دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

من مذاهبهم في الاصول وطريقتهم في الفروع.

نعم ، قد يظهر من عبارة الشيخ قدس‌سره ، في الاستبصار خلاف ذلك ، بل يظهر منه أنّ الترجيح بالمرجّحات يلاحظ بين النصّ والظاهر ، فضلا من الظاهر والأظهر ، فإنّه قدس‌سره بعد ذكر حكم الخبر الخالي عمّا يعارضه قال : «وإن كان هناك ما يعارضه فينبغي أن ينظر في المتعارضين فيعمل على أعدل الرواة في الطريق ، وإن كانا سواء في العدالة عمل على أكثر الرواة عددا ، وإن كانا متساويين في العدالة والعدد وكانا عاريين عن القرائن التي ذكرناها ، ينظر ، فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالآخر على بعض الوجوه وضرب من التأويل ، كان العمل به اولى من العمل بالآخر الذي يحتاج مع العمل به إلى طرح الخبر الآخر ، لأنه يكون العامل به عاملا بالخبرين معا.

____________________________________

بعض مشايخنا المعاصرين ويشهد له ، أي : لاختصاص أخبار العلاج بغير مورد إمكان الجمع العرفي ما يظهر من مذاهبهم في الاصول وطريقتهم في الفروع. إلى أنّ قال المصنف قدس‌سره :

نعم ، قد يظهر من عبارة الشيخ قدس‌سره ، في الاستبصار خلاف ذلك ، بل يظهر منه أنّ الترجيح بالمرجّحات يلاحظ بين النصّ والظاهر ، فضلا من الظاهر والأظهر ، فإنّه قدس‌سره بعد ذكر حكم الخبر الخالي عمّا يعارضه قال : وإن كان هناك ما يعارضه فينبغي أن ينظر في المتعارضين فيعمل على أعدل الرواة في الطريق ، وإن كانا سواء في العدالة عمل على أكثر الرواة عددا ، وإن كانا متساويين في العدالة والعدد وكانا عاريين عن القرائن التي ذكرناها ، أي : موافقة الكتاب والسنّة ، والإجماع ، والعقل ينظر إلى وجود المرجّح الدلالي وعدمه.

فيظهر من كلامه هذا تأخير الترجيح بالدلالة عن سائر المرجّحات ، فيكون ما يظهر منه مخالفا لمّا تقدّم من تقديم الترجيح بالدلالة على سائر المرجّحات.

فإن كان متى عمل بأحد الخبرين من أجل كونه نصّا أو أظهر أمكن العمل بالآخر ، أي : الظاهر على بعض الوجوه ولو بالتأويل ، كما أشار إليه بقوله : وضرب من التأويل ، كان العمل به اولى من العمل بالآخر الذي يحتاج مع العمل به إلى طرح الخبر الآخر أو حمله على وجه بعيد.

٢٨١

وإن كان الخبران يمكن العمل بكلّ منهما ، كما في العموم من وجه ، وحمل الآخر على بعض الوجوه من التأويل ، وكان لأحد التأويلين خبر يعضده أو يشهد به على بعض الوجوه صريحا لفظا أو دليل الخطاب ، وكان الآخر عاريا عن ذلك ، كان العمل به اولى من

____________________________________

لأنه يكون العامل به عاملا بالخبرين معا.

مثلا : إذا ورد أكرم العلماء ولا تكرم النحاة ، فإن عمل بالخاصّ يعمل بالعامّ أيضا على وجه التأويل ، وهو حمله على غير النحاة ، وأمّا لو عمل بالعامّ وحكم بوجوب إكرام كلّ عالم لزم طرح الخاصّ رأسا ، فيعمل بالخاصّ ليعمل بهما ، وكذا إذا ورد يجب غسل الجمعة وينبغي غسل الجمعة ، فإن عمل بالأوّل وحكم بالوجوب يعمل بالثاني أيضا على وجه التأويل ، وهو حمل ينبغي على الوجوب.

وأمّا لو عمل بالثاني وحكم بالندب لزم طرح الأوّل لبعد حمل الوجوب على الندب ، فيعمل بالأوّل ليعمل بهما ، كما في شرح الاستاذ.

وإن كان الخبران يمكن العمل بكلّ منهما ، كما في العموم من وجه ، وحمل الآخر على بعض الوجوه من التأويل.

كما إذا ورد أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق ، فإنّهما متعارضان في مادّة الاجتماع ، يمكن العمل بعموم الأوّل وحمل الثاني على الفاسق الجاهل ، ويمكن العمل بعموم الثاني وحمل الاوّل على العالم العادل.

وبالجملة ، يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر ، كما في شرح الاستاذ.

وكان لأحد التأويلين خبر يعضده.

كما إذا ورد في المثال المذكور أيضا إكرام العلماء العدول إكرام للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه معاضد لوجوب إكرام خصوص عدول العلماء.

أو يشهد به على بعض الوجوه صريحا.

كقوله : لا تكرم عالما تابعا للجائر لأنه فاسق ، فإنّه شاهد صريح بأنّه لا يريد إلّا إكرام عالم عادل.

[أو تلويحا] المراد به دلالة الاقتضاء والتنبيه والإيماء والإشارة.

والمراد بدليل الخطاب إمّا مفهوم الموافقة وإمّا مفهوم المخالفة ، وإمّا الأعمّ منهما ،

٢٨٢

العمل بما لا يشهد له شيء من الأخبار ، وإذا لم يشهد لأحد التأويلين خبر آخر وكانا متحاذيين كان العامل مخيّرا في العمل بأيّهما شاء». انتهى موضع الحاجة.

وقال في العدّة : «وأمّا الأخبار إذا تعارضت وتقابلت ، فإنّه يحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح ، والترجيح يكون بأشياء ، منها : أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنّة المقطوع بها ، والآخر مخالفا ، فإنّه يجب العمل بما وافقهما وترك ما خالفهما ، وكذلك إن وافق أحدهما إجماع الفرقة المحقّة ، والآخر يخالفه ، وجب العمل بما يوافقه وترك ما يخالفهم ،

____________________________________

والظاهر الثاني لجريان الاصطلاح على ذلك ، كما صرّح به في القوانين ، كما في شرح التنكابني.

فنرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي حيث قال في قوله : تلويحا ، أي : بالدلالة الالتزاميّة لفظا كقوله : إنّما يجب إكرام العدول ، فإنّه يشهد بالتضمّن حصر وجوب إكرام العلماء بعدولهم.

[أو منطوقا] لعلّه أراد به المفهوم الموافق ، كما إذا قال : لا تكرم عالما يترك صلاة الليل ، فإنّه يشهد بالأولويّة عدم وجوب إكرام فساق العلماء.

أو دليل الخطاب لعلّه أراد به المفهوم المخالف ، كقوله : إنّما فضل العالم بعدله ، أي : لا فضل للعالم الفاسق ، فيشهد بعدم وجوب إكرامه.

