دروس في الرسائل - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٥

التخصيص بالاستثناء من قبيل المتصل ؛ لأن مجموع الكلام ظاهر في تمام الباقي ، ولذا يفيد الحصر ، فإذا قال : «لا تكرم العلماء إلّا العدول» ، ثمّ قال : «أكرم النحويين» ، فالنسبة عموم من وجه ؛ لأن إخراج غير العادل من النحويين مخالف لظاهر الكلام الأوّل ، ومن هنا يصحّ أنّ يقال : إنّ النسبة بين قوله : (ليس في العاريّة ضمان إلّا الدينار أو الدرهم) (١) ، وبين ما دلّ (٢)

____________________________________

القرينة ، صحّ اتصاف الكلام بالظهور.

أي : ينعقد ظهوره البدوي في الباقي ، فتلاحظ النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر. وإنّما عبّر بالظهور لا بالنصيّة.

لاحتمال إرادة خلاف ما وضع له التركيب أو لفظ القرينة. والظاهر أنّ التخصيص بالاستثناء من قبيل المتصل ؛ لأن مناط الاتصال والانفصال هو الاستقلال بإفادة المعنى وعدمه.

والاستثناء سواء كان بالحرف أو الإسم ، أو الفعل يرتبط بالمستثنى منه ولا يستقل بالإفادة ، نحو أكرم العلماء إلّا الفساق أو غير الفساق ، أو استثني الفساق ، بخلاف قوله : أكرم العلماء ولا تكرم فساقهم ، فإنّه وإن ذكر عقيب العامّ بلا فصل إلّا أنّه مستقل بالمعنى ، فيعدّ منفصلا.

وبالجملة مجموع الكلام ظاهر في تمام الباقي ، ولذا يفيد الحصر ، ففي المثال يفيد حصر وجوب الإكرام في غير الفاسق.

فإذا قال : لا تكرم العلماء إلّا العدول» ، ثمّ قال : «أكرم النحويين» ، فالنسبة عموم من وجه.

أتى المصنف قدس‌سره بهذا المثال ليطابق ما يريد التعرض به من مسألة العاريّة. وكيف كان ، فمقتضى الدليل الأوّل عدم وجوب إكرام غير العادل نحويّا كان أو غيره ، ومقتضى الثاني وجوب إكرام النحاة عادلا كان أو غير عادل ، فيتعارضان في النحوي غير العادل ، كما قال : لأن اخراج غير العادل من النحويين ، أي : الحكم بوجوب إكرامه ، مخالف لظاهر

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٢. التهذيب ٧ : ١٨٣. الوسائل ١٩ : ٩٦ ، كتاب العاريّة ، ب ٣ ، ح ١ ، ح ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٣. الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧٤. التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٦. الوسائل ١٩ : ٩٦ ـ ٩٧ ، كتاب العاريّة ، ب ٣ ، ح ٢ ، ح ٤.

٣٦١

على ضمان الذهب والفضة عموم من وجه ، كما قوّاه غير واحد من متأخّري المتأخّرين.

____________________________________

الكلام الأوّل.

فلو كانت النسبة عموما مطلقا لم يكن إخراجه مخالفا له ، إذ الخاصّ المطلق قرينة عرفا للمراد من العامّ المطلق لا مخالف له.

ومن هنا ، أي : من الاستثناء من المخصّص المتصل يصحّ أن يقال : إنّ النسبة بين قوله : (ليس في العاريّة ضمان إلّا الدينار أو الدرهم) وبين ما دلّ على ضمان الذهب والفضة عموم من وجه ، كما قوّاه غير واحد من متأخّري المتأخّرين ، كالمحقّق السبزواري وصحاب الرياض وغيرهما.

وظاهر كلام المصنف قدس‌سره في المقام ، هو أنّ كون النسبة عموما من وجه إنّما نشأ من كون كلمة ، إلّا من المخصّص المتصل دون المنفصل ، وأنّ كون النسبة عموما مطلقا مقتضيا لتخصيص العموم بكلا المخصّصين ، كما يقول به بعضهم ، إنّما نشأ من جعل كلمة إلّا من المخصّص المنفصل.

وكيف كان ، فلا بأس بالإشارة إلى الجمع بين الأدلّة الواردة في ضمان العارية وبيان النسبة بينها وقد كثر الكلام فيها ، إلّا أنّا نذكر ما في تقرير سيدنا الاستاذ رحمه‌الله ، حيث قال :

«الأخبار الواردة في باب ضمان العارية على طوائف :

منها : ما يدلّ على نفي الضمان في العارية بقول مطلق.

ومنها : ما يدلّ على نفي الضمان مع عدم الاشتراط وإثباته معه.

ومنها : ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الدراهم وإثباته فيها.

ومنها : ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الدنانير وإثباته فيها.

ومنها : ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الذهب والفضة وإثباته في عاريتهما. أمّا ما يدلّ على ثبوت الضمان مع الاشتراط ، فنسبته ـ مع سائر المخصّصات ـ العموم من وجه ، إذ ربّما يكون الاشتراط في غير عارية الدرهم والدينار ، وربّما يكون الاشتراط في عاريتهما ، وربّما تكون عارية الدرهم أو الدينار بلا اشتراط.

وكذا الحال بالنسبة إلى ما يدلّ على الضمان في عارية الذهب والفضة ، فإنّ النسبة بينه وبين ما يدلّ على الضمان مع الاشتراط أيضا العموم من وجه ، فمقتضى القاعدة هو

٣٦٢

____________________________________

تخصيص العامّ بجميع هذه المخصّصات لما ذكرناه سابقا من أنّه إذا كانت النسبة بين المخصّصات العموم من وجه ، يخصّص العامّ بجميعها.

وأمّا ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الدرهم وإثباته فيها ، وما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الدينار وإثباته فيها ، فهما بمنزلة رواية واحدة دالّة على نفي الضمان في غير عارية الدرهم والدينار ، وإثباته في عاريتهما ، إذ الأوّل منهما يدلّ على نفي الضمان في عارية الدنانير بالإطلاق ، وعلى إثباته في عارية الدرهم بالتصريح ، والثاني منهما يدلّ على نفي الضمان في عارية الدرهم بالإطلاق ، وعلى إثباته في عارية الدينار بالتصريح. وبين إطلاق السلب في كلّ منهما والإيجاب في الآخر جمع عرفي بتقييد إطلاق السلب في كلّ منهما بالإيجاب في الآخر.

