دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

وإن شئت قلت : إنّ حكم العامّ من قبيل لازم الوجود للشكّ السببي ، كما هو شأن الحكم الشرعي وموضوعه ، فلا يوجد في الخارج إلّا محكوما.

والمفروض أنّ الشكّ المسبّبي ـ أيضا ـ من لوازم وجود ذلك الشكّ ، فيكون حكم العامّ وهذا الشك لازمين لملزوم ثالث في مرتبة واحدة ، فلا يجوز أن يكون أحدهما موضوعا

____________________________________

المسبّبي للعموم المذكور يتوقّف على خروج الفرد الآخر وهو الشكّ السببي عن العموم ، لأنّ الشكّ السببي إذا دخل في العموم يرتفع الشكّ المسبّبي ولو حكما ، لأنّ مقتضى جريان الاستصحاب في الشكّ السببي ذلك ، على ما سبق تحقيقه ، والمفروض أنّه لا باعث على خروجه إلّا دخول الشكّ المسبّبي فيه ، فيكون خروج السببي متوقّفا على دخول المسبّبي ودخوله متوقّفا على خروج السببي وهو دور محال.

وهذا نظير ما سيأتي في باب التعادل والترجيح من أنّه إذا تعارض العامّ والمطلق ودار الأمر بين تقييد المطلق وتخصيص العامّ وجب الحكم بتقييد المطلق دون تخصيص العامّ ، لأنّ المطلق دليل تعليقي والعامّ دليل تنجيزي ، والعمل بالتعليقي موقوف على طرح التنجيزي لتوقّف موضوعه على عدمه ، فلو كان طرح التنجيزي متوقّفا على العمل بالتعليقي لزم الدور». انتهى مورد الحاجة.

وكيف كان ، فقد أشار إلى الوجه الثاني من وجهي دفع الإشكال بقوله :

وإن شئت قلت : إنّ حكم العامّ أعني : حرمة نقض اليقين بالشكّ من قبيل لازم الوجود للشكّ السببي كما أنّ الحرارة لازم الوجود للنار ، لأنّ فرديّة الشكّ السببي للعامّ لا تتوقف على شيء كما هو شأن الحكم الشرعي وموضوعه حيث يكون الحكم الشرعي لازما لوجود موضوعه فلا يوجد في الخارج إلّا محكوما فلا يوجد الشكّ السببي في الخارج إلّا حال كونه محكوما بحرمة النقض.

والمفروض أنّ الشكّ المسبّبي ـ أيضا ـ من لوازم وجود ذلك الشكّ السببي ، إذ ما لم يكن شكّ في طهارة الماء لم يكن شكّ في بقاء نجاسة الثوب فيكون حكم العامّ وهذا الشكّ لازمين لملزوم ثالث وهو الشكّ السببي ، إذ كما أنّ حرمة النقض لازم لوجود الشكّ السببي كذلك الشكّ المسبّبي لازم لوجوده ، فيكون كلا اللازمين في عرض واحد ورتبة واحدة ، كما أشار إليه بقوله : في مرتبة واحدة فلا يعقل تقدّم أحدهما على الآخر ، ولازم

٢١

للآخر ، لتقدّم الموضوع طبعا.

فالأولى أن يقال : إنّ ثبوت الحكم لكلّ يقين سابق ينحلّ إلى رفع اليد عن اليقين السابق بما يضادّ لوازمه ، لأنّ الشيء إذا توقّف منعه على عدم ثبوت المقتضى للمقتضي ـ بالكسر ـ لم يصلح أن يكون مانعا له للزوم الدور.

____________________________________

ذلك فلا يجوز أن يكون أحدهما ، أعني : الشكّ المسبّبي موضوعا للآخر ، أعني : حرمة النقض ، وذلك لتقدّم الموضوع طبعا.

ومن هنا ظهر عدم صحّة قياس ما نحن فيه بالظنّ المانع والممنوع المشمولين لدليل الانسداد ، لأنّ قياس ما نحن فيه بمسألة المانع والممنوع قياس مع الفارق ، فلا بدّ أوّلا : من بيان القياس ، وثانيا : من بيان الفرق.

وأمّا ملخّص القياس : فكما لا وجه لتقديم ملاحظة شمول دليل الانسداد للظنّ المانع كالشهرة ـ مثلا ـ على الظنّ الممنوع كالقياس ـ مثلا ـ حتى يوجب خروج القياس عن موضوع دليل الانسداد ، لأنّ موضوعه ما لم يقم دليل على عدم اعتباره من الظنّ ، والظنّ الممنوع الحاصل من القياس ممّا قام الدليل على عدم اعتباره وهو الشهرة ، بل يقال : إنّ دليل الانسداد يشملهما في عرض واحد فيؤخذ بما هو الأقوى لا بالظنّ المانع فقط ، كذلك في المقام لا وجه لتقديم ملاحظة شمول العامّ ـ أعني : لا تنقض اليقين بالشكّ ـ للشكّ السببي على المسبّبي حتى يوجب خروج الشكّ المسبّبي عن العامّ ، بل العامّ يشملهما في عرض واحد فيتعارض الأصلان ويتساقطان إن لم يكن لأحدهما ترجيح على الآخر.

وأمّا بيان الفرق فهو : إنّ موضوع دليل الانسداد هو الظنّ الذي لم يقم على عدم اعتباره دليل ، ومعلوم أنّ كلّا من المانع والممنوع ممّا لم يقم على عدم اعتباره دليل مع قطع النظر عن دليل الانسداد ، فيشملهما دليل الانسداد في عرض واحد ، إذ ليس الش كّ في حجيّة أحدهما مسبّبا عن الآخر ، بل الشكّ في كلّ منهما مسبّب عن الشكّ في قيام الدليل على الحجيّة ، ويكون شمول دليل الانسداد لكلّ منهما مانعا عن شموله للآخر ، غاية الأمر أنّ المانعيّة من أحد الطرفين تكون بالدلالة المطابقيّة ، ومن الطرف الآخر تكون بالدلالة الالتزاميّة على ما في شرح الاعتمادي.

وهذا بخلاف الشكّ في باب الأصل السببي والمسبّبي فإنّ الشكّ في بقاء نجاسة

٢٢

الثالث : إنّه لو لم يبن على تقديم الاستصحاب في الشكّ السببي كان الاستصحاب قليل الفائدة جدّا.

لأنّ المقصود من الاستصحاب غالبا ترتيب الآثار الثابتة للمستصحب. وتلك الآثار إن

____________________________________

الثوب مسبّب عن الشكّ في طهارة الماء وهو يوجب التفاوت في شمول لا تنقض ، حيث إنّ شموله للشكّ السببي يوجب المنع عن شموله للآخر من باب الحكومة ، وعكسه تخصيص بلا دليل ، مضافا إلى أنّه إذا دار الأمر بين التخصيص والتخصّص تكون أصالة عموم اللفظ نحو لا تنقض اليقين ... إلى آخره قاضيا بالثاني ، وليس في دليل الانسداد عموم لفظي يقضي ذلك.

الثالث : إنّه لو لم يبن على تقديم الاستصحاب في الشكّ السببي كان الاستصحاب قليل الفائدة جدّا.

