دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع ، فلا يعقل ذلك في مقام اعتبار العلم من حيث الكشف ، ولو أمكن الحكم بعدم اعتباره لجرى مثله في القطع الحاصل من المقدّمات الشرعيّة ، طابق النعل بالنعل.

وإن أرادوا عدم جواز الخوض في المطالب العقليّة لتحصيل المطالب الشرعيّة لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فلو سلّم ذلك واغمض عن المعارضة ، لكثرة ما يحصل من الخطأ في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة ، فله وجه.

____________________________________

وتقريب الوجه الأول : إنّه لا يجوز استنباط الأحكام الشرعية من المقدمات العقلية لكثرة وقوع الغلط والاشتباه فيها ، فيكون الاعتماد عليها في استنباط الحكم الشرعي مستلزما لتفويت الواقع كثيرا ، والعقل الضروري يحكم بعدم جواز تفويت الواقع.

(فإن أرادوا عدم جواز الركون بعد حصول القطع فلا يعقل ذلك).

يذكر المصنّف لقولهم ـ حيث قالوا : لا يمكن الركون ـ احتمالين ، ثم يحكم ببطلانهما ، قال ـ ردّا لاحتمال عدم جواز الركون بعد حصول القطع ـ : إنّه لا يعقل في القطع الطريقي المحض ، إذ تقدّم سابقا أنّ حجّية القطع ذاتية لا يمكن سلب الاعتبار والحجّية عنه ، فلو أمكن الحكم بعدم اعتباره لأمكن الحكم بعدم اعتبار القطع الحاصل من المقدمات الشرعية ، لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد ، فيلزم الحكم بعدم اعتبار القطع الحاصل من المقدمات الشرعية ، والتالي باطل باعترافهم ، فالمقدم ـ أيضا ـ باطل ، فالنتيجة هي حجّية القطع مطلقا.

(وإن أرادوا عدم جواز الخوض ... إلى آخره).

هذا هو الاحتمال الثاني في كلامهم ، يعني : لو أرادوا عدم الدخول وعدم جواز الورود في المقدمات العقلية لتحصيل القطع لكثرة وقوع الغلط فيها ، فيمكن الجواب عنه :

أوّلا : لا نسلّم كثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها.

ثانيا : تعارض كثرة الخطأ والاشتباه في المقدمات العقلية مع كثرة الخطأ والاشتباه في فهم المطالب من الأدلة الشرعية ، فالعلّة المانعة وهي الخطأ عن الخوض في المقدمات العقلية بعينها موجودة في المقدمات الشرعية ، فلا بدّ من الحكم بعدم جواز الخوض في المقدمات الشرعية كالعقلية للعلّة المشتركة.

٦١

وحينئذ فلو خاض فيها وحصّل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعيّ لم يعذر في ذلك ، لتقصيره في مقدّمات التحصيل ، إلّا أنّ الشأن في ثبوت كثرة الخطأ أزيد ممّا يقع في فهم المطالب من الأدلّة الشرعيّة.

وقد عثرت ـ بعد ما ذكرت هذا ـ على كلام يحكى عن المحدّث الأسترآباديّ في فوائده المدنيّة ، قال في عداد ما استدلّ به على انحصار الدليل في غير الضروريّات الدينيّة ، في السماع عن الصادقين عليهم‌السلام ، قال : «الدليل التاسع مبنيّ على مقدّمة دقيقة شريفة تفطّنت لها بتوفيق الله تعالى».

وهي أنّ العلوم النظريّة قسمان :

____________________________________

نعم ، لو أغمضنا عن هذه المعارضة ، أو قلنا بعدم كثرة الغلط والاشتباه في المقدمات الشرعية ، كان له وجه لأنّ الدخول في دليل يكثر فيه الغلط والاشتباه مستلزم لتفويت المصالح الواقعية ، وهو قبيح عقلا ومحرّم شرعا.

فعلى هذا(فلو خاض فيها) أي : المقدمات العقلية (وحصّل القطع بما لا يوافق الحكم الواقعي لم يعذر في ذلك لتقصيره في مقدّمات التحصيل).

مثلا : إذا حكم بحلّية شرب التبغ لدليل عقلي كالبراءة العقلية وأصالة الإباحة ، وكان في الواقع حراما لم يكن معذورا.

والحاصل لو ثبت ما ذكروه من كثرة الغلط في المقدمات العقلية دون الشرعية فله وجه ، إلّا أنّ كثرة الخطأ في المقدمات العقلية لم تثبت ، ويمكن أن يكون مرادهم من عدم جواز الاعتماد على القطع الحاصل من المقدمات العقلية عدم حصول القطع منها ، فلا يحصل منها الّا الظن المشتبه بالقطع عند المدّعي ، فيتخيل أنه قطع فيرجع النزاع إلى الصغرى ـ أي حصول القطع ـ لا إلى الكبرى يعني حجّية هذا القطع.

والإشكال فيه أنّه مخالف للوجدان ، إذ حصول القطع من المقدّمات العقلية بديهي.

(وهي أنّ العلوم النظرية).

يتضح ما هو المراد من العلوم النظرية في كلام المحدث الأسترآبادي بعد التعرف بما يطلق عليه العلم النظري ، فنقول :

إنّ العلم النظري قد يطلق على ما يحتاج إلى النظر والاستدلال كالعلم بكون العالم

٦٢

____________________________________

حادثا أو قديما ، في مقابل العلم الضروري الذي لا يحتاج إلى النظر والاستدلال نحو : الشمس مشرقة ، والكل أعظم من الجزء.

وقد يطلق على كل علم يكون مربوطا بالقوة العاقلة كعلم الفلسفة مثلا مقابل العلم العملي الذي يكون مربوطا بالقوة العاملة كعلم الأخلاق مثلا ، إذ لكل انسان قوّتان هما بمنزلة جناحين ، وكل منهما ـ أي : كل واحد من العلوم العملية والنظرية ـ على ثلاثة أقسام :

أما العملية : فإنّها ؛ إمّا علم بمصالح أشخاص معينين بانفرادهم ليتحلّى كل شخص بالفضائل ، ويتخلّى عن الرذائل يسمّى علم الأخلاق ، ومن يريد أن يتخلق بالأخلاق الحميدة فلا بدّ له أولا من التخلية ، ثم التحلية ، ثم التجلية ، وإمّا علم بمصالح جماعة متشاركة في المنزل كالوالد والمولود ، والمالك والمملوك ، ويسمّى تدبير المنزل ، وإمّا علم بمصالح جماعة متشاركة في المدينة يسمّى سياسة المدن ، فهذه أقسامها الثلاثة.