فيجمع بينهما على النحو المزبور ويصير حاصل مضمونهما نفي الضمان في غير عارية الدرهم والدينار وإثباته في عاريتهما ، وتقع المعارضة بينهما وبين ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الذهب والفضة وإثباته في عاريتهما ، أي : العقد السلبي من الروايتين معارض بالإيجاب في ما يدلّ على نفي الضمان في غير عارية الذهب والفضة وإثباته في عاريتهما ، والنسبة بينهما هي العموم من وجه ، لاختصاص العقد السلبي منهما بنفي الضمان في مثل عارية الكتب واختصاص الإيجاب في هذه الرواية بإثبات الضمان في عارية الدرهم والدينار ، ويجتمعان في عارية الذهب والفضة غير المسكوكين كالحلي ، ومقتضى القاعدة تساقطهما فيه والرجوع إلى العامّ الفوق الذي يدلّ على نفي الضمان بقول مطلق ، إلّا أنّ في المقام خصوصيّة تقتضي تقديم الإيجاب في هذه الرواية على السلب فيهما.

بيان ذلك : إنّه سيجيء ـ عند التكلّم عن المرجّحات ـ أنّه إذا كان تقييد أحد المتعارضين بالعموم من وجه في مادّة الاجتماع مستلزما لاستهجانه دون العكس ، تقدّم الآخر حذرا من الاستهجان ، والمقام كذلك ، فإنّ حمل ما يدلّ على ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة على خصوص الدرهم والدينار حمل للمطلق على الفرد النادر ، فإنّ استعارة الدرهم والدينار نادر جدّا لو لم يكن منتفيا رأسا ؛ لأن استيفاء المنفعة المقصودة منهما

٣٦٣

فيرجّح الأوّل ؛ لأن دلالته بالعموم ودلالة الثاني بالإطلاق أو يرجع إلى عمومات نفي الضمان.

____________________________________

غالبا لا يمكن إلّا بالتصرّف في عينهما. والمعتبر في العارية إمكان الانتفاع مع بقاء العين ، كما هو الحال في الوقف ، ومن ثمّ ذهب بعض إلى عدم صحّة وقفهما. وهذا بخلاف مثل الحلي ، فإنّ عاريته أمر متعارف ، فإذن يؤخذ بإيجاب ما يدلّ على ثبوت الضمان في عارية الذهب والفضة ويخصّص به العامّ الفوق ، وهو ما يدلّ على عدم الضمان بقول مطلق ، ويحكم بالضمان في مطلق الذهب والفضة». انتهى.

فنرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، حيث قال ما هذا لفظه : توضيحه : إنّ بعض الأخبار نفى الضمان عن مطلق العارية وبعضها استثنى النقدين «الدرهم والدينار» ، وبعضها استثنى الجنسين «الذهب والفضّة».

لا كلام لنا في الأوّل ؛ لأنّه خصّص قطعا إمّا بالنقدين وإمّا بالجنسين ، إنّما الكلام في الأخيرين ؛ لأن الاستثناء بالنسبة إلى النقدين قطعي لكونهما أخصّ الخاصّين ، وحيث إنّ الاستثناء من المخصّص المتصل بكون العامّ ظاهرا في تمام الباقي ، والنسبة بينه وبين ما دلّ على استثناء الجنسين عموم من وجه ، إذ الأوّل ينفي ضمان غير النقدين ، سواء كان من الجنسين أو سائر الأشياء ، والثاني يثبت ضمان الجنسين نقدين كانا أو غيرهما. افتراق الأوّل في سائر الأشياء. افتراق الثاني في النقدين ، ومادّة التعارض غير المسكوك من الجنسين ، فإنّ الأوّل يقتضي عدم ضمانه والثاني يقتضي ضمانه.

فيرجّح الأوّل ؛ لأن دلالته بالعموم ودلالة الثاني بالإطلاق.

أي : إذا كانت النسبة عموما من وجه يصلح كلّ منهما مخصّصا للآخر ، أي : يمكن إخراج مادّة الاجتماع من دليل عدم ضمان غير النقدين ، ويمكن إخراجها من دليل ضمان الجنسين ، فيقدّم الأظهر وهو الأوّل ؛ لأنه سلبي يفيد العموم والثاني إيجابي يفيد الإطلاق ، ويحتمل أظهريّة الثاني كما يأتي في قوله إلّا أن يقال : إنّ الحصر في كلّ من روايتي الدرهم والدينار موهون ... إلى آخره.

أو يرجع إلى عمومات نفي الضمان.

يعني : على تقدير انتفاء المرجّح الدلالي يرجع في مادّة الاجتماع إلى عموم قوله عليه‌السلام :

٣٦٤

خلافا لما ذكره بعضهم ، من أنّ تخصيص العموم بالدرهم أو الدينار لا ينافي تخصيصه أيضا بمطلق الذهب والفضة. وذكره صاحب المسالك وأطال الكلام في توضيح ذلك ، فقال ما لفظه : «لا خلاف في ضمانهما ـ يعني : الدراهم والدنانير ـ وإنّما الخلاف في غيرهما من الذهب والفضة ، كالحلي المصوغة ، فإنّ مقتضى الخبر الأول ونحوه دخولهما ، ومقتضى

____________________________________

ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن (١).

إمّا لكونه مرجّحا ومؤيّدا لأحد الخبرين وإمّا لأنهما يحكم بإجمالهما وتساقطهما ، فيرجع إلى العامّ على القولين في تعارض العامّين من وجه.

خلافا لما ذكره بعضهم ، أي : المحقّق الثاني وأوضحه صاحب المسالك وتبعهما صاحب مفتاح الكرامة والجواهر ، على ما في التنكابني.

من أنّ تخصيص العموم بالدرهم أو الدينار لا ينافي تخصيصه أيضا بمطلق الذهب والفضة.

فهو إمّا لا يسلّم كون الاستثناء من المخصّص المتصل ، أو لا يفرّق بين المخصّص المتصل والمنفصل أو غفل في المقام عن ظهور العامّ في تمام الباقي الموجب لانقلاب النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر إلى العموم من وجه ، فلاحظ الظهور الأوّل للعام ثمّ خصّصه بهما.

وذكره صاحب المسالك وأطال الكلام في توضيح ذلك ، فقال ما لفظه : لا خلاف في ضمانهما ، يعني : الدراهم والدنانير ، بمعنى أنّ تخصيصهما متيقّن على كلّ تقدير.

وإنّما الخلاف في غيرهما من الذهب والفضة ، كالحلي المصوغة ، فإنّ مقتضى الخبر الأوّل.

الذي استثنى فيه الذهب والفضة من عدم الضمان ، كرواية اسحاق بن عمّار عنه عليه‌السلام قال : العارية ليس على مستعيرها ضمان إلّا ما كان ذهبا أو فضة ، فإنّهما مضمونان اشتراطا أو لم يشترطا (٢).