وتوضيح هذا الوجه الثالث لتقديم الأصل السببي على المسبّبي يحتاج إلى مقدمة ، وهي :

إنّ الاستصحاب إنّما يجري ويعتبر فيما إذا كان المستصحب حكما شرعيّا أو موضوعا يترتّب عليه الحكم الشرعي ، ثمّ القسم الأوّل قليل جدّا ، والقسم الثاني على قسمين :

أحدهما : إنّ ما يترتّب على المستصحب من الأثر الشرعي يكون ثابتا في السابق ، كوجوب نفقة الزوجة المترتّب على استصحاب بقاء حياة الزوج.

وثانيهما : إنّ ما يترتّب على المستصحب لم يكن ثابتا في السابق ، بل كان معدوما في السابق كطهارة الثوب النجس المترتّبة على استصحاب طهارة الماء وتوريث الابن المترتّب على استصحاب بقاء حياة الأب.

إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول : إنّ كون المستصحب حكما شرعيّا كاستصحاب وجوب الصوم عند الشكّ في مسوّغ الإفطار قليل جدّا ، واستصحاب نفس الحكم فيما إذا كان الحكم الشرعي المترتّب على استصحاب الموضوع ثابتا في السابق يغنينا عن استصحاب الموضوع ، فاستصحاب وجوب نفقة الزوجة يكفي عن استصحاب بقاء حياة الزوج ، فيبقى ما إذا لم يكن الأثر الشرعي موجودا في السابق فيما إذا كان المستصحب موضوعا ، كما أشار إليه بقوله :

٢٣

كانت موجودة سابقا أغنى استصحابها عن استصحاب ملزومها ، فتنحصر الفائدة في الآثار التي كانت معدومة.

فإذا فرض معارضة الاستصحاب في الملزوم باستصحاب عدم تلك اللوازم والمعاملة معها على ما يأتي في الاستصحابين المتعارضين لغي الاستصحاب في الملزوم ، وانحصرت الفائدة في استصحاب الأحكام التكليفيّة التي يراد بالاستصحاب إبقاء أنفسها في الزمان اللاحق.

ويرد عليه : منع عدم الحاجة إلى الاستصحاب في الآثار السابقة ، بناء على أنّ إجراء الاستصحاب في نفس تلك الآثار موقوف على إحراز الموضوع لها ، وهو مشكوك فيه.

____________________________________

فتنحصر الفائدة في الآثار التي كانت معدومة كاستصحاب طهارة الماء لإثبات طهارة الثوب واستصحاب بقاء حياة الأب لإثبات توريث الابن.

فإذا فرض معارضة الاستصحاب في الملزوم أي : طهارة الماء في المثال الأوّل ، وحياة الأب في المثال الثاني باستصحاب عدم تلك اللوازم أي : عدم طهارة الثوب وبقاء نجاسته في المثال الأوّل ، وعدم توريث الابن في المثال الثاني والمعاملة معها أي : المعارضة على ما يأتي في الاستصحابين المتعارضين من التساقط لغي الاستصحاب في الملزوم بالمرّة وانحصرت الفائدة في استصحاب الأحكام التكليفيّة التي يراد بالاستصحاب إبقاء أنفسها في الزمان اللاحق مثل وجوب الصوم عند الشكّ في مسوغ الإفطار ، ووجوب الإتمام عند الشكّ في مسوّغ القصر ، فيلزم ما ذكر من كون الاستصحاب قليل الفائدة ، وذلك لانحصار الفائدة ـ حينئذ ـ فيما إذا كان المستصحب من الأحكام وهو قليل جدّا ، لأنّ الغالب هو كون المستصحب من الموضوعات لا من الأحكام.

هذا بخلاف ما إذا قلنا بتقديم الأصل السببي على المسبّبي ، حيث يكون الاستصحاب كثير الفائدة ، إذ فائدته ـ حينئذ ـ لم تنحصر في استصحاب الأحكام كما لا يخفى ، فلا بدّ من تقديم الأصل السببي على المسبّبي لئلّا يلزم ما ذكر من كون الاستصحاب قليل الفائدة ، إذ على تقدير عدم تقديمه وتعارضه مع الأصل المسبّبي ينحصر الاستصحاب في الاستصحاب الحكمي ولا يجري الاستصحاب الموضوعي أصلا.

ويرد عليه : منع عدم الحاجة إلى الاستصحاب أي : استصحاب الموضوع ، بل لا بدّ

٢٤

فلا بدّ من استصحاب الموضوع ؛ إمّا ليترتّب عليه تلك الآثار فلا يحتاج إلى استصحاب أنفسها المتوقّفة على بقاء الموضوع يقينا ، كما حقّقنا سابقا في مسألة اشتراط بقاء الموضوع ، وإمّا لتحصيل شرط الاستصحاب في نفس تلك الآثار كما توهّمه بعض في ما قدّمناه سابقا ، من أنّ بعضهم تخيّل أنّ موضوع المستصحب يحرز بالاستصحاب فيستصحب. والحاصل : إنّ الاستصحاب في الملزومات محتاج إليه على كلّ تقدير.

الرابع : إنّ المستفاد من الأخبار عدم الاعتبار باليقين السابق في مورد الشكّ المسبّبي.

____________________________________

من استصحاب الموضوع بناء على أنّ إجراء الاستصحاب في نفس تلك الآثار موقوف على احراز الموضوع لها ، وهو مشكوك فيه.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي هو : إنّ ما ذكره المستدلّ بالوجه الثالث ـ من أنّه إذا كان الأثر ثابتا سابقا كوجوب النفقة يغني استصحابه عن استصحاب موضوعه ، أعني : حياة الزوج ـ ممنوع ، لأنّ وجوب النفقة موضوعه هو حياة الزوج لا يعقل إثباته إلّا بعد إحراز الموضوع بالاستصحاب فلا بدّ من استصحاب الموضوع فيترتّب عليه الحكم من دون حاجة إلى الاستصحاب ، كما هو المشهور ، كما أشار إليه بقوله :

إمّا ليترتّب عليه ، أي : على استصحاب الموضوع تلك الآثار فلا يحتاج إلى استصحاب أنفسها المتوقّفة على بقاء الموضوع يقينا ... إلى آخره.

أو يستصحب الموضوع لتحصيل شرط الاستصحاب ، لأنّ استصحاب الحكم مشروط بإحراز الموضوع ولو بالأصل كما أشار إليه بقوله :

وإمّا لتحصيل شرط الاستصحاب في نفس تلك الآثار بأن يكون إحراز حياة الزوج بالاستصحاب شرطا لاستصحاب وجوب النفقة كما توهّمه بعض حيث تخيّل أنّ موضوع المستصحب فيما إذا كان حكما يحرز بالاستصحاب فيستصحب. والحاصل إنّ ما ذكره المستدلّ ـ من أنّه لو لم يقدّم الأصل السببي لم يبق مورد لاستصحاب الموضوع ، إذ مع ثبوت الأثر في السابق يستصحب نفس الأثر كوجوب النفقة دون الموضوع كالحياة ـ فاسد جدّا ، إذ علمت إنّ الاستصحاب في الملزومات كحياة الزوج مثلا محتاج إليه على كلّ تقدير أي : سواء قلنا بأنّ استصحابه يغني عن استصحاب الأثر ، أو قلنا بأنّ الأثر ـ أيضا ـ يستصحب.

