به معاني مختلفة بعضها من ظاهره وبعضها من تأويله على اختلاف الموارد ، فلو شاء إنسان صرف كلامه كيف شاء وأراد لجواز إرادة الحقيقة أو المعاني المجازيّة ولا يكذب وأنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، يعني : أنّه إذا ورد عليكم خبران متنافيان في بادئ النظر فلا ينبغي أن تبادروا إلى طرح أحدهما ، بل لا بدّ أن يتأمّل في دلالتهما وما اكتنفهما من القرائن العرفيّة أو الخارجيّة ، فربّما يظهر أنّ تنافيهما إنّما كان في بادئ النظر ويرتفع بعد التأمّل ، كالنصّ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٩٠ / ٣٩ ، والحديث فيه : (إنّ في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكما كمحكم القرآن). الوسائل ٢٧ : ١١٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٢.

(٢) معاني الأخبار : ١ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٧.

٢٣١

وفي هاتين الروايتين الأخيرتين دلالة على وجوب الترجيح بحسب قوّة الدلالة ، هذا ما وقفنا عليه من الأخبار الدالّة على التراجيح.

إذا عرفت ما تلوناه عليك من الأخبار ، فلا يخفى عليك أنّ ظواهرها متعارضة ، فلا بدّ من علاج ذلك ، والكلام في ذلك يقع في مواضع :

____________________________________

والظاهر أو الأظهر والظاهر ، وفيه حثّ على الجمع بين الخبرين مهما أمكن بحسب العرف والقرائن الخارجيّة. انتهى.

وفي هاتين الروايتين الأخيرتين دلالة على وجوب الترجيح بحسب قوّة الدلالة.

ودلالة الرواية الاولى على ذلك مبنيّة على أن يكون الظاهر من المتشابهات وانحصار المحكم في النصّ ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، إذ ما له ظاهر لا يسمّى متشابها عرفا ولغة. نعم ، في الرواية الثانية دلالة على ذلك كما لا يخفى.

هذا ما وقفنا عليه من الأخبار الدالّة على التراجيح.

لعلّ غرض المصنف قدس‌سره من الأخبار الدالّة على التراجيح هو نقل الأخبار الدالّة على التراجيح بحسب وجوه مختلفة في الجملة ، لا نقل جميع الأخبار المتعلّقة بباب التراجيح ، إذ الأخبار المتعلّقة بهذه المسألة تكون أكثر ممّا نقله في الكتاب. وكيف كان ، فإنّ هذه الأخبار وإن كانت متّفقة في الدلالة على وجوب الترجيح ، إلّا أنّ ظواهرها متعارضة من جهات أخر ، فلا بدّ من علاج ذلك.

وقبل البحث عن علاج تعارض هذه الأخبار نذكر ما ذكره التنكابني عن السيّد الصدر من أنّ الوجوه المرجّحة المستنبطة من تلك الأخبار ترتقي إلى عشرة أوجه :

الأوّل : الترجيح باعتبار السند ، فترجّح رواية الأوثق والأعدل والأفقه على غيرها.

الثاني : الترجيح من حيث الشهرة.

الثالث : باعتبار موافقة الكتاب.

الرابع : باعتبار موافقة السنّة.

الخامس : باعتبار موافقة باقي الأخبار المعلومة.

السادس : باعتبار مخالفة العامّة أو باعتبار الحكم الذي حكّامهم وقضاتهم إليه أميل.

السابع : باعتبار التقدّم والتأخّر فيقدّم المتأخّر.

٢٣٢

الأوّل : في علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة (١) ومرفوعة زرارة (٢).

حيث إنّ الاولى صريحة في تقديم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالشهرة ، والثانية بالعكس ، وهي وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّها موافقة لسيرة العلماء في باب

____________________________________

الثامن : باعتبار موافقة الاحتياط.

التاسع : التوقف والإرجاء.

العاشر : التخيير. انتهى.

قال الآشتياني : إنّ التعارض بين أخبار العلاج في ابتداء النظر إنّما هو على القول بلزوم الاقتصار على المرجّحات الخاصّة المنصوصة وعدم التعدّي إلى مطلق المزيّة ، وإلّا فلا تعارض بينها أصلا. انتهى مورد الحاجة. وكيف كان ، فيقع الكلام في علاج التعارض.