فإنّ مقتضاه دخول الحلي المصوغة في الضمان ، كما أشار إليه بقوله : دخولها ، أي :

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٧٩٨. الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤١. الوسائل ١٩ : ٩٣ ، كتاب العارية ، ب ١ ، ح ٦.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧٤. التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٧. الوسائل ١٩ : ٩٧ ، كتاب العارية ، ب ٣ ، ح ٤.

٣٦٥

تخصيص الثاني بالدراهم والدنانير خروجهما ، ومن الأصحاب من نظر إلى أنّ الذهب والفضة مخصّصان من عدم الضمان مطلقا ولا منافاة بينهما وبين الدراهم والدنانير ؛ لأنهما بعض أفرادهما ، ويستثنى الجميع ويثبت الضمان في مطلق الجنسين.

ومنهم من التفت إلى أنّ الذهب والفضة مطلقان أو عامّان بحسب إفادة الجنس المعرّف العموم وعدمه ، والدراهم والدنانير مقيّدان أو مخصّصان ، فيجمع بين النصوص بحمل

____________________________________

الحلي فيما يضمن.

ومقتضى تخصيص الثاني ، أي : رواية عبد الله بن سنان ، كقوله عليه‌السلام : لا تضمن العارية إلّا أن يشترط فيها الضمان ، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا (١).

ورواية عبد الملك كقوله عليه‌السلام : ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط صاحبها ، إلّا الدراهم فإنّها مضمونة اشترط صاحبها أم لم يشترط (٢).

وبالجملة ، إنّ مقتضى تخصيص الثاني بالدراهم والدنانير خروجهما ، أي : الحلي عمّا يضمن.

ومن الأصحاب من ـ أعني : المحقّق الثاني ـ نظر إلى أنّ الذهب والفضة مخصّصان ، أي : مخرجان بصيغة المفعول من عدم الضمان مطلقا ، أي : مسكوكين كانا أم لا ، ولا منافاة بينهما وبين الدراهم والدنانير ؛ لانهما ، أي : الدراهم والدنانير بعض أفرادهما ، أي : الذهب والفضة ويستثني الجميع ويثبت الضمان في مطلق الجنسين ، أي : الذهب والفضة.

ومنهم من ، أعني : فخر المحقّقين في محكي الإيضاح على ما في التنكابني التفت إلى أنّ الذهب والفضة مطلقان أو عامّان بحسب إفادة الجنس المعرّف العموم وعدمه ، أي : في المفرد المعرّف باللّام قولان :

أحدهما : إنّه يدلّ على الطبيعة الحاصلة في ضمن عموم الأفراد ، فالذهب معناه كلّ ذهب ، والفضة كذلك ، فإذا كانا عامّين كان في مقابلهما الدراهم والدنانير خاصّين.

ثانيهما : إنّه يدلّ على الطبيعة الذهنيّة ، فالذهب ، أي : الكلّي ، والفضة كذلك ، فإذا كانا مطلقين كان مقابلهما الدراهم والدنانير مقيّدين. هذا ما أشار إليه بقوله : والدراهم

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ٢. الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٤٨. الوسائل ١٩ : ٩٦ ، كتاب العارية ، ب ٣ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٤ / ٨٠٨. الوسائل ١٩ : ٩٦ ، كتاب العارية ، ب ٣ ، ح ٣.

٣٦٦

المطلق على المقيّد أو العامّ على الخاصّ.

والتحقيق في ذلك أن نقول : إنّ هنا نصوصا على ثلاثة أضرب : أحدها : عامّ في عدم الضمان من غير تقييد ، كصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : (ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن) (١) ، وقريب منها صحيحة (٢) محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام.

وثانيها : بحكمها ، إلّا أنّه استثنى مطلق الذهب والفضة. وثالثها : بحكمها ، إلّا أنّه استثنى الدنانير والدراهم.

____________________________________

والدنانير مقيّدان أو مخصّصان ، فيجمع بين النصوص المتعارضة بحمل المطلق على المقيّد على تقدير كون الذهب والفضة مطلقين كما هو مقتضى القول الثاني.

أو العامّ على الخاصّ بناء على كونهما عامّين ، كما هو مقتضى القول الأوّل.

وبالجملة ، يحمل الذهب والفضة على النقدين وينحصر الضمان فيهما ، فيكون النقدان مخصّصين لعموم نفي الضمان في العارية ولعموم ثبوت الضمان في الجنسين.

وبعبارة اخرى : يكون أخصّ الخاصّين مخصّصا للعامّ وللخاصّ الآخر ، فهو رضى الله عنه ـ أيضا ـ غفل عن انقلاب النسبة كالمحقّق الثاني على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي. ثمّ قال الشهيد رضى الله عنه :

والتحقيق في ذلك صحّة مذهب المحقّق رضى الله عنه وفساد مختار الفخر رضى الله عنه.

بيانه أن نقول : إنّ هنا نصوصا على ثلاثة أضرب :

أحدها : عامّ في عدم الضمان من غير تقييد ، كصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : (ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن) ، وقريب منها صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام.

وثانيها : بحكمها ، إلّا أنّه استثنى مطلق الذهب والفضة ، كرواية اسحاق بن عمّار عنه عليه‌السلام قال : العارية ليس على مستعيرها ضمان إلّا ما كان ذهب أو فضة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٧٩٨. الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤١. الوسائل ١٩ : ٩٣ ، كتاب العارية ، ب ١ ، ح ٦.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٥. التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٧٩٩. الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٢. الوسائل ١٩ : ٩٣ ، كتاب العارية ، ب ١ ، ح ٧.

٣٦٧

وحينئذ فلا بدّ من الجمع. فإخراج الدراهم والدنانير لازم لخروجهما عن الوجهين الأخيرين. فإذا خرجا من العموم بقي العموم فيما عداهما بحاله. وقد عارضه التخصيص بمطلق الجنسين ، فلا بدّ من الجمع بينهما بحمل العامّ على الخاصّ. فإن قيل : لمّا كانت الدراهم والدنانير أخصّ من الذهب والفضة وجب تخصيصهما بهما عملا بالقاعدة ، فلا تبقى المعارضة بين العامّ الأوّل والخاصّ الآخر.

____________________________________

وثالثها : بحكمها ، إلّا أنّه استثنى الدنانير والدراهم ، كما تقدّم في روايتي عبد الملك وعبد الله بن سنان حيث تضمنت الاولى استثناء الدراهم والثانية استثناء الدنانير ، وليس استثناؤهما في رواية واحدة.

وحاصل الجميع أنّ الرواية الاولى عامة في عدم الضمان ، والثانية بحكمها في نفي الضمان عن العارية باستثناء الذهب والفضة ، والثالثة بحكمها في نفي الضمان عن العارية باستثناء الدراهم والدنانير.