٢٥

بيان ذلك : إنّ الإمام عليه‌السلام علّل وجوب البناء على الوضوء السابق ـ في صحيحة زرارة (١) ـ بمجرّد كونه متيقّنا سابقا غير متيقّن الارتفاع في اللاحق.

وبعبارة اخرى : علّل بقاء الطهارة المستلزم لجواز الدخول في الصلاة بمجرّد الاستصحاب.

ومن المعلوم أنّ مقتضى استصحاب الاشتغال بالصلاة عدم براءة الذمّة بهذه الصلاة. حتى إنّ بعضهم جعل استصحاب الطهارة وهذا الاستصحاب من الاستصحابين المتعارضين ، فلو لا عدم جريان هذا الاستصحاب وانحصار الاستصحاب في المقام

____________________________________

الرابع : إنّ المستفاد من الأخبار عدم الاعتبار باليقين السابق في مورد الشكّ المسبّبي.

بيان ذلك : إنّ الإمام عليه‌السلام علّل وجوب البناء على الوضوء السابق ـ في صحيحة زرارة ـ بمجرّد كونه متيقّنا سابقا غير متيقّن الارتفاع في اللاحق.

وتوضيح ما هو المقصود في المقام هو أنّ الإمام عليه‌السلام قد قدّم الاستصحاب السببي على المسبّبي في هذه الصحيحة ، حيث حكم في جواب السؤال عن الخفقة والخفقتين ببقاء الوضوء ، حيث قال : لا حتى يتيقّن أنّه قد نام ، أي : لا يجب الوضوء حتى يحصل اليقين بالنوم ، ثمّ علّل بقوله : فإنّه على يقين من وضوئه فإنّ استصحاب الطهارة سببي بالنسبة إلى استصحاب الاشتغال ، لأنّ الشكّ في الثاني مسبّب عن الشكّ في الأوّل.

وبعبارة اخرى : علّل بقاء الطهارة المستلزم لجواز الدخول في الصلاة بمجرّد الاستصحاب لا بأمر آخر ومن المعلوم أنّ الاستصحاب يتصوّر في جانب المسبّب أيضا ، بمعنى أنّ مقتضى استصحاب الاشتغال بالصلاة عدم براءة الذمّة بهذه الصلاة التي وقعت بالوضوء المشكوك البقاء.

وبالجملة ، إنّ تقديم الإمام عليه‌السلام الاستصحاب السببي على المسبّبي دليل على تقديمه عليه في جميع الموارد ، وعموم التعليل يوجب زوال توهّم خصوصيّة المورد ، والشاهد على وجود الأصلين في المقام هو ما أشار إليه بقوله :

حتى إنّ بعضهم جعل استصحاب الطهارة وهذا الاستصحاب من الاستصحابين

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ / ١١. الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.

٢٦

باستصحاب الطهارة لم يصحّ تعليل المضيّ على الطهارة بنفس الاستصحاب ، لأنّ تعليل تقديم أحد الشيئين على الآخر بأمر مشترك بينهما قبيح ، بل أقبح من الترجيح بلا مرجّح.

وبالجملة ، فأرى المسألة غير محتاجة إلى إتعاب النظر ، ولذا لا يتأمّل العامّي بعد إفتائه باستصحاب الطهارة في الماء المشكوك في رفع الحدث والخبث به ، وبيعه وشرائه وترتيب الآثار المسبوقة بالعدم عليه.

هذا كلّه إذا عملنا بالاستصحاب من باب الأخبار. وأمّا لو عملنا به من باب الظنّ ، فلا ينبغي الارتياب في ما ذكرنا ، لأنّ الظنّ بعدم اللازم مع فرض الظنّ بالملزوم محال عقلا ، فإذا

____________________________________

المتعارضين ، فلو لا عدم جريان هذا الاستصحاب المسبّبي وانحصار الاستصحاب في المقام بالاستصحاب السببي ، أي : باستصحاب الطهارة لم يصحّ تعليل المضيّ على الطهارة بنفس الاستصحاب ، لأنّ تعليل تقديم أحد الشيئين على الآخر بأمر مشترك بينهما قبيح.

والتعليل بالأمر المشترك إنّما يلزم فيما إذا كان كلّ واحد من الاستصحاب السببي والمسبّبي معتبرا ، إذ يكون ـ حينئذ ـ تقديم جانب السبب بعلّة الاستصحاب مع وجود هذه العلّة في جانب المسبّب أيضا قبيحا.

بل أقبح من الترجيح بلا مرجّح.

وجه الأقبحيّة أنّ الترجيح في موارد الترجيح بلا مرجّح يكون لعدم المقتضي للترجيح ، وليس هناك ما يقتضي عدم الترجيح ، والترجيح في المقام يكون مع ما يقتضي عدم الترجيح ، أعني : العلّة المشتركة. إلّا أن يقال : إنّ الترجيح بلا مرجّح إنّما هو في المتساويين من جميع الجهات ولو في العلّة ، فيكون المقام من الترجيح بلا مرجّح فقط.

وكيف كان ، فالمسألة واضحة ولذا لا يتأمّل العامّي كما عرفت تمسّك صاحب الضوابط لتقديم الاستصحاب في الشكّ السببي باستمرار طريقة أهل العقول على ذلك.

هذا كلّه إذا عملنا بالاستصحاب الطهارة من باب الأخبار. وأمّا لو عملنا به من باب الظنّ ، فلا ينبغي الارتياب في ما ذكرنا من تقديم الأصل السببي على المسبّبي ، لأنّ الاستصحاب في جانب الملزوم مفيد للظنّ بلا إشكال ، وإذا حصل الظنّ ببقاء الملزوم ـ كطهارة الماء مثلا ـ لا بدّ أن يحصل الظنّ بوجود اللازم ، كزوال نجاسة الثوب فلا يعقل حصول الظنّ بعدم اللازم أيضا ، أعني : بقاء نجاسة الثوب كما أشار إليه بقوله : الظنّ بعدم

٢٧

فرض حصول الظنّ بطهارة الماء عند الشكّ فيلزمه عقلا الظنّ بزوال النجاسة عن الثوب.

والشكّ في طهارة الماء ونجاسة الثوب وإن كانا في زمان واحد ، إلّا إنّ الأوّل لمّا كان سببا للثاني كان حال الذهن في الثاني تابعا لحاله بالنسبة إلى الأوّل ، فلا بدّ من حصول الظنّ بعدم النجاسة في المثال ، فاختصّ الاستصحاب المفيد للظنّ بما كان الشكّ فيه غير تابع لشكّ آخر يوجب الظنّ ، فافهم فإنّه لا يخلو عن دقّة.

____________________________________

اللازم ، أي : الظنّ بنجاسة الثوب مع فرض الظنّ بالملزوم ، أي : الظنّ بطهارة الماء محال عقلا.