وأمّا النظرية : فإنّها ؛ إمّا علم بأحوال ما لا يفتقر في الوجود الخارجي والتعقّل إلى المادة يسمّى الإلهيات والفلسفة الاولى ، لأنّه العلم بأول الامور في الوجود ، وهو العلّة الاولى ، وأول الامور بالعموم وهو الوجود ، وإمّا علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي دون التعقّل يسمّى بالرياضي والتعليمي ، وإمّا علم بأحوال ما يفتقر إليها في الوجود الخارجي والتعقّل كالانسان مثلا ، وهو علم الأدنى ويسمّى بالطبيعي لأنّه يبحث فيه عن أحوال الجسم الطبيعي ، فهذه الثلاثة للعلوم النظرية.

فتحصّل ممّا ذكرناه أنّ العلوم النظرية على قسمين :

القسم الأول : العلوم النظرية في مقابل العلوم الضرورية والبديهية.

والقسم الثاني : النظرية في مقابل العلوم العملية ، والقسم الثاني أعمّ من القسم الأول ، ومراد المحدّث الأسترآبادي من العلوم النظرية هو القسم الثاني ، حيث أدرج العلوم البديهية فيها كما يظهر من كلامه ، فقال : إنّ العلوم النظرية من حيث المادة تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول : ما تكون مادته قريبة من الإحساس ، ولم يذكر ما تكون مادته حسية ، مثل الواحد نصف الاثنين من الأوليّات ، والشمس مشرقة من الحسّيات الظاهرية ، والأربعة

٦٣

قسم ينتهي إلى مادّة هي قريبة من الإحساس ، ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء ، والخطأ في نتائج الأفكار ، والسبب في ذلك أنّ الخطأ في الفكر ؛ إمّا من جهة الصورة أو من جهة المادّة ، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء ، لأنّ معرفة الصورة من الامور الواضحة عند الأذهان

____________________________________

زوج من الفطريات ، لكونه واضحا ، ولا يعقل الخطأ فيها ، فلذا اكتفى بذكر ما تكون مادته قريبة من الإحساس ، والمراد من المادة هي الصغرى والكبرى.

وبعبارة واضحة : إنّ المراد من المادة في باب الأقيسة هي القضايا التصديقية المذكورة لبيان المقاصد.

(ومن هذا القسم علم الهندسة).

وهو ما يبحث فيه عن المقادير المتّصلة فيكون موضوعه : هو المقدار والكم المتّصل ، ومن مسائله : كل مقدار وسط فهو ضلع ما يحيط به الطرفان ، والمراد من كون المقدار الوسط ضلع ما يحيط به الطرفان أن يكون الحاصل من ضربه في نفسه هو الحاصل من ضرب أحد الطرفين في الآخر ، مثلا : الثلاثة وسط بين الواحد والتسعة ، والحاصل من ضربه في نفسه هو التسعة وهو الحاصل من ضرب التسعة في الواحد ، ونحو المثلث ما أحاطت به ثلاثة خطوط مستقيمة ، ومعلوم أنّ المادة في المثالين من الامور المحسوسة.

وعلم (الحساب) وهو : ما يبحث فيه عن العدد ، فيكون موضوعه هو الكم المنفصل ، ومن مسائله : إذا ضربت عدد الاثنين في الاثنين يحصل أربعة.

(وأكثر أبواب المنطق).

مثل : إنّ الموجبة الكلّية والجزئية إنّما تنعكس إلى الموجبة الجزئية في العكس المستوي ، وكذا السالبة الكلّية والجزئية لا تنعكس إلّا جزئية في باب عكس النقيض هذا في التصديقات ، والتعرف على ما هو مفهوم الجزئي والكلّي ، والنسبة بين الكلّيات في التصورات ، ولا يقع الخطأ في معرفة هذه المفاهيم والاصطلاحات ، فتكون قريبة من الإحساس.

فهذا القسم من العلوم النظرية لكون موادّه قريبة من الإحساس لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطأ في نتائج الأفكار ، لأنّ الخطأ في الفكر إمّا من جهة صورة القياس ، أو من

٦٤

المستقيمة ، والخطأ من جهة المادّة لا يتصوّر في هذه العلوم لقرب الموادّ فيها إلى الإحساس.

____________________________________

جهة مادته ، أمّا الخطأ من جهة المادة فلا يتصوّر في هذه العلوم لقرب المواد فيها إلى الإحساس ، وأمّا من جهة الصورة ، فلا يتصوّر ـ أيضا ـ لأنّ مراعاتها من الامور البديهية ، ولأنّ المنطقيين عارفون بالقواعد المنطقية ، وهي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة والقياس ، كما ينقسم باعتبار الصورة إلى استثنائي واقتراني ، فكذلك ينقسم باعتبار المادة إلى الصناعات الخمس ، أعني البرهان ، والجدل ، والخطابة ، والشعر ، والمغالطة ، ثم البرهان يتركّب من مقدمات يقينية سواء كانت ضرورية : وهي اليقينيات من دون واسطة ، أو نظرية : وهي اليقينيات بواسطة اليقينيات الضرورية ، ثم الضرورية منها ستة كما في حاشية ملّا عبد الله :

١ ـ الأوّليات : وهي قضايا يكون مجرد تصوّر طرفيها كافيا في الجزم بالنسبة بينهما ، مثل الكل أعظم من الجزء ، وتسمّى بالبديهيات.

٢ ـ المحسوسات : وهي قضايا يحكم العقل بها بواسطة إحدى الحواس ، وتسمّى : بالمشاهدات إن كانت الحواس ظاهرية مثل الشمس مشرقة ، وبالوجدانيات إن كانت باطنية نحو : لنا جوع مثلا.

٣ ـ المتواترات : وهي قضايا يحكم العقل بها بواسطة كثرة الشهادة المفيدة لليقين كالعلم بوجود مكة.

٤ ـ المجرّبات : وهي قضايا يحكم العقل بها بسبب مشاهدات متكرّرة مع انضمام قياس خفي ، وهو أنّه لو كان اتفاقيا لما كان دائما أو غالبا نحو : السقمونيا مسهل.

٥ ـ الحدسيات : وهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة حدس بمشاهدة القرائن ، كالحكم بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس لاختلافه بواسطة قربه وبعده عن الشمس ، والفرق بين التجربة والحدس ، أنّ الأول يتوقف على فعل الانسان ، فإنّ الانسان ما لم يجرّب الدواء بتناوله مكرّرا لا يحكم عليه بالأثر المطلوب ، بخلاف الحدس فإنه لا يتوقّف على ذلك.

