دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

لا يرجع إلى الاختيار قبحه غير معلوم ، كما تشهد به الأخبار الواردة في أنّ : (من سنّ سنّة حسنة كان له مثل أجر من عمل بها ، ومن سنّ سنّة سيّئة كان له مثل وزر من عمل بها) (١).

فإذا فرضنا أنّ شخصين سنّا سنّة حسنة أو سيئة واتّفق كثرة العامل بإحداهما وقلّة العامل بما سنّه الآخر ، فإنّ مقتضى الروايات كون ثواب الأوّل أو عقابه أعظم.

وقد اشتهر : (أنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا) والأخبار في أمثال ذلك في

____________________________________

والمقام من القسم الثاني ؛ لأنّ المصادفة بنفسها وإن كانت غير اختيارية ولكن ترجع بالآخرة إلى الاختيار ، بمعنى أنّها نتيجة للشرب الاختياري ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، هذا في جانب العقاب ، وأمّا عدم العقاب فيصح أن يكون منوطا بأمر خارج عن الاختيار كما ذكرنا.

فالمخلّص أن التفاوت بالاستحقاق والعدم يحسن أن يكون منوطا ببعض ما هو خارج عن الاختيار ، فقول القائل : بأن التفاوت بالاستحقاق والعدم لا يحسن أن يناط بمطلق ما هو خارج عن الاختيار ممنوع وباطل.

(كما تشهد به) أي : بعدم قبح التفاوت بأمر خارج عن الاختيار(الأخبار الواردة).

ولتوضيح مضمون هذه الأخبار وتطبيقها في المقام نقول :

الظاهر من هذه الأخبار أن الامور الخارجة عن الاختيار قد تكون دخيلة في استحقاق كثرة الثواب والعقاب وقلّتهما كمدخليّتها في المقام في أصل الاستحقاق وعدمه ، اذ المستفاد منها ان كثرة العامل بسنّة أحد الشخصين وقلّته بسنّة الآخر مؤثّرتان في كون ثواب الأول أو عقابه أكثر وأعظم من الثاني مع أن كثرة العامل وقلّته خارجتان عن اختيارهما.

فالحاصل أن ما يصلح أن يكون مؤثّرا في الكثرة والقلّة من أمر غير اختياري كما في مورد الأخبار هو يصلح أن يكون مؤثّرا في أصل الاستحقاق وعدمه كما في المقام.

(وقد اشتهر : (أنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا)) مع أن الإصابة أمر خارج عن الاختيار لكنه مؤثر في الأجر ، وكذلك نقصان ثواب المخطئ عن ثواب المصيب ليس

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٢٤ ـ ٢٥ ، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه ، ب ٥ ، ح ١. غوالي اللآلئ ١ : ٢٨٥ ، ح ١٣٦. صحيح مسلم ٢ : ٥٨٣ / ١٠١٧. المعجم الأوسط ٤ : ٤٢١ / ٣٧٠٥ ، بتفاوت يسير في الجميع.

٤١

طرفي الثواب والعقاب بحدّ التواتر ، فالظاهر أنّ العقل إنّما يحكم بتساويهما في استحقاق المذمّة من حيث شقاوة الفاعل وخبث سريرته مع المولى ، لا في استحقاق المذمّة على الفعل المقطوع بكونه معصية.

وربّما يؤيّد ذلك أنّا نجد من أنفسنا الفرق في مرتبة العقاب بين من صادف فعله الواقع وبين من لم يصادف.

إلّا أن يقال : إنّ ذلك إنّما هو في المبغوضات العقلائيّة من حيث إنّ زيادة العقاب من المولى وتأكّد الذمّ من العقلاء بالنسبة إلى من صادف اعتقاد الواقع لأجل التشفّي المستحيل في حقّ الحكيم تعالى ، فتأمّل.

وقد يظهر من بعض المعاصرين : «التفصيل في صورة القطع بتحريم شيء غير محرّم

____________________________________

الّا لأمر غير اختياري وهو عدم الإصابة :

(وربّما يؤيّد ذلك أنّا نجد من أنفسنا الفرق ... إلى آخره).

يعني : يؤيد ذلك ، أي : التفاوت بين من صادف قطعه الواقع فيكون مستحقا للعقاب ، ومن لم يصادف قطعه الواقع فلا يكون مستحقا له ، أنّا نجد من أنفسنا الفرق في مرتبة الذم بين من صادف وبين من لم يصادف فنذم المصادف من جهتين : إحداهما من حيث الفعل ، وثانيتهما من حيث الفاعل ، بخلاف غير المصادف ، فنذمّه على كونه غير مبال ، فيكون الذم في حقه من جهة واحدة وهي جهة خبث الباطن فقط ، وزيادة الذم في حق المصادف ليس الّا بأمر غير اختياري ، فهذا التفاوت عند العرف يؤيّد التفاوت في المقام بأن يستحق شارب الخمر للعقاب دون شارب الخل (إلّا أن يقال :) إن ذلك التفاوت إنّما هو في المبغوضات العقلائية من جهة التشفّي المحال في الحكيم تعالى ، فلا يكون مؤيّدا لما نحن فيه.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى الفرق بين المصادف وغيره مع قطع النظر عن التشفّي لأنّنا نرى ذلك من حال غير المتشفّي ، فحكم العقلاء من حيث إنّهم عقلاء باستحقاق عقاب من صادف قطعه الواقع دون غيره مؤيّد للمقام.

(وقد يظهر من بعض المعاصرين التفصيل ... إلى آخره).

وهو صاحب الفصول ، وحاصل ما ذكره من التفصيل : إن المكلّف إذا اعتقد بحكم

٤٢

واقعا ، فرجّح استحقاق العقاب بفعله ، الّا أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة ، فإنّه لا يبعد عدم استحقاق العقاب عليه مطلقا ، أو في بعض الموارد ، نظرا إلى معارضة الجهة الواقعيّة للجهة الظاهريّة فإنّ قبح التجرّي عندنا ليس ذاتيّا ، بل يختلف بالوجوه

____________________________________

إلزامي سواء كان بالاعتقاد الجزمي أو الظني المعتبر فلا يخلو الأمر ؛ إمّا أن يكون موافقا للواقع أو مخالفا له ، وعلى الثاني ؛ إمّا أن يكون الحكم الواقعي المخالف لما اعتقده حكما إلزاميا كالوجوب أو غير إلزامي كالإباحة والاستحباب ، وعلى تقدير كونه إلزاميا لا يخلو ؛ إمّا أن يكون تعبّديا يعتبر في سقوطه قصد القربة ، أو توصّليا ، فإن كان موافقا للواقع فليس عليه إلّا عقاب واحد ، ويأتي في كلام المصنّف رحمه‌الله حيث نسب إلى صاحب الفصول القول بتداخل العقاب فيما لو صادف التجرّي المعصية ، فإن كان مخالفا للواقع وكان الواقع حكما غير إلزامي أو إلزاميا تعبّديا فيحكم باستحقاق العقاب على مخالفة ما اعتقده.