إن قلت : يمكن فرض عكس ذلك ، فيقال بأنّ الظنّ بالملزوم مع فرض الظنّ بعدم اللازم محال عقلا.

قلت : إنّ الأمر وإن كان كذلك إلّا إنّ هذا مجرّد فرض ، لأنّ اللازم تابع للملزوم ، فلا يحصل الظنّ الاستصحابي بعدمه بعد حصوله بالملزوم ، وذلك فإنّ حصول الظنّ في الأصل السببي نظرا إلى السببية يكون أوّلا ، فلا يحصل الظنّ بعدم اللازم كما مرّ ، بل يحصل الظنّ باللازم كما أشار إليه بقوله :

فإذا فرض حصول الظنّ بطهارة الماء عند الشكّ فيلزمه عقلا الظنّ بزوال النجاسة عن الثوب فلا يحصل الظنّ بعدم اللازم ، أي : بقاء النجاسة في الثوب.

قوله : والشكّ في طهارة الماء ونجاسة الثوب ... إلى آخره.

دفع لما يقال من أنّه إذا كانت طهارة الماء ونجاسة الثوب متّحدين من حيث زمان الشكّ في البقاء فلا وجه لملاحظة الحالة السابقة في الطهارة أوّلا حتى يحصل الظنّ ببقائها المستلزم للظنّ بزوال النجاسة ، كما لا وجه لعكسه أيضا ، بل لا بدّ أن يلاحظ في عرض واحد فيحصل التعارض بينهما ، فيرجع إلى ما يجري في باب التعارض من التساقط أو الترجيح.

وحاصل الدفع هو أنّ الشكّ في طهارة الماء ونجاسة الثوب وإن كانا في زمان واحد ، إلّا أنّ الأوّل لما كان سببا للثاني كان حال الذهن في الثاني شكّا وظنّا وقطعا تابعا لحاله بالنسبة إلى الأوّل ، فلا بدّ من حصول الظنّ بعدم النجاسة في المثال ، فاختصّ الاستصحاب المفيد للظنّ شخصا ونوعا ، كما في شرح الاعتمادي بما كان الشكّ فيه غير تابع لشكّ آخر

٢٨

ويشهد لما ذكرنا أنّ العقلاء البانين على الاستصحاب في امور معاشهم ـ بل معادهم ـ لا يلتفتون في تلك المقامات إلى هذا الاستصحاب أبدا ، ولو نبّههم أحد لم يعتنوا ، فيعزلون حصّة الغائب من الميراث ويصحّحون معاملة وكلائه ، ويؤدّون عنه فطرته إذا كان عيالهم ، إلى غير ذلك من موارد ترتيب الآثار الحادثة على المستصحب.

ثمّ إنّه يظهر الخلاف في المسألة من جماعة ، منهم الشيخ ، والمحقّق ، والعلّامة في بعض أقواله ، وجماعة من متأخّري المتأخّرين ، فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم وجوب

____________________________________

يوجب الظنّ وذلك كطهارة الماء ، حيث لا يكون الشكّ فيها تابعا لشك آخر يوجب الظنّ بالبقاء.

هذا بخلاف الشكّ في بقاء نجاسة الثوب ، حيث يكون تابعا لشكّ آخر يوجب الظنّ بالبقاء ، أعني : الشكّ في طهارة الماء.

فافهم فإنّه لا يخلو عن دقّة.

إذ لا يفرق في عدم حصول الظنّ بعدم اللازم بعد حصوله بالملزوم بين الظنّ الشخصي والنوعي ، ومع ذلك توقّف المحقّق والعلّامة وغيرهما ممّن قال باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ في تقديم الاستصحاب السببي على المسبّبي ، ولعلّ ذلك لتوهّم حصول الظنّ النوعي بعدم اللازم على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ النوعي. وكيف كان فالأمر يحتاج إلى الدقّة والتأمّل.

ويشهد لما ذكرنا من اختصاص الاستصحاب المعتبر بمناط الظنّ بما كان الشكّ فيه غير تابع لشكّ آخر أنّ العقلاء البانين على الاستصحاب من باب الظنّ في امور معاشهم ـ بل معادهم ـ لا يلتفتون في تلك المقامات أي : موارد الشكّ السببي والمسبّبي إلى هذا الاستصحاب أي : الاستصحاب المسبّبي أبدا ، ولو نبّههم أحد لم يعتنوا ، فيعزلون حصّة الغائب من الميراث ويصحّحون معاملة وكلائه ، ويؤدّون عنه فطرته إذا كان عيالهم ، إلى غير ذلك من موارد ترتيب الآثار الحادثة أي : كما يرتّبون الآثار السابقة كوجوب نفقة الزوجة كذلك يرتّبون الآثار الحادثة ، كما في الأمثلة المتقدّمة ، فلا يحكمون بأصالة عدم الإرث وعدم صحّة المعاملات وعدم وجوب الفطرة.

ثمّ إنّه يظهر الخلاف في المسألة من جماعة أي : يظهر منهم عدم تقديم الأصل السببي

٢٩

فطرة العبد إذا لم يعلم خبره ، واستحسنه المحقّق في المعتبر مجيبا عن الاستدلال للوجوب بأصالة البقاء بأنّها معارضة بأصالة عدم الوجوب ، وعن تنظير وجوب الفطرة عنه بجواز عتقه في الكفّارة ، بالمنع عن الأصل تارة والفرق بينهما اخرى.

____________________________________

على المسبّبي منهم الشيخ ، والمحقّق ، والعلّامة ... إلى آخره حيث قال الشيخ قدس‌سره في المبسوط بعدم وجوب فطرة العبد إذا لم يعلم أنّه حيّ أو ميّت واستحسنه المحقّق في المعتبر مجيبا عن الاستدلال للوجوب بأصالة البقاء بأنّها معارضة بأصالة عدم الوجوب.

حاصل الكلام في هذا المقام كما في شرح الاعتمادي : إنّ القائلين بوجوب الفطرة استدلّوا عليه باستصحاب حياة العبد الموجبة للفطرة ، فأجاب عنه المحقّق بأنّ استصحاب الحياة معارض بأصالة عدم وجوب الفطرة فيتساقطان ، فيحكم بعدم وجوب الفطرة بدليل أنّ الزكاة انتزاع مال على المكلّف يتوقّف على العلم بسبب الانتزاع ولم يعلم.

وعن تنظير وجوب الفطرة عنه بجواز عتقه في الكفّارة ، بالمنع عن الأصل تارة والفرق بينهما اخرى.

وحاصل الكلام أنّ القائلين بوجوب الفطرة استدلّوا عليه بعد استصحاب الحياة بأنّ العبد المشكوك البقاء يجوز عتقه عن الكفّارة بالإجماع ، فتجب فطرته أيضا ، وأجاب عنه المحقّق :

أوّلا : بأنّ جواز العتق ـ أيضا ـ لم يثبت ، فإنّ الإجماع لا يتحقّق من رواية واحدة وفتوى اثنين أو ثلاثة.

