دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

الأصل ، والكلام في علاج المتعارضين ، من دون التزام وجود شيء زائد عليهما.

نعم ، لو كان هناك دليل على امتناع النسخ وجب المصير إلى التخصيص مع التزام اختفاء القرينة حين العمل أو جواز إرادة خلاف الظاهر من المخاطبين واقعا ، مع مخاطبتهم بالظاهر الموجبة لعملهم بظهوره. وبعبارة اخرى : تكليفهم ظاهرا هو العمل بالعموم.

____________________________________

الأصل ، والكلام في علاج المتعارضين ، من دون التزام وجود شيء زائد عليهما ، كالقرينة المختفية.

هذا حال الخاصّ الوارد في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا الوارد في كلام الإمام عليه‌السلام بعد الأخذ بالعامّ في الكتاب أو كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام السابق ، فيرتكب فيه ذلك ، كما قال :

نعم ، لو كان هناك دليل على امتناع النسخ.

كما قيل بامتناعه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لانقطاع نزول الملائكة بالوحي.

وفيه أنّه يمكن للإمام عليه‌السلام العلم بانتهاء الحكم بطريق الإلهام أو النوم أو غيرهما ؛ ولأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أكمل الدين كما نطق به القرآن (١) وخطبة حجّة الوداع (٢) ، وفيه أنّ إكماله إنّما هو بالنسبة إلى من هو في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا مطلقا ، مع أنّ الإكمال يصدق بإيداع النواسخ عند الخلفاء ، على ما يأتي كما في شرح الاستاذ الاعتمادي. الى أن قال :

وبالجملة لو امتنع النسخ وجب المصير إلى التخصيص مع التزام اختفاء القرينة حين العمل.

بأن يقال كان العامّ حين الصدور مقترنا بقرينة التخصيص وفهمه الحاضرون المخاطبون ، فاختفى على الآخرين ، فعملوا بظاهر العامّ ، فورد الخاصّ الكاشف عمّا اختفى ، على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

أو جواز إرادة خلاف الظاهر من دون بيان ، بمعنى أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة كان لمصلحة.

وبعبارة اخرى : تكليفهم ، أي : المخاطبين واقعا هو إكرام من عدا النحاة ، من قوله :

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) تفسير القمّي ١ : ١٧١.

٣٢١

ومن هنا يقع الإشكال في تخصيص العمومات المتقدّمة في كلام النبي أو الوصي أو بعض الأئمّة عليهم السّلام ، بالمخصّصات الواردة بعد ذلك بمدّة عن باقي الأئمّة عليهم‌السلام ، فإنّه لا بدّ أن يرتكب فيه النسخ.

أو كشف الخاصّ عن قرينة مع العامّ مختفية ، أو كون المخاطبين بالعامّ تكليفهم ـ ظاهرا ـ العمل بالعموم المراد به الخصوص واقعا.

أمّا النسخ ـ فبعد توجيه وقوعه بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بإرادة كشف ما بيّنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للوصي ، عن غاية الحكم الأوّل وابتداء الحكم الثاني ـ مدفوع : بأنّ غلبة هذا النحو من

____________________________________

أكرم العلماء ، وظاهرا هو العمل بالعموم لمصلحة في تأخير البيان.

ومن هنا ، أي : من أنّه إذا امتنع النسخ وجب المصير الى التخصيص ... إلى آخره يقع الإشكال في تخصيص العمومات المتقدّمة في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الوصي أو بعض الأئمّة عليهم‌السلام ، بالمخصّصات الواردة بعد ذلك بمدّة عن باقي الأئمّة عليهم‌السلام فإنّه لا بدّ أن يرتكب فيه أحد الامور الثلاثة المتقدّمة ، أعني : النسخ غير المصطلح والالتزام بوجود قرينة مع العامّ واختفائها بمرور الزمان ، والالتزام بجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأجل مصلحة في تأخير البيان.

أمّا النسخ ، فبعد توجيه وقوعه بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي : توجيه النسخ بأنّ المراد منه هو كشف ما بيّنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للوصي ، عن غاية الحكم الأوّل وابتداء الحكم الثاني توضيح ذلك على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

إنّ النسخ المصطلح هو بيان انتهاء الحكم عند انتهائه ، وأمّا بيان المنتهى قبل الانتهاء فهو توقيت لا نسخ ، فنقول : لمّا لم يكن عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وافيا ببيان جميع النواسخ في مواطنها ، والفرض أنّ النسخ شأن مختصّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبيّنها لخلفائه وأودعها عندهم ليبيّنوها للناس في مواطنها.

وبالجملة ، لمّا لم يمكن له صلى‌الله‌عليه‌وآله بيانها بصورة النسخ المصطلح فبيّنها بصورة التوقيت ، ويطلق عليه النسخ مجازا ، إذ كما أنّ النسخ بيان لانتهاء الحكم الأوّل وابتداء الحكم الثاني فكذا هذا الذي بيّنه الرسول لخلفائه وأودعه عندهم ، ثم أشار إلى ردّ النسخ مع التوجيه المذكور بقوله :

٣٢٢

التخصيصات يأبى عن حملها على ذلك.

مع أنّ الحمل على النسخ يوجب طرح ظهور كلا الخبرين في كون مضمونهما حكما مستمرّا من أوّل الشريعة إلى آخرها.

إلّا أن يفرض المتقدّم ظاهرا في الاستمرار والمتأخّر غير ظاهر بالنسبة إلى ما قبل

____________________________________

مدفوع : بأنّ غلبة هذا النحو من التخصيصات يأبى عن حملها على ذلك.

إذ من البعيد غاية البعد ابتلاء العمومات في الشريعة بهذا المقدار من النواسخ ، كما في شرح الاستاذ وبعبارة اخرى أنّ ندرة النسخ في الشريعة مانعة عن حمل التخصيصات عليه مع غلبتها.

مع أنّ الحمل على النسخ يوجب طرح ظهور كلا الخبرين في كون مضمونهما حكما مستمرّا من أول الشريعة إلى آخرها.

وذلك فإنّ للعامّ ظهور في استمرار الحكم الثابت له بالنسبة إلى كلّ فرد ، حتى بالنسبة إلى الخاصّ أيضا من أوّل الشريعة إلى آخرها.

وللخاصّ أيضا ظهور في الاستمرار في ثبوت حكمه من أوّل الشريعة إلى آخرها ، والحمل على النسخ يوجب طرح ظهور الأوّل ؛ لعدم العمل به بالنسبة إلى الخاصّ من زمان وروده إلى آخر الشريعة.