نعم ، لو كان الواقع حكما إلزاميا توصّليا كما أشار اليه بقوله : (تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة) فيحكم بعدم استحقاق العقاب عليه (مطلقا) أي : سواء كانت مصلحة الواقع أقوى من مفسدة التجرّي أو مساوية لها أو (في بعض الموارد) أي : فيما لم تكن الجهة الظاهرية غالبة على الجهة الواقعية ، وأمّا إذا كانت مفسدة التجرّي أقوى ، فيحكم حينئذ بقبحه.

قوله : (غير مشروط بقصد القربة) التقييد بقصد القربة يكون لإخراج الواجب التعبّدي اذ لا يتصوّر في مورده التعارض بين المصلحة الواقعية في الواجب مع المفسدة الظاهرية في التجرّي حتى يرتفع قبحه ، لأنّ الواجب التعبّدي من دون قصد القربة لا مصلحة فيه ، وقصد القربة لا يتمشّى من المكلّف مع اعتقاده بالحرمة ، إذ لا يتقرّب بفعل الحرام ، فيختصّ التعارض بين الجهة الواقعية والجهة الظاهرية بالواجب التوصّلي.

فتحصّل ممّا ذكر أنّ الأقوال في مسألة التجرّي ثلاثة :

الأول : قول المشهور ، فيقولون : إنّ التجرّي علّة للقبح من حيث الفعل مطلقا.

والثاني : ما عند المصنّف رحمه‌الله من أنّ التجرّي علّة للقبح من حيث الفاعل مطلقا.

والثالث : هو التفصيل المنسوب إلى صاحب الفصول.

ثم الدليل والوجه على تفصيل صاحب الفصول :

٤٣

والاعتبارات.

فمن اشتبه عليه مؤمن ورع بكافر واجب القتل ، فحسب أنّه ذلك الكافر وتجرّى فلم يقتله ، فإنّه لا يستحقّ الذمّ على هذا الفعل عقلا عند من انكشف له الواقع ، وإن كان معذورا لو فعل ، وأظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبيّ أو وصيّ فتجرّى ولم يقتله.

أ لا ترى أنّ المولى الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدوّ له فصادف العبد ابنه وزعمه ذلك العدوّ ، فتجرّى ولم يقتله ، أنّ المولى إذا اطّلع على حاله لا يذمّه على هذا التجرّي بل يرضى به ، وإن كان معذورا لو فعل.

وكذا لو نصب له طريقا غير القطع إلى معرفة عدوّه ، فأدّى الطريق إلى تعيين ابنه فتجرّى ولم يفعل ، وهذا الاحتمال حيث يتحقّق عند المتجرّي لا يجديه إن لم يصادف الواقع ، ولذا يلزمه العقل بالعمل بالطريق المنصوب ، لما فيه من القطع بالسلامة من العقاب ، بخلاف ما لو ترك العمل به ، فإنّ المظنون فيه عدمها.

____________________________________

(فإن قبح التجرّي عندنا ليس ذاتيا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات).

وتوضيح ذلك يحتاج إلى ذكر أمرين من باب المقدمة :

الأمر الأول : ما هو المراد من القبح والحسن؟

والأمر الثاني : ما هو المراد من الوجه والاعتبار؟

فنقول : يمكن أن يكون المراد من القبح ذمّ العقل على فعل ما هو مبغوض عند المولى ، أو على ترك ما هو المطلوب عنده ، لا بمعنى المفسدة في شيء أو الضرر فيه ، فبالمقابل يكون المراد من الحسن هو مدحه على فعل ما هو مطلوب عند المولى لا بمعنى المصلحة أو النفع في شيء.

ثم المراد من الوجه والاعتبار ـ وهو الأمر الثاني ـ أنّ الأشياء بالنسبة إلى الحسن والقبح تختلف ، بمعنى : إنّ بعض الأشياء قبحه أو حسنه ذاتي ، الأول : كالظلم حيث يكون علّة تامة للقبح ، والثاني : كالإحسان حيث يكون علّة للحسن ، وبعض الأشياء يقتضي القبح لو لا المانع كالكذب أو يقتضي الحسن كذلك كالصدق ، وبعض الأشياء لا يقتضي شيئا منهما كالضرب مثلا ، فالضرب بعنوان أنّه ضرب لا يقتضي القبح ولا الحسن ، ولكن يختلف بالوجه والاعتبار بمعنى : إنّه إذا كان بعنوان التشفّي كان قبيحا ، وإذا كان بعنوان التأديب كان

٤٤

ومن هنا يظهر أنّ التجرّي على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مندوباتها ، ويختلف باختلافها ضعفا وشدّة كالمكروهات ، ويمكن أن يراعى في الواجبات الواقعيّة ما هو الأقوى من جهاته وجهات التجرّي» انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : يرد عليه :

____________________________________

حسنا ، هذا هو معنى الوجه والاعتبار.

ويمكن أن يكون مراد صاحب الفصول من الوجوه والاعتبارات ما ليس ذاتيا فيشمل ما يقتضي الحسن أو القبح ، فحينئذ لو كان مراده قدس‌سره أنّ قبح التجرّي ليس ذاتيا كالظلم بل يكون مقتضيا له كالكذب أو لا يقتضي القبح أصلا لكان ما ذكره صحيحا ، وإنّما الكلام في الصغرى ، فعلى فرض كون قبح التجرّي بالوجه والاعتبار يختلف الفعل المتجرّى به قبحا وحسنا شدّة وضعفا.

(ومن هنا) يعني : من ارتفاع قبح التجرّي من جهة معارضة الجهة الواقعية للجهة الظاهرية (يظهر أنّ التجري على الحرام في) مورد(المكروهات الواقعية أشدّ منه) أي : من التجرّي (في مباحاتها) الواقعية لتأكّد قبح التجرّي بما في المكروه الواقعي ، (وهو فيها) أي : في المباحات الواقعية (أشدّ منه في مندوباتها) لعدم تأكّد التجرّي بما في المباح الواقعي ، بخلاف مورد المندوبات الواقعية لضعف قبح التجرّي بما في المندوب الواقعي من المصلحة ، ثم يختلف التجرّي (باختلافها) أي : المندوبات ضعفا وشدّة ، فيكون قبحه ضعيفا في المندوب المؤكّد ، وشديدا في مورد غير المؤكّد ، وكذلك في المكروهات ، كما هو واضح.