وثانيا : بالفرق بين العتق والفطرة ، فإنّ العتق إسقاط ما في الذمّة من حقّ الله تعالى ، المبني على التخفيف فيكفي عتق العبد المشكوك الحياة ، والفطرة انتزاع مال على مكلّف فلا يجب ما لم يثبت سبب النزع ، أعني : حياة العبد ، كما في شرح الاعتمادي ، والفرق بينهما باعتبار آخر وهو أنّ مناط العتق هو الملكيّة ، لما ورد من أنّه لا عتق إلّا في ملك (١) والآبق والغائب لا يخرجان عن ملك المولى ، ومناط وجوب الفطرة هو إمّا العيلولة أو

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٢ : ٢٩٩ / ٤. الوسائل ٢٣ : ١٥ ، كتاب العتق ، ب ٥ ، ح ٢.

٣٠

وقد صرّح في اصول المعتبر بأنّ استصحاب الطهارة عند الشكّ في الحدث معارض باستصحاب عدم براءة الذمّة بالصلاة بالطهارة المستصحبة.

وقد عرفت أنّ المنصوص في صحيحة زرارة (١) العمل باستصحاب الطهارة ، على وجه يظهر منه خلوّه عن المعارض وعدم جريان استصحاب الاشتغال.

وحكي عن العلّامة في بعض كتبه الحكم بطهارة الماء القليل الواقع فيه صيد مرميّ لم يعلم استناد موته إلى الرمي.

____________________________________

وجوب الإنفاق ، وهما منتفيان بالنسبة إليه غالبا على ما في التعليقة.

وقد صرّح في اصول المعتبر بأنّ استصحاب الطهارة عند الشكّ في الحدث معارض باستصحاب عدم براءة الذمّة بالصلاة بالطهارة المستصحبة.

مع أنّ استصحاب الطهارة أصل سببي واستصحاب عدم البراءة أصل مسبّبي قد صرّح المحقّق في المعتبر بتعارضهما وتساقطهما والرجوع إلى قاعدة الاشتغال ، وقد أشار إلى ردّ ما ذكره المحقّق في المعتبر بقوله :

وقد عرفت أنّ المنصوص في صحيحة زرارة الواردة في الخفقة والخفقتين العمل باستصحاب الطهارة ، على وجه يظهر منه خلوّه عن المعارض وعدم جريان استصحاب الاشتغال.

حيث إنّ الإمام عليه‌السلام قد حكم ببقاء الطهارة بمجرّد كونها متيقّنة الثبوت سابقا ، والحال أنّ هذه العلّة موجودة في جانب الاشتغال بالصلاة أيضا ، فتخصيص الإمام عليه‌السلام العلّة المشتركة بجانب الشكّ السببي دليل على عدم اعتبار الأصل المسبّبي ، فلا معارض ـ حينئذ ـ لاستصحاب الطهارة الذي يكون أصلا سببيّا.

وحكي عن العلّامة في بعض كتبه الحكم بطهارة الماء القليل الواقع فيه صيد مرميّ لم يعلم استناد موته إلى الرمي.

حاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي هو أنّه إذا رمى صيدا ثمّ وجده قد مات ووقع رجله مثلا في ماء قليل ، فشك في أنّ موته مستند إلى الرمي ليكون مذكّى ، أو إلى

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ / ١. الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.

٣١

لكنّه اختار في غير واحد من كتبه الحكم بنجاسة الماء ، وتبعه عليه الشهيدان وغيرهما وهو المختار ، بناء على ما عرفت تحقيقه ، وأنّه إذا ثبت بأصالة عدم التذكية موت الصيد جرت عليه جميع أحكام الميتة التي منها انفعال الماء الملاقي له.

نعم ، ربّما قيل : إنّ تحريم الصيد إن كان لعدم العلم بالتذكية فلا يوجب تنجيس الملاقي ،

____________________________________

أمر آخر ليكون ميتة ، حكم العلّامة رحمه‌الله بطهارة الماء ، مع أنّ مقتضى الأصل السببي ـ أعني : استصحاب عدم التذكية ـ نجاسته الموجبة لتنجّس الماء ، فالعلّامة لم يقدم الأصل السببي على المسبّبي قطعا وإلّا لحكم بنجاسة الماء ، فحكمه بطهارة الماء ؛ إمّا من جهة قاعدة الطهارة بعد الحكم بتعارض الأصل السببي والمسبّبي وتساقطهما ، وإمّا من جهة الجمع بينهما ، والشاهد على ذلك على ما في التنكابني :

قد حكى في مفتاح الكرامة عنه في التحرير أنّه بعد اختياره التنجيس قوّى العمل بالأصلين ، ولازم ذلك هو طهارة الماء وحرمة الصيد واحتمله في القواعد ، ثمّ قال : والوجه المنع ، واختار العمل بالأصلين جامع المقاصد والذخيرة وغيرهما وإليه ذهب السيد صدر الدين في شرح الوافية على ما حكي ، واختاره المحقّق القمّي في القوانين ، وفي مفتاح الكرامة : إنّ العلّامة في المنتهى نقل عن الشيخ إنّه اختار العمل بالأصلين في بعض كتبه ، ثمّ قال : وليس بجيّد.

وكيف كان ، فالعمل بالأصلين ثابت ولو عن بعض.

لكنّه اختار في غير واحد من كتبه الحكم بنجاسة الماء تقديما للأصل السببي على المسبّبي وتبعه عليه الشهيدان وغيرهما وهو المختار ، بناء على ما عرفت تحقيقه من تقدم الاستصحاب في الشكّ السببي على الاستصحاب في الشكّ المسبّبي وأنّه إذا ثبت بأصالة عدم التذكية موت الصيد أي : من دون تذكية جرت عليه جميع أحكام الميتة التي منها انفعال الماء الملاقي له.

هذا الكلام من المصنف قدس‌سره ظاهر في أنّ الحكم بالحرمة والنجاسة مترتّب على الميتة ، أي : الموت حتف الأنف لا على عدم التذكية ، وأنّ أصالة عدم التذكية تثبت الموت حتف الأنف ، وهذا الكلام إنّما يتمّ بناء على كون اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ، كما هو مذهب العلّامة والشهيدين قدس‌سره فيكون الكلام المذكور مبنيّا على مذهبهم لا على مذهبه.

٣٢

وإن كان للحكم عليه شرعا بعدمها اتّجه الحكم بالتنجيس. ومرجع الأوّل إلى كون حرمة الصيد مع الشكّ في التذكية للتعبّد من جهة الأخبار المعلّلة لحرمة أكل الميتة بعدم العلم بتذكيته. وهو حسن لو لم يترتّب عليه من أحكام الميتة إلّا حرمة الأكل ، ولا أظنّ أحدا يلتزمه. مع أنّ المستفاد من حرمة الأكل كونها ميتة لا التحريم تعبّدا وإن استفيد بعض ما

____________________________________

نعم ، ربّما قيل : إنّ تحريم الصيد إن كان لعدم العلم بالتذكية لأجل الأخبار الخاصّة الدالّة على حرمة غير معلوم التذكية ، فيكون الحكم بالتحريم حكما تعبّديا فلا يوجب تنجيس الملاقي ، وإن كان للحكم عليه شرعا بعدمها أي : إن كان تحريم الصيد باستصحاب عدم التذكية اتّجه الحكم بالتنجيس. ومرجع الأوّل إلى كون حرمة الصيد مع الشكّ في التذكية للتعبّد من جهة الأخبار المعلّلة لحرمة أكل الميتة بعدم العلم بتذكيته.