وطرح لظهور الخاصّ أيضا من أوّل الشريعة إلى زمان وروده ؛ لفرض العمل بالعامّ إلى زمان وروده. وأمّا الحمل على التخصيص ففيه طرح لظهور العامّ بالنسبة إلى الخاصّ من أوّل الشريعة إلى آخرها فقط ، فمن هذه الجهة أيضا يكون التخصيص اولى من النسخ كما في التنكابني ، وفي شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه إذا أمر مثلا في صدر الإسلام بإكرام العلماء ونهى بعد سنة عن إكرام النحاة يكون كلّ منهما ظاهرا في استمرار حكمه من أوّل الشريعة إلى آخرها.

وهذا إنّما يتمّ بحمل الثاني على التخصيص ، إذ لو حمل على النسخ فلا يكون حكم الأوّل ـ أعني : العموم ـ مستمرّا إلى آخر الشريعة وهو خلاف الظاهر. ولا يكون حكم الثاني مستمرّا من أوّل الشريعة وهو أيضا خلاف الظاهر.

إلّا أن يفرض المتقدّم ظاهرا في الاستمرار والمتأخّر غير ظاهر بالنسبة إلى ما قبل

٣٢٣

صدوره ، فحينئذ يوجب طرح ظهور المتقدّم المتأخر ـ كما لا يخفى ـ وهذا لا يحصل في كثير من الموارد بل أكثرها.

وأمّا اختفاء المخصّصات ، فيبعّده ـ بل يحيله عادة ـ عموم البلوى بها من حيث العلم والعمل.

مع إمكان دعوى العلم بعدم علم أهل العصر المتقدّم وعملهم بها ، بل المعلوم جهلهم

____________________________________

صدوره.

فيكون قوله : أكرم العلماء ظاهرا في الاستمرار بخلاف لا تكرم النحاة ، فإنّ ظاهره إنّ هذا النهي لم يكن في السابق بل من الآن.

فحينئذ يوجب طرح ظهور المتقدّم لا المتأخّر ، أي : يكون الحمل على النسخ موجبا لطرح ظهور الأوّل في الاستمرار.

وهذا لا يحصل في كثير من الموارد ... إلى آخره ، أي : يكون المتقدّم ظاهرا في الاستمرار من أوّل الشريعة إلى آخرها ، والمتأخّر ـ أي : الخاصّ ـ غير ظاهر ، كذلك لا يحصل في كثير من الموارد ، بل أكثرها ، إذ لا بدّ في عدم كون المتأخّر ظاهرا في الاستمرار المزبور من نصب قرينة تدلّ على خلاف الظاهر ، ومن المعلوم أنّ وجودها في أكثر الموارد غير معلومة مع أنّ الأصل عدمها.

وأمّا اختفاء المخصّصات.

أي : الالتزام باقتران العمومات بقرائن التخصيص ثمّ اختفاء تلك القرائن وكون هذه المخصّصات المتأخّرة كاشفة عنها فيبعّده ـ بل يحيله عادة ـ عموم البلوى بها من حيث العلم والعمل.

توضيح الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ كون هذه المخصّصات كاشفة معناه ، أنّ أهل العصر المتقدّم علموا بالقرائن وعملوا بها ، وأنّ أهل العصر المتأخّر خفيت عليهم القرائن فعملوا بظاهر العمومات والأمران ممنوعان.

أمّا الثاني ، إذ لا شكّ أنّهم اهتمّوا بأخذ الأحكام والعمومات من أهل العصر المتقدّم لابتلائهم بالعلم والعمل بها ، وعند ذلك يمتنع عادة طروّ الخفاء بعروض العوارض إلّا على سبيل الندرة لا بهذه الكثرة.

٣٢٤

بها ، فالأوجه هو الاحتمال الثالث.

فكما أنّ رفع مقتضى البراءة العقليّة ببيان التكليف كان على التدريج ، كما يظهر من الأخبار والآثار ، مع اشتراك الكلّ في الأحكام الواقعيّة ، فكذلك ورود التقييد والتخصيص للعمومات والمطلقات.

____________________________________

وأمّا الأوّل فلقوله : مع إمكان دعوى العلم بعدم علم أهل العصر المتقدّم وعملهم بها ، بل المعلوم جهلهم بها.

إذ من الواضح أنّه لو كانت المخصّصات المزبورة موجودة في زمان المخاطبين بالعمومات وعلم بها المخاطبون لعلم معاصر والأئمّة عليهم‌السلام لقرب عهدهم بالمخاطبين ، وكذا معاصر والإمام اللّاحق بالنسبة إلى الإمام السابق ، خصوصا مع ملاحظة أنّ كثيرا منهم واجدون للزمانين.

وهكذا إلى زماننا ، فيكشف ذلك عن عدم علم أهل العصر المتقدّم بها ، وكذا عدم عملهم بها ، كما في التنكابني.

فالأوجه هو الاحتمال الثالث ، أي : التزام تأخير البيان عن وقت الحاجة وبعبارة اخرى ، وهو كون المخاطبين بالعامّ تكليفهم ظاهرا العمل بالعموم المراد به الخصوص واقعا.

فكما أنّ رفع مقتضى البراءة العقليّة ببيان التكليف كان على التدريج ، كما يظهر من الأخبار والآثار ، مع اشتراك الكلّ في الأحكام الواقعيّة ، فكذلك ورود التقييد والتخصيص للعمومات والمطلقات.

يعني : العمومات والإطلاقات النافية للتكليف.

مثل قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(١)(قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً)(٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس الحرام إلّا ما حرّم الله في كتابه (٣) ، وغير ذلك كما في التنكابني.

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) الأنعام : ١٤٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٤٢ / ١٧٦. الاستبصار ٤ : ٧٤ / ٢٧٥. تفسير العياشي ١ : ٤١١ / ١١٧. الوسائل ٢٤ : ١٢٣ ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، ب ٥ ، ح ٦.

٣٢٥

فيجوز أن يكون الحكم الظاهري للسابقين الترخيص في ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرّمات الذي يقتضيه العمل بالعمومات وإن كان المراد منها الخصوص الذي هو الحكم المشترك.

ودعوى : «الفرق بين إخفاء التكليف الفعلي وإبقاء المكلّف على ما كان عليه من الفعل

____________________________________

وفي شرح الاستاذ الاعتمادي حيث قال : توضيحه : إنّ التكاليف الشرعيّة مجعولة لكافّة المكلّفين مع أنّ المسلمين في صدر الإسلام لم يبلغهم إلّا أقلّ قليل منها ، وعملوا في أكثر موارد الواجبات كالصوم والمحرّمات كالربا بالبراءة العقليّة الثابتة قبل الشرع ، حتى أنّه ورد أنّ الشارع اكتفى من المسلمين بالشهادتين في أوائل البعثة إلى عشر سنين ، وأنّ من الأحكام ما يبيّنه الحجّة عجل الله فرجه.