فلا بدّ من الجمع. فإخراج الدراهم والدنانير لازم لخروجهما عن الوجهين الاخيرين.

أي : على وجه استثناء الذهب والفضة وعلى وجه استثناء الدراهم والدنانير.

وبعبارة اخرى : على استثناء النقدين وعلى استثناء ما يشملهما من الجنسين.

فإذا خرجا من العموم بقي العموم فيما عداهما بحاله ، أي : بقى العموم بحال العموم المطلق.

وقد عارضه التخصيص بمطلق الجنسين ، فلا بدّ من الجمع بينهما بحمل العامّ على الخاصّ.

أي : فلا بدّ من الجمع بين العموم في الباقي بعد إخراج الدراهم والدنانير عن العامّ بحمل العامّ في القسم الأوّل ـ وهو عدم الضمان في العارية ـ على الخاصّ في القسم الثاني وهو عدم الضمان في غير الذهب والفضة ، ولازم ذلك هو تخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين ، كما يقول به المحقّق الثاني قدس‌سره.

فإن قيل : من جانب فخر المحقّقين قدس‌سره لمّا كانت الدراهم والدنانير أخصّ من الذهب والفضة وجب تخصيصهما بهما عملا بالقاعدة.

أي : قاعدة حمل العامّ على الخاصّ ، فالنقدان يخصّصان عموم ضمان الجنسين ، كما

٣٦٨

قلنا : لا شكّ أنّ كلّا منهما مخصّص لذلك العامّ ؛ لأنّ كلّا منهما مستثنى ، وليس هنا إلّا أنّ أحد المخصّصين أعمّ من الآخر مطلقا ، وذلك غير مانع ، فيخصّص العامّ الأوّل بكلّ منهما أو يقيّد مطلقه ، لا أنّ أحدهما يخصّص بالآخر ، لعدم المنافاة بين إخراج الذهب والفضة في لفظ

____________________________________

يخصّصان عموم عدم ضمان العارية ؛ لأنه خاصّ في مقابلهما معا.

فلا تبقى المعارضة بين العامّ الأوّل والخاصّ الآخر.

أي : فلا تبقى المعارضة بين عموم عدم ضمان العارية وبين ضمان الجنسين ؛ لأن النتيجة ـ حينئذ ـ هي حصول الضمان في الدراهم والدنانير فقط دون مطلق الجنسين ، كي يقع التعارض بين ضمان الجنسين وعدم ضمان العارية ، فمرجع الجميع إلى أنّه لا ضمان في العارية إلّا في عارية الدراهم والدنانير.

قلنا : لا شكّ أنّ كلّا منهما ، أي : الخاصّين الذهب والفضة والدراهم والدنانير مخصّص لذلك العامّ ، أي : عموم نفي الضمان في العارية كقوله عليه‌السلام : ليس على مستعير عارية ضمان.

لأن كلّا منهما مستثنى ، أي : كلّ من الخاصّين مستثنى من ذلك العامّ ولازم ذلك تخصيص العامّ بكلّ منهما.

وليس هنا ما يمنع من تخصيص العامّ بهما معا ، إلّا أنّ أحد المخصّصين أعمّ من الآخر مطلقا.

أي : بالعموم المطلق ، فإنّ الجنسين أعمّ من النقدين.

وذلك غير مانع ، فيخصّص العامّ الأوّل ، أي : ليس على مستعير عارية ضمان بكلّ منهما أو يقيّد مطلقه.

إشارة إلى ما مرّ من الخلاف في إفادة المعرّف باللّام العموم أو الإطلاق ، ويمكن أن يقال بالعموم بملاحظة قوله عليه‌السلام : ليس على مستعير عاريّة ضمان ، والإطلاق بملاحظة قوله عليه‌السلام : صاحب العارية والوديعة مؤتمن.

وكيف كان ، فالعامّ الأوّل يخصّص أو يقيّد بكلّ من الخاصّين لا أنّ أحدهما ، أعني : الذهب والفضة يخصّص بالآخر ، أعني : بالدراهم والدنانير ، هذا في بعض النسخ ، والموجود في أكثر النسخ هو لأن أحدهما ليس متناسبا مع قوله : لعدم المنافاة بين إخراج

٣٦٩

والدراهم والدنانير في لفظ ، حتى يوجب الجمع بينهما بالتخصيص أو التقييد.

وأيضا ، فإنّ العمل بالخبرين الأخصّين لا يمكن ؛ لأن أحدهما لم يخصّص إلّا الدنانير وابقي الباقي على حكم عدم الضمان صريحا ، والآخر لم يستثن إلّا الدراهم وابقي الباقي على حكم عدم الضمان كذلك.

فدلالتهما قاصرة ، والعمل بظاهر كلّ منهما لم يقل به أحد ، بخلاف الخبر المخصّص بالذهب والفضة.

____________________________________

الذهب والفضة في لفظ والدراهم والدنانير في لفظ من العامّ الأوّل ، حتى يوجب الجمع بينهما ، أي : الخاصّين بالتخصيص أو التقييد ، أي : بتخصيص الجنسين وتقييدهما بالنقدين.

وأيضا ، فإنّ العمل بالخبرين الأخصّين لا يمكن ، أي : لا يمكن العمل بشيء منهما ، لأن أحدهما لم يخصّص إلّا الدنانير.

كرواية عبد الله بن سنان ، قال الامام عليه‌السلام : لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها الضمان ، إلّا الدنانير ... الخ.

وابقي الباقي على حكم عدم الضمان صريحا ، والآخر لم يستثن إلّا الدراهم ، كرواية عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال عليه‌السلام : ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط صاحبها ، إلّا الدراهم.

وابقي الباقي على حكم عدم الضمان كذلك ، أي : صريحا.

فدلالتهما قاصرة ، والعمل بظاهر كلّ منهما لم يقل به أحد.

كيف يعمل بظاهر كلّ منهما مع تعارض حصرهما!؟.

بخلاف الخبر المخصّص بالذهب والفضة.

وحاصل الكلام في المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه مضافا إلى ما ذكر ـ من أنّ استثناء النقدين لا ينافي استثناء الجنسين ـ أنّ استثناءهما لو وقع في خبر واحد ، بأن يقال : لا ضمان في العارية إلّا في الدراهم والدنانير ، لأفاد حصر الضمان فيهما وأمكن العمل به وتخصيص الجنسين به ، إلّا أنّه وقع في خبرين مضمونهما لا ضمان في العارية إلّا الدراهم لا ضمان في العارية إلّا الدنانير.

٣٧٠

فإن قيل : التخصيص إنّما جعلناه بهما معا ، لا بكلّ واحد منهما ، فلا يضرّ عدم دلالة أحدهما على الحكم المطلوب منه.