والكلام في ذلك يقع في مواضع : الأوّل : في علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة.

وبديهي أنّ الحاجة إلى العلاج إنّما هي على تقدير كون المرفوعة حجّة ولو بانجبارها بالعمل ، وإلّا فلا تعارض ، كي يحتاج إلى العلاج ؛ لأنّ التعارض إنّما هو بين الحجّتين.

ثمّ أشار إلى تقريب التعارض بينهما بقوله : حيث إنّ الاولى صريحة في تقديم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالشهرة ، بمعنى أنّه لو تعارض المشهور والشاذّ وكان راوي الشاذّ أعدل رجّح على المشهور.

والثانية بالعكس ، أي : أنّها صريحة في تقديم الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات.

وهي وإن كانت ضعيفة السند وذلك لوجهين :

أحدهما : هو كونها مرفوعة وشاذّة ، حيث لم يحكها إلّا ابن أبي جمهور في الغوالي.

وثانيهما : هو الطعن في سندها وقد طعن فيه من ليس شأنه الطعن في سند الأخبار ، كصاحب الحدائق ، إلّا أنّ ضعفها منجر بموافقة سيرة العلماء ، كما أشار إليه بقوله :

إلّا أنّها موافقة لسيرة العلماء في باب الترجيح ، فإنّ طريقتهم مستمرّة على تقديم

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

(٢) غوالي اللآلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.

٢٣٣

الترجيح ، فإنّ طريقتهم مستمرّة على تقديم المشهور على الشاذّ ، والمقبولة وإن كانت مشهورة بين العلماء حتى سمّيت مقبولة ، إلّا أنّ عملهم على طبق المرفوعة وإن كانت شاذّة من حيث الرواية ، حيث لم توجد مرويّة في شيء من جوامع الأخبار المعروفة ، ولم يحكها إلّا ابن أبي جمهور عن العلّامة مرفوعا إلى زرارة ، إلّا أن يقال : إنّ المرفوعة تدلّ على تقديم المشهور رواية على غيره ، وهي هنا المقبولة ، ولا دليل على الترجيح بالشهرة العمليّة.

____________________________________

المشهور على الشاذّ.

وإن كان الشاذّ راجحا من حيث صفات الراوي فالترجيح بالشهرة مقدّم عندهم على الترجيح بالصفات.

والمقبولة وإن كانت مشهورة بين العلماء حتى سمّيت مقبولة إلّا أنّها موهونة من جهة إعراض الأصحاب عنها ، من حيث تقديم الترجيح بصفات الراوي فيها على الترجيح بالشهرة ، حيث يكون عملهم على طبق المرفوعة ، كما أشار إليه بقوله :

إلّا إنّ عملهم على طبق المرفوعة.

وحاصل الكلام في المقام أنّ لكلّ من المرفوعة والمقبولة جهة قوّة وضعف كما عرفت ، وغرض المصنف هو الحكم بتعادلهما والرجوع إلى التخيير بالنسبة إلى ما هو مفادهما من الترتيب بين المرجّحات ، والوجه لتعادل الخبرين هو أنّ كلّا منهما راجح من جهة ومرجوح من جهة ، فإنّ المرفوعة راجحة من جهة موافقة الشهرة العمليّة ، ومرجوحة من جهة الرفع والشذوذ رواية ، والمقبولة راجحة من جهة الشهرة رواية ، ومرجوحة من جهة مخالفة الشهرة العمليّة.

إلّا أن يقال : إنّ المرفوعة تدلّ على تقديم المشهور رواية على غيره ، وهي هنا المقبولة.