٦ ـ الفطريات : وهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة وسط لا يغيب عن الذهن عند تصوّر طرفيها مثل : الأربعة زوج لكونه منقسما بمتساويين ، فإنّ الانقسام لا يغيب عن الذهن ، ثم مواد غير البرهان سبعة على ما في حاشية ملّا عبد الله :

٦٥

وقسم ينتهي إلى مادّة هي بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الإلهية والطبيعيّة ، وعلم الكلام وعلم اصول الفقه ، والمسائل النظريّة الفقهيّة وبعض القواعد

____________________________________

الأول : المشهورات : وهي قضايا يحكم العقل بها بواسطة عموم اعتراف الناس.

الثاني : المسلمات : وهي قضايا تؤخذ من الخصم على نحو التسليم.

الثالث : المقبولات : وهي قضايا تؤخذ عمّن يعتقد فيه.

الرابع : المظنونات : وهي قضايا يحكم العقل بسبب الظن الحاصل فيها.

الخامس : المخيّلات : وهي قضايا إذا وردت على النفس أثّرت فيها ، نحو : الخمر ياقوتية سيّالة ترغيبا ، والعسل مرّة مهوّعة تنفيرا.

السادس : الوهميات : وهي قضايا كاذبة يحكم الوهم في امور غير محسوسة قياسا على المحسوس ، مثل : كل موجود فهو متحيّز.

السابع : المشبّهات بغيرها : وهي قضايا يحكم العقل بها لاعتقاد أنّها من الأوليات ، أو المقبولات ، أو المسلّمات ، لاشتباهها بشيء منها ؛ إمّا بسبب اللفظ ، أو بسبب المعنى ، وهذه هي مواد القياس ذكرناها تفصيلا لأنّ ذكرها كذلك لا يخلو عن فائدة.

(وقسم ينتهي إلى مادة هي بعيدة عن الإحساس ، ومن هذا القسم الحكمة الإلهية) وهو : علم يبحث عن أحوال الوجود ، فيكون موضوعه هو الوجود ، ثم اختلف الفلاسفة في كثير من مسائل هذا العلم ، كاختلافهم في كيفية علم الله تعالى ، وأوصافه تعالى ، وفي أنّ الوجود هل حقيقة واحدة كما يقول به الاشراقيون ، أو حقائق متباينة الذوات كما نسب إلى المشّائين؟

(والطبيعيّة) وهو : علم يبحث عن أحوال الجسم الطبيعي ، ثم اختلفوا في أنّ الزمان هل هو موجود خارجي من مقولة الكم ، أو نسبة عقلية انتزاعية؟ كاختلافهم في أن الجسم هل هو مركب من الأجزاء التي لا تتجزّأ ، أم لا يكون كذلك؟

(وعلم الكلام) الباحث عن أحوال المبدأ والمعاد ، فاختلف المتكلّمون في كثير من مسائل هذا العلم كاختلافهم في الجبر والتفويض ، والأمر بين الأمرين مثلا.

(وعلم أصول الفقه).

فالاصوليون اختلفوا في كثير من المسائل الاصولية ، منها : اختلافهم في مقدمة

٦٦

المذكورة في كتب المنطق ، ومن ثم وقعت الاختلافات والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية والطبيعيّة ، وبين علماء الإسلام في اصول الفقه ومسائل الفقه وعلم الكلام وغير ذلك.

والسبب في ذلك أنّ القواعد المنطقيّة إنّما هي عاصمة عن الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادّة ، إذ أقصى ما يستفاد من المنطق في باب موادّ الأقيسة تقسيم الموادّ على وجه كلّيّ إلى أقسام ، وليست في المنطق قاعدة بها يعلم أنّ كلّ مادّة مخصوصة داخلة في أيّ قسم من الأقسام ، ومن المعلوم عند اولي الألباب امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك».

ثمّ استظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره ، وقال بعد ذلك :

____________________________________

الواجب هل هي واجبة أم لا؟ وكذا اختلافهم في المسائل الفقهية لا يحتاج إلى البيان فهذه الامور لا تكون حسية ، ولا قريبة بالإحساس.

فتحصّل من جميع ما ذكر أنّ العلوم النظرية على قسمين :

قسم ينتهي إلى مادة قريبة من الإحساس ، فلا يقع الخطأ في هذا القسم لأنّ الخطأ من جهة المادة لا يتصوّر ، إذ المفروض أنّها حسية ، أو قريبة من الإحساس ، والخطأ من جهة الهيئة والصورة مصون بعد تحقّق الشرائط في الشكل القياسي من الأشكال المنطقية فتكون النتيجة قطعية من دون وقوع الخطأ فيها.

وقسم ينتهي إلى مادة بعيدة عن الإحساس ، فيقع الخطأ فيه من جهة المادة ، إذ ليس لنا في المنطق قاعدة يصون بها الخطأ من جهة المادة ، وقد تقدّم الكلام في مواد الأقيسة ، وليست في المنطق قاعدة يعلم بها أنّ كل مادة مخصوصة داخلة في قسم من الأقسام المذكورة.

نعم ، إنّ الأقيسة من جهة الصورة لا يختلط بعضها ببعض حتى يتحقّق الاشتباه والخطأ من حيث الصورة ، فالحاصل من هذه المقدمة : إنّ القطع الحاصل من المقدمات العقلية غير الضرورية قد يكون خطأ ، فثبت ما يدّعيه المحدّث الأسترآبادي والأخباريون ، من كثرة الخطأ في المقدمات العقلية فلا يكون القطع الحاصل منها حجّة للعلّة المذكورة.

(ثم استظهر ببعض الوجوه تأييدا لما ذكره).

وحاصل ما استظهر من بعض الأخبار الدالة على أنّ الله تعالى خلط الحق والباطل ،

٦٧

«فإن قلت : لا فرق في ذلك بين العقليّات والشرعيّات ، والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في اصول الدين وفي الفروع الفقهيّة.

قلت : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة عقليّة باطلة بالمقدّمة النقليّة الظّنية أو القطعيّة ، ومن الموضّحات لما ذكرناه ـ من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادّة الفكر ـ أنّ المشّائين ادّعوا البداهة في أنّ تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين ، وعلى هذه المقدّمة بنوا إثبات الهيولى ، والاشراقيّين ادّعوا البداهة في أنّه ليس إعداما للشخص الأوّل ، وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتّصال».

ثمّ قال : «إذا عرفت ما مهّدناه من المقدّمة الدقيقة الشريفة ، فنقول : إن تمسّكنا بكلامهم عليهم‌السلام فقد عصمنا من الخطأ ، وإن تمسّكنا بغيرهم لم نعصم منه» انتهى كلامه.

والمستفاد من كلامه عدم حجّيّة إدراكات العقل في غير المحسوسات ، وما تكون مبادئه قريبة من الاحساس إذا لم تتوافق عليه العقول.