قلنا : هذا ـ أيضا ـ لا يمنع قصور كلّ واحد من الدلالة ؛ لأن كلّ واحد مع قطع النظر عن صاحب قاصر ، وقد وقعا في وقتين في حالتين مختلفتين.

____________________________________

وحينئذ لا يمكن العمل بشيء منهما ؛ لأن صريح أحدهما حصر الضمان في الدينار ولا يعمل به ، إذ لا أقلّ من استثناء الدرهم أيضا ، ولا يمكن العمل بكلّ منهما لتعارض حصرهما ، وإذا لم يمكن العمل بهما لم يصلحا لتخصيص الخبر الذي يمكن العمل به بلا محذور وقصور ، أعني : استثناء الجنسين.

فإن قيل : التخصيص إنّما جعلناه بهما معا ، لا بكلّ واحد منهما ... إلى آخره.

وحاصله أنّ ما ذكرت إنّما لو عمل بكلّ من خبري الدرهم والدينار مستقلا ، بخلاف ما لو عملنا بهما بعد تنزيلهما منزلة خبر واحد استثني فيه الدرهم والدينار ، إذ لا قصور في الدلالة حينئذ على ما في الأوثق.

فلا يضرّ عدم دلالة أحدهما على الحكم المطلوب منه وهو خروج كلا النقدين.

وبعبارة اخرى على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ الخبرين الأخصّين وإن كان كلّ منهما منفردا قاصرا عن إفادة المطلوب بحيث لا يمكن العمل به وجعله مخصّصا لخبر الجنسين ، إلّا أنّه يجمع بينهما برفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر ، فيكون بمنزلة خبر واحد يصحّ العمل به وجعله مخصّصا لخبر الجنسين.

قلنا : هذا ـ أيضا ـ لا يمنع ولا يرفع قصور كلّ واحد من الدلالة على تخصيص كلا النقدين. لأن كلّ واحد مع قطع النظر عن جمعه مع صاحبه قاصر.

حاصله على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي والأوثق هو منع عدم القصور ، وذلك فإنّه إذا كان كلّ من الخبرين في حدّ نفسه قاصرا عن الدلالة على خروج كلا النقدين من خبر الجنسين بالتخصيص ، فمجرّد الجمع بينهما وعلاج تعارضهما في مقام العمل لا يجدي في رفع القصور المذكور ؛ لأن الجمع والعلاج لا يجعلهما خبرا واحدا حقيقة.

كيف وقد وقعا في وقتين في حالتين مختلفتين ؛ لأنّ استثناء كلّ من الدرهم والدينار وقع في خبر مستقل مباين للآخر وظاهر كلّ منهما إفادة الحصر.

٣٧١

فظهر أنّ إرادة الحصر من كلّ منهما غير مقصود.

وإنّما المستثنى فيهما من جملة الأفراد المستثناة ، وعلى تقدير الجمع بينهما بجعل المستثنى مجموع ما استفيد منهما لا يخرجان عن القصور في الدلالة على المطلوب ، إذ لا يعلم منهما إلّا أنّ الاستثناء ليس مقصورا على ما ذكر في كلّ واحد. فإن قيل : إخراج الدراهم والدنانير خاصّة ينافي إخراج جملة الذهب والفضة.

____________________________________

وغاية ما يستفاد منهما بعد تنزيلهما بمنزلة واحدة عدم إرادة الحصر في ظاهر كلّ منهما ، فيرجع محصّلهما بعد عدم إرادة ما يفيدان بظاهرهما من الحصر إلى كون كلّ من الدرهم والدينار من جملة الأفراد المستثناة ، لا انحصار الاستثناء فيهما ، كما أشار إليه بقوله :

فظهر أنّ إرادة الحصر من كلّ منهما غير مقصود.

إذ لم يكن المراد من نفي الضمان في غير الدرهم انحصار الضمان فيه ؛ لأن المفروض هو استثناء الدينار ، والضمان فيه أيضا إن لم يستثن مطلق الجنسين ، وكذلك في جانب الدينار ليس المراد من نفي الضمان في غير الدينار انحصاره فيه ، إذ لا أقلّ من استثناء الدرهم إن لم يستثن مطلق الجنسين.

وإنّما المستثنى فيهما من جملة الأفراد المستثناة.

أي : مفاد الخبرين بعد إلغاء الحصر هو مجرّد استثناء الدرهم واستثناء الدينار من دون نظر إلى عدم استثناء شيء آخر.

وعلى تقدير الجمع بينهما بجعل المستثنى مجموع ما استفيد منهما لا يخرجان عن القصور في الدلالة على المطلوب.

وهو عدم استثناء غيرهما من عدم الضمان ، يعني : مجرّد الجمع بينهما لا يرفع القصور الأصلي في كلّ منهما وإنّما يفيد أنّهما مستثنيان ، وأمّا عدم استثناء غيرهما فلا ، كما أشار إليه بقوله :

إذ لا يعلم منهما إلّا أنّ الاستثناء ليس مقصورا على ما ذكر في كلّ واحد. فإن قيل : إخراج الدراهم والدنانير خاصّة ينافي إخراج جملة الذهب والفضة ، بمعنى أنّ إخراج الخاصّ معارض بإخراج العامّ.

٣٧٢

فلا بدّ من الجمع بينهما بحمل الذهب والفضة على الدراهم والدنانير ، كما يجب الجمع بين عدم الضمان لمطلق العارية والضمان لهذين النوعين لتحقّق المنافاة بين الأمرين.

قلنا : نمنع تحقّق المنافاة بين الأمرين ، فإنّ استثناء الدراهم والدنانير اقتضى بقاء العموم في حكم عدم الضمان في ما عداهما ، وقد عارضه الاستثناء الآخر ، فوجب تخصيصه به أيضا ، فلا وجه لتخصيص أحد المخصّصين بالآخر.

وأيضا ، فإنّ حمل العامّ على الخاصّ استعمال مجازي وإبقاءه على عمومه حقيقة ، ولا يجوز العدول إلى المجاز مع إمكان الاستعمال على وجه الحقيقة ، وهو هنا ممكن في عموم الذهب

____________________________________

فلا بدّ من الجمع بينهما بحمل الذهب والفضة على الدراهم والدنانير ، كما يجب الجمع بين عدم الضمان لمطلق العارية والضمان لهذين النوعين ، يعني : الدراهم والدنانير.

لتحقّق المنافاة بين الأمرين.