وحاصل الكلام في المقام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ بعضهم لم يحكم بحرمة مشكوك التذكية باستصحاب عدم التذكية ؛ إمّا لعدم اعتبار الاستصحاب عنده حتى في العدميّات ، وإمّا لزعم تعارض استصحاب عدم التذكية باستصحاب عدم الموت حتف الأنف وتساقطهما ، وإنّما حكم بحرمته تعبّدا للأخبار الخاصّة الدالّة بحرمة الصيد المرمي أو المرسل إليه الكلب إذا لم يعلم استناد موته إلى الرمي أو الإرسال معلّلا بعدم العلم بتذكيته.

وبالجملة ، إنّ البعض جعل أصالة الحرمة في اللحوم أصلا برأسه غير أصالة عدم التذكية.

وغرض المصنف قدس‌سره هو أنّ من قال بالحرمة تعبّدا للأخبار الخاصّة لا يحكم بنجاسته ، لأنّ الحرمة لا تلازم النجاسة إذ ربّ شيء يكون حراما ولا يكون نجسا فلا يتنجّس الملاقي أصلا.

وأمّا من قال بحرمته لكونه ميتة بالاستصحاب ، فلا بدّ له من القول بنجاسته ـ أيضا ـ فيتنجّس ملاقيه أيضا ، وهو حسن أي : الأوّل حسن لو لم يترتّب عليه من أحكام الميتة إلّا حرمة الأكل ، ولا أظنّ أحدا يلتزمه أي : تحريم الأكل فقط من دون النجاسة وملخّص الكلام أنّ القول بالحرمة تعبّدا دون النجاسة لم يلتزمه أحد ، كي يقال بعدم تنجّس الملاقي ، لأنّ الظاهر أنّ القائل بالحرمة ولو تعبّدا قال بالنجاسة أيضا ، فيتنجّس ملاقيه

٣٣

يعتبر في التذكية من النهي عن الأكل بدونه.

ثمّ إنّ بعض من يرى التعارض بين الاستصحابين في المقام صرّح بالجمع بينهما ، فحكم في مسألة الصيد بكونه ميتة والماء طاهرا.

ويرد عليه : إنّه لا وجه للجمع في مثل هذين الاستصحابين ، فإنّ الحكم بطهارة الماء إن كان بمعنى ترتّب آثار الطهارة من رفع الحدث والخبث به ، فلا ريب أنّ نسبة استصحاب بقاء

____________________________________

أيضا.

مع أنّ المستفاد من حرمة الأكل كونها ميتة لا التحريم تعبّدا أي : الظاهر من الأخبار هو الحكم بالحرمة من جهة الحكم بكونها ميتة فهي إرشاد إلى مفاد الاستصحاب ، لا الحكم بالحرمة تعبّدا بأن تكون أصالة حرمة اللحوم أصلا برأسه في مقابل استصحاب عدم التذكية. وإن ، أي : لاستفادة هذا المعنى من حرمة الأكل استفيد بعض ما يعتبر في التذكية من النهي عن الأكل بدونه.

أي : بدون ما يعتبر في التذكية فإنّ ظاهر النهي في قوله تعالى مثلا : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)(١) هو الإرشاد إلى كون الحيوان ميتة بدون التسمية لا حرمة الأكل تعبّدا فيستفاد منه أنّ التسمية من شرائط التذكية ، وقد علم إلى هنا قولان في الأصل السببي والمسبّبي :

أحدهما : هو تقديم الأصل السببي على المسبّبي.

وثانيهما : هو تساقطهما بالتعارض.

وهنا قول ثالث أشار إليه بقوله :

ثمّ إنّ بعض من يرى التعارض بين الاستصحابين في المقام صرّح بالجمع بينهما أي : يعمل بكلّ منهما في مورده فحكم في مسألة الصيد بكونه ميتة بمقتضى استصحاب عدم التذكية والماء طاهرا باستصحاب بقاء طهارته.

ويرد عليه : إنّه لا وجه للجمع في مثل هذين الاستصحابين أي : الاستصحاب السببي والمسبّبي فإنّ الحكم بطهارة الماء إن كان بمعنى ترتّب آثار الطهارة من رفع الحدث والخبث

__________________

(١) الأنعام : ١٢١.

٣٤

الحدث والخبث إلى استصحاب طهارة الماء بعينها نسبة استصحاب طهارة الماء إلى استصحاب عدم التذكية.

وكذا الحكم بموت الصيد ، فإنّه إن كان بمعنى انفعال الملاقي له بعد ذلك والمنع عن استصحابه في الصلاة ، فلا ريب أنّ استصحاب طهارة الملاقي واستصحاب جواز الصلاة معه قبل زهاق روحه ، نسبتها إليه كنسبة استصحاب طهارة الماء إليه.

وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في الإيضاح تقريبا للجمع بين الأصلين في الصيد الواقع

____________________________________

به ، فلا ريب أنّ نسبة استصحاب بقاء الحدث والخبث إلى استصحاب طهارة الماء بعينها نسبة استصحاب طهارة الماء إلى استصحاب عدم التذكية.

فكما أنّ استصحاب بقاء الحدث والخبث مسبّبي واستصحاب طهارة الماء سببي ، كذلك استصحاب طهارة الماء مسبّبي واستصحاب عدم التذكية سببي ، فلو جرى استصحاب طهارة الماء في المثال الثاني ولم يقدّم عليه استصحاب عدم التذكية لجرى ـ أيضا ـ استصحاب الحدث والخبث في المثال الأوّل ، ولا يقدّم عليه استصحاب طهارة الماء ، إذ لا وجه للتفكيك بعد كون النسبة واحدة.

وكذا الحكم بموت الصيد ، فإنّه إن كان بمعنى انفعال الملاقي له بعد ذلك والمنع عن استصحابه في الصلاة ، فلا ريب أنّ استصحاب طهارة الملاقي واستصحاب جواز الصلاة معه قبل زهاق روحه ، نسبتها إليه أي : الحكم بالموت كنسبة استصحاب طهارة الماء إليه أي : الحكم بالموت ، كما في شرح الاعتمادي.

غرض المصنف قدس‌سره هو أنّه إذا جرى الأصل السببي ، أعني : استصحاب عدم التذكية ، فإن كان معناه مجرّد حرمة الأكل فهو وإن كان معناه الحكم بتنجّس ما يلاقيه غير هذا الماء وحرمة حمل المصلّي إيّاه ، فيرد عليه : إنّ الشكّ في طهارة هذا الماء والشكّ في طهارة سائر ما يلاقيه والشكّ في جواز حمل المصلّي إيّاه كلّها مسبّب عن الشكّ في التذكية ، فلا وجه للتفكيك ، فإن جرى استصحاب طهارة الماء لجرى ـ أيضا ـ استصحاب طهارة سائر ما يلاقيه واستصحاب جواز حمل المصلّي إيّاه قبل خروج روحه ، وإن لم يجر الأخيران لم يجر الأوّل أيضا ، أعني : استصحاب طهارة الماء ، على ما في شرح الاعتمادي.