____________________________________

وجعل تفريقهما إلى الأنبياء ، هو أنّ بيان الحق منحصر بالأنبياء ، ثم الأوصياء ، فيجب علينا أن نأخذ الأحكام منهم ، وكل حكم وصل إلينا منهم يكون حقا ، والّا فلا ، فالحكم المستفاد من المقدمات العقلية لا يعلم أنه حقّ وإن حصل لنا القطع به.

(فإن قلت : لا فرق في ذلك).

أي : كثرة الخطأ بين المقدمات العقلية والشرعية ، فالخطأ كما يقع في المقدمات العقلية كذلك يقع في المقدمات الشرعية ، والشاهد على ذلك ما نشاهد من الاختلافات بين الفقهاء ، حيث يفتي بعض منهم بوجوب الجمعة ، ويفتي الآخر بحرمتها مع أنّا نعلم بخطإ أحد الحكمين فلا فرق بين المقدمات العقلية والشرعية.

(قلت : إنّما نشأ ذلك).

أي : الاختلاف من جهة انضمام المقدمة العقلية الباطلة بالمقدمة النقلية الظنية ، أو القطعية ، فيرجع منشأ الاختلاف إلى انضمام حكم العقل ، وعدم الاكتفاء بالنقل فيجب أن نرفع اليد من حكم العقل ، إذ الخطأ يكون ناشئا منه.

(ومن الموضّحات) لما ذكره المحدّث فيما تقدم من أنّه ليس في المنطق قاعدة تعصم من الخطأ في المادة ، اختلاف المشّائين والإشراقيين في أنّ تفرّق ماء كوز إلى كوزين هل

٦٨

وقد استحسن ما ذكره غير واحد ممّن تأخّر عنه ، منهم السيّد المحدّث الجزائري قدس‌سره

____________________________________

هو إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين ، أو ليس إعداما للشخص الأول وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتّصال؟ وادّعى المشّاءون بداهة الأول ، والاشراقيون بداهة الثاني ، فلا بدّ من البحث في امور :

منها : بيان أنّ المشّائين والإشراقيين من هما؟

فنقول : إنّهما طائفتان من الحكماء ، ويكون رئيس الطائفة الاولى هو المعلّم الأول ، ورئيس الطائفة الثانية من القدماء هو افلاطون ، ومن المتأخرين هو الشيخ السهروردي ، والطائفة الاولى يعتقدون بحصول العلم من طريق الاستدلال ، والوقوف على حقيقة الأشياء بالبرهان ، وذكروا في وجه تسميتهم بالمشّائين امورا :

منها : أن بناء المعلم كان على التدريس حين مشيه ذهابا إلى خدمة الاسكندر وإيابا منها.

ومنها : إنّ بناءهم كان على التعلّم ، والمشي إلى منزل الاستاذ.

والطائفة الثانية : يعتقدون بحصول العلم والوقوف على حقيقة الأشياء من طريق المكاشفة وتصفية الباطن حتى يصير محلّا للفيض ، وقابلا له ، فيحصل له العلم بإشراق من النفس.

وللفريقين اختلافات كثيرة في مسائل متعدّدة :

منها : مسألة تركّب الجسم من الهيولى والصورة ، وعدم تركّبه منهما ، فذهب المشّاءون إلى الأول ، والإشراقيون إلى الثاني ، هذا تمام الكلام في الأمر الأول.

ومنها : بيان محل النزاع.

فنقول : إنّ محل النزاع يتّضح بعد بيان أمرين :

الأمر الأول : أنّ الجوهر ـ على ما في علم المنطق ـ على خمسة أقسام ، وذلك لأنّ الجوهر إمّا مفارق ، أو مقارن ، والأول إمّا مفارق في ذاته وفعله ، فهو العقل ، أو مفارق في ذاته فقط وهو النفس ، والثاني إمّا أن يكون محلّا لجوهر آخر وهو الهيولى أو يكون حالّا ، وهو الصورة ، أو يكون مركّبا عنهما وهو الجسم ، ومحلّ النزاع هو القسم الثالث من الجوهر المادي ، والمشّاءون يقولون بتركّب الجسم ، فيكون الجوهر المتقارن ثلاثة ، والإشراقيون

٦٩

في أوائل شرح التهذيب ، على ما حكي عنه ، قال بعد ذكر كلام المحدّث المتقدّم بطوله :

____________________________________

يقولون بعدم تركّب الجسم ، فيكون الجوهر المادي قسما واحدا ، فتقسيم الجوهر إلى الخمسة صحيح على قول المشّائين ، والّا فعلى قول الإشراقيين يكون الجوهر على ثلاثة أقسام.

والأمر الثاني : أنّ الجسم على قسمين : طبيعي وتعليمي ، ومحلّ النزاع هو الجسم الطبيعي من الجوهر المادي ، لا الجسم التعليمي.

فاتّضح من الأمرين أنّ محلّ النزاع هو الجسم الطبيعي ، فإنّه بسيط عند الاشراقيين ، غاية الأمر هذا الأمر البسيط من حيث جوهريّته يسمّى جسما ، ومن حيث قبوله للصور النوعية يسمّى هيولى ، وأنّه مركب عند المشّائين من المادة والصورة ، والأول ـ أعني : المادة ـ محلّ واستعداد ، والثاني ـ أعني : الصورة ـ حال وفعلية.

ومنها : بيان ما استدلّ به المشّاءون واحتجّوا عليه بوجوه ، والعمدة منها هو برهان الفصل والوصل ، وتقريب هذا البرهان يبتنى على أمرين :

الأمر الأول : أنّ الجسم متّصل في ذاته بعد بطلان تركّبه من الجزء الذي لا يتجزّأ ، ومن الأجرام الصغار الصلبة الديمقراطسية ، والاتصال الحقيقي هو عين الجسم في مقابل الاتصال العرضي الذي يكون عارضا عليه.

والأمر الثاني : أنّ هذا الجسم المتصل قابل للانفصال ، فنقول بعد إثبات الأمرين : إنّه إذا طرأ عليه الانفصال كتفرق ماء كوز إلى كوزين ينعدم الاتصال الأول ، ويحدث جوهران متّصلان في ذاتيهما ، فيسأل الإشراقيون : ممّا طرأ عليه الانفصال ، هل هو الاتصال أو شيء آخر؟ إذا قالوا هو الاتصال الأول ، لقلنا : إنّه لا يصحّ لأنّه قد انعدم ، وقابل الشيء يجب أن يكون باقيا مع المقبول كالجسم القابل للبياض.

فلا بدّ أن يكون قابل الانفصال أمرا آخرا مشتركا بين المتّصل الأول وبين هذين المتّصلين ، وأن يكون ذلك الأمر المشترك باقيا في الحالتين لئلّا يلزم من تفرق ماء كوز إلى كوزين إعدام الماء الأول ، وإيجاد الماءين من كتم العدم ، إذ هو باطل بالضرورة والوجدان ، وليس ذلك الأمر المشترك الّا الهيولى ، فثبت أنّ الجسم المتّصل بالاتّصال الحقيقي يكون مركّبا من الاتصال وهو الصورة ، وعمّا فيه الاتصال وهو الهيولى.