وأما الواجبات فيراعى ما هو الأقوى من مصلحتها ومفسدة التجرّي ، وهذا يختلف باختلاف مراتب المحرمات والواجبات ، هذا فيما إذا اعتقد حرمة ما هو غير محرم في الواقع ، وأما إذا اعتقد وجوب ما هو غير محرم واقعا تنعكس سلسلة الأشدّية ، فيكون التجرّي على ترك الواجب في المندوبات الواقعية أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مكروهاتها.

(أقول : يرد عليه : أولا ... إلى آخره).

٤٥

أوّلا : منع ما ذكره من عدم كون قبح التجرّي ذاتيا لأنّ التجرّي على المولى قبيح ذاتا ، سواء كان لنفس الفعل أو لكشفه عن كونه جريئا [كالظلم ، بل هو قسم من الظلم] فيمتنع عروض الصفة المحسّنة له ، وفي مقابله الانقياد لله سبحانه ، فإنّه يمتنع أن تعرض له جهة مقبّحة.

وثانيا : أنّه لو سلّم أنّه لا امتناع في أن تعرض له جهة محسّنة ، لكنّه باق على قبحه ما لم يعرض له تلك الجهة ، وليس ممّا لا يعرض له في نفسه حسن ولا قبح إلّا بملاحظة ما يتحقّق في ضمنه.

وبعبارة اخرى : لو سلّمنا عدم كونه علّة تامّة للقبح ، كالظلم ، فلا شكّ في كونه مقتضيا له ، كالكذب ، وليس من قبيل الأفعال التي لا يدرك العقل بملاحظتها في أنفسها حسنها ولا قبحها ، وحينئذ فيتوقف ارتفاع قبحه على انضمام جهة يتدارك بها قبحه كالكذب المتضمّن لإنجاء نبيّ.

____________________________________

ذكرنا أنّ الأشياء بالنسبة إلى كل واحد من القبح والحسن ثلاثة أنحاء :

قسم : ما يكون قبحه ذاتيا كالظلم ، أو حسنه ذاتيا كالإحسان.

وقسم : ما يقتضي القبح كالكذب ، أو الحسن كالصدق.

وقسم : ما لا يقتضي شيئا منهما ، وما ذكره صاحب الفصول يبتني على أن يكون التجرّي من القسم الثاني أو الثالث ، والمصنّف رحمه‌الله يقول : إنّ التجرّي من القسم الأول ، فيكون قبحه ذاتيا لا ينفك عنه ولا يطرأ عليه الحسن حتى يعارض قبحه ، كما أنّ الانقياد يكون حسنه ذاتيا لا يعرض عليه جهة مقبّحة ، فيكون التجرّي قبيحا في جميع الموارد ، سواء قطع بتحريم ما هو مباح في الواقع أو واجب توصّلي أو مكروه ، فعلى المشهور يوجب استحقاق العقاب في جميع الموارد لأنّ قبحه عندهم فعلي ، وعند الشيخ رحمه‌الله لا يوجب استحقاق العقاب مطلقا ، لأنّ قبحه عنده فاعلي ، فما ذكره صاحب الفصول من التفصيل مردود.

(وثانيا أنّه لو سلّم ... إلى آخره).

يعني : لو تنزّلنا عن كون التجرّي علّة تامّة للقبح وهو القسم الأول ، فنقول : إنّه من القسم الثاني الذي يقتضي القبح كالكذب لا من القسم الثالث الذي لا يقتضي القبح ولا الحسن ،

٤٦

ومن المعلوم أنّ ترك قتل المؤمن ـ بوصف أنّه مؤمن في المثال الذي ذكره ـ كفعله ليس من الامور التي تتّصف بحسن أو قبح للجهل بكونه قتل مؤمن ، ولذا اعترف في كلامه بأنّه لو قتله كان معذورا.

فإذا لم يكن هذا الفعل الذي تحقّق التجرّي في ضمنه ممّا يتّصف بحسن أو قبح ، لم يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي القبح ، كما لا يؤثّر في اقتضاء ما يقتضي الحسن لو فرض : أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا معتقدا كفره ، فإنّه لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد ، وعدم مزاحمة حسنه بكونه في الواقع قتل مؤمن.

ودعوى : «أنّ الفعل الذي يتحقّق به التجرّي وإن لم يتّصف في نفسه بحسن ولا قبح

____________________________________

ولكن يبقى على اقتضائه ما لم يعرض له جهة محسّنة ، وحينئذ يتوقف ارتفاع قبحه على عروض ما يتدارك به قبحه من الجهة المحسّنة كعروض إنجاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للكذب مثلا ، ولا تعرض هذه الجهة إلّا على فعل اختياري لأنّ الفعل لا يتصف بالقبح أو الحسن الّا أن يصدر عن الفاعل بإرادته واختياره ، وصدور الفعل كذلك يلازم توجّه الفاعل إلى العنوان.

ومن المعلوم أنّ ترك قتل المؤمن المشتبه بالكافر في المثال الذي ذكره صاحب الفصول بوصف أنّه مؤمن (كفعله) أي : قتل المؤمن ليس من الامور التي تتصف بحسن أو قبح للجهل بكونه قتل مؤمن ، فلا يكون فعلا اختياريا ولذا لو قتله كان معذورا لأنّه لا يتصف بالقبح الملازم لاستحقاق العقاب شرعا ، إذ القتل صدر عنه بعنوان قتل الكافر لا قتل المؤمن ، فما وقع لم يقصد ، وما قصد لم يقع.

والحاصل أنّ قبح التجرّي باق ولا رافع له في المقام ، وأمّا ترك قتل المؤمن غافلا عن كونه مؤمنا لا يتصف بالحسن حتى يرتفع به قبح التجرّي ، لأنّه لم يكن عن إرادة ، بل ما صدر عن إرادة هو ترك قتل الكافر ، وكذلك الانقياد ممّا يقتضي الحسن ولا يرتفع الّا أن يعرض له جهة مقبّحة ولا تعرض الّا بأمر اختياري ، فلو فرض : أمره بقتل كافر فقتل مؤمنا باعتقاد كفره ، ثم انكشف أنّه مؤمن ، لا إشكال في مدحه من حيث الانقياد ، فيكون حسن الانقياد باقيا على حاله لعدم عروض القبح ، لأنّ قتل المؤمن في الواقع لم يكن عن إرادة حتى يتّصف بالقبح.

(ودعوى : «أنّ الفعل الذي يتحقّق به التجرّي وإنّ لم يتّصف في نفسه بحسن ولا قبح)

٤٧

لكونه مجهول العنوان ، لكنّه لا يمتنع أن يؤثّر في قبح ما يقتضي القبح بأن يرفعه ، إلّا أن نقول بعدم مدخليّة الامور الخارجة عن القدرة في استحقاق المدح والذّم ، وهو محلّ نظر بل منع. وعليه يمكن ابتناء منع الدليل العقلي السابق في قبح التجرّي» مدفوعة ـ مضافا إلى الفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدّم من الدليل العقلي ، كما لا يخفى على المتأمّل ـ

____________________________________

لكونه فعلا غير اختياري الّا أنّه يمكن أن يؤثر في قبح التجرّي بأن يرفعه ، لما تقدّم في الجواب عن دلالة العقل أنّ الأمر الخارج عن الاختيار يمكن أن يناط به عدم العقاب ، ففي المقام يجوز أن يناط به عدم قبح التجرّي.