وبالجملة ، كان رفع البراءة ببيان التكليف على سبيل التدريج في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي والأئمّة عليهم‌السلام ، على حسب ما تقتضيه المصلحة.

فنقول : كما صحّ تأخير بيان التكاليف الواقعيّة من وجوب الصوم وحرمة الربا ، ورجوع المكلّف في الظاهر إلى الأصل العملي ، أعني : البراءة ، لمصلحة في ذلك ، صحّ مثلا الحكم بعموم حلّ إكرام العلماء ، وتأخير بيان المخصّصات الواقعيّة من وجوب إكرام الفقهاء وحرمة إكرام النحاة ورجوع المكلّف في الظاهر إلى الأصل اللفظي ، أعني : أصالة العموم والإطلاق ؛ لمصلحة في ذلك.

فيجوز فيما إذا فرض كون العامّ المتقدّم نافيا للتكليف ، نحو احلّ لكم إكرام العلماء ، والخاصّ المتأخّر مثبتا له نحو أكرم الفقهاء أو لا تكرم النحاة ، على ما في شرح الاستاذ.

أن يكون الحكم الظاهري للسابقين الترخيص في ترك بعض الواجبات ، كترك إكرام الفقهاء وفعل بعض المحرّمات ، كإكرام النحاة الذي يقتضيه العمل بالعمومات.

فإنّ العمل بعموم احلّ لكم إكرام العلماء يقتضي ترك اكرام الفقهاء ، وارتكاب إكرام النحاة.

وإن كان المراد منها ، أي : العمومات الخصوص الذي هو الحكم المشترك ، كجواز إكرام غير الفقهاء والنحاة من العلماء ، وهو المراد الواقعي من العامّ ، إلّا أنّ المصلحة اقتضت كون حكم السابقين في الظاهر العمل بالعموم.

٣٢٦

والترك بمقتضى البراءة العقليّة ، وبين إنشاء الرخصة له في فعل الحرام وترك الواجب» ممنوعة.

____________________________________

ودعوى : «الفرق بين إخفاء التكليف الفعلي وإبقاء المكلّف على ما كان عليه من الفعل والترك بمقتضى البراءة العقليّة ، وبين إنشاء الرخصة له في فعل الحرام وترك الواجب» ممنوعة. فلا بدّ أوّلا من توضيح الفرق وثانيا من بيان وجه الفرق المذكور.

أمّا وجه توهّم الفرق أنّ في إبقاء المكلّف على ما كان عليه بمقتضى البراءة العقليّة ليس ترخيصا من قبل الشارع لترك الواجب الواقعي وفعل الحرام الواقعي ، فلا يلزم قبح على الشارع أصلا ، وهذا بخلاف إنشاء الرخصة بالعمومات المرخّصة ، فإنّ تفويت الواقع مستند إلى إنشائه وفعله ، فيلزم القبح.

وبعبارة اخرى : إنّ إبقاء المكلّف على ما يقتضيه العقل من البراءة مع ثبوت التكليف في الواقع ، وكذا إنشاء الحكم عموما أو إطلاقا مع ثبوت التخصيص والتقييد في الواقع وإن استلزم كلّ منهما تفويت الواقع عليه ، إلّا أنّه لا قبح في الأوّل ؛ لأن التفويت فيه ليس بمستند إلى الشارع ، بل إلى اختيار المكلّف لفرض إمكان الاحتياط واحتمال ثبوت التكليف في الواقع. نعم ، إنّ الشارع سكت عن بيان الواقع ولا قبح فيه.

وهذا بخلاف الثاني حيث يكون إنشاء الحكم عموما أو إطلاقا بيانا للواقع ، فيزعم منه المكلّف عدم التخصيص والتقييد في الواقع ، فيقدّم حينئذ على الامتثال زاعما للعموم والإطلاق ، فيكون تفويت الواقع حينئذ مستندا إلى الشارع لا محالة وهو قبيح. هذا تمام الكلام في توضيح الفرق.

وأمّا بيان وجه المنع فملخّص الكلام فيه أنّ كلّ واحد من إخفاء التكليف الفعلي وإبقاء المكلّف على ما يقتضيه العقل من البراءة وإنشاء الرخصة مستند إلى وجود المصلحة ، وبعد وجودها لا يلزم القبح في الثاني ، كما لا يلزم القبح في الأوّل ، ولو فرض عدم وجود المصلحة ، فكما أنّ الثاني قبيح على الشارع كذلك الأوّل.

وبالجملة ، إنّ دعوى الفرق مندفعة بعدم الفرق بينهما ؛ لأن المانع المتوهّم وهو تفويت مصلحة الواجب الواقعي ، أو الإلقاء في مفسدة الحرام الواقعي حاصل فيهما ، ثمّ فرض وجود المصلحة محقّق فيهما أيضا.

٣٢٧

غاية الأمر : إنّ الأوّل من قبيل عدم البيان ، والثاني من قبيل بيان العدم ، ولا قبح فيه بعد فرض المصلحة ، مع أنّ بيان العدم قد يدّعى وجوده في الكلّ ، بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الغدير في حجّة الوداع :

(معاشر النّاس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النّار إلّا وقد أمرتكم به ، وما من

____________________________________

غاية الأمر : إنّ الأوّل من قبيل عدم البيان.

حيث لم يبيّن مثلا وجوب الصوم أو حرمة الربا.

والثاني من قبيل بيان العدم.

حيث بيّن عموم حلّ إكرام العلماء وهو بيان لعدم الوجوب وعدم الحرمة.

ولا قبح فيه بعد فرض المصلحة ، مع أنّ بيان العدم قد يدّعى وجوده في الكلّ ، أي : في كلتا المسألتين معا ، بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الغدير في حجّة الوداع.

يمكن أن يكون المراد من الكلّ جميع الواجبات والمحرّمات التي تضمّنتهما المخصّصات والمقيّدات التي قد اخّر بيانها. وكيف كان ، فوجه كون الخبر المذكور بيانا للعدم أنّ المستفاد منه أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن جميع الواجبات والمحرّمات لعامّة الناس ، فكلّ ما لم يكن بواجب أو محرّم عند الناس ليس بواجب ولا محرّم عند الله تعالى وعند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن جملته ما ادّعي خفاؤه وتأخير بيانه عن وقت الحاجة ، فيدلّ الخبر على عدم كونه واجبا أو محرّما عند الله تعالى ، وإلّا لزم عدم بيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الحكم الإلزامي بالطريق الكلّي لعامّة أصحابه ، وهو باطل للخبر المذكور.

لكنّ الدعوى المذكورة في محلّ المنع ، إذ لعلّ مقصوده صلى‌الله‌عليه‌وآله بيان جميع الأحكام للوصي عليه‌السلام ، بعد نصبه علما وهاديا للامّة ومرجعا لهم في امور الدين والدنيا جميعا ، وتكليفهم بالرجوع إليه في جميع الحوادث والوقائع ، فكلّ ما فات عليهم من المنافع ووصل إليهم من المضار فإنّما حدث من قبل أنفسهم ، من جهة عدم رجوعهم إليه عليه‌السلام.