٧٠

«وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب اليه.

فإن قلت : قد عزلت العقل عن الحكم في الاصول والفروع ، فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل؟

____________________________________

ومن هذا البيان يظهر ثبوت الهيولى ، ويظهر صحة ما ادّعاه المشّاءون من أنّ تفرّق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه ، وإحداث لشخصين آخرين.

والإشراقيون ادّعوا البداهة في أن تفرق ماء كوز إلى كوزين ليس إعداما للشخص ، بل هو باق ، وإنّما انعدمت صفة من صفاته ، وهذه الدعوى منهم مبنيّة على أن يكون المراد من الاتّصال في الجسم هو الاتّصال العرضي الذي هو من مقولة الكم ، فيرجع النزاع إلى كونه لفظيا ولكن على تقدير عدم كون النزاع لفظيا يكون أحد القولين خطأ ، مع أنّهما قد ادّعيا البداهة ، فيكون هذا الخطأ شاهدا على أنه لم يكن في المنطق قانون يعصم من الخطأ في مادة الفكر.

(وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه).

قد وافق المحدّث الجزائري المحدّث الأسترآبادي حيث قال في شرح التهذيب بعد ذكره كلام المحدّث الأسترآبادي : وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب اليه ، ولكن يكون المحدّث الجزائري بعد اعتباره ما اعتبره المحدّث السابق مخالفا له في موضعين :

أحدهما : اعتباره حكم العقل في البديهيات ، وإن لم يكن ثبوتها من الشرع ضروريا ، بخلاف المحدّث الأسترآبادي حيث قال بانحصار الدليل في غير الضروريات الدينية بالسماع عن الصادقين عليهم‌السلام فتكون النسبة بينهما عموما من وجه ، مادة الاجتماع هو اعتبار النقل في غير الضروريات الدينية ، ومادة الافتراق عن جانب المحدّث الأسترآبادي هو عدم اعتبار حكم العقل في الأحكام الشرعيّة مطلقا ، ومادة الافتراق عن جانب المحدّث الجزائري هو اعتبار حكم العقل في البديهيات وإن لم يكن ثبوتها من الشرع ضروريا.

وثانيهما : تقديم المحدّث الجزائري حكم العقل المعاضد بالنقل على النقل المعارض له ، بخلاف المحدّث الأسترآبادي حيث يقول بتقديم الحكم النقلي على العقلي مطلقا.

(فإن قلت : قد عزلت العقل عن الحكم ... إلى آخره).

وحاصل الإشكال : إنّك قد أسقطت العقل عن الحكم في الاصول والفروع مع أنّه حجّة

٧١

قلت : أمّا البديهيات فهي له وحده ، وهو الحاكم فيها ، وأمّا النظريات ؛ فإن وافقه النقل وحكم بحكمه قدّم حكمه على النقل وحده ، وأمّا لو تعارض هو والنقلي فلا شك عندنا في ترجيح النقل وعدم الالتفات إلى ما حكم به العقل ـ قال ـ : وهذا أصل يبتني عليه مسائل

____________________________________

من الله تعالى كما في بعض الروايات : على الناس حجّتان حجّة ظاهرية وهو الرسول ، وحجّة باطنية وهو العقل (١).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : (لمّا خلق الله العقل استنطقه ثم قال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك ، ولا أكملتك الّا فيمن أحبّ ، أما إنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى ، وإيّاك اعاقب وإيّاك اثيب) (٢).

فالمستفاد من هذه الروايات هو حجّية حكم العقل ، والأخباريون يعملون بالروايات الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام فكيف يقولون بعدم حجّية العقل مع أنّ الروايات دلّت على حجّية العقل؟

(قلت : أمّا البديهيات فهي له وحده).

يعني : أقول في الجواب : إنّا لم نعزل العقل على نحو كلّي حتى يشكل بما ذكر ، إذ البديهيات كوجوب شكر المنعم ، وحسن الإحسان ، وقبح الظلم ، وقبح التكليف بما لا يطاق ، فهي له وحده.

(وأمّا النظريات).

فحكم العقل ـ أيضا ـ فيها معتبر مطلقا ، يعني : سواء كانت منتهية إلى الحسّ ، أو قريبة منه ، أو بعيدة عنه ما لم يكن حكم العقل معارضا للنقل.

نعم ، إن عارضه النقل ، وكان العقل مؤيّدا بالنقل بأن وافقه النقل قدّم حكمه على النقل المجرد ، كحكم العقل بقبح قصد المعصية المعارض للنقل الدالّ على عدم العقاب بقصد المعصية ، لكنه موافق للنقل الدالّ على العقاب بقصد المعصية.

(وأمّا لو تعارض هو والنقلي) كإنكار العقل وحده للمعراج الجسماني لأن الأفلاك لا تقبل الخرق والالتئام ، والنقل المعتبر دل على تحقّق المعراج (فلا شكّ عندنا في ترجيح

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦ / ١٢ ، بالمعنى.

(٢) الكافي ١ : ١٠ / ١.

٧٢

كثيرة ...» ثم ذكر جملة من المسائل المتفرعة.

أقول : لا يحضرني شرح التهذيب حتى الاحظ ما فرّع على ذلك ، فليت شعري! إذا فرض حكم القطع على وجه القطع بشيء كيف يجوز حصول القطع أو الظنّ من الدليل النقليّ على خلافه؟! وكذا لو فرض حصول القطع من الدليل النقليّ ، كيف يجوز حكم العقل بخلافه على وجه القطع؟

وممّن وافقهما على ذلك ـ في الجملة ـ المحدّث البحراني في مقدّمات الحدائق ، حيث نقل

____________________________________

النقل) على العقل.

(وهذا أصل) يعني : تقديم النقل (يبتني عليه مسائل كثيرة) :

منها : مسألة الإحباط والعقل يحكم بنفيه مع أنّ النقل من الروايات والآيات دالة عليه.

ومنها : سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعقل يحكم بامتناعه ، لأنه عيب ، والمستفاد من الأخبار جوازه ، وقد عمل بها الصدوق رحمه‌الله.

ومنها : حكم العقل بامتناع المعراج الجسماني ، والنقل قد دلّ على تحقّقه.

ومنها : حكمه بامتناع المعاد الجسماني من أجل امتناع إعادة المعدوم مع دلالة الأخبار على ثبوته وإمكانه ، وهذه هي المسائل المتفرعة على الأصل ، ومن يريد أن يعلم فسادها فعليه الرجوع إلى بحر الفوائد للمحقّق الآشتياني رحمه‌الله.