(إلّا أن نقول بعدم مدخليّة الامور الخارجة عن القدرة في استحقاق المدح والذم) بمعنى : إن مصادفة التجرّي بالواجب الواقعي في المثال الأول خارجة عن الاختيار ، فكيف يرتفع بها قبح التجرّي؟ وكذلك مصادفة الانقياد بترك الواجب في المثال الثاني خارجة عن الاختيار ، فلا تتّصف بالقبح ولا توجب الذمّ ، فكيف يرتفع بها حسن الانقياد؟ فقبح التجرّي في المثال الأول ، وحسن الانقياد في المثال الثاني لا يرتفع بما هو خارج عن الاختيار.

ثم أجاب عن هذا الإشكال بقوله : (وهو محل نظر بل منع).

يعني : عدم مدخليّة الامور الخارجة عن القدرة في استحقاق المدح والذمّ محل نظر ، يعني : يمكن أن يكون للامور الخارجة عن القدرة مدخليّة في المدح ، فيكون لها تأثير في قبح التجرّي ، وتكون رافعة لقبحه ، وقد تقدّم الشاهد عليه في الجواب عن الدليل العقلي.

(وعليه) أي : على منع عدم مدخلية الامور الخارجة عن القدرة على المدح أو الذمّ (يمكن ابتناء منع الدليل العقلي السابق) يعني : بطلان الدليل العقلي السابق مبني على كون الأمر الخارج عن الاختيار مؤثّرا في عدم العقاب.

والحاصل أنّ المصنّف قال في الجواب عن الدليل العقلي : إن عدم المصادفة مؤثّر في عدم العقاب ، فكذا صاحب الفصول يقول : إنّ مصادفة التجرّي بالواجب مؤثّرة في رفع قبح التجرّي.

(مدفوعة) أي : الدعوى المذكورة باطلة أولا : ب (الفرق).

٤٨

بأنّ العقل مستقلّ بقبح التجرّي في المثال المذكور ، ومجرّد تحقّق ترك قتل المؤمن في ضمنه مع الاعتراف بأنّ ترك القتل لا يتصف بحسن ولا قبح لا يرفع قبحه ، ولذا يحكم العقل بقبح الكذب وضرب اليتيم إذا انضمّ إليهما ما يصرفهما إلى المصلحة إذا جهل الفاعل بذلك ، ثم إنّه ذكر هذا القائل في بعض كلماته : «إنّ التجرّي إذا صادف المعصية الواقعيّة تداخل عقابهما».

____________________________________

وملخّص الفرق : إنّ ما انيط به عدم استحقاق العقاب في الدليل العقلي من الأمر غير الاختياري ، أعني عدم المصادفة محرز ومعلوم لا يحتاج إلى الإثبات ، فيصح أن يقال بعدم العقاب لعدم المصادفة ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، حيث يكون رفع قبح التجرّي منوطا بحسن ما هو خارج عن الاختيار ، فعلى صاحب الفصول أن يثبت حسن ما هو خارج عن الاختيار كي يكون رافعا لعقاب التجرّي.

وبعبارة اخرى : إنّ الفرق بين المقام وبين ما تقدم في الدليل العقلي بأن الخصم في السابق يدّعي اقتضاء ارتكاب ما اعتقده حراما لاستحقاق العقاب ، وعدم مانعية عدم المصادفة ، فيكفي في ردّه احتمال مانعية عدم المصادفة ، فعليه إثبات عدم المانعية ، هذا بخلاف ما نحن فيه ، لأن المفصّل يدّعي كون التجرّي مقتضيا للاستحقاق ، وأن حسن الفعل في الواقع مانع ، حيث منعنا حسن ما هو الخارج عن الاختيار ، فعليه أن يثبت مانعية ما هو خارج عن الاختيار ، ولا يكفيه احتمال المانعية.

وثانيا : (بأن العقل مستقل بقبح التجرّي في المثال المذكور ... ثم إنّه ذكر هذا القائل في بعض كلماته : «إنّ التجرّي إذا صادف المعصية الواقعية تداخل عقابهما»).

ويرجع حاصل كلامه إلى أنّه إذا صادف الفعل المتجرّى به المعصية الواقعية كان فيه ملاكان للقبح : ملاك التجرّي ، وملاك المعصية ، فحكم بتداخل العقابين ، فهنا صغرى وهي : اجتماع التجرّي مع المعصية الواقعية ، وكبرى وهي : تداخل عقابهما ، فلا بدّ من البحث عن كل واحدة منهما ، فنقول :

إنّ اجتماع التجرّي والمعصية لا يعقل ، إذ النسبة بينهما هي التباين ، لأنّ التجرّي : هو مخالفة القطع المخالف للواقع ، والمعصية : هي مخالفة القطع المصادف له ، فالجمع بينهما جمع بين النقيضين ، فلا يمكن اجتماعهما حتى نلتزم بالعقابين ثم بتداخلهما ، الّا أن يريد

٤٩

ولم يعلم معنى محصّل لهذا الكلام ، إذ مع كون التجرّي عنوانا مستقلّا في استحقاق العقاب لا وجه للتداخل إن اريد به وحدة العقاب ، فإنّه ترجيح بلا مرجّح ، وسيجيء في الرواية (أنّ على الراضي إثما وعلى الداخل إثمين) (١) ؛ وإن اريد به عقاب زائد على عقاب محض التجرّي ، فهذا ليس تداخلا ، لأنّ كلّ فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد عقابه على ما كان فيه أحدهما.

والتحقيق : إنّه لا فرق في قبح التجرّي بين موارده ، وإنّ المتجرّي لا إشكال في استحقاقه

____________________________________

من المصادفة مصادفة التجرّي مع المعصية غير المعصية التي علم بها وتجرّى فيها.

كما إذا قطع المتجرّي بخمرية مائع فشربه ثم ظهر كونه مغصوبا ، فيكون هذا الفعل تجرّيا بالنسبة إلى شرب الخمر ، ومعصية بالنسبة إلى شرب المغصوب ، لأنّ متعلّق القطع هنا أمران : أي : الخمرية ، والحرمة ، فالقطع بالخمرية غير مصادف للواقع فمخالفته يكون تجرّيا ، والقطع بالحرمة مصادف له فمخالفته معصية.