وبالجملة ، بيان الأحكام للوصي ونصبه خليفة ووصيا وإرجاع الناس إليه بمنزلة بيان جميع الأحكام لهم ، فلا غرو في نسبة بيان جميع الأحكام لهم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في التنكابني. فنرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنة ويباعدكم عن النار إلّا وقد أمرتكم به ، وما من

٣٢٨

شيء يباعدكم من الجنّة ويقرّبكم إلى النّار إلّا وقد نهيتكم عنه) (١). بل يجوز أن يكون مضمون العموم والإطلاق هو الحكم الإلزامي واختفاء القرينة المتضمنة لنفي الإلزام ، فيكون التكليف حينئذ لمصلحة فيه ، لا في المكلّف به.

فالحاصل : إنّ المستفاد من التتبّع في الأخبار ، والظاهر من خلو العمومات والمطلقات عن

____________________________________

شيء يباعدكم من الجنّة ويقرّبكم إلى النار إلّا وقد نهيتكم عنه.

حاصله أنّ المسألتين معا من قبيل بيان العدم ، إذ كما أنّ قوله : إكرام العلماء حلال ، يوهم انتفاء الواجب والحرام في هذا المورد مع وجودهما في الواقع ، إذ الفرض مثلا وجوب إكرام الفقهاء وحرمة إكرام النحاة ، وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخطبة يوهم انتفاء واجبات ومحرّمات أخر غير ما بيّنه مع وجودهما في الواقع.

بل يجوز أن يكون مضمون العموم والإطلاق هو الحكم الإلزامي واختفاء القرينة المتضمنة لنفي الإلزام ، فيكون التكليف حينئذ لمصلحة فيه ، لا في المكلّف به.

كما هو الحال في الأوامر الامتحانيّة ، مثل أمر الخليل عليه‌السلام بذبح (٢) ولده ، وكما في الأوامر الصادرة عنهم عليهم‌السلام تقيّة من العامّة وغير ذلك.

وحاصل التوهّم على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه سلّمنا جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العامّ المتقدّم نافيا للتكليف ، نحو إكرام العلماء حلال ، لإمكان تدارك ما فات من مصلحة وجوب إكرام الفقهاء وحرمة إكرام النحاة بمصلحة في التأخير ، إلّا أنّه لا يجوز التأخير فيما إذا كان العامّ المتقدّم مثبتا للتكليف ، نحو أكرم العلماء ، فإنّه بالنسبة إلى النحاة غير الواجب إكرامهم حكم بلا مصلحة وهو محال ، فلا بدّ من التزام أحد الأمرين المتقدّمين ، أي : اختفاء وجود قرينة مع العامّ أو جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وحاصل الجواب أنّه يكفي وجود المصلحة في الإنشاء ونفس الحكم ، ولا حاجة إلى مصلحة في المكلّف به الموهوم ، أعني : إكرام النحاة.

فالحاصل : إنّ المستفاد من التتبّع في الأخبار المفيدة للتخصيصات الكثيرة الآبية عن

__________________

(١) الكافي ٢ : ٧٤ / ٢. الوسائل ١٧ : ٤٥ ، كتاب التجارة ، أبواب مقدّماتها ، ب ١٢ ، ح ٢.

(٢) الصافات : ١٠٢.

٣٢٩

القرينة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جعل الوصي عليه‌السلام مبيّنا لجميع ما أطلقه وأطلق في الكتاب الكريم ، وأودعه علم ذلك وغيره ، وكذلك الوصيّ بالنسبة إلى من بعده من الأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين ، فبيّنوا ما رأوا فيه المصلحة وأخفوا ما رأوا المصلحة في إخفائه.

فان قلت : اللّازم من ذلك عدم جواز التمسّك بأصالة عدم التخصيص في العمومات ، بناء على اختصاص الخطاب بالمشافهين أو فرض الخطاب في غير الكتاب.

____________________________________

الحمل على النسخ.

والظاهر من خلو العمومات والمطلقات عن القرينة ، فإنّ ظاهره الانتفاء من الأوّل لا الاختفاء على الغائبين مع عموم البلوى بها علما وعملا.

أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الوصي عليه‌السلام مبيّنا لجميع ما أطلقه في الكتاب الكريم ، وأودعه علم ذلك وغيره ، وكذلك الوصي بالنسبة إلى من بعده من الأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين ، فبيّنوا ما رأوا فيه المصلحة في بيانه وأخفوا ما رأوا المصلحة في إخفائه.

فإن قلت : اللّازم من ذلك عدم جواز التمسّك بأصالة عدم التخصيص في العمومات.

وذلك فإنّه إذا جاز تأخير البيان لمصلحة فيه فجازت إرادة خلاف الظاهر من دون نصب قرينة ، وحينئذ لا نفع في أصالة عدم التخصيص فيكون الخطاب مجملا.

بناء على اختصاص الخطاب بالمشافهين.

بل يلزم ذلك حتى على القول بشمول الخطاب للغائبين والمعدومين ، لاحتمال تأخير البيان الى حين ظهور الإمام العصر عجل الله فرجه باقتضاء المصلحة ذلك ، إذ المفروض هو جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة مطلقا ، فلا يجوز لنا التمسّك بأصالة عدم التخصيص لإثبات إرادة العموم ، فلا وجه لتقييد المصنف قدس‌سره عدم جواز التمسّك بأصالة عدم التخصيص بالقول المزبور ، أعني : القول باختصاص الخطاب بالمشافهين.

أو فرض الخطاب في غير الكتاب.

لاختصاص خطاب غير الكتاب بالحاضرين دون الغائبين والمعدومين بلا خلاف ، والنزاع في شمول الخطاب وعدمه للغائبين والمعدومين إنّما هو في الخطابات الشفاهيّة التي في الكتاب لا في غيره.

وحاصل الكلام في المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ حال هذه

٣٣٠

إذ لا يلزم من عدم المخصّص لها في الواقع إرادة العموم ، لأن المفروض حينئذ جواز تأخير المخصّص عن وقت العمل بالخطاب.

قلت : المستند في إثبات أصالة الحقيقة بأصالة عدم القرينة قبح الخطاب بالظاهر المجرّد وإرادة خلافه ، بضميمة أنّ الأصل الذي استقرت عليه طريقة التخاطب هو أنّ المتكلّم لا يلقي الكلام إلّا لأجل إرادة تفهيم معناه الحقيقي أو المجازي.