فيجب الأخذ بالمقبولة دون المرفوعة ، وغرض المصنف قدس‌سره هو ترجيح المقبولة على المرفوعة ، على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وذلك فإنّ المرفوعة وإن كانت مشهورة من حيث العمل إلّا أنّه لا دليل على الترجيح بالشهرة العمليّة ، بل المرجّح بمقتضى النصوص هو الشهرة رواية والمقبولة مشهورة من حيث الرواية ، فنفس المرفوعة حينئذ تحكم بتقديم المقبولة عليها ، حيث دلّت على

٢٣٤

مع أنّا نمنع أنّ عمل المشهور على تقديم الخبر المشهور رواية على غيره إذا كان الغير أصحّ منه من حيث صفات الراوي ، خصوصا صفة الأفقهيّة.

ويمكن أن يقال : إنّ السؤال لمّا كان عن الحكمين ، كان الترجيح فيهما من حيث الصفات ، فقال عليه‌السلام : (الحكم ما حكم به أعدلهما) (١) إلى آخره ، مع أنّ السائل ذكر : «أنّهما اختلفا في

____________________________________

الترجيح بشهرة الرواية وهي حاصلة في المقبولة.

وفيه : أنّه على تقدير تسليم شمول أخبار علاج التعارض لتعارض أنفسها ولو بتنقيح المناط لا يمكن دلالة المرفوعة على تقديم المقبولة عليها ، لأنّها حينئذ تبطل حكم نفسها ، أي : يلزم من العمل بها عدم العمل بها ، لأنّها إذا دلّت على العمل بالمقبولة لشهرتها رواية ، فيحكم بتقديم الترجيح بالصفات وهو خلاف مقتضى المرفوعة ، ومن المعلوم أنّ ما يلزم من وجوده عدمه باطل ، كما لا يخفى.

مع أنّا نمنع أنّ عمل المشهور على تقديم المشهور رواية على غيره إذا كان الغير أصحّ منه من حيث صفات الراوي.

غرض المصنف قدس‌سره على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ ما ذكرناه أوّلا من أنّ المقبولة مرجوحة من جهة مخالفتها لعمل الأصحاب ممنوع ، لما مرّ مفصّلا من أنّه إذا تعارض المشهور مع الشاذّ فإن تساويا في صفات الراوي أو كان بين رواة المشهور والواسطة على تقدير وجودها من هو أفضل من راوي الشاذّ والواسطة على تقدير وجودها ، فيقدم المشهور بلا شبهة.

وأمّا إذا كان راوي الشاذّ والواسطة أفضل من نقلة المشهور والواسطة ، فنمنع حينئذ تقديم الأصحاب الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات ، فنحكم بالعكس ، أي : تقديم الترجيح بالصفات عملا بالمقبولة لرجحانها من حيث الشهرة رواية ، خصوصا صفة الأفقهيّة لكشف اختياره إيّاها مع فقهه عن اطّلاعه على قدح في الرواية المشهورة.

ويمكن أن يقال : بأنّه لا تعارض بين الخبرين أصلا.

بيان ذلك ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ السؤال لمّا كان عن الحكمين ، كان

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

٢٣٥

حديثكم».

ومن هنا اتّفق الفقهاء على عدم الترجيح بين الحكّام إلّا بالفقاهة والورع.

____________________________________

الترجيح فيهما من حيث الصفات ، فقال عليه‌السلام : (الحكم ما حكم به أعدلهما ... إلى آخره) ، مع أنّ السائل ذكر : «أنّهما اختلفا في حديثكم» ، فيكون للسؤال طرفان : أحدهما : ترجيح أحد الحكمين ، وثانيهما : ترجيح أحد مستنديهما.

وتفصيل ذلك على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ المسئول في المقبولة تعارض الحكمين الناشئ عن تعارض الخبرين ، فقد اجتمع في الفرض عنوانان من التعارض : تعارض الحاكمين بما هما وتعارض الخبرين بما هما.

فكان له عليه‌السلام مجال ذكر المرجّح بلحاظ الأوّل ، ومجال ذكره بلحاظ الثاني.

وحينئذ يمكن أن يقال بأنّه مع تعرّض السائل باختلاف الحديثين أعرض عنه الإمام عليه‌السلام ، ولاحظ تعارض الحكمين ولم يشرع فيه إلّا الترجيح بالصفات فقال عليه‌السلام : الحكم ما حكم به أعدلهما ... إلى آخره.