وهذا التوجيه صحيح بناء على جواز العقاب على جنس الحرام المعلوم ، كما يقول به بعض الاصوليين ، أو على جواز العقاب على نفس الحرام الواقعي وهو الغصب بعد معلوميّة حرمة الفعل الخارجي ولو بعنوان آخر ، فحينئذ تتحقّق المعصية بالنسبة إلى جنس الحرام المعلوم ، أو بالاضافة إلى الحرام الواقعي ، ويتحقّق التجرّي بالاضافة إلى خصوصية الخمر المعلوم ، فيجتمع التجرّي والمعصية في محل واحد باعتبارين.

وأمّا إذا بنينا على عدم صحة العقاب على جنس الحرام المعلوم ولا على نفس الحرام الواقعي المعلوم بعنوان آخر فلا معنى محصّل لاجتماع المعصية والتجرّي.

هذا تمام الكلام في الصغرى.

وأمّا الكبرى فقال المصنّف رحمه‌الله : (ولم يعلم معنى محصّل لهذا الكلام ... إلى آخره).

وتوضيح ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من عدم الوجه للتداخل يحتاج إلى مقدمة وهي :

إن تعدّد العلل يستلزم تعدّد المعلول لأنّ تعدد العلل بالإضافة إلى معلول واحد محال كما ثبت في علم الفلسفة.

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ١٤١ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٥ ، ح ١٢ ، ورد فيه معنى الرواية.

٥٠

الذمّ من جهة انكشاف خبث باطنه وسوء سريرته بذلك ، وأمّا استحقاقه للذمّ من حيث الفعل المتجرّى في ضمنه ، ففيه إشكال ، كما اعترف به الشهيد قدس‌سره ، فيما يأتي من كلامه.

نعم ، لو كان التجرّي على المعصية بالقصد إلى المعصية فالمصرّح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه ، وإن كان يظهر من أخبار أخر العقاب على القصد أيضا ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (نيّة الكافر شرّ من عمله) (١) وقوله : (إنّما يحشر الناس على نيّاتهم) (٢).

____________________________________

فبعد هذه المقدمة نقول : هل التجرّي هو علّة تامّة للعقاب كالمعصية أم ليس كذلك؟ وعلى الأول لا يعقل التداخل بمعنى وحدة العقاب ، إذ التداخل كذلك مستلزم لتعدّد العلل بالنسبة إلى المعلول الواحد ، وإعطاء العقاب لأحدهما ترجيح بلا مرجح.

وعلى الثاني نسب العقاب إلى المعصية فقط ، فلا أثر للتجرّي حتى يقال بالتداخل ، فتحصّل أنّه لا وجه لما ذكره صاحب الفصول.

(نعم ، لو كان التجرّي على المعصية بالقصد إلى المعصية فالمصرّح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه) لأنّ التجرّي على قسمين :

القسم الأول : هو التجرّي من حيث العمل ، وقد تقدم حكمه.

والثاني : هو التجرّي من حيث القصد ، حيث شرع المصنّف رحمه‌الله في بيان حكمه ، ويقع الكلام فيه في أن التجرّي من حيث القصد هل يوجب العقاب أم لا؟

يقول المصنّف رحمه‌الله : إنّ المصرّح به في عدّة من الأخبار هو عدم العقاب ، إذ يكون مضمون هذه الأخبار أنّ من قصد المعصية ثم لم يفعل لا يعاقب على قصده ، ومن قصد ثم عصى يعاقب عقابا واحدا ، وبالمقابل من قصد الإطاعة ولم يفعل يثاب ثوابا واحدا ، ومن قصد وأطاع يثاب عشرا وطائفة منها تدل على عقاب المتجرّي بالقصد ، ويذكرها المصنّف رحمه‌الله واحدا بعد واحد.

منها : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (نيّة الكافر شرّ من عمله).

وتقريب هذه الرواية واضح ، لأنّ الشر فيها من أفعل التفضيل يدل على الزيادة ، فمعناها أنّ الكافر يعاقب بالمعصية عملا ، فإذا قصدها يعاقب بطريق أولى لأنّ نيّته شرّ من

__________________

(١) الوسائل ١ : ٥٠ ، أبواب مقدمات العبادات ، ب ٦ ، ح ٣.

(٢) الوسائل ١ : ٤٨ ، أبواب مقدمات العبادات ، ب ٥ ، ح ٥.

٥١

وما ورد : من تعليل خلود أهل النار في النار ، وخلود أهل الجنّة في الجنة ؛ بعزم كلّ من الطائفتين على الثبات على ما كان عليه من المعصية والطاعة لو خلّدوا في الدنيا (١).

وما ورد من : (أنّه إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار). قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل ، فما بال المقتول ، قال : (لأنّه أراد قتل صاحبه) (٢).

وما ورد في العقاب على فعل بعض المقدّمات بقصد ترتّب الحرام كغارس الخمر ، والماشي لسعاية مؤمن.

وفحوى ما دلّ على أنّ الرضا بفعل كالفعل ، مثل قوله عليه‌السلام : (الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم ، وعلى الداخل إثمان : إثم الرضا وإثم الدخول) (٣).

ويؤيّده قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(٤).

وما ورد من أنّ : (من رضي بفعل فقد لزمه وإن لم يفعل) (٥).

____________________________________

عمله ، ويحتمل أن يكون المراد منها أنّ نيّة الكافر أوسع من عمله ، بمعنى أنّه يقصد وينوي ما لا يقدر عليه عملا.

ومنها : (إنّما يحشر الناس على نياتهم) إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا فالنيّة توجب العقاب إن كانت شرّا والثواب إن كانت خيرا.

ومنها : (ما ورد من تعليل خلود أهل النار في النار ، وخلود أهل الجنة في الجنة ، بعزم كل من الطائفتين على الثبات على ما كان عليه من المعصية والطاعة لو خلّدوا في الدنيا) فالكفّار عزموا الدوام على ما فعلوه في الدنيا لو خلّدوا فيها ، وهذا العزم يوجب أن يكونوا مخلّدين في النار.

ومنها : رواية : (فالقاتل والمقتول في النار ...) القاتل قد ارتكب القتل المحرم ، والمقتول لقصده القتل المحرم ، فالحاصل من الجميع أن قصد المعصية معصية.

(ويؤيّده) أي : العقاب على القصد قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ

__________________

(١) الوسائل ١ : ٥٠ أبواب مقدمات العبادات ، ب ٦ ، ح ٤.

(٢) الوسائل ١٥ : ١٤٨ ، أبواب جهاد العدوّ وما يناسبه ، ب ٦٧ ، ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٣) الوسائل ١٦ : ١٤١ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٥ ، ح ١٢ ، بتفاوت يسير.

(٤) البقرة : ٢٨٤.