(فليت شعري! إذا فرض حكم العقل على وجه القطع بشيء كيف يجوز حصول القطع أو الظن من الدليل النقلي على خلافه؟!).

وحاصل ردّ المصنّف رحمه‌الله على المحدّث الجزائري هو أنّ ما ذكره هذا المحدّث من تعارض القطع الحاصل من العقل مع القطع الحاصل من النقل باطل ، ويكون بطلانه أظهر من الشمس في عدم حاجته إلى تكلّف الاستدلال والبيان.

إذ حصول القطع على خلاف القطع الآخر محال. بل حصول الظن على خلاف القطع أو على خلاف الظن الآخر لا يمكن أصلا ، مثلا : إذا حصل لنا القطع بحرمة شيء لا يمكن أن يحصل لنا القطع بعدم الحرمة مع بقاء القطع الأول ، فالصغرى أي : تعارض القطعين ممنوعة ، ولا تصل النوبة إلى الكبرى وهي تقديم حكم النقل على حكم العقل.

(وممّن وافقهما على ذلك ـ في الجملة ـ المحدّث البحراني).

٧٣

كلاما للسيّد المتقدّم في هذا المقام واستحسنه ، إلّا أنّه صرّح بحجّية العقل الفطري الصحيح وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له.

ثم قال : «لا مدخل للعقل في شيء من الأحكام الفقهيّة من عبادات وغيرها ، ولا سبيل إليها إلّا السماع عن المعصوم ، لقصور العقل المذكور عن الاطّلاع عليها» ثم قال : «نعم ، يبقى الكلام بالنسبة إلى ما يتوقّف على التوقيف ، فنقول :

____________________________________

كلمة (في الجملة) التي وردت في كلام المصنّف رحمه‌الله تشعر على أنّه وافقهما في بعض المطالب المذكورة في كلامهما على نحو الإيجاب الجزئي ، لأنّ المحدّث البحراني قد أخرج الدليل العقلي الفطري الصحيح ، وحكم باعتباره مطلقا ، وحكم بمطابقته للشرع ومطابقة الشرع له ، بمعنى كل مورد حكم العقل الفطري بقبح شيء أو حسنه يحكم الشرع بحرمته أو وجوبه ، وهذا هو المراد من قولهم : كلّما حكم به العقل حكم به الشرع ، فقد أخرج هذا القسم من حكم العقل عن محل النزاع.

ويكون في هذا مخالفا للمحدّثين السابقين ، لأنّهما لم يفصلا بين الفطري وغيره ، وأخرج ـ أيضا ـ الأحكام الفقهية من الأدلة العقلية غير الفطرية حيث قال : لا سبيل إليها الّا السماع عن المعصوم لقصور العقل عن الاطّلاع عليها مع أنّ الأسترآبادي ، والجزائري لم يفرّقا بين الأحكام الفقهية وغيرها ، وهذا الفرق مختص بالمحدّث البحراني ، فيكون مخالفا لهما فيه. نعم ، وافقهما في غير الفطري وغير الأحكام ، فحكم بمثل ما حكما به ، وهذا معنى موافقته معهما في الجملة.

ثم المراد بالعقل الفطري ـ أي : الجبلّي ـ : ما يكون خاليا عن عيوب الأوهام وخالصا عن كل خيال ، ولم يكن لشيء آخر دخالة فيه ، وتصدر منه الأحكام البديهية نحو : لنا صانع ولنا وجود ، ولو كان بعيدا عن الاجتماع مثل من كان في واد فارغ عن كل شيء ، نعم ، لو خلط بشيء آخر ، يعني كان حكمه بتأييد شيء آخر ، فيقال له العقل بقول مطلق. أي : غير مقيد بالفطري ، ومنه يصدر أكثر الأحكام ، وهذه الأحكام تسمّى بالأحكام العقلية نحو الأحكام الصادرة عن الطغاة وفسقة زماننا ، ويدعون أن ما يحكمون به يكون فطريا ، ومن يحكم على خلافهم ـ أيضا ـ يدعي صدور الحكم عن العقل الفطري لأنّ تشخيص ما يصدر عن العقل الفطري ، وما يصدر عن غيره مشكل جدا.

٧٤

إن كان الدليل العقليّ المتعلّق بذلك بديهيّا ظاهر البداهة ، مثل الواحد نصف الاثنين ، فلا ريب في صحّة العمل به ، وإلّا فإن لم يعارضه دليل عقليّ ولا نقليّ فكذلك ، وإن عارضه دليل عقليّ آخر فإنّ تأيّد أحدهما بنقليّ كان الترجيح للمتأيّد بالدليل النقلي ، وإلّا فإشكال ، وإن عارضه دليل نقليّ ، فإن تأيّد ذلك العقلي بدليل نقلي كان الترجيح للعقلي ، إلّا أنّ هذا في الحقيقة تعارض في النقليّات ، وإلّا فالترجيح للنقلي ، وفاقا للسيّد المحدّث المتقدّم ذكره وخلافا للأكثر.

هذا بالنسبة إلى العقليّ بقول مطلق ، أما لو اريد به المعنى الأخصّ ، وهو الفطريّ الخالي عن شوائب الأوهام الذي هو حجّة من حجج الملك العلّام ـ وإن شذّ وجوده في الأنام ـ ففي ترجيح النقلي عليه إشكال» انتهى.

____________________________________

(إن كان الدليل العقلي المتعلّق بذلك بديهيا ظاهر البداهة مثل الواحد نصف الاثنين) كقبح الظلم والتكليف بما لا يطاق ، وحسن الإحسان ، ووجوب شكر المنعم ، (فلا ريب في صحة العمل به) واعتباره مطلقا ، (والّا فإن لم يعارضه دليل عقلي) نحو حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان.

ولا يعارض هذا الحكم بحكمه على وجوب دفع الضرر المحتمل ، لأن احتمال الضرر بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان منتف قطعا(وإن عارضه دليل عقلي آخر) نحو حكم العقل بامتناع سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكونه عيبا المعارض لحكمه بإمكانه لكونه لطفا على امّته ، (فإن تأيّد أحدها بنقلي) مثل : تأييد الحكم بالإمكان بالأخبار الدالّة على سهوه صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة كان الترجيح للمتأيّد بالدليل النقلي.

(وإلّا فاشكال) مثل : حكم العقل بلزوم حشر الناس يوم القيامة بهذه الأبدان لأنّ الأعمال صدرت منها ، وهذا الحكم منه معارض مع حكمه بحشرهم بغير هذه الابدان لامتناع إعادة المعدوم ، ولم يتأيد أحدهما بالنقل ، إذ المستفاد من النقل هو مجرد الحشر فرضا.