وكان الآخر ، أي : حمل الفسّاق على غير العالم مثلا عاريا عن ذلك ، أي : المعاضد ، كان العمل به ، أي : بما له معاضد وشاهد أولى من العمل بما لا يشهد له شيء من الأخبار.

وإذا لم يشهد لأحد التأويلين خبر آخر وكانا متحاذيين كان العامل مخيّرا في العمل بأيّهما شاء. انتهى موضع الحاجة.

وقال في العدّة : وأمّا الأخبار إذا تعارضت وتقابلت ، فإنّه يحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح ، والترجيح يكون بأشياء ، منها : أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنّة المقطوع بها ، والآخر مخالفا ، فإنّه يجب العمل بما وافقهما وترك ما خالفهما ، كذلك إنّ وافق أحدهما إجماع الفرقة المحقّة ، ثمّ المراد بالإجماع هو الإجماع الاصطلاحي ، لا الإجماع في الرواية ، وذلك بقرينة قوله الآتي : وكانت فتيا الطائفة مختلفة.

وكيف كان ، فوجب العمل بما يوافق الإجماع وترك ما يخالفهم ، وكذا يجب العمل بما

٢٨٣

فإن لم يكن مع أحد الخبرين شيء من ذلك وكانت فتيا الطائفة مختلفة نظر في حال رواتهما ، فإن كان رواته عدلا وجب العمل به وترك غير العدل. وسنبيّن القول في العدالة المرعيّة في هذا الباب. فإن كان رواتهما جميعا عدلين نظر في أكثرهما رواة وعمل به وترك العمل بقليل الرواة ، فإن كان رواتهما متساويين في العدد والعدالة عمل بأبعدهما من قول العامّة ، وترك العمل بما يوافقهم ، وإن كان الخبران موافقين للعامّة أو مخالفين لهم نظر في حالهما.

فإن كان متى عمل بأحد الخبرين ، أمكن العمل بالآخر على وجه من الوجوه وضرب من التأويل ، وإذا عمل بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر الآخر ، وجب العمل بالخبر الذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الآخر ، لأن الخبرين جميعا منقولان مجمع على نقلهما ، وليس

____________________________________

هو موافق للعقل وترك ما يخالفه.

فإن لم يكن مع أحد الخبرين شيء من ذلك وكانت فتيا الطائفة مختلفة نظر في حال رواتهما ، فإن كان رواته عدلا ورواة الآخر ثقة مثلا ، أو كان رواة أحدهما أعدل ورواة الآخر عدلا.

وجب العمل به وترك غير العدل. وسنبيّن القول في العدالة المرعيّة في هذا الباب.

قال التنكابني في المقام ما هذا لفظه : قد عرفت فيما سبق عند نقل كلامه في العدّة أنّ مقصوده من العدالة هو الوثاقة ، فيشمل ما ذكره خبر غير الإمامي العادل ، كالعامي والفطحي والواقفي وغيرهم من فرق الشيعة غير الإمامية إذا كانوا موثوقا بهم وعدولا في مذهبهم ، فالعدالة في باب حجّيّة الخبر أعمّ من العدالة المصطلحة والوثاقة والممدوحيّة.

وإن كان الخبران موافقين للعامّة أو مخالفين لهم نظر في حالهما ، من حيث وجود المرجّح الدلالي وعدمه ، فيظهر من هذا الكلام تأخّر الترجيح بالدلالة عن سائر المرجّحات.

فإن كان متى عمل بأحد الخبرين ، أمكن العمل بالآخر على وجه من الوجوه وضرب من التأويل ، كما في تعارض الظاهر مع النصّ أو الأظهر ، حيث يوجد غالبا في العامّ والخاصّ المطلقين.

وإذا عمل بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر الآخر ، وجب العمل بالخبر الذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الآخر ؛ لأن الخبرين جميعا منقولان مجمع ـ فيعمل على نقلهما.

٢٨٤

هنا قرينة تدلّ على صحّة أحدهما ولا ما يرجّح أحدهما على الآخر ، فينبغي أن يعمل بهما إذا أمكن ولا يعمل بالخبر الذي إذا عمل به وجب اطّراح العمل بالآخر ، وإن لم يمكن العمل بهما جميعا لتضادّهما وتنافيهما أو أمكن حمل كلّ واحد منهما على ما يوافق الآخر على وجه كان الإنسان مخيّرا في العمل بأيّهما شاء». انتهى.

وهذا كلّه ـ كما ترى ـ يشمل حتى تعارض العامّ والخاصّ مع الاتفاق فيه على الأخذ بالنصّ. وقد صرّح في العدّة في باب بناء العامّ على الخاصّ : بأنّ الرجوع إلى الترجيح والتخيير إنّما هو في تعارض العامّين دون العامّ والخاصّ ، بل لم يجعلهما من

____________________________________

أي : لا ريب لأحد في نقل الخبرين وإنّما الكلام في العمل بهما ، فيعمل بما لا يستلزم العمل به طرح الآخر ، كما أشار إليه بقوله :

فينبغي أن يعمل بهما إذا أمكن ولا يعمل بالخبر الذي إذا عمل به وجب اطّراح العمل بالآخر ، وإن لم يمكن العمل بهما جميعا كما في الظاهرين اللذين لا مزيّة لأحدهما على الآخر ، فلا يتصوّر فيه الجمع بحسب الدلالة ، وذلك لتضادهما وتنافيهما.

كقوله : اغتسل للجمعة وينبغي غسل الجمعة على فرض تساويهما في الظهور.

وكقوله : ثمن العذرة سحت (١) ولا بأس ببيع العذرة (٢).

أو أمكن حمل كلّ واحد منهما على ما يوافق الآخر على وجه ، كالتخصيص في العامّين من وجه ، حيث يمكن تخصيص كلّ منهما بالآخر.

كان الإنسان مخيّرا في العمل بأيّهما شاء. انتهى.

وهذا كلّه ، أي : قوله في الاستبصار والعدّة يشمل حتى تعارض العامّ والخاصّ ، نحو أكرم العلماء ولا تكرم النحاة ، مع الاتفاق فيه على الأخذ بالنصّ ، لحكومته على الظاهر من دون صدق التعارض عرفا ، كما عرفت غير مرّة.

وقد صرّح في العدّة في مباحث الألفاظ في باب بناء العامّ على الخاصّ : بأنّ الرجوع

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨٠. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٢. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٩. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨١ ، ١٨٣. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ٢ ، ح ٣.

٢٨٥

المتعارضين أصلا ، واستدلّ على العمل بالخاصّ ، بما حاصله : إنّ العمل بالخاصّ ليس طرحا للعامّ ، بل حمل له على ما يمكن أن يريده الحكيم ، وأنّ العمل بالترجيح والتخيير فرع التعارض الذي لا يجري فيه الجمع.