(٥) الوسائل ١٦ : ١٣٩ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٥ ، ح ٤ ، وفيه معنى الرواية.

٥٢

وما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١) من أنّ نسبة القتل إلى المخاطبين مع تأخّرهم عن القاتلين بكثير لرضاهم بفعلهم.

ويؤيّده قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٢).

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٣).

ويمكن حمل الأخبار الاول على ما ارتدع عن قصده بنفسه ، وحمل الأخبار الأخيرة على من بقي على قصده حتى عجز عن الفعل لا باختياره.

____________________________________

الْفاحِشَةُ ...)(٤) الآية.

قال : يؤيّده ، ولم يقل : يدل ، إذ العذاب على حبّ شيء يؤيّد العذاب على قصده ، ولا يدل عليه لضعف القصد عن الحب ، ويمكن أن يقال : إنّ هذه الآية صالحة للاستدلال على المراد ، ويناسب الاستدلال بها عدم لفظ التأييد في بعض النسخ ، وتقريب الاستدلال : إنّ الحبّ هو مرتبة نازلة من مراتب القصد ، حيث إنّ القاصد يحبّ المقصود أولا ثم يريده ، ويقصد بناء على هذا إذا كان حبّ شيء حراما لكان قصده حراما بطريق أولى.

وقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ...).

يعني : إن تبدوا ما في أنفسكم ، أي : تظهروه بالعمل ، أو تخفوه يحاسبكم به الله ، يحتمل أن يكون المراد من الموصول العموم فيشمل القصد ، فيكون دليلا على المقام ، ويحتمل أن يكون المراد منه خصوص الحسد أو الكفر مثلا ، فلا يرتبط بالمقام ، فلذا ذكره من باب التأييد.

وما ورد في تفسير قوله تعالى : (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ..) الآية.

فما ذكر في تفسير هذه الآية يكون مؤيّدا للعقاب على قصد المعصية ، ولا يدل عليه لاحتمال إرادة أنّ الرضا بالقتل يكون في حكم القتل في الذمّ لا في العقاب.

__________________

(١) آل عمران : ١٨٣.

(٢) القصص : ٨٣.

(٣) النور : ١٩.

(٤) النور : ١٩.

٥٣

أو تحمل الاول على من اكتفى بمجرّد القصد ، والثانية على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدّمات ، كما يشهد له حرمة الإعانة على المحرّم ، حيث عمّمه بعض الأساطين لإعانة نفسه على الحرام ، ولعلّه لتنقيح المناط لا للدلالة اللفظيّة.

____________________________________

وقوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ).

يؤيّد العقاب على القصد ، ولا يدل عليه لاحتمال إرادة العقاب على الأفعال الصادرة بواسطة قصد الفساد والعلوّ.

(ويمكن حمل الأخبار الاول ... إلى آخره).

أي : يمكن الجمع بين الأخبار الدالة على العفو والأخبار الدالة على العقاب بأحد وجهين :

الوجه الأول : حمل الاول على من ارتدع عن قصده بنفسه ، وحمل الثانية على من بقي على قصده حتى عجز عن الفعل.

والوجه الثاني : أن تحمل الاول على من اكتفى بمجرد القصد.

(والثانية على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدمات كما يشهد له).

أي : العقاب على المقدمات ، حرمة الإعانة المستفادة من قوله تعالى : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(١) (حيث عمّمه) أي : الإعانة ، (بعض الأساطين) أي : كاشف الغطاء رحمه‌الله (لإعانة نفسه على الحرام) ؛ ولو لا هذا التعميم لم يكن قوله تعالى دليلا على ما نحن فيه.

قال كاشف الغطاء قدس‌سره : إنّ المراد من الإعانة في قوله تعالى هو الأعمّ ممّا يكون إعانة ، ومقدمة لفعل الغير ، وما يكون مقدمة لفعل المعين نفسه.

ثم يقول المصنّف رحمه‌الله : (لعله) أي : هذا التعميم في موضوع الإعانة منه قدس‌سره (لتنقيح المناط) إذ المناط في حرمة الإعانة كونها وصلة إلى فعل الحرام ، وهو موجود في كلتا الإعانتين لا بالدلالة اللفظية لأنّ الظاهر من الآية المباركة هو النهي عن إعانة الغير.

أو نقول : إنّ مفهوم الإعانة هو المغايرة بين المعين والمعان ، فلا يشمل إعانة الشخص نفسه إلّا بتنقيح المناط ، فيكون الإتيان بمقدمات الحرام محرّما لكونه مشمولا للآية مناطا.

__________________

(١) المائدة : ٢.

٥٤

وقد علم ممّا ذكرنا أنّ التجرّي على أقسام يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلّتها :

أحدها : مجرّد القصد إلى المعصية.

والثاني : القصد مع الاشتغال بمقدّماته.

والثالث : القصد مع التلبّس بما يعتقد كونه معصية.

والرابع : التلبّس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقّق المعصية به.

والخامس : التلبّس به لعدم المبالاة بمصادفة الحرام.

والسادس : التلبّس به رجاء أن لا يكون معصية وخوف أن يكون معصية.

____________________________________

(أنّ التجرّي على أقسام يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلّتها ... إلى آخره).

يعني : إنّ للتجرّي ستة أقسام ، والثلاثة الاولى منها كانت متشابهة ومتصاعدة ، والثلاثة الأخيرة تكون متشابهة متنازلة ، ومعنى كون الثلاثة الاولى متصاعدة أنّ اللاحق يكون آكد من سابقه ، إذ الأوّل منها كان مجرد القصد إلى المعصية ، والثاني هو القصد مع الاشتغال بمقدماته ، والثالث القصد مع التلبّس بما يعتقد كونه معصية ، ولا ريب في أنّ الثاني آكد من الأول لأنّ فيه اشتغالا بمقدمات الفعل ، وكذا الثالث أشد تجرّيا من الثاني إذ فيه تلبس بالفعل ، وحكم هذه الثلاثة علم من كلام المصنّف في مورد التجرّي بالفعل وبالقصد.

أمّا الثلاثة الأخيرة الّتي تكون على عكس الثلاثة الاول كان الأول منها ـ أعني الرابع ـ هو التلبس بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقق المعصية ، فإنّ هذا أشدّ من جهة التجرّي بالنسبة إلى الثاني منها وهو الخامس ، لأنّ المتجرّي في الرابع يرجو تحقّق المعصية لخباثته بخلاف الخامس ، وكذا الخامس أشدّ تجرّيا من السادس ، إذ الفرض في السادس هو التلبس بما يحتمل كونه معصية برجاء أن لا يكون معصية وخوف كونها معصية ، بخلاف الخامس فإن الفرض فيه عدم الخوف من كونه معصية لعدم المبالاة. ثم إنّ المراد من الاحتمال في الثلاثة الأخيرة هو الأعمّ من الشك والوهم والظن غير المعتبر ، كما أنّ المراد من الاعتقاد في القسم الثالث هو الأعمّ من الجزم والظن المعتبر.