(وإن عارضه دليل نقلي ، فإن تأيّد ذلك العقلي بدليل نقلي كان الترجيح للعقلي) مثل : حكم العقل بقبح قصد المعصية المعارض بالنقل الدال على عدم العقاب بالقصد ، إلّا أنّ هذا الحكم من العقل يكون مؤيّدا بالنقل الدال على العقاب بالقصد.

٧٥

ولا أدري كيف جعل الدليل النقلي في الأحكام النظريّة مقدّما على ما هو في البداهة من قبيل : الواحد نصف الاثنين ، مع أنّ ضروريّات الدّين والمذهب لم تزد في البداهة على ذلك؟!

____________________________________

(وإلّا فالترجيح للنقلي) مثاله : كحكم العقل بعدم ثبوت المعراج الجسماني المعارض بالنقل الدال على ثبوت المعراج الجسماني ، ولم يكن لهما مؤيّد.

(ولا أدري كيف جعل الدليل النقلي في الأحكام النظرية مقدّما على ما هو في البداهة من قبيل : الواحد نصف الاثنين؟).

هذا الإشكال من المصنّف رحمه‌الله بعيد لأنّ المحدّث البحراني لم يقل بتقديم الدليل النقلي على هذا القسم من الدليل العقلي ، بل أخرج هذا القسم عن محل النزاع حيث قال : إن كان الدليل العقلي المتعلّق بذلك بديهيا ظاهر البداهة مثل : الواحد نصف الاثنين ، فلا ريب في صحة العمل به ، فيكون موافقا للمصنّف رحمه‌الله ، فما ذكره المصنّف رحمه‌الله من الإشكال غير وارد عليه.

ويتضح جواب المصنّف عمّا ذكره المحدّث البحراني بعد ذكر امور :

منها : حكمه باعتبار الدليل العقلي البديهي.

ومنها : حكمه باعتبار الدليل العقلي ، وإن لم يكن بديهيا إذا لم يكن معارضا بدليل عقلي أو نقلي ، ويكون المحدث البحراني موافقا للمصنّف في هذين الأمرين ، فيكون اعتراض المصنّف عليه في غير محلّه.

ومنها : إنّه حكم بالترجيح في ثلاثة موارد ، وهي مذكورة تفصيلا فنكتفي بذكرها اجمالا :

المورد الأول : قوله : كان الترجيح للمتأيّد بالدليل النقلي.

والثاني : قوله : كان الترجيح للعقلي.

والثالث : قوله : والّا فالترجيح للنقلي.

وما يأتي من الجواب عن هذا الترجيح هو جواب عن جميع هذه الموارد.

ومنها : إنه قد حكم بالإشكال في الموردين : المورد الأول : حيث قال : والّا فإشكال.

والمورد الثاني : قال في آخر كلامه : ففي ترجيح النقلي عليه إشكال ، فقد اتّضح من هذه

٧٦

والعجب ممّا ذكره في الترجيح عند تعارض العقل والنقل! كيف يتصوّر الترجيح في القطعيّين ، وأيّ دليل على الترجيح المذكور؟!

وأعجب من ذلك الاستشكال في تعارض العقليّين من دون ترجيح مع أنّه لا إشكال في تساقطهما ، وفي تقديم العقلي الفطري الخالي عن شوائب الأوهام على الدليل النقلي ، مع أنّ العلم بوجود الصانع إمّا أن يحصل من هذا العقل الفطري أو ممّا دونه من العقليّات البديهيّة ، بل النظريّات المنتهية إلى البداهة.

____________________________________

الموارد أنّ ما أجابه المصنّف رحمه‌الله عن موارد الترجيح من جواب واحد جواب عن الجميع لأن الملاك ـ وهو منع الترجيح صغرى وكبرى ـ واحد في جميع موارد الترجيح ، حيث قال : (والعجب ممّا ذكره في الترجيح).

وحاصل الجواب أن الترجيح ممنوع وباطل صغرى وكبرى ، أمّا الصغرى فلامتناع التعارض بين القطعين لاستحالة حصول قطع على خلاف قطع آخر كما تقدّم في كلام المحدّث الجزائري ، وأمّا من حيث الكبرى فلعدم الدليل على الترجيح المذكور على تقدير إمكان التعارض ، إذ ما دلّ على ترجيح أحد الدليلين على الآخر كما هو في باب التعادل والتراجيح دلّ على ترجيح الدليل الظني على الدليل الظني الآخر ، فلا يجري في المقام.

(وأعجب من ذلك الاستشكال في تعارض العقليين من دون ترجيح مع أنّه لا إشكال في تساقطهما) هذا جواب عن المورد الأول المذكور في كلام المحدّث ، حيث قال : والّا فاشكال.

قوله : (وفي تقديم النقلي) جواب عن الإشكال الثاني المذكور في كلامه حاصل الجواب : لا ريب ولا شبهة في تقديم الدليل العقلي الفطري على النقلي ، ووجه الأعجبية بعد اشتراكه مع الفرض السابق في عدم الدليل على الترجيح أنّه قد صرّح بحجّية العقل الفطري مطلقا ، وقال : إن ما حكم به هذا العقل الفطري يكون مطابقا للشرع ، فكيف يتصوّر تعارضه مع النقل مع أن التعارض فرع للمخالفة؟

(بل النظريات المنتهية إلى البداهة) نحو : العالم حادث ، وكل حادث يحتاج إلى محدث ، فالعالم يحتاج إلى محدث ، وهذا البرهان نظري ينتهي إلى البديهي ، مثل : العالم

٧٧

والذي يقتضيه النظر ـ وفاقا لأكثر أهل النظر ـ أنّه كلّما حصل القطع من دليل عقليّ فلا يجوز أن يعارضه دليل نقليّ ، وإن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بدّ من تأويله إن لم يمكن طرحه ، وكلّما حصل القطع من دليل نقليّ ، مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا ، فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقليّ ، مثل استحالة تخلّف الأثر عن المؤثّر ، ولو حصل منه صورة برهان كانت شبهة في مقابلة البديهة ،

____________________________________

متغيّر ، وكل متغيّر حادث ، فالعالم حادث لأن التغير أمر وجداني يثبت به حدوث العالم.

(والذي يقتضيه النظر ـ وفاقا لأكثر أهل النظر ـ أنّه كلّما حصل القطع من دليل عقلي فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي).

وحاصل ما اختاره المصنّف رحمه‌الله في المقام وفاقا للأكثر هو أنّه كلّما حصل القطع من دليل عقلي فطريا كان أم بديهيا أو غيرهما فلا يجوز أن يعارضه دليل نقلي.