وهو مناقض صريح لما ذكره هنا من أنّ الجمع من جهة عدم ما يرجّح أحدهما على الآخر. وقد يظهر ما في العدّة من كلام بعض المحدّثين ، حيث أنكر حمل الخبر الظاهر في الوجوب أو التحريم على الاستحباب أو الكراهة ، لمعارضته خبر الرخصة ، زاعما أنّه طريق جمع لا إشارة إليه في أخبار الباب ، بل ظاهرها تعيّن الرجوع إلى المرجّحات المقرّرة.

____________________________________

إلى الترجيح والتخيير إنّما هو في تعارض العامّين من وجه.

دون العامّ والخاصّ المطلقين.

بل لم يجعلهما من المتعارضين أصلا ، وذلك لأنه استدلّ على العمل بالخاصّ ، بما حاصله : إنّ العمل بالخاصّ ليس طرحا للعامّ ، بل حمل له على ما يمكن أن يريده الحكيم ، لصحّة أن يريد الحكيم من العلماء عدا النحاة بقرينة قوله : لا تكرم النحاة.

وأنّ العمل بالترجيح والتخيير فرع التعارض الذي لا يجري فيه الجمع.

كتعارض الظاهرين في أكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، واغتسل للجمعة وينبغي غسل الجمعة ، وثمن العذرة سحت ولا بأس ببيع العذرة ، كما في شرح الاعتمادي.

وهو ، أي : عدم جعل العامّ والخاصّ من المتعارضين مناقض صريح لما ذكره هنا من أنّ الجمع الدلالي متأخّر رتبة ، بمعنى أنّه ليس إلّا من جهة عدم ما يرجّح أحدهما على الآخر.

وقد يظهر ما في العدّة من كلام بعض المحدّثين ، حيث أنكر حمل الخبر الظاهر في الوجوب أو التحريم على الاستحباب أو الكراهة ، لمعارضته خبر الرخصة.

وذلك فيما إذا قال المولى لعبده : أكرم زيدا وقال أيضا : لا بأس بترك إكرام زيد ، فالاوّل ظاهر في الوجوب والثاني نصّ في الجواز ، فيقدّم النصّ على الظاهر ويحمل الأمر على الندب ، وكذا إذا قال : لا تكرم زيدا وقال أيضا : لا بأس بإكرام زيد ، فالأوّل ظاهر في الحرمة والثاني نصّ في الجواز ، فيقدم النصّ على الظاهر ويحمل النهي على الكراهة.

إلّا أنّ هذا المحدّث كأنّه منع عن ذلك زاعما أنّه طريق جمع لا إشارة إليه في أخبار الباب ، بل ظاهرها تعيّن الرجوع إلى المرجّحات المقرّرة.

٢٨٦

ربّما يلوح هذا أيضا من كلام المحقّق القمّي ، في باب بناء العامّ على الخاصّ ، فإنّه بعد ما حكم بوجوب البناء ، قال : «وقد يستشكل بأنّ الأخبار قد وردت في تقديم ما هو مخالف للعامّة أو موافق للكتاب أو نحو ذلك.

وهذا يقتضي تقديم العامّ لو كان هو الموافق للكتاب أو المخالف للعامّة أو نحو ذلك.

____________________________________

أي : بل ظاهر الأخبار هو الرجوع إلى المرجّحات المنصوصة فيها مطلقا ، لا الجمع الذي سمّوه جمعا بحسب الدلالة وجمعا بحسب العرف ، بحمل الظاهر على النصّ أو الأظهر.

ربّما يلوح هذا أيضا من كلام المحقّق القمّي ، في باب بناء العامّ على الخاصّ ... إلى آخره.

والتعبير بالتلويح إشارة إلى أنّ كلامه ليس صريحا في المخالفة ، بل يحتمل كونه موافقا للمشهور ، إذ العامّ قد يصير أقوى من الخاصّ بحسب الدلالة ، كما إذا كان معلّلا أو في مقام الامتنان ، أو في مقام التحديد أو إعطاء الضابطة وغير ذلك ، وقد يوجد هناك قرينة خارجيّة توجب صرف الخاصّ عن ظهوره ، مثل حمل ما ورد في صحّة صلاة من جلس في الرابعة بقدر التشهد على التقيّة فإنّه يحتمل كون ذلك من جهة قرائن خارجيّة كما سيجيء.

وقد يكون الخاصّ ممّا أعرض المشهور عنه ، فيوجب ذلك طرحه من حيث السند لا التجوّز في الخاصّ على ما ذكره المحقّق المزبور ، كما في شرح التنكابني. وفيه أيضا ، قد يلوح ما ذكر أيضا من بعض كلمات الوحيد البهبهاني قدس‌سره في الفوائد ، حيث قال : واعلم أنّه إذا ورد عامّ وخاصّ متنافيا الظاهر ، فالبناء على التخصيص بشرط أن يكونا متكافئين ، فالخاصّ الضعيف لا يخصّص العامّ الصحيح وكذا الموافق للتقيّة لا يخصّص المخالف لها ، وكذا المخالف للقرآن لا يخصّص الموافق له ، وكذا ضعيف المتن والدلالة لا يخصّص قويهما. انتهى.

وقد يستشكل ، والمستشكل هو سلطان العلماء قدس‌سره ذكر ذلك في حاشيته على المعالم ، على ما في شرح التنكابني.

وكيف كان ، فقال المحقّق القمّي : إنّه قد يستشكل بأنّ الاخبار قد وردت في تقديم ما هو مخالف للعامّة أو موافق للكتاب أو نحو ذلك ، كتقديم اعدل الرواة في الطريق.

وهذا يقتضي تقديم العامّ لو كان هو الموافق للكتاب أو المخالف للعامّة أو نحو ذلك.

فإذا ورد أكرم العلماء ولا تكرم النحاة وفرض الأوّل موافقا للكتاب أو مخالفا للعامّة ،

٢٨٧

وفيه : إنّ البحث منعقد لملاحظة العامّ والخاصّ من حيث العموم والخصوص.

لا بالنظر إلى المرجّحات الخارجيّة ، إذ قد يصير التجوّز في الخاصّ اولى من التخصيص

____________________________________

أو أعدل راويا ، فمقتضى أخبار العلاج تقديمه وطرح الثاني ، لا بناء العامّ على الخاصّ وتخصيصه به على ما حكم به أوّلا.

ثمّ أجاب بقوله : وفيه : إنّ البحث ... إلى آخره.

هذا الكلام بقرينة كونه جوابا عمّا ذكره المستشكل يصير كالصريح في أنّ مراده إنّ حمل العامّ على الخاصّ مع قطع النظر عمّا ورد في الخارج ، من الرجوع إلى موافقة الكتاب والسّنة ومخالفة العامّة ، وغير ذلك ، وأمّا مع ملاحظته فلا يحمل العامّ على الخاصّ ، بل يحمل الخاصّ على التقيّة أو يطرح من حيث السند إذا لم يكن قطعيّا مع مخالفته للكتاب والسنّة.