نعم ، لو كان المراد من الاعتقاد في القسم الثالث هو الجزم فقط لكان المراد من الاحتمال في الأقسام الأخيرة هو الأعمّ من الشك والوهم ومطلق الظن معتبرا كان أو غيره ، والجامع بين الأقسام الستة هو عدم المبالاة أو قلّتها.

٥٥

ويشترط في صدق التجرّي في الثلاثة الأخيرة عدم كون الجهل عذرا عقليّا أو شرعيا ، كما في الشبهة المحصورة الوجوبيّة أو التحريميّة ، والّا لم يتحقّق احتمال المعصية وإن تحقّق احتمال المخالفة للحكم الواقعي ، كما في موارد أصالة البراءة واستصحابها.

ثم إنّ الأقسام الستّة كلّها مشتركة في استحقاق الفاعل للمذمّة من حيث خبث ذاته

____________________________________

(ويشترط في صدق التجرّي في الثلاثة الأخيرة عدم كون الجهل عذرا عقليا أو شرعيا ، كما في الشبهة المحصورة الوجوبية أو التحريمية).

ومثال الأول : كتردّد وجوب الصلاة بين كونه متعلّقا بالظهر أو الجمعة ، ومثال الثاني كتردّد الخمر بين المائعين ، فإنّ الجهل في كل واحد منهما ليس عذرا لوجود العلم الإجمالي في كل واحد منهما ، فيجب الإتيان بكل واحدة من الظهر والجمعة في المثال الأول حتى يحصل اليقين بإتيان الواجب الواقعي ، ويجب ترك شرب المائعين في المثال الثاني حتى يحصل اليقين بترك الحرام الواقعي.

هذا بناء على القول بأنّ العلم الإجمالي كاف في تنجّز التكليف ، والجهل لا يكون عذرا كما عليه المصنّف رحمه‌الله. وأمّا على القول بأنّ الجهل عذر ؛ أمّا بحكم العقل أو النقل ، والعلم الإجمالي ليس بكاف في تنجّز التكليف كما عليه البعض لم يكن في المثالين احتمال المعصية حتى يتحقّق فيهما التجرّي.

فالحاصل أنّ الجهل في الشبهة المحصورة لا يكون عذرا لا عقلا إذ دفع الضرر المحتمل واجب عقلا ، ولا شرعا لأنّ العلم الإجمالي كاف في تنجّز التكليف ، فيجب الاحتياط.

(كما في موارد أصالة البراءة واستصحابها) فإنّ الجهل عذر في مواردهما وإن احتمل مخالفة الالتزام بالبراءة للحكم الواقعي من الوجوب والحرمة ، لاحتمال ثبوتهما في الواقع في مورد البراءة ، إلّا أنّه لا يحتمل المعصية لأنّها مترتّبة على مخالفة الحكم المنجّز ، ومع عدم الطريق إليه يحكم العقل حكما قطعيا في مرحلة الظاهر بقبح العقاب ، والتمثيل باستصحاب البراءة إنّما هو على رأي البعض ، إذ على مذهبه قدس‌سره لا يجري الاستصحاب المذكور ـ كما سيأتي في أصل البراءة ـ ولعلّ المصنّف رحمه‌الله أراد من استصحاب البراءة الاستصحابات النافية للتكليف المثبتة للإباحة.

٥٦

وجرأته وسوء سريرته ، وإنّما الكلام في تحقّق العصيان بالفعل المتحقّق في ضمنه التجرّي ، وعليك بالتأمّل في كلّ من الأقسام.

قال الشهيد رحمه‌الله ، في القواعد : «لا تؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا ما لم يتلبّس بها ، وهو ممّا ثبت في الأخبار العفو عنه ، ولو نوى المعصية وتلبّس بما يراه معصية فظهر خلافها ، ففي تأثير هذه النيّة نظر ، من أنّها لمّا لم تصادف المعصية صارت كنيّة مجرّدة وهي غير مؤاخذ بها ، ومن دلالتها على انتهاك الحرمة وجرأته على المعاصي.

وقد ذكر بعض الأصحاب أنّه لو شرب المباح تشبّها بشرب المسكر فعل حراما ، ولعلّه

____________________________________

(إنّما الكلام في تحقّق العصيان بالفعل المتحقّق في ضمنه التجرّي).

سواء في ذلك مجرّد النية ، أو هي مع بعض مقدمات الفعل ، أو نفس الفعل كما يظهر ممّا مرّ.

قوله : (عليك بالتأمّل) يعني : بالتأمّل في الأقسام الستة يظهر حكم كل واحد منها ، فيظهر حكم القسم الأول ، وهو مجرد القصد إلى المعصية من قوله رحمه‌الله حيث قال : نعم ، لو كان التجرّي على المعصية بالقصد إلى المعصية فالمصرّح به في الأخبار الكثيرة العفو عنه.

وكذلك يظهر حكم القسم الثاني من الجمع بين الأخبار ، فمقتضى الجمع بينهما هو حرمة القسم الثاني ، ولكن لم يظهر من المصنّف رحمه‌الله اختيار شيء من طرفي الجمع بين الأخبار ، بل كان ظاهره ترجيح أخبار العفو مطلقا ، فحكم هذا القسم هو حكم القسم الأول عنده رحمه‌الله.

وأمّا القسم الثالث ، وهو القصد مع التلبّس بما يعتقد كونه معصية فظهر حكمه من السابق ، حيث قال رحمه‌الله : إنّ قبح التجرّي فاعلي وليس فعليا حتى يكون محرما شرعا ، ومن هنا يعلم حكم الثلاثة الأخيرة بالأولوية ، ولا يحتاج إلى البيان.

(قال الشهيد رحمه‌الله في القواعد : لا تؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا).

يعني : نيّة المعصية لا توجب فعليّة العقاب ، والذم كما هو المستفاد من الأخبار الدالة على العفو.

(وقد ذكر بعض الأصحاب) تأييدا للوجه الثاني ، وهو أن المتجرّي يعاقب ، وتقريب التأييد : أنه إذا كان مجرد التشبيه بالحرام حراما ، فالتلبّس بما يعتقد كونه حراما حرام

٥٧

ليس لمجرّد النيّة ، بل بانضمام فعل الجوارح.

ويتصوّر محلّ النظر في صور :

منها : ما لو وجد امرأة في منزل غيره ، فظنّها أجنبيّة فأصابها ، فبان أنّها زوجته أو أمته.

ومنها : ما لو وطأ زوجته بظنّ أنّها حائض فبانت طاهرة.

ومنها : لو هجم على طعام بيد غيره فأكله ، فتبيّن أنّه ملكه.