وملخّص الكلام في المقام هو أنّ إخراج الدراهم والدنانير مناف لعموم ضمان الجنسين ، أعني : الذهب والفضة ، ولعموم عدم ضمان العارية ، فيوجب الجمع بين الخاصّ والعامّين بجعل إخراج النقدين مخصّصا لكلا العامّين ، ولازم ذلك هو الحكم بثبوت الضمان في الدراهم والدنانير فقط دون مطلق الذهب والفضة ، لا يقال : إنّه لا وقع لهذا السؤال بعد منع ظهور روايتي الدرهم والدينار في إرادة تمام الباقي ؛ لأن المنافاة المذكورة إنّما تتوهّم على تقدير هذا الظهور لامع عدمه ، لأنّا نقول : إنّ المنافاة تارة تنشأ من إرادة حصر الضمان فيهما واخرى من تخصيصهما بالذكر وإن فرض عدم اقترانهما بأداة الحصر ، ولمّا دفع المنافاة الاولى قبل السؤال سأل عن الثانية هنا ، على ما في الأوثق.

قلنا : نمنع تحقق المنافاة بين الأمرين ، فإنّ استثناء الدراهم والدنانير اقتضى بقاء العموم في حكم عدم الضمان في ما عداهما ... إلى آخره.

وحاصل الكلام منع تحقّق المنافاة بين الأمرين ، يعني : بين إخراج الدراهم والدنانير خاصّة وبين إخراج جملة الذهب والفضّة.

وقد عارضه الاستثناء الآخر ، أي : استثناء الجنسين ، فوجب تخصيصه ، أي : ما بقى من عموم عدم الضمان في العارية به أيضا ، أي : باستثناء الجنسين أيضا.

حاصله أنّه لا تعارض بين إخراج النقدين وإخراج الجنسين ، بل هما معارضان لعموم

٣٧٣

والفضة فيتعيّن ، وإنّما صرنا إلى التخصيص في الأول لتعيّنه على كلّ تقدير.

فإن قيل : إذا كان التخصيص يوجب المجاز وجب تقليله ما أمكن ؛ لأن كلّ فرد يخرج يوجب زيادة المجاز في الاستعمال.

حيث كان حقّه أن يطلق على جميع الأفراد ، وحينئذ فنقول : قد تعارض هنا مجازان ، أحدهما في تخصيص الذهب والفضة بالدنانير والدراهم ، والثاني في زيادة تخصيص العامّ الأوّل بمطلق الذهب والفضة ، على تقدير عدم تخصيصهما بالدنانير والدراهم ، فترجيح أحد المجازين على الآخر ترجيح من غير مرجّح ، بل يمكن ترجيح تخصيص الذهب والفضة ؛

____________________________________

عدم ضمان العارية فوجب تخصيصه بهما.

وإنّما صرنا إلى التخصيص في الأوّل ، أي : عموم نفي الضمان في العارية لتعيّنه على كلّ تقدير.

حاصله على ما في شرح الاستاذ أنّ هناك خاصّا وعامّين ، أي : عموم نفي ضمان العارية وعموم إثبات ضمان الجنسين ، والعامّ الأوّل لا بدّ من مجازيّته لأنه خصّص بالنقدين أو بالجنسين ، وأمّا العامّ الثاني فإن خصّصناه بالنقدين يصير مجازا وإن جعلناه بعمومه مخصّصا للعامّ الأوّل يبقى على حقيقته ، ولا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة.

فإن قيل : إذا كان التخصيص يوجب المجاز وجب تقليله ، أي : التخصيص ما أمكن ؛ لأن كلّ فرد يخرج يوجب زيادة المجاز في الاستعمال ، أي : استعمال العامّ.

حيث كان حقّه أن يطلق على جميع الأفراد ، وحينئذ فنقول : قد تعارض هنا مجازان ، أحدهما في تخصيص الذهب والفضة بالدنانير والدراهم ، والثاني في زيادة تخصيص العامّ الأوّل بمطلق الذهب والفضة ، على تقدير عدم تخصيصهما ، أي : عدم تخصيص الذهب والفضة بالدنانير والدراهم.

إذ على التقدير المزبور يلزم ارتكاب تخصيصين أحدهما التخصيص بالدراهم والدنانير وثانيهما التخصيص بمطلق الذهب والفضة ، والتخصيص الأوّل ممّا لا بدّ منه على كلّ تقدير ، فيدور الأمر بين ارتكاب التخصيص الثاني وارتكاب التخصيص في الذهب والفضة ، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر ، كما قال :

فترجيح أحد المجازين على الآخر ترجيح من غير مرجّح.

٣٧٤

لأن فيه مراعاة قوانين التعارض بينه وبين ما هو أخصّ منه.

قلنا : لا نسلّم التعارض بين الأمرين ؛ لأن استعمال العامّ الأوّل على وجه المجاز حاصل على كلّ تقدير إجماعا ، وزيادة التجوّز في الاستعمال لا يعارض به أصل التجوّز في المعنى الآخر ، فإنّ إبقاء الذهب والفضة على عمومهما استعمال حقيقي ، فكيف يكافئه مجرّد تقليل التجوّز مع ثبوت أصله؟ وبذلك يظهر بطلان الترجيح بغير مرجّح ؛ لأن المرجّح حاصل في جانب الحقيقة.

____________________________________

أي : كما أنّ الاجتناب عن المجاز لازم مهما أمكن ، كذلك تقليله ، وفي ما نحن فيه لا بدّ إمّا من ارتكاب المجازيّة في العامّ الثاني بتخصيصه بالنقدين ، وإمّا من تكثير المجاز في العامّ الأوّل بتخصيصه بالجنسين والنقدين ولا ترجيح للثاني.

بل يمكن ترجيح تخصيص الذهب والفضة ؛ لأن فيه مراعاة قوانين التعارض بينه ، أي : دليل الجنسين وبين ما هو أخصّ منه ، أي : دليل النقدين ، فإنّ القانون في تعارض العامّ والخاصّ تخصيص العامّ به ، فإذا كان أحد الخاصّين أخصّ من الآخر ينبغي تخصيصه به بمقتضى القانون المزبور.

قلنا : لا نسلّم التعارض بين الأمرين.

أي : تكثير المجاز في العامّ الأوّل أو إحداث المجاز في العامّ الثاني.

لأن استعمال العامّ الأوّل على وجه المجاز حاصل على كلّ تقدير إجماعا ؛ لأنه قد خصّص قطعا إمّا بالنقدين أو بمطلق الجنسين.

وزيادة التجوّز في الاستعمال ، أي : استعمال العامّ الأوّل لا يعارض به أصل التجوّز ، أي : إحداث التجوّز في المعنى لآخر ، أي : دليل الجنسين.

فإنّ إبقاء الذهب والفضة على عمومهما استعمال حقيقي ، فكيف يكافئه ويساويه مجرّد تقليل التجوّز في العامّ الأوّل ومع ثبوت أصله ، أي : التجوّز.