وممّا ذكرنا من أنّه لا معنى للجمع بين الأصل السببي والمسبّبي يظهر النظر في ما

٣٥

في الماء القليل ، من : «أنّ لأصالة الطهارة حكمين : طهارة الماء وحلّ الصيد.

ولأصالة الموت حكمان : لحوق أحكام الميتة للصيد ونجاسة الماء ، فيعمل بكلّ من الأصلين في نفسه لأصالته دون الآخر لفرعيّته فيه» انتهى.

وليت شعري! هل نجاسة الماء إلّا من أحكام الميتة؟ فأين الأصالة والفرعيّة؟ وتبعه في ذلك بعض من عاصرناه ، فحكم بطهارة الجلد المطروح بأصالة الطهارة وحرمة الصلاة فيه ، ويظهر ضعف ذلك ممّا تقدّم.

____________________________________

ذكره في الإيضاح تقريبا للجمع بين الأصلين في الصيد الواقع في الماء القليل ، من «أنّ لأصالة الطهارة حكمين : طهارة الماء وحلّ الصيد ، لأنّ أصالة طهارة الماء تقتضي طهارة الماء بالأصالة ، وحلّية الصيد بالتبع والالتزام.

ولأصالة الموت حكمان : لحوق أحكام الميتة للصيد ونجاسة الماء ، لأنّ استصحاب عدم التذكية يقتضي كون الصيد ميتة بالأصا لة وتنجّس الماء الملاقي له بالتبع والالتزام ، كما في شرح الاعتمادي مع تصرّف منّا.

فيعمل بكلّ من الأصلين في مورد نفسه لأصالته دون المورد الآخر لفرعيّته.

بمعنى أنّه يعمل بأصالة عدم التذكية في الصيد دون الماء ، إذ الأوّل أصل والثاني فرع. هذا تمام الكلام في ما في إيضاح الفوائد.

وقد أشار إلى ردّه بقوله :

وليت شعري! هل نجاسة الماء إلّا من أحكام الميتة؟ فأين الأصالة والفرعية؟.

والاستفهام إنكاري ، بمعنى أنّه ليست نجاسة الماء إلّا من أحكام الميتة فلا يتصوّر هناك الأصالة والفرعيّة ، نعم ليست حلّية الصيد من أحكام طهارة الماء كما لا يخفى.

وتبعه في ذلك بعض من عاصرناه ، أي : تبع الإيضاح في تقريب الجمع بين الأصلين المحقّق القمّي قدس‌سره فحكم بطهارة الجلد المطروح على الأرض المشكوك التذكية بأصالة الطهارة فلا يتنجّس ملاقيه وحرمة الصلاة فيه لأصالة الاشتغال وعدم حصول البراءة بهذه الصلاة.

ويظهر ضعف ذلك ممّا تقدم من أنّ الشكّ في تنجّس الملاقي والشكّ في جواز الصلاة فيه كلاهما مسبّبان عن الشكّ في التذكية فلا وجه للتفكيك بينهما بترتيب أحد الأثرين ـ

٣٦

وأضعف من ذلك حكمه في الثوب الرطب المستصحب النجاسة ، المنشور على الأرض بطهارة الأرض ، إذ لا دليل على أنّ النجس بالاستصحاب منجّس.

وليت شعري! إذا لم يكن النجس بالاستصحاب منجّسا ولا الطاهر به مطهّرا ، فكان كلّ ما ثبت بالاستصحاب لا دليل على ترتيب آثار الشيء الواقعي عليه ، لأن الأصل عدم تلك الآثار ، فأيّ فائدة في الاستصحاب؟

قال في الوافية في شرائط الاستصحاب : «الخامس : أن لا يكون هناك استصحاب في أمر

____________________________________

أعني : حرمة الصلاة فيه ـ دون الآخر ، أعني : تنجّس الملاقي.

وأضعف من ذلك حكمه أي : بعض من عاصرناه في الثوب الرطب المستصحب النجاسة ، المنشور على الأرض بطهارة الأرض ، إذ لا دليل على أنّ النجس بالاستصحاب منجّس.

وجه الأضعفيّة هو تعليل الجمع بين الأصلين بقوله : إذ لا دليل على أنّ النجس بالاستصحاب منجّس مع أنّ تنجّس الأرض من آثار نجاسة الثوب ، ولو كان ثبوتها بالاستصحاب فلا يجري استصحاب طهارة الأرض ، فحكمه بجريان استصحاب نجاسة الثوب واستصحاب طهارة الأرض فاسد ، بل يجري استصحاب نجاسة الثوب ، ويترتّب عليه تنجّس الأرض التي لاقاها رطبا.

قال المصنف قدس‌سره في ردّ هذا :

وليت شعري! إذا لم يكن النجس بالاستصحاب منجسا ولا الطاهر به مطهّرا ، فكان كلّ ما ثبت بالاستصحاب لا دليل على ترتيب آثار الشيء الواقعي عليه.

بمعنى أنّه لا يترتّب على مستصحب النجاسة آثار النجس الواقعي ، أعني : تنجّس الملاقي مثلا ، وعلى مستصحب الطهارة آثار الطهارة الواقعيّة ، كزوال نجاسة الثوب المغسول بالماء المستصحب الطهارة ، لأنّ الأصل عدم تلك الآثار أي : مقتضى الأصل المسبّبي هو عدم انفعال الملاقي في الأوّل ، وعدم زوال نجاسة الثوب في الثاني على تقدير جريانه ، وحينئذ لا تبقى فائدة للاستصحاب كما أشار إليه بقوله : فأيّ فائدة في الاستصحاب؟.

و قال في الوافية ، أي : قال الفاضل التوني في الوافية في شرائط الاستصحاب :

٣٧

ملزوم له بخلاف ذلك المستصحب ، مثلا : إذا ثبت في الشرع أنّ الحكم بكون الحيوان ميتة يستلزم الحكم بنجاسة الماء القليل الواقع ذلك الحيوان فيه ، فلا يجوز الحكم بنجاسة الماء القليل ، ولا بطهارة الحيوان في مسألة الصيد المرمي الواقع في الماء ، وأنكر بعض الأصحاب ثبوت هذا التلازم وحكم بنجاسة الصيد وطهارة الماء» انتهى.

ثمّ اعلم أنّه قد حكى بعض مشايخنا المعاصرين عن الشيخ علي في حاشية الروضة : «دعوى الإجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي».

____________________________________

الخامس : أن لا يكون هناك أي : في مورد جريان الاستصحاب في شيء كاستصحاب نجاسة الثوب المغسول استصحاب في أمر ملزوم له كاستصحاب طهارة الماء الذي غسل به بخلاف ذلك المستصحب فإنّ استصحاب طهارة الماء يقتضي طهارة الثوب المغسول به ، فيكون هذا الاستصحاب بخلاف استصحاب نجاسة الثوب ، والحاصل أنّ الأصل في الملزوم مانع عن الأصل في اللازم.