فإذا لم ينصب قرينة على إرادة تفهيم المجاز تعيّن إرادة الحقيقة فعلا. وحينئذ فإن اطّلعنا

____________________________________

العمومات في زماننا غير حالها حين صدورها ، فإنّها يومئذ كانت في الواقع متعقّبة بالمخصّصات.

وفي يومنا ظهرت مخصّصاتها ببيان الأئمّة عليهم‌السلام فبناء على توجّه خطابات القرآن إلينا جاز لنا اليوم ـ عند احتمال المخصّص وعدم وصولنا إليه ـ التمسّك بأصالة العموم للملازمة بين انتفاء المخصّص واقعا وإرادة العموم ؛ لأن تعمّد الترك منهم عليهم‌السلام قبيح ؛ لأنه خيانة في أداء الأمانة ، وأمّا بناء على اختصاصها بالمشافهين أو فرض وجود العامّ في الأخبار دون الكتاب ، فإنّ خطابات الأخبار مختصّة بالمشافهين قطعا.

فليس لنا اليوم التمسّك بأصالة العموم في حقّ المشافهين والحكم باشتراكنا معهم في العموم ، لما عرفت من أنّه لا يلزم من عدم المخصّص لها في الواقع إرادة العموم ، أي : لا ملازمة بين انتفاء المخصّص حين توجّهه للمشافهين وإرادة العموم.

لأن المفروض حينئذ ، أي : حين اختصاص الخطاب بالمشافهين جواز تأخير المخصّص عن وقت العمل بالخطاب لمصلحة.

قلت : ليس اعتبار أصالة عدم القرينة مستندا إلى قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، حتى إذا قلنا بجوازه لمصلحة لزم لغوية أصالة عدم القرينة.

بل المستند في إثبات الظهور ، أي : أصالة الحقيقة بأصالة عدم القرينة قبح الخطاب بالظاهر المجرّد وإرادة خلافه ، بضميمة أنّ الأصل الذي استقرت عليه طريقة التخاطب هو أنّ المتكلّم لا يلقي الكلام إلّا لأجل إرادة تفهيم معناه الحقيقي أو المجازي. فإذا لم ينصب قرينة على إرادة تفهيم المجاز تعيّن إرادة الحقيقة فعلا.

حاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي أنّ أصالة عدم القرينة تتمّ بأمرين :

٣٣١

على التخصيص المتأخّر. كان هذا كاشفا عن مخالفة المتكلّم لهذا الأصل لنكتة ، وأمّا إذا لم نطّلع عليه ونفيناه بالأصل فاللّازم الحكم بإرادة تفهيم الظاهر من المخاطبين ، فيشترك الغائبون معهم.

ومنها : تعارض الإطلاق والعموم ، فيتعارض تقييد المطلق وتخصيص العامّ ، ولا إشكال في ترجيح التقييد على ما حقّقه سلطان العلماء من كونه حقيقة.

____________________________________

أحدهما : حكم العقل بقبح الخطاب بماله ظاهر وإرادة خلافه من دون نصب قرينة.

والآخر : استقرار طريقة التخاطب على إلقاء الكلام لأجل التفهيم دون المزاح واللغو ، فإذا انتفت القرينة على تفهيم المجاز تعيّن تفهيم الحقيقة.

وبالجملة ، لا بدّ من متابعة هذه القاعدة وإجراء أصالة الحقيقة ، وأمّا جواز تأخير البيان لمصلحة فهو على خلاف الأصل ، كالتورية لا يعتني العقلاء باحتماله ، كعدم اعتنائهم باحتمال السهو والاشتباه.

وإلّا لم يجز لنا ـ أيضا ـ التمسّك بأصالة العموم بناء على توجّه الخطابات إلينا ، لاحتمال وجود مخصّص يبيّنه الإمام المنتظر عجل الله فرجه كما عرفت.

وحينئذ فإن اطّلعنا على التخصيص المتأخّر ، وقد اطّلعنا به في موارد كثيرة كان هذا كاشفا عن مخالفة المتكلّم لهذا الأصل لنكتة ، أي : لمصلحة.

وأمّا إذا لم نطّلع على التخصيص المتأخّر كما هو مفروض البحث ونفيناه بالأصل فاللّازم الحكم بإرادة تفهيم الظاهر ... إلى آخره ، أي : لم ينكشف الخلاف.

ومنها : تعارض الإطلاق والعموم ، نحو اعتق رقبة ولا ترحم الكفّار.

فيتعارض تقييد المطلق وتخصيص العامّ.

فإمّا يؤخذ بالعامّ وتقيّد الرقبة بالمؤمنة ، وإمّا يؤخذ بالمطلق ويخصّص الكفّار بغير العبد المحكوم بالعتق.

ولا إشكال في ترجيح التقييد على ما حقّقه سلطان العلماء من كونه ، أي : المطلق المقيّد حقيقة.

فإنّ معنى المطلق عنده رحمه‌الله هو الطبيعة المهملة ، أي : لا بشرط الإطلاق ولا عدمه ، ولا بشرط انضمام التشخّصات الفردية ولا عدمه ، فالإطلاق ليس جزء من مفهوم المطلق وإنّما

٣٣٢

لأن الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان ، والعامّ بيان ، فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضى الإطلاق ، والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العامّ للعموم.

فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل ، والمفروض وجود المقتضي له ، ثبت بيان التقييد وارتفع المقتضي للإطلاق.

فإنّ العمل بالتعليقي موقوف على طرح التنجيزي ، لتوقّف موضوعه على عدمه ، فلو

____________________________________

يستفاد من دليل الحكمة ، يعني : عدم بيان القيد من دون فرق بين الإطلاق الأحوالي من الزمان والمكان والصحّة والمرض وغيرها ، والإطلاق الأفرادي من العالم والجاهل والصحيح والمريض وغير ذلك.

وحينئذ فتقييد المطلق لا يوجب مجازيّته وإن كان استعماله في المقيّد مع لحاظ خصوصيّة القيد مجازا ، فإنّه فرق بين أن يراد من لفظ رقبة رقبة مؤمنة وبين التعبير برقبة مؤمنة على سبيل تعدد الدالّ والمدلول ، وحينئذ فإذا تعارض العامّ والمطلق يكون العامّ مقيّدا للمطلق.

لان الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان ، والعامّ بيان ، بمعنى أنّ قوله : رقبة إنّما يحكم بإطلاقه إذا لم يبيّن حرمة الترحّم على الرقبة الكافرة ، وعموم لا ترحم الكفار بيان له.

فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضى ـ بصيغة الفاعل ـ الإطلاق ، والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العامّ للعموم.

يعني : أنّ لفظة رقبة في المثال المذكور لا يقتضي بوحدتها الإطلاق ، بل بانضمام عدم بيان القيد بخلاف الكفار فإنه بوحدته مقتضي للعموم والتخصيص إذا ثبت كان مانعا.

فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل ، والمفروض وجود المقتضي له ، ثبت بيان التقييد وارتفع عدم البيان الذي هو المقتضي للإطلاق.

توضيح الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ العامّ يقتضي العموم بحسب الوضع ، والتخصيص مانع عنه ، والمطلق لا يقتضي الإطلاق وضعا ، بل بانضمام عدم بيان القيد ، وحينئذ يكون العامّ بيانا للمطلق واردا عليه من دون عكس.

أمّا الأوّل ، فلأن قوله : أعتق رقبة يدّل على الإطلاق والشمول بشرط عدم بيان حرمة

٣٣٣

كان طرح التنجيزي متوقفا على العمل بالتعليقي ومسبّبا عنه لزم الدور ، بل هو يتوقف على حجّة اخرى راجحة عليه ، فالمطلق دليل تعليقي والعامّ دليل تنجيزي.

____________________________________

ترحّم العبد الكافر ، وعموم لا ترحم الكفار بيان له ؛ لأنه مقتضي للعموم بنفسه ونشكّ في وجود المانع المخصّص ، والأصل عدمه ، فإذا جاء البيان ارتفع عدم البيان.

وأمّا الثاني فلقوله : فإنّ العمل بالتعليقي ، أي : الإطلاق موقوف على طرح التنجيزي ، أعني : العموم ؛ لتوقف موضوعه وهو عدم البيان على عدمه ، أي : التنجيزي وهو العموم.

فلو كان طرح التنجيزي متوقفا على العمل بالتعليقي ومسبّبا عنه لزم الدور.

توضيح الدور على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ الأخذ بالإطلاق موقوف على طرح العموم ، لما عرفت من أنّ موضوع الإطلاق وهو عدم البيان لا يتمّ إلّا بذلك ، ومعلوم أنّ طرح العموم موقوف على الأخذ بالإطلاق ؛ لأن العامّ يفيد بنفسه العموم لا يطرح إلّا بوجود المانع ، وهو الأخذ بالإطلاق ، فيلزم أن يكون الأخذ بالإطلاق موقوفا على الأخذ بالإطلاق ، وهذا دور.

وبالجملة ، لا يطرح العموم لأجل الإطلاق ، بل هو يتوقف على حجّة اخرى راجحة عليه ، بأن يقال ـ في المثال المتقدّم ـ : لا يحرّم الترحّم على العبد الكافر المحكوم بالعتق. هذا تمام الكلام فيما ذكره سلطان العلماء من أنّ استعمال المطلق على المقيّد حقيقة وليس بمجاز.

ذكر الأوثق في المقام ما لا يخلو ذكره عن فائدة ، حيث قال في ذيل كلام المصنف قدس‌سره : ولا إشكال في ترجيح التقييد ... إلى آخره.

ما هذا لفظه : «توضيح المقام يتوقف على أقسام المطلقات ، فنقول : إنّها على ثلاثة أقسام :

أحدها : الإطلاق بحسب الأحوال ، أعني : الإطلاق الحاصل بحسب أحوال التكليف الناشئ من عدم البيان ؛ لأن عدم تقييد الأمر بالعتق في قولنا : أعتق رقبة بزمان أو مكان أو حالة ، يورث له الإطلاق بحسب هذه الأحوال ؛ لأجل عدم بيان القيد ، وهذا الإطلاق خارج عن مدلول اللّفظ ، وإنّما هو ناشئ من عدم بيان القيد ، ولا شكّ أنّ التقييد في مثل هذا

٣٣٤

____________________________________

الإطلاق لا يوجب تجوّزا في اللفظ لفرض خروجه من مدلوله ، كما عرفت. إلى أن قال :

ولعلّ المشهور أيضا لا يقولون بالمجازيّة هنا وإن نسب إليهم القول بالتجوّز على وجه الإطلاق بحيث يشمل المقام أيضا. ومن هنا يظهر أنّه إذا دار الأمر بين التخصيص وتقييد مثل هذا الإطلاق فهو من قبيل دوران الأمر بين الأصل والدليل ؛ لأن العمل بالثاني من باب عدم البيان وعموم العامّ بيان له بلا إشكال ، كما أوضحه المصنف قدس‌سره.

والثاني : الإطلاق بحسب الفرد المنتشر المعبّر عنه بالحصّة الشائعة كما عرّفه بها جماعة ، مثل أعتق رقبة ، بناء على كون التنوين للتنكير ، ومحصّل نزاعهم واحتجاجاتهم في حصول التجوّز بالتقييد في هذا القسم ، هو أنّ من يقول بالتجوز يدّعي أنّ مدلول رقبة في المثال بحسب الوضع هو الفرد المنتشر بوصف التعرية عن جميع القيود ، حتى القيود الثابتة من الخارج ، كما إذا ثبت بالإجماع كون المكلّف به في المثال هو المؤمنة.

فيكون حينئذ استعمال لفظ رقبة في غير حال التعرية مجازا لا محالة ، لانتفاء جزء الموضوع له ، وأمّا من يقول بالحقيقة فيدّعي كون مدلول رقبة هو الفرد المنتشر مطلقا ، بمعنى وضعه لمعنى يجتمع مع الإطلاق والتقييد من دون أن يكون شيء منهما مأخوذا في الموضوع له ، وهي الطبيعة المهملة ، وحيثما تطلق المطلقات مطلقة أو مقيّدة بشيء فالمراد بها هذه الطبيعة المهملة ، كما يقول به سلطان العلماء ، وهذا هو المختار للتبادر ؛ لأنا لا نفهم من المطلقات إلّا هذا المعنى.

نعم ، إن اريد القيد من لفظ المطلق كان مجازا ، والظاهر أنّ سلطان العلماء ـ أيضا ـ لا ينكر ذلك ، والإطلاقات العرفيّة منزّلة على غير هذه الصورة ، وهي إرادة المطلق في ضمن المقيّد بالحمل المتعارف ، بأن يثبت القيد من الخارج ، لا أن يكون مرادا من لفظ المطلق مع الطبيعة. وعلى هذا القول يكون الحكم بالإطلاق لأجل عدم البيان ، لا لأجل ظهوره في الإطلاق ، وحيث كان ظهور العامّ صالحا للبيانيّة يقدّم التقييد على التخصيص عند دوران الأمر بينهما.

الثالث : الإطلاق بحسب الطبيعة المعرّاة مطلقا ، حتى عن قيد الفرد المنتشر ، أعني : الطبيعة المطلقة. والكلام فيه من حيث كون التقييد مورّثا للتجوّز وعدمه كسابقه.

٣٣٥

وأمّا على القول بكونه مجازا ، فالمعروف في وجه تقديم التقييد كونه أغلب من التخصيص ، وفيه تأمّل.