فلو كان نظره عليه‌السلام إلى لحاظ تعارض الخبرين لبدأ بذكر الشهرة كما في المرفوعة ، فكان الإمام عليه‌السلام في مقام بيان ترجيح الحكمين في صورة تعارض الحاكمين ، فلذا ذكر ما هو مرجّحات الحكمين من صفات الراوي.

ومن هنا ، أي : من جهة أنّ الصفات من مرجّحات الحكمين اتّفق الفقهاء على عدم الترجيح بين الحكّام في فرض التعارض بينهم إلّا بالفقاهة والورع ، لا بالشهرة أو مخالفة العامّة.

قال التنكابني في المقام ما هذا لفظه :

ولا يخفى أنّ هذا مخلّ بالمقصود ، فالأولى عدم ذكره في مقام التقريب ؛ لأنّ عدم رجوع الفقهاء في مقام ترجيح بعض الحكّام على بعض إلّا بالفقاهة والورع ينافي ما دلّت عليه المقبولة من كون الأصدقيّة مرجّحة أيضا.

وأورد شيخنا المحقّق وغيره على المصنف بأنّه لا وجه لحمل الرواية على الحكومة المصطلحة ، بل لا بدّ من حملها على الاستفتاء من المفتيين لأجل كون الشبهة حكميّة ، فترتفع الإشكالات كلّها على ما عرفت سابقا أيضا ، لكن عرفت أنّ الرواية كالصريحة في

٢٣٦

فالمقبولة نظير رواية داود بن الحصين الواردة في اختلاف الحكمين من دون تعرّض الراوي ، لكون منشأ اختلافهما الاختلاف في الروايات ، حيث قال عليه‌السلام : (ينظر إلى أفقههما وأعلمهما وأورعهما فينفذ حكمه) (١) ، وحينئذ فتكون الصفات من مرجّحات الحكمين.

نعم ، لمّا فرض الراوي تساويهما أرجعه الإمام عليه‌السلام إلى ملاحظة الترجيح في مستنديهما وأمره بالاجتهاد والعمل في الواقعة على طبق الراجح من الخبرين ، مع إلغاء حكومة الحكمين كليهما.

____________________________________

الحكومة المصطلحة ولا يمكن حملها على غير ذلك ، والغالب هو المنازعات في الشبهات الموضوعيّة لا في الشبهة الحكميّة.

فلا وجه لحمل الرواية على الثانية مع إمكان اختلاف مستندي الحكمين في الشبهة الموضوعيّة أيضا ، ومنه الاختلاف في تقديم بيّنة الداخل أو الخارج من جهة اختلاف الأخبار في ذلك ، وغير ذلك ممّا لا يحصى ، مع أنّ الحمل على الشبهة الحكميّة لا ينافي حمل الرواية على القضاء المصطلح ، مع أنّ الأصدقيّة لا تناسب ترجيح أحد المفتيين على الآخر ، وإن كانت الأفقهيّة والأورعيّة ممّا يوجب ذلك. انتهى.

وكيف كان ، فالمقبولة نظير رواية داود بن الحصين الواردة في اختلاف الحكمين من دون تعرّض الراوي ، لكون منشأ اختلافهما الاختلاف في الروايات ، حيث سئل عن حكم تعارض الحاكمين العدلين فيما إذا تنازع رجلان في أمر فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان.

قال عليه‌السلام : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما وأورعهما فينفذ حكمه ، وحينئذ ، أي : حين كون السؤال عن الحكمين وانحصار الترجيح فيها بالصفات فتكون الصفات من مرجّحات الحكمين.

نعم ، لمّا فرض الراوي تساويهما أرجعه الإمام عليه‌السلام إلى ملاحظة الترجيح في مستنديهما وأمره بالاجتهاد والعمل في الواقعة على طبق الراجح من الخبرين ، مع إلغاء حكومة الحكمين كليهما ، أي : تساقطها.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٥ / ١٧. التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٣. الوسائل ٢٧ : ١١٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٠.

٢٣٧

فأوّل المرجّحات الخبريّة هي الشهرة بين الأصحاب فينطبق على المرفوعة.