أو موافقته للعامّة وغير ذلك ، فيكون المحقّق مخالفا لما ذكره المصنف من التحقيق ، كما في شرح التنكابني ، إلى أنّ قال : وقد ذكرنا في بعض حواشينا على القوانين اضطراب كلماته في ذلك ، وأنّ التأمّل في جميع كلماته يكاد يوجب القطع بأنّ مراده الرجوع إلى المرجّحات مع إمكان الجمع بحسب الدلالة.

ثمّ نرجع إلى ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، حيث قال في ذيل كلام المحقّق قدس‌سره :

لا بالنظر إلى المرجّحات الخارجيّة ما هذا لفظه : بمعنى أنّ العامّ والخاصّ يلاحظ فيهما تارة نفس عنوان العموم والخصوص ، واخرى وجود المرجّحات الخارجيّة وعدمها.

فباللحاظ الأوّل يبحث عنهما في مباحث الألفاظ ويحكم ببناء العامّ على الخاصّ ، وباللحاظ الثاني يقدّم الراجح.

وبالجملة ، مقتضى الأصل الأوّلي الجمع الدلالي بحمل العامّ على الخاصّ تقديما للنصّ على الظاهر ، ومقتضى الأصل الثانوي تقديم الراجح وإن كان عامّا وطرح المرجوح وإن كان خاصّا ، فيظهر من كلامه هذا تقديم المرجّحات على الجمع الدلالي ، كما قال : إذ قد يصير طرح الخاصّ إن لم يمكن تأويله نحو لا تكرم النحاة أو التجوّز في الخاصّ إن أمكن تأويله ، نحو لا بأس بإكرام النحاة بعد قوله : أكرم العلماء ، فإنّه يمكن حمله على الوجوب مجازا.

٢٨٨

في العامّ من جهة مرجّح خارجي وهو خارج عن المتنازع». انتهى.

والتحقيق : إنّ هذا كلّه خلاف ما يقتضيه الدليل ؛ لأن الأصل في الخبرين الصدق والحكم بصدورهما فيفرضان كالمتواترين ، ولا مانع عن فرض صدورهما حتى يحصل التعارض ، ولهذا لا يطرح الخبر الواحد الخاصّ بمعارضة العامّ المتواتر.

____________________________________

اولى من التخصيص في العامّ من جهة مرجّح خارجي وهو خارج عن المتنازع. انتهى.

أي : كلام المحقّق القمي قدس‌سره ، وظاهر كلامه هو ادّعاء الإجماع على تقدّم العامّ على الخاصّ إذا وجد في العامّ أحد المرجّحات من حيث الصدور أو جهة الصدور أو المضمون ، وهو عجيب على ما في شرح التنكابني.

والتحقيق : إنّ هذا ، أي : الذي يظهر من الشيخ والمحدّث والقمّي من عدم تقدّم الجمع الدلالي كلّه خلاف ما يقتضيه الدليل ؛ لأن الأصل في الخبرين ، أي : مقتضى شمول أدلة الحجّيّة لهما هو الصدق والحكم بصدورهما فيفرضان كالمتواترين.

فكما أنّه لو فرض تواتر المتعارضين يجب الجمع الدلالي مع الإمكان ، فكذا في الخبرين الظنيّين ، على ما في شرح الاعتمادي.

ولا مانع عن فرض صدورهما حتى يحصل التعارض.

لأن تعارض الخبرين إنّما هو بتمانع مدلولهما على وجه لا يمكن فرض صدورهما عن الإمام عليه‌السلام ؛ لاستلزامه التنافي ، ولذا احتيج إلى الترجيح في المتباينين ، وحيث لا تنافي بين العامّ والخاصّ عرفا على الوجه المذكور لا يكونان موردين للترجيح.

وبعبارة واضحة أنّه لا مانع من التعبّد بصدورهما إلّا حصول التعارض بين مدلوليهما ، ومعلوم أنّه لا تعارض بين النصّ والظاهر بعد حكم العرف بجعل النصّ أو الأظهر قرينة على صرف الظاهر عن ظهوره ، وإرادة خلاف الظاهر منه.

وبالجملة ، إنّه إذا أمكن الجمع بين الدليلين بحمل الظاهر على النصّ أو الأظهر فلا مانع من التعبّد بصدورهما ، كما هو مقتضى أدلّة الحجّيّة.

ولهذا ، أي : لتقدّم الجمع الدلالي لا يطرح الخبر الواحد الخاصّ بمعارضة العامّ المتواتر.

بقي في المقام ما في تعليقة غلام رضا رحمه‌الله ، حيث قال في المقام : قد يناقش فيه بأنّ

٢٨٩

وإن شئت قلت : إنّ مرجع التعارض بين النصّ والظاهر إلى التعارض بين أصالة الحقيقة في الظاهر ودليل حجّيّة النصّ ، ومن المعلوم ارتفاع الأصل بالدليل.

____________________________________

تقديم الدلالة وعدم ترجيح السند مع وجود المرجّح مستلزم للدور ؛ لأن كون الخبرين متوافقين بحيث لا يكونان موردين لأخبار التعارض إنّما هو بعد التصديق بصدورهما والمفروض أنّ التصديق بصدورهما يتوقف على كونهما متوافقين ، وإلّا فاللّازم هو تصديق صدور الراجح دون المرجّح ، وهذا دور ، هذا أوّلا.

وثانيا : يناقش فيه بأنّ مورد إعمال المرجّحات ، كما هو نصّ أخبار الباب إنّما هو كونهما متخالفين ، سواء كان التخالف بدويّا أو استمراريّا ، ولا ريب أنّ العامّ والخاصّ يكونان من الأوّل.

ويمكن التفصّي ، أمّا عن الأوّل فبأنّ مورد التعارض إنّما هو الكلام الحاكي ، ولا شكّ في وجوده في الخارج ، ولا تعارض في وجود الكلامين الحاكيين ، كما هو المقصود من الخبر في لسان أرباب الحديث.

وحينئذ فعلى تقدير كونهما متوافقين بالنسبة إلى المحكي أعني : قول المعصوم عليه‌السلام المعبّر عنه بالسنّة ، لا بدّ من الحكم بتصديقهما معا ، ولو لم يكونا متوافقين ولو تقديرا ، فلا بدّ من إعمال المرجّح.

فعلى هذا لا شكّ في أنّ العامّ والخاصّ على تقدير حكايتهما عن السنّة لا تعارض بينهما حتى يشملهما أخبار الباب ، فالتوافق التقديري كاف في الحكم بالتصديق ولا يكون موقوفا على التصديق وإن كان هو موقوفا على التوافق التقديري.

وأمّا الثاني ، فبأنّ المنصرف من التخالف هو الاستمراري دون البدوي ، وعلى تقدير عدم الانصراف فلا أقلّ من احتمال وجوده ، وهذا المقدار يكفي في عروض الإجمال للمطلق ، مضافا إلى الأمر دائر بين ارتكاب كثرة التخصيص في أدلّة اعتبار الأخبار بإخراج هذا النحو ، وبين ارتكاب التقييد في التخالف بجعله استمراريا ، والثاني اولى. انتهى ما في التعليقة. ونرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وإن شئت قلت : إنّ مرجع التعارض بين النصّ والظاهر إلى التعارض بين أصالة الحقيقة في الظاهر ودليل حجّيّة النصّ ، ومن المعلوم ارتفاع الأصل بالدليل.