____________________________________

ويدلّ على عدم التجوّز هنا مضافا إلى ما عرفت أنّا لا نفهم فرقا بين قولنا : اعتق رقبة مؤمنة بناء على كون التنوين للتمكّن وقوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)(١).

فكما أنّ الثاني حقيقة كذلك الأوّل ، فالتقييد ليس موجبا للتجوّز ؛ لأنه لو كان موجبا للتجوّز يلزم التجوّز في جميع مطلقات الكتاب والسنّة ؛ لتقارن القيود عليها بحسب اختلاف أحوال المكلّفين ، وإذا عرفت هذا ظهر لك أنّ إثبات ورود المطلقات في مقام بيان الإطلاق في جميع الأقسام المتقدّمة إنّما هو بمعونة عدم بيان القيد ، أعني : دليل الحكمة ، فعدم بيانه جزء من مقتضى الإطلاق بخلاف عموم العامّ لكونه بحسب الوضع ، فهو بنفسه مقتضي للعموم ، والتخصيص مانع منه ، فهو بضميمة أصالة عدم المخصّص صالح للبيانيّة ، فيقيّد به إطلاق المطلق». انتهى ما في الأوثق مع اختصار وتصرّف ما.

فنرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وأمّا على القول بكونه مجازا ، نظير العامّ المخصّص ، كما هو المشهور ، فالمعروف في وجه تقديم التقييد كونه أغلب من التخصيص.

قال في الأوثق في وجه تحقّق الأغلبيّة ما هذا لفظه : ولا إشكال في تحقّق الأغلبيّة ؛ لأنهم وإن ادّعوا أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ ، إلّا أنّه وارد على سبيل المبالغة لكثرة العمومات العرفيّة ، كما تقول : ما لقيت اليوم أحدا ، وما أكلت شيئا ، وما قرأت اليوم كتابا ، ونحو ذلك ، بخلاف المطلقات لندرة سلامتها عن التقييد ، بل لا يكاد يوجد لها مصداق في الخارج ؛ لأن منها ما هو واقع في حيّز الأخبار ، مثل جاءني رجل أو رأيت رجلا ونحوهما ، ولا ريب أنّها قد قيّدت بالوجود الخارجي ؛ لأن الأخبار في الغالب إنّما هو عن المعيّنات الخارجيّة.

ومنها : ما هو واقع في حيّز الطلب ولا أقلّ من تقييده بالأفراد المقدورة. وبالجملة أنّ وجود خطاب سالم عن التقييد طلبا ومطلوبا من حيث الزمان والمكان والإمكان ونحوها

__________________

(١) القصص : ٢٠.

٣٣٦

نعم ، إذا استفيد العموم الشمولي من دليل الحكمة كانت الإفادة غير مستندة إلى الوضع ، كمذهب السلطان في العموم البدلي.

____________________________________

في غاية القلّة ونهاية العزّة. انتهى مورد الحاجة.

وفيه تأمّل لمنع كون التقييد بالمنفصل أغلب من التخصيص بالمنفصل ، كما قال المصنف قدس‌سره في الحاشية ، وجه التأمّل على ما في حاشية المصنف قدس‌سره ، هو أنّ الكلام في التقييد المنفصل ولا نسلّم كونه أكثر وأغلب من التخصيص بالمنفصل.

ويمكن الاستدلال ـ أيضا ـ على رجحان التقييد على القول المذكور بوجهين آخرين :

أحدهما : الفهم العرفي ؛ لأنه مع دوران الأمر بين التقييد والتخصيص يجعل عموم العامّ بحسب العرف قرينة على التقييد ، وهذا واضح لمن تتبّع الأمثلة العرفيّة ، كما تقول : أهن جميع الفسّاق وأكرم العالم ، فإنّه يفهم منه وجوب إكرام العالم العادل.

وثانيهما : القرب الاعتباري بناء على جواز الترجيح به كما يراه بعضهم ؛ لأن المقيّد أقرب إلى المعنى الحقيقي من قرب الخاصّ إلى العامّ ، ولذا يحمل المطلق على المقيّد بالحمل المتعارف ، فيقال : زيد إنسان ، ولا يصحّ حمل العامّ على الخاصّ ، فلا يقال زيد العالم العلماء. ولعلّ المصنف رحمه‌الله لم يتعرّض للأوّل ، نظرا إلى كون مبنى الفهم العرفي على ما ذكره من الغلبة ، وللثاني لعدم الاعتداد بالقرب العرفي ، كما في الأوثق.

نعم ، إذا استفيد العموم الشمولي من دليل الحكمة كانت الإفادة غير مستندة إلى الوضع ، كمذهب السلطان في العموم البدلي.

توضيح الكلام على ما في شرح الاعتمادي أنّ العموم إمّا بدلي ، بأن يحصل امتثال الطبيعة بفرد واحد ، أيّ فرد كان ، كما في : اعتق رقبة ، وهو المراد من المطلق.

وإمّا استيعابي وشمولي ، نحو : أكرم العالم ، ولا تضرب أحدا ، وما جاءني أحد ، وهو إمّا أفرادي ، بأن يثبت الحكم لجميع الأفراد فردا فردا ، بحيث لو امتثل البعض دون البعض عدّ مطيعا وعاصيا ، وإمّا مجموعي ، بأن يثبت الحكم لجميع الأفراد من حيث المجموع ، بحيث لو وافق البعض دون البعض لا يعدّ مطيعا أصلا.

فالمراد من تعارض المطلق مع العموم تعارض العموم البدلي مع العموم الشمولي ، كما مرّ مثاله ، فنقول : العموم الشمولي في بعض ألفاظ العموم كالمفرد المحلّى باللّام مستفاد

٣٣٧

وممّا ذكرنا يظهر حال التقييد مع سائر المجازات.

ومنها : تعارض العموم مع غير الإطلاق من الظواهر.

والظاهر المعروف تقديم التخصيص لغلبة شيوعه.

____________________________________

من دليل الحكمة ، نظير استفادة العموم البدلي من المطلق على مذهب السلطان ، وما ذكر من ورود العامّ على المطلق إنّما هو فيما إذا استفيد العموم من اللفظ ، كما مرّ مثاله ، وأمّا إذا استفيد هو أيضا من دليل الحكمة فلا مجال له ، كما في أكرم العالم واحبس شاعرا. ثمّ إنّه قد علم من ذلك ورود العامّ المستفاد من اللفظ على العامّ المستفاد من دليل الحكمة ، نحو أكرم العلماء ويستحب إكرام الشاعر كما يأتي.

وممّا ذكرنا يظهر حال التقييد مع سائر المجازات.