(وإن وجد ما ظاهره المعارضة فلا بدّ) من طرح ما ظاهره المعارضة إن أمكن ، مثل ما لم يكن قطعيا من حيث السند كالأخبار الدالة على كون الله تعالى جسما ، وما لا يمكن طرحه ممّا يكون قطعيا من حيث السند ، والصدور كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١) الظاهر في أنّه تعالى جسم استقر على العرش والكرسي ، فلا بدّ من تأويله بما لا ينافي حكم العقل بأنه تعالى ليس بجسم ، فيقال : إن كونه تعالى على العرش كناية عن الاستيلاء والتدبير.

(وكلّما حصل القطع من دليل نقلي ، مثل القطع الحاصل من إجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا ، فلا يجوز أن يحصل القطع على خلافه من دليل عقلي ، مثل استحالة تخلف الأثر عن المؤثّر).

والحاصل أنّ الإجماع قد قام على حدوث العالم زمانا ، فلا يمكن أن يحصل القطع من دليل عقلي على حدوث العالم ذاتا كما ذهب إليه الحكماء واستدلوا عليه بأن العالم أثر ومعلول للصانع القديم ، وكل ما هو أثر للقديم قديم ، فالعالم قديم ، لاستحالة انفكاك

__________________

(١) طه : ٥.

٧٨

لكن هذا لا يتأتّى في العقل البديهيّ من قبيل : الواحد نصف الاثنين ، ولا في الفطريّ الخالي عن شوائب الأوهام ، فلا بدّ في مواردهما من التزام عدم حصول القطع من النقل على خلافه ، لأنّ الأدلّة القطعيّة النظريّة في النقليّات مضبوطة محصورة ، ليس فيها شيء يصادم العقل البديهيّ أو الفطريّ.

فإن قلت : لعلّ نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار ، مثل قولهم عليهم‌السلام : (حرام

____________________________________

المعلول عن العلّة ، واختلف الحكماء وأهل الشرائع في حدوث العالم زمانا ولا خلاف بينهم في حدوث العالم ذاتا.

والمراد من الحادث الزماني : أن الحادث يكون مسبوقا بالعدم في زمان ما.

ثم المراد من القديم الزماني : ما لم يكن وجوده مسبوقا بالعدم في زمان ما.

والمراد من الحادث الذاتي : هو أن الحادث يكون مسبوقا بالعدم ، أو بالغير من دون تقييد بالزمان.

ثم المراد من القديم الذاتي : ما لم يكن وجوده مسبوقا بالعدم ، أو بالغير بل يقتضي بذاته الوجود.

فالحدوث الذاتي أعمّ من الزماني ، فكل ما يكون حادثا زمانا يكون حادثا ذاتا وبعض ما يكون حادثا ذاتا لا يكون حادثا زمانا ، والقديم بالعكس ، فيكون القديم الزماني أعمّ من الذاتي كما هو واضح.

وقام الإجماع من الشرائع على كون العالم حادثا زمانا ، يعني : كان الله ولم يكن معه شيء ، فلا يصغى إلى ما ذهب إليه الحكماء من القول بحدوث العالم ذاتا وما استدلوا به ليس الّا شبهة في مقابل البداهة ، فهو صورة برهان وفي الحقيقة ليس ببرهان لكذب الكبرى فيما ذكروه من : كل أثر للقديم قديم ، لأنّا كلّنا أثر للقديم ، ولسنا بقدماء بالوجدان والضرورة ، فما ذكروه برهان صورة وشبهة حقيقة.

(لكن هذا) أي : التعارض إنّما يحصل في غير الفطري ، والبديهي كما تقدّم (لا يتأتّى) في البديهي ، والفطري ، إذ لا يحصل القطع على الخلاف من الدليل النقلي ، بل لا يتأتّى في مطلق العقل القطعي ، إذ يمتنع حصول القطع بالمتنافيين كما تقدّم ذكره.

(فإن قلت : لعل نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار).

٧٩

عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا) (١) وقولهم عليهم‌السلام : (ولو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وحجّ دهره وتصدّق بجميع ماله ، ولم يعرف ولاية وليّ الله ، فتكون أعماله بدلالته فيواليه ، ما كان له على الله ثواب) (٢) وقولهم عليهم‌السلام : (من دان الله بغير سماع من صادق فهو كذا وكذا) (٣) إلى غير ذلك ، من أنّ الواجب علينا هو امتثال أحكام الله تعالى التي بلّغها حججه عليهم‌السلام فكلّ حكم لم

____________________________________

هذا هو الوجه الثاني الذي يمكن أن يستدل الأخباريون به. يذكر المصنّف رحمه‌الله هذا الوجه بعنوان : إن قلت ، بعد فراغه عن إبطال الوجه الأول ، والمحتمل من هذه الأخبار على تقدير دلالتها على عدم جواز الاعتماد على الحكم العقلي القطعي وجوه ، كما يظهر بعض هذه الوجوه من جواب المصنّف رحمه‌الله :

أحدها : أن يكون المقصود منها بيان تقييد الأحكام الواقعية بتبليغ الحجّة بأن لا يكون هناك حكم واقعي أوّلي أصلا قبله.

ثانيها : أن يكون المقصود منها بيان مدخليّة توسّط تبليغ الحجّة في وجوب إطاعة حكم الله تعالى ، بأن كانت الأحكام باقية على إطلاقها الّا أنّ تنجّز التكليف بها موقوف على تبليغ الحجّة ، فلا تجب إطاعتها قبله وإن قطع العقل بها.

ثالثها : أن يكون المقصود بيان مدخليّة بلوغ ما بلّغه الحجّة إلينا في تنجّز التكليف بالواقع ، سواء كان بلوغه بطريق القطع أو الظن ، والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني أن مفاد الوجه الثاني هو كفاية صدور الأحكام عن أهل العصمة في تنجّز التكليف ، هذا بخلاف الوجه الثالث حيث توقف تنجّز التكليف فيه على تبليغ الحجّة ، وصدور الحكم عنه مع بلوغه إلينا بواسطة الحجّة ، فتنجّز التكليف يتوقف على تبليغ أهل العصمة وصدور الأحكام عنهم مع بلوغها إلينا بواسطتهم.

والمستفاد من جواب المصنّف رحمه‌الله هو الوجه الثاني والثالث ، حيث يكون قوله : «أولا : نمنع ... إلى آخره» وقوله : «وثانيا : سلمنا ... إلى آخره» ردّا وناظرا إلى الوجه الثاني ، وقوله في ذيل الجواب الثاني : «الّا أن يدّعى» ناظرا إلى تقريب الوجه الثالث ، ثم ردّه ولم يتعرض

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٠٢ / ١ ، وفيه : (شرّ) بدل (حرام).

(٢) الوسائل ٢٧ : ٤٢ ، أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي فيه ، ب ٦ ، ح ١٣ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ١ : ٣٧٧ / ٤ ، بالمعنى.

٨٠