٢٩٠

وكذا الكلام في الظاهر والأظهر ، فإنّ دليل حجّيّة الأظهر يجعل قرينة صارفة عن إرادة الظاهر ، ولا يمكن طرحه لأجل أصالة الظهور ولا طرح ظهوره لظهور الظاهر فتعيّن العمل به وتأويل الظاهر منهما ، وقد تقدّم في إبطال الجمع بين الدليلين ما يوضح ذلك.

____________________________________

توضيح ذلك أنّ سند الظاهر ـ أعني : قوله أكرم العلماء ـ لا يزاحم ظهوره ولا سند النصّ ـ أعني : لا تكرم النحاة ـ ولا دلالته ، والكلّ بديهي كما مرّ غير مرّة ، وإنّما يزاحم ظهور الظاهر سند النصّ ، أي : يدور الأمر بين التعبّد بظهور الظاهر ، والحكم بوجوب إكرام كلّ عالم وطرح سند النصّ ، أي : طرح لا تكرم النحاة ، وبين العكس.

وحيث إنّ التعبّد بالظهور معلّق على عدم القرينة الصارفة ودلالة النصّ تصلح صارفة له ، يكون دليل التعبّد بسند النصّ حاكما على دليل التعبّد بالظهور ، وهذا معنى ما ذكره المصنف قدس‌سره من ارتفاع الأصل بالدليل ، فيؤخذ بسندهما ويجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ.

قال التنكابني في المقام ما هذا لفظه : لا يخفى أنّ كلّ واحد من أصالة التعبّد بالصدور وأصالة التعبّد بالظهور دليل وأصل لفظي لا تقدّم لأحدهما على الآخر ، من جهة كون أحدهما أصلا والآخر دليلا ، إلّا أنّ أصل التعبّد بالصدور أصل سببي وأصل التعبّد بالظهور أصل مسبّبي ، فيكون التقدّم من هذه الجهة لا من جهة ما ذكر.

ولعلّ المصنف أراد أنّه بمنزلة الدليل في تقدّمه على أصالة الظهور وأنّها بمنزلة الأصل العملي في تأخّرها ، وليس المقصود من قوله : ومن المعلوم ارتفاع الأصل بالدليل ، أي : ليس المقصود من هذا الكلام ورود النصّ الظنّي السند على الظاهر إذ قد صرّح المصنف قدس‌سره سابقا بأنّ النصّ لا يكون واردا على الظاهر ، إلّا إذا كان قطعيّا من جميع الجهات ، بل المقصود الارتفاع حكما. انتهى مورد الحاجة من كلامه.

وكذا الكلام في الظاهر والأظهر.

مثل يجب غسل الجمعة وينبغي غسل الجمعة ، حيث يكون الأوّل أظهر في الوجوب والثاني ظاهرا في الندب ، فيتقدّم الأظهر على الظاهر ؛ لأن حجّيّة ظهور «ينبغي» معلّق على عدم القرينة الصارفة ، وظهور قوله : «يجب» يصلح بنظر العرف قرينة صارفة له ، كما أشار إليه بقوله :

فإنّ دليل حجّيّة الأظهر يجعل قرينة صارفة عن إرادة الظاهر ، ولا يمكن طرحه لأجل

٢٩١

نعم ، يبقى الإشكال في الظاهرين اللذين يمكن التصرّف في كلّ واحد منهما بما يرفع منافاته لظاهر الآخر.

____________________________________

أصالة الظهور ولا طرح ظهوره ، أي : الأظهر لظهور الظاهر.

بمعنى أنّ ظهور قوله : ينبغي غسل الجمعة في الندب لا يوجب طرح سند قوله : يجب غسل الجمعة ولا تأويل ظاهره بحمل الوجوب على الندب.

أمّا الأوّل ؛ فلأن حجّيّة الظهور معلّق على عدم القرينة الصارفة ، فكيف يوجب طرح ما يصلح قرينة صارفة؟!.

وأمّا الثاني ؛ فلأن الظهور الضعيف لا يصلح بنظر العرف لتأويل الظهور القويّ ، بل الأمر بالعكس ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

قال التنكابني في قوله : ولا يمكن طرحه لاجل ... إلى آخره ، يعني : لا يمكن طرح دليل حجّيّة الأظهر وما دلّ على البناء على صدوره من أجل أصالة الظهور في الظاهر ؛ لأن هذا الأصل مسبّب عن دليل ذلك ، فإذا حكم بجريانه لا يحكم بجريان الأصل في المسبّب.

ثمّ قال في وجه قوله : ولا طرح ظهوره ... إلى آخره : لعدم الموجب له مع كون ظهوره أقوى ، مع أنّ طرح ظهوره لا بدّ أن يكون لأجل تحكيم أصالة الظهور في صاحبه على دليل التعبّد بصدوره ، مع أنّ الأمر في الحكومة بالعكس من ذلك. انتهى.

نعم ، يبقى الإشكال في الظاهرين اللذين يمكن التصرّف في كلّ واحد منهما بما يرفع منافاته لظاهر الآخر.

تفصيل الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه قد مرّ عند البحث في أولويّة الجمع مهما أمكن أنّ الجمع قد يتوقف على التصرّف في كليهما.

كما في قوله : ثمن العذرة سحت (١) وقوله : لا بأس ببيع العذرة (٢).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨٠. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٢. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٩. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨١ ، ١٨٣. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ٢ ، ٣.

٢٩٢

فيدور الأمر بين الترجيح من حيث السند وطرح المرجوح ، وبين الحكم بصدورهما وإرادة خلاف الظاهر في أحدهما.

____________________________________

فيقال إنّ المراد بالعذرة في الأوّل هي النجسة وفي الثاني هي طاهرة ، هذا لا شكّ في أنّه مورد عدم امكان الجمع ، وأنّ مقتضى الأصل الأوّلي فيه ـ بناء على الطريقيّة ـ التوقف ومقتضى الأصل الثانوي الترجيح أو التخيير.

وقد يحصل بالتصرف في أحدهما المعيّن ، كما في أكرم العلماء ولا تكرم النحاة ، هذا لا شكّ في أنّه مورد وجوب الجمع بمقتضى أدلة حجّيّتهما وخارج عن باب التعارض.