نحو اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة ، فإنّه لا بدّ إمّا من تقييد الرقبة في الأوّل بالمؤمنة وإمّا من حمل اعتق في الثاني على الندب والتقييد اولى. إذ علمت أنّ دلالة المطلق على الإطلاق موقوفة على عدم بيان القيد ، وقوله : اعتق رقبة مؤمنة يصلح للبيانيّة ، لظهور الأمر بنفسه في الوجوب ، فهو أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق.

ومنها : تعارض العموم مع غير الإطلاق من الظواهر.

نحو لا يجب إكرام العلماء ويجب إكرام الفقهاء ، فانّه لا بدّ إمّا من تخصيص الأوّل ، أعني : العلماء ، وإمّا من حمل الثاني ـ أعني : يجب ـ على الاستحباب المؤكّد مجازا.

والظاهر المعروف تقديم التخصيص لغلبة شيوعه.

فظهور قوله : يجب في الوجوب أقوى من ظهور العلماء في العموم لشيوع التخصيص ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي :

«وفي الأوثق ما هو نصّه : يحتمل أن يريد بغلبة التخصيص وجوها :

أحدها : أن يكون التخصيص أغلب بحسب وجوده الخارجي من مطلق المجازات الواقعة في الاستعمالات ، وهذه الدعوى تكاد تشبه المكابرة لوضوح أغلبيّة سائر المجازات.

وثانيها : ما ذكره المحقّق القمّي من كون التخصيص أغلب من سائر المجازات الحاصلة في اللفظ العامّ ، وهذه الدعوى أيضا غير مجدية في المقام ؛ لأن الكلام هنا في ترجيح

٣٣٨

وقد يتأمّل في بعضها ، مثل ظهور الصيغة في الوجوب ، فإنّ استعمالها في الاستحباب شائع أيضا ، بل قيل بكونه مجازا مشهورا ، ولم يقل ذلك في العامّ المخصّص ، فتأمّل.

ومنها : تعارض ظهور بعض ذوات المفهوم من الجمل مع بعض.

____________________________________

التخصيص على سائر المجازات إذا دار الأمر بين تخصيص العامّ في كلام وارتكاب خلاف الظاهر في كلام آخر.

وثالثها : وهو الحقّ ، أن يقال : إنّ نوع العمومات إذا قيست إلى سائر أنواع الخطابات بخصوصها مثل الخطاب المشتمل على الأمر أو النهي أو نحو ذلك ، فالتخصيص بحسب نوعه أغلب من سائر المجازات الحاصلة في سائر أنواع الخطابات ؛ لأن استعمال هذه الخطابات في معانيها الحقيقيّة غير عزيز.

بل كثير في المحاورات العرفيّة بخلاف الخطابات المشتملة على ألفاظ العموم لغلبة ورود التخصيص.

نعم ، ربّما يمنع غلبة التخصيص بالنسبة إلى حمل صيغة الأمر على الاستحباب ، كيف لا وقد قيل بكونها مجازا مشهورا فيه.

ولم يقل ذلك أحد في العامّ. ولعلّ الأمر بالتأمّل في قوله : فتأمّل إشارة إلى معارضة ذلك بما اشتهر من أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ». انتهى.

قيل في وجه التأمّل بعدم تسليم الغلبة في الأمر الذي يكون بإزائه عامّ ، إذ ما ذكر من غلبة استعمال الأمر في الندب وكونه مجازا مشهورا فيه إنّما يثمر إذا كان الأمر المقابل للعامّ يستعمل شائعا في الندب وهو في محلّ المنع ، بخلاف العامّ الذي يكون في مقابل الآمر ، فإنّ تخصيصه في غير مورد التعارض غير عزيز.

وبعبارة اخرى : إنّ مقتضي كون الأمر في الندب مجازا مشهورا وإن كان تقديم حمل الأمر على الندب على تخصيص العامّ ، إلّا أنّ العامّ أيضا مجاز مشهور في الخاصّ ، بحيث قد اشتهر أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ ، مع أنّ الأمر وإن لم يكن بحسب النوع ظاهرا في الوجوب لشيوعه في الندب ، إلّا أنّ خصوص الأمر المقابل للعامّ ظاهر فيه لشيوع التخصيص ، ولازم ذلك تقديم حمل العامّ على الخاصّ على حمل الأمر على الندب.

ومنها : تعارض ظهور بعض ذوات المفهوم من الجمل مع بعض.

٣٣٩

والظاهر تقديم الجملة الغائيّة على الشرطيّة ، والشرطيّة على الوصفيّة.

ومنها : تعارض ظهور الكلام في استمرار الحكم مع غيره من الظهورات ، فيدور الأمر بين النسخ وارتكاب خلاف ظاهر آخر ، والمعروف ترجيح الكلّ على النسخ ، لغلبتها بالنسبة إليه.

____________________________________

كتعارض قوله : يحرم إكرام الفاسق إن كان جاهلا ، مع قوله : يجوز إكرام العالم العادل أو ما دام عادلا ، فإنّ مفهوم الشرط في الأوّل جواز إكرام العالم الفاسق ومفهوم الوصف في الثاني والغاية في الثالث عدم جوازه ، كما في شرح الاعتمادي.

والظاهر تقديم الجملة الغائيّة على الشرطيّة.

لكونها أقوى منها ، بمعنى أنّ تبادر المفهوم من الغاية أظهر من تبادره من الشرط ، ولذا كلّ من قال بمفهوم الشرط قال بمفهوم الغاية دون العكس. وكذلك الجملة الشرطيّة أقوى بالنسبة إلى الوصفيّة ، كما أشار إليه بقوله :

والشرطيّة على الوصفيّة.

ولذا كلّ من قال بمفهوم الوصف قال بمفهوم الشرط دون العكس ، والظاهر أنّ مفهوم الحصر أقوى من جميع ذلك ، وكذلك مفهوم الموافقة اولى من مفهوم المخالفة ، ولذا كان الأوّل وفاقيّا والثاني خلافيّا.

ومنها : تعارض ظهور الكلام في استمرار الحكم مع غيره من الظهورات.

فيكون ما تقدّم من تعارض النسخ والتخصيص من مصاديق هذا العنوان.

فيدور الأمر بين النسخ وارتكاب خلاف ظاهر آخر.

كما إذا ورد في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أكرم الفقهاء ثمّ ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا بعد وقت العمل به لا تكرم العلماء ، فإنّه يدور الأمر بين تخصيص الثاني ونسخ الأوّل ، وكما إذا ورد أوّلا لا يجب إكرام العلماء فورد بعد وقت العمل به أكرم العلماء ، فإنّه يدور الأمر بين نسخ الأوّل وحمل الثاني على الندب.

والمعروف ترجيح الكلّ على النسخ ، لغلبتها ، أي : سائر المخالفات للظاهر بالنسبة إليه ، أي : النسخ.

وبالجملة ، ظهور الحكم في الاستمرار أقوى من سائر الظواهر.

٣٤٠