وبعبارة اخرى : ظهور العامّ في تمام الموضوع له أقوى من ظهور العامّ المخصّص في تمام الباقي ، فلا يمكن رفع اليد عن الأقوى بسبب الأضعف.

وبذلك يظهر بطلان الترجيح بغير مرجّح ؛ لأن المرجّح حاصل في جانب الحقيقة.

بمعنى أنّ حمل دليل الجنسين على عمومه وحقيقته اولى من تقليل المجازيّة في العامّ

٣٧٥

هذا ما يقتضيه الحال من الكلام على هذين الوجهين ، وبقي فيه مواضع تحتاج إلى تنقيح» انتهى.

أقول : الذي يقتضيه النظر أنّ النسبة بين روايتي الدرهم والدينار بعد جعلهما كرواية واحدة ، وبين ما دلّ على استثناء الذهب والفضة من قبيل العموم من وجه.

____________________________________

الأوّل.

هذا ما يقتضيه الحال من الكلام على هذين الوجهين المذكورين في عنوان كلامه ، حيث قال.

ومن الأصحاب نظر إلى ... إلى آخره.

ومنهم من التفت ... إلى آخره.

وحاصل الوجهين هو تخصيص العامّ الأوّل بكلا الخاصّين كما اختاره المحقّق الثاني.

وكون النقدين مخصّصا لكلا العامّين كما اختاره فخر المحقّقين.

وبقي فيه مواضع تحتاج إلى تنقيح.

كدعوى عدم مقاومة أخبار الجنسين بأخبار النقدين ، ودعوى معاضدة أخبار النقدين بإطلاقات نفي ضمان العارية ، ودعوى انقلاب النسبة كما مرّ ويأتي ، ودعوى تماميّة الحصر في خبر النقدين كما يأتي في شرح الاستاذ.

انتهى كلام صاحب المسالك.

أقول : الذي يقتضيه النظر أنّ النسبة بين روايتي الدرهم والدينار بعد جعلهما كرواية واحدة ، وبين ما دلّ على استثناء الذهب والفضة من قبيل العموم من وجه.

قال التنكابني : لا وجه لجعلهما كرواية واحدة ، مع أنّ العرض يتمّ بدون ذلك ؛ لأن النسبة بين المستثنى منه في كلّ منهما وبين المستثنى في رواية الذهب والفضة عموم من وجه.

مادّة افتراق الثاني هو الدراهم والدنانير ، ومادّة افتراق الأوّل هو غير الذهب والفضة ، ومادّة الاجتماع والتعارض هو الحلي المصوغ مثلا ، فإذا كان الأوّل عامّا والثاني مطلقا وكان التقييد اولى من التخصيص حسب ما ذكره المصنف يكون كلّ واحد منهما مقدّما على رواية الذهب والفضة.

٣٧٦

لأن التعارض بين العقد السلبي من الاولى والعقد الإيجابي من الثانية.

إلّا أنّ الأول عامّ والثاني مطلق ، والتقييد اولى من التخصيص.

____________________________________

وفي شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ غرضه من قوله : جعلهما كرواية واحدة هو رفع اليد عن ظاهر الحصر في كلّ منهما بنصّ الآخر ، فهما بمنزلة قوله : لا ضمان في العارية إلّا في الدرهم والدينار.

وأيضا اتصال المخصّص يقلب النسبة بين رواية الجنسين وكلّ من روايتي النقدين إلى العموم من وجه ، وإن لم تجعلا كرواية واحدة فلا مجال لتوهّم أنّ انضمام كلّ منهما بالآخر من المخصّص المتصل غير المقلّب للنسبة ، وحينئذ يصحّ تنزيلهما أوّلا منزلة رواية واحدة ثمّ ملاحظة النسبة وهي العموم من وجه.

لأن التعارض بين العقد السلبي من الاولى والعقد الإيجابي من الثانيّة.

فلا تعارض بين العقد الإيجابي في الاولى والسلبي في الثانية ، لأن العقد الإيجابي في الاولى قد اقتضى ثبوت الضمان في الدرهم والدينار ، وهو لا ينافي عدم ضمان ما عدا الذهب والفضة ، كما هو مقتضى العقد السلبي في الثاني ، وكذلك العقد السلبي في الثانية اقتضى عدم ضمان ما عدا الذهب والفضة مطلقا ، وهو لا ينافي ثبوت الضمان في الدرهم والدينار ، كما هو مقتضى العقد الإيجابي في الأوّل.

وبعبارة واضحة كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ رواية النقدين عقدها الإيجابي ضمان النقدين وعقدها السلبي عدم ضمان غيرهما ، ورواية الجنسين عقدها الإيجابي ضمان الجنسين وعقدها السلبي عدم ضمان غيرهما ، فيتعارض العقد السلبي من الأوّل ـ أعني : عدم ضمان غير النقدين ـ والإيجابي من الثاني ، أعني : ضمان الجنسين بالعموم من وجه ، افتراق الأوّل في سائر الأشياء غير الذهب والفضة ، وافتراق الثاني في النقدين.

ومادّة الاجتماع والتعارض هي غير المسكوك من الجنسين ، فكلّ منهما يصلح مخصّصا للآخر فيقدّم الأظهر ، كما قال :

إلّا أنّ الأوّل عامّ لكونه سلبيّا والثاني مطلق لكونه ثبوتيّا ، والتقييد اولى من التخصيص كما مرّ غير مرّة.

٣٧٧

وبعبارة اخرى : يدور الامر بين رفع اليد عن ظاهر الحصر في الدرهم والدينار ورفع اليد عن إطلاق الذهب والفضة ، وتقييدهما اولى ، إلّا أن يقال : إنّ الحصر في كلّ من روايتي الدرهم والدينار موهون من حيث اختصاصهما بأحدهما ، فيجب إخراج الآخر عن عمومه. فإنّ ذلك يوجب الوهن في الحصر وإن لم يكن الأمر كذلك في مطلق العامّ ،

____________________________________

وبعبارة اخرى : يدور الأمر بين رفع اليد عن العموم ، أعني : ظاهر الحصر في الدرهم والدينار ورفع اليد عن إطلاق الذهب والفضة ، وتقييدهما اولى ، فيختصّ الضمان بالنقدين.

إلّا أن يقال : إنّ الحصر في كلّ من روايتي الدرهم والدينار موهون من حيث اختصاصهما بأحدهما ، فيجب إخراج الآخر عن عمومه.

حاصله على ما في شرح الاعتمادي أنّ أظهريّة العقد السلبي المفيد للعموم موهونة من ثلاث جهات :

إحداها : إنّ الجنسين أقلّ فردا من غير النقدين ، والأقلّ فردا بمنزلة الخاصّ.