وقد يتوقف على التصرّف في أحدهما المردّد ، كما في يجب غسل الجمعة ، وينبغي غسل الجمعة ، إذ يمكن حمل «ينبغي» على الوجوب ويمكن حمل الوجوب على تأكّد الاستحباب ، وأكرم كلّ عالم ولا تكرم فاسقا ، إذ يمكن حمل الأوّل على العادل ويمكن حمل الثاني على الجاهل ، فإن كان أحدهما أظهر كما في المثالين فهو ـ أيضا ـ مورد الجمع ، إذ الأظهر يصلح عرفا قرينة للظاهر ، وإن صدق التعارض فتشملهما أدلّة الحجّيّة وقوله عليه‌السلام : ردّوا متشابهها إلى محكمها (١) وقوله : أنتم أفقه الناس ... إلى آخره (٢) وإن تساويا في الظهور فهذا محلّ كلام ، أي : يحتمل دخوله فيما لا يمكن الجمع ، فيرجع إلى الترجيح أو التخيير بمقتضى الأصل الثانوي ، ويحتمل دخوله فيما يمكن الجمع فيؤخذ بسندهما بمقتضى أدلّة الحجّيّة ، ويحصل الإجمال بتساقط أصالتي الحقيقة فيرجع إلى الأصل ، كما قال :

فيدور الأمر بين الترجيح من حيث السند ، بمعنى أخذ الراجح وطرح المرجوح ، وبين الحكم بصدورهما وإرادة خلاف الظاهر في أحدهما الموجب لإجمالهما والرجوع إلى الأصل.

قال التنكابني ما هذا لفظه : هذا الاستدراك هنا في غير محلّه ؛ لان تقدّم الجمع بحسب الدلالة على الرجوع إلى الترجيح والتخيير لا دخل له بالإشكال في الظاهرين المزبورين ، ولعلّه أراد الارتباط بما تقدّم من جهة قوله ؛ لأن الأصل لا يزاحم الدليل الذي ذكره في

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٩٠ / ٣٩. الوسائل ٢٧ : ١١٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٢.

(٢) معاني الأخبار : ١ / ١. الوسائل ٢٧ : ١١٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٢٧.

٢٩٣

فعلى ما ذكرنا ـ من أنّ دليل حجّيّة المعارض لا يجوز طرحه لأجل أصالة الظهور في

____________________________________

تعارض النصّ والظاهر ، وقد عرفت ما فيه وسيأتي أيضا.

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ المتباينين على قسمين :

أحدهما : ما يحتاج الجمع فيه إلى شاهدين ويتوقف على ارتكاب التأويلين.

وثانيهما : ما يتوقف الجمع فيه على ارتكاب تأويل في واحد منهما لا بعينه ، ويحتاج الجمع فيه إلى شاهد واحد. ومثل هذا القسم العامّان من وجه فإنّه أيضا ممّا يتوقف الجمع فيه على ارتكاب تأويل أحدهما لا بعينه ، وقد عرفت أنّ تقدّم الجمع على الطرح في القسم الأوّل لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه من الإجماع والنصّ ولزوم الهرج والمرج ، وأنّه لا بدّ من الحكم بشمول أخبار العلاج الدالّة على الترجيح والتخيير للقسم المزبور ، بل هو القدر المتيقّن منها. ثم ذكر في القسم الآخر من المتباينين والعامّين من وجه أنّ الحكم فيهما بتقدّم الجمع على الطرح الذي يؤول إلى الحكم بالإجماع لا يخلو عن الإشكال.

ثمّ ذكر إنّ الطرح والرجوع إلى المرجّحات من جهة أخبار العلاج هو الأقوى. ثمّ أورد على ذلك بأنّ اللّازم من ذلك هو الرجوع إلى التخيير عند فقد المرجّحات ، مع أنّ سيرة العلماء على الرجوع إلى الأصل فيهما عند فقدها ، وما ذكره هنا تكرار لما سلف منه ، مع أنّه غير متفرّع على ما سلف منه في هذا المقام كما أشرنا.

وبالجملة ، مراده بالظاهر من اللذين يمكن التصرّف في كلّ واحد منهما بما يرفع منافاته لظاهر الآخر ، هو القسم الآخر من المتباينين والعامّين من وجه. انتهى. إلى أن قال : قوله :

فعلى ما ذكرنا من أنّ دليل حجّيّة المعارض لا يجوز طرحه.

يشير إلى ما ذكره عن قريب ، من أنّ تقدّم النصّ الظنّي السند على الظاهر ، من جهة أنّ الأصل لا يعارض ، وقد ذكرنا عن قريب أنّ هذا المطلب لا أصل له إلّا بالتأويل في الأصل ، فكيف بالفرع.

فالاولى أن يقول على حذو ما سبق : إنّ الدليل المتقدّم على القول بتقدّم الجمع على الطرح الراجع إلى تقديم التعبّد بالصدور على التعبّد بالظهور غير جار هنا ، إذ يرجع إلى الحكم بالإجمال الذي لا فائدة فيه ، والرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما ، مع أنّ العمل بالأصل الموافق ليس عملا بأحد الخبرين حقيقة. انتهى.

٢٩٤

صاحبه ، بل الأمر بالعكس ، لأن الأصل لا يزاحم الدليل ـ يجب الحكم في المقام بالإجمال.

لتكافؤ أصالتي الحقيقة في كلّ منهما ، مع العلم إجمالا بإرادة خلاف الظاهر من أحدهما ، فيتساقط الظهوران من الطرفين ، فيصيران مجملين بالنسبة إلى مورد التعارض ، فهما كظاهري مقطوعي الصدور ، أو ككلام واحد تصادم فيه ظاهران.

____________________________________

فنرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

يجب الحكم في المقام بالإجمال.

بيان ذلك : إنّ حجّيّة ظاهر قوله : اغتسل للجمعة معلّق على عدم قرينة صارفة ، وقوله : ينبغي غسل الجمعة يصلح صارفا له ، وحينئذ فظاهر «اغتسل» لا يزاحم سند قوله : «ينبغي» ، بل الثاني يكون حاكما على الأوّل وبالعكس ، بمعنى أنّ حجّيّة ظاهر «ينبغي» معلّق على انتفاء القرينة ، وقوله : «اغتسل» يصلح صارفا له ، وحينئذ فظاهر «ينبغي» لا يزاحم سند «اغتسل» ، بل الثاني يكون حاكما على الأوّل ، فيلزم من ذلك وجوب الجمع بمعنى الأخذ بسندهما والحكم بإجمال دلالتهما.

وذلك لتكافؤ أصالتي الحقيقة في كلّ منهما ، مع العلم إجمالا بإرادة خلاف الظاهر من أحدهما ، فيتساقط الظهوران من الطرفين ، فيصيران مجملين بالنسبة إلى مورد التعارض ، وهو الوجوب والندب في مثال غسل الجمعة ، فيحكم بإجمالهما ويرجع إلى البراءة الموافقة لظاهر «ينبغي».

وأمّا مطلق الرجحان ، فليس بمورد التعارض ، وأيضا كلاهما دليل واحد على نفي الثالث ، كالحرمة والعالم الفاسق في مثال أكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، فيحكم بإجمالهما ولا يرجع إلى البراءة المخالفة لهما ، بل يرجع إلى التخيير العقلي ، وأمّا مادّتا الافتراق فليستا بمورد التعارض ، وأيضا كلاهما دليل واحد على نفي الثالث ، كالإباحة.