نعم ، قد يورد على هذا الوجه : أنّ اللّازم على قواعد الفقهاء الرجوع مع تساوي الحاكمين إلى اختيار المدّعي.

ويمكن التفصّي عنه بمنع جريان هذا الحكم في قاضي التحكيم. وكيف كان ، فهذا التوجيه غير بعيد.

____________________________________

فأوّل المرجّحات الخبريّة هي الشهرة بين الأصحاب ، ولم يتعرّض بالصفات بعد الشهرة اكتفاء بالذكر السابق واعتمادا على فهم السائل.

فينطبق على المرفوعة. نعم ، قد يورد على هذا الوجه : أنّ اللّازم على قواعد الفقهاء حيث جعلوا زمام اختيار الحاكم بيد المدّعي وأنّ عليه إقامة البيّنة وإثبات الدعوى ، على ما في شرح الاستاذ الرجوع مع تساوي الحاكمين إلى اختيار المدّعي لا إلى المرجّح في مستندهما.

ويمكن التفصّي عنه بمنع جريان هذا الحكم في قاضي التحكيم.

والرواية ظاهرة فيه لا في القاضي المصطلح ، حيث قال : فرضيا ... إلى آخره ، كما في شرح الاستاذ ، إلى أن قال مضافا إلى ما مرّ من أنّه لا معنى للتعبّد في الحاكم المصطلح ، ولا لحكم الآخر بعد حكم الأوّل ، ولا للتحرّي في مستندهما ولا لترخيص المنكر في اختيار الحاكم ، إلّا إذا فرضا معا مدّعيين.

ومعه لا معنى للإيراد بأنّ اللّازم على قواعد الفقهاء ... إلى آخره ، ثمّ لا تغفل إنّهم ذكروا عن الإشكال المتقدّم في المقبولة ، أعني : تعدّد الحكم أجوبة :

الأوّل : إنّهما رجعا إليهما بعنوان أنّهما راويان.

الثاني : إنّهما رجعا إليهما بعنوان أنّهما مفتيان.

الثالث : إنّهما رجعا إليهما بعنوان أنّهما حاكمان ، لكونهما معا مدّعيين لا مدّعيا ومنكرا. ومرّت هذه الوجوه.

الرابع : ما صرّح به المصنف قدس‌سره هنا ، وهو جواز تعدّد قاضي التراضي ، فلا يخفى عليك أنّ توجيه هذا الإشكال ، أي : تعارض المقبولة والمرفوعة في ترتيب المرجّحات ، بأنّ تقديم الترجيح بالصفات في المقبولة كان بلحاظ تعارض الحاكمين إنّما يناسب بحلّ

٢٣٨

الثاني : إنّ الحديث الثامن ـ وهو رواية الاحتجاج عن سماعة (١) ـ يدلّ على وجوب التوقف أوّلا.

____________________________________

الإشكال المتقدّم ، أعني : تعدّد الحاكم بالتوجيه الثاني أو الثالث أو الرابع ، دون الأوّل كما لا يخفى.

قال التنكابني في ذيل قوله : ويمكن التفصّي عنه بمنع جريان هذا الحكم ... إلى آخره ما هذا لفظه : إذ لا معنى لجريان الحكم المذكور من وكول أمر تعيين محضر الحاكمين المتساويين إلى المدّعي وعدم اعتبار رضاء المنكر أصلا في قاضي التحكيم ؛ لأنّ المراد من قاضي التحكيم ما تراضى الخصمان على الرجوع إليه ، مع عدم نصبه للقضاء من جانب الإمام عليه‌السلام لا خصوصا ولا عموما بشرط أهليّته للقضاء واجتماع جميع الشرائط فيه سوى النصب ، ولا يخفى أنّ حمل الرواية على قاضي التحكيم غير ممكن ؛ لأنّ القضاة قد نصّبت بالمقبولة المزبورة فليس هناك بعد ذلك قاضي تحكيم أصلا.