مثلا : إذا ثبت في الشرع أنّ الحكم بكون الحيوان ميتة يستلزم الحكم بنجاسة الماء القليل الواقع فيه الصيد فلا يجوز الجمع بين الاستصحابين ، أي : الحكم بنجاسة الماء القليل ولا بطهارة الحيوان في مسألة الصيد المرمي الواقع في الماء ، وأنكر بعض الأصحاب كالمحقّق القمّي رحمه‌الله ثبوت هذا التلازم بين جريان الأصل السببي وعدم جريان الأصل المسبّبي ، بأن يكون الأوّل مانعا عن الثاني ، وبعبارة اخرى : أنكر تقديم الأصل السببي على المسبّبي ، بل جمع بينهما وحكم بنجاسة الصيد وطهارة الماء في المثال المتقدّم.

ثمّ اعلم أنّه قد حكى بعض مشايخنا المعاصرين لعلّه الشيخ الشريف قدس‌سره على ما في شرح الاعتمادي ، أو صاحب الضوابط على ما في التنكابني عن الشيخ علي في حاشية الروضة : «دعوى الإجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي».

قال صاحب الضوابط على ما في التنكابني : يدلّ على تقديم الموضوعي على الحكمي ـ كتقديم استصحاب عدم التذكية على استصحاب الطهارة حال الحياة مثلا ـ امور :

الأوّل : الإجماع الذي نقله الشيخ علي رحمه‌الله في حاشية الروضة من تقديم الموضوعي ، والإجماع الذي نقله وإن لم يكن حجّة في المسألة الاصوليّة ، إلّا أنّه يكفي مرجّحا لأحد المتعارضين.

٣٨

ولعلّها مستنبطة حدسا من بناء العلماء واستمرار السيرة على ذلك ، فلا يعارض أحد استصحاب كرّيّة الماء باستصحاب بقاء النجاسة في ما يغسل به ، ولا استصحاب القلّة باستصحاب طهارة الماء الملاقي للنجس ، ولا استصحاب حياة الموكّل باستصحاب فساد تصرّفات وكيله.

لكنّك قد عرفت فيما تقدّم من الشيخ والمحقّق خلاف ذلك ، هذا مع أنّ الاستصحاب في

____________________________________

الثاني : الإجماع المركّب فإنّ كلّ من عمل باستصحاب المزيل في المسألة السابقة عمل بالاستصحاب الموضوعي هنا.

الثالث : الأخبار كما تمسّكنا بها في تقديم المزيل ، يتمسّك بها ـ أيضا ـ بنحو ما سبق.

الرابع : عمل الأكثرين. انتهى مورد الحاجة وتركنا الذيل الطويل خوفا من التطويل.

ولعلّها أي : دعوى الإجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي مستنبطة حدسا من بناء العلماء واستمرار السيرة على ذلك.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي هو أنّ غرض المصنف قدس‌سره من استناد دعوى الإجماع إلى الاستنباط أنّ هذه المسألة ليست معنونة في كلماتهم حتى تكون دعوى الإجماع مستندة إلى تتبّع الفتاوى حسّا ، وإنّما الموجود في كلامهم هو أنّهم قدّموا بعض الاصول على بعض في جملة من المسائل ، ونحدس من ذلك أنّ المناط المجمع عليه هو تقديم الأصل الموضوعي على الحكمي.

فلا يعارض أحد استصحاب كرّيّة الماء باستصحاب بقاء النجاسة في ما يغسل به ، ولا استصحاب القلّة باستصحاب طهارة الماء الملاقي للنجس ، ولا استصحاب حياة الموكّل باستصحاب فساد تصرّفات وكيله.

وملخّص الكلام هو أنّ استصحاب الموضوع ـ أعني : الكرّيّة والقلّة والحياة في الأمثلة المذكورة ـ وإن كان مقدّما على استصحاب الحكم ـ أعني : نجاسة المغسول وطهارة الماء وفساد التصرّفات ـ إلّا إنّ الإجماع الذي ادّعاه الشيخ علي رحمه‌الله مخدوش من وجهين :

أحدهما : وجود المخالف كما أشار إليه بقوله : لكنّك قد عرفت فيما تقدم من الشيخ والمحقّق خلاف ذلك.

حيث قالا بتعارض استصحاب حياة العبد باستصحاب عدم وجوب الفطرة ، مع أنّ

٣٩

الشكّ السببي دائما من قبيل الموضوعي بالنسبة إلى الآخر ، لأنّ زوال المستصحب بالاستصحاب الآخر من أحكام بقاء المستصحب بالاستصحاب السببي ، فهو له من قبيل الموضوع للحكم ، فإنّ طهارة الماء من أحكام الموضوع الذي حمل عليه زوال النجاسة عن المغسول به. وأيّ فرق بين استصحاب طهارة الماء واستصحاب كرّيّته؟ هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر.

____________________________________

الأوّل موضوعي والثاني حكمي.

ثانيهما : ما أشار إليه بقوله : هذا مع أنّ الاستصحاب في الشكّ السببي دائما أي : سواء كان مورد الشكّ السببي من الموضوعات الخارجيّة كالأمثلة المتقدّمة ، أو غيرها كاستصحاب طهارة الماء الذي غسّل به الثوب النجس من قبيل الموضوعي بالنسبة إلى الآخر أي : الاستصحاب في الشكّ المسبّبي لأنّ زوال المستصحب الآخر من أحكام بقاء المستصحب بالاستصحاب السببي.

ففي المثال الأوّل يكون زوال نجاسة الشيء المغسول من أحكام بقاء كرّيّة الماء ، وفي المثال الثاني يكون زوال طهارة الماء من أحكام قلّة الماء ، وفي المثال الثالث يكون زوال فساد المعاملات من أحكام حياة الموكّل ، كذلك في المثال الرابع يكون زوال نجاسة الثوب من أحكام طهارة الماء.

فهو أي : بقاء المستصحب بالاستصحاب السببي له أي : لزوال المستصحب بالاستصحاب المسبّبي من قبيل الموضوع للحكم ، فإنّ طهارة الماء من أحكام الموضوع الذي حمل عليه زوال النجاسة عن المغسول به ، أي : لما كانت الطهارة حكما للماء الذي هو موضوع لإزالة النجاسة فكانت الطهارة موضوعا لها كما في شرح الاعتمادي.

وأيّ فرق بين استصحاب طهارة الماء لإثبات زوال نجاسة الثوب واستصحاب كرّيّته لإثبات عدم انفعاله وزوال نجاسة الثوب المغسول فيه ، أي : لا فرق بين الاستصحابين ، لأنّ كلّا من الكرّيّة والطهارة موضوع للأثر المذكور.

وملخّص الإشكال على الشيخ علي رحمه‌الله على ما في شرح الاعتمادي هو أنّ جانب السبب موضوع دائما لجانب المسبّب ، ومع ذلك ذهب بعضهم كما مرّ إلى تعارض الأصلين وبعضهم إلى الجمع بينهما ، ولا يخفى أنّ رجوع الشكّ السببي والمسبّبي إلى الموضوعي

٤٠