فهما ، أي : الظاهران المذكوران كظاهري مقطوعي الصدور ، كما إذا فرضنا القطع بصدور «اغتسل» وصدور «ينبغي» ، فإنّه يحكم بالإجمال ويرجع إلى البراءة المطابقة لأحدهما.

أو ككلام واحد تصادم فيه ظاهران ، كقوله : اغتسل للجمعة نظافة لبدنك ، فإنّ الأمر ظاهر في الوجوب ، والتعليل ظاهر في الندب فرضا ، ويفرض تساوي الظاهرين فإنّه يحكم

٢٩٥

ويشكل بصدق التعارض بينهما عرفا ودخولهما في الأخبار العلاجيّة ، إذ تخصيصها بخصوص المتعارضين اللذين لا يمكن الجمع بينهما إلّا بإخراج كليهما عن ظاهريهما خلاف الظاهر ، مع أنّه لا محصّل للحكم بصدور الخبرين والتعبّد بكليهما ، لأجل أن يكون كلّ منهما مسبّبا لإجمال الآخر ، فيتوقف في العمل بهما فيرجع إلى الأصل ، إذ لا تترتّب ـ حينئذ ـ ثمرة على الأمر بالعمل بهما.

____________________________________

بالإجمال ويرجع إلى البراءة.

ويشكل ما تقدّم من الحكم بتقدّم الجمع على الطرح والحكم بالإجمال ، والرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما دون الرجوع إلى المرجّحات بمقتضى أخبار العلاج بصدق التعارض بينهما ، إذ مقتضى صدق التعارض بينهما ودخولهما في الأخبار العلاجيّة هو الرجوع إلى المرجّحات التي تضمّنتها أخبار العلاج ، لا الجمع والحكم بالإجمال.

إذ تخصيصها ، أي : تخصيص أخبار العلاج بخصوص المتعارضين اللذين لا يمكن الجمع بينهما إلّا بإخراج كليهما عن ظاهريهما.

كما في قوله : ثمن العذرة سحت (١) وقوله : لا بأس ببيع العذرة (٢).

خلاف الظاهر ؛ لأن أخبار العلاج مطلقة يشمل إطلاقها ما يمكن الجمع بينهما من دون التصرّف فيهما معا.

مع أنّه لا محصّل ، أي : لا معنى للحكم بصدور الخبرين والتعبّد بكليهما ، لأجل أن يكون كلّ منهما مسبّبا لإجمال الآخر.

فإنّه لو لم يتعبّد بصدور «اغتسل» لم يجب التعبّد بدلالته حتى يعارض بدلالة «ينبغي» ويوجب إجمالها ، وبالعكس فالتعبّد بسند كلّ منهما يوجب إجمال دلالة الآخر.

وبالجملة ، لا معنى للتعبّد بهما ليلزم إجمالهما.

فيتوقف في العمل بهما فيرجع إلى الأصل ، إذ لا تترتّب ـ حينئذ ـ ثمرة على الأمر بالعمل

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٨٠. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨٢. الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٩. الاستبصار ٣ : ٥٦ / ١٨١ ، ١٨٣ ، الوسائل ١٧ : ١٧٥ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤٠ ، ح ٢ ، ٣.

٢٩٦

نعم ، كلاهما دليل واحد على نفي الثالث كما في المتباينين ـ وهذا هو المتعيّن ـ ولذا استقرّت طريقة العلماء على ملاحظة المرجّحات السنديّة في مثل ذلك ، إلّا أنّ اللازم من ذلك وجوب التخيير بينهما عند فقد المرجّحات ، كما هو ظاهر آخر عبارتي العدّة

____________________________________

بهما.

إذ العمل بالأصل المطابق لأحدهما ليس في الحقيقة عملا بأحدهما ، فيكون مآل التعبّد بالصدور إلى طرح التعبد بسندهما ودلالتهما معا ؛ لأن فائدة التعبّد بالصدور هو العمل بالظهور ، ومع عدم العمل به لا فائدة في الأخذ بالصدور ، فيكون وجوده كعدمه.

نعم ، كلاهما دليل واحد على نفي الثالث.

ولذا لا يرجع في مادّة الاجتماع في أكرم العلماء ولا تكرم الفساق إلى البراءة ؛ لمخالفتها لاحتمالي الوجوب والحرمة ، ويجب اختيار أحد الحكمين ، ولا يجوز الحكم بالكراهة ، مثلا في مثال غسل الجمعة ؛ لمخالفتها لاحتمالي الوجوب والاستحباب ، بل يحكم بالبراءة الموافقة لاحتمال الندب ، إلّا أنّ هذه الثمرة لا تكفي في الأمر بالتعبّد بهما ، فالرجوع إلى أخبار العلاج أحسن ، إذ حينئذ يعمل بأحدهما المعيّن أو المخيّر سندا ودلالة ، والأوّل في فرض الترجيح والثاني في فرض التكافؤ.

كما في المتباينين مثل قوله : ثمن العذرة سحت وقوله : لا بأس ببيع العذرة ، فإنّه لا معنى للتعبّد بصدورهما والحكم بإجمالهما ثمّ الرجوع إلى عموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) مثلا ، بل يرجع من الأوّل إلى أخبار العلاج.

وهذا ، أي : دخول تعارض الظاهرين المتوقف جمعهما على التصرّف في أحدهما في الأخبار العلاجيّة هو المتعيّن ، ولازم ذلك هو الرجوع إلى أخبار العلاج المتضمّنة للترجيح بالمرجّحات.

ولذا استقرّت طريقة العلماء على ملاحظة المرجّحات السنديّة ، بل إلى مطلق المرجّحات كمرجّحات جهة الصدور والمضمون.

ثمّ أشار إلى الإشكال على طريقة العلماء بقوله : إلّا أنّ اللّازم من ذلك ، أي : من

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

٢٩٧

والاستبصار المتقدمتين ، كما أنّ اللّازم على الأوّل التوقف من أوّل الأمر والرجوع إلى الأصل إن لم يكن مخالفا لهما ، وإلّا فالتخيير من جهة العقل بناء على القول به في دوران الأمر بين احتمالين مخالفين للأصل ، كالوجوب والحرمة.

وقد أشرنا سابقا إلى أنّه قد يفصّل في المسألة بين ما إذا كان لكلّ من المتعارضين مورد

____________________________________

دخول هذا القسم في الأخبار العلاجيّة وجوب التخيير بينهما عند فقد المرجّحات ، كما هو ، أي : التخيير صريح الأخبار وظاهر آخر عبارتي العدّة.

حيث قال : «كان الإنسان مخيّرا ... إلى آخره» والاستبصار ، حيث قال : «كان مخيّرا».

وحاصل الإشكال على ما في التنكابني وشرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ لازم دخول هذا القسم في الأخبار العلاجيّة هو الرجوع أوّلا إلى المرجّحات ، ومع فقدها إلى التخيير ، مع أنّ سيرة العلماء عدا الشيخ رحمه‌الله على الرجوع إلى الأصل عند فقد المرجّحات ، إلّا أن يقال بأنّه ليس مرادهم من الرجوع إلى الأصل كون الأصل مرجعا ، بل مرادهم أنّ الأصل مرجّح بعد فقد المرجّحات.