ومنها : لو ذبح شاة بظنّها للغير بقصد العدوان ، فظهرت ملكه.

ومنها : ما إذا قتل نفسا بظنّ أنّها معصومة ، فبانت مهدورة.

وقد قال بعض العامّة : «نحكم بفسق المتعاطي ذلك ، لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ، ويعاقب في الآخرة ما لم يتب عقابا متوسّطا بين الصغيرة والكبيرة».

____________________________________

بالطريق الأولى.

قوله : (ولعلّه ليس لمجرّد النيّة) ردّ للتأييد المذكور ، يعني : لعلّ تحريم التشبيه ليس لمجرّد النيّة ، إذ قد تقدّم أنّ نية الحرام ليست بحرام ، فكيف بالتشبيه؟

(ويتصوّر محل النظر في صور).

لا يخفى أن تكثير صور محل النزاع إشارة إلى أقسام المحرمات من حيث المورد ، فالمحرمات من حيث المورد على ثلاثة أقسام فيمكن ان يكون موردها من الأعراض ، أو من الأموال ، أو من النفوس ، وكان له أن يذكر لكل منها مثالا واحدا ، يعني مثالا للأعراض ، ومثالا للأموال ، ومثالا للنفوس ، ولكن ذكر خمسة أمثلة ، والسرّ في ذلك أنّ حرمة كل من الأعراض ، والأموال على قسمين : ذاتية ، وعرضية ، فلا بدّ لكل منهما من المثالين كما هو في الكتاب.

فحرمة وطء الأجنبية ذاتية ، وحرمة وطء الزوجة في حال الحيض عرضية ، وكذلك حرمة الأموال ، والتصرف في مال الغير بغير إذنه كمن هجم على طعام بيد غيره محرّم ذاتا ، والحرمة في مورد ذبح الشاة عرضية ، إذ الذبح بما هو ذبح ليس محرما بل بعنوان كونه عدوانا صار محرما ، نعم ، النفوس حرمتها ذاتية فقط فيكفي لها مثال واحد فلذا أتى بمثال واحد ، قيل في وجه تعدّد المثال للأموال : أحدهما من قبيل ما كانت فيه منفعة للفاعل كالمثال الأول بخلاف المثال الثاني.

٥٨

وكلاهما تحكّم وتخرّص على الغيب» انتهى.

____________________________________

وجعل الشهيد رحمه‌الله هذه الموارد من محل النظر ، والنزاع محل للنظر والإشكال.

إذ المخالفة في هذه الموارد معصية وليست بتجرّي لأنّ المخالفة مخالفة للقواعد والاصول ، وذلك لأنّ وطء المرأة التي ظنّها أجنبية مخالفة للحرمة التي يقتضيها استصحاب عدم تحقّق سبب حلّ الوطء.

ثم أخذ المال من يد الغير ، وأكله من دون إذنه في المثال الثالث مخالفة لحرمة التصرّف في مال الغير التي يقتضيها استصحاب عدم تملّكه المال الذي بيد الغير مضافا إلى قاعدة اليد.

وكذا ذبح الشاة في المثال الرابع مخالفة لاستصحاب عدم ملكه للشاة التي ظنها للغير لعدم جواز التصرف في الأموال إلّا بعد العلم بتملّكه لها ، أو العلم بإذن مالكها له ، فالمخالفة في هذه الأمثلة خارجة عن التجرّي بل تكون معصية محضة.

وكذلك في المثال الخامس قتل النفس بظن أنّها معصومة مخالفة للظن إذا كان معتبرا ، أو مخالفة لاستصحاب عصمة النفس إلى أن يعلم خلافها.

وأمّا الصورة الثانية فنقول بجواز الوطء باستصحاب بقاء الطهر ، أو نقول بحرمة الوطء لو حصل الظن من قولها ، وعلى التقديرين ليست من موارد التجرّي.

(وكلاهما تحكّم وتخرّص على الغيب) يعني : إنّ الحكم بفسق المتعاطي وعقابه متوسطا بين الصغيرة والكبيرة تحكّم ، أي : حكم من غير دليل ، يعني : الحكم بفسق المتعاطي لا يظهر له وجه.

وتخرّص على الغيب : يعني : إنّ الحكم بكون عقابه عقابا متوسطا حكم بالغيب تخمينا وتخيّلا ، إذ لم يدل دليل شرعي على العقاب المتوسط ، فيكون هذا الحكم منه لا من الشارع ، فالأول راجع إلى الأول ، والثاني إلى الثاني.

* * *

٥٩

الثاني : هل القطع الحاصل من المقدّمات العقلية حجّة؟

إنّك قد عرفت أنّه لا فرق فيما يكون العلم فيه كاشفا محضا بين أسباب العلم ، وينسب إلى غير واحد من أصحابنا الأخباريّين عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة القطعيّة غير الضروريّة ، لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها ، فلا يمكن الركون إلى شيء منها.

____________________________________

(الثاني ... إنّك قد عرفت).

يعني : قد علمت في بيان الفرق بين القطع الطريقي والموضوعي ، أنّ القطع الطريقي حجّة من دون فرق بين أسبابه وأشخاصه وأزمانه ، ومع ذلك نسب إلى غير واحد من الأخباريين التفصيل في حجّيته باعتبار السبب.

وحاصل هذا التفصيل أن القطع الحاصل من المقدمات الشرعية أو العقلية الضرورية حجّة ، دون الحاصل من المقدّمات العقلية غير الضرورية ، ومن تقييد المقدّمات العقلية بغير الضرورية يظهر أنّ محل النزاع هو المقدمات العقلية غير الضرورية ، فلا نزاع في حجّية القطع الحاصل من المقدمات العقلية الضرورية ، كما لا نزاع في الحاصل من المقدمات الشرعية ، فيكون النزاع في القطع الحاصل من الدليل العقلي النظري دون الحاصل من الدليل العقلي الضروري.

والفرق بينهما أنّ المراد من الدليل العقلي الضروري : ما توافق عليه العقول ، كقبح الظلم وحسن الإحسان.

والمراد من الدليل العقلي النظري : ما اختلفت عليه العقول ، كالدليل العقلي بالنسبة إلى سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث استدل من يقول بامتناعه بأنّه عيب ، واستدل من يقول بإمكانه بأنّه لطف على الامّة لئلّا يستهزئ بعضهم بعضا بالسهو ، وما يمكن أن يكون دليلا للأخباريين هو الوجهان.

(لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها).

هذا هو الوجه الأول الذي استدل به الأخباريون والوجه الثاني هو الأخبار ، وسيأتي في كلام المصنّف رحمه‌الله حيث يقول : فإن قلت : لعل نظر هؤلاء في ذلك إلى ما يستفاد من الأخبار ، ثم يذكر الأخبار.

٦٠