مع أنّ قاضي التحكيم وغيره سواء في جميع الأحكام والشرائط سوى النصب ، فلا يجوز تعدّده ولا نقض حكمه وغير ذلك ، فلا ترتفع الإشكالات السابقة بالحمل على قاضي التحكيم ، إلّا أن يقال : إنّ مقصود المصنف قدس‌سره ليس دفع جميع الإشكالات السابقة أيضا ، بل دفع هذا الإشكال فقط.

وقد ذكر شيخنا قدس‌سره أيضا عدم إمكان حمل الرواية على قاضي التحكيم ؛ لما ذكر من دلالة الرواية على نصب جميع من اجتمع فيه شرائط الحكومة من الإيمان ومعرفة الأحكام وغيرهما. انتهى مورد الحاجة وتركنا ذيله تجنبا عن التطويل. هذا تمام الكلام في الموضع الأوّل.

الثاني ، أي : الموضوع الثاني في علاج تعارض الحديث الثامن مع سائر الأخبار ، حيث إنّ الحديث الثامن ، وهو رواية الاحتجاج عن سماعة.

قال : قال الإمام عليه‌السلام : لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأل. قلت : لا بدّ أن نعمل بواحد منهما. قال : خذ بما خالف العامّة.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٦٥. الوسائل ٢٧ : ١٢٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٢.

٢٣٩

ثمّ مع عدم إمكانه يرجع إلى الترجيح بموافقة العامّة ومخالفتهم.

وأخبار التوقف ـ على ما عرفت وستعرف ـ محمولة على صورة التمكّن من العلم.

فتدلّ الرواية على أنّ الترجيح بمخالفة العامّة ، بل غيرها من المرجّحات إنّما يرجع إليها بعد العجز عن تحصيل العلم في الواقعة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام ، كما ذهب إليه بعض ، وهذا خلاف ظاهر الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ابتداء بقول مطلق ، بل بعضها صريح في ذلك حتى مع التمكّن من العلم ، كالمقبولة الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ثمّ بالإرجاء حتى يلقى الإمام ، فيكون وجوب الرجوع إلى الإمام بعد فقد المرجّحات.

____________________________________

يدلّ على وجوب التوقف أوّلا ، بمعنى عدم الأخذ بهما أصلا ، ثمّ مع عدم إمكانه ، أي : التوقف وترك الأخذ بأحدهما لكون الواقعة محلّا للابتلاء بالفور يرجع إلى الترجيح بموافقة العامّة ومخالفتهم.

وحاصل الكلام ـ في تقريب التعارض بين الحديث الثامن الدالّ على التوقف ابتداء وبين الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ابتداء ـ أنّ الحديث الثامن يدلّ على تقدّم التوقف على الترجيح واختصاص الرجوع إلى المرجّحات بصورة عدم التمكّن من العلم في الواقعة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام.

غاية الأمر اختصاص الترجيح بمخالفة العامّة ـ بعد العجز عن تحصيل العلم ـ مذكور في الرواية ، واختصاص سائر المرجّحات المستفادة من أخبار التراجيح بذلك يثبت بعدم القول بالفصل بين المرجّحات ، فيقع التعارض بينها وبين الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ابتداء بقول مطلق ، أي : من دون تقييد بالعجز عن تحصيل العلم ، بل بعضها صريح في جواز الرجوع إلى المرجّحات ابتداء.

حتى مع التمكّن من العلم ، كالمقبولة الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات ثمّ بالإرجاء حتى يلقى الإمام عليه‌السلام ، فيكون وجوب الرجوع إلى الإمام عليه‌السلام بعد فقد المرجّحات.

وحاصل ما هو المقصود أنّ ظاهر رواية الاحتجاج هو تقدّم تحصيل العلم مع التمكّن ، فإن عجز عنه إمّا لتعذّر تأخير الواقعة إلى زمن الوصول إلى الإمام عليه‌السلام ، أو لتعذّر الوصول إليه عليه‌السلام وجب الرجوع إلى المرجّحات وسائر الأخبار ، وصريح المقبولة جواز الرجوع إلى المرجّحات ابتداء ، وإن تمكّن من تحصيل العلم فيحصل التعارض بينهما.

٢٤٠