ولعلّ ذلك لأجل اعتبار الأصل عندهم من باب الظنّ ، وكيف كان ، فإذا انتفى هذا المرجّح ـ أيضا ـ يرجع إلى التخيير ، كما هو مقتضى الأخبار ، فلا يكون ما استقرّت عليه سيرة العلماء مخالفا للأخبار ، كي يرد عليه الاشكال.

كما أنّ اللّازم على الأوّل ، أي : دخول هذا القسم فيما يمكن فيه الجمع ، الحكم بالإجمال والتوقف من أوّل الأمر والرجوع إلى الأصل إن لم يكن مخالفا لهما ، كمثال غسل الجمعة ، حيث يكون أصل البراءة موافقا لقوله : ينبغي غسل الجمعة ولا يكون مخالفا لهما.

وإلّا فالتخيير بين الاحتمالين دون الخبرين من جهة العقل بناء على القول به ، أي : التخيير دون البراءة في دوران الأمر بين احتمالين مخالفين للأصل ، كالوجوب والحرمة ، كمثال أكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، فإنّ حكم مادّة الاجتماع دائر بين المحذورين ، فالبراءة مخالفة لهما ، فيرجع إلى التخيير بين الاحتمالين.

وقد أشرنا سابقا إلى أنّه قد يفصّل في المسألة ، أي : مسألة تعارض الظاهرين المتوقف جمعهما إلى التصرّف في أحدهما.

٢٩٨

سليم عن التعارض ، كما في العامّين من وجه ، حيث إنّ الرجوع إلى المرجّحات السنديّة فيها على الإطلاق يوجب طرح الخبر المرجوح في مادّة الافتراق ، ولا وجه له ، والاقتصار في الترجيح بها في خصوص مادّة الاجتماع التي هي محلّ المعارضة ، وطرح المرجوح بالنسبة إليها مع العمل به في مادّة الافتراق بعيد عن ظاهر الأخبار العلاجيّة.

وبين ما إذا لم يكن لهما مورد سليم ، مثل قوله : اغتسل للجمعة ، الظاهر في الوجوب ، وقوله : ينبغي غسل الجمعة ، الظاهر في الاستحباب ، فيطرح الخبر المرجوح رأسا ، لأجل بعض المرجّحات.

____________________________________

بين ما إذا كان لكلّ من المتعارضين مورد سليم عن التعارض ، كما في العامّين من وجه.

كأكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، فإنّ العالم العادل مورد للأوّل من دون معارض ، كما أنّ الفاسق الجاهل مورد للثاني كذلك ، ويتعارضان في العالم الفاسق.

غرضه أنّ اللّازم هنا الجمع بأن يتعبّد بصدورهما ويعمل بهما في مادّتي الافتراق ، ويحكم بإجمالهما في مادّة الاجتماع ، ويرجع إلى التخيير العقلي.

وذلك حيث إنّ الرجوع إلى المرجّحات السنديّة فيها على الإطلاق ، أي : بالنسبة إلى مادّتي الافتراق ومادّة الاجتماع يوجب طرح الخبر المرجوح في مادّة الافتراق ولا وجه له ، وذلك لعدم التعارض فيها.

والاقتصار في الترجيح بها ، أي : المرجّحات في خصوص مادّة الاجتماع التي هي محلّ المعارضة ، وطرح المرجوح بالنسبة إليها مادّة الاجتماع فقط.

مع العمل به ، أي : المرجوح في مادّة الافتراق بعيد عن ظاهر الأخبار العلاجيّة ؛ لان ظاهرها طرح المرجوح على الإطلاق ، لا الطرح في مادّة الاجتماع فقط.

وبعبارة اخرى : إنّ طرح المرجوح في مادّة الافتراق طرح بلا جهة ؛ لعدم المعارض وطرحه في مادّة الاجتماع فقط بعيد عن ظاهر الأخبار العلاجيّة ؛ لأن ظاهرها طرح المرجوح رأسا لا لتبعيض في التعبّد بمضمونه.

فثبت أنّ اللّازم هنا الجمع.

وبين ما إذا لم يكن لهما مورد سليم ، مثل قوله : اغتسل للجمعة ، الظاهر في الوجوب ، وقوله : ينبغي غسل الجمعة ، الظاهر في الاستحباب ، فيرجع في مثل ذلك إلى أخبار

٢٩٩

لكنّ الاستبعاد المذكور في الأخبار العلاجيّة إنّما هو من جهة أنّ بناء العرف في العمل بأخبارهم من حيث الظنّ بالصدور ، فلا يمكن التبعّض في صدور العامّين من وجه من حيث مادّتي الافتراق ومادّة الاجتماع.

كما أشرنا سابقا إلى أنّ الخبرين المتعارضين من هذا القبيل.

وأمّا إذا تعبّدنا الشارع بصدور الخبر الجامع للشرائط ، فلا مانع من تعبّده ببعض مضمون الخبر دون بعض.

____________________________________

العلاج.

فيطرح الخبر المرجوح رأسا ، أي : سندا ودلالة ، لأجل بعض المرجّحات.

لكنّ الحقّ الرجوع إلى أخبار العلاج في كلا الفرضين ؛ لأن الاستبعاد المذكور في الأخبار العلاجيّة إنّما هو من جهة أنّ بناء العرف في العمل بأخبارهم العرفيّة من حيث الظنّ بالصدور ، فلا يمكن التبعّض في صدور العامّين من وجه بالحكم بصدورهما بالنسبة إلى مادّتي الافتراق ، وعدم صدورهما بالنسبة إلى مادّة الاجتماع.

وبعبارة اخرى على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ مناط العمل بالخبر عند العرف هو الظنّ بصدق النسبة الخبريّة ، وبديهيّ أنّ النسبة أمر اعتباري بسيط لا يقبل التبعيض بالصدق والكذب ، ولذا ينساق إلى أذهانهم ـ من أخبار العلاج ـ طرح المرجوح رأسا.

كما أشرنا سابقا عند التكلّم حول قاعدة أولويّة الجمع والجمع بين البيّنات إلى أنّ الخبرين المتعارضين بالعموم من وجه من هذا القبيل ، أي : من قبيل التبعيض في الصدور.

قال التنكابني في ذيل قوله : كما أشرنا ... إلى آخره ما هذا لفظه : يعني : قد أشرنا إلى أنّ الخبرين المتعارضين مطلقا يكونان حجّتين من باب الطريقيّة ، وهو المراد بقوله : من هذا القبيل.

وما في بعض الحواشي من أنّ المراد بالخبرين المتعارضين هو العامّان من وجه ، وأنّ المراد بقوله : من هذا القبيل هو التفكيك بحسب السند خلاف ظاهر عبارة المصنف قدس‌سره. انتهى.

وأمّا إذا تعبّدنا الشارع بصدور الخبر الجامع للشرائط ، فلا مانع من تعبّده ببعض

٣٠٠