ثانيتها : إنّ استثناء النقدين لم يقع في رواية واحدة حتى يتمّ الحصر المفيد للعموم ، بل وقع في روايتين ، فالحصر في لا ضمان في غير الدرهم يخصّص بالدينار والحصر في لا ضمان في غير الدينار يخصّص بالدرهم.

فإنّ ذلك يوجب الوهن في الحصر وإن لم يكن الأمر كذلك في مطلق العامّ.

بل في العامّ الآبي عن التخصيص ، بمعنى أنّ التخصيص لا يوهن سائر صيغ العموم لكنّه يوهن الحصر المفيد للعموم ؛ لأن الحصر نصّ في العموم بحيث يأبى عن التخصيص والعامّ الآبي عن التخصيص يوهن بالتخصيص ، فتخصيص أكرم العلماء بلا تكرم النحاة لا يوجب وهنا فيه من حيث الشمول لتمام الباقي ، بخلاف تخصيص لا ضمان في غير الدرهم بالدينار أو بالعكس ، فإنّه يوهن شمول الحصر لتمام الباقي.

وفيه أنّ غاية ما يلزم من ذلك كون الحصر في كلّ منهما إضافيا بالنسبة إلى ما عدا المذكور في الاخرى ، فيتمّ عموم الحصر بالنسبة إلى غير النقدين بعد تنزيلهما بمنزلة رواية واحدة ، ولعلّ نظرا إلى هذا الإشكال عبّر بما يشعر بالضعف ، حيث قال : إلّا أن يقال ... إلى آخره ، وهذا التعبير مشعر بالضعف على ما هو المتداول في سائر الموارد.

٣٧٨

ويؤيّد ذلك أنّ تقييد الذهب والفضة بالنقدين ، مع غلبة استعارة المصوغ بعيد جدا.

وممّا ذكرنا يظهر النظر في مواضع ممّا ذكره صاحب المسالك في تحرير وجهي المسألة.

وإن كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة ، فإن كان فيها ما يقدّم على بعض آخر منها إمّا

____________________________________

ثالثتها : قوله : ويؤيّد ذلك ، أي : وهن عموم الحصر أنّ تقييد الذهب والفضة بالنقدين.

بأن يقدّم العامّ ـ أعني : عدم الضمان في غير النقدين ـ على المطلق المفيد للضمان في الذهب والفضة.

مع غلبة استعارة المصوغ.

فإنّ الغالب استعارة الحلي المصوغ من الجنسين للتزيين ، وأمّا استعارة النقدين لإظهار الاعتبار والتمول عند الناس فنادر بعيد جدّا.

وبالجملة ، إن تمّ كون أحدهما أظهر فهو وإلّا فيرجع إلى سائر المرجّحات أو التخيير ، كما في شرح الاعتمادي.

وممّا ذكرنا يظهر النظر في مواضع ممّا ذكره صاحب المسالك في تحرير وجهي المسألة.

منها : جعل الاستثناء من قبيل المخصّص المنفصل ، والصحيح خلافه.

وبعبارة اخرى : إنّ جميع ما ذكره من الأسئلة والأجوبة يبتني على كون الاستثناء من المخصّصات المنفصلة ، وإلّا فلا وقع لشيء منها ، إذ على تقدير كونه من المخصّصات المتصلة لا بدّ أن يعمل في المقام بما قرّره المصنف قدس‌سره كما في الأوثق.

ومنها : جعل النسبة العموم والخصوص المطلق ، والصحيح خلافه.

ومنها : إنّه منع التنافي بين حصر الضمان في الدراهم والدنانير وإثباته في مطلق الذهب والفضة ، مع أنّ التنافي بينهما واضح ، كما في التنكابني.

وملخّص الجميع يرجع إلى أنّه إمّا غفل عن كون الاستثناء من المخصّص المتصل أو عن الفرق بين المتصل والمنفصل ، أو عن انقلاب النسبة في ما نحن فيه ، فلاحظ الظهور البدوي للعامّ أعني : لا ضمان في العارية ـ وخصّصه بهما ، وبنى عليه ما تقدّم من الأسئلة والأجوبة في طول كلامه.

وإن كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة ، إلّا أنّها قد لا تنقلب.

٣٧٩

لأجل الدلالة كما في النصّ والظاهر ، والظاهر والأظهر ، وإما لأجل مرجّح آخر ، قدّم ما حقّه التقديم ثمّ لوحظ النسبة مع باقي المعارضات. فقد تنقلب النسبة

____________________________________

كما إذا قيل يجب إكرام الشعراء ويحرم إكرام الشعراء ويستحب إكرام العدول ، فإنّ النسبة بين الأوّلين التباين وبين كلّ منهما مع الثالث العموم من وجه ، فإن فرضنا دليل العدول أظهر دلالة لقلّة أفراده أو راجحا من جهة اخرى يكون هو مخصّصا للأوّلين ولا تنقلب النسبة بينهما ، بل يتعارضان بالتباين في الشاعر الفاسق ، فيرجع فيهما إلى قانون التعارض ، وإن فرضنا الأوّلين أظهر لقلّة الشعراء وفرضنا رجحانهما أو أحدهما من جهة السند يخصّص الأخير بهما ، فينحصر الاستحباب في سائر العدول.

ولا تنقلب النسبة ، بل يتعارض الأوّلان بالتباين في مطلق الشاعر ، فيرجع فيهما إلى قانون التعارض ، ثمّ لو فرض عدم رجحان في البين أصلا يخيّر في الشاعر العادل بين أدلّة الوجوب والحرمة ، والاستحباب ، وفي الشاعر الفاسق بين دليلي الوجوب والحرمة.

وكيف كان ، فقد تنقلب النسبة.

الصور هي أربعة على ما في التنكابني :

الاولى : فقد تنقلب النسبة ويحدث الترجيح.

والثانية : قد لا تنقلب النسبة ويحدث الترجيح.

والثالثة : تنقلب النسبة ولا يحدث الترجيح.

والرابعة : لا تنقلب النسبة ولا يحدث الترجيح أيضا.

مثال الاولى ما ذكره المصنّف من قوله : أكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم ، ويستحب إكرام العدول.

ومثال الثانية أكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم ، ويكره إكرام الشعراء ، فإنّ النسبة بين الأوّل والثالث عموم من وجه ، فإذا خصّص الأوّل بالثاني فيكون المراد وجوب إكرام عدول العلماء ، فتكون النسبة بينه وبين الثالث أيضا عموم من وجه ، فإذا فرض كون العلماء العدول أقلّ فردا من الشعراء فيقدّم عليه ، فيكون العالم العادل الشاعر واجب الإكرام.

ومثال الصورة الرابعة أيضا هذا المثال إذا لم يفرض العلماء العدول أقلّ فردا من الشعراء.

